(سيظل عشقك مرادي) By:Noonaz...

By NehalAbdElWahed

66.6K 3K 520

أحبها وهام بها عشقًا، انتظرها وانتظرها... ولما طال الإنتظار أقسم ألا تكون إلا له مهما كان المقابل، ولكن... J... More

مقدمة
(1)
(2)
(3)
(4)
(6)
(7)
(8)
(9)
(10)
(11)
(12)
(13)
(14)
(15)
(16)
(17)
(18)
(19)
(20)
(21)
(22)
(23)
(24)
(25)
(26)
(27)
(28)
(29)
(30)
(الأخير)

(5)

2.3K 111 10
By NehalAbdElWahed

بقلم نهال عبد الواحد

في الصباح الباكر جلس سيد في حجرة المعيشة ممسكًا كوبه الزجاجي يرتشف منه رشفاتٍ من الشاي بالحليب، مرتديًا قميصه وبنطاله مستعدًا للذهاب إلى عمله.

اقتربت نبيلة حاملة صينية الإفطار، بها عددًا من (السندوتشات)، جلست جواره واضعة الصينية على فخذيها، مدت يدها بواحدٍ منهم إليه مع ابتسامة هادئة، التقطه منها مومئًا بوجهٍ باش بادئًا أكله، بينما هي ممسكة ببضع وحدات تضعها داخل كيس بلاستيكي، ووضعت بضع آخرين في كيس آخر، مدت يدها له بأحد الكيسين قائلة: فطارك أهو حطوا في شنطتك.

أخذه منها ممتنًا، وضعه في حقيبته الجلدية، نظر في ساعته وتساءل بدهشة: أمال فين عشق؟! مش انهاردة عندها محاضرة بدري!  أنا لسه قاري جدول محاضراتها.

أومأت برأسها، فأكمل: طب ما تخلص عشان ما تتأخرش عل محاضرة وبعد كده ترجع تعيط لما حد يزعلها!

- والله صحيتها! وصلت الفجر حاضر كمان، مش عارفة بتعمل إيه كل ده!

- إوعي تكون اتعلمت تحط الأحمر والأخضر زي بنات اليومين دول!

- لا يا خويا بنتك مالهاش في الحاجات دي، دي آخرها الكحل لو حطيته، حتى يوم خطوبة صحبتها اتحايلت عليها تحط أي حاجة، ما رضيتش ويادوب حطت روج وكحل.

تنهد سيد بقلة حيلة وتمتم: أشكو إليك!
ثم قال: اسكتي يا نبيلة ع الصبح وشوفي البت خلينا ننزل.

نهضت واقفة وقالت: استهدى بالله يا سيد وكمّل فطارك، وانا رايحة أسخن الشاي بلبن بتاعها.

قالتها وتركته متجهة نحو المطبخ، بعد قليل فُتح باب حجرة عشق، طلت بخطواتٍ متباطئة مرتدية تنورة سوداء طويلة مع كنزة من اللون البنفسجي الداكن وحجاب يجمع بين اللونين، ملفوفًا حول رأسها وجزءًا من جبهتها لتضمن عدم ظهور خصلات من غرة شعرها، متدليًا فوق صدرها وبطول ظهرها.

تحركت فاركة يديها ببعضهما بتوتر حتى صارت أمام أبيها الذي تعلقت عيناه بها منذ لحظة خروجها من حجرتها.

نهض واقفًا متسعة ابتسامته مترقرقة عينيه، فتح ذراعيه لها فاندفعت داخلهما، أحضان أبيها الدافئة، قرأت سعادته الغامرة ورضاءه التام عنها، قطع هذه اللحظات صوت أمها المتهللة بسعادة: بسم الله ما شاء الله! الله أكبر عليكِ يا بنت بطني!  شوفت يا سيد أهي لبسته لوحدها من غير ما تغصب عليها.

وضعت كوب الشاي بالحليب واقتربت مربتة على ابنتها، فاستطرد سيد: هو انا برضو عمري غصبت عليها!

ثم التفت لابنته ببشاشة، قبّلها بين عينيها وتابع: كنت عارف إنك هتعمليها حتى لو اتأخرتِ شوية.

عاد ملتفتًا لزوجته وأكمل: ما قولتليش يعني يا نبيلة!

أجابت: والله ما كنت اعرف!

تابعت عشق: ماما ما تعرفش، أنا وأنا راجعة امبارح من الكلية أشتريت كام طرحة على اللبس بتاعي، وكده كده أنا بلبس بكم وطويل، حلو كده!

أجابها أبوها بفخر: طبعًا وزي القمر كمان، ربنا يبارك فيكِ يا بنتي!

تابعت: هي بس الطرحة بتاخد وقت عبال ما تتظبط.

أردفت نبيلة: معلش عشان لسه مش واخدة عليها، بعد كده هتلبسيها بسهولة.

وبعد عدة عناقات ثلاثية متبادلة، شربت كوبها، أخذت كيس فطورها وضعته في حقيبة يدها، حملت كشاكيلها مقبلة أمها وغادرت بصحبة أبيها.

وصلت في موعدها، حضرت محاضرتها الأولى ثم اتجهت تبحث عن ذلك الأستاذ في المكتب الذي كان يجلس فيه المرة السابقة فلم تجده، بحثت عنه في عدة أماكن فلم تعثر عليه أيضًا.

رغبت بشدة أن تريه نفسها، تريه تأثير كلماته القليلة معها، لا تعرف السبب أو حتى تتوقع ردة فعله، هي فقط تريد رؤيته مهما كانت الحجة، لكنها لم تجده اليوم ولا أيامًا متتالية بعدها.

عرضت على أبيها الذهاب معه إلى المسجد ليحضر درس الشيخ مراد، بالطبع رحّب بذلك متهللًا وصحبتهما أمها أيضًا.

جلست عشق وأمها في مصلى النساء بالمسجد منضمة إليهما زوجة خالها ماجدة، أنصتت باهتمام لحديثه البليغ، صوته المميز، كلماته الشيقة، شرحه البسيط، مزحاته الخفيفة.

كان معها كشكول سجلت فيه ملاحظاتها أثناء فترة الدرس، وفي ختام اللقاء كتبت سؤالها في فترة الأسئلة التي يجيب عنها الشيخ.

وبعد انتهاء الدرس خرج الثلاثة وسط الأخريات بتتابع، وقفن على جانب الطريق تنتظرن سيد وزكريا، فشاهدن الشيخ أثناء خروجه من المسجد متجهًا لسيارته، يتبعه الكثيرون بين مصافحٍ، مقبّلٍ لرأسه، سائلٍ لمسألة شرعية أو ربما مادية.

رأت عشق شعبيته وحب الجماهير له بانبهارٍ كبير، تمنت لو كان بإمكانها تخلل الجموع الغفيرة حتى الوصول إليه.

في اليوم التالي كان موعد محاضرته التي تم تغيير موعدها، التزمت بموعدها، حضرتها منذ البداية، أنصتت لشرحه الجذّاب، بل هو كله جذّاب، صوته، طريقته، خفة ظله التي لا تنافي صرامته، أناقته، بل كل هيئته، هو بحق صاحب حضور طاغي في أي مكان وأي هيئة، سواء جلباب وعباءة، أو بذة كلاسيكية.

انتهت المحاضرة، غادر الدكتور يتبعه عدد من الطلاب محيطين به يسألونه في بعض النقاط الخاصة بموضوع المحاضرة.

وقفت عن مقربةٍ منهم، تابعت كل كلمة يقولها بوجهه الباش، كل حركة وسكنة أو حتى لازمة لاإرادية منه، لا تصدق نفسها كيف تتابعه بهذه الدقة! تخشى أن تطرف بعينيها فتفقد لقطة من رؤيته.

غادر الطلاب متتاليين وهَمّ الدكتور مراد أن يغادر بعد أن ارتدى نظارته الشمسية، كانت لا تزال عشق مترددة، تريد الاقتراب ولا تعرف كيف تتحرك، لكنه سيغادر، تشجعت وخطت مقتربة نحوه بتردد وعلى استحياء، كلما اقتربت خطوة ازداد إيقاع سمفونية قلبها حتى بدت بوضوح في أنفاسها، فلا تدري كيف لها بهذا الخفقان والبعثرة أن تتحدث معه!

وقفت أمامه فتوقف منتظرًا سؤالها، تحدثت بتردد واضح: إزي حضرتك يا دكتور؟

عقد حاجبيه بدهشة وأجاب: الحمد لله، إتفضلي سؤالك يا آنسة.

- بصراحة، هو انا مش واقفة أسأل حضرتك سؤال يخص المحاضرة.

سكت ولم يعقب منتظرًا تكملة كلامها، فأكملت: حضرتك أنا...  أنا...  أنا كنت عايزة أقولك يعني إني اقتنعت بكلام حضرتك المرة اللي فاتت، واتحجبت.

عقد حاجبيه مجددًا، بدا كأنه يحاول تذكرها، فأصابها الإحباط، لكنه أجاب بهدوء: مبارك عليكِ، وربنا يثبتك!

لم يتبين لها إن كان جوابه عاديًا أم أنه تذكرها، فأردفت: الله يبارك في حضرتك! بس كنت عايزة أعرف يعني...  هو انا لبسي مناسب يعني!  أصل في واحدة علقت على لبسي وقالتلي إنه مبهرج وملفت.

التفت نحوها، كانت مرتدية كنزة من اللون الزيتوني مع تنورة طويلة من اللون الزيتوني المتناثر فيه وردات من اللون البيج المتدرج باللون الوردي كلما اتجه لقالب الوردة، وحجاب من اللون البيج متدليًا فوق صدرها وإلى منتصف ظهرها.

نظر نحوها للحظات واستدار بوجهه بسرعة عابثًا بسترة بذلته كأنما يخفي ارتباكه أو ندمه على التفاتته نحوها، فأكملت قائلة: أنا قصدي هو ما ينفعش ألبس ألوان ومشجر، لازم سادة!

أجاب بجدية دون أن يلتفت إليها: حضرتك ما دام ردائك واسع وطويل، ولا يشف أو يصف فحجابك سليم، وبلاش تشددي على نفسك وتحددي نفسك بلون بعينه عشان حماسك لا يفتر، فتزهقي وتخلعيه.

- يعني مش ملفت!

-لا مش ملفت، وبعدين حضرتك مركزة مع رأيها كده ليه؟

- هي أصلها منقبة وبتلبس أسود بس، وقالت لي إن حجابي مبهرج وملفت وغير صحيح.

- ومفيش واحدة تانية قالتلك إنك معقدة ولابسة خيمة!

- أيوة فيه قالوا لي كده، بس أنا قولت لهم إني مقتنعة بلبسي.

- إذن كنتِ رديتِ عليها وقلتِ لها كده، يا آنسة اللي بيحاول يرضي الناس عمره ما هيرتاح؛ إرضاء الناس غاية لا تُدرك، دائمًا أنصح الجميع أن يعيش ثابت على الحق؛ عشان أمزجة ورغبات الناس متعددة فلن تستطيع أن ترضيهم جميعًا لا قولًا ولا فعلًا، فلو سلّمت رأيك وأفعالك لأذواق الناس لن ترضيهم وتجدي نفسك عايشة فاقدة لهويتك، في حياتك هتقابلي ناس تشجعك وتفرح من أجلِك و ناس تانية يحبطوكِ ويحقدوا عليكِ، لكن كوني على قيَمك ومبادئك كوني على الحق، وعلى رأي الشاعر:

ضحكت فقالوا ألا تحتشم
بكيـت فقالـوا ألا تبتســــم

بسمــت فقالـوا يُرائي بــها
عبســت فقالوا بدا ما كُتِـم

سامحت فقالوا ضعيفٌ جبان
ولو كان مقتـــدرًا لانتقــــم

       
ثم أكمل: أما عن الحجاب فالفرض ستر المرأة كلها إلا وجهها وكفيها، لكن النقاب والقفازين فضل لمن ترغب الزيادة، فماينفعش حد يفرضه على حد، ربنا كرّم المرأة وتعامل معها كجوهرة مكنونة وعشان كده حفظها داخل الحجاب، أما تغطية الوجه فلم تُفرض إلا على زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم.

ثم قال: ببساطة إنظري لنفسك في المراية، تخيلي لو سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم شافك هل هتكوني مكسوفة من هيئتك! وده قياسًا على كل أعمالك ببساطة، بعدها هينمو عندِك الشعور بمراقبة الله، الكل يعلم إنه هو السميع البصير والعليم بكل شيء، لكن بيقدروا يعصوه، والمعصية في حد ذاتها ملازمة لينا كبشر لأننا لسنا ملائكة وخلقنا لنذنب ونتوب، إجعلي الله يراكِ في طاعة، ولو ماقدرتيش تكوني في طاعة دائمة فلا تجعليه يراكِ في معصية، وكلما أذنبتي توبي واستغفري.

- طب يعني المفروض أعمل إيه بعد اتحجبت؟

سمع سؤالها بتعجب يسأل نفسه، هل هي حقًا بطيئة الفهم لهذه الدرجة أم ماذا؟! تنهد وأجاب: التزمي بفروضك.

- حضرتك أنا بصلي وبصوم من وأنا عمري سبع سنين، وحتى قبل ما أتحجب كان لبسي طويل وبكم، وعمري ما لبست أي لبس مكشوف.

- جميل بارك الله فيكِ، لكن نصيحة عليكِ التوغل برفق، يعني ما تشليش فوق طاقتك، اللي تقدري تعمليه وتداومي عليه ده طبعًا خارج نطاق الفرائض، يعني مثلًا قيام الليل في الصلاة وقراءة القرآن من الأعمال الطيبة النافلة، لكن واحدة زي حضرتك هي في المقام الأول طالبة، وراها كلية ومذاكرة وعلى ما أعتقد تربية عملية في المدارس، فلو ألزمتِ نفسك بقيام الليل هتجهدي نفسك وتقصري في عملك الأساسي المفروض عليكِ، ومن هنا لازم ينمو عندك مفهوم عبادة الوقت، يعني الأولى حاليًا الدراسة والمذاكرة والالتزام في الجامعة، مفيش مانع من ركعتين خفاف بعد صلاة العشاء وربنا يتقبل منك، إقرئي بضع صفحات من مصحفك بقدر ما تستطيعي، اختاري قدر بسيط تقدري تواظبي عليه وبعد كده في مرحلة أخرى تقدري تستزيدي، لكن بالتدريج، لأن الإلزام بالكثير مش هتقدري تصمدي وممكن تفتر عزيمتك وتتوقفي عن كل شيء وده غير مُحبذ.

وبعدين ليه بتربطوا العبادة بالصلاة وقراءة القرآن والصوم فقط، قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، يعني كل حياتك هي عبادة، مجيئك للجامعة في طلب العلم ده عبادة، مذاكرتك عبادة، مساعدتك لوالدتك في أعمال المنزل المختلفة عبادة، المهم استحضار النية، وبلاش تشددوا على نفسكم والله الدين يُسر!

- كنت مترددة أسأل حضرتك وتقول لي إن لبسي ما ينفعش، وانا بصراحة مش هقدر ألبس غير كده عل أقل دلوقتي.

ود لو سألها عن سر تكرار السؤال، استغفر الله في سره؛ ربما فشل في توصيل المعلومة، ابتلع ريقه بهدوء وأجاب: لن يُشاد أحدًا في الدين إلا غلبه، لازم نبسّط الأمور عشان الناس ما تنفرش من الدين، إحنا بنبسط دون استهتار أو تهاون، ربنا لما خلقنا على الأرض لنعمرها واحنا بنتقي الله وبنتمتع بالقرب منه، مش بنعذب نفسنا ونحملها فوق طاقتها.

- قصدك نفرح في الدنيا يعني!

- وهو الفرْح ده حاجة وحشة، ولا الواحد إما كانش كِشري وكئيب ما يبآش ملتزم! في خلط في الأمور بين الدنيا والحياة، الدنيا هي ليست الحياة التي نعيشها، إنما هي حالة تملأنا عندما نفكر في أنفسنا ومُتعنا دون النظر لحق الله وحقوق الناس، حالة قلب يبحث عن اللذة غير مرتبطة بزمان ولا مكان، مثلًا واحد يعمل من أجل المال فقط بغض النظر إن كان من حلال أم حرام فهي دنيا، مثلًا من ينام دون الاهتمام بمواقيت الصلاة أن تفوته فهي دنيا.

لكن نقول إيه، اعمل واجتهد وطور نفسك واكسب الأموال، ولكن لا تنسى حق الله، اخرج ورفه عن نفسك واتسلى، لكن لا تنسى فروض الله، «بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرةُ خيرٌ وأبقى»، «وابتغي فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا..... »
عيشي حياتك وافرحي دون أن تنسِي حق الله أو تتعدي على حقوق الناس.

- أنا سعيدة جدًا بكلام حضرتك وأفكارك الوسطية، حتى إمبارح كنت في الدرس بتاع حضرتك في المسجد وسمعت تفسيرك لآية القتال في سبيل الله واستفدت جدًا.

- أشكرك جدًا، وربنا ينفعك إن شاء الله! في الحقيقة أنا مركز عل موضوع ده من فترة ومركز عليه خصوصًا في خُطب الجمعة، وإن كل آية قتال كان لها سبب ومناسبة، وليه نزلت، وتحريم سفك الدماء، موضوعات خطيرة وفي ناس بتعبث فيها وبتفسرها على هواها أو تاخد برأي واحد دون دراسة أو حتى محاولة لمعرفة سبب القول ده أو الفتوة دي، والنتيجة الحوادث الإرهابية المنتشرة ربنا يسلمنا جميعًا، ده لازم يكون دور كل رجال الدين عشان الناس اللي بيتغرر بيهم وبيتعملهم غسيل مخ بأفكار هي بعيدة تمامًا عن الدين، طبعًا مش بهمل الأمور الأخرى لكن ده الأهم والأولى حاليًا حتى لو أصبح مكرر.

- والله يا دكتور ربنا يكتر من أمثالك!

- متشكر جدًا يا آنسة...  معذرةً الاسم إذا سمحتِ!

رغم شكها أنه تذكرها، لكن سؤاله عن اسمها أصابها بإحباط كبير، فأجابت بنبرة بائسة: حضرتك نسيتني ولا إيه يا دكتور! أنا عشق اللي كنت جايبة البحث لدكتور مصطفى المرة اللي فاتت.

رغم شعوره بأنه تعرّض لمثل هذا الحوار من قبل، بنفس روح وطريقة الكلام التي جذبته دون مبرر، لكن وقع اسم عشق له تأثير مختلف، ربما فقد سيطرته لزمام الأمور للحظات عندما التفت إليها في لمحة سريعة.

شرد قليلًا ثم أومأ قائلًا بهدوء: فرصة سعيدة يا آنسة عشق.

ثم قال: إسمحيلي في المغادرة، السلام عليكم ورحمة الله.

قالها حاملًا حقيبته وانصرف، ظلت تتابعه بعينيها حتى اختفى من مدى بصرها، تنفست براحة بعد هدوء أنفاسها مع نبضات قلبها، لكن اجتاحها شعور بالحنين فجائي، وأنه لا زال الكثير من الكلام لم يُقال، لا يهم نوعية الحوار حتى ولو كان رسمي، حتى ولو كررته، المهم ألا ينتهي.

أما هو فتحرّك سريعًا من أمامها متجهًا لخارج الكلية، شعر بنظراتها تتبعه، لا يدري سر بعثرته الفجائية، فليست المرة الأولى التي يتحدث فيها مع أي فتاة، لم يتجاوز أيهما في حواره، لكن لماذا عبثت بداخله مسببة بعض الفوضى، تلك الفوضى التي تخلص منها عقب اللقاء السابق، حتى إنه لم يكن يتذكرها، شعر بإحباطها من هذا الأمر تحديدًا، بنبرة البؤس التي احتلت صوتها، لكن بدت ملامحها أكثر تمركزًا ووضوحًا في عقله هذه المرة.

ظل على حالته بعض الوقت بداخل سيارته، زفر بقوة فاتحًا أعلى زر في قميصه، خلل أصابعه في خصلات شعره متمتمًا داخله: لا ينبغي لك هذا يا مراد، إن حياتك مرسومة ومخطط لها، لا تنسى أهدافك، مقصدك، مرادك يا مراد!

أدار سيارته وانطلق بها، مضى اليوم وأيامًا كثيرة أخرى متشابهة، يلتقيان في محاضراته وبعدها تنتظره، يقفان يتحدثان أحاديثًا طويلة متتابعة كحبات العقد المنفرطة واحدة تلو الأخرى، لم يعد ينسى اسمها مثل المرة الأولى أو ينساها هي، لا ينكر أيهما رغبته في استمرار الحوار بينهما، كلما انتهيا من أحده أسهبا في غيره، حتى ولو لا زال الحديث رسميًا، لا يرغب أيهما في انتهائه.

كانت ترتب وقتها وتنهي مهامها لتذهب مع والديها إلى المسجد لتحضر الدرس، تسجل الكثير خلفه، ترسل بورقة الأسئلة في فقرة الأسئلة، تسعد بشدة عندما تسمع سؤالها والإجابة عنه.

لا تعلم أنه قد حفظ خطها بل وحفظ ورق الأسئلة نفسه معه!

هاهي في كل مرة تقف تنتظر أبيها وخالها على جانب الطريق، تظل متابعة له وسط جموعه، لكن اليوم التفت نحوها، لا تدري إن كان لمحها حقًا وسط هذا الجمع أم خُيّل إليها!

Noonazad   💕💗💕

Continue Reading

You'll Also Like

Lelice By جيمي

Historical Fiction

34.9K 2.9K 34
علاقتنا علاقة زمن طويل روبي اعرفكِ منذ كنتي في الثامنه لقد غبت عنكِ كثيراً هل سوف تسامحيني لغيابي اثنتا عشر عام ؟ جيون جونكوك روبي ماكبرايد
4.4K 266 3
ROMANCE /DRAMA باللهجة المغربية. آلْــــــقَـــايْــــدْ زِيَّـــانْ. الَاْمِـــيرَةٰ آلْـــــحُــــرْةٰ. - كنبغيك. - كيف البدر فتمامو إنتي، ضويت...
1.4M 82.2K 53
"سأتركك مثلما تشائين ولكن بشرط" "ما...ماهو" خرج صوتى لا يُعادل الهمس، حتى شعرت بأنفاسة على رقبتى "...تعلمين انا احب الالعاب، لهذا...قررت لتوي...اذا...
2.9M 199K 22
{مكتملة} "إن لم تستطيعي رؤيتي.. فاشعري بي"