(1)

7.4K 183 26
                                    

بقلم نهال عبد الواحد

الحب من أحلى وأسمى المشاعر، بل هو من أفضل الأرزاق، ما أروع أن تشعر بانجذاب لشخص ما! تتسابق نفسك للقائه ورؤياه، تطوق روحك لعناق روحه، تحتضن عينيه بعينيك، تقدم المزيد من المشاعر والممتلكات، تضحي من أجله بأغلى الأشياء، دون انتظار مقابل ولا جزاء، قليل من الأنانية والامتلاك...

لكن الأروع بلا شك، أن يكون لهذا الحبيب نفس المشاعر مع بعض التفاوت وإلا سيتحول كل هذا الفيض والعطاء إلى سببٍ للهلاك، أو ربما دروب بعيدة، يا ويل من يسلكها ويسلط عليها!

في زمن التسعينيات، يوم ليس كغيره من الأيام، تحركات أكثر من المعتاد وسط الطرقات، وأصوات زغاريد تعانق الأجواء، تصدع من مختلف الأنحاء.

نجده يغدو ويروح هنا وهناك، لا يستطيع السيطرة على هذا القلق المتصاعد؛ فاليوم نتائج الثانوية العامة، وهو يحاول بشتى الطرق أن يخرج من عمله باكرًا قبل موعده؛ يذهب إليها، يطمئن عليها، تملّكه القلق بشكلٍ مريب لدرجة أفقدته الثقة بمستواها، تُرى ماذا فعلت في نتيجة الإمتحان! 

ولمَ لا؟! وهي عشق السنين والأعوام، ساكنة فؤاده، سلطانة عرش قلبه، لم ينسى قط ذلك اليوم، يوم اجتماع العائلة في بيت جدته أواخر شهر رمضان، الجميع مشغول بصنع كعك العيد وغيره من الحلويات...

كان طفلًا صغيرًا ابن سبع سنوات، يركض هنا وهناك، يعبث في العجين حينًا ويختطف من الناضج بعض الوحدات، غلبه النعاس وفي اليوم التالي استيقظ على أجمل خبر مع صوت بكاء وليد حديث الميلاد.

ركض مسرعًا طرق حجرة عمته، كان يعرف أن بداخل هذه البطن المنتفخة طفل صغير، مؤكد قد وصل هذا الضيف أثناء نومه.

فتحت أمه الباب، استأذن ودلف، رأى عمته طريحة الفراش، مكتسيًّا وجهها الشحوب والإعياء، ممسكةً بيدها كوب به مشروب سميك متناثر فوقه الدخان...

وجم قليلًا ثم أهدر فجأة: إنتِ فاطرة يا عمتو!

ابتسمت أمه ناظرة بينه وبين عمته، ثم قرصته توبخه بخفة من وجنته، أجابت عمته بإعياء معتلية ثغرها ابتسامة باهتة: معلش يا حبيبي، بس انا لازم أفطر عشان لسه والدة والنونة دي تعرف ترضع.

تحركت بؤبؤتاه لليسار، رأى جدته حاملة طفلة وليدة ملفوفة بأغطية لا تسمح إلا برؤية أم رأسها الصلعاء، كانت تتمايل بهدوء تهدهدها.

تقدم خطواتٍ قليلة للأمام، اقترب من عمته، وضع كفه الصغير على بطنها، تأكد اختفاء الانتفاخ، ابتسمت له مومئة بتعب، أشارت لطفلتها قائلة: اللي كانت جوة الدكتور طلعها، أهي مع تيتة، روح شوفها وبوسها من إيديها.

تساءل ببراءة: اسمها إيه؟

أجابه صوت رجولي من خلفه: سميتها عشق.

(سيظل عشقك مرادي)   By:NoonazadWhere stories live. Discover now