(18)

1.1K 82 4
                                    

#سيظل_عشقك_مرادي

الفصل الثامن عشر

بقلم نهال عبد الواحد

وصل مراد جرًا وسط رجلين عظيمين الجثة على قدمين هلاميتين، قد أُنهكت قواه من فرط ما نال من ضربٍ مبرح، فتح أحدهما باب زنزانته النتنة المظلمة ثم دفعاه أرضًا فلم يقوى على النهوض لبرهة يتلاقط أنفاسه ساندًا إحدى وجنتيه على الأرض الخرسانية.

ما كانت لحظات حتى بدأت دلاء الماء تُسكب عليه تباعًا فصرخ؛ قد كُويت جراحه، ظل الماء يُسكب حتى تحولت الأرض إلى بركة من الماء عطنة الرائحة، فاضطر للتسنّد حتى وقف مستندًا الحائط الأسمنتي.

هكذا سيُحرم حتى من الجلوس أو الاستلقاء رغم كل جراحه، أسند رأسه وعيناه تزرفان دمعًا قهرًا؛ فبأي ذنبٍ يُعاقب؟! أيعاقب لمثاليته! أم يعاقب لأنه لا يخشى في الحق لومة لائم؟!
بل ربما يُعاقب لمشاطرته آلام الفقراء واحتياجاتهم؟!

مهما طالت تساؤلاته لا يدري بالضبط الذي ارتكبه، لكن كل هذا لا يهم، مهما بلغ ألمه وظلمه فهو يثق تمام الثقة أن الله سيخرجه ويفرج كربه ولو بعد حين، وبقدر ما ابتلاه سيصبر، فالله لا يكلّف نفسًا إلا وُسعها، ودائمًا خلف كل ابتلاء حكمة إلهية حتى لو عجز عقله عن التفكير، كما يقول المصريون: «حمل ثقيل وكتف يشيل»

مؤكد هذا الابتلاء هو حكمة إلهية وتشريف من الله وتثقيل للموازين، وربك يخلق ما يشاء ويختار
ما كان لهم الخِيَرة سبحان الله وتعالى عما يشركون
فالإيمان نصفه صبر والنصف الآخر حمد، وهاهو يتمتم بين دمعاته الفياضة بالحمد ويسأل الله الصبر.

لكن ماذا عن كلمات هذا الضابط اللعين! هل فعلًا قد تآمرت عشق عليه من أجل حفنة من المال؟ هل خُدع فيها إلى هذه الدرجة؟!

لكن ماذا عن إحساسه! هل التبس هذا الإحساس لهذه الدرجة؟!
كيف وقد كان يقرأ عشقها له من عينيها ونبرة صوتها، كل حركة وسكنة، بل شعر بفيض عشقها عندما احتواها بين ذراعيه ووسم شفتيها بقبلته، كل هذا لا يمكن أن يكون كذبًا، أم أن درجة خداعها متقنة إلى هذه الدرجة؟!

فلم يتمالك نفسه إلا أن يبكي بقهر ويرتفع نحيبه...

تطرق باب غرفة المكتب بالمجمع وهو مفتوح، فيومئ لها برأسه أن تدخل، بينما كان يعطي رجلًا ظرفًا مغلقًا، تبدو أنها مساعدة مالية، وهو يحدثه قائلًا: مُر على دكتور هشام يمضيلك على الروشتة واصرفها من الصيدلية من غير ما تحاسب.

فدخلت وجلست مخفضة بصرها حتى ينتهي مستمعة لكلمات دعاء هذا الرجل بكل خيرٍ له.

وبعد أن انصرف الرجل ظلت محملقة بكل عشق لذلك الجالس أمامها حتى التفت إليها برماديتيه فيبتسم بهدوء متسائلًا بتعجب: مالك!

فتجيب بعشقٍ كبير: إنت أعظم راجل في الدنيا.

- العظمة لله وحده!

(سيظل عشقك مرادي)   By:NoonazadWhere stories live. Discover now