تَخيل أنهُ ميت وأن الأرض لم تَعد له ،شَعر بالوحدة وطَفق الدمع يَخرج من عينهِ
لم يكن بأمكانهِ لَمس الأشياء أحس بأنهُ في حقلٍ ما فوق الأرض فوق الأدراك الطبيعي
كل شيءٍ كان يانعاً وصحواً ،السنابلُ كانت تخرج كأنها في أيامٍ مطيرة، زغب الشَمس دخل عينيهِ ،شَعر بأنهُ كان شفافاً تماماً مسكوناً بشعورٍ غير مألوف ،المنظرُ كان خلاباً وفردوسياً ،ولكن كاد يتقطعُ من الألم
يَبدو الأمر كما لو أنهُ كان في داخل روحهِ ،شَاهد الأوراقَ تسقط كان مذهولاً لرؤية الخَريف ،وهو بدورةِ كان واقفاً كشجرة كان من المفترض أن يتساقط هو الآخر كبقيةِ الأشجار، لكن شيءٌ ما حدث .
شَعر بالبرودة والدفئ معاً كان أحساساً لذيذاً ،أحس بأنهُ نائمٌ في حالةِ وسن لكنهُ مستفيقٌ كذلك ويحسُ بشوهة متفجرة في أعماقهِ كان سعيداً ولكن لم ينسى تعاستهُ بعد.
أحس برغبةٍ بركض في كل مكان لكنهُ كان يطير ،مع هذا أراد أن يركض ،غاص في نهرٍ صافٍ بينما يُحلق، ذاك النهرُ لم يكن أزرقاً كان أصفراً ذهبياً مشعاً
أحس أنهُ يغوص في بحرٍ من الشَمس
شَعر بأنهُ كلما غاص أكثر تخلص من جلدهِ ومن هيئتهِ البشرية كانت حالة أنسلاخ تام ،أنصهارٍ لذاكرة ،وخروجٍ من الذات
يتقطعُ من الألم ومغمورٌ بالسعادة
يطيرُ بينما يغوص وتنتابهُ كذلكَ رغبة الجَري
كل الأشياء كانت في داخلةِ في ذاتِ اللحظة
كأنهُ كان صوراً متجمعة تبثُ في ذات اللحظة مولدةً فلماً باهتاً لمشاعرٍ قديمة
في تلكَ الغَمرة ،في تلكَ الهوةِ داخل روحهِ أدركَ أنهُ لم يكن تعيساً طوال حياتهِ لم يكن كئيباً كان طيباً نقياً غارقة بسعادةٍ ناتجةٍ عن أفكاره الداخلية
عقلهُ وروحهُ في حالة توحدٍ مستمرة لم يصارع نفسهُ مطلقاً
ولا في أي لحظة
كان يرى المَشهد بوداعةِ شَخصٍ لا يملكُ شيئاً ليِخسره .
كان أبيضاً من الداخل والخارج كندفةِ ثَلج ،فقط كان حذراً من أن يلونهُ الآخرون
سَمع صوتاً ما ،صوتاً رقيقاً وملحمياً معاً يشبه حفيف الأشجار
"لا يُمكن للأشجارِ أن تخوضَ حرباً،لكنها نادمةٌ على الصمت"
شيئاً فشياً بينما يغوص أحس انه يقترب من الأرض
كان البردُ دافئاً أراد أن يعانق الأرض وأن يشم رائحة التربة
حينما تمدد جسدهُ النحيلُ كلياً على الأرض
وبعد أن شَم رائحة التربة
أحس بالوحدة والبرد معاً
كان تماماً كشجرة جزءٌ منهُ فوق الأرض تسلطُ عليهِ كل أحداث الوقت وجزء آخر مطمورٌ تماماً لم يَعرفه أحد ،حتى هو لم يعرف جزءهُ المطمور ربما تعرف عَليه تواً
سَمع صوتاً يندهُ بأسمه
"بيكـهيِون "
صوتاً آخر
"بيـكـ .. هيـون "
ومجدداً طفق الدمع يخرج من عينيهِ
الصوتُ الثاني كان مألوفاً
كان ربما يحب ذاك الصَوت
•••
طرقنا الباب بِقوة عدة مرات، لم يَفتح أحد كنا نسمع رنين الهاتف من الداخل بطريقةٍ ما أنا وتشانيول تسلل القلقُ الينا
كنا متأكدين أن كريس في داخل
أنجرت ذاكرتنا نَحو تلك الأيام التي كان كريس في منفصلاً كلياً عن ما حوله غير قادرٍ على أعطاء ردف فعل لأي شيء
درنا حول المنزل دورةً كامل وصلنا الى البَاب الخلفي حيث الحديقة كان باباً صغير محاطاً بسياج
قفز تشانيول فرواً وقفزت بعد من على السياج
الطقس كان رائعاً شعرنا بأننا طلاب ثانوية
حين صرنا داخل الحديقة بعشبها الرطب جداً ونباتاتها البسيطة أحطني شعورٌ مخيف وبارد وبعد أن خطونا بضع خطواتٍ شاهدنا جسد صغيراً ملقى على الأرض من النظر الاولى أدركنا أنهُ الأخ الأصغر لصديقنا
تقدم تشانيول نحوه كان كريس جالساً امامهُ على بعد مسافةٍ ليست بالقليلةِ ولا بالكثيرة كان في حالةٍ مرعبةٍ من الذهول يشاهد الأفق دون أن يرمش حين نظرت الى الشمس كانت قوية ،صرت أعمى للحظات
شعرت بأني ثقيل وخطوتي جبانة المكان كان محاطاً بطاقةٍ تجعلني أرغب بالبكاء او ترديد قصيدة
سمعت صوت تشانيول كان صوتهُ مدججاً بالحياة
حركني وكذلك في ذات اللحظة تحرك كريس نحوي
أقتربنا من الفتى الذي يسندهُ تشانيول برفق كان جميلاً وجههُ شاحبٌ ومصفر التصقت بوجههِ رطوبة العشب والعشب نفسه
كأنه زهرةٌ يغطيها ندى الفجر
كان الجرح في جبينهِ ينزف برويةِ
نظرت أنا وتشانيول لبعضنا كنا ضائعين
الالفُ الاسئلةِ لدينا لكننا لا نملك صوتاً يترجمها لكلمات
نظرنا لكريس كانت جفونهُ محمرة كأنهُ يبكي من سنوات
عيونهُ تترقرق ووجههُ فاقدٌ لأي لون
كأنهُ رأى كارثةً تواً
القلق يتكوم في وجههِ كطيور سنونو تجمعت لتهاجر
مع أول همسنا بأسمهِ
"بيكهيـون"
"بيكـ..هيـون"
آفاق وفتح عينهِ
كانت أكثر عيونٍ مبتهجةٍ وسعيدة آرها في كل حياتي
هناك فراشاتٌ ما في عينيهِ
لمسةٌ صادقة تخرج من نظرتهِ لتلمسَ شيئاً في الأ عماق
حملناه ودخلنا الى الداخل الى البَيت المحاط بشعورٍ لا يمكنني أن أعطيهِ أسماً
قبل أن أدلف الى البيت رفقتهم شيءٌ ما قال لي "تاو ألتفت"
نَظرتُ الى المنزل الذي كانت حديقتهُ امام عيني
كنت مستغرباً لم أسمع موسيقى صادرةً من ذاك البيت كما هي العادة !!
•••
لم أكن واعياً لأي شيءٍ حصل
كانَ شعري رطباً واحسُ بماءٍ في عيني لم ينزل قَط
كنا داخل المنزل شَعرت بأن كل شيءٍ يوشكُ أن يتغير
هناك شعورٌ ما أحببتهُ
كان تاو قد ضمد جرح بيكهيون وصار وبسهولةٍ يبادلهُ الأحاديث
و تشانيول يجول في المكان حولي وقد رفع أكمام قميصهِ محاولاً أعداد طبقٍ ما لبيكهيون
فوجههُ المصفر والشَاحب كان يقولو بوضوحٍ عن فَقر الدم الحَاد
كنت جالساً في رأسي تتكوم أشياءٌ مؤسفة
بدأت الاصوات حولي ترتفع كان المكان مبتهجاً
رائحةُ العصير الطازج الخُبز المحمص الزيتون الحساء
ضوضاء أحاديثهم مثل الرياح
كان تشانيول يسأل بيكهيون
"لما أنت نباتي؟! هل الهدف حميةٌ صحية أم أنهُ أسلوبُ حياةٍ أخلاقي؟!"
صوت بيكهيون كان ضعيفاً
حين قال
"رأيتُ .... رأيتُ حلماً"
كرر تـاو بينما نظر لتشانيول ثم الي
"حـ...حلماً؟!"
في تلكَ لحظةِ سمعنا أصواتاً من الخارج
ضوضاء لا تحتمل
وقفنا أمام مصدر الصوت قرب النافذة
كانت هناك سياراتٌ مركونة أمام منزل السيدة وندي
يترجل منها رجالٌ ونساء بثيابٍ سوداء
خَيم الصَمت علينا شيءٌ ما أصاب أرواحنا
نظرت لتـاو كانت عيناهُ قد أكتظت بالدموع كان مدهوشاً
شيئاً فشيئاً بدأ يشهق بهدوء
شيءٌ ما عميقٌ أصاب فؤادهُ
كانت عينا تشانيول تتأملُ تاو بحزن
لقد أدركنا أن المصاب كان مصابهُ هو
وأن الحُزن أمام هذا الموت كان حزنهُ
هَمس بيكهيون لي
"هل ماتت ؟!"
لم أستطع الأجابة أعتقد إني خَسرت صوتي
أردف لي
"لقد رأيتُ حلماً"
نظرنا جميعاً للمنزل الذي صار هامداً
كنا محاطين نحن الأربعة بصقيعٍ لا يمكن أذابتهُ
صار تشانيول يربت على كتف تاو
بينما بيكهيون يمسح ظَهره
كنت خلفهم أشعر بالرياح من كل الزوايا تلفح جسدي
الحزنُ كان حزننا نحنُ الأربعة أولئك الناس المتوافدونَ الى المنزل كانوا فقط حَفنة غرباء لم يَمس أراحهم شيء من فَقد السيدة وندي !!
فاحت رائحة الموت
بعد هذا أدركتُ أنه لا عناوينَ ظروريةً للأيام
فقد ماتت السَيدة وندي
تماماً مثل جنين أختي الكبرى
الأمر كلهُ كان مسألةَ موت