(سيظل عشقك مرادي) By:Noonaz...

By NehalAbdElWahed

66.7K 3K 520

أحبها وهام بها عشقًا، انتظرها وانتظرها... ولما طال الإنتظار أقسم ألا تكون إلا له مهما كان المقابل، ولكن... J... More

مقدمة
(1)
(2)
(3)
(4)
(5)
(7)
(8)
(9)
(10)
(11)
(12)
(13)
(14)
(15)
(16)
(17)
(18)
(19)
(20)
(21)
(22)
(23)
(24)
(25)
(26)
(27)
(28)
(29)
(30)
(الأخير)

(6)

1.9K 95 18
By NehalAbdElWahed

بقلم نهال عبد الواحد

بعد يومٍ طويل من العمل، الجهد، الحديث، الازدحام، دلف بيته المظلم الهادئ، المناقض تمامًا لما خارجه، خطا خطوات، أضاء مفتاح الإنارة لمصباحٍ واحد فقط، خلع نعليه ثم سار على هدي الإضاءة الخافتة حتى حجرته.

بعد قليل اتجه نحو الحمام ليغسل عناء وتعب اليوم، هاهو أسفل مرش الماء، يفرك جسده نظافةً وللاسترخاء، ربما يتخلص من الجهد والعناء، لكن لا زال داخله يخفي أجزاء، يعيش وحيدًا في فراغٍ عملاق، يشعر بروحه فجأة وقد صارت خواء.

أغلق الماء، لف منشفته حول وسطه، أخذ الأخرى جفف بها خصلات شعره، فتح الباب وخرج، وقف أمام حجرة مغلقة، أمسك بكفه مقبض الباب، أسند رأسه للحظات ثم أدار المقبض ببطء وفتحه.

أنار النور فإذا هي حجرة نوم قديمة لكنها جميلة، تجول برماديتيه في كل ركنٍ فيها، شعر بحنينٍ جارف للماضي، لأناسٍ رحلوا وتركوه وحيدًا.

ركّز رماديتيه على هذا السرير البُني، لمح طيف امرأة متكئة عليه ممددة الساقين أسفل الغطاء، تحيّك بيديها ثوبًا صوفيًا رمادي اللون بإبرتين التريكو، مستلقيًا على بطنه جوارها طفلها يكتب واجبه المدرسي، تتفقده من حينٍ لآخر، بينما هو يعبث بقدمه بكرة الصوف من حينٍ لآخر، فتهسهس له أمه، تناديه بعد قليل، يعتدل جالسًا، تضع على ظهره الثوب غير المكتمل تقيسه عليه لكنه لا زال قصيرًا عليه، لا زال يحتاج للزيادة، تربت عليه فيعود مستلقيًا يكتب واجبه، وتعود هي تكمل ثوبه...

زفر نفسًا حارًّا مغمضًا عينيه بقهر، تفقد الأثاث برماديتيه فلاحظ بعض الأتربة، فأمسك بخرقة قطنية، مسح الأتربة من فوق أثاث الحجرة، خاصةً هذه الصور الفوتوغرافية المعلّقة، مسحها بعناية شديدة مع مزيد من التنهيدات الحارة، صور لرجل، امرأة، طفل في أعمارٍ مختلفة، تلمّس صورة الرجل والمرأة بحنينٍ كبير، تمتم مغمضًا عينيه، أطفأ الإضاءة وغادر مغلقًا الباب.

دخل حجرته، كانت بسيطة للغاية، مجرد سرير وخزانة ملابس بنية واجهتها مرآة، أخرج منامة منزلية صيفية وارتداها، قبل أن يغلق خزانة ملابسه، أدخل يده في أحد أقصى جوانبها مخرجًا الثوب الصوفي الرمادي، أمسكه بيديه واحتضنه مغمضًا عينيه، شعر بروح أمه حوله تضمه وتربت عليه، طواه وأعاده مكانه...  أجل، كان هو ذلك الطفل...

بعدها اتجه إلى المطبخ أخرج من الثلاجة إناء صغير وضعه على الموقد، بعد قليل وضع طعامه وجلس يتناوله على منضدة بالمطبخ، يبتلع اللقمات بتثاقل وصعوبة بالغة، حقًا الوحدة هكذا شيء قاتل، سرعان ما نهض، غسل طبقه وعلّقه، أخذ الممسحة ومسح الأرض، خرج يتفقد أثاث الشقة وأرضيتها ربما تحتاج لبعض المسح، لكنها نظيفة...  للأسف لا شيء يقتل به وحدته في هذا البيت الفارغ.

صنع لنفسه كوبًا من الشاي ثم دخل حجرة أخرى، عبارة عن مكتب صغير ومكتبة خشبية كبيرة بحجم الحائط كله مملوءة بكم هائل من الكتب، وضع كوب الشاي على المكتب، وقف أمام المكتبة يسير بإصبعه يختار كتابًا يقتل وقته حتى يقتحمه النعاس.

اختار كتابًا، جلس على مكتبه يقرأه مرتشفًا رشفات من الشاي من حينٍ لآخر، وبعد مرور بعض الوقت شرد قليلًا، تذكر منذ سويعاتٍ قليلة، وسط هذا الجمع لمحها على الجانب المقابل للطريق، كأنما نظرت إليه، بل قد تقابلت نظراتهما، تُرى هل كانت تنظر إليه من الأساس أم فقط خُيّل له!

مهما كانت الإجابة، هناك شيء محسوس وكأن خيط خفي ربطهما معًا، كلما ابتعد أحدهما تراه يعود نحو الآخر مقتربًا، حتى ولو كان هذا الاقتراب محدد لا يتخطى حدود بعينها، لم يخفى عليه أسئلتها التي لا تنتهي حتى ولو كانت مكررة ووصمتها بالغباء، ولا ينكر رغبته في المزيد من الإجابات والحديث معها دون توقف.

كل يوم يسأل نفسه هذا السؤال ولا يجد إجابة، أو ربما يصل لنفس الإجابة لكنه لا يصدقها، فتجئ ضربات قلبه المتبعثرة تؤكد هذه الإجابة، هل فعلًا أحبها؟ هل آن الأوان لتقتحم حياته من تجئ تؤنس وحدته القاتلة؟ لكن ماذا عن طريقه، أهدافه، مراده؟ لا يمكن أن يحيد عنها أو يتركها لأي سبب، حتى ولو كان العشق.

مزيد من الأيام تمر، تتشابه أحداثها لكنها ترسّخ المزيد من المشاعر داخل قلبيهما، في نفس الوقت لم يغيب عن ياسر هذا الوميض المطل من ملامح عشق، لكنه لم يراها تقابل أحدًا، لا شيء يتغير في حياتها، تتحرك من وإلى الكلية مع بضع زميلات وأحيانًا بصحبة أبيها، ولا تذهب إلى أي مكان سوى المسجد، والذي تكون بصحبتها أمه وعمته، صحيح أن بعض النساء اللاتي اعتدن على رؤيتها في المسجد تحدثن بشأنها لأمها بغرض خطبتها، لكن عشق دائمًا ترفض بصرامة، إذن ما الأمر؟ ما الذي استجد في حياتك يا ابنة العمة؟ ألا تعلمي أن عشقك هو مرادي!  حتى ولو تجاهلتيه لكن في الأخير لن تكوني سوى عشقي، ربما هذا التغيير الذي حلّ بكِ هو رونق الحجاب والالتزام، أجل هو كذلك ولا غير ذلك!

هكذا دائمًا ياسر يحدث نفسه ويقنعها...

أما عشق فطوال عام دراسي كامل تعرفت على حركاته وسكناته، لا تدع فرصة إلا واستفاضت في حديثها معه، لكنها لم تعرف عنه الكثير، بل لم تعرف عنه أي شيء! فقط عرفت عمره بالمصادفة، والذي يقارب إحدى وثلاثين عامًا، أي يكبرها بعشرة أعوامًا كاملة، دائمًا يقول لها أنها فتاة صغيرة، هل هي ملخص نظرته لها ورأيه فيها؟

لكن داخلها نمت مشاعر كثيرة، شعرت بحالة تشبه التي يُحكى عنها في تلك الأغاني التي هجرت سماعها منذ زمن، ورغم دراستها للغة العربية، أعظم لغات الدنيا وأغناها، لا تجد ما تصف به مشاعرها الجياشة نحوه، لكنها تثق أن كل ذرة في كيانها تعشقه وتتمناه، ولو نطقت لنادت باسمه لاهثة «يا مراد أنت مرادي طوال حياتي، قل لي متى ستحبني وتشتاق لي! أم هذا بعيد عن مرادك!  أنا عشق فهل لي من اسمي نصيب؟ بشرط أن تكون أنت هو هذا النصيب!»

أما عن ياسر فإن كانت لم تلتفت إليه يومًا عندما كان دائم التزاور لهم، فما باله وقد صارت زيارته قلّما تكون، ليته يعي أن مقاعد قلبها قد اكتمل عددها ولا مكان له داخلها، فقد أغلقت بابه وألقت بمفتاحه في جبٍٍّ قعره بعيد لا تصل له أي أيادي.

وبدأ العام الدراسي الجديد، العام الأخير لها في الجامعة، لا تعرف إن كان ينبغي عليها أن تسعد لانتهاء عناء الدراسة، أم تحزن لأنها لن تلقاه بعدها، لكنها لا تعلم من الأساس إن كان سيدرّس لها هذا العام، أو سيقدم إلى جامعتهم! فهو أستاذ منتدب مكان عمله الأساسي كلية الدراسات الإسلامية، أحيانًا يُنتدب في كلية التربية، الآداب، الشريعة أو الحقوق.

تمنت بشدة أن يدرّس لها هذا العام، وأسعد لحظات حياتها كانت عندما قرأت داخل جدول المحاضرات اسم الدكتور مراد عبد الرحمن، بل وموعده اليوم، اتسعت ابتسامتها بسعادة، خفق قلبها أشد الخفقان، تمنت لو كان بإمكانها أن تقفز فرحًا، لكن لم يمكن لها إلا أن تتمتم حامدة لله وهي تنقله كاتبة داخل كشكولها.

سارت بضع خطوات تزين ملامحها أجمل ابتسامة، وجدته أمامها بنفس أناقته، جاذبيته، حضوره الطاغي، تجمدت مكانها تتطلع لكل إنشٍ فيه بشوقٍ وحنين فشلت في إخفاءه، تقدم نحوها بابتسامة متسعة لم تعلم مداها؛ فرماديتيه مختبئتين خلف نظارته الشمسية، أهدر مبتسمًا: السلام عليكم ورحمة الله، إزيك يا آنسة؟ عام دراسي سعيد إن شاء الله!

أجابت بابتسامة متسعة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركته، إن شاء الله عام سعيد على الجميع.

فركت أصابعها في طرف كشكولها ثم أكملت: أنا اسمي عشق لو حضرتك نسيت!

أومأ نافيًا بابتسامة: لا مش ناسي.

- إحنا سعداء جدًا بوجود حضرتك معانا السنة دي كمان.

- أنا أسعد يا آنسة.

أطالت النظر إليه، ودت لو تسأله لماذا لا تناديني باسمي أو أسمعك تنطقه بصوتك العميق، ألا زلت تنساني وفقط تجاملني، بل لم تأبه إليّ من الأساس؟

لكنه لم يبعد ناظريه عنها هذه المرة، وإن كان يخبئ نظراته تلك خلف نظارته الشمسية، يعاني من صراع داخله بين ضميره الصارخ فيه ليغض بصره هذا، وبين اشتياقه الشديد إليها حتى ولو لمحها للحيظات من قبل، ود لو ناداها باسمها خاصةً وهو يقرأ حيرتها هذه، لو تعلمي مقدار صعوبة اسمك عليّ! وكمّ الفوضى التي تجتاحني كلما رأيتك أمامي كوردة نضرة، فما بال لو نطقت اسمك الذي ليس مجرد اسمًا بل هو حالة أعيشها...

ظل كلاهما صامتَين في محاولة لجمع الحروف والكلمات، بل جمع الشتات المتبعثر داخل كليهما.

نظر إلى ساعته فكفاه بعثرة، استأذن منها ملتفتًا دون أي حوار رغم تكدس المزيد من الكلمات داخل حلقيهما، لكنها قد تجمدت.

ظلت تتبعه بعينيها، استدار بظهره وتحرّك مبتعدًا شاعرًا بنظراتها التي تتبعه، توقف هُنيهة والتفت للخلف، وجدها لا تزال واقفة على هيئتها، ابتسم تلقائيًا نحوها فردت الابتسامة إليه، عاد مكملًا سيره بعد مزيد من البعثرة، اتجه إلى المكتب، تمنى لو لم يجد به أحد؛ فهو بحاجة لتنظيم أنفاسه، بل إعادة تنظيم كل شيء داخله سَبَّبَ كل هذه الفوضى.

اقترب موعد المحاضرة ولا زال في حالة ترتيب هذه الفوضى، لقد اعتاد على ترتيب كل شيء بدقة وسرعة لماذا تباطأ هذه المرة؟

هاهو موعد المحاضرة ولا يستطيع التدريس بهذه الحالة، فلينتظر مزيدًا من الوقت، لقد مر خمس دقائق، بل عشرًا، لا قد مضت ربع ساعة... عشرون دقيقة...

ليصرخ أخيرًا صوت ضميره ويستقله، يقود الموقف ومزيد من تأنيب الضمير والشعور بالذنب العظيم...  وأخيرًا تمكن من الإمساك بزمام نفسه، تحرك مسرعًا نحو قاعة المحاضرات متأخرًا نصف ساعة كاملة، فاعتذر وبدأ محاضرته بكل جدية، لكن بمجرد انتهائه منها غادر مسرعًا حتى لا يتقابل معها مجددًا.

وعندما جاء موعد درس المسجد ظل ماكثًا حتى اعتقد انصرافها على أغلب ظنه، وبالفعل خرج ولم يجدها.

لا يدري بحق إن كان يحكم هواه أم يعاقب نفسه، لكن العقاب الحقيقي كان عندما مر أسبوعان دون أن يلمحها في مكان، انقطعت عن المجئ إلى الكلية، كاد يفقد عقله وكل سيطرته، حتى الدرس لم يلمحها واقفة كعادتها، لا يشعر براحة أبدًا، لا يدري إن كان بسبب بعادها أم لمكروه قد أصابها...

Noonazad    💕💗💕

Continue Reading

You'll Also Like

22.9K 2.3K 89
الوصف بالتشابتر 0 رواية مترجمة
112K 3.8K 33
الرواية مكتمله 💫 هي مخترقة حسابات محترفة.بسبب هوسها المفرط بعالم المافيا تقرر في ليلة من ليالي اختراق حساب احد مهربين الممنوعات لتتفاجأ أنذاك بوصول...
212K 11.8K 51
"خطيبة ولي العهد" حائزة على المرتبة الأولى في روايات الدراما 🥇 أميرة مملكة شارلوت الاولى و الوحيدة ، الفاتنة ، الجذابة ، ذات الملامح الآسرة .. الت...