الفصل الثالث والعشرون

Start from the beginning
                                    

تلك الليلة كانت حلا مستلقية في فراشها واضعة هاتف سما بجوارها على الوسادة .... تنظر اليه منتظرة بشوق أن يكلمها مرة أخرى ....
و فجأة علا رنين الهاتف بالفعل فأسرعت تلتقطه بسرعة , لكنها أصيبت بالإحباط تماما حين وجدت اسم احمد ....استمر الرنين وقلبها يرأف لحاله اكثر و اكثر .......كان بينهن اتفاقا غير معلن الا ترد أيا منهن على زوج الأخرى ..... لكن حلا لم تستطع احتمال تأنيب الضمير اكثر فلقد مرت ثلاثة أشهر دون أن تكلمه سابين ..... نعم هو أخطأ لكن ليس من العدل أن يتحمل كل هذا الكم من القلق ...... اتخذت قرارها بسرعة و ردت على الهاتف فوصلها صوته الملهوف مناديا
( سما ؟؟ ..... هل هذه أنتِ ؟؟......)
ابتلعت حلا ريقها و ردت بصوتٍ منخفضٍ للغاية
( لا ..... أنا حلا .... مرحبا احمد )
وصلها صوته اكثر لهفة و اكثر رقة
( كيف حالك أنتِ يا حلا ؟.........)
ردت برقة ( بخير ........)
ثم صمتت تماما تنتظر سؤاله المفروغ منه فقال بلهفة واضحة ؛( كيف حال سابين يا حلا ؟.........)
ردت حلا بتعاطف ( إنها بخير تماما ..... غاضبة قليلا لكنها تحاول أن تخفي هذا )
سمعت صوته وهو يأخذ نفسا حزينا عميقا ثم همس مرة أخرى
( هل هذا يؤثر عليها ؟........هل هي ؟.........)
لم يستطع أن يكمل فكرامته أبت عليه ان يتأكد من حلا إن كانت سابين تحمل طفله بالفعل ام أنها مجرد خدعة منها ......لكنه لم ينتظر طويلا حتى وصله صوت حلا الناعم
( صدقني إنها بخير ....... والطفل أيضا )
سمعت حلا صوت ضحكة مختنقة و أنفاسا متهدجة ......فقد كانت تعلم أنه يريد التأكد منها , صحيح أنه من الجائز أن تقتلها سابين الا إنها لم تهتم .... ليس هناك قلبا في الدنيا يتحمل أن يظل احمد على مثل هذه النار و الحيرة .......لم يستطع الكلام للحظاتٍ طويلة فساعدته حلا وهي تهمس
( سيكون لابنتك أخا او أختا صغيرة ...... اليس هذا رائعا ؟....)
وصلتها ضحكة متحشرجة أخرى اكثر تهدجا و اختناقا ..... يالهى ... ان هذا الرجل الكبير يبدو وكأنه تألم كثيرا بحياته .....و لقد أوقعه حظه السيء أخيرا بسابين ......الن ترق لحاله أبدا ......
أخيرا استطاع احمد الهمس بتضرع
( حلا الن تخبريني أين هي ؟...........)
تنهدت حلا غاضبة من سابين بسبب هذا الموقف المتعنت لكنها همست بأسف
؛( لن أستطيع ......صدقني لن أستطيع .....إنها .....مجروحة للغاية بالرغم من أنها لا تظهر هذا أبدا لكني أستطيع أن المح الألم بعينيها .....اعطِها فقط بعض الوقت .......)
تنهد احمد تنهيدة قوية ....ثم قال بعد فترة صمت طويلة
( شكرا لكِ يا حلا .... على كلِ شيء.....لكن من العدل أن أخبرك أنني لن أوقف البحث عنها للحظةٍ واحدة ...... أن أرادت الوقت فلتأخذه لكن ليكن ذلك تحت أنظاري .....)
اتسعت ابتسامة حلا وهي تقول برقةٍ مشجعة
( لن يلومك أحد على البحثِ عن زوجتك أبدا ...........ومن يعلم ..... قد تكون حيث تظن أنك أضعتها )
همس احمد بحيرةٍ وعبوس ( ماذا ؟..........)
فقالت حلا بابتسامةٍ خلابة ( تصبح على خير يا احمد .... قبل ابنتك نيابة عني ) ثم أغلقت الخط
.................................................. .................................................. ........................................
في الصباح الباكر كانت حلا واقفة تنتظرعلى طريق البحر مرتدية بدلتها الرياضية بلونها الأبيض و شعرها مربوط على هيئة ذيل حصان ........ثم لم تلبث أن ابتسمت قائلة بعتب رقيق
( لقد تأخرتِ ...........)
اقتربت منها سمر وهي الأخرى ترتدي بدلة رياضية سوداء فقالت بمرح
( اعتذر جدا سيدتى .......هل ضايقك أحد ؟)
اتسعت ابتسامة حلا وهي تقول بمرح مماثل
( وهل يجرؤ أن يقترب أحد من حلا الراشد ؟........فليقترب مني أحد لتكن نهايته )
ضحكت سمر وهي تقول
( ياه.... لقد أرهبتِني حقا , اذن أنا معي حماية ممتازة فلا داعي لأن أخاف من أي أحد )
ضحكت حلا وقالت رافعة أحد حاجبيها ؛( بالتأكيد ......لا تخافي أنتِ معي )
ضحكتا طويلا ثم قالت سمر
(اذن هيا بنا ........ أين توقفنا آخر مرة ؟....)
ثم انطلقتا لتجريانِ على طريقِ البحرِ معا جنبا الى جنب ............و استرسلت حلا في الحديث كما اعتادت في المراتِ السابقة .
.................................................. .................................................. ..............................................
بعد عدة ليالي كانت سابين مستلقية في الفراش الضخم ..... تحيط بها ستائره الشفافة ..... تعزلها عن العالم كله لترسلها الى ليلةٍ تحاول جاهدة أن تنساها ..... ليلة حبها للمارد الذى كسر شيئا بداخلها ......لينمو شيئا آخر .......
مدت يدها لتضعها على بطنها التى ظهرت بحياءٍ شديد ............إنها في الشهر الرابع الآن .........هل حقا مرت أربعة اشهر على زواجها باحمد مهران ..... إنها تشعر بها كاعوام ........
أخفضت نظرها الى بطنها وهمست وهي تتلمسها ....
( ترى من ستكون ؟...........لقد جئت في غفلة مني تماما .... هل ظلمتك بمجيئك الى هذه الدنيا ؟؟.......وعلى ماذا ستحصل ؟....أبٍ لا يحترم أمك و لن يثق بها ........ وأمٍ لن تسامح أباك أبدا .......هل ستلقى نفس مصيري أنا و إخوتي ؟.......)
قاطع طرقا رقيقا على الباب استرسال افكارها الحزينة ..... فنادت بهدوء وهي تخفي حزنها بمهارة
( ادخل ........)
فتح الباب ودخلت اميرة بكلِ هدوء و وقار....... وهي تنظر الى أنحاء الغرفةِ بحزنٍ كما اعتادت أن تفعل كل مرةٍ تدخلها ...... فلقد لاحظت سابين ذلك مهما حاولت اميرة اخفاؤه .......
اقتربت اميرة منها وهي تبتسم برقة ثم جلست بجوارها على الفراش .....ثم وضعت يدها فوق يد سابين الملامسةِ لبطنها و همست بحب
( كيف حال حفيدي ؟.........)
ابتسمت سابين قليلا مخفية الشرخ العميق بداخلها وقالت بهدوء ( بخير ..... على ما أعتقد )
قالت اميرة مبتسمة ( لا ..... لا اريد كلمة اعتقاد ... أريده بخير )
ابتسمت سابين دون أن تجيبها فتنهدت اميرة و قالت بعد تردد
( الن تسامحي احمد بعد ؟.......إنه في حالة لا يحسد عليها )
أجابت سابين بقسوة ( هذه الحالة لا تقارن بما جعلنى أمر به .........)
أطرقت اميرة براسها وهي لا تجرؤ على مجادلتها في هذا الأمر .....إنها حتى هذه اللحظة لا تعرف كيف تمكن احمد من التصرف بهذا الشكل المخزي ......
حاولت ان تتكلم مبتسمة فقالت
( وماذا عن قلبك أنتِ ؟.......)
ردت سابين بصلابة ( ماذا عنه ؟.......)
ردت اميرة بثقة ( قلت لكِ من قبل أنكِ أخذتِ نظرة عماد الراشد ..... وأنا أعلم جيدا نظرة عماد الراشد حين يحب )
ردت سابين بعد عدة لحظات ( ربما .......لكني أخذت ايضا قسوة ايثار الراشد )
ندمت سابين على الفور حين نطقت باسم ايثار .... فقد تجلى الألم بأقسى اشكاله في عيني اميرة حتى أنهما لمعتا بدموعٍ خفية .....صمتتا هما الاثنتانِ طويلا وهما تتجرعانِ الألم معا ....لا مزيد من الكلام ممكن أن يقال ......
في هذه اللحظة دخلت سما الغرفة مبتسمة وهي تلقي التحية على اميرة وتقبلها على وجنتيها , لكنها لم يفتها إرتباك اميرة الشديد حين رأتها .... حتى إنها أدارت عينيها و كأنها تخفي أمرا يخصها ....جلست سما بجوارهما على الفراش مبتسمة بقلق تتبادل معهما المزاح قليلا بينما غاب جو المرح عن الغرفة تماما .......
لم تستطع سما الصبراكثر فقالت بقلق
(ماذا هناك عمتى ؟.... أنتِ تخفين عني شيئا ..... هل فارس بخير ؟ أرجوكِ أخبريني )
ارتبكت اميرة طويلا و توترت و بان الحزن في عينيها اكثر فاحترق قلب سما الى أن قالت اميرة أخيرا بشفقةٍ على سما
( لقد سافر فارس اليوم يا سما ..........)
ساد الصمت جو الغرفة تماما بينما صعقت سما لما سمعته .... همست بعد فترة من الصدمة
( كيف سافر ؟...... ولماذا ؟......)
أجابتها اميرة بحزن ( لم أعلم صدقيني الا بعد سفره ... لقد تعمد اخفاء الأمر عني تماما , لقد علمت أنه خطط لذلك منذ فترة فأرسل الى مدير أعماله بالخارج و الذى انهى جميع الاجراءات الأيام الماضية .......و جاء الى هنا ليصطحبه معه )
ظلت سما ناظرة اليها فاغرة فمها لا تفهم شيئا مما يقال .... أخذت تهذى بعد لحظات
( لكن كيف ؟..... من سيرعاه ؟......إنه .......)
صمتت حين شعرت بعدم ترابط كلامها فقالت اميرة حزنا على حزنها
( لا تقلقي ... لقد أخبرني مدير أعماله أنه في حالة هادئة و أنه سيتقبل المساعدة الطبية دون اعتراض )
حاولت سما الكلام ففتحت شفتيها الا إنها عادت لتغلقهما و هي لا تجد القدرة على الرد .... مدت سابين يدها لتربت بها على يد سما , التى نظرت اليهما بابتسامة مهزوزة وقالت بتلعثم
( ماذا ؟.... لماذا تنظرانِ الي هكذا ؟..... أنا بخير حقا ..... قد يكون هذا خيرا له , فلقد تعب كثيرا و ....... أنا أتمنى له السعادة حقا ......إنه يستحق ان .......)
صمتت حين شعرت بغصةٍ فى حلقها كصخرةٍ مدببة و اندفعت الدموع الى عينيها فرمشت بسرعة وقامت من على الفراش وهي تهمس بتحشرج
( عن اذنكما .......) ثم خرجت جريا من الغرفةِ و هي تشهق شهقة لم تستطع كتمانها ... زفرت سابين بحنق وهي تهمس
( الأحمق ... الغبي , سيعرف مقدارها حين يكون قد فات الأوان )
نظرت اليها أميرة و هي لا تحتمل اكثر كل هذا الألم الذى سببه أبناء مهران لبنات عماد الراشد .... لقد أخلفت وعدها له ....وها هن بناته جميعن يعانين أشد المعاناة .......لقد خانت عهدها لحبيبها ......عند هذه النقطة قامت هي الأخرى من مكانها و هي غير قادرة على منع الدموع من القفز الى عينيها فنظرت الى سابين باعتذار قائلة
( اعذريني حبيبتي .......)
ثم خرجت من الغرفة وهي تضع يدها على قلبها المتألم ........
.................................................. .................................................. ...............................................
كان احمد مهران جالسا بعظمة آل مهران ينافسه هيبة... أدهم مهران الجالس الى يمينه و مساعدته حسناء الجالسة الى يساره .....
كانا يجلسان بثقةٍ في اجتماعِ تعارف لعدد من رجالِ الأعمال و قد حضر الجميع بمساعديهم .... ماعدا واحد ..... وهو من ينتظره تحديدا .....على نارٍ حامية ....
التفت قليلا الى ادهم وهو يقول بملامح متصلبةٍ حتى لا يظهر عليها شدة التوتر الذى ينهش أعماقه
؛( لا تنسى يا ادهم اننى اخبرتك فقط لتاتى معى وتمنعني من التصرف بحماقة .... فمن فضلك التزم الهدوء ان كانت هي , انا احتاج لسيطرتك اكثر من سيطرتي )
ظل ادهم صامتا قليلا وهو يشعر بالغضب يكاد يفتك به و أحمد يطلب منه التزام الهدوء إن رأى سابين أمامه الآن ..... كيف له أن يمسك أعصابه فلا ينهض ليحطم رأسها على ما سببته للجميع من أذى .....لكن لا سبيل آخر غير هذا إن أراد الوصول الى حلا ......
لحظاتٍ وكانت الساحرة تدخل من بابِ القاعة .... لتتبعها مساعدتها .....
فتح ادهم عينيه على أقصى اتساع وهو لا يصدق أنه يرى حلا أمامه ..........بينما هتف احمد همسا مصعوقا الى ادهم
( يا الهي ..... إنها هي بالفعل )
مال ادهم في كرسيه الى الأمام و كانه ينوي الانقضاض عليهما فأسرع احمد للإمساك بذراعه وقد صعقه وجود حلا الذى سيفسد كل شيء بجعل الوحش ينتفض في أية لحظة ..... قال احمد وهو يستجدي ادهم الذى يحاول النهوض
( أرجوك يا ادهم ليس الآن ...... بالله عليك لقد أحضرتك هنا لتهدئني , امسك أعصابك ..... الناس جميعا تتطلع بيننا و بينهما )
حاول ادهم جاهد السيطرة على أعصابه و هو ينظر الى حلاه التى غابت عنه لثلاثِ شهور ٍ كاملة ..... يا الهي ما اجملها ..... انها تبرق سحرا ......
نظرت حلا الى وجوه الحاضرين تبحث بلهفةٍ الى ان اصطدمت عيناها بعيني الوحش ......ها هو ..... انتفض قلبها مرة ... مرتين .... استمر في الانتفاض حتى شعرت به يكاد يقفز من صدرها ......ثلاثةِ اشهر .... لم تره لثلاثةِ اشهر .....
غاب كل الحاضرين عنهما الآن وقد اشتبكت عيناهما في حوارٍ طويلٍ صامت ...... يبث كلا منهما نار شوقه الى الآخر عله يفهم ....
كانت حلا هي أول من استرد وعيه حين همست دون صوت ... مجرد تشكلت شفتيها بحروف كلمة ( حبيبي .........)
اشتعلت عيناه عشقا و اشتياقا و ارتفعت زاويتي شفتيه وهو يلتقط حروف كلمتها من حركة شفتيها.......طافت نظراته عليها من رأسها الى قدميها , كانت تبدو مذهلة و بها سحر غريب جديد عليها .....
كانت ترتدي زيا كلاسيكيا رسميا أسود محتشما لكن في نفس الوقت يحدد معالم جسدها الخرافي بشكلٍ أشعله وجعله راغبا في خنقها و تقبيلها في نفس الوقت .......
لم يستطع الصمود اكثر وهو يحاول النهوض الا ان احمد ازداد تشبثا به وهو يهمس بحدة
( ليس الآن يا ادهم أرجوك لقد بدأ الاجتماع بالفعل ونحن في غنا عن الفضائح حاليا )
أخذ ادهم نفسا عميقا و حاول التراجع في كرسيه حتى لا يهجم عليها أمام الناس بينما عيناه التهمتها التهاما وهي تجلس مقابلة له على طاولة الإجتماعات الضخمة دون أن تفارق عيناها عينيه ..........
في لحظة دخولهما الى القاعة دارت عيناها في لمحةٍ خاطفةٍ حتى التقطتت هدفها ..... ها هو ..... بالفعل هو بنفس الذكاء الذى توقعته عنه , وها هو نجح في الوصولِ اليها .....
دخلت سابين الى القاعةِ تتبعها حلا .... كانت مشيتها الرشيقة بدت وكأنها تخطو على قلوبِ الحاضرين ..... كانت كائنة خرافية من السحر و الأناقة ..... والوقار ...
حتى أن الصمت ساد القاعة تدريجيا ثم تعالت الهمسات بعدها يسألون بعضهم البعض إن كانت هذه هي سابين الراشد زوجة احمد مهران بالفعل أم أنه مجرد تشابه ......
أخذت النظرات تتنقل بينهما و تأكدو جميعا من أنها هي بالفعل زوجة احمد مهران من نظراته المشتعله اليها ......انتقلت نظراته لا إراديا الى بطنها الذى لا زال ضامرا لكن عينه هو فقط من التقطتت ذلك الإنتفاخ البسيط بها .... احترقت شفتاه بابتسامة رائعه وهو يرفع عينيه الى عينيها يسألها ففوجىء بل صعق من نظرةِ حنانٍ غريبة ٍ في عينيها احتوته والقته في بحورها مع ابتسامتها الحانية وكأنها تطمئنه أن الطفل بخير ..... كانت نظرة خيالية بينهما .... لكنها دامت لحظة ..... فقط لحظة حتى أنه لم يكن متأكدا منها حيث عادت القسوة والشراسة الى عينيها ......
تقدمت سابين كملكة غازية حتى جلست في مقابلته .... واضعة ساقها الرشيقة فوق الأخرى بكل أناقة دون أن تحيد عيناها عن عينيه بكلِ تحدي .......أغلق احمد كفيه في قبضتين قويتين حتى ابيضت مفاصل أصابعه و هو يحاول التحكم بنفسه حتى لا ينهض و يجذبها اليه .
استمر هذا الإجتماع طويلا حتى شعر كلا من احمد وادهم انهما على وشكِ الإنفجار من عدم قدرتهما على القيام بأي حركة .....
بينما كانت سابين تجلس بمنتهى البرود وهي تتطلع بنظرةٍ جليدية الى حسناء مساعدة احمد التى اخذت تتعمد الاقتراب منه كل فترةٍ لتهمس له شيئا .... حتى ان احمد نفسه شعر بالضيق وهو يحاول جاهدا الابتعاد عنها حين تهمس له شيئا ..... و عندما التقط نظرات سابين الثلجية عاوده الشعور الفظيع بالذنب وهي تراه سلبها ما تعبت من أجله كثيرا ........
أخيرا في نهاية الإجتماع قامت سابين بكل هدوء و وقار لتقول محدثة الحضور بعد تحيتهم
( بالطبع وصلتكم خطاباتي بقرب بدء مجموعتي الخاصة الا إن الإسم هو ما سيتغير ...... ستصبح مجموعة عماد الراشد )
تعالت الهمسات و التعليقات و الجميع في حالةٍ من الدهشة ...... كيف أن سابين الراشد امتلكت الجرأة للنزول الى السوق بمجموعةٍ منافسةٍ لمجموعة مهران ..... وهل هي تمتلك بالفعل الإمكانيات اللازمة لمثل هذه الخطوة الجبارة ؟............
بعد لحظاتِ الصدمة الأولى علا فجأة صوت احمد مهران وهو يقول بصوته العميق الواثق
( تهانئي على بدء المجموعة الجديدة ...... بالرغم من أن مجموعة مهران لم تتلقى دعوة )
التقت نظراتها بنظراته بتحدٍ سافر و قالت بسخريةٍ مبطنة لم يلحظها غيره
( وهل تحتاج مجموعة مهران الى دعوة ؟؟........إنها مدرستي الأولى )
ارتفع حاجباه قليلا وهو يقاوم نفسه حتى لا ينقض عليها و يذكرها بمعلمها الأول .........استمر التحدي بينهما و بدأ الجو في التوتر الى أن أُعلِن عن انتهاء الإجتماع ..... وما أن بدأ الناس في الخروج أو النهوض لمحادثة بعضهم حتى قام أدهم مندفعا كأسدٍ في اتجاه فريسته بينما ظل احمد مكانه ينتظر على نارٍ خروج هذا الجمع من المراقبين له و لسابين .......
اتسعت عينا حلا قليلا وهي تشاهد اندفاع ادهم ناحيتها و عيناه مشتعلتانِ اشتياقا و ما أن وصل اليها حتى جذبها من يدها بقسوة وجرها خلفه بسرعةٍ شديدة حتى كادت أن تتعثر خلفه وهما يخرجانِ من القاعة .......
استمر ادهم يجرها خلفه يبحث بعينه يمينا و يسارا حتى حتى وجد باب سلم الحريق الخلفي فدفعه جاذبا حلا معه وما أن أغلق الباب خلفه حتى جذبها اليه محاوطا خصرها بذراعيه رافعا إياها عن الأرض وهو يجتاح شفتيها بشفتيه بقبلةٍ أخبرتها بعمقِ ما كان يشعر به وهو بعيدا عنها .....استمر شوقهما العاصف للحظاتٍ طويلةٍ وهي تحاوط عنقه بذراعيها و معلقة تتأرجح بساقيها ......
وحين ابتعدا أخيرا عن بعضهما وهما يتنفسانِ بصعوبة يتطلعانِ الى أعينِ بعضيهما بشوقٍ مجنون قطعته حلا وهي تمد يدها لتلامس بها لحيته الناعمة الخفيفة هامسة بتأوه و شغف
( لقد أطلقت لحيتك ..... كل ما تفعله يزيدك وسامة و روعة )
أنزلها أدهم الى الأرض على قدميها لكن لا ليتركها بل ليجذب وجهها الحبيب اليه ليقبله بكلِ شغف ثم ابتعد مرة أخرى مقاوما نفسه و هو يجذبها من يدها وهو يهمس ( تعالي ..........)
هتفت حلا و هي تجري خلفه وهو ينزل بها على السلالم ( الى أين ؟.......أدهم .. الى أين ؟...... لن أستطيع أن أرحل دون سابين )
لكن ادهم لم يجبها وهو ينزل بها ..... ليتوقف عند كلِ طابقٍ مقبلا إياها بقوة ..........حتى وصلا أخيرا الى الطابق الأرضي ومنه الى سيارته التى انطلق بها حاملا معه حبيبة عمره كله ..........
.................................................. .................................................. .......................................
كانت سابين تلملم أوراقها من على طاولة الإجتماعات الضخمة وهي تشعر بعينيه مسلطتانِ عليها بقسوةٍ كادت أن تحرقها .... لكنها لم تهتم ولم ترفع حتى رأسها اليه ........حتى خلت القاعة تماما الا منهما و مساعدته .......
اقترب منها احمد ببطءٍ حتى وصل اليها ..... و للحظاتٍ لم يستطع النطقِ بكلمة وهو ينظر الى رأسها المحني و خصلة شعرها التى حجبت وجهها عنه .....
ظلا هكذا الى أن سمع صوتِ اقتراب كعبي حذاء مساعدته العاليين وهي تطرق بهما الأرض بنفاذ صبر ثم قالت بصوتٍ ناعم
( هل سننصرف الآن يا سيد احمد ؟..........)
قال بصوتٍ صارم دون أن ينظر اليها ( يمكنك الإنصراف أنتِ حسناء .......سيوصلك السائق , أنا سأبقى لأقل زوجتي )
سمع صوت انصرافها بحدة دون حتى أن تلقي التحية على سابين الا إنه لم يكن ليهتم بها الآن ..... في حضرةِ ساحرته ......
رفعت سابين نظرها اليه رافعة حاجبها بسخرية وهي تقول بصوتها الذى لازال مغريا كما يتذكره تماما
( حسناء ؟؟!!!........لقد أجدت اختيار من تخلفني )
التقى حاجباه وهو يشعر بنفس الشعور القاسي بالذنب .... الا انه رفض ان تبعده عن هدفه الذى عذبه لأشهر فقال بصوتٍ عميقٍ اجش
( كنتِ تعلمين أنني سأجدك اليوم ..... لقد رأيت ذلك في نظراتك حين دخلتِ )
نظرت الى عينيه بتحدى وقالت بنعومة
( عرفت أنك من الذكاء لتفكر باحتمال بدء عملي الخاص )
حاول جاهدا السيطرة على نفسه وهو يقول ( حسنا لقد لعبتِ و استمتعتِ بوقتك ..... الم يحن الوقت لننتهي من هذه المهزلة ؟)
ظلت تنظر اليه في صمت ثم قالت بعد فترة
( لم تكن لعبة أبدا ..... إن كنت تريد أن تجدني , كنت لتجدني بكلِ سهولة .....كان من الممكن أن تكون حاضرا لحفلِ تالا .....كان من الممكنِ أيضا أن تعود لتتذكرني في أنحاءِ قلعتك )
اتسعت عيناه بصدمةٍ وهو يتذكر جملة حلا الاخيرة له في الهاتف فقال مصدوما
( كنتِ هناك كل هذا الوقت ؟!!!...... خرجتِ منها لتعودي اليها اليومِ التالي ؟!!! .... وأنا الذى بحثت عنكِ في كلِ مكان .....لكن كيف لم تعلم أمي بهذا ؟.....)
اتسعت ابتسامتها المستفزة أكثر وهي تجيبه
( أخبرتك أنك لو أردت أن تجدني لوجدتني بسهولة ............)
أغمض عينيه بشدةٍ وهو يرفع يده الى جبهته وهو يشعر بغضبٍ شرس من كلِ من حوله .... ثم أخذ نفسا عميقا وهو يحاول تهدئة نفسه ثم قال بصوتٍ عميقٍ مجهد .......
( حسنا يا سابين .......أنا مستعدا للتغاضي عن الأشهر الماضية , فقط من أجلِ ما سببته لكِ من قبل .......لكن هذه المهزلة يجب أن تنتهي حالا , فلتعودي معي الآن ......)
لكن قبل أن تجيبه سابين بردا متحديا رآه في عينيها اللاهبتين .... كان قد رفع يده اليها لتسمع أولا ثم تابع بهدوء
؛( عودي معي .....و أنا مستعدا لتمويلِ مجموعتك بالكامل )
شعرت سابين و كأنه لكمها في معدتها ....... فسكتت تماما تتطلع اليه بنظرةٍ جوفاء الى أن تمكنت أخيرا من القول بصوتٍ بارد لا معنى له
( بالطبع ...... حين يفشل آل مهران في نيل ما يريدون , لا يكون لهم سوى الحل الأزلي .......شراء نساء الراشد .....لكن فلتسمع هذا جيدا يا احمد مهران ....... سابين الراشد ليست للبيع )
أمسك بذراعها بقسوة و قال بغضب
( من سيمنعني الآن من جرك الى البيت ؟............)
انتزعت ذراعها منه بقسوةٍ أكبر وهي تقول بشراسة
( لما لا تحاول ؟..... أحمد مهران العظيم يخرج من هنا حاملا زوجته على كتفه وهي تصرخ ........حقا أحمد ؟!!!......في أى زمنٍ تعيش ؟...... المرة السابقة أخذتني غدرا أما الآن فأنا مستعدة لك ,أرِني أقصى ما تستطيع فعله ...........)
ظل ينظر اليها بغضب يتزايد ثم قال بصوتٍ قوي
( هل تتصورين أنني سأتنازل عن ابني بهذه البساطة ؟..............)
هدأت ملامحها الشرسة و ظلت تنظر اليه طويلا ثم قالت مبتسمة بهدوء
( ومن قال أنني سأحرمك منه ......... لقد ذهبت أيام العبث يا احمد و أنا الآن أحاول البدء من جديد , وأول ما أريده هو حياة سوية لطفلي لذا تأكد من أنك ستكون متواجدا بحياته ...... لقد أثمر تعليمك و ستحصل على أمٍ محترمةٍ لطفلك فلا تقلق )
شعر بطعنةٍ في صدره من جملتها البسيطة اكثر مما لو كانت جادلته و تعنتت معه .......لا يعلم لماذا .........
اقترب منها احمد اكثر وهو يمسك بذراعيها ليهمس لها ( و زوجتي ؟..............)
رفعت عينيها اليه لتأسره بهما و تضيعه في لونهما الرائع الذى تحول الآن الى لونٍ صافٍ تماما .....فلم يشعر بنفسه حين أخفض رأسه ليقبل شفتيها المكتنزتين بلهفةٍ دون اعتبارٍ للمكان الذى هما به ....... وتركته سابين يروي شوقه العاصف اليها وهي تعلم بإمكانية دخول أى أحد في أية لحظة الا إنها لم تهتم ...... منذ متى كانت سابين الراشد تهتم لمنظرها أمام المجتمع ...... لكن أن يتصرف أحمد مهران بهذا الشكل فهذا هو ما أرضاها و غذى كبريائها المجروح منه .......
بعد لحظاتٍ دافئةٍ بينهما رفع احمد رأسه لينظر مبتسما الى عينيها اللامعتين .......لكن قبل أن يهمس بكلمة حبيبتي ...... كانت سابين قد تكلمت بكل هدوء
( أريدك أن تبدأ في معاملاتِ الطلاق يا أحمد .......من فضلك )
استغلت لحظات ذهوله و صدمته فأخذت أوراقها و ابتعدت عنه وهي تمشي بكلِ ثقة ...... تاركة إياه في حالة ٍ من اللا تصديق ...والألم الفظيع ......بالإضافة الى غضبٍ مدمر بدأ في الاشتعال بداخله تدريجيا الى أن اندفع خارجا من القاعة وهو ينظر اليها وهي تبتعد برشاقةٍ في الممر الطويل فصرخ
؛( في أحلامك يا سابين ............)
لم تتوقف ولم تنظر حتى اليه بل تابعت سيرها الى أن اختفت من ناظريه ..............و تركته يهمس لنفسه بوحشية
( في أحلامك .....في أحلامك يا سابين .....لن تكوني لغيري مادام في صدري نفسا يتردد وهذا وعدا مني )
.................................................. .................................................. ..............................................
كانت سابين جالسة في سيارتها تحاول تهدئة أنفاسها المضطربة وهي ترتب أوراقها محاولة منع أي شيء من التشويش على فرحتها ببدء مجموعتها الخاصة ..... مجموعة عماد الراشد ..... لو كان فقط حيا ليرى هذا اليوم ...... لكن مع ذلك يكفي ان اسمه عاد للظهور في السوق من جديد .......
تذكرت البريد الالكتروني الذى وصلها منذ فترةٍ من الخارج من مجموعةٍ ضخمة بدأت عملها منذ سنين ......فقلب الموازين تماما .... إنها تحفظه تماما ... كل حرفٍ فيه ....
عزيزتي سابين الراشد
اعتذر عن التساهل في الألقاب , لكنى سررت للغاية حين علمت برجوع اسم عماد الراشد من جديد ....لقد كان مثلنا الأعلى دائما , أعرف أن له ثلاثِ بنات لكنى اندهشت تماما حين عرفت ببدئهن في مجموعةٍ جديدةٍ منافسةٍ للمجموعاتِ الضخمةِ الموجودة ......
إنها لشجاعةٍ منقطعةِ النظير , لذا تقبلي مني كافة المساعدات المطلوبة , وإن وافقتِ فسأكون مسرورا بتمويل مجموعة عماد الراشد الى أن تسترد مكانتها التى كانت من سنين طويلة .....سأرسل لكِ كافة المعلومات التى تحتاجينها لدراستها ......
تقبلي منى خالص تمنياتي بنجاحك و بتعاملٍ قريبٍ بيننا
عمار الراشد

لعنتي جنون عشقكWhere stories live. Discover now