أســود II |إكتِشاف المجهول ☔︎...

By writeryosh

1.4M 71.1K 43.1K

•تنويه: هٰذا الجُزء مستقل بِقصّة أُخرى وأبطال آخرين ولا ينتمي للأول بأي صِلة.. إنّهُ ذاك النوع مِن الرِجال ال... More

أســودII| إكتشاف المجهول☔︎
الجُزء الأول|المتخفي بِالفن
الجُزء الثاني|شغف وفضول
الجُزء الثالِث|رِحلة إستِكشاف غريب
الجُزء الرابِع|لوحَة أُنثى الفضول
الجُزء السادِس|أُلفَة قَلب
الجُزء السابِع|مَشروع حُب فاشِل
الجُزء الثامِن|تمنُّع وصَدْ العِشق
الجُزء التاسِع|موعِد مَع العِشق
الجُزء العاشِر|عاصِفَة عِشقيّة
الجُزء الحادي عَشر|لِجوء قَلب مُشرّد
الجُزء الثاني عَشَر|حالات عِشقيّة
الجُزء الثالِث عَشَر|رَغبَات سَوداويّة
الجُزء الرابِع عَشر|دِيْسَمبِرْ الغِيَابْ
الجُزء الخامِس عَشَر|أربَعة قِصص!
الجُزء السادِس عَشَر|القِصّة الأولى
الجُزء السابِع عَشَر|تقلُّبات عِشقيّة
الجُزء الثامِن عَشَر|القِصّة الثانيَة قَبل الغِيَابْ
الجُزء التاسِع عَشَرْ|صِراعَات العِشق
الجُزء العُشرين|القِصّة الثالِثَة بَعد الجَفاء
الجُزء الواحِد والعُشرين|فوضى الشُعور
الجُزء الثاني والعشرين|رِحلة البَحث عَن لوحة أُنثى الفضول
الجُزء الثالِث والعُشرين|نيچرو ألبيتسي
الجُزء الرابِع والعُشرين|الموت عِشقًا
الجُزء الخامِس والعُشرين|رَجُل ضَبابيّ
الجُزء السادِس والعُشرين|بين أحضَان المَجهول
الجُزء السابِع والعُشرين|الصعود لِقِمّة العِشق
الجُزء الثامِن والعُشرين|تَحطيم القاعِدَة
الجُزء التاسِع والعُشرين|قلوب حائِرَة
الجُزء الثلاثين|الرَقصَة الأخيرَة
الجُزء الحادي والثلاثين|نِضال القلوب العاشِقَة
الجُزء الثاني والثَلاثين|الحَنين لِما مَضى
الجُزء الثالِث والثَلاثين|صِراعات وِجدانيّة
الجُزء الرابِع والثلاثين|حِدادٌ قَلبيّ
الجُزء الخامِس والثلاثين|دُفِن العِشق لِلأبَد
الجُزء السادِس والثلاثين|سيّد الأُحجيات
الجُزء السابِع والثلاثين| ضريبَة عِشق الأسود
الجُزء الثامِن والثلاثين|القِطعَة الناقِصَة مِن الأُحجيَة
الجُزء التاسِع والثلاثين|رحلة عِشق المجهول
النِـهـايـة|كُل الطُرُق تؤدي إلى الأسوَد

الجُزء الخامِس|لَهفة لِقاء

42.2K 2.5K 1.3K
By writeryosh

الجُزء الخامِس| لا توجد هوية مُستقلة للإنسان، نحن نتغيَّر باستمرار، تغيرنا الكلمات، المواقف، الأغاني و الأفعال، نحنُ مُجرد ردَّة فعل لكل ما يحدث لنا في هذه الحياة..
* * *

النُضج هو أن تتوقّف عَن هدر وقتُك في شيء مُحاط بِالإحتِمالات، كيفَما كانت رَغبتَك بِه قوية، شيء تَعلَم تَمامًا بِأنّك غَير قادِر على جعلَهُ دائِمًا مِلكك، لا يُغادِرَك، فَالعيش على أمل عدم فُقدانَهُ هو موت بطيء، وحينما تتخلّى أنت عَن هدر وقتَك في الحصول عليه حينها ستُبقي قلبَك في منطقَة الآمان..

تَخيّل أن تكون فاقِد القُدرَة تمامًا عَن التشبُّث بِأي شيء أو شَخص!، تُريدَهُ بجوارَك دائِمًا ولٰكِنّك تُرخي قَلبك عن التشبُّث بِه، لا تُريد أن تُخاطِر بِالسقوط على قلبك، تبقى بين شعور أنّك تُريدَهُ ولٰكِنّك تخاف أن تُريه قيمتَهُ الحقيقيّة، فرُبما حينها يُغادِر!، تخيّل أن تكون مُنعدِم الآمان والثِقَة حدْ مُعاملَة من تُحِب بِطريقَة سيئّة حتى لا يتشبثوا بِك!، وتخيّل أن يكون في قلبَك حُب كبير ولٰكِنّك لا تُظهرَهُ، بل تُظهِر عكسَهُ تمامًا..

لَقد فعلوا بِك شيء..
شيئًا سيئًا، أسوء مِما كُنت تتخيّل، جعلوا مِنك شخص ساخِط يَخاف مِن كُل شيء، حتى بِتْ تشعُر بِأن الحُب والسعادَة فَخًا ما..

* * *

الثانيّة عَشر مُنتصَف الحيرَة| فلورنسا..

عادَت إلى مَنزِلها بِذهن شارِد، لا تعلَم هل هو فَخ، أم حقيقَة، لِأنّها تعلَم بِأنه ليس مِن السهل إكتِشاف الغامِض، وليس مِن السَهل تَجاهُل كُل التحذيرات الَتي تأتيها مِن كُل اللذين طرحت عَليهُم الفِكرَة، ولٰكِنّها كانت تُريد فِعل المُستحيل الذي لَم يستطِع أحد قبلها الوصول إليه، سيكون نَصرًا عظيمًا، أن تُغلِق أفواه الجميع بِقُدرتَها على الوصول لِمَ تُريدَه..

إستمرّت بِقِراءَة تِلك الرِسالَة مِرارًا وتِكرارًا، ثُم تنظُر لِلوحَة الموت الأبكم التي مُعلَقّة في مكان بَعيد عَن جَميع اللوحات، كانَت مُتردِدَة في رَدها عَلى رِسالَتَهُ، تائِهة مابين شعور النشوّة والتوتُر مِن القادِم، ولٰكِنّها بِالرُغم مِن تناقُض مشاعِرها قررت الرد لِلتأكُّد مِن نواياه ومِن هويتَهُ..

" قَبل مَعرِفتي لِشروطَك، كيف لي أن أتأكّد مِن هويتَك؟.."

حينَما وصَلت رِسالَتها تِلك، كان هو يَصنع الشاي ليشارِكَهُ سهرتَهُ مَع كِتاب مِن إختيارَهُ، بينما هاتِفَهُ كان مَلقيًا على الأريكَة في حُجرَة الجلوس، حالما سَمِع صوت هاتِفَهُ أخذ كوب الشاي خاصَتَهُ خارِجًا مِن مَطبخَهُ المفتوح، وفي الحال إقترَب نيرو مِنه ليتَّبِعهُ حيثما هو ذاهِب، جلس على الأريكَة واضِعًا كوبَهُ على المنضدة التي بِجانِبَهُ، وحينها إلتَقط هاتِفَهُ ليفتَح الرِسالَة التي وصَلتَهُ..

إبتَسَم ساخِرًا وهو يَقرأ كلِماتَها الحَذِرَة، أعجبَهُ تأنيها في الرد وعدم إندِفاعَها بِالرُغم مِن شغفها القوي تِجاههُ، فَهو يَعلَم بِكُل خُطواتَها، وطلبها لِلقاء مَع روزيلا، كما أعجَبَه حَذرَها وذَكائها في التعامُل مَعهُ، وَجد ذاتَهُ يُجيب عَلى كَلِماتَها بِطريقَة مُلغزّه..

" ليست لي هويّة يا آنِسَة.."

أغلق الهاتِف ووضَعَهُ جانِبًا، كانت تُراوِدَة رَغبَة بِالتأنّي، وتَركها مَع حيرتَها وفضولَها الذي لايَنتهي، لِهٰذا فَضّل المُراوَغَة قليلًا مَعها، أخذ كوبَهُ ليرتَشِف مِنه القليل ثُم نَهض ليتجِّه نحو مَكتبتَهُ العملاقَة في حُجرة الجلوس، قام بِأخذ أحد الكُتُب بُعنوان 'مائّة عام مِن العُزلَة'، للكاتِب غابرييل ماركيث، ثُم عاد لِمكانَهُ وحينَها جاء صوت هاتِفَهُ مُجددًا، لَم يكُن يتوقّع وصول رَد مِنها بِهٰذِه السُرعَة، لذا قام بِفتح الرِسالَة ليقرأها ومَع كُل كَلِمَة تتسِع إبتِسامَتَهُ..

" إذًا قُم بإرسال قبولَك لِطلبي إلى بريدي الخاص، ثُم أخبرني بِشروطَك.."

كان واضِحًا مِن كَلِماتَها الصارِمَة، أنّها حريصَة عَلى التأكُّد مِن هويتَهُ، لِهٰذا أرسل لَها كلِمتَان تختصِران كُل شيء وأغلق هاتِفَهُ بِشكل نِهائي، عائدًا لِطقوس ليلتَه..

" تفقدّي بريدُكِ.."

في حال إرسالَهُ لِتِلك الرِسالَة، وبينما هو يَقرأ ذٰلِك الكِتاب، أسرَعت هي تارِكَة سَريرَها لِتذهب لِحاسوبَها الذي على مَكتبها الصَغير، فتَحتَهُ بِأنامِل مُرتَجِفَة توتُرًا، ثُم قامَت بِفتَح بريدَها المليء بِالرسائِل وحالَما رأت تِلك الرِسالَة، توقفت لِتفتَحها لِتقرأ مُحتواها بِأعيُن مِتلهِّفَة، مشاعِر مُضطرِبَة، وقَلب مُنتشي..

" طلبُكِ مَقبول، الشرط الأول أن تأتِ وحيدَة إلى العنوان، الشرط الثاني ألّا تأتِ بِأي وسائِل إتِصال، هاتِف، أو حتى مُسجِّل صوت، الشَرط الثالِث لن يعلم أحد بِمجيئُكِ، الشرط الرابِع والأخير سأُجيب على ما أُريد فقط.."

كادَت تُحلِّق بِسبب سعادَتها عِند قِراءَة الرِسالَة، لَم تَكُن تَشعُر بِالخوف حتى مِن طلَبَهُ بِمجيئها وحيدة، وكأنّها تَعرِفَهُ جيدًا وتَثِق بِه ثِقَة لاتعطيها لِأيًا كان مِمّن تَعرِفَهُم، ولٰكِنّهُ كان الإستِثناء الوَحيد دائِمًا، تركَت حاسوبَها وإستلقَت على سريرَها مُتذكِّرَة لِقائها بِه، وحديثَهُما الآخير في المقهى، كانت تَنظُر لِعيناه، وتتحدّث لَهُ، الآن باتت تَشعُر بِتِلك اللحظات أكثَر، وباتت لَها قيمَة أكثَر مِن السابِق، لِمُجرّد مَعرِفَتها لَهُ، وكيف يبدو، ولٰكِنّها لا تَفهم تصرُّفاتَهُ، لِمَ أهداها لوحَة الموت الأبكّم، والأهم لِمَ قام بِرسمَها!، هي مِن بين جميع نِساء الأرض!..

لا تَعلم بِأن الدُخول لِحياة رَجُل مِثلَة ليس سهلًا، والخروج مِنها أصعَب، هي خاطَرت مُخاطَرَة كبيرَة وتعلَم بِأنّها لن تعود مِنها كما كانَت، لِأنهُ عصي على الفِهم، وغريب التصرُفات، غير مُتوقّع لَهُ أي تصرُّف بِالنِسبَة لَها، لِهٰذا كان توجُسها كَبيرًا كَحماسَها، لَقد كانت تَرغَب بِإخبار الجَميع عمّا حَدث، ولٰكِن في الآن ذاتَهُ تُريد تخبِئَة هٰذا السِر في مَكان لايستطيع مُفسِدين سعادَتها الوصول إليه، فَفي الفترَة المُنصرِمَة مِن حياتَها باتت تُخفي كُل خَبر سَعيد عَمّن حولَها..

لِأن ليس كُل مَن تُقابلِهُ لديه قابِلية لِسماع نَجاحَك، أو حَتى لِرؤيّة سَعادَتك، ولِأنّهُم يخفون خُبث نواياهُم تحت إبتِسامَاتهُم السامّة، لِأن ليس الجميع لديه قَلب مُتصالِح مَع ذاتَهُ، ويفتقِدوا الثِقة بِالنَفس بِطريقَة مُزريَة، لِهٰذا بَاتت السعادات كَبيرة جِدًا ويجِب إخفائها عَن الجَميع..

ولٰكِنّها بِالرُغم مِن هٰذا، كانَت تحتاج لِلكلام مَع أحد، ولَم يكُن لديها في هٰذا التوقيت أي رقم على هاتِفها، لِتتصِل بِه في هٰذا الوَقت، كما إعتَقدَت أن جدّها السيد فيچو نائِمًا الآن، لَم يَكُن لديها أحد عدا نَفسها، ولاتستطيع التكلُّم مَع نَفسها حتى لا تُصاب بِالجُنون..

" يولاند هل لازِلتِ مُستيقِظَة!؟.."

أعاد إنارَة أملها صوت السيد فيچو الذي جاء مِن خَلف باب غُرفَتها المُغلَق، نَهضت بِحماس مُبتَسِمَة الثَغر لِتفتَح الباب ولِيطل مِن خلفَهُ جدها الذي كانت ملامِحَهُ تَدُل على القَلق مُتفحِصًا مَلامِحها، إبتَسمت لَهُ مُردِفَة وهي تسحبَهُ مِن ذِراعَهُ مَعها لِلداخِل..

" لَم أستَطِع أن أنام، تعال لِأخبِرَك عَمّا حَدث مَعي.."

أردَف مُبرِرًا وهو يَجلِس على الأريكَة التي بِجانِب شُرفَتها..

" لَقد شعرت بِالقلق، فقَد عُدتِ لِلمنزِل وأنتِ في مزاج سيء، ورأيت ضوء غُرفتُكِ مُنيرًا في هٰذا الوَقت، أردت الإطمِئنان.."

جَلسَت مُقابِلَة لَهُ، ثُم أعادَت شعرَها الأسود الطويل لِلخَلف مُتنفِسّة الصَعداء، كانت تُحاوِل تَرتيب الكَلِمات في ذِهنها قَبل أن تَنطُقها، فَالتحدُّث مَع جدّها الذي يَخاف عليها أكثَر مِن ذاتَهُ يحتاج التأني والحَذَر، أردَفت بِحماس وعينيها تتوهّج..

" أنا بِخير، وأصبَحت في حالة أفضل، لَقد حَصلت على ما أبحث عَليه مُذ أشهُر.."

إبتَسم فيچو لِحماسَها وَالسعادَة التي تَشع في عينيها السوداء كَليلّة مليئَة بِالنجوم، تسائَل مُترقِبًا لِمَعرِفَة سَبب كُل هٰذِه البهجّة..

" وما هٰذا الذي حصلتِ عليه يا زهرَة البنفسَج؟.."

جَذبَت كَفيه لَتُمسِكهُما شادّه عَليهُما، أخذَت بَعض الهواء لِتُكمِل بِنبرَة هادِئَة وعينيها تتأمّل ملامِحَهُ..

" هل تَذكُر الكاتِب والرسام الذي تحدّثت لَك عَنه!، المجهول الذي لا يعرِفَهُ أحد!، لَقد حَصلت عَلى الموافقَة مِن مُدير أعمالَهُ لِمُقابَلتَهُ.."

لاحَظَت تغيُّر ملامِحَهُ إلى القَلق، وشدّهُ على قبضتيها، وهٰذا جَعل مِن إبتِسامَتها تَتلاشى كما فَعلت كَلِماتَهُ القلِقَة ونَبرتَهُ الجدّيَة..

" إبنتي!، أنا سَعيد حَقًا بِقُدرَتُكِ وإصرارُكِ على الوصول إليه، ولٰكِن ألا تَرين بِأن الأمر خَطير!، ليس مِن السهل أن يُخفي أحدَهُم هويتَهُ بِكُل هٰذا التعقيد، إنّهُ يهرُب مِن شيئًا ما، وكأنّهُ غير موجود في هٰذِه الحياة وليس لديه سِوى اسمَهُ، لِمَ تُخاطِرين لِمعرِفَة رجُل لَيس مرئي لِلعالَم؟.."

عضّت على شَفتها بِقوّة، مُخفِضَة عَينيها لِتُخفي حَقيقَة مشاعِرها، لِأن هٰذا دائِمًا ما تسمَعَهُ مِن الجَميع، لَم تَعُد تَرغَب بِسماع التحذيرات، هي أُنثى المُخاطَرات، تخوض في كُل ما يبتَعِد عَنه الآخرين، تُريد لَمس كُل شيء لا يستَطيع أحد لَمسَهُ، والوصول لِأبعاد لا يتخيلَها أحد، تُريد أن تتألّم، تَقع، تُحلِّق، تَبكي، تَضحَك، تَخاف، وتَتهوّر، تُريد أن تَشعُر بِكُل شيء، أن تتحرّك روحها وترقُص على كُل الايقاعات، لا تُريد أن تموت ولَم تَعِش سِوا حياة مُبتذَلَة، نِهايَتها على يد حادِث سير أو مرضًا ما!، تُريد أن تموت سقوطًا بِسبب مُحاولتها لِلطيران عاليًا،لِتصِل لِلقَمَر، أو تموت غرقًا وهي تقود باخِرَة..

لِأنّها تُفضِّل أن تموت بِطريقَة إستِثنائيّة حتى يتذكرَها الجميع، على أن تَعيش حياة مُبتذلَة لا تستحِق أن ترويها حَتى لِأحفادَها ثُم تموت ولم تَفعل شيء يستحِق الذِكر..

أجابَت شارِدَة بِتَذكُّرها لِعيناه وهي تَنظُر لِمُقلتيها..

" لِأنّي أرى خَلفَهُ حِكايَة أُخرى، شيء مُختلِف عَمّا يقولَهُ الآخرين، أُريد مَعرِفَتَهُ، أن ألمِس أنامِلَهُ وأنظُر في عَيناه، أشعُر بِأنّي مُرتَبِطَة بِكُل شيء يَصنَعَهُ، أنا مهووسَة بِكُل شيء يَخُصّهُ.."

جاءَت كَلِماتَهُ بِنبرَة مُستسلِمَة وهو يُلاحِظ طريقَتها في الكلام عَنَه..

" أتمنى أن يذهَب هوسُكِ هٰذا حينما تلتَقين بِه.."

نَهض بَعد أن أنهى كَلِماتَهُ، لِتنظُر لَهُ بِعينيها المُتأمِّلَة، وكأنّها تَرجو مِنه كَلِمات تُشجِّعَها مِما جَعلَهُ يتوقّف مُتأمِّلًا الرَجاء في مُقلتيها، مُرغِمة أيّاه على التبسُّم مُردِفًا بِنبرَة دافِئة..

" أنا فَخور بِإصراركِ على الوصول لِكُل ما ترغبي بِه، وبِايجاد ما لَم يستَطِع إيجادَهُ أحد، لِهٰذا كوني حَذِرَة عزيزتي.."

تبسّم ثَغرُها بِإمتِنان لَهُ، ثُم نَهضت لِتحتَضِنَهُ هامِسَة في مَسامِعَهُ..

" أعِدَك بِأنّي لَن أُخيب ظنّك.."

إبتَعدَت عَنهُ وحينَها قَبّل جبينَها، ثُم إبتَعد عَنها ليخرُج مِن الغِرفَة مُغلِقًا الباب خَلفَهُ، تارِكًا أياها بِمُفردَها بِرفقَة أفكارَها، إرتمَت على سريرَها، لِتستلقي عَلى الجِهة المُقابِلَة لِلوحَة الموت الأبكّم، إستمرّت بِالتحديق بِها مُتذكِرَة كُل تَفاصيل الرجُل المَجهول المُسمّى بِـنيچرو ألبيتسي، والذي لِسبب مَجهول أصبَح مُهتمًا بِها لِحدْ دعوتَها لِتبادُل الحديث، رسمها، وقبولَهُ لِلقائَها مُجددًا سامِحًا لَها بِالدُخول لِتفاصيل لايعرِفها أحد..

هٰذا يُشعِرها بِأنّها مُميزّة، مُميزّة بِطريقَة لن يفهمَها أحد غَيرَها، فَما وصلت لَهُ إلى حدْ هٰذِه اللحظَة مَعَهُ لَم تَكُن تتخيّل أن تصِل إليه حتى وإن بَحثَت لِنهايَة عُمرَها، ولٰكِن القَدَر قادَهُما إلى بَعضهُما، وكأنّها جَذبَتَه بِتفكيرها بِه إلى حياتَها، إلى عالَمها الصَغير الذي يحتوي عَلى كُل شيء نادِر، مُدرِكَة بِأنّها في الطريق الصَحيح، طالَما وحدَها تَسير والطريق فارِغ فَهي في المَكان الصحيح، المَكان الذي لَن يعبث فيه أحد غيرها..

أن تَصنَع أنت قِصّتَك بعيدًا عَن مُخططات الجَميع، وتوقّعاتَهُم، هو شيء سيُبقيك بعيدًا عَن تَفاهاتَهُم، مَهما كانت صعوبَة الطَريق سيكفي فَقط أنك راضٍ عَنه، وسعيد بِكُل مُنحدراتَهُ ومطبّاتَه، يَكفي المرء أن يكون حُرًا ومُتحرِرًا مِن القيود والحُدود، التي يصنعها العالم لَهُ، أن يَشُق طريقَهُ الخاص وإن كان سيمشي فيه وحيدًا ومُعارِضًا لِلبقيّة..

يكفي المرء أن يملِك حياتَهُ وذاتَه..

* * *

الرابِع مِن نوفَمبر | التاسِعَة ليلًا | لهفَة لِقاء..

كانت هٰذِه الليلَة عاصِفَة فالأمطار كانت تتساقَط بِغزارَة وكأنّها هي الأُخرى مُتلهِفّة، كَقلب يولاند، الذي لَم يَهدأ وذِهنها المُزدَحِم بِالأفكار كَإزدِحام الشوارِع في هٰذِه المدينَة الساحِرَة، بينما الجَو كان بارِدًا بل شَديد البرودَة كَقلب آريان، الذي كان يرتَدي ملابِسَهُ على مَهل وكأنّهُ يملِك الزمن، إرتَدى بِنطال أسود رسمي، وقميص أسود رافِعًا أكمامَهُ لِنِصف رِسغَهُ، مُحرِرًا أول زِرّين مِن الأعلى، سرّح شَعرَهُ مُبعثِرًا أيّاه بِعشوائيّة، ثُم رَش القليل مِن العطر قبل أن يُغادِر حُجرَتَهُ مُناديًا كلبَهُ نيرو..

تقدّم مِنه ليبتَسِم لَهُ بِإتِساع، مُنخفِضًا لِمُستواهُ ليُحادِثَهُ بِنبرَة هادِئَة..

" ستأتِ اليوم أُنثى لِزيارَتي، أتمنى أن تكون لطيفًا مَعها.."

نَبح نيرو بِصوتٍ عالٍ، مِما جَعل مِن آريان يُقهقِه مُمَرِرًا أنامِلَهُ عَلى فَروَهُ الكَثيف الناعِم، تَمتَم وهو يَعتَدِل في وقفَتَهُ..

" أنت مُتحمِّس..هٰذا جيّد.."

ذَهب لِمطبَخَهُ ليملئ صَحن نيرو بِالطعام، وحينما بَدأ بِتناولَهُ بقي هُناك واقِفًا يُحدِّق بِه، وعقلَهُ في مَكانًا آخر، يُفكِّر لِمَ يَفعَل كُل هٰذا!، وما الذي إستطاعَت هي فِعلَهُ في حياتَهُ مُذ لِقائه بِها!، لايفهَم لِمَ هي مُهتمّة بِالوصول إليه، بِطريقَة شغوفَة وكأنَّ الأمر أهم ما يُشغِلها، ما أدرَكَهُ هو بِأنّها مُختَلِفَة ورَغبتها بِالإلتِقاء بِه ليسَت لِطرحَهُ موضوعًا في المَجلّة، بل أنّها أُنثى فضوليّة تُريد إستِكشافَهُ لِنفسها، هي مُختَلِفَة تمامًا بِإصرارَها، بِفضولَها، بِشغَفها وعينيها الثاقِبَة، تَركَتهُ في حيرَة مِن أمرَهُ وهو الذي لا يهتَم بِأي شيء في العالَم الواسِع هٰذا سِوا كُتبَهُ ولوحاتَهُ، وهٰذا لَيس جَيدًا لِرجُل مِثلَهُ..

إقتَحم أفكارَهُ صوت جَرس المنزِل، فذَهب مُلبيًا لِلنِداء بِخُطوات هادِئَة عَكس الإضطِراب الذي أصابَهُ فَجأة، كَما تَرَك نيرو طَعامَهُ مُتتبِعًا صاحِبَهُ حيث هو ذاهِب، أمّا آريان فَحالَما فَتح الباب طلت مِن خَلفَهُ هي بِفستان أسود كَلاسيكي يَصِل لِتحت رُكبتيها، وشعر مُحرر دون إضافَة شيء عَليه، فقط فَردَتَهُ وكان كافيًا لِتكون جَميلَة بِهٰذِه الطريقَة، لَقد كان جمالَها في عَدم تكلُّفَها، حتى في وَضع المكياج، وضعت ما تَحتاج لَهُ وحسب، نَظر لِعينيها المُتوهِجَة بِالرَبكَة واللهفَة في آنٍ مَعًا، ثُم تَمتَم خارِجًا عَن صَمتَهُ ولحظَة تأمُّلَهُ..

" تفضّلي بِالدُخول آنِسة يولاند.."

فتَح الباب أكثَر وأفسَح لَها المجال لِلدُخول وحالَما دَخلت لِلداخِل، وأغلَق هو الباب، لاحَظت الكلب الهادِئ الذي كان يُحدِّق بِها واقِفًا بِجانِب صاحِبَه، وحينَما إقتَرب مِنها إبتَسمت مُنخَفِضَة لِمُستواه لِتلمِسَهُ وفي الحال إستلقى نيرو على الأرض لِتُلاعِبَهُ، إبتَعدت عَنهُ بَعد ثوانٍ هامِسَة لِلذي كان يَقِف خلفَها مُتأمِّلًا تصرُفاتَها..

" إنّهُ لَطيف وجَميل.."

نَظرت لَهُ وإذ بِها تَراه يُحدِّق شارِدًا، مِما جَعلها تتوتَر وتُحاوِل تَشتيت عينيها في المَكان الذي هي فيه، الأسود كان طاغٍ على كُل شيء، والأنوار خافِتَة بِطريقَة مُخيفَة، وكأن لايُنير المَكان إلّا قَمرًا ما، جاء صوتَهُ هادِئًا لِيُخرِجها مِن لَحظَة هُروبَها بِالتأمُّل..

" شُكرًا لَكِ..هل تَشربين شيئًا؟.."

أعادَت عينيها إليه لِتراه يذهَب لِمطبخَهُ المَفتوح، وكأنّهُ سَبق وتلقّى الإجابَة ومَع ذٰلِك أردَفت وهي تتبِعَهُ لِترى ما يَقوم بِه..

" لا أُريد شُرب شيء.."

تَجاهَلَها ليقوم بِإعداد القهوة الحلوة لَها، مُتذَكِرًا طَلبها في المقهى الذي زارَاه مَعًا قبل شهر مِن الآن، تَركتَهُ لِتذهَب نَحو البيانو الذي كان مَفتوحًا، مررت أنامِلها عَلى مَفاتيحَهُ بِعشوائيّة، كانت مُنبَهِرَة بِمَنزِلَهُ كَإنبِهارَها بِشَخصيَتَهُ، بَقت صامِتَة ولَم تَكُن تَعرِف كَيف تبدأ الحِوار مَعَهُ، وهٰذا جَعلها في حالَة إرتِباك مُزعِجَة لَها، ومَع ذٰلِك حاوَلت الخروج مِن حالَتها تِلك لِتتجِه عائِدَة إليه حَيث كان مُنشَغِلًا بِصُنع الشاي والقَهوة لَهُما، جَلسَت على أحد الكَراسي التي كانت أمام المَطبَخ مِن الخارِج، ثُم سألَتَهُ وهي تتأمّل إنشِغالَهُ..

" هل تَعيش هُنا وَحيد؟.."

إبتَسَم دون أن يَرفَع عَيناه إليها، كان يَشعُر بِحرارَة الإرتِباك التي تحتَل جَسدها، وترَدُد كَلِماتَها كان واضِحًا على نَبرَتها، إنتَظَر مِنها هي أن تَبدأ الكَلام، حتى يَجعل الأمر أكثَر تَعقيدًا عليها، وليرى كَيف سَتبدأ البَحث عَن إجاباتَ لَها، كانت إبتِسامَتَهُ ساخِرَة بِسبب سؤالَها، فَهي تَعلَم بِأنّهُ وحيد، والجَميع يَعرِف هٰذِه الحقيقة عَنه ولٰكِنّها رُبما تُريد إجابَة لا تَعرِفها، عَكس ما تَعرِفَهُ، وما يعرِفَهُ الجَميع، لِهٰذا أجابَها بِنبرَة بارِدَة وهو يُحدِّق بكُل شيء عَداها..

" لَست وَحيد، لدي كَلبي نيرو، اللوحَات التي في المَرسَم، سمفونيات قَديمَة لِأشهر وأفضل العازِفين، ومَكتَبتي الكَبيرَة، والكَثير مِن الفَن حولي.."

تبسّم ثَغرها وبانَت تِلك الإبتِسامَة عَلى عَينيها، كان مُحِقًا مِن وِجهَة نَظرَهُ الخاصّة، وذكيًا بِالرَد مُتلاعِبًا بِالكَلِمات لينفي أي تُهمَة تُلقى عَليه، تِلك اللوحات لِأشهر الرسامين التي كانت تُقدَّر بِثمَن باهِض، تدُل على هوسَهُ بِكُل ما يتعلّق بِالفن، أرضَاها رَدّهُ، وأسعدَتها حقيقَة وِحدَتَهُ مَع أشيائهُ الخاصّة، بَعيدًا عَن تَفاهات الخارِج، داهَمها فَجأة بِعيناه الرماديّة التي صوبّها نَحوَها على غفلَة شُرود بِه، مُقدِمًا كوب القهوَة لَها وهو يُخاطِبها بِنبرَة هادِئَة..

" هل أُعتَبر وَحيد هٰكذا؟.."

إبتَلعت ريقَها بِتوتُر، آخِذَه مِنه كوب القهوَة وهي تَرُد عَليه وهي في حالَة مِن الهذيان..

" لَست كَذٰلِك.."

تَقدّم مِنها وجلس بِجانِبها على بُعد كُرسي، ليُبقي بينَهُما مَساحَة لَهفَة، كانت تَنظُر لَهُ بِطريقَة مأخوذَة، وكأنّها تَنظُر لِأحد اللوحَات، لا تُصدِّق بِأنّهُ هو ذاتَهُ، لَطالَما تَخيلَتَهُ رَجُل أربعيني، غير مُرتّب، ملابِسَهُ قديمَه وغير مُهندَمَة، ويَعيش وحيدًا في منزِل صَغير، ولٰكِن الذي أمامَها رَجُل ثلاثيني مُهندَم، يمتَلِك منزِل كَبير مُرتّب ومُنظَّم بِطريقَة مِثاليَة، وكُل رُكن فيه يَحكي قِصّةً ما، ملامِح رجوليّة شرقيّة بِأعيُن رماديّة نَسريّة، تَجعل مِمّن أمامَهُ يُريد تأمُّلها دون مَلل، وكأنّهُ خَرج مِن أحد الكُتب لِقِصص الأميرات، ولٰكِن بِنُسخَة مُظلِمَة..

إرتَشفَت مِن كوبَها، ثُم جاءت كَلِماتَها حائِرَة..

" لاتَبدو إيطالي.."

" هٰذا لِأنّي لَست كَذٰلِك.."

أجابَها بِتِلقائيّة وهو يَضع كوبَهُ على الرُخام الذي بِجانِبَهُ، لاحَظ صَمتَها أمام إجابَتَهُ تِلك وكأنّها تُطالبِه بِالإكمال، وَبِالرُغم مِن عَدم رَغبتَهُ في قَولَها أكمَل بِنبرَة تَدُل على إنزِعاجَهُ..

" أنا عَربي.."

إكتَفى بِقول تِلك الكَلِمَة فَقط، مُتجاهِلًا النَظر لِملامِحها التي كانَت مُتفاجِئَة، بِأخذَهُ لِكوبَهُ مُرتَشِفًا مِنه وملامِحَهُ تَدُل على إنزِعاجَه، فَحاجِباه كانا مَعقودان، وعيناه كانت حادّة بِطريقَة جَعلَتها تَخاف مِن تحديقَهُ لَها، لِهٰذا إبتَعدَت عَن التحدُّث عَما يَخُص حقيقَتَهُ، وسار الحديث إلى مُنحنى آخر بِسبب سؤالَها الذي جاء بِنبرَة حائِرَة..

" لِمَ أهدتيني لوحَة الموت الأبكَم؟.."

أنحلّت عُقدَة حاجِباه لينظُر لَها حَيث كانت تتأمّلَهُ، وضَع كوبَهُ جانِبًا ليُخرِج عُلبَة السچائِر مِن جَيب بِنطالَهُ مَع القدّاحَة، سَحب أحدى اللُفافات، ووضَعها بين شَفتيه ليُشعِلها كَما أشعل توتُرها بِسبب مُماطَلَتَهُ في الرد، وجعلها تَحترِق كَسيچارَتَهُ تِلك، أخذ نَفس ثُم نَفث الدُخان بِبُطئ شَديد مُتلاعِبًا بِأوتار أعصابَها، لِأنّهُ يعلَم تمامًا ما يقتُل الفضولي، كان يتعمَّد الصمت لِمُدّة..

" لِأنّكِ أكثَر مَن يستحِقّها.."

أجابَها أخيرًا بِنبرَة بارِدَة، مُحدِّقًا في عَينيها تَمامًا، ثُم أكمل بِنبرَة جاءت أعمَق مِن كَلِماتَهُ..

" ليس كُل اللذين يزوروا المَعرَض عُشّاق لِلفن مِثلُكِ، أنا أزورَهُ لِأنظُر لِوجوهَهُم، من مِنهُم جاء حَقًا لِيتأمّل وليفهَم لوحاتي، لَم أجِد أحد مِنهِم سِواكِ، كُنت تَنظُرين لِتِلك اللوحَة وكأنّكِ تُحدِّقين في مُعجِزَةً ما!، لِهٰذا فضّلت أن تكون مَعكِ، لِأن حينَها لَن تكون مُجرّد لوحَة مُعلقّة في الجِدار.."

عَضّت على شَفتها المطليّة بِأحمر الشِفاه الأحمَر الغامِق، كانَت تَشعُر بِأنّها تُحلِّق عاليًا بِسبب تقييمَهُ لَها، بِالرُغم مِن كُرهها لِفكرَة حُكم أو تَقييم أحدَهُم لَها، إلّا أنّهُ كان مُحِقًا بِمَ يَقول، وهٰذا أبهرَها، كونَهُ غريبًا عَنها ولا يعرِف أبعاد شخصيتَها، لا تَعلَم بِأنّهُ يكفيه النَظر لِعينيها ليعرِف كُل شيء عَنها، فَعينيها تِلك تَحكي كُل شيء يجول في داخِلَها..

عاد ليُدخِن ولاتَزال عَيناهُ تَقرأها وكأنّها كِتابًا ما!، شَعر أن بين شَفتيها تِلك، كَلِمات مُترَدِدَة، تَعُض عليها مِرارًا وتِكرارًا وكأنّها تُحاوِل مَنع الكَلِمات مِن الخُروج عَن حُدود شَفتيها، لاحَظ تَجاهُلها لِقهوتَها كَالمرّة السابِقَة في المَقهى مِما جَعلَهُ يكتَشِف شيئًا جَديدًا عَنها، وهو أنّها تَنسى أي شيء يُشغِلها عَمّا هي مُهتمَة فيهِ، وبَعد أن أنهى سيچارَتَهُ حررت سؤالَها الذي حاوَلت مَنعَهُ مِن الخُروج على هيئَة مُترقِبّة..

" ماذا عَن اللوحَة التي بِاسم أُنثى الفضول؟.."

" ممنوعة البيع، لِذا لا تَقلَقي.."

أجابَها مرّة أُخرى بِتِلقائيّة، وحينما صَمت بَعد أن ألقى بِكلِماتَهُ البارِدَة، سألتَهُ بِفضول أكبر ونبرَة مليئَة بِالإصرار..

" ولٰكِن لِمَ أنا؟.."

إبتَسم بِطريقَة سلبَتها بقيّة تعقُّلها وتمهُلَها في الحديث مَعَهُ، ثُم أجابَها مُتخليًا عَن الجديّة في الكلام مَعها..

" إنّها ضريبَة فضولُكِ وحصولُكِ على لوحَة الموت الأبكَم.."

إستنكَرَت بِنبرَة مُنفَعِلَة..

" أن تَرسُمني!.."

الآن فَقط شَعر بِالراحَة لِقُدرَتَهُ على إخراجَها مِن حالَة الرسميّة والهُدوء التي كانت فيها، كان يُريدها أن تكون أكثَر جُموحًا في الحديث مَعَهُ، وأن تخرُج مِن حالَة الإرتِباك التي إستمالَت جَسدَها مُذ مَجيئَها، قرر أن يَذهب بِها إلى مَكان آخر في حِوارَهُما لِهٰذا إستدرَجها بِتعليقَهُ الذي جاء بِنبرَة ساخِرَة..

" وهٰل هٰذِه إهانَة!، أم أنّكِ تَخافين مِن غضب وغيرَة رَجُل!.."

تَرقّب ردّها وهو ينظُر بِطرَف عَيناه لَها بينما يُشعِل لُفافَة أُخرى، ليعود لِلتَدخين، وكما تَوقّع جاءت إجابَتها بِنبرَة هازِئَة ومُنفعِلَة بِسبب سُخريَة كَلِماتَهُ..

" لست في عَلاقَة بِرجُل لِيغار عليّ.."

نَفث جُملَتَهُ مَع دُخانَ سيچارَتَهُ عاقِد الحاجِبان..

" إذًا أين هي المشكِلَة!.."

بَقيت تَنظُر لَهُ لُمُدّة بِأعيُن حائرَة ومُتفاجِئَة مِن كميّة البرود الذي يَمتَلِكَهُ، فرّت مِن بين شفتيها ضَحكَة أُنثى مدهوشَة مِمن أمامَها، كان يتكلّم وكأنّهُ يمتَلِك كامِل الحق لِرسمَها دون أخذ إذنَها، ولٰكّن بِالرُغم مِن تفاجُئها يروقَها، طريقَتَهُ في الكَلام، نبرتَهُ التي كانت عميقَة، ونَظرَتَهُ لَها بِعيناه الحادّة، كُل شيء فيه كان يروقَها، يجعلها تتوق لِمعرَفَة المزيد عَنه، إنّهُ عِبارَة عَن فَخ، مَليء بِالأحجيات التي تقود لِأُحجيات أُخرى أكثر تَعقيدًا..

أنهت ضحكتَها بِكلِمتان جاءت على حين دَهشَة..

" أنت غريب.."

إبتَسم على أثَر ضَحكتَها، وسألّها رافِعًا أحد حاجِباه غرورًا..

" وهل هٰذا مُزعِج؟.."

حرّكَت رأسَها نافيَة لتُجيبَهُ مُبتَسِمَة وهي تَنظُر في عيناهُ مِما جَعلَه يضيع هو في تَفاصيلها..

" يروقَني.."

" وماذا يروقَكِ أيضًا؟.."

سألَها شارِدًا بِتفاصيل إبتِسامَتها، أخذ نَفس آخر مِن سيچارَتَهُ مُنتَظُرًا رَدّها الذي جاء بَعد صَمت دام لِمُدّة كافيَة لِجعلَهُ متوجِسًا ومُترقِبًا لِردّها، وبعد مُدّة مِن الصمت جاءت كَلِماتَها هادِئَة وهي تَنظُر في عيناهُ..

" غموضَك الذي لا ينتَهي، والموجود عَلى كُل الفن الذي تَصنَعَهُ، البؤس في ملامِح لوحاتَك، السوداويّة التي تعيش فيها، وأنّك لست بِحاجَة لِلعالَم.."

كَلِماتَها تِلك جَعَلَتَهُ يُدرِك بِأنّه ليس وَحدَهُ الغَريب، فَمن سيروقَهُ كُل هٰذِه الأشياء سِوا شخص غريب ومَجنون مِثلَها، كُل شيء ذَكرَتَهُ كان عِبارَةً عَن لَعنات أُصاب بِها، لم يتوقّع أن يكون هُناك من ستروقَهُ التفاصيل التي يَعتَبِرها لَعنات!..

أكملت هَذيانًا، وسط شرودَهُ بِكُل كَلِماتَها..

" أُريد أن أصِل لِمرحلَة الإكتِفاء الذاتي مِثلَك.."

أطفئ سيچارَتَهُ، وأجابَها بِملامِح لَم تَستطِع تَفسيرَها، وبِنبرَة عميقَة وكأنّهُ يخوض حربًا مَع نَفسه..

" ليس سَهلًا أن يَكتفي المرء بِذاتَهُ، يجِب عليكِ أن تعانين مِن كُل شيء حولُكِ، أن تُفلتين يداكِ عَن التشبُّث بِكُل ما تُحِبين، أن تكوني أنانية في كَثير مِن الأوقات، عليكِ أن تُغادِرين دومًا دون طلب الإذن، وأن تتجاهَلين كُل مُحاولات الكلام مَعكِ، ستدفعين عُمرًا مِن التَضحيات بِكُل شيء لِتكسبي ذاتُكِ.."

اصغَت لَهُ بِكامِل حواسَها، كان هادِئًا ولٰكِن كَلِماتَهُ وكأنِها عاصِفَة مِن الألَم، وعيناه التي كانت تَنظُر لِلكوب الذي كان يَمسكَهُ مُحركًِا أياه في كُل الإتِجاهات مُلتهيًا بِه عن النظر لَها، تُثبِت تَصرُّفاتَهُ أنّهُ يتكلّم عَن جَرحًا ما، وبِالرُغم مِن كُل هٰذا قررت أن تسألَهُ بِحَذر وكأنّها تُمسِك بِقطعة زجاج مكسورَة..

" وبِمَ ضحيت أنت؟.."

سؤالَها ذاك ايقَظَهُ مِن غفوَة الذِكريات التي سقط فيها، أخرَجَتَهُ مِن ألَم إلى آلام أُخرى، ولِأنها وضَعتَهُ في مواجهة مَع أوجاع مُغلقَة، لايُريد فَتحها، أردَف مُبتَسِمًا بِنبرَة هادِئة رُغم ضجيج داخِلَهُ..

" أرى بِأن حديثُنا يستلزِم وقَتٍ طويل، هل نَكتفي بِهٰذا القَدر اليوم؟.."

_________________
نِهاية الجُزء🌸..

سلام يا رِفاق🙋🏻‍♀️🖤
أتمنى تكونوا بِخير، ومبسوطين بالرُغم من الأحداث السيئَة اللي صايرة بالعالَم😴..

جُزء طويل تقريبًا تعويضًا عن التأخير!، لِأن هذي الفترة مشاعري مُصابة بفتور وأخاف أكتب ويطلع كل شيء تافه🤕🤭!..

آرائكم؟

آريان؟

يولاند؟

هل ستستطيع يولاند إشباع فضولها، أم أن آريان سيُراوغ في الرد على أسئلتها كالعادة؟

سؤال فضولي: إن أتاحت لك الفُرصة كيولاند للقاء شخص كَآريان وبذات الشروط هل ستوافق؟

تقييمكم للرواية مبدأيًا؟

إستودعتكم الله يارِفاق✨ إبقوا في منازِلكُم..

All the love 💗..
See you all soon 💋..

Continue Reading

You'll Also Like

11.4M 999K 58
معشر أمسكت حلومهم الأر ض وكادت لولاهم أن تميدا فإذا الجدب جاء كانوا غيوثا وإذا النقع ثار ثاروا أسوداً تتبع الهوى روحي في مسالكه حتى جرى الحب مجرى ال...
136K 8.2K 23
~~ اشعر بالألم يخترق اجزاء صدري بلا رحمه حقاً ديميتري ؟ أهي مهمة اكثر مني ؟ انت لم تراني لعشر سنين ؟ عشر سنوات .. وهكذا يكون لقائنا ؟ هذا كان ا...
1.9M 8.4K 1
إليزا غارفاني كانت كل سنة تفوز بلقبين..الإيطالية المفضلة في مواقع التواصل الإجتماعي و كأس سباقات الأحصنة.. لهذا إهتمامها في الحياة كان لا يتعدى الأمر...
241K 9.5K 12
مقتطف: "اتّخذيني أنا وحياتي كمزحة إن أردتِ لكن حياتكِ أنتِ هي حدّ مُحرّم لا يمكنكِ الاقتراب منه هانا" •••• تراقصَ الوقتُ وِفق أنغامٍ دلّت على الأبدي...