نظارات و وشوم

By _ibriz_

6M 315K 294K

الجميع ينظرون لوشومها..علبة السجائر في جيبها و سجلها الدراسي المريع ثم يضعون صورة واحدة عنها لا غير..أنها فتا... More

إلى القراء
| نظارات سوداء داخل الحصة |
𝐏𝐚𝐫𝐭 𝟎𝟏: فيلسوف مثالي
𝐏𝐚𝐫𝐭 𝟎𝟐 : ما يفرقنا بحران
𝐏𝐚𝐫𝐭 𝟎𝟑مشروع الفراشة
𝐏𝐚𝐫𝐭 𝟎4 إشعار بموعد
Part 05 خذني إلى الكنيسة
Part 06 عصرة قلب
Part 07 مباراة خاسرة
Part 8 لقاء العملة
Part 9 دمعة أنثوية
Part 10 الجارة و العشيق السري
Part 11 أنانية قلب الملوك
Part 12 : مشاعر برائحة الفانيلا
Part 13 : خوف الفلاسفة من الحب
Part 14: الحب حارق كالفودكا
Part 15 : قم بتقبيل عيني
Part 16: ما يحدث خلف الأبواب
Part 17: لعبة الإنكار الأقوى
Part 18: كلمات على سجائر
Part 19 : سقوط إيكاروس
Part 20 : وقت خاطئ للنظارات
Part 21 : أرنب وسط الضباع
Part 22 : نهاية الرواية
Part 23 : أثينا الآثمة
Part 24 : لسان يتلو الصلاة
Part 25 : لِتُحلق النسور
Part 26 : رصيد الحب
Part 27 : حمى القلب
Part 28 : أربعون دقيقة
Part 29 : التصويت الخاطئ
Part 30 : يُؤبرني
Part 31: سُحب الأحلام
Part 33 : الإخوة كينغز
Part 34 : خلف العدسة
Part 35 : بحيرة الشفاء
Part 36 : إني خيرتكِ فاختاري
Part 37 : الليلة الأخيرة
Part 38 : منزل الأشباح
الخاتمة
الأجوبة 🦋✨

Part 32 : ما خلف القناع

152K 8.4K 7.2K
By _ibriz_


و أدق باب قلبك دقة الأيتام

لا أريد خبزا..أريد روحي

....................................................................................................................................................

كانت أيديها مكبلة..

لم تكن المرة الأولى في حياتها لكنها كانت الأقسى ربما..كانت أول مرة تشعر بملمس الحديد في الأصفاد حقا و أول مرة يتسلل ذلك البرد من رسغيها لعظامها لروحها..

دخلت و خرجت من مراكز الشرطة طوال سنوات بسبب حياتها الجامحة و نشاطاتها الليلية في كسر القانون و تناول الشراب قبل السن القانوني..لكن كلها فعلتها بضحكة و دون اهتمام..

الآن كانت تجلس على مقعد الإتهام أمام القاضي بأيديها المكبلة و جريمة لم تفعلها على كاهليها..لذا رغم أن القاعة كانت مزودة بالتدفئة إلا أنها كانت تشعر بالبرد..تماما كملامحها الخاوية و نبرتها التي لم تخرج سوى مرتين طوال اليوم وهي تجيب القاضي..

الفريق القانوني الخاص بعائلتها كان يتحدث..القاضي يتحدث..والدها يتحرك مكانه عدة مرات يراقب ما يجري و هي هنا جسديا لكنها ليست هنا حقا..

كانت الساعة السادسة مساءا .. هي هنا منذ الصباح تدخل و تخرج من غرف الإستجواب و تحدق بالجدران البيضاء لكنها لم تكن على إدراك تام بالوقت لأنها شاردة منذ ساعات تسمح لهم باقتيادها لأي مكان يريدونه..

استعمل والدها كل سلطته ليجعل جلسة الإستماع الأولية في نفس يوم اعتقالها لهذا هي الآن وسط جلسة الإستماع الخاصة بكفالتها ليروا إن كانت ستقضي فترة المحاكمة و القضية بالكامل رهن الإعتقال أم ستخرج بشروط..

كانوا يعرضون سوابقها و يناقشون الأدلة التي عُرضت اليوم لجعلها المتهمة الجنائية الأولى...

الدليل الذي أدى لفتح القضية من جديد كان دفتر مذكرات بخط يد أختها..مذكرات تتحدث فيها عن مشاكلها مع ميلينوي و عن أنها باتت تخاف منها..

و لأنهم لم يتأكدوا بعد منه و من أن ميلينوي حقا القاتلة فهناك احتمال أن تخرج الليلة بكفالة ..لقد قضت ساعات في التحقيق و سيعيدون فتح كل الملفات القديمة منذ ذلك اليوم و إستدعاء كل شخص كان موجودا في الحفلة تلك الليلة ليحققوا معهم مجددا..لكن هذه المرة سيحققون معهم حول ميلينوي ..

كانت هي لا تزال جالسة مكانها مكبلة تنظر للأرض بشرود و ملامحها خاوية..تسمع لما يجري لكنها لا تستوعبه حقا..

كل هذا دام لفترة طويلة و الكثير من المحادثات القانونية بين فريق المحامين و فريق الإدعاء ...

على عكس كل ما يقولونه اليوم أمامها هي وحدها كانت تدرك الحقيقة...بل ميلينوي كينغز كانت تعلم بالحقيقة منذ طفولتها..

Flashback

خرجت الفتاة الصغيرة من مدرستها ركضا بإبتسامة سعيدة وهي تحمل بين يديها عدة أوراق و أنفاسها متسارعة تريد الوصول للسيارة التي تنتظرها ..زيها المدرسي كان مرتبا و خصلات شعرها البنية الناعمة كانت مصففة على شكل ذيل حصان منخفض و ربطة بيضاء ظريفة..

وصلت للسيارة فتحتها فورا و بإبتسامة و أنفاس متسارعة قالت :

" أمي ..أمي..أمي..لقد حصلت على علامة كاملة في اختبارات الأسبوع الماضي ..انظري علامة كاملة في ورقة الع..."

" ميلينوي ..أعاني من صداع..توقفي عن الحديث بصوت مرتفع.."

سقطت إبتسامة الفتاة الصغيرة وهي تجلس تغلق الباب خلفها وتنظر لأمها جيدا لتجدها شاحبة و أعينها محمرة..حتى أنها لم تكن ترتدي مساحيق التجميل اليوم و لا ثيابها كانت أنيقة كالعادة..بدت مريضة أو ربما حزينة..

" أعتذر أمي..هل أنتِ بخير؟.."

لم تجبها أمها و بدلا عن ذلك انحنت تربط لها حزام الأمان بعنف جعل ميلي تزم شفتيها بتوتر قليلا من مزاج أمها السيء..لذا التفتت للمقاعد الخلفية ترى أختها الصغيرة كاليستا تلعب بالدمى و تتحدث معها بإبتسامة جعلت حتى ميلي تبتسم قليلا سعيدة لأن أختها اصغر من أن تشعر بمزاج أمهما السيء وكانت فقط تعيش بعالمها الخاص بالألعاب..

قامت أمها بتشغيل السيارة لكن قبل أن تنطلق نظرت لأيديها التي كانت ترتجف و شتمت تحت أنفاسها تجعل أعين ميلي تتسع لسماع كلمات بذيئة كهذه وهي تراها تنظر لوجهها في المرآة ..

لعلها رأت أعينها الذابلة و ملامحها الشاحبة كونها أخرجت نظاراتها الشمسية و ارتدتها لتغطي وجهها قليلا..

وضعت ميلي أوراق علاماتها في الاختبارات فوق حضنها تنسى تماما سعادتها بتفوقها و بدلا عن ذلك سحبت قارورة الماء خاصتها في جيب محفظتها الجانبي و مررتها لأمها تقول بنبرة صوت منخفضة خشية أن تغضب منها..

" أمي..هل تريدين بعض الماء ؟.."

تجاهلتها أمها كليا..و أخرجت علبة سجائر..

" لكن أبي أخبرني أن التدخين أمام الأطفال سيء و أنا لا أحب رائحته أمي.."

تجاهلتها أمها مجددا وهي تشعل سيجارتها بأيديها التي ترتجف و رأت ميلينوي دمعة تسيل من أعينها خلف النظارات ..دمعة جعلتها تنسى أنها صغيرة و لا تحب رائحة الدخان و فقط تركز على حقيقة أن أمها حزينة و ربما مريضة أيضا لأنها لم تبد بخير..

مزاجها دوما سيء لكنها لا تصرخ عليها كل يوم ..أحيانا فقط..لا بد و أنها فقط مريضة ..فقط مريضة..

" لدي لوح شوكولاتة إن كنتِ تريدين.."

مجددا بنبرتها الخافتة قالت الصغيرة لأمها ببعض الأمل لعلها تساعدها قليلا و تزيل حزنها..

لكن أمها تجاهلتها مرة أخرى و التفتت للخلف تنظر لكاليستا تتأكد أنها بخير في الخلف قبل أن تنطلق بالسيارة تقودها بأيدي مرتجفة و هي تدخن..

نظرت ميلينوي لقارورة المياه في يدها و أوراقها التي تحمل علامات كاملة بالأحمر تشير لتفوق بإمتياز و حينها شعرت أن إنجازها الدراسي في تلك اللحظة لم يكن مهما حقا كما اعتقدت..لذا طوت الأوراق دون أن تنظر لها مجددا و أعادتها لحقيبتها....

ثم أخفضت نافذتها قليلا كي لا تتنفس رائحة السجائر و وجهها الذي كان محمرا بالحماس و سعيدا قبل دقائق اختفى كليا وكل ما شغر مكانه داخله انها لا تزال غير كافية كي تراها أمها بعد..

من المرآة الجانبية للسيارة نظرت لنفسها ..لوجهها بالتحديد و شعرها المرتب و ثيابها التي كانت تحرص دوما على إبقائها مثالية و غير مبعثرة كي لا تغضب أمها..

أعينها كانت بنية..شعرها بني..كانت عادية جدا..

لذا نظرت لأمها مجددا للحظات ترى وجهها الجميل و لون شعرها الفاتح قليلا ثم نظرت لأختها مرة أخرى تراها مثل أمها نسخة طبق الأصل..أجمل منها و ألطف بكثير...

تنهدت ميلينوي الصغيرة تنكمش على نفسها في مقعدها لأنها أول مرة في حياتها تشعر أنها صغيرة حقا..ليس سنا فقط بل قيمة..

مرت فترة على قيادة أمها و ابتعادها عن المدرسة و طوال الطريق كانت تدخن سيجارة تلو الأخرى و تحاول الإتصال بشخص ما لكنه لا يرد عليها..ظلت تتصل و تتصل حتى نفذ صبرها و صرخت بغضب تضرب هاتفها فارتطم في أقدام ميلينوي التي تأوهت و هي تلتصق بالباب خشية من غضب أمها ..التصقت بالباب و خافت حتى أن تبكي أو تصدر صوتا يجعلها تغضب أكثر..

شتمت أمها مجددا تضرب عجلة المقود بغضب و هي تبكي مما جعل ميلي تخرج لوح الشوكولاتة و تمرره لأختها التي نظرت لأمهما بأعين متسعة ..كانت تحاول جعلها تنسى و تصرف انتباهها عن نوبة غضب أمها لكن فور رؤيتها لما منحته لها أخذته بإبتسامة سعيدة و هي تحاول إطعامه للدمى خاصتها تواصل لعبتها دون اهتمام بما حولها ونست فورا ما يجري ...

توقفت أمهما فجأة تركن السيارة قرب الحديقة التي يلعبون فيها دوما منذ سنوات..و لوهلة تسلل بعض الأمل لقلب ميلينوي على أنها ربما ستأخذهما للعب و يتحسن مزاجها..

لكن أمها فورا فتحت السيارة تخرج منها والتفتت للباب الخلفي تساعد كاليستا على الخروج هي و دميتها المفضلة قبل أن تنحني على ركبتها تتأكد من أن شعرها و ثيابها بمظهر جيد قبل أن تقبلها من جبينها و تأخذها معها للحديقة..

نظرت ميلينوي حولها يمينا و يسارا بعدما تركتها أمها عند السيارة لوحدها..

لا تعرف لماذا تفعل هذا معها ؟..هل هي غاضبة منها بسبب أنها لم ترتب غرفتها صباحا جيدا ؟ أم لأنها تشاجرت مع والدها ؟ أم لأن زيفير تشاجر مجددا في إحدى حفلات الثانوية خاصته..أخاها الأكبر كان حقا مثيرا للمشاكل ..يدخن و يحضر حفلات كل ليلة وهي لا تحب كيف أنه يجعل والديهما دوما يتشاجران بسبب ذلك..

عضت ميلينوي على شفاهها قبل أن تتنهد و تبتعد عن السيارة تركض لتلحق بأمها و أختها وتحاول جاهدة تجاهل ذلك الشعور بأنها تُركت مجددا دون رعاية و إهتمام..لأن هناك دوما صوت داخلها يخبرها أنها لا تزال غير كافية بعد لأمها و أنها عليها أن تبذل جهدا أكبر..علامات أعلى ..سلوك أفضل و ربما مظهر مثالي أكثر..لعلها ستراها يوما و تقبلها كما تقبل كاليستا على الجبين و بكل رقة..

توقفت أمها أمام مقعد قرب ساحة الأرجوحة و ساعدت كاليستا لتجلس قبل أن تنظر لميلي تخبرها بنبرة خاوية و هي تمسح على وجنتيها تتأكد أن لا أثر دموع باقية هناك..

" راقبي أختك و لا تتحركي.."

منحتها هذه التعليمة ولم تنتظر حتى لتسمع جوابها حتى غادرت تتركهما هناك و تتجه ناحية الأشجار الكثيفة التي تحيط بالحديقة و هي تلتفت حولها لتتأكد من أن لا شخص انتبه لها..

أرادت ميلينوي أن تفتح فمها و تعترض ..تخبرها أنها تريد اللعب بعد يوم دراسي متعب..أنها تريد اللعب مع الأطفال هناك و تحتفل بعلاماتها و ربما أن تشتري لها الفطائر بحشوة الفانيلا التي تحبها..لكنها لم تفعل..

ميلينوي ري كينغز كانت فتاة جيدة و مثالية..هي تطيع والديها دوما و لن ترفض لهما طلبا..

لذا تنهدت و اقتربت تجلس قرب أختها في المقعد وهي تحرص ألا تنكمش تنورتها ولا أن تتسخ جواربها أو تسمح للرياح أن تبعثر غرتها ..

نظرت ميلي لأختها التي كانت تبدو سعيدة بلعب دور الأم مع دميتها و ذلك المنظر فقط ما جعلها تبتسم قليلا و بصدق أكبر..لهذا مدت يدها تمسح على خصلات شعر أختها بيدها الصغيرة..دون أن تتفاعل معها أختها بالمقابل..

هي لا تعرف بالضبط ما خطب أختها لكنها لم تكن تتصرف كالأطفال الطبيعيين..كانت تعيش في عالم لوحدها و ربما هو ما يفسر أن والديها يأخذانها للطبيب دوما ..و ربما لهذا أمها تهتم بها أكثر...لأنها كانت أصغر و تحتاجها أكثر..

تلك الفكرة جعلت ميلي تتنهد بقليل من الإقتناع بفكرتها الجديدة لمواساة نفسها.. وهي ترفع رأسها للسماء قليلا تبتسم للسحب و تحاول تحديد الأشكال التي ترسمها اليوم ...كانت تحب تصور أي شكل تتخذه السحب في السماء..اليوم هي كانت ترى شكل فطائر..

ربما لأنها جائعة قليلا..

ظلت ميلي مكانها تنظر للسحب و تتفقد أختها من حين لآخر قبل أن تعود للتحديق بالأطفال يلعبون في الحديقة و تتحسر على وضعها..

" ميلي..ميلي..ميلي.."

نادتها أختها عدة مرات كعادتها تشير لها لثياب دميتها التي فُتحت فسارعت ميلينوي تساعدها في غلق أزرار سترة اللعبة كي تخفف من توتر كاليستا..وحين نجحت تراها تعود لوضعها في اللعب..

وقفت من مكانها تطل قليلا تبحث عن أمها في الأرجاء لكنها لم ترها قربهما و قد مر وقت طويل بالفعل منذ ذهابها ناحية الأشجار..

هل هي بخير؟ لقد كانت تبدو مريضة قليلا ...ربما هي تحتاجها ...هل عليها الذهاب و مساعدتها ؟..

تساءلت الصغيرة داخلها عدة مرات قبل أن تنظر لأختها تارة و للأشجار هناك تارة أخرى..

حين اتخذت قرارها اقتربت من كاليستا تنحني قليلا لتخبرها :

" كاليستا..سأذهب هناك قليلا ثم سأعود .. لن أتأخر..سأنادي أمي فقط لتشتري لنا الفطائر...لا تتحركي اتفقنا ؟.."

أومأت أختها بإبتسامة دون أن تتحدث أو تنظر لها حتى ..وتلك كانت إشارة ميلي لتركض للناحية التي ذهبت لها أمها..ابتعدت عن الملاعب الخاصة بالأطفال و اتجهت للمسطحات العشبية أين تتنزه العائلات ثم دخلت منطقة الأشجار الكثيفة أين لا يتواجد سوى الكبار من الثنائيات بعضهم يعانقون بعض و آخرون يضحكون و يلتقطون الصور..بينما هي تركض تبحث عن أمها لكنها لم تجدها..

ظلت تلتف حول الأشجار و تمر بين الثنائيات حتى ابتعدت كثيرا و صار وجود الثنائيات يقل تدريجيا..كانت مترددة لأنها مع كل خطوات لها يقل الناس في الغابة لكنها تابعت حتى سمعت صوت أمها المألوف الذي تحفظه جيدا..

تتبعت الصوت على اليسار وهي تتنهد بقليل من الراحة كونها لم تضع و وجدت أمها..

لكن مع اقترابها من الشجرة الكثيفة تلك بدأت تسمع صوتا آخر مع أمها..صوت جعل ضربات قلبها تتسارع لكنها لم تتوقف..بل اقتربت جدا حتى اختبأت خلف شجرة صغيرة تسمع للمحادثة بقليل من تأنيب الضمير لتجسسها..

" لا أود أي إثبات على ذلك..لأن قراري لن يتغير آفالون.."

صوت الرجل الغريب تحدث بهمس حاد مع أمها و سمعت نبرة أمها ببحة بكاء تجيبه بانكسار :

" ستتخلى عنا ؟ بهذه البساطة ؟.."

" بساطة ؟ هل ترين أيا من هذا الوضع بسيطا ؟ أنا متزوج بحق الرب لما لا تفهمين هذا..لم أتوقع أيا من هذا أن يحدث حين بدأ الأمر لكنني هنا لأخبرك أننا لن نلتقي مجددا..."

" حتى أنا متزوجة أم نسيت ؟.."

صرخت أمها وبقوة لدرجة ارتعبت ميلينوي و هي تضع يدها على فمها كي لا ينتبهوا لها أو يسمعوا صوت أنفاسها التي بدأت ترتفع من ركضها و مما تسمعه و لا تفهمه..

" أخبرتني أنك لا تحبها و أن أنتظرك ..لقد مرت سنوات و أنا أنتظر.. لتأتي الآن و تخبرني أنه لا وجود لنا مجددا و أنك ستعود لها بسهولة ؟.."

" هي حامل آفالون..أي فرصة كانت موجودة لطلاقي منها وارتباطي بك اختفت في اللحظة التي أخبرتني فيها أنها حامل..لما لا تفهمين..؟.."

" لا أفهم ؟ كنت زوجا و أبا حين التقينا و الآن أنت زوج و أب مجددا..ما الذي تغير ؟ أم نسيت أنني أملك أولادا أيضا..."

" أجل أولاد يجدر بك التركيز معهم بعد مغادرتي لأنني جاد..هذا آخر لقاء بيننا..لقد تحدثت معها و سنعمل على إصلاح زواجنا..ما كان بيننا خاطئ و سينتهي هنا.."

" تتحدث عن الأمر كأنها ليلة عابرة..نحن نحب بعض منذ سنوات.."

مجددا صرخت أمها بانهيار تقول هذا و لم تعرف ميلينوي أنها تبكي سوى حين شعرت بملوحة الدموع في فمها ..لا تعرف لما تبكي بعد لكن كل ما تسمعه كان سيئا جدا ..

" و دون أن ننسى كاليستا.."

" لا أود أي علاقة بها..من الأفضل ألا نخرب الأمر آفالون..هز يعتقد أنها ابنته لذا ابقِ الأمر كذلك و حافظي على زواجك كأنني لم أكن..لأنني سأغادر و لا أود أي صلة تعيدني لأستراليا.."

" هذا يعني أنك لا تصدق.."

" أخبرتك لا أحتاج الإثبات..ليس لأصدق أم لا بل لأنه سواء صدقت أم لا ..لا شيء سيتغير..سأعود لها و ننهي الأمر هنا.."

حين قال هذا سمعت أمها تبكي مرة أخرى و صوت الرجل الذي كان حادا غاضبا خف قليلا و أصبح ناعما وهو يقول :

" آفالون أرجوكِ..لا تجعلي الأمر صعب علينا..ما بيننا مستحيل و أعترف أنه خطأي ما كان يجدر بي منحك الأمل هكذا..لكن صدقيني هذا للأفضل..دعينا لا ندمر حياتنا بسبب حب لن ينجح..أرجوكِ.."

" كل الوعود..كل الآمال..أخبرتني أنك تحبني و أننا سنغادر من هنا و الآن..."

" أعلم..اكرهيني أرجوك..ألقِ باللوم علي لكن توقفي عن الأمر ..لا تدمري حياتك ..أنتِ متزوجة و أنا كذلك..كان علي أن أعرف منذ البداية أن الأمر لن يستمر.."

" لا تتحدث عما بيننا كأنه شيء عابر توقف..ما بيننا نتجت عنه فتاة ...هي تشبهك ديفيد..كيف سأشرح لها لاحقا أن والدها تخلى عنها .."

" آفالون لما لا تفهمين ما أريد إيصاله..تبا..."

" تبا لك...لا تملك الحق بفعل هذا..ليس الآن..ليس بعد كل شيء.."

كانت ميلينوي تبكي و خافت أن يرتفع صوت شهقاتها لذا ركضت تغادر من المكان ترفض سماع المزيد مما يحدث..لا تحتاج سماع المزيد من كلام رجل مع أمها حول أشياء ترفض الإعتراف أنها سمعتها بعد..

ركضت و ركضت تهرب من المكان و تحاول بفشل الهرب من كل ما سمعته و صار محفورا في ذهنها الآن و للأبد...

لم تحتج أن تكون عبقرية أو تفهم الكثير لتعرف ما يجري ..الكلام كان واضحا و الرجل الذي كان يتحدث مع أمها ليس والدها إطلاقا..رجل إسمه ديفيد هو مرض أمها..هو سبب غضبها و شحوبها و سبب أنها تقبل كاليستا من جبينها ولا تقبل ميلينوي و زيفير ..

تلك الفكرة دمرتها أكثر من كل شيء آخر..أن تعتقد أن أمك لا تحبك و تفترض ذلك هو شيء و أن تعرف حقيقة الأمر و تتأكد منه هو شيء آخر..

وصلت ميلينوي عند أختها تأخذ أنفاسها بصعوبة و كفتاة مثالية جلست جانبها على المقعد في الحديقة تمسح دموعها كأنها لم تكن.. صدرها يرتفع و ينخفض لكنها تحاول كتم أنفاسها و ترتيب شعرها لتبدو بأنها بخير ..أيديها كانت ترتجف و كذلك جسدها الصغير لكنها كانت تنظر أمامها كأنها تمثال أو دمية مبرمجة..ظلت تنظر للأطفال يلعبون مقابلها في مشهد طبيعي سعيد بينما هي جالسة بجسد واحد يظهر داخلها حقا..

أعينها امتلأت بالدموع و عقلها امتلأ بالأسئلة..

ذلك اليوم كان الحادي والعشرين من فبراير..صيف حار لكن قلب بارد..

لأنه اليوم الذي اكتشفت فيه ميلينوي كينغز أن كاليستا هي إبنة رجل غير والدها..

اليوم الذي اكتشفت فيه ميلينوي كينغز أن مرض أمها هو الحب..

اليوم الذي اكتشفت فيه أن مرض أمها رجل إسمه ديفيد و أن ما كان يدمر حياتهم هو ألم الحب ..

الحادي و العشرين من فبراير و في تلك الحديقة جلست ميلي في مقعد قرب أختها الصغيرة و انتظرت والدتها لساعة أخرى ..و في تلك الساعة الوحيدة المدمرة نظرت هي لكاليستا كأنها تراها لأول مرة..كأنها ترى الجواب لكل أسألتها السابقة ..ترى اختلاف مظهرها و ترى اختلاف مكانتها في قلب أمهما..و ربما وقتها فهمت لما زيفير أخاها الأكبر كان متمردا و سيء الطباع..

لعله أدرك قبلها أن أمهما لن تحبهما بتاتا..و علم أنه ليسمعك العالم عليك أن تُحدث ضجة..

رفعت ميلينوي يدها و بأصابعها النحيلة مسحت على خصلات شعر أختها و أعينها البنية كانت منكسرة لأنها لا تعرف ما الذي يجدر بها أن تفعله الآن..هل تخبر والدها ؟ أم تموت هي و هذا السر للأبد ؟..

End of the flashback

الأصفاد حول يديها لم تكن أصفاد جريمة بل أصفاد حياتها..لأن ما يسجن المرء حقا هو ذكرياته و قلبه.. ليس الدم الذي سال بينهما..

ما يسجننا حقا هو السماوات التي لم تعد تروينا .. القلوب التي لم تعد تضمنا و البحار التي لم تعد ترفع أجسادنا ..فنجف..ننكسر ثم نغرق..هذا هو السجن الحقيقي..السجن الأبدي..

ميلينوي كينغز كانت هناك عالقة بين اللحظتين..ذكراها عن معرفتها لحقيقة أمها و رفضها الآن تقبل حقيقة أمها..

ما يؤلم أن الشخص الذي تريد السباحة نحوه هو الشخص الذي أغرقها..

صوت القاضي فجأة في القاعة و وقوف الجميع ليستمعوا لنتيجة الحكم جعلتها ترمش تنظر أمامها..

" أمام المحكمة اليوم مسألة طلب الكفالة لصالح ميلينوي ري كينغز .. تم اتهام المتهمة بتهمة قتل كاليستا كينغز استنادًا إلى أدلة جديدة قدمها الادعاء...القلق الرئيسي للمحكمة في تحديد ما إذا كانت ستمنح الكفالة هو خطر الهروب والخطر المحتمل الذي قد تشكله المتهمة على المجتمع... قامت المحكمة بالنظر بعناية في خطورة التهم.. وقوة الأدلة.. وظروف المتهمة الشخصية...بعد التفكير الدقيق.. يميل الحكم إلى منح الكفالة في هذه القضية... ومع ذلك.. لمعالجة المخاوف من خطر الهروب.. ستفرض المحكمة شروطًا معينة. تتضمن هذه الشروط تسليم جواز السفر..الإبلاغ بانتظام إلى الشرطة و قيود على السفر. من المهم أن تلتزم ميلينوي ري كينغز بشكل كامل مع هذه الشروط... قد يؤدي عدم الامتثال إلى إلغاء الكفالة...و تشدد المحكمة على أن الكفالة ليست بمثابة براءة وأن المتهمة ما زالت مطالبة بالحضور في جميع جلسات المحكمة المستقبلية..تفهم المحكمة أهمية السماح للمتهمة بإعداد دفاعها مع موازنة مصالح العدالة... وتتوقع المحكمة من ميلينوي ري كينغز أن تلتزم بشكل صارم بالشروط المحددة..تم تأجيل هذه المسألة إلى 17 ماي تحديدا بعد أسبوعين... المتهمة يتم إطلاق سراحها بكفالة تحت الشروط المحددة حتى حسم هذه القضية.. شكرًا لكم..."

تنهد والدها وهو يلتفت ليصافح المحامي و باقي الفريق القانوني بينما هي ظلت جالسة مكانها بملامح خاوية ..وحدثت عدة أمور متتالية بعدها لم تركز معها بتاتا..اقترب منها المحامي و مرر لها ورقة و قلم..وقعتها بملامح خاوية...انحنى شخص ليقوم بتركيب جهاز المراقبة في قدمها.. قال لها المحامي شيئا ما لم تسمعه..غادر القاضي ..اقترب منها والدها يتحدث بشيء ما ثم ربت على كتفها و أخرج هاتفه ليتصل..حدث كل هذا وهي تنظر لهم فقط دون أن تخرج بعد مما عاشته توا نفسيا..

حين خرجت من القاعة رأت تجمعا ينتظرها خارجا..

سيا..كزاندر ..كونروي..موزس و بيرسيفون..وحتى أخاها زيفير ..كلهم كانوا كمن لو عاشوا الجحيم في ساعات ..بيرسيفون بأعين محمرة و كذلك سيا..كزاندر يبدو باردا كالجليد و كونروي قلقا بينما موزس يسير ذهابا و إيابا كأنه يود ضرب شخص ما..أما زيفير فبذلته التي تكون مثالية كالعادة كانت مبعثرة.. ربطة عنقه مفتوحة و سترته مرمية بإهمال حول ذراعه ..

جميعهم يعرفون ما يعنيه هذا..جميعهم يعرفون أنها ليست كمخالفة قيادة و لا كأن يتم القبض عليك في حفلة بها الكحول و المخدرات ..

لقد كانت جريمة قتل..هي متهمة بجريمة قتل..اللقب لوحده كان كافيا..

رأتهم جميعا كيف التفتوا لخروجها رفقة المحامين و والدها ..رأت أعينهم تنجرف للأصفاد حول يديها و للشرطي يقوم بفتحهم بتمهل..

حتى هم يعرفون أن هذه الأصفاد كانت الأثقل عليها..مما يفسر أنه في اللحظة التي صارت أيديها حرة حتى اقتربوا منها جميعا يقومون بلفها بعناق قوي ...

بيرس عانقتها بقوة من جهة وهي تبكي و كذلك سيا التي مسحت على شعرها و تمتمت لها بصلاة عند رأسها كما لو تقوم بتحصينها أو شكر الرب على أنها خرجت الليلة..

بعدهن عانقها كونروي وهو يمسك وجهها يتفقد من أنها بخير ثم حان دور كزاندر و موزس الذان شعرت بانقباض في أجسادهما كأنهما غاضبان من كل ما يجري معها تماما كما فعلا قبل سنوات...أما أخاها فلم يتحرك من مكانه و لم يقترب لمعانقتها أصلا..بل فقط وقف هناك كأن رؤيتها حرة و بخير كاف بالنسبة له..

عانقها الجميع لكنها لم تعانق أحدا..سمحت لهم بضمها لكنها لم تبادل أحدا منهم العناق..لأن أيديها كانت مكبلة نفسيا و عاطفيا..

" تحدثت مع رئيس المركز..لقد أمن لنا المخرج الخلفي تحسبا.."

قال والدها هذا بجدية و هو يغلق المكالمة الهاتفية فأومأت له دون اعتراض لأنها أيضا ليست بوضع يسمح لها بالمخاطرة بوجود صحفي ما خارجا ..

" تودين منا القدوم ؟.."

قالها كزاندر وهو ينظر لها بأعينه السوداء كما لو يود تحسس مشاعرها من وجهها الخالي ذاك..لكنها رفضت بهزة من رأسها و هي تلتف لتغادر مع والدها بينما أخاها أشار لسيا أن تتحرك ليوصلها أولا.. لكنها لم تبتعد خطوة عن رفاقها حتى التفتت لهم تقول بهدوء مريب ..

" سلنتقي بعد ساعتين .."

كانوا قلقين عليها..رأت رفاقها يقفون مصطفين و ينظرون لها كأن ردة فعلها هذه مريبة جدا و ملامحهم تحمل القلق الشديد..

لذا تابعت توضح :

" أليست الليلة حفلة عيد ميلاد سايمون ؟ اتفقنا أن نذهب.."

ما قالته كان طبيعيا لكن نبرتها كانت هادئة جدا..وهو ما دفع كزاندر أن ينظر لوالدها الذي يقف خلفها يحدق بها بنظرات متفحصة ..كأن ينتظر منه تفسيرا أو ردا على ما تقوله ميلينوي لكن وقتها العمدة نظر لفتى الحبر و منحه إيماءة كما لو يخبره أن ينفذ ما تطلبه ابنته منهم..

وقتها فقط أعاد هو أعينه لها و منحها إيماءة يجيب :

" حسنا..سننتظرك هناك.."

فتحت بيرسيفون فمها لتعترض مقتربة منها لكن يد موزس منعتها من فعل ذلك..

وهكذا راقب أربعتهم مغادرة فتاة الحبر بعد يوم كان مظلما لهم جميعا..

........

والدها كان ينظر لها طوال طريق العودة..كان يجلس في مقعد قرب النافذة و هي في الآخر..بينهما مقعد فارغ و ألف سنة من الصمت..لغة يحترفانها كلاهما حين يحتاج أحدهما ذلك..

الظلام في السيارة من الداخل و الليل خارجا ..أضواء الطرقات تنعكس على ملامحها الجميلة و قلبها المحترق..والدها كان يراقب كل ذلك وهي تشعر بنظراته عليها منذ أكثر من نصف ساعة..

منذ الصباح وهو معها تماما كما فعل قبل سنوات حين ماتت أختها..لم يتركها بتاتا لكنه لم يعانقها أيضا أو يخبرها أن كل شيء سيكون بخير.. كان موجودا فقط..

لم يتحدث أحدهما عما حدث..لم تبرر له..لم تبكِ كما فعلت قبل سنوات وهي تخبره أنها لم تفعلها و أنها لا تتذكر ..لم تفعل كما فعلت قبل سنوات لما اعتذرت له لأنها كانت ثملة و لا تتذكر ما وقع على ذلك السطح ..

لا شيء من ذلك حدث..الضربة الأولى تفاجئك و الثانية تعلمك..كلاهما كانا قد مرا بهذا من قبل لهذا كان هناك تفهم أكبر بينهما و مساحة من الصمت الجيد..

راقبت ميلينوي منزلهم من بعيد و هم يدخلون للحي و بدأ صدرها يضيق كالقبر..ذلك المنزل كان أكبر مقبرة وهي لا تنفك تعود له..

فتح الحراس البوابة و دخلت السيارة حينها شعرت بيد توضع على يدها ..

كان والدها فالتفتت له بهدوء تسمعه يقول :

" غدا ..على الساعة العاشرة ..هناك شيء أريد أن أتحدث معك بخصوصه .."

ظلت لثوان تحدق به دون أن تجيبه..فقط تنظر لملامحه التي أخذت الكثير منها قبل أن تمنحه إيماءة..فقط إيماءة تؤكد له أنها ستفعل..

ليس فقط لأنه هناك شيء يريد إخبارها به بل لأن هناك شيء هي من تريد إخباره به..

لذا نزلت من السيارة حين فتح لها السائق الباب و تبعها والدها للداخل..

كان هناك صمت غريب في المكان كأن كل آل كينغز يختبئون في غرفهم بعد ما حدث..حتى الخدم لم يكن يصدر منهم أي صوت ..مرر والدها المعطف للعاملة تأخذه للأعلى و هناك رأى كلاهما والدتها...

كانت جالسة في القاعة بثيابها الجميلة و مظهرها المرتب ..شعرها كان مصففا و وجهها مزين بمساحيق التجميل كأنها في عشاء مهم..بينما الحقيقة أنها تجلس وحيدة في قاعة منزل كبير و تحدق بالأرض بشرود كما لو أنها غارقة في عالم لوحدها..

توقفت ميلينوي مكانها تنظر لها بملامح خاوية و توقف والدها خلفها أيضا..

لا أحد هنا ليشهد ما حدث سوى والدها لكن حتى هو لم يتوقع رؤيتها تقترب منها بهدوء..

توقفت ميلي أمام أمها و انحنت أمامها على ركبة واحدة تدفعها لترمش تخرج من شرودها قبل أن تهمس لها بصوت خافت :

" لما فعلتِ هذا أمي ؟.."

سألتها بنبرة فتاة صغيرة تتمنى أن تكون مخطئة..نبرة فتاة صغيرة تأمل أن أمها ليست هي من فتحت القضية مجددا..نبرة فتاة صغيرة تعلم داخلها جيدا أنها الحقيقة لكنها تبحث عن كذبة لتصدقها و يطمئن قلبها..فتاة صغيرة خذلت ألف مرة من شخص واحد ..من أنثى واحدة..

و كما تعودت على أمها تقول و تفعل أمورا غريبة كأنها ليست في وعيها..فعلت آفالون الآن أيضا شيئا آخر ..حين ابتسمت و مدت يدها تمسح على وجنة ميلينوي بلطف قبل أن تنحني و تقبلها من جبينها برقة ..وهو شيء لم تفعله يوما..

امتلأت أعين فتاة الحبر بدموع مكبوتة حين سمعت أمها تتمتم بالدموع في أعينها و إبتسامة جميلة على شفاهها :

" كاليستا..كنت أنتظرك ..لا بد و أنك متعبة ..اذهبي للنوم.."

لحظتها سقطت دمعة من عين ميلينوي..و الدمعة تحولت لعشرات و بعدها لبكاء صامت برجفة في الصدر هي تضع رأسها على ركبتي أمها وتبكي..

مدت آفالون يدها تمسح على شعر ميلينوي بلطف بإبتسامة و دموع في أعينها ..

بكت ميلينوي على حضن أمها لأول مرة في حياتها ..بكت لأول مرة في هذا اليوم السيء كأنها تبكي عن كل شيء تخرب داخلها ..

أمها فعلت هذا لأنها تعتقد أنها ستعيد ابنتها الميتة بذلك لو حبست المسؤول عن موتها..أمها تزينت و تجهزت كأن ابنتها الميتة ستعود الليلة..أمها كانت تعتقد أن من تبكي على حضنها الآن هي كاليستا..

وفتا الحبر كانت تعرف بكل ذلك..و بكت لأنها كانت تموت في أعين أمها من أجل أن تحيا أختها..

أعينها كانت أعين تشرين..و ستفعل كما يفعل فصل تشرين..ستتساقط..

من الغريب أن دموعها كانت كل ما هو داخلها بينما يراها الغير مجرد دموع..بكائها على حضن أمها لم يكن مجرد بكاء بل هو حداد على موت واحد..موت الفتاة التي قضت كل حياتها تنتظر حب أمها لها و الآن فقط علمت أن الحب في ذلك مات..انتظرت طوال حياتها لمسة من أمها تحمل الحب لتؤكد لها أنها تستحق الحب..لكن ذلك الكاتب كان محقا حين قال ' لا تلقي شعرا على من ليس بشاعر '..لذلك لا جدوى من طلب الحب من شخص لا يعرف شيئا عن الحب حقا..

و بكت هي على ذلك أيضا..

هناك في قاعة منزلها على حضن أمها و تحت أنظار والدها و اخيها و سيا...المطر خارجا كان يساندها في ذلك..

......

كانت ميلينوي بعد ساعة تقف في غرفتها أمام المرآة بملامح هادئة جدا وعدا احمرار طفيف في جفونها لم يكن هناك دليل على أنها بكت كثيرا..

ما يظهر في إنعكاس المرآة كانت ميلينوي كينغز..الفتاة التي ستذهب لحفلة في نفس الليلة التي خرجت فيها من مركز الشرطة بتهمة جديدة على ملفها..

ترتدي سروال جينزممزق و قميصا أسود ضيق يظهر نصف خصرها و يتم ربطه برباط متعاكس في الأمام..ثم ارتدت سترتها الجلدية السوداء الفضفاضة و ارتدتها تغلقها بالكامل تسمح لها بابتلاع جسدها بالكامل ..

حملت هاتفها و ذهبت تبحث عن علبة سجائرها ..وفي طريقها لفعل ذلك وجدت العلبة التي تضم آخر سجائر متبقية في العلبة التي كتب لها سالفاري فيها..

و رؤيتها لها كانت أشبه بصاعقة في قمة جبل ..جعلت قلبها ينفطر..و درعها ينكسر..

حملتها بين أصابعها و جلست على سريرها كأن اقدامها لم تعد قادرة على حملها و بأصابعها الباردة كالصقيع فتحتها تخرج سيجارة منها و ترى أنها أغنية أخرى ..

أغنية " ما الذي تريدينه مني " لآدم لامبيرت..

ولا تعرف كيف لكنه دوما يفعل الأمور بشكل صائب لفتاة لم تعد قادرة على إحتضان ما يأتي نحوها..

لقد كتب على سجائرها قبل أسابيع مع ذلك سحرها كان يليق بكل زمن..كأن عنوان الإنية كتبه قبل فترة ليسأله لها الآن..

ما الذي تريده منه ؟ كل شيء ..كل شيء لن تكون قادرة على أخذه حقا..

فوضعت السيجارة بين شفاهها و أشعلتها بينما تجمعت الدموع داخل أعينها و رفضت هي أن تسمح لها بالسقوط مجددا..الدموع كانت انعكاسا لما يحدث في قلبها و ما قرره عقلها..

لذا نفثت الدخان وهي تمسح على جبينها بشفاه مرتجفة تقاوم البكاء قبل أن تحمل هاتفها و تتفقد الرسائل التي تركها لها طوال اليوم و المكالمات الفائتة منه حين كانت هي مكبلة الأيادي بجريمة على ملفها..

ربما أمه كانت محقة في النهاية..هو أفضل منها بكثير و عالمها سيء جدا له..

أو ربما هي فقد كُسرت كثيرا لدرجة تفضل كسر يدها على أن تمدها طلبا للحب من شخص آخر..

هذا ما يفسر أنها بدموع في أعينها و برودة في عظامها كتبت بأناملها الرسالة التي أنهت كل شيء..

' أمك محقة..أنا و أنت لا نليق ببعض..كلانا من أرض مختلفة و أعتقد أنه علينا إبقاء الأمر كذلك..شكرا لأنك أحببت إيقاعي حين كنت مجرد طبل فارغ ....آسفة '

كانت تعلم أن أسوأ ما يمكن فعله لشخص هو الإنفصال عنه برسالة نصية ..لكنها هشة الآن لدرجة لا تسمح لها بمواجهته بعد لأنه سينظر لأعينها و سيعرف ..سينظر لأعينها البنية و سيعرف أنها لا تدفن شيئا سوى نفسها..لهذا تحتاج وقتا لتجمع شتاتها و ترتدي القناع الملائم..

عضت على شفتها السفلى و هي تنظر للرسالة في شاشة هاتفها بأعين دامعة قبل أن تضغط على زر الإرسال ..

من المضحك أنها من أرسلت الرسالة مع ذلك تشعر أنها من تلقتها..انقبض قلبها و تباطئت أنفاسها فسارعت تدخن تعيد السم لرئتيها ..لأن ما يؤلم أكثر من جوع للحب هو رؤيتك تحرق الخبز الذي مده أحدهم نحوك..

شعرت بحركة عند اقدامها فنظرت لتجده الجرو الصغير خاصتها يحاول جذب انتباهها و هو يحرك ذيله ..وضعت سيجارتها جانبا ثم انحنت تحمله تعانقه بقوة كأنها تحتاج عناقا و لم تجد سوى كلبا ليمنحها ذلك..حينها فقط سقطت دمعة على وجنتها ..وهي تهمس له..

" لم يتبق سوى أنا و أنت ميكي.."

لأنها كانت الحقيقة..ميلينوي في يوم واحد شعرت أنها فقدت أكثر من مجرد ثقة..باتت تشعر أنها وحيدة جدا فقط لأن أهم علاقة في حياتها تدمرت كليا و هي علاقتها مع أمها..الآن كل العلاقات باتت تبدو لها هشة قابلة للتدمر ..لا يحتاج الإنسان الكثير من الجراح ليموت..أحيانا جرح واحد في مكان واحد كفيل بقتلك كشق عند شريان أبهر..و إدراكها لذلك جعل نظرتها للعالم رمادية كلونها المفضل..

وضعت أغنية على هاتفها من أجل ميكي و ليس من أجلها..وضعت الأغنية التي كتيها هو على سيجارتها..و استمعت لها بينما تضع ميكي في حضنها تمسح على رأسه وهي تعود للتدخين لأنها مع نهاية سيجارتها ستغادر ..

فسمحت لنفسها بذلك..

' من السهل جدا أن أرى كم أنك جميل ..لا يوجد بك أي خطب '

'..إنما أنا..أنا هي المسخ..مع ذلك شكرا لأنك أحببتني..'

' أنت تفعلها بشكل مثالي..'

' تمهل قليلا علي..ما الذي تريده مني ؟..'

ترددت الاغنية في غرفتها و واصلت هي التدخين..

لم يكن سم سيجارتها ما سيقتلها حقا و إنما سماحها لنفسها بأن تغرق في أفكار سامة..و أفكارها السامة كانت واحدة..

هي في بيتها الليلة لكنها ليست في منزلها..لأن منزل المرء ليس موقعا جغرافيا و إنما هو لحظة ..عناق أو ذكرى واحدة تنقذنا لسنوات..تنقذنا لأبدية..

ما الذي كان يمزق الأوعية حول قلبها الآن ؟ ما هي الغصة في حلقها التي تحاول الإختفاء خلف الموسيقى حولها ؟ ..كانت إدراكها أنها واقعة في الحب..أن قلبها متناوب النبض.. مرة لجسدها و مرة له..

التحسر على موت ما هو حي لكننا لن نلمسه مجددا..هذا هو سبب دموعها..

المعضلة في عدم حصول الطفل على الحب الكافي في رواق منزله أنه سيتعلم البحث عنه في شارع الحياة.. الحياة تعلمك أن تقتل عدوك..و عدوك هو أنت..لهذا الطفل الذي لا يحصل على الحب لا يحب نفسه..كأن تصفق على مسرحية غيرك ثم تعين نفسك شخصية ثانوية في حياتك..فقط لأنهم قالوا أنك نهر لا يعني أنك لا تُغرق كالبحر و الطوفان..

.....

كزاندر كان يقف في الزاوية يدخن سيجارة تلو الأخرى و يراقب..

أنوار الحفلة الملونة كانت تنعكس عليه و الأصوات حوله صاخبة جدا كأنهم في ملهى ..ليس و كأنه توقع شيئا أقل من هذا من ابن عم مايسن..سايمون يحب الإحتفال كأنه نجم روك ..والديه لم يكونا في البلد و هو جعل المنزل ديسكو..

كل من حوله كانوا ثملين أو على وشك الثمالة يرقصون على الموسيقى و يتمايلون عليها و هناك من يلعبون ألعابا صاخبة أكثر في الخلفية...ثم هناك ميلينوي..كانت قلب الحفلة كأنه عيد ميلادها ..لأنها كانت تقف فوق طاولة تضحك و ترقص مع الموسيقى بينما تصرخ بصوت مرتفع مع بعض الرفاق الذكور و الإناث الذين يشيرون لها لتسكب لهم الكحول في كؤوسهم لأنها تمسك القارورة بين يديها...

من يراها سيعتقدها جد مستمتعة و تحظى بأفضل وقت في حياتها ..كانت ضحكتها مرتفعة و رقصها سعيد...لكنها كانت ثملة و تخفي أعينها بنظارات سوداء ..كل مرة يغيرون الموسيقى لأخرى هادئة أو منخفضة تصيح عليهم بأن يغيروها لأغنية أقوى و أعلى كأنها لا تريد السماع لأصوات معينة..أصوات داخلها..

نفث كزاندر الدخان حوله و مرر أعينه حول المكان ليجد كونروي أيضا ثمل لدرجة لم يقدر على رفع رأسه فقرر أن يريحه على البار ..قربه كان موزس الذي لم يكن ثملا مثله مثل كزاندر..كان أيضا يراقب ميلينوي و بيرسيفون ترقصان فوق الطاولة مع بعض الفتيات و الشبان و من بينهم مايسون الذي كان يلف أيديه حول ميلينوي و يرقص معها..

التفت موزس لكزاندر كأنه شعر بأعينه عليه..تبادل كلاهما نظرة معينة كما لو يفهمان ما يجري..ليس فقط ما حدث مع ميلينوي اليوم بل حقيقة أنها أخرجت سالفاري من مجموعتهم مما يعني أنها على الأغلب قالت أو فعلت شيئا له وهما توقعا شيئا كهذا..ستود حمايته بإبعاده عنها..و لأنها فعلت ذلك لم يستطع أحد منهما أن يرد على اتصالات سالفاري خشية أن يقولا أو يفعلا شيئا لن تحبه هي ..

النتيجة كانت أنها هنا تعاقب نفسها بهذه الطريقة..و الحقيقة كانت أنه مرت أشهر منذ رؤيتهم لصديقتهم في هذا الوضع...تخسر نفسها للكحول و تنتشي كليا حتى لا تفرق إسمها حتى..طوال علاقتها مع سالفاري كانت في أفضل حالة لها وهذا لوحده يبين أنه لم يكن شخصا عابرا كالبقية..

هز موزس رأسه لكزاندر كما لو يخبره أنه عاجز و لا يعرف ما يفعله فأومأ له كزاندر كما لو يفهمه ويشعر مثله..

واصل كزاندر التدخين يعيد أعينه السوداء لصديقته فتاة الحبر التي كانت رفيقته منذ الصغر ..كان يفهمها..على الأغلب هو أكثر ما يفهمها...لقد رآها تتحول من الفتاة الجيدة المثالية لفتاة الحبر سيئة السمعة..رآها تتحول من الفتاة التي كانت تنقذ الأطفال الأصغر حجما من المتنمرين في الإبتدائية للفتاة التي يعتبرها الجميع وغدة متنمرة..

مشكلتها كانت أنها ترى نفسها لا تستحق الحب و الناس حولها دفعوها لتؤمن بذلك..أنها أسوأ من أن تستحق شخصا جيدا..أن مظهرها أسوأ من أن تستحق شيئا آكثر من علاقة جسدية عابرة..أن عاداتها تستحق أن يكسر الناس قلبها من أجلها..أن مستواها الإجتماعي يجعلها تستحق ألا يشفق عليها أحد..

لقد عاش معها طويلا ليرى كل ذلك و يراها تنغلق تدفن قلبها عميقا و تدريجيا وضعت مكانه قناعا ذهبيا لتتعايش به..حين يكسر قلبها أحد تضحك كأنها لا تملك قلبا ليكسره..حين يتحدث أحد عنها تقلب أعينها بملل كأن سمعتها السيئة شيء مثير مثير للإهتمام لها..

و الآن كانت تضع ذلك القناع ..ضحكة صاخبة..رقص حي...لكن أعينها كانت ميتة لهذا تخفيها أسفل تلك النظارة السوداء..

رآها ترقص بعدما نزعت سترتها و ظلت ترتدي ذلك القميص القصير الذي يكشف عن خصرها أين يضع سايمون صاحب الميلاد أيديه و يرقص معها بينما هو نصف ثمل ايضا..بيرسيفون أيضا كانت معها ترقص وهي تضحك لأن كليو الدرامية خاصتهما تعبر عن دعمها للمرء بمشاركتها إياه ايا كان ما يقوم به..لو كنت كئيبا و تريد احتساء السم فستدعمك باحتساءه معك..هكذا كانت هي..

و لأن كزاندر لم يعد قادرا على تحمل ما يجري أكثر فهو رمى سيجارته أرضا يقرر أن يخرج لإستنشاق الهواء قليلا و لم يحتج أن يظل ليراقب ميلينوي لأنها مع بيرسيفون و بالتالي أعين موزس ستكون عليهما ..

مر كزاندر بين الأصدقاء الذين يعرفهم و صافحهم أو أشار لهم بإيماءة بينما يخرج عبر المنزل المكتض بالشباب يحتفلون كأنه آخر يوم في حياتهم..استغرقه الأمر دقيقتين ليخرج أمام المنزل أين لا يزال هناك المزيد ممن هم قادمين و يركنون سيارتهم و ينزلون منها أعدادا بصراخ حماسي و في أيديهم قارورات الشراب دون اهتمام بالجو المطير ..

لكن حتى هو لم يهتم بالجو المطير لأنه وقف أسفل المطر يستنشق الهواء و يسمح للسماء أن تبلله من شعره لثيابه كونه كان يحتاج البرد قليلا ليبقيه صاحيا و يمنعه من الشرب الليلة إن أراد إيصال ميلينوي للمنزل..

وصلته رسالة لهاتفه فأخرجه من جيبه يغطي الشاة بيده يمنعها من أن تتبلل ليقرأه..

كانت رسالة من كوليت تطمئن عليه و على ميلينوي مجددا..رؤية ذلك جعل ملامحه ترتخي وهو يكتب لها رسالة رد يخبرها فيها أن كل شيء بخير و أن الحفلة تمر على ما يرام ..

ردت عليه أنها لا تصدقه ..كونها منذ عرفته لم يذهب لحفلة مرت على ما يرام..

رؤية ذلك جعلته يبتسم بخفة..حسنا هي محقة..كزاندر و رفاقه لا يحضرون حفلات عادية لأن كلها تكون جنونية لكنه حاول فقط طمأنتها..

لقد كانت كوليت معه صباحا حين تلقى الإتصال بما وقع مع ميلينوي..لقد غادر ركضا ليوصلها هي و بيكسي للمنزل..النية كانت ألا يخبرها بتاتا بما حدث لكنها خافت من ردة فعله و كيف تجهمت ملامحه لذا أخبرها أن لا أحد مات كما اعتقدت هي ..بل ميلينوي تم اعتقالها لقضية قديمة..لا زال لم يشرح لها بعد أي قضية لكنه سيفعل..

ستنظر له كوليت بأعينها تلك و هي تمنحه نظرة ظريفة و رائحة الفراولة تصدر من شعرها و جسدها و سيضعف..لذا من الأفضل أن يخبرها قبل أن تستخدم كل تلك الأسلحة النووية الخطيرة ضده..

أرسل لها رسالة يخبرها فيها أن تنهي دراستها و تنام و سيأخذها غدا للثانوية و يخبرها بكل ما جرى..

هي كانت سعيدة على أية حال لأنه لن يذهب للسباق الليلة في هذا الجو..وهو كالأحمق سعيد بذلك ..لأن شخصا ما مهتم بأنه لن يشارك في سباق في جو كهذا..عادة هو لا يبالي لأنه متعود على السباق في كل طقس و في كل مكان..لكن لا يمكن للمتسول أن يختار طعامه..

أغلق هاتفه يعيده لجيبه في نفس اللحظة التي رأى فيها شابا طويل جدا يقترب من المنزل..

تبا..

لا أحد طويل هكذا سوى سالفاري و استغرقه ثوان ليصل للمنزل و تتضح ملامحه أسفل ضوء الشارع..

كان يرتدي سروالا منزليا رماديا و سترة سوداء و يغطي رأسه بالقلنسوة يدفن أيديه في جيوبه..كان مبللا كأنه سار اسفل المطر لفترة..

و كزاندر لم يتجرأ أن يتحرك و عقله لم يستطع حتى ابتكار حجة لأنه يعلم جيدا أن اللحظة التي سيدخل فيها سالفاري للداخل سيرى ما رآه الجميع..ميلينوي في تلك الحالة..

تبا..

كيف عرف المكان أصلا ؟ لا أحد منهم أخبره دون شك ..لكن ليس من المستبعد أن يعرف أصلا لأن مايسون كان مشهورا بحفلاته و دون شك أحد ما يفتح بثا مباشرا و قام بدعوة الجميع مجموعة طلاب الجامعة..

تبا..

انتبه سالفاري لوجود كزاندر فتوقفت خطواته للحظات قبل أن يتابع السير يقترب منه بدل باب المنزل..حين وصل أمامه نزع نظاراته التي صارت ضبابية و مبللة كليا و رأة كزاندر خصلاته العسلية تغطي جبينه تلتصق به و رغم أم ملامحه هادئة إلا أن هناك نظرة غريبة داخل أعينه العسلية تلك..كما لو يحاول جاهدا ليخفي مشاعرا ما ..

" أين هي ؟.."

سأل سالفاري بنبرته الهادئة و بحة في صوته لكن كزاندر يكاد يقسم أن هناك بعض اليأس ..و اليأس في صوت رجل كان يدمر أي شخص ..

لم يستطع كزاندر أن يكذب عليه أو ينكر لدا اكتفى بأن يشير بيده للمنزل خلفه كما لو يخبره أنها في الداخل ..

تحرك سالفاري ليمر جانبه و يدخل لكن يد كزاندر منعته لم قال له :

" لا أعتقدها فكرة جيدة سالفاري..ما رأيك أن تترك الأمر للغد و تتحدثا.."

كانت محاولته في منعه من رؤيتها بذلك الشكل لكن سالفاري أجابه بنفس النبرة :

" حتى أنا أشعر أنها فكرة سيئة..صدقني.."

تبا..لقد كان محقا..ميلينوي قالت له شيئا ما حتما..شيء جعله يأتي أسفل المطر هكذا في الليل..هل يعقل أنها انفصلت عنه ؟ هو يعرف ميلينوي جيدا و لا يستبعد أن تقوم بشيء كهذا ..خصوصا بعد أحداث اليوم..

وهذه الفكرة لوحدها كانت كفيلة بجعله ذراعه يراقبه كيف يمر بطوله ذاك بين الشباب الثملين و الذين يضحكون و يركضون أسفل المطر بصخب..و في اللحظة التي فتح له الباب و رآه مايسون صديقهم و ابن عم مقيم الحفلة حتى ابتسم له يقول شيئا ما و يشير له ليدخل و يغلق الباب خلفه ..

أغمض كزاندر أعينه يمسح على شعره ثم وجهه يزيل البلل منه وهو يشعر أن شيئا ما لن يعجبه سيحدث الليلة..اليوم بأكمله كان سيئا للحقيقة و لن يتفاجئ لو كانت خاتمته أسوأ..

....

كانت ميلينوي ثملة جدا و بالكاد تفتح أعينها أسفل تلك النظارات السوداء و مع ذلك و بينما هي تحتسي كأس شراب آخر و شعرت بقبلات على عنقها و كتفها علمت أنها شيء لا تحبه فالتفتت تنظر لمايسون وهو أيضا ثمل و أسفل إنارة الحفل المنخفضة كانت بالكاد تستطيع تمييز ملامحه لأنها تشعر بالدوخة و صوت الموسيقى المرتفع جدا كانت تشعر به يطرق على دماغها بقوة ..

تريد أن ترمي نفسها أسفل مياه باردة لتطفئ الحرارة في جسدها من الكحول و الرقص لكن لا شيء كان قادرا على جعلها تعرف أن اللمسات التي تمر على جسدها الآن هي لمسات كرهتها فورا..

نظرت لترى أيدي مايسون حول خصرها و قريبة من أسفل ظهرها..كان يقبل عنقها بينم يقربها منه وهي كانت ثملة لدرجة استغرقها الأمر فترة لتستوعب ..

أيادي خاطئة..لمسات خاطئة..أنفاس خاطئة..رائحة خاطئة و شخص خطأ..

حين دفعته للخلف قليلا وقعت نظراته على شخص جعل ضربات قلبها ترتفع و أنفاسها تتوقف فجأة..

كان سالفاري..دخل للحفلة لكنه لم ينظر لها بعد لأنه نزع نظاراته و كان يبحث في الأرجاء عن وجه مألوف..و لم يستغرقه الأمر سوى لحظات ليجدها لأنها كانت فوق طاولة في منتصف الحفلة بالضبط و الجميع ملتفين حولها..

و يتطلب الأمر شخصا واحدا لتنظر له و تشعر أن العالم حولك اختفى..كانت ثملة و بالكاد في وعيها لكنها رأته هناك و حتى أعينها الشبه منغلقة أسفل النظارات علمت أنها ترى الشخص الذي يمثل الاستثناء الوحيد لها..

صوت الحفل حولها اختفى و حتى ضجيج عقلها الذي حاولت لساعات و ساعات جعله يختفي بالكحول و الموسيقى اختفى لمجرد رؤيته فقط كما لو ان جسدها يخبرها أنها لم تحتج لكل ما فعلته بل احتاجت له فقط..و إدراك ذلك جعلها تبتلع ريقها بصعوبة وهي تشعر بالغثيان من فكرة ما ستفعله..

كانت تعرف لما هو هنا..يريد أن يتأكد مما أرسلته له و يعرف ما تقصده..لذا في اللحظة التي مسح نظاراته في قميصه و ارتداها مجددا وهو يبحث عنها بأعينه كأنه فتى ضائع في مكان لا يليق به علمت أنها لا تستحق جعل فتى مثله يأتي لأماكن كهذه ليبحث عنها في ليلة مطيرة..ستتعبه معها لو استمر الأمر بينهما..

و وقتها ابتلعت ريقها مجددا تبتلع الغصة التي تشكلت في حلقها..لأنه و بين هناك أيادي فتى آخر حولها و قبلات تطبع على عنقها من شفاه شخص آخر إلا أن أعينها امتلأت بالدموع من أجله هو..

رفع سالفاري أعينه ليبحث عنها في منتصف القاعة و تلك هي اللحظة التي سحبت سايمون من رقبته و قبلته..

حين قبلته تحطم قلبها في نفس اللحظة التي تعالى الصراخ حولهما وهم يرون فتاة الحبر تقبل فتى الميلاد فوق طاولة أمامهم جميعا..

من في الحفلة صرخوا وهم يشجعونها على ذلك و بعضهم التقطوا صورا حتى بينما هي كانت تشعر بطنين في أذنيها كأن جسدها سيتخلى عنها كما تخلت هي عن قلبها..

كانت تعلم أنه رأى ذلك..كانت تعلم أنه يرى ذلك...و تلك الفكرة لوحدها جعلتها تقبل مايسون كأنها تقبل حبها الوداع..

هو كان فتى النظارات المثالي الذي لن يقبل أن تنفصل عنه برسالة و سيضع لها ألف تبرير عليها..لذا كانت تحتاج أن تمنحها منظرا بشعا كهذا ليتذكره و يفهم ما تريد إيصاله..

أنها هي و هو من عالمان مختلفان و أنه في الوقت الذي يكون هو فيه غارقا في قراءة كتاب في غرفته ستكون هي غارقة في قارورات الشراب و جسدها في جيد شخص غريب تسمح له بلمسها كما يحدث الآن..

الشيء المثالي في سالفاري كانت أنه لم ير عيوبها بل أحب مميزاتها وهذا كان يرعبها ..جميعنا نريد الحب لكننا نخاف منه كما لو أننا لا نرى أنفسنا نليق به..وهذا يرعبها ..أنه سيصل يوم يرى حقيقتها فيكرهها و يكون الوقت قد تأخر لإنقاذ كليهما..الآن كانت تريه من تكون حقا.. أنها فقط فتاة سيئة أخرى في عالم لم يصنع لشخص مثالي مثله..

انفصلت شفاهها عن شفاه سايمون و نظرت ناحية سالفاري لتجده قد استدار يعطيها بظهره وهو يضغط على قبضتيه بقوة كأنه يفضل الموت على رؤية ما رآه لثانية أكثر..

ابتلعت ميلينوي ريقها و سقطت دمعة من عينها لكن لم يرها أحد..كانت ترتدي النظارات و الحفل منخفض الإضاءة ..لهذا لم ير أحد فتاة الحبر تبكي بعدما قبلت فتى و لا أحد علم أنها أسفل النظاؤات السوداء تلك كانت تراقب سالفاري و كيف غادر دون أن يستدير خلفه مجددا..

حينها فقط أبعدت سايمون عنها تدفعه للخلف قليلا و تمسح على شفاهها و لأنه ثمل فهو لم يهتم بما حدث كونه واصل الرقص مع البقية بينما هي بخطوات متمايلة نزلت من الطاولة تقترب من البار بالكاد تحمل جسدها ..رؤيتها كانت مشوشة و ترى الأجساد تتراقص حولها بشكل غريب..

حين كادت تسقط أمسكها موزس من ذراعها يساعدها لتجلس على كرسي..

" توقفي..قمتِ بعرضك و الآن توقفي.."

نبرته كانت جدية وهو ينظر لها بينما يمسكها من ذراعها كأنه يعرف بالضبط ما فعلت هتوا و لما فعلته..لكنها ابتسمت له و هي تقول بنبرة متثاقلة :

" لا تخرب الحفلة..أحتاج المزيد من الشراب.."

" لا..تحتاجين العودة للمنزل.."

" مزاجي جيد موزس لا أريد الشجار معك.."

حينها مد يده ونزع نظاراتها يدفعها لتغمض أعينها كأنه أعماها لما فعل ذلك..كأنه نزع قناعها...

" مزاجك جيد ؟..هل تنظرين لنفسك ؟ ما الذي تعاطيته ؟.."

أعينها كانت حمراء و بالكاد تفتحها لتنظر له ما بالك لتخبره ما الذي تناولته حتى.. هي فقط ابتسمت له و أعينها دامعة تكسر قلبه تدفعه لأن يشتم تحت أنفاسه وهو يشد على خصلاته الشقراء بينما يضعها لتجلس قرب كونروي و يذهب لجلب بيرسيفون كأنه اكتفى من الهراء الذي يحدث هنا الليلة و رؤيتها تدمر نفسها..

بينما في الخارج و في اللحظة التي أغلق فيها سالفاري باب منزل سايمون خلفه حتى أطلق نفسا كأنه كان يختنق في الداخل..حتى أنه رفع يده و مسح على صدره عدة مرات كما لو أن شخصا ضربه في قفصه الصدري بمطرقة..

كان يختنق وهو يبتعد عن المنزل يتنفس بصعوبة يده على صدره و يحاول إزالة الصورة التي رآها من ذهنه..

أيديه كانت منقبضة و قلبه ينبض بسرعة لدرجة يشعر به في حلقه..

لقد قرأ مئات الكتب و كتب مئات المقالات.. يحفظ قاموسا للكلمات و يملك إسما لكل عاطفة..مع ذلك في تلك اللحظة لم يجد الكلمة التي تصف ما يشعر به لحظتها..

لا أحد قادر على أن يصف حقا ما يشعر به المرء حين يتحطم قلبه لأول مرة أو حين يختبر ألم الحب..وهو هنا بينما يضع يده على صدره لم يجد كلمة أو حرفا حتى ليستطيع أن يخبر به العالم عما يحدث في قلبه..

رفع نظره و وجد كزاندر يقف اسفل المطر مثله و يحدق به بهدوء كأنه يعرف بالضبط ما رآه في الداخل..لقد حذره أصلا من الدخول..أخبره أنها فكرة سيئة..

و الآن فتى النظارات كان يتساءل هل الوقوع في الحب أصلا فكرة جيدة إن كنا سنقع في حفرة مؤلمة نهايته ؟..

في أي أرض ندفن زهرة الحب حين تذبل داخلنا ؟

من سيصفق لنا حين نبتسم بعدما يتحطم قلبنا لأول مرة ؟

من سيذكرك أن تتنفس حين تسرق فتاة أنفاسك ؟..

أرسطو كان محقا..الحب هو روح واحدة تسكن جسدين..لهذا هو يشعر أن شيئا ما تمزق داخله..و لهذا كان عليه أن يخاف من الحب كما خاف الفلاسفة قبله ..


🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬

مرحبا يا رفاق 😂

فصل آخر ظريف و كتكوت 💀💀

لا أعرف ما يجدر بي قوله سوى اربطوا الأحزمة فكما يقول المثل "shit is about to go down " 

ما الذي تتوقعونه كنهاية لكل ثنائي هنا ؟🤓

وعلى ذكر الثنائيات أعلم أنكم تريديون مشاهد لهم لكن الفصول القادمة تقريبا عنهم أكثر من الأبطال بسبب الإنفصال كما تعلمون 😂😂

مشهد كوليت و كزاندر الفصل القادم حرفيا 🦋🦋🦋🛐🛐

أعتقد في كثير خمنوا أن كاليستا ليست أختهم الحقيقية بينما الأغلبية فكروا أن ميلينوي هي الإبنة غير الشرعية لذا 

و أحب أطمئنكم ..هذه البداية فقط 😂😂 بداية المصائب

لكن الجانب الإيجابي هو الثنائيات الأخرى لهم مشاهد قادمة نارية 🥵🥵

ميلينوي و هي صغيرة كانت فتاة جيدة كتكوتة 😭🦋

حسب رأيكم ماذا سيحدث في الجلسات القادمة ؟🙂

ميلينوي تكسر قلب سالفاري لأول مرة 😭😭

تذكرت أغنية Love is a bitch 

أحسها تعبر عن سالفاري في المشهد الأخير 💔

وهذه هنا أسفلا هي أغنية الفصل التي كتبها سالفاري على السيجارة 💔

آمل أن يكون الفصل قد أعجبكم ..أعرف أنه كسر قلبكم ..تعيشوا و تاكلوا غيرها  💀

المهم..نلتقي الفصل القادم بحول الله

أحبكم يا رفاق جميعا واحدا بواحد 😭❤


Continue Reading

You'll Also Like

364K 16.7K 43
فتيـات جميلات وليالــي حمـراء وموسيقـى صاخبة يتبعهـا آثار في الجسـد والـروح واجسـاد متهالكـة في النهـار! عـن رجـال تركوا خلفهم مبادئهم وكراماتهم وأنس...
606K 5.5K 32
شعرت بأن هناك شيئًا غير صحيح ، ولكن في تلك اللحظة ، بدا الأمر طبيعيًا. كانت الرغبات الشديدة، والأهواء، والمشاعر الدافئة التي اضطربت داخلي تعتم على حب...
1M 64.6K 103
" فرحات عبد الرحمن" شاب يعمل وكيل نيابة ويعاني من مرض اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع مع ارتباط وثيق باضطراب النرجسية مما يجعله ينقاد نحو كل شيء معاك...
39.8K 3.8K 16
كانت فتاة ملحدة تعاني من الاكتئاب ..... و كان هو الطالب الملتزم الذي يرتل القرآن في المدرج كل صباح . " صِف لي دينك في كلمتين " " صراطٌ مستقيم "