أســود II |إكتِشاف المجهول ☔︎...

By writeryosh

1.4M 71.1K 43.1K

•تنويه: هٰذا الجُزء مستقل بِقصّة أُخرى وأبطال آخرين ولا ينتمي للأول بأي صِلة.. إنّهُ ذاك النوع مِن الرِجال ال... More

أســودII| إكتشاف المجهول☔︎
الجُزء الأول|المتخفي بِالفن
الجُزء الثاني|شغف وفضول
الجُزء الثالِث|رِحلة إستِكشاف غريب
الجُزء الرابِع|لوحَة أُنثى الفضول
الجُزء الخامِس|لَهفة لِقاء
الجُزء السادِس|أُلفَة قَلب
الجُزء السابِع|مَشروع حُب فاشِل
الجُزء الثامِن|تمنُّع وصَدْ العِشق
الجُزء التاسِع|موعِد مَع العِشق
الجُزء العاشِر|عاصِفَة عِشقيّة
الجُزء الحادي عَشر|لِجوء قَلب مُشرّد
الجُزء الثالِث عَشَر|رَغبَات سَوداويّة
الجُزء الرابِع عَشر|دِيْسَمبِرْ الغِيَابْ
الجُزء الخامِس عَشَر|أربَعة قِصص!
الجُزء السادِس عَشَر|القِصّة الأولى
الجُزء السابِع عَشَر|تقلُّبات عِشقيّة
الجُزء الثامِن عَشَر|القِصّة الثانيَة قَبل الغِيَابْ
الجُزء التاسِع عَشَرْ|صِراعَات العِشق
الجُزء العُشرين|القِصّة الثالِثَة بَعد الجَفاء
الجُزء الواحِد والعُشرين|فوضى الشُعور
الجُزء الثاني والعشرين|رِحلة البَحث عَن لوحة أُنثى الفضول
الجُزء الثالِث والعُشرين|نيچرو ألبيتسي
الجُزء الرابِع والعُشرين|الموت عِشقًا
الجُزء الخامِس والعُشرين|رَجُل ضَبابيّ
الجُزء السادِس والعُشرين|بين أحضَان المَجهول
الجُزء السابِع والعُشرين|الصعود لِقِمّة العِشق
الجُزء الثامِن والعُشرين|تَحطيم القاعِدَة
الجُزء التاسِع والعُشرين|قلوب حائِرَة
الجُزء الثلاثين|الرَقصَة الأخيرَة
الجُزء الحادي والثلاثين|نِضال القلوب العاشِقَة
الجُزء الثاني والثَلاثين|الحَنين لِما مَضى
الجُزء الثالِث والثَلاثين|صِراعات وِجدانيّة
الجُزء الرابِع والثلاثين|حِدادٌ قَلبيّ
الجُزء الخامِس والثلاثين|دُفِن العِشق لِلأبَد
الجُزء السادِس والثلاثين|سيّد الأُحجيات
الجُزء السابِع والثلاثين| ضريبَة عِشق الأسود
الجُزء الثامِن والثلاثين|القِطعَة الناقِصَة مِن الأُحجيَة
الجُزء التاسِع والثلاثين|رحلة عِشق المجهول
النِـهـايـة|كُل الطُرُق تؤدي إلى الأسوَد

الجُزء الثاني عَشَر|حالات عِشقيّة

40.1K 1.9K 1.3K
By writeryosh

الجُزء الثاني عَشر| أنا مُمتَنّة لِحُبّك
الذي مَر بِجانِبي
خفيفًا، ثقيلًا، مِثَل طَير حَزين
يَكاد لا يَستَريح
على كَشف ذاتي
وسَكبْ المَعرِفَة داخِلي
على مُساعَدَتيْ في أن أصِل إلى ما أنا عَليهِ
والإجابَة على سؤال مُهِم
كُنت سأدفَع عُمري فيهِ:
ماذا أُريدْ مِن هُنا؟
أُريدْ أن أكَون سَعيدَة
وكان حُبّك، أسهَل طَريقَة..
* * *

أعترِف بِأني شَخص عصّي على الفِهم، تمُر علي أيام لا أفهَم فيها نَفسي، ولا أعرِف لِمَ لازِلت أعيش أيامي بِهٰذِه الطريقة، شيء ما في داخِلي عليهِ أن يموت، ولا أعرِف ما هو، عليهِ أن يصمُت، أن يكُف عَن العَبث بِمزاجي المُتهالِك، لِأنّي على وَشك الإختِناق وعلى وَشك أن أفقِدني، أعترِف بِأنّي شَخص سيء، وأن البقاء مَعي صَعب، والإستِمرار بِرفقَتي هو الأكثَر صعوبَة، لِأنّي فقدت القُدرَة على إعطاء الأشياء والأشخاص الإهتِمام، ولا وجود لِعلاقَة ناجِحَة إلّا وكان أساسَها الإهتِمام والإحتِرام، وأنا شَخص تمُر عليهِ أيام يُريد فيها أن يهرُب مِن نَفسَهُ ولا يطيق الكَلام، وهٰذا صعب التحمُّل على أيًا كان..

أن تأتِ أُنثى لِحياة رَجُل سوداوي
مُتقلِّب، بارِد، هو عِبارَة عَن إنتِحار لَها، وهٰذا أكثَر مايُخيف قَلبي، أن أكون خيبَة، تَعِبت مِن حقيقَة كوني خيبَة في قلوب الجَميع، أنا أُحاوِل الإبتِعاد فقط حتى لا أعيش ذنبًا آخر، هي أُنثى تُريد أن تتمسّك بِأمَل وأنا رَجُل يُفلِت يداه، ومع حقيقَتي السوداء فأنا لا أُريد الإبتِعاد عَنها، أحتاج أن أُحاوِل لِأجلَها، فَفيها هي وجدتُ إكتِمالي، وجدت نَفسي وقَلبي، عُدت أشعُر بِشيء جَميل ينتَشِر في روحي، ليس حياة وإنّما شَغف ولَهفَة، وطَعم العِشق في شَفتيها يلين لَهُ قلبي، وعينيها هي الأسود الذي أعشَق، ومؤمِن أنا بِقُدرَة العِشق على إحراقي وإحياء روحي الميتّة، أستطيع أن أشعُر بِوجودَها في داخِلي، فلا قَلبي ولا عَقلي يكُفّا عن المُطالَبة بِها..

لِأجلَها أُريد أن أكون رَجُل آخَر
رَجُل يَحتَرِف الشِعر، يحترِف الغَزَل، يُجيد الرسم على الجَسد، والكِتابَة عن العِشق، رَجُل يعزِف على شفتيها لَحن لَذيذ عَذب، يَجعَلها تَضحَك وترقُص بِثوبها الأسود، رَجُل آخر عَن هٰذا الذي يُجيد القسوة والصَد، رَجُل يُريد البقاء بين يَديها، يُتقِن صُنع الإبتِسامَة والحُب، أُريد أن أكون رَجُل آخر غير هٰذا الذي يجلِد من حولَهُ بِكُل سيئاتِه، أن أنسى كُل شيء وأُعيد لِقلبي شَغف الحياة، ولٰكِن كُل هٰذا صَعب، صَعب أن يُغيّر المرء مسارَهُ فقط مِن أجل العِشق، صَعب أن يتغيّر لِشخص آخر لِأنّهُ لا يُناسِب الآخرين..

أُريدَها أن تُحِبّني بِبؤسي
بِقلبي المخدوش، وملامِحي الميتّة
بِكلِماتي السوداء، وعَزفي لِلحني الحزين
أوليس الحُب يأتي دون شُروط!، والعاشِقين لا يملِكون الحق في تَغيير حقيقَة من يُحِبّون!، وأنا أؤمِن بِأن الحُب يأتي مَع العاصِفَة، بَعد أن يتحطّم كُل شيء جَميل، من سيبقى هو الصادِق، أمّا مَن يُغادِر ماهو إلّا باحِثٌ على الجَمال..

* * *

توّقّف في مَكانَهُ وهو ينظُر لِفيتال الذي يزّف لَهُ الخَبر، لا يَفهَم من هو الغَبي الذي سيُحاوِل سرِقَة لوَحة مِن معرض مليء بِالحُرّاس، ولِمَ لوحَة أُنثى الفضول بِشكل خاص!، يعلَم بِأنّها جَميلَة، مُلفِتَة لِقلوب عُشّاق الفن الذي يُقدِّمَهُ ولٰكِن ما يحدُث لِلوحَة أُنثاه مُثير لِلشك والغَضب، فهو لَم يَضعها هُناك لِيعشقها الرِجال، بل ليجعَل مِنها أسطورَتَهُ، ليُخلِّدَها في قلبَهُ وفي عالَم الفن، لتَبقى فنًا يتمنى الآخرين إقتِناءه..

سأل بِصوت هادِئ مُحدِّقًا في فيتال بِحِدّة وكأنّهُ لَه يد فيما حَدث..

" وأين هو الذي حاوَل سَرِقتها؟.."

أجاب فيتال وهو ينظُر لِهيئَة صَديقَهُ الغَريبَة، فقد كان يبدو مفزوعًا مِن شيء ما!، تَجاهل ذٰلِك مُجيبًا عليهِ بِجديّه في صوتَهُ الثَقيل..

" ألقوا القبض عليه، سأذهَب لِأرى ماهي نتائِج التحقيق، فقط جِئت لِأبّلِغَك.."

" أُريد هويتِه.."

جاءت كَلِمات آريان حادّة، غير قابِلَة لِلنِقاش يبدو على ملامِحَهُ أن مزاجَهُ سيء، وأن الخبر زاد مزاجَهُ تعكُّرًا، لِهٰذا أومئ فيتال لَهُ دون أن يُناقِشَهُ في شيء ولٰكِنّهُ لاحَظ على يدَهُ بعض الدِماء التي علِقت في أنامِلَهُ بِسبب يولاند، وهٰذا جَعل مِنه يفزَع مُقترِبًا مِنه وهو يهمِس بِقَلق مُتفحِصًا لِجسدَهُ..

" ما هٰذِه الدِماء؟، هل أنت بِخير؟.."

نَظر ليداه وحالَما فَعل إرتَجفت أنامِلَهُ وهو ينظُر لِدِماءها على يَداه، وكأنّهُ قَتلها بِسؤال، وفِكرَة أيذائَها تؤلِم قَلبَهُ حد رَغبَتَهُ بإيقافِه، توتَر وإرتَبك وهو يُخفي يداه عَن أنظار صَديقَهُ ثُم همس وفي قَلبَهُ وجَع عَظيم..

" إنّهُ مُجرّد جرح، كُنت سأُنظِّفَهُ لولا مَجيئَك.."

سألَهُ فيتال وهو ينظُر لِيداه، لايزال لا يفهَم حالَتَهُ، ولٰكِنّهُ يُخيفه بِغرابَة تَصرُفاتَهُ..

" هل تَحتاج مُساعَدة؟.."

أدار ظَهرَهُ لَهُ ليذهب نحو المطبخ ليغسِل الدِماء، وأجابه بِنبرَة بارِدة، غير عابِئًا بِوقوف الآخر مُتعجِّبًا مِن تصرُفات صديقِه..

" فقط غادِر وأعطِني بعض المعلومات عَن الفاعِل.."

لَم يُطيل فيتال عَليهِ، فقد أحس بِعدم راحَة آريان وكم تمنى أن يكون بِخير، لَم يُصدِّق أنّهُ وأخيرًا بَدأ بِعِشق أُنثى، وكان تأثيرها عَليهِ واضِحًا يجعل مِنه مُختلِفًا عن ذاك الذي يعرِفَهُ فيتال، غادر المنزِل مُتمنيًا أن يعود إليهِ وهو في حال أفضل، سيفعَل كُل شيء لِإبعاد أي شيء يُعيق علاقَتَهُ بِأُنثى صديقَهُ، وسيكون الصديق الذي يمحي كُل العقبات في طريقَهُما، هو يعلَم كم تحرِق نيران العِشق أصحابَها، لِهٰذا كان يُريد لِصديقَهُ أن يكون العِشق شِفاء لَه، فَأيًا كانت تِلك الأُنثى لَقد فَعلت أشياء مُستحيلة الحُدوث بِآريان، وجعلت مِن صداقتَهُما أقوى مِن السابِق، أيًا كانَت فهي أُنثى غير إعتياديّة..

أخرَج هاتِفَهُ وقام بِالإتِصال بِمن إشتاق لِصوتَها وحينَما أجابَتَهُ، أردَف بِنبرَتَهُ التي تَجعل مِنها تَبتَسِم لِلجنون الذي واضِح عليه في صوتَهُ..

" عزيزَتي روزيلا، إتصلت لِأذكِّرُكِ بِأني مجنون، وأُريدكِ أن تُساعِديني في عمل مُهِم.."

إتكئت على نافِذَتها وهي تُجيب مُتسائِلَة بِنبرَة ساخِرَة..

" وما هو هٰذا العَمل المُهِم سيد مَجنون؟.."

صَعد لِسيارَتَهُ الزرقاء الرياضيّة، وأغلق الباب يُجيبَها بِنبرَة مُتلاعِبَة ناويًا إستِفزازَها..

" هل آتيكِ لِمنزِلُكِ؟.."

جاء صوتَها غاضِبًا كما أراد هو، وهي توبِّخَهُ وقد أصبَحت الجِدّية في نَبرَتها واضِحَة..

" فيتال توقّف عَن ألعابَك الملتوية، وأخبِرني ما تُريد.."

شغّل سيارَتَهُ ليتَحرّك قاصِدًا طريقَها، وأجابَها بِنبرَة حَفِظتها في قَلبها..

" أُريدكِ، وأُريد شيء آخر بِجانِبكِ.."

تَنهدّت مُستسلِمَة، فَهٰذا الرَجُل مجنون بِطريقَة جميلة وخطيرَة، يُريد أن يقضي حياتَهُ في أشياء تُمتِّعَهُ وحسب، وهٰذا ما كان يُخيفَها ويُبعِدها عَنه، أنّهُ يُريد المُتعَة، أن يُحلِّق، يطير وأن يفعل كُل شيء مُتهوِّر، حتى وإن كان الدخول في أرض مُلّغمة ليُجرِّب الموت تفجُّرًا، مُتلاعِب ثَري، يحصُل على كُل ما يرغب بِه، وهٰذا ما كان لا يروقَها، فَهي أُنثى قنوعَة، تكفيها أشياء قليلَة، وهو مُتطَلِّب لا يَشبَع، سألَتَهُ وهي تعرِف الإجابة مُسبقًا..

" لن تتوقّف أليس كَذٰلِك؟.."

ضَحِك بِقوّة على كَلِماتَها، وكأنّها ألقَت بِنُكتَة، ضَحِك بِجنون على كَلِماتَها تِلك، هل حقًا سألَتَهُ هٰذا السؤال!، ألا تعرِفَهُ بعد!، أجابَها مُستهزِئًا ولاتزال بقايا ضِحكهُ على كَلِماتِه..

" أنا أتوقّف!!، هل فقدتِ عقلكِ عزيزتي الجميلَة؟.."

إنّهُ يتعمّد إستِفزازَها، وقد إعتادَت إسلوبَهُ لِهٰذا أردَفت مُحاوِلَة أن تتحكّم بِما بقي مِن صبرها عليه..

" أُقسِم بِأن خلفَك لا تأتِ إلّا المصائِب، فلنلتقي في المقهى القريب مِن منزِلي.."

حاوَل أن يُبدي خيبَة الأمَل في صَوتَهُ وهو يُزيد مِن جُرعَة الإستِفزاز مُجيبًا أيّاها..

" كُنت أتمنى أن نلتقي في منزِلكِ، ولٰكِن لِنؤجِّل هٰذا لِوقت آخر، المُهِم هو رؤيتكِ.."

أنهت المُكالَمة مِما جَعلَهُ ينظُر في شاشَة هاتِفَهُ بِغَضَب، هٰذِه كانَت أكثر الطُرُق السريعَة لِجعل مزاجَهُ يسوء، إنّها تستَمِر بِصدّهُ بِقسوَة وكأنّها تُحاوِل أن تَجعلَهُ يكرهها ويَبتَعِد، ولٰكِنّهُ كان يقترِب أكثَر، يُحِب أن تكون مُتمنِّعَه الآن حتى يحصُل عليها ويشعُر بِلِذّة الوصول، همس لِنفسَهُ متوعِدًا لَها وفي نَبرَتَهُ جنون شرير..

" عِقابُكِ سَيكون عَظيمًا.."

* * *

بقى آريـان في مطبَخَهُ يُنظِّف يداه المُرتَجِفَة غَضبٌ جَحيمَي، مِن نَفسَهُ ومِن هٰذا الرَجُل الذي يُحاوِل سَرِقَتها مِنه، ومنظر الدِماء على يداه جَعل مِنه أسوء فقد بقيّة صَبرَهُ، وأصبَح الأمر مُرهِقًا، هو الآخر يخاف رؤيَة الدِماء، لا يمتَلِك القُدرَة على أذيّة من يُحِب، ولٰكِن مخاوِفَهُ كُلّها تتلاشى حينَما يتعلّق الأمر بِها، لِتُصبِح هي أكبَر مخاوِفَهُ، وأعظمها فتكًا بِه، شعر بِالإختِناق وهو يتذكّر منظَر يديها النازِفَة، أغرَق وجههُ في المياه يُحاوِل الإستيقاظ والتنفُّس، ثُم رَفع رأسَهُ مُستنشِقًا الهواء، ليس جَيد ما يحدُث، وحقيقَة أنَّ هُناك من يُريد سرِقتَها مِنه تُزيد مِنه جنونًا، ولٰكِن ليس هو من يفقِد عَقلَهُ، سيكون ثابِت كالعادَة، ثُم سينتَظِر الفُرصَة لِإخراج كُل غضَبَهُ وجنونَهُ، في الوقت والشخص المُناسِب..

كان نيرو يحوم حولَهُ مِما ضايقُه، فأخَذَهُ مِن الأرض ليبدأ بِلعقَهُ تعبيرًا عَن حُبّهُ، وهٰذا جَعل مِنه يَضحك بِالرُغم مِن تَعب عَيناه حينَها، أخذَهُ بِرفقَتُه إلى مَكان جلوسَهُ ووضع الطعام لَه، ثُم نظّف الفوضى التي تَسبب بِها سؤالَهُ، مُحاوِلًا تجاهُل مشاعِره التي كانَت تُصيبَهُ بِالألَم في صَدرِه وبِالإختِناق الذي في قَلبِه، وحالَما إنتهى سار لِغُرفَتَهُ بِخُطى مُتردِدة، يُريد أن يرى ما حل بِها ولِمَ لاتزال هُناك دون أن تخرُج، وحالَما دَلف لِلداخِل وجَدها تَقِف أمام الجِدار الذي كان مُمتَلِئ بِرسومات صنَعها هو..

كانَت تَتأمّلها مُنبَهِرَة وكأنّها أمام مُعجِزةً ما، كانَ الجميل فيها تِلك اللحظَة هو بريق عَينيها، وشفتيها الَتي مُنفرِجَة وكأنّها طِفلَة أمام منزِل مصنوع مِن حلوى، كانت جَميلَة في عَيناه بِطريقَة تُذيب قَلبَهُ، يُحِب عَينيها وطَريقَتها في تأمُّل اللوحات وكأنّها تِحاوِل قِراءة المُعاناة التي فيها، لم يسبق لَهُ وأن شاهَد أُنثى مُمتلِئَة بِالعِشق لِلفن حَدْ الهوَس، لَم يرى أُنثى بِتفاصيل الموسيقى، ولا بِهيئَة قصيدَة، لم يرى أُنثى تُجيد العَزف على أوتار قَلبَهُ بِعُنف كما تَفعَل، إنّها تُثيرَ روحَهُ، مشاعِرَهُ ورَغباتِه، بقي واقِفًا مُستنِدًا على الجِدار هو وقَلبَهُ خوفًا مِن الوقوع تقديسًا لِجمالَها، كان يشعُر بِأنّها ستبقى على حالَها إلى أمَد بَعيد، ولَم يرغَب بِمُقاطَعة لَحظة تأمُّلها، فقد كان هو الآخر يتأمّل لوحَة أُنثى الفضول تَقِف أمامَهُ، تتحرّك وتَتنفس ذات الهواء مَعَهُ، في غُرفَتَهُ التي شَهِدت على وِحدَتَهُ..

دون وَعي مِنه، قاطَع لَحظات التأمُّل تِلك بِقولَهُ هادِئًا، وبِقلب ينبُض عِشقًا، وشعور جَميل لا يستطيع أن يُصنِّفهُ أو يصِفُه..

" جَميلَة أنتِ حينَما تتأمّلين الفن.."

نَظرَت لَهُ بِعينيها المُرهَقَة وجعًا
وحينَما فَعلت عَنّفت قَلبَهُ النادِم بِألَم، جاء صوتَها هائِمًا وهي تُخاطِبَهُ بِقلب عاشِق ينظُر لِمن يهواهُ يقِف على مقربَةٍ مِنه..

" جَميل أنتَّ وفنُّك.."

إبتَسَم وعَيناهُ تَتأمّلها بِنظرات لَم يسبِق لَها وأن رأتها على رماديتاه مِن قَبل، ولٰكِنّها جَعلت مِن قَلبها يذوب عِشقًا لَهُ ولِإبتِسامَتَهُ التي سَلبت مِنها عَقلها، وهل هي تَأتيهِ بِعقلَها!، إنّها تَخلع عَقلها قبل أن تأتِ إليهِ، ترتَدي قَلبها وتَستعِد لِلقائَهُ بِأبهى ثيابَها، وبِأبهى مشاعِر لَديها، لِتبقى هي بِجنونَها ومشاعِرها أمامَهُ، ولَرُبما هٰذا هو كان سَبَب تأثُّرَهُ بِها، أنّها تَمتلِك مشاعِر يلمِسها في كَلِماتَها، وتَصِل إلى قَلبَهُ، تمامًا لِقلبَهُ ليغرَق، ويَغرق عِشقًا لَها، كان في عَيناه شيء جَميل تِلك اللحظَة، شيء لَمس قَلبها بِنعومَة مُحبّبَة، ولِأوّل مَرّة تَراه، وهٰذا جَعلها تَنتشي وتزهو سعادَة، هي تَحتاج عِشق يُعيد شغَفها لِلحياة، وهو الوحيد الذي إستمالَها مُنتشِلًا قلبَها مِن الغَرق..

" تعالي مَعي.."

طلَب مِنها قَبل أن يُغادِر الغُرفَة، وتبعَتَهُ هي حَيث هو ذاهِب، كانَت تَشعُر بِالراحَة حَيث يَكون، يُخفِف وجودَهُ مِن عِبئ الأيام عَليها، تَشعُر بِالإنتِماء لَه وهٰذا ما كان يَجعَلها مُتملُّكَة أيّاه، رائِحَتَهُ وصوتَهُ وكُل شيء يخُصّهُ كان يخُصّها بِشكل أو بِآخر، ويُحفَر في قَلبها قَبل عَقلها، تُحِب أن يكون لَها، كما تُحِب أن تكون لَهُ بِالرُغم مِن أنّها لا تؤمِن بِقُصص الحُب المِثاليّة إلّا أنّها كانت تُريدَهُ، بِكُل سيئاتَهُ ومَحاسِنُه، تُريد أن يبقى لَها هي، ويبقى مُختفيًا عَن العالَم، ليكون سِرّها الشهي لِأنظار الأخرين، والذي لا يستطيع أحد أن يلمِسه أو يسمَعه..

دَخل إلى مطبخَهُ الأنيق، والمُرتّب بِعِنايَة، رأتهُ يُخرِج شيء مِن الثلاجَة، ثُم أغلَقها ليتجِه نَحوَها بِقالِب الحلوى المُغطّى بالشوكولاتَة، والمُزيّن بِإحتِرافيّة جميلَة، تُغري الأنظار، وضَعها على طاوِلَة الطَعام تحت نَظراتَها المُعجبَة، وحينَما فَعل جلست على أحد الكراسي التي تُحيط بِالطاوِلَة، تُحدِّق بِذٰلِك القالِب بِإفتِتان، أمّا هو فَجلَس على الكُرسي الذي أمامَها لينظُر لَها، مُتحدِّثًا لِعينيها وهو يُردِف بِنبرَتَهُ الرجوليّة الهادِئَة..

" رُبما ستَستغرِبين ذٰلِك ولٰكِنّي أُجيد صُنع الحلوى، وخاصّة إن كانت بِالشوكولاتة، فَأنا أعشقها ولا أكُف عَن تناولها.."

إبتَسمَت وسع قَلبَها، وهي تُحدِّق في طريقَتَهُ في الكلام، ونَظرَتَهُ الجميلَة نَحوَها والتي تَجعل مِن الزهر ينبُت في صَدرَها، قرّب قالِب الحلوى مِنها وأكمَل بِنبرَة دَغدَغت قَلبها وجعلت مِنها تَرتَجِف فرحًا..

" يقولون بِأنّها تُجلِب السعادَة، لِذا تناوليها بِأكمَلها إن أردتِ، سأتخلّى عَن نَصيبي لكِ.."

كان واضِح عَليهِ بِأنّهُ يُريد إصلاح فِعلَهُ، بِالرُغم مِن حقيقَة برائتَهُ مِن الذَنب الذي ألقاه عَلى نَفسِه، وهٰذا جَعل مِن عَينيها تَمتلِئ بِسبب طَريقَتَهُ في إصلاح الأمر، إنّهُ يَأخُذها دون تمهُّل، يأخُذ قَلبها مِنها بِأفعالَه تِلك، وكَلِمَة 'سأتخلى عَن نَصيبي لكِ'، جَعلَتها تُدرِك بِأنّهُ شيء لَم يَفعلَهُ مِن قَبل، وكَم شَعرَت بِأنّها شيء غَير إعتيادي، هو الوَحيد الذي يَجعلها تَشعُر مَعَهُ بِأنّها غَير قابِلَة لِلتِكرار، لامِعَة ومُختَلِفَة عَن غيرَها، فَمَن هٰذِه التي إستطاعَت الوصول إلى ما وَصلت لَهُ!، من هي التي تَمتَلِك الحق لِرؤيَة عَيناه، سماع صَوتَهُ، لمس يداه، وتَقبيل شَفتاه عِشقًا سِواها!، لا وجود في هٰذِه الأرض لِأُنثى غيرَها، هي الملِكة وهٰذا عرشَها، ومن تُحاوِل الإقتِراب قاتَلَتَها حتى تحمي أملاكَها مِن السَرِقَة..

إبَتسمَت حتى بانَ بَريقٌ جَميل في عَينيها السوداء، فَأصابَت قَلبُه، وجَعلت مِنه يبتَسِم هو الآخر على أثَر كَلِماتَها، ونَبرَتها التي جاءت كَنَبرَة أُنثى لا تعرِف الحُزن قبلًا..

" إنّها جَميلَة جِدًا يا آريان، مُغريَة وتبدو لَذيذَة.."

إتكئ بِوجنَتَهُ على يَده، يتأمّلها ولا يَشبَع مِن النَظر إليها، تُصيبَهُ بِحُمّى العِشق والهيام كُلّما تأمّلها، ويخرَس عَقلَهُ عن الكَلام، ليبقى قَلبِه المُتيم بِها، همس غائِبًا ردًا على كَلِماتَها..

" مِثلُكِ تمامًا.."

ألجَمتها كَلِماتَهُ خَجلٌ، فَهرَبت ضَحكَة مُحرَجة مِن بَين شَفتيها، فَداخ هو مُستمِعًا لِضِحكتَها، مُتأمِّلًا إحمِرار وَجهها وإرتِباك عَينيها وهي تُحاوِل تَشتيتَها عَنه، بِالنَظر إلى قِطعَة الحلوى، هو بِالفِعل لا يُشارِك أحدَهُم شيء مِن الحلوى التي يَصنَعها، ولٰكِن هٰذِه المرّة سيتخلّى عَنها لَرُبما تسعَد!، نَهض مِن مكانَهُ لَيأخذ صَحن وملعقَة، ثُم عاد إليها ووضَع قِطعَة حلوى في صَحنها تحت مُراقَبتها لَهُ، وحينَما إنتهى عاد ليجلِس في مَكانَهُ، مُنتظِرًا مِنها أن تتناول ما أمامَها، أخذت هي الملعقَة بِكفّها المُضمّدَة،  وحينذاك لاحَظ صعوبَة الأمر فَنهض مِن مَكانَهُ ليجلِس على الكُرسي الذي بِجانِبها وهي تُحدِّق فيهِ بِإرتِباك، سَحب الملعقة مِن يدها وتمتَم بِجدّيَة لا تحتَمِل النِقاش..

" سأُساعِدُكِ.."

وَضعَت كفّها على فَمها حالَما قرّب الملعقة مِنها، وهمست بِتوتُر وعينيها تُحدِّق بِه مُرتَبِكَة..

" هٰذا مُحرِج.."

قطّب حاجِباهُ الكَثيفان مُستَغرِبًا مِما فَعلت، وبِنبرَة بارِدَة أردَف مُحاوِلًا أن يقنِعها..

" ما المُحرِج في الأمر!، أنا فقط سأحشو فمُكِ بِالحلوى.."

إبتَسَم في نِهايَة كَلِماتُه ليجعَل مِن الأمر مُريحًا لَها، ولٰكِنّها أعترَضَت تُحاوِل أخذ الملعَقة مِن يدَهُ فَأبعدها في الحال مُستمِعًا لِإعتِراضَها..

" حسنًا سأتناوَلها بِمُفرَدي.."

عانَدها أكَثر وهو يُصِّر على موقِفَهُ، مُمسِكًا بِيدَها ليُبعِدها عن إعتِراضِه، وبِنبرَة جدّية..

" لن تَستطيعي، جرحُكِ جَديد سيؤلِمُكِ.."

" سأُحاوِل.."

كادَت تُكمِل لولا إغلاقَهُ لِفمَها، بِقِطعَة الحَلوى تِلك مُتمتِمًا بِنبرَة جاهَد أن تَكون ثابِتَة أمام ملامِحها المُضحِكة..

" حاوِلي فَقط مضغها، وألّا تُفسدين مَزاجي.."

إبتَلَعتَها مُبتَسُمة لِرؤيَة ملامِحِه الباسِمَة، كان واضِحًا بِأنّهُ يُحاوِل ألِا يضحَك مُنتصِرًا على عِنادَها، يُحِب أن تكون بِجانِبه، وأن يتكلّم مَعها عن أي شيء وإن كانت أشياء تافِهة، وجودَها يَجعل مِنه أقل بؤسًا، وأكثَر قابِلية لِلحياة، ويعلَم بِأنّهُ لديه هٰذِه الروح مَعها، لا يكون هٰذا الرَجُل إلّا مَعها، وأمّا مع بقيّة العالَم فهو رجُلٌ إنطِوائي، لا يُحِب مُشارَكة أحد أي شيء، مَعها يُريد أن يُشارِك كُل قِطعة مِنه بِرِفقَتها، ملابِسَهُ، أوراقَهُ، كَلِماته، لوحاتَهُ وموسيقاه، وجودَها يَجعلَ مِنه رَجُلٌ جَميل، ومُبتَهِج..

تلطخت شفتيها بِالشوكولاتة فَتعلّقت عيناهُ هُناك ولا يَعلَم ما أغراه، شفتيها أم الشوكولاتة!، كانَت تُحاوِل أن تُخفي إرتِباكَها الذي أصابَها بِسبب عيناه، فَقد يُهلِكها بِتِلك النَظرة وَحسب، ويُبعثِرها ثُم يُرتِّبها، سألَها شارِدًا وهو ينظُر لِشفتيها..

" لَذيذَة أليس كَذٰلِك؟.."

أومأت لَهُ غير قادِرَة على التكلُّم، بِسبب مضغها لِقطعة الحلوى الكَبيرَة، وقد أربَكتها نَبرَتَهُ بِالرُغم مِن شعورَها بِالأُلفة بِالقُرب مِنه، كانَت تَرغب أن تَختفي مِن أمامَهُ بعد أن رءا ضُعفَها، تَكسِرها حقيقَة أن تَفقِد سيطرَتها عَلى مَشاعِرها أمام أحد، ولَم يسبق لَها أن فقدَتها إلّا أمامَهُ، ولا تَملِك أي قُدرَة على التحكُّم بِأي شعور أمام هٰذا الرَجُل، وكأنّهُ ودون أن تُدرِك يخلَع عَنها كُل الأقنِعة، تَأتِ إليهِ بِنفسها التي لا تَعرِف كَيف أن تُخفي شيء، ورُبما هو يُجيد قِراءتها وَحسب، ويُجيد إكتِشاف حَقيقَة حالَتها بِعيناهُ، وأيًا كان السَبب فَهي تَشعُر بِالأسف على نَفسَها، لِلإنهيار أمام رَجُل قد يَظنُّها أُنثى ضعيفَة..

أكمَل ما كان يَفعَلَهُ، أطعَمها بِصَبر رَجُلٌ عاشِق، وكان الهُدوء هو أجمَل ما بينَهُما حينَها، أشبَعت عَينيها مِن تأمُّلَهُ وفي قَلبُها شيء يَكبَر ويتضخّم، شيء جَميل تِجاه هٰذا الرَجُل يَجعَلها تَهيم بِه عِشقًا بِسهولَة، ولا تَستطيع تَمييز ما هو، شيء يَجعَلَهُ يستميل قَلبها وعَقلَها مَعًا، شيء صادِق فيهِ يَجعلَها تتمسّك بِه، بِالرُغم مِن حقيقَة أنّهُ يُرخي قبضَتَهُ عن أي شيء..

حينَما طَلبَت مِنه أن يتوقّف عَن إطعامَها، لبّى طَلَبها ووضَع الملعَقة جانِبًا، جاء نيرو نَحو آريان ثُم سار ليقفِز إلى يولانَد التي إبتَسمَت لَهُ، وحينَما كادَت أن تَرفَعهُ أخذَهُ آريان إلى حُضنَهُ موبِّخًا أيّاه وكأنّهُ يفقه ما يَقول..

" أنت كَلب شَقي، لِمَ لا تَنام وتَترُكني!.."

إبتَسمت وهي تتأمّلَهُ يُمرِر أنامِلَهُ التي تَعشقها على فَرو نيرو، ثُم تَمتَمت بِنبرَتها الناعِمَة..

" جَميل أن تَقتَني كَلب، أنا سأشتري عصافير جَميلَة.."

كان نيرو ساكِن في حُجر صاحِبَهُ، ولا يخرُج مِنه صَوت وكأنّهُ يسمَعهُما ويُريد أن يَفهم ما يقولانَهُ، رَفَع آريان شَعرَهُ الذي كان يُداعِب جَبينَهُ ومَع ذٰلِك، سَقطت بَعض الخصلات المُتمرِّدَة على جبينَهُ مرّة أُخرى، قبل أن يُجيبَها بِصوتَهُ الثَقيل ونَبرَتَهُ الرجوليّة الهادِئَة ذات البّحة الجَميلَة..

" لا أُحِب الطيور، لدي تاريخ سيء مَعها.."

خرَجت مِن تأمُّلها لِلغِة جَسدَهُ المُميّزَة على كَلِماتَهُ، فَسألَتَهُ والفضول كالعادَة في نَبرَتها..

" أي تاريخ؟.."

رَتّب إحدى حاجِباه مُبتَسِم الثَغر، والذِكرى قد مرّت في ذاكِرَتَهُ وهو يُجيبَها بِنبرَة باسِمَة..

" إن أخبرتُكِ قد تَظُنين بِأنّي سفّاح وعديم الضَمير.."

قَهقهَت على أثَر كَلِماتَهُ ونَبرَتَهُ، ثُم أردَفت لِتحُثّهُ على الكلام وهي تَشعُر بِالفضول يَتضخّم داخِلها..

" لا لَن أفعَل.."

إتَسّعت إبتِسامَتَهُ وهو يتذكّر طفولَتَهُ التي كانَت غريبَة وفَريدَة مِن نوَعها، ثُم قَهقَه قَبل أن يسرد لَها بِنبرَة أحسّت بِأنّها قريبَة لِلهَزل..

" لا أعرِف حتى اليوم لِمَ كُنت أقوم بِذٰلِك!، كان لي أخ اسمَهُ آدم يَهوى شِراء العصافير والكتاكيت، وكان يترُك الكَتاكيت في حَديقَة المَنزِل بِحكُم أنّها لا تَطير، وأنا بِدوري كُنت أقوم بِتشريحها، أُفرِّغ كُل أحشائَها لأقوم بِحشوها بِالقُطن ثُم أُخيطّها، ليعود هو ويراها مُجرّد دُمى، كُنت طِفل مَعتوه وغَريب الأطوار.."

ضَحِك في نِهايَة كَلامَهُ كما لَم يَضحَك مِن قَبل، كانَت ضِحكَة صادِقَة، ولِلمرّة الأولى تَراه يضحَك بِتِلك الطَريقَة، يمتَلِك ضحكَة جَميلَة تَسلُب مِنها ما تَبقّى مِن قَلبها، فجَعلَها تَضحَك هي الأُخرى غير مُصدِّقَة حَقيقَة ما كان يَفعَلَهُ، من يراه الآن لا يُصدِّق أنّهُ هو ذاتَهُ نيچرو ألبيتسي الذي يُبكي الناس، بِبؤس أعمالَهُ، لديهِ روح أُخرى جَميلَة، مُزخرَفَة بِاللُطف والمَرح، ولٰكِنّها روح مَقتولَة، وموتَها جَعل مِنه رَجُل آخر بَعيد عَن السابِق..

تَنحنَت وهي لاتزال مُبتَسِمة ثُم أردَفت ضاحِكة..

" وأنا كانت لدي عادّة غريبَة تِجاه القِطط.."

سألها ولاتزال نَبرَتَهُ ضاحِكة..

" إذًا أخبريني، فَقد أقتَنِع بِحقيقَة أن هُناك مَن هو أغرب مِني.."

إبتَلعَت ريقَها، ثُم أعادَت شعرَها لِلخَلف وكأنّها تَستَعِد لِتمثيل مَشهدَها، وهٰذا ما فَعلَتَهُ وهي تسرِد لَهُ دون أن تتخلّى عَن نَبرَتها الضاحِكَة..

" أنا كُنت أهوى تعنيف القِطط، أذكُر إحدى المرّات قُمت بِأخذ إحداهُن، وقُمت بِالدوران بِها حتى أجعلها تَفقِد الوعي، لِأقذِفها لِخلف الأشجار التي في الحي، وقِطّة كُنت أخطُف ابنائها لِتبحث عَنهُم هي ورِفاقَها.."

أكمَلت وهي تَسمَع ضِحكاتَهُ تَعبث بِقلبها بِعُنف وعَيناهُ الرماديّة مُتسِّعَة بِترّقُب..

" ولٰكِن ليس هٰذا أسوء ما قُمت بِِفعلَهُ بِالقِطط!، إحدى القِطط أخذتها لِأقذُفها مِن سطح المبنى الذي كُنت أعيش فيهِ مع والِداي، لِأرى إن كانت تمتَلِك سبَعة أرواح كما يدّعون، لم أظُن بِأنّها مِن سقطَة واحِدة تَموت.."

حالَما إنتَهت بَدأت بِالضِحك بِرِفقَتَهُ، حتى شَعرت بِدموع الضِحك على عَينيها، كما كان هو يضحَك وكأنّهُ لم يضحك مُذ مائَة عام، شعر بِقلبِه يتسِّع ويبتَهِج، كان كِليهُما يحتاج لِنوبَة الضِحك هٰذِه، بَعد نوبَة البُكاء والألَم السابِقَة، والتي سرَقت مِن آريان راحَتَهُ، فَعادَت الآن السَكينَة لِقَلبَهُ، وهو يراها ضاحِكَة وتتبدّل دموع الوَجع بِدموع الضِحك، ضَحِك كَثيرًا مِلئ حاجَة قَلبِه لِلبهجَة، لا يستطيع تذكُّر آخِر مرّة ضحِك فيها هٰكذا، ولٰكِنّهُ مُمتن لَها ولِوجودَها الذي يُعيد لِروحَهُ أشياء فَقدها مَع الأيّام الثِقال..

مَحت دموعَها وهي لاتَزال تَضحك هَتفَت في وجهَهُ الضاحِك..

" كُنت عِبارَة عَن كابوس مُخيف بِالنِسبَة لِلقِطط.."

أردَف مِن بين ضِحكاتَهُ مُحاوِلًا التحكُّم بِحركَة نيرو الذي أزعجاه بِضِحكَهُما..

" مِن الجيّد بِأنّي لا أمتَلِك قِط.."

حينذاك هَرب نيرو مِنه ليركُض في الأرجاء، تارِك لَهُما المَكان ليختَلي آريان بِضحكَة يولاند التي تُشفيه، وقد كانَت تَضحك بِطريقَة مُعديَة، جَعلت مِنه يُشارِكها ويضحك مِن أعماق قَلبِه المُتعَب، وحينَما توقّفا عَن الضِحك أسنَد خدّهُ على كَفّه ليتأمّلها مُتمتِمًا بِأعيُن باسِمة..

" أخبرتُكِ بِأنّها تُجلِب السَعادَة.."

أشار بِعيناه إلى قالِب الحَلوى، في الحقيقَة هو ما يُجلِب لها السعادَة وليس شيء آخر، تبسّمت بِحَرَج واضِح في عَينيها طالِبَة مِنه والرَجاء جليّ على نَبرَتها..

" هلّا نَسيت ما حَدث!، أنا في العادَة لا أفقِد سيطَرتي على مشاعِري أمام أحد، فَهٰذا حقًا مُحرِج.."

تأمّلها صامِتًا، ينظُر في حركاتَها المُرتَبِكَة أمامَهُ، يروق لَهُ خجَلها وجُرئتها، تارَة تَرتَبِك مِن النظر لِعيناه، وتارَة تُقبِّلهُ بِشغف وتَقول لَهُ أجمل الكَلِمات، تناقُضات روحَها جَميلَة، تُناسِب تناقُضاتِه، وجد نَفسَهُ يبتَسِم وهو يُحادِثها سارِح في تَفاصيلها..

" أنا لا أُمانِع أن تفقديها مَعي.."

أراح ظَهرَهُ على الكُرسي، وضم ذِراعاه أمام صَدرَهُ، ثُم أكمَل وكأنّهُ يُلّقِنها دَرسًا..

" إن لِكُلٍ مِنّا قُدرَة تحمُّل مَحدودَة، لِذٰلِك نَرى كُل هؤلاء المُغادِرين، الوحيدين والمُعتزلين لِلعالم، لِأنّهُم فقدوا القُدرَة على التحمُّل.."

صَمتت تُنصِت لَهُ بِقلبَها، فَهو يُثريها بِكَلِماتِه وتُقنِعها عَيناه ونَبرَته الصادِقَة، وحينما طال صَمتها إقترب مِنها يأوي كَفّيها المُضمّدَتان بين قبضتيهِ، لِتبقى هي تُحدِّق فيه مُستمِعَة لِما يقول بِصوتَهُ الهادِئ ونبرَتهُ الثقيلَة..

" يَصِل المرء لِمرحلَة، لا يعُد قادِرٌ على مُحارَبة أحزانَهُ، فيُخرِجها ليقتُلها ويحرِقها لِلأبَد، ثُم تَعود الحياة والناس لِأذيتكِ مُجددًا، ومُجددًا، ومَع كُل أذيَة يُصبِح الأمر عاديًا، كأنّهُ خدش بسيط وتافِه.."

هَمست مُبتَسِمة تتمسّك بِأنامِلهُ دون أن تكتَرِث لِوجع كفيها..

" لَم يعُد شيء قادِر على أذيتي، الأوجاع العَظيمَة تَجعل مِن الإنسان قويًا.."

" تَجعل مِن الإنسان مُتبلِّدًا.."

قالَها بِتِلقائيّة وبِنبرَة حادّة، ينظُر في كفيها بين يداه، ولا يُريد إفلاتَها، كان كُل ما يحتاج إليهِ هو تمسُّك أحدهُم بِه هٰكذا، وإن كان التمسُك يؤلِم صاحِبَهُ، يشعُر بِالأُلفة مَعها، وكأنّهُ يعرِفها مُسبقًا، وكأنّهُما سبق وإجتَمعا في حياة أُخرى، وجد ذاتَهُ يُهذي بِقلبٍ مَفتون ولاتزال رماديتاه على يديهُما..

" الأوجاع العَظيمَة، تُميت كُل شيء في قُلوبنا، حتى يعود كُل ما حولنا عاديًا، مُبتذل لا يُثير شَيء.."

جاء صوتَها ناعِمًا وهي تُردِف مُتأمِّلَة ملامِحهُ الشارِدَة..

" أنت على حَق.."

أنا على حُب..
كان يُريد أن يقولَها، ولٰكِنّهُ خرَج مِن نوبَة هذيان قلبَهُ، لينظُر إلى عَينيها ويُصاب بِنوبَة عِشقيّة، جَعلت مِنه يتحدّث هائِمًا في عَينيها وكُل ما فيهِ يشهد بِأنّهُ كان صادِقٌ في كُل حرف قالَهُ..

" إن أردتِ البقاء قويّة مَع العالَم، تعالي إليّ بِوجعُكِ، رُبما لا أعرِف المواساة، ولٰكِنّي أُجيد التعامُل مَع الحُزن، بِإمكانُكِ أن ترقصي على أي لَحن هُنا، وأن تُبكيكِ قصيدَة، وتُرجِف قلبُكِ أُغنية، مَعي فقط لن تتقيدي، لدي مساحَة كافيَة وحُرّة لكِ.."

كادَت عَينيها تَفيض عِشقًا
وقد خافَت حينَها أن تتعلّق بِه بِطريقَة خطيرَة عَليها، لا تَعلم بَعد بِأنّها مُتعلِّقَة بِه مُنذ زَمن، قبل أن تتعرّف عليهِ، والآن هوسَها وتعلُّقها بِه يَتضخّم حتى بات صَعبٌ عليها إنتِزاعَهُ مِن حَياتَها، كانت فقط تَحتاج لِلعِشق حتى يُداوي جِراحَها، وكأنّها تَثِق بِالعِشق، لا تَعرِف هي بِأنّهُ مُخادِع، يتلاعَب بِالعُشّاق بِإستِفزاز قَلبيّ وعَقليّ، ليجَعلَهُم عبدَة مَشاعِرَهُم..

سَحبها مِن يديها بِلُطف إلى أحضانَهُ، لِتجلِس في حُجرَهُ وتُتشبّث بِقميصَهُ بِقلبَها، كانت تَحتاج لِحُضن مِنه يُطفِئ كُل وَجع يَشتَعِل في رِئتيها، ولِرائِحَتَهُ حتى تَستكين، ويَهدأ كُل شيء، ليصمُت كُل شيء ويبقى هو لَها هي، لَها وليس لِأي أحد آخر، لا تَرغب بِأن يتلاشى شعورَها تِجاهه، تتمنى أن يَكبر ويَكون مُتمّلِكًا لِروحَها، لا تُريد لِهٰذا العِشق والهوس أن ينتهيان، تُفضِّل أن تُفسَد عِشقًا على أن يُفسِدها الحُزن، أن تُفسِدها يداه وكَلِماتَهُ على أن تُفسِدها الوِحدَة، رُبما يكون العِشق شِفاء لَها وَله!..

* * *

العاشِرَة والنِصف تخدُّرًا | فلورنسا..

عادَت لِمنزِلها مُتأخِرَة بِسبب تدهور حالَة الأجواء في المدينَة، وبِسبب الإزدِحام، حالَما عادَت وَضعت قالِب الحلوى الذي أصرّ على أن تأخُذَهُ مَعها في الثلاجَة حتى لا تُفسَد زينَته، كان السيد فيچو يُحدِّق فيها مُتعجِّبًا مِن حالَتها الغَريبَة، فَقبل أن تُغادِر كانت مُتضايقَة ومزاجَها لا يُفسَّر، والآن عادَت وهي تكاد تُحلِّق سعادَة، ويستطيع مَعرِفَة السبب، يعرِف هٰذِه الحالة جيدًا، فَوالِدها الراحِل كان كَحالَها الآن حينما كان عاشِقًا، لَقد أصبَح العِشق يُخيفَهُ ويَخاف عليها مِنه..

خرَجت مِن المَطبَخ لِترى جدّها شارِد، فَإقتَرَبت مِنه لِجلِس بِجانِبِه مُتحدِّثَة بِقلَق..

" جدّي!، هل أنت بِخير؟.."

نَظر لَها مُطوِلًا، قَبل أن يُلاحِظ يديها المُضمّدَة وحينها تَكلّم والقَلق جليٌ على نَبرَتَهُ وهو يأخُذ يديها يَتفحصّها..

" حينما غادَرتِ لم يَكن شيء عَلى يديكِ، ما الذي حَدث لَهُما؟.."

توتَرت وهي تُحاوِل أن تُبعِد يَديها عَنه مُبتَسِمة بِإرتِباك وهي تُجيبَهُ مُزيفَة الثَبات..

" هٰذا لاشيء، جرحتَهُما فقط جرح سطحي، المُهِم الآن أخبِرني ما بِك.."

تَنهد مُستسلِمًا، يعلَم بِأنّها لن تتكلّم، ولن تُخرِج أي شيء مِما في داخِلها، خَلع نَظّارَتَهُ الطبيّة عَنه وتغيرت ملامِحَهُ لِلجِديّة وهو يُحادِثها بِنبرَتَهُ الدافِئَة..

" أنا خائِف عَليكِ، لا أُريدكِ أن تَفقدي عَقلُكِ مِن أجل رَجُل، أنتِ أُنثى جَميلة وذكيّة، تستطيعين التغلُّب على كُل شيء دون الحاجة لِأحد، لا تَجعلي مِن العِشق حَبل نَجاة بينَما هو حبل مشنَقة.."

إبتَلعت وَجعَها، وهي تُخفِض جُفنيها لِتُغطي رموش عَينيها الحُزن الذي ظَهر عليهُما، ثُم أخذَت نَفس عَميق وهي تُردِف بِنبرَة هادِئَة واثِقة..

" أنا لست كَأبي، سأجَعل مِن العِشق نَجاة وليس إنتِحارًا.."

كاذِبَة، هو يَعرِف هٰذِه الحالَة، سبق لَهُ وتعامَل مَع ابنه المهووس، الذي كان يفقِد عقلَهُ دون زوجته، والذي نسى العالم بِمن فيه حينما وجدها، يستطيع تَمييز حالات العِشق بِفضلَهُ، ويولاند كانت كَوالِدها تمامًا، لا تَختَلِف في شيء عَنه، ويُخيفَهُ أنّها تَعشق رَجُل مُتخفّي، بِالرُغم مِن إرتياحَهُ لِآريان إلّا أنّهُ خاف مِنه عليها، لرُبما يفعَل هوسَها بِه شيء بِها، والذنب ليس ذنبه، إنّها مجنونة وتُريد أي سبب لِلطيران بعيدًا عن العالم المؤذي..

تكلّم مُحاوِلًا أن تَفهم خوفه..

" أنا لا أُمانِع أن تعَشقيهِ!، أنا فقط خائِف عليكِ.."

واجَهتَهُ بِنَظرَة عَينيها الغارِقَة في عِشقها، وبِهذيان وجدت ذاتَها تتكلّم بِصِدق وثِقَة قَلب..

" ولٰكِنّي أعشَقَهُ بِطريقَتي، بِجنوني وتهوري، وإن كانَت طَريقة خَطيرَة قد تَقتُلَني، إن عِشقَهُ يُصيب قَلبي ويجَعل مِنه خاضِع، أنا لست جَميلَة إلّا بِه، لست يولاند إلّا مَعه، العِشق ليس أن أختار الصائِب مِن بين الخاطِئين، إنّهُ إختيار قَلبي لِمن هو قادِر على إصلاحَهُ، لِلقادِر على إحتِواء هفّاتي، لِلذي يحمِيني مِن السقوط، ولِلرَجُل الذي يُخرِج حَقيقَتي دون أن يَجعلني نادِمَة.."

أعادَت خصلات شَعرَها الليلي لِلخَلف، ثُم أخذت يداه بين يديها تُكمِل وكأنّها ترجوه أن يَفهم ما تُريد..

" أنا لا أخاف مِن العِشق، أخاف أن ينتهي بي المَطاف أُنثى وحيدَة مَع رَجُل لا يفقه فيّ شيء، رَجُل فارِغ لا يرى إلّا جَسدي، لا يهتَم لِأصغر التفاصيل، لا يَكشِف في صوتي نَبرَة البُكاء، ولا يرى في عَيناي نَظرَة الحُزن.."

طَبطَب على كَفها، مُتبسِّم لَها وقلبَهُ يتمنى أن تكون بِخير مع أيًا كان، ثُم أردَف مُتفهِّمًا بِنبرَتَهُ الحنونَة..

" فهِمتُكِ يا زَهرَة البنَفسج، أنتِ تَحتاجين رَجُل لِعقلُكِ قَبل قلبُكِ.."

إستَلقت على فَخذَهُ كعادَتها، ليُحرِّك أنامِلَهُ المُجعدّة بِفعل الزمن على شعرَها، كانت تُحِب ذٰلِك، يجَعلها تشعُر بِالراحَة وأنّها تمتَلِك في نهاية يومها من يَحتويها، على الأقل لايزال مَعها جدّها، هٰكذا كانت تَقول لِنفسها كُل لَيلَة، لايزال هُناك أحد لَم يترُكها تخوض حياتَها وحيدَة، إحتَضنت جَسدها، وهي تَستشعِر بَقايا حُضنَهُ، وكانت كُلّما تَذكرَتَهُ شعرت بِروحَها خَفيفَة، وبِقلبَها يُريد أن يخرُج مِن مكانَهُ ليذهب إليهِ، ولينام بين يديهِ التي تَعشقها، تَشعُر بِأن هُناك ملائِكَة صَغيرة تَطير في رِئتيها، وأنّها في عالم آخر عَن هٰذا الذي ينتمي إليهِ جَسدها، وهٰذا الشعور جَميل، جَميل جِدًا، أغلَقت عينيها قَبل أن تهمِس غير واعيَة لِما تَقول..

" هٰذا الرَجُل لي، إنّهُ ابن قَلبي، أشعُر بِه هُناك، وعِشقي لَهُ يخرُج مِن صوتي وعَيناي، أنا هائِمة بِه.."

لاشيء أجمَل مِن بِدايات العِشق
ولا أسوء مِن نِهاياتَهُ..

* * *

الثانيَة عَشر مُنتَصف العاصِفَة| فلورنسا..

قال أحدَهُم بِأن العِشق لا يعرِف أحد
ويُغيّر أطباع أصحابَهُ، وهٰذا كان حقيقي، فقُدرَته على تغيير رَجُل هادِئ إلى رَجُل مُنفَعِل يُريد تَحطيم من يقترِب مِن معشوقَتَهُ، قُدرَة عَظيمَة، أصبَح لا يعرِف من هو هٰذا الرَجُل الذي هو عليه، وكُل ما يعرِفَهُ هو أنَّهُ عليهِ إبعاد أي رَجُل يحوم حولها بأي طريقَة كانَت، بَقي يُدّخِن سيچارَته تِلك في سيارَتَهُ السوداء، وينظُر في المرآة لِعيناه الرماديَة التي تُشابِه أعيُن النسور في حِدّتها، وأعيُن الذِئاب في لَونها وخطورَتها، بِجانِبَهُ صديقَهُ الذي ينتَظِر مِنه أن يتكلَّم، ولٰكِنّهُ كان صامِت بِطريقَة مُخيفَة، وفي رأسَهُ العديد مِن الأفكار الشيطانيّة..

أخرَجَهُ صوت فيتال مِن شرودَهُ بِسؤالَهُ مُترَقِّبًا..

" إذًا!، ما الذي سنَفعلَهُ الآن؟.."

أجاب بِملامِح تُميت الناظِر لَها رُعبًا، دون أن يُزيح عيناه مِن المِرآة..

" سَنُعيد لِهٰذا الملعون عَقلَهُ.."

صَفّر فيتال بِإعجاب وحماسَهُ بدأ بِالإستيلاء عليهِ، خاصةً وهو مُنتشٍ بِسبب زجاجة الويسكي الصغيرة التي بين يدَهُ، هتَف وهو يُعدِّل مِن وضعيّة جلوسَهُ وكأنّهُ يستعِد لخوض حربًا ما!..

" أنا مُتحمِس لِرؤيَة طُرقَك.."

أخذ نَفس آخر مِن سيچارَتَهُ، ثُم نَفثها مع كَلِماتَهُ التي جاءت بِنبرَة هادِئَة ولا تَعرِف لِلخير طريق..

" أنا لدي طاقَة سيئّة اليوم، هل تعرِف ماذا أفعل حينَما امتَلِك هٰذِه الطاقة في العادَة؟.."

نَظر لَهُ في نِهايَة كَلِماتَهُ، ليُحدِّق فيتال فيهِ مُبتَسِمًا وهو يسألَهُ مُتحمِسًا..

" ماذا تَفعل؟.."

إبِتَسَم آريان بِطريقَة أخافَت من أمامَهُ، ثُم أجاب بِنبرَة مُتلاعِبِة مُدّعيًا البراءة..

" أُلاكِم، وَلٰكِني لست في مَنزلي الآن، ماذا أفعل يا فيتال؟.."

ضَحِك فيتال بِجنون واضِح، يفهَم هٰذِه الطريقَة الملتويَة، إنّهُ أكثر الرِجال تَلاعُبًا وجنونًا، لِهٰذا يفهَم جيدًا ما يُشير إليه آريان، هَتف عاليًا وهو يلكِمَهُ على كَتِفَهُ مُمازِحًا أيّاه..

" نجِد كَيس مُلاكمَة يا وَحش.."

قَهقَه آريان وهو ينظُر لِحالَة الإنتِشاء التي أصبَح فيتال فيها، ومع ذٰلِك لايزال مُحافِظ على وعيَهُ ليُشارُكَهُ في المَجيء إلى حَيث يُريد، كانا يَنتَظِران في السيارَة اللحظَة المُناسِبَة لِلخروج، ولا وجود في ذٰلِك الحي لِأحد إلّا صوت الموسيقى التي في المنزِل المقصود، نَظر لِساعَتَهُ، رَمى سيچارَتَهُ المُحترِقَة مِن نافِذَة سيارَتَهُ، ثُم ترجّل بَعدها مُعدِّلًا هندامَهُ كما فَعل فيتال، جاء صوت فيتال ساخِرًا وهُما يقتَرِبان مِن المنزِل..

" مِن الجيد أنّهُ يمتَلِك منزِل لِمُمارَسة قذاراتَهُ فيهِ.."

كان آريان هادِئًا إن رءاه أحدَهُم مِن الخارِج، ولٰكِن في داخِلَهُ هُناك حرب وجَحيم على وشَك إحراق كُل من يقتَرِب مِنه، فَهٰذا الذي يُحاوِل سَرِقة يولاند مِنه يُثير غضبَهُ الذي لا يُثار، ويجعل مِنه رَجُل خطير على كُل ما حولَهُ، ولٰكِنّهُ سيُحاوِل أن يكون هادِئ وألّا يتهور فيما سيفعلَهُ، قام بِالضغط على جَرس المنزِل وبقي مُنتظِرًا بِرفقة فيتال لِهٰذا الرجُل أن يفتح أبوب جَحيمَهُ، وما إن فَتح إبتَسم آريان لِملامِحهُ التي تغيرت في حال رؤيتَهُ، كان مُشعث الشعر وعيناه الخضراء مُنتشيَة، وخلفهُ امرأة تتشبث بِه، وهٰذا أثار قرف آريان مِنه، ومع ذٰلِك هتَف بِنبرَة عابِثَة وهو يدفع الباب بيدَهُ وبِرفقة فيتال..

" سيد ألبيرتينو!، نحتاج لِنتحاور معًا.."

_____________________
نِهاية الجُزء🌸..

مرحبًا يا رِفاق🙋🏻‍♀️🖤
أشتقت لكم 🌚😂🖤، وأعتذر جدًا على التأخير حسيت أنه غبت مدة طويلة مع أنها قصيرة نسبيًا🌚!..

وخواتم مباركة أعزائي، الله يكتبنا جميعًا من المغفور عليهم😴🖤..

آرائكم بالجزء؟

هل لقاء آريان بألبيرتينو سيمر بسلام؟

من وجهة نظركم هل يولاند ستكون كوالدها؟

ما سبب طلب فيتال للقاء بروزيلا؟

لو أتاحت لكم فرصة أن تكونوا واحدة من الشخصيات فمن سيكون؟

أستودعتكم الله يا رفاق، أبقوا في منازلكم✨..

All the love 💗..
See you all soon 💋..

Continue Reading

You'll Also Like

786K 49.5K 18
لي آن كانت تطارد عدة أشياء في حياتها..معارض فنية..أرقام قياسية..قمم جبال شامخة و رحلات جنونية في مناطق نائية.. لكن الشرط الوحيد لتفعل كل هذا و لتعي...
150K 9.8K 16
قررت، القاعدة التِي ستتبعُها طيّلة مرحلتُها المدرسية الأخيرة هي تجنبُ الفتى الذي يُطعم الطيور.
241K 9.5K 12
مقتطف: "اتّخذيني أنا وحياتي كمزحة إن أردتِ لكن حياتكِ أنتِ هي حدّ مُحرّم لا يمكنكِ الاقتراب منه هانا" •••• تراقصَ الوقتُ وِفق أنغامٍ دلّت على الأبدي...
693K 33.6K 28
يلعب القدر لعبته و يأخذ أميرتنا المسلمة، بطلة القصة إلى كندا حيث تلتقي بالرجل الملحد الذي سيغير مجرى حياتها، في حرب بين الحب و الدين من الصعب التنبؤ...