لا تحملني خطا ما هو خطاي..لو...

By rw_suhad

1.2M 11.9K 249K

وعيونك هذه جمر، لابد ستنطفئ. فهيَّا غادر الآن. غادر وأنت مشع. غادر وأنا أبكي غادر قبل الغروب، قبل أن يحل اللي... More

المقدمة
الفصل الأول
الشخصيات
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون (الجزء الأول)
الفصل العشرون (الجزء الثاني)
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون
الفصل الحادي والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السادس والثلاثون
الفصل السابع والثلاثون (الجزء الأول)
الفصل السابع والثلاثون (الفصل الثاني)
الفصل الثامن والثلاثون
الفصل التاسع والثلاثون
الفصل الاربعون
الفصل الثاني والاربعون
الفصل الثالث والاربعون
الفصل الرابع والاربعون
الفصل الخامس والأربعون (الجزء الأول)
الفصل الخامس والاربعون (الجزء الثاني)
الفصل السادس والاربعون (الجزء الأول)
الفصل السادس والاربعون (الجزء الثاني)
الفصل السابع والاربعون
الفصل الثامن والاربعون (الجزء الأول)
الفصل الثامن والاربعون (الجزء الثاني)
الفصل التاسع والاربعون (الجزء الأول)
الفصل التاسع والاربعون (الجزء الثاني)
الفصل الخمسون
الفصل الحادي والخمسون (الجزء الأول)
الفصل الحادي والخمسون (الجزء الثاني)
النهاية

الفصل الحادي والاربعون

25.8K 239 50.2K
By rw_suhad



"بداية السقطة عثرة"

فرجت عن كفها أمام عينيه لتلقي عليه بظرفيّ حبوب كانت قد حذفتها باستصغار صوبه ولم تزل عينيها عنه كتحدي، كالتقاط لنظراته كما كان يلقي على مسامعها خبر زواجه.. ككل دموع البؤس والنياح.. ابتسمت باستحقار وتشفي: ما تسائلت يا الضابط يا مطمع كل الحريم ليش للحين ما حملت منك؟ قلتها لك محمد ما بيجي دام أبوه ما اعتدل ولا ظنتي بيعتدل ولا يهمني أساسا.. اي نعم استخدمهم وتدري من متى؟ عقب ليلة دخلتنا.. ذيك الأيام لما ردينا من الدمام وقلبي ماهو مطمني من ناحيتك.. عقب ما ادخلت عطيتك حياتنا وعرفت إنك ما تستاهل تصير أبو لولدي.. وصدقني أكثر معروف سويته في حياتي إني تمنعت عن رغبتي في الأمومة.. لكن ذا كله من الماضي ونا حاضري يبو خالد هو انفصالي عنك.. ماراح اتكلم فيه كثر ما تكلموا عيال عمي.. بس ما هان علي تقبل على مجلسنا وما اشوفك مصدوم وأنت مستغقل بالضبط مثل الحين.. وصدقني الود ودي اتغطى عنك مثلك مثل أي رجال في الشارع بس لا.. ابيك تشوفني ونا متشفية فيك.. مثل ما شفتني مكسورة عقب زواجك علي.. كادت أن تكمل إلا أنها رجفت شفتها بلا قدرة لها.. قوة كلماتها لامست أطرافها.. هزت مكامن وجدانها.. وراجة عينيها أن تكف دموعها.. ناشدتها لا تدمع.. اغمضت كي لا تفيض الا أن هتونها افاضت.. عقدت إبتسامة على وسع، فزاد معالم الجرح متخلل سماتها، وراحت تمسح ببطء واسهاب.. وهي تحدق فيه: هالدموع اللي ذرفتها.. تخالف احاسيس ما سبقها من دمع.. مب أنا اللي اطعن في الظهر.. لا تربيتي ولا شخصي يتوافق مع فعلتي.. بس حدني زماني.. شفت هالبزر وش سوت فيك.. يالله ما عليك امر ارمي علي اليمين.. صدقني تستاهل وحده تحشمك وتقدر وجودك في حياتها.. وما تقول الا سمّ وابشر.. ما هن بناقصات العقول اللي على كل كلمة تعلك!
ذكرت آخر كلماتها بسخرية جلية تقصدت أن تشكلها على محياها.. أخفت عنه حزنها متعمدة.. رغم توجعها ما بانا.. أخفت كسرًا في الفؤاد ببسمةٍ.. عمن تحب كأنه ما كانا.. وفي صدرها بكاء الملكوم.. يذرف صرخات ونياحًا! فكيف بالكتمانا!
كصب المستهام.. عيونه لا تزيح من عليها.. تعرفه كيف يخفي جموح غضبه، وما ينهجه من تصرفات تتناسب مع مقام شخصه.. وهذا ما لا تتمناه، تريد إشعال فتيل اعصابه.. حتى تخرج اسوأ ما فيه! ولكنه ضابط رفيع الشأن في الاستخبارات العامة.. يمكن ان يخفي سير حقيقة انفعالاته.. ما أقساه! عجبًا!، كل إنسانٍ يضفي عليه من آيات المديح ما يضعه في مصاف الانسان الكامل. كلهم يبجلونه، ويعظمونه، ويصفونه بالرجل العادل الذي يرعى الحق، إلا هي، ومن يعرفه أكثر منها! لقد عاشرته زمنًا، وخبرته، وسبرت غور نفسه. وهل في الدنيا أقسى قلبًا منه؟ ألم يذل نفسها، يقهر روحها، ويميت عاطفتها؟ شهور قضتها في كنفه، لم يشعر هذا الرجل الصلف المغرور طوالها أنها امرأة رقيقة تطمح ببصرها الى الحب!
صدمة قد رنت في داخله! وشعر كمن أصيب بطعنةٍ نجلاء في حماطته، يشعر شعور المدنف الذي برح به السقم حتى أشفى.. كيف لها أن تأتي بكل بسالة وترمي استهجانها منه!! لا احد يشهر بتلاعبه امام مرأى عينه! كلهم خلف ظهره يحاولون جاهدين في اطاحته.. ليس لديهم الجراءة والقدرة على الوقوف حياله.. فكيف بالفتاة التي لم يضع كيدها في الحسبان أن تقف بكل هيمنه وتلقي كلمات الاستصغار من سموه! أصبحت خطيرة عليه.. فيها من اللؤم والطعن الذي لم يعهده في النساء.. تتفنن في التبصر في سماته بكل غطرسة.. فنظراتها حازمة لا تلين لعاطفة.. ألم يقولوا "أعلِّمه الرمايةَ كلّ يومٍ.. فلما اشتدّ ساعدُه رماني" انها تبارزه بذات مرادفاته وقوة حضوره.. لا خشية ولا رادع يوقفها!
فكل رجلٍ شريفٍ لا يغضي عن إهانة بل يكيل الإهانة لسواه في غير تحرج أو تردد... ورأى أن لا محيص من الوصول الى قرار سريع، فهز رأسه ببطء.. واجمع فكره فقال بحزمٍ ووضوح: ماني مواخذك ولاني معاتبك.. فعلتك هذي تدل على ضيق فكرك.. تبين تبارزين بها انسان وأنتِ غلطتك شملت شرع ودين! استغفري ربك واطلبي المغفرة والسماح.. ما يحدنا الزمن ونغلط في الشرع.. ان كان غلطتي في مشاعر فغلطتك اكبر واعظم!
إنه ينتقم.. ينتقم.. وهذه سجيته.. وهذا طبعه! وكان شأنها شأن المغلوب، المقهور، المغلول اليدين، المشلول الحركة، الذي يتمرد ولا يجهر بتمرده، ويعصي ولا يعلن العصيان.. إنه اللؤم المتجسم.
قالت بحدة وهي ترفع اصبع سبابتها بانفعال قد اظهر علنًا: غلطتك هالحين صارت بسيطة! وكسر الخواطر امره هين! أنت كذبت ونافقت وعودك.. وكم من كلمة اردفت بها قدامي.. اطلعت مشاعرك كلها زيف ووهم!
-ما اخلفت شين مما ذكرتيه.. مادامنا في مسرح الحياة.. فحنا معرضين لأمور خارجة عن الإطار.. ونسحب كلمة اردفت بها ألسنتنا.. قولنا مهب قرآن لجل يبقى صامد وثابت.. ان حدك زمانك على مخالفة الشرع.. أنا حدني على قبول العطية.. ما هب عيب الاعتراف بالغلط.. العيب أن تصد وانت غلطان.
هزت رأسها بقلة حيلة.. وبسمة اغتصبت ملامحها المكدرة: هالحين صار الغلط راكبني من ساسي لراسي! يا قوة وحزم منطوقك.. تعرف تصف الكلام صف.. هو صحيح انك غلبتني في النقاش كما دايم.. بس ما راح تفوز فيني.. ماني حي الله بنت. ثم أكملت بإقدام بعد فينة: طلقني.
أخذ انفاس عميقة.. وهو ينكس عصاته.. اقترب منها ولم تتراجع.. بل بقيت متململه مكانها.. ابعد حجابها ليظهر منتصف شعرها، فأسقط على كتوفها.. انسلت بعض خصلاتها على معالمها.. وقال بينما كان يكمل بفتح الازرار العلوية للعباءة: ماهي بقطعة قماش تمحي اسمي اللي تحملينه.. قولي أبو خالد.. مشعل.. ولد آل مسفر.. مجرد أسماء اعتز بها.. ما هب محرزه يا تاج تنسفين ملكيتي لك.. وانا رجال ما اتنازل عن حقي.. اخذه اخذه لو الجميع وقف ضدي.. هذا هو نهجي.. ومسامحه يا اخت محمد امسامحه على غلط اقترفتيه في حق نفسك اولًا ثم في حقي.
وكان مع كل ما يقوله ويقوم به.. يزيد أكثر في تشويه داخلها.. جاحظة العينين.. لم ترمش مأخوذه بوقع كلماته.. هل يعقل بأن الحق اصبح معه بدلًا عليه! زادت توسع حدقيتيها وهي تراه يعدل نسفة غترته.. ثم قال بإيجاز دون أن ينظر لها: امكثي في بيت عمك فترة.. لين اعود واخذك.. يالله فمان الله.. انتبهي على نفسك زين. اقترب منها طابع قبلة على جبينها.. وهمس: استودعتك الله.
خرج برأس مرفوع وقوة معهوده منه.. لم تحصل على مبتغاها.. أنه في كل ما يفعله.. يرفع شأن نفسه اولًا.. ويحتكم للرأي السديد، فلا يجعلك أن تأخذ عليه زلة.. إنه يعرض عليها الاستمرار في حياتها الزوجية، وهذا جميلٌ، بيد أن له معنًى خطيرًا، ومعناه اختيار الجحيم وإيثار نار السعير.
تململت واقفه لا تكاد تفقه ما آل اليه الامر.. كسيارة انحرفت عن المسار المخطط له! ان تصبح في ثواني انت الكاذب الاشر! هذا ما لم يكن في الحسبان.
خرج بعد أن ضرب الباب بعصاته.. وهو يقول بنبرة غليظة وعينيه لأسفل: يا ولد.. يا ولد. أكمل سيره بعد أن سمع صوت سعود يخبره بخلو الطريق.
وما أن اشرف على الفناء.. كان يقف سعود وعلى محاذاته أخويه راكان ونايف.. أقترب ماد يده للمصافحه.. قال بولاية واستقواء.. وهو يشد على يد الاخر مشخص البصر: يالله فمان الله.. اشوفكم على خير جميعًا.. ومرتي في حفظ الله.. ثم في عهدتكم.. هقوتي فيكم خير يا عيال سلمان.. لنا جلسة ثانية أن أراد الله.
كانت ملامحهم جامدة تشير الى علامات تعجب من ثقة منطوقه، لم يحاولوا ان يستشفوا ما وراء كلماته.. فمن يسمعها سيعرف مدى واقعيتها.. لا الوقت ولا الموقف يستدعي لمبارزة كلامية.. فلربما تاج أرادت البقاء على ذمته.. فهم رجال حكيمين ذو طابع سليم في اتخاذ موقف الحزم واللين.. اتخذوا موقف المودع للضيف.. غير أن اردف نايف حين هم الاخر بتوديعه وقد كان آخر الصف: حنا احرص عليها من نفسها.. تاج ما تشكي باس وهي بين اخوانها وعزوتها.. ردوا الأمانات الى أهلها.. وأنت رديتها وما قصرت.
ابتسامة طفيفة رسمها على محياه.. فيه من الجبروت الحازم.. والنفوذ الطاحن، فيه من السيادية الناضجة والبارزة في كل ما يفعله من إيماءات وتعابير: حق الملكية باق لا يزول ما بقي الشيء المملوك.. عندك أي اعتراض يا طويل العمر.. هات ما يبرهن ويثبت قولك.. دامها لا تزال حرم مشعل آل مسفر.. فهي في ولايتي وعصمتي.. ويالله يا رجال برخصتكم.. ودعتكم الله في حفظه ورعايته.
وسار بملامح جامدة.. مرتدي النظارات الشمسية.. تخفي اشتداد انظاره.. واحمرارها من انفعال غزا معالمه من تلك المتعسفه عن أوامره.. كيف لها أن تحرمه من طفل أراد ان ينجبه رحمها! كان قد تغاضى عن سؤالها في تأخر انجابها.. وحين لم يُرد إحراجها.. لقد أثار كفة الاعذار عن كفة الاتهام! ولكنها لم تأخذ سكوته عنوةً فقد فضلت الخداع عن الوضوح.. والصد عن الوصال!
تكررت عليه إهانتها له.. في ذات المكان وذات النظرات.. في أول يوم لقياهم، ها هو الزمن يعيد نفسه.. ولكن في ظرفًا آخر ومشاعر معاكسة.. وشد على المقود ينفس عن تلظى استجمعت في صدره.. ففتح ازرار ياقته.. واسرعت عجلات مركبته.. فلم يتنبه على ابواق السيارات المدهوشة من السرعة المهولة.
ولكن يجب أن ينازلها مادامت تعنيه! ولكن عشقه لها بدأ يعيقه عن سداد رأيه وعن مبدأه.. أشعرته على مدار الشهور الذي قضاها بجانبها.. عن عجز قد أفتك خليته في تجميعها وإبقاها تحت سطوته.. إلا أنها تفلت في كُل مرة يعتقد أو يتوقع نجاح خطته.
توقفت مركبته على جانب الطريق بعد قطع مسافات مأهولة لم يشعر على نفسه الا وقد برز له الرمال الكثيبة.. نزع غترته.. وأعاد شعره الأثيث للخلف.. والصمت سيد المكان.. زم شفته ويده تتلاعب بشعيرات ذقنه.. التي بدأت بعضها تكتسب اللون الرمادي.
لقد ركن إلى رأيه، وأيقن أن طريقته تلك هي الطريقة المأمونة، وهذا شأن كل واثقٍ من نفسه، ليغوص في لجةٍ سحيقةٍ لا قرار لها!

****

الماضي

  يوم الجمعة كان المطر يهطل حينها، يروي ارض جافه قاحلة، قبل ثمانية عشر عامًا وفي هذا الوقت من السنة كان الشتاء يحط شباكه على الرياض... يقف منتصب بثوبه الأبيض الذي يربطه على خصره، فوق السطح العلوي لمنزلهم المتواجد في منتصف المزرعة، حيثُ جرت العادة أن يقضون أول ليالي العيد هنا بين النخيل التي تلفح بهوائها الندي، بعيداً عن ضجيج المدينة.. تشير الساعة الآن إلى الثالثة فجرا.. ينظر الى السماء فتسكب قطراتها على وجهه البهي المشرق كالقمر في ضيائه.. يحرق جوفه بسيجارته التي بدأت تتهشم.. من فرط الاستخدام.. رفع حاجبه بدهشه من قطع لحظات اجوائه العليلة التي يخصصها بينه وبين سيجارته لا طرف ثالث.. اثناء ذلك دُفع الباب بهدوء لئلا يصدر صريراً.. كانا يقفان امام الباب بابتسامه جانبية يتشاركان نفس الوضعية وكأنه قد تم القبض عليه ملتبساً. ليصرح ذاك الفتى ذو الخامسة عشر ربيعاً: اجل ما ابي عشا.. طالع ارقد!
ثم أكمل تركي بهزل وهو ينثر شعره المبلول: شكله يمشي وهو نايم.. لا تستاثم فيه!
نثر دخان سيجارته المتكتل، ثم صرح وهو يشير اليهما: تعال انت وياه.
نظرا الى بعضهما ثم سارا باتجاهه، اخرج العلبة ليمد لكل واحد منهما سيجارة: خذوا ولا اسمع حسكم.
سياف: رشوه يعني.. تركي لا تاخذ!
مشعل: عاد اعتبرها مثل ما تبي.. اخلص علي تبي ولا لا؟ كان سيدخلها ولكن سرعان ما تراجع سياف متناولها من انامل الاخر: خلاص امزح...تركي خذ خل نجرب.
أردف مشعل بابتسامة ساخرة على وضعهما المرتبك. ليقول وهو يشعل لهما: اسحبوا نفس عميق بعدها ازفروه.
سياف وهو ينفث رذاذ الدخان كما أخبره مشعل: الله على جوك البطل.. ليه ما دليتني عليه من قبل!
-تخسى لسعك بزر.. ها تركي وين وصلت؟
كح بقوة حين ارتشف الرشفة الأولى، ليقول وهو يحرك يده مبعد تكتل الدخان: وش تحس فيه.. شوي وكنت بنكتم. ثم دهسها بقدمه ليقول الاخر بتسرع: يا ورع معطيك حبه كامله تدعسها بكل برود وهي لسى جديدة.. لعنبو حيك.. كان عطيتني إياها.
-عاد وش دراني!.. المهم سياف بتجلس ولا بتنزل معي؟
ليرد الاخر وهو في اوج اندماجه: خلنا هنا.. والله الكلب جوه عليل...
قاطعه مشعل وهو يسند ظهره على الجدار البارد: وش عندك مستعجل على النزله؟
ليصرح تركي وهو يجلس بجانبه: مدري حسيت أنك تضايقت من جلستنا.
-بو خالد ما يرد أحد.. وأنت تعال اجلس خل نسولف.
بعد أن اسندوا ظهورهم وينظرون الى السماء أمامهم لا نهاية لها، فازدادت تراكمات السحب مغطية القمر.. رياح عاتية بدأت تتهاوى فتحرك شعر رؤوسهم الكثيفة في اتجاه واحد.. نطق تركي بينما يتأمل السماء، وهو يجمع ساقيه، مطوقهما بذراعيه: يقولون إن المطر دلالة العشق الاولى، عشق السماء للأرض.
ليصيح الاخر في استنكار: الله الله!
مشعل بابتسامة وهو ينظر الى تركي المركز حقاً في السماء وكأنه يتأمل كلماته التي خرجت متناغمة مع صوت الرياح العجيج: الواضح أن اخوك يحب.
سياف بابتسامة هازلة وهو يلكز تركي: صدق اللي يقوله مشعل؟
اعتدل في جلسته بينما يلقي نظره يميناً ويساراً، في اتجاههما، سؤاله جاء مربكاً وكأنه لغم وضع في أرض زراعية، سكت لبرهة ثم أجاب بصدق مكنون مشاعره الفياضة: ايه أحب.
-يا ولد أنت يا حركات.. ومن هاللي ماخذه قلب اخونا؟!
يبتسم ويطلق عقله في سماء لا حدود لها، قبل أن يجيب: متفرده عن كل المخاليق.. حتى القمر جنبها ولا شيء.
سياف: احس شوي وبيقط شعر!
تتغير ملامحه الباسمة، فيشعر بالضيق والعجز من أن يفشي مكنون مشاعره الجياشة..
يحاول مشعل إعادته الى الجزء الجميل، بسؤاله: تركي.. البنت حلوة؟
نجحت محاولاته وعادت إليه ابتسامته: حيل.. حيل حلوة!
مشعل: يا ولد!
هز رأسه ليمحو صورتها التي نقلته لعالم آخر لا يراه غيره.
ابتسم مشعل بينما يعيد ترتيب شعره: الله يعينك.

....

كانت تصعد السلالم بتسرع وهي ممسكة بلوح شوكولا، يرفرف شعرها الكستنائي المبلل من المطر الودق، زاد على رجف جسدها البارد شعور الخوف الذي تملكها بعد أن كانت تسير في طريق مغلق الانوار، حين قام مشعل بإغلاقها حتى لا يعلم أحد بمكانه... افلجت باب السطح بكلتا يديها الصغيرة، فحين دخلت التفت الجميع إليها.. لتقول بتسرع بينما تلعق شفتيها المحمرة ككرزة: مشعل.. عمي خالد يبيك.
كان يتأملها بكل شغف لا تعلم بأنه كان يقصدها، يعترف بإحساسه في أعماق قلبه وأضلاع صدره. 
-وش يبي؟
رفعت كتفيها بعدم دراية: مدري. التفتت الى صوت سياف: شوشو تعالي.. وش تاكلين؟
رفعت يدها بلوح الشوكولا، ليرد وهو يشير بيده: طيب تعالي.
سارت الى مكانهما وهي ترفع شعرها الساقط على عينيها.. ناولته الشوكولا، بينما تقول: خذه ما ابيه.
تركي بابتسامة مهذبه: اجلسي معنا.
هزت رأسها نافيه: عمة نورة تقول لا تجلسين مع الأولاد.
تركي: شاطرة شذاوي.
مشعل بينما يتناول قطعة من العلكة حتى يخفي رائحة التبغ الملتصقة به: يالله سلام.. سار باتجاه الباب، التفت حين سمع صوتها الخافض الهادئ: لحظة بنزل معك.
قال حين لمح ملامح الخوف تكسو ملامحها وهم يهبطون السلالم: وش فيك يالشوش.. وش منه خايفة؟
-عبود يخوفنا بالقطوه اللي معاه. صمتت وهي تنزل درجة.. درجة بكل حذر، لديها فوبيا من الأماكن المرتفعة والمظلمة.. قالت بينما تنظر الى خطواتها بحذر: مشعل.. عادي امسك يدك؟
شد على كفها وهو يخلل أصابعه بأصابع يدها الصغيرة: تدرين يا يالشوش وش يقول عبده عنك؟
تبسمت بطفولية وهي تنظر الى ملامحه الغير واضحة لها: وش يقول؟
أردف بها بطريقة نثرية بنبرته المهيبة المميزة: يا شذا نبت الخزامى في وطاه..  قلت زاهي بوجنتك زهر النبات قالت إن الرمش يجرح لي صفاها.. تجرح الظلما عيون ناعسات.
قهقهت بخفه على استحياء.. ليكمل: اسمك حلو شذى.
-شكراً.
-ما فيه أنت كمان!.. ثم أكمل بسخرية: اسمي شين صح؟
ابتسمت بخفه وقد بدأت تظهر لها انوار ممر الغرف: ما يعجبني اسمك.
-افا.. اجل وش الأسماء اللي تعجبك؟
ثواني حتى اردفت وكأنها تتذكر: فهد.. ثم صمتت وقالتها بنبرة خجل لم ينتبه عليها مشعل: سياف بعد حلو.
نظر اليها بازدراء: طلع ذوقك مخيس.. أجل سياف حلو.. الحمدلله اسمي مشعل.
أبعدت يدها عن كفه لتقول وهي تتوجه الى غرفة نوم العمة نورة: رايحة اتسبح.
قال بينما يكمل سيره: نعيماً مقدماً.. وقبل أن يصل الغرفة المتواجد بها والده.. أخذ زجاجة من زجاجات العطر المرصوصة على المدخل.. نشر رذاذه بتوزيع ليخفي رائحة السجائر.. حطّت أقدامه الغرفة ليجد خالد يقرأ ورده من القرآن وبمعيّته بندر ذو التاسعة وعشرون عامًا يتلاعب بمسبحته فنظر إليه حين دخل.. اقبل على والده منخفضًا يقبّل رأسه.. ليتوقف خالد عن القراءة بتربص لرائحة التبغ التي وصلته.. رفع رأسه باستنتاج قفز ذهنه وكاد أن ينفعل بالحديث إلا أنه تراجع لما رأى مشعل أمامه.. فاخفى غضبه وتحولت تعابيره إلى الاعتيادية.. قال بنبرة هادئة: وراك ما جهزت؟ ما بقى شيء ويوصلون أبو سفيان وأبو بجاد.. الصلاة في مسجد المزرعة.. وينهم باقي أخوانك؟ تركي وسياف جهزوا؟
أشار إلى بندر بالسلام دون أن يصافحه.. كي لا يكتشف عادته بالتدخين والتي لا يعلمها سوى تركي وسياف للتو.. أجاب والده بلا اهتمام: كله ثوب وشماغ وخلصنا.. ابشر الحين بنلبس.. تبي شيء ثاني؟
هز رأسه برضا: سلامتك وبارك الله فيك.. بلّغ أخوانك وتعالوا المجلس الكبير بنستقبل عيال عمي هناك.
حين خرج مشعل.. التفت بندر الذي قدم اليوم إلى المزرعة حيث أنه كان في سفرة خارج البلاد برفقة عروسه الجديدة.. قال بتساؤل: ما شميت ريحته؟ مشعل يدخن!
رد بلا معرفة مفتعلة أثناء وقوفه: يتهيأ لك ونا أبوك..
قاطعه بندر بيقين: بلى متأكد.. ريحته وصلتني شلون أنت وهو يحب راسك! معقولة ما شميته ولا مزكم يالشيخ؟ قالها بنبرة هازئة متعمدًا إحراج والده الذي دائما ما يتغاضى عن عثرات مشعل.
رمقه بنظرة أسكتته متجهًا صوب الباب: ايه مزكم ما اشم زين.. أقول قم معي.. الله يذكرها بالخير اللي كانت تصفقك ومهجدة لسانك.

....

عقب صلاة العيد تزايدت أعداد السيارت في مواقف المزرعة.. فاجتمع خالد مع أبناء عمومته في مزرعته الخاصة.. حيث سيتناولون وجبة الإفطار في ضيافته ثم يتوجه الرجال إلى مجلس قبيلة آل مسفر ليستقبل خالد المهنئين من كافة المناطق.. خارجًا في ساحة المزرعة وقف متوسطًا أبو بجاد وأبو سفيان ليعتلي صوته بفخر فصمت الحضور لكلماته.. رفع يده وفي قبضته مفتاح سيارة بي ام دبليو: قدامكم يا الوجيه الغانمة.. هذا مفتاح لهالسيارة اللي قدامكم.. قسم بالله انها من الوكالة بقراطيسها.. جبتها لجل حافظ كتاب الله الكريم.. ولدي وولدكم وأخوكم يا عيال تسمعوني؟ عبدالإله ما شاء الله عليه ختّم حفظ المصحف الشريف في شهر رمضان.. خير شهور السنة.. والله يبارك فيه وفيكم جميعا وجعلنا كلنا نقتدي به ونسير على دربه.. تعال يالشيخ استلم مفتاحك.. وحطيت لك سايق خاص لك.. لين الله يكتب لك وتسوقها أنت بنفسك.
تحدث أبو بجاد باعتزاز: هذي التربية المثمرة ونعم الولد والله يا خالد.. جعلنا وعيالنا من حفظة كتاب الله.. باكر كلكم معزومين على شرف أبو خالد.. توقف حين سمع صوت عبدالإله المغلظ بخشونة: أنا أبو مصعب على اسم جد أبوي الله يرحمه.
تبسم لهذا الصغير ذو الحادية عشر عامًا.. فأكمل كلماته: اقديت في جد أبوك وجدي بعد.. أجل كلكم معزومين على شرف الشيخ أبو مصعب.. وهديته مني مفاجأة مانيب كاشفها إلا باكر.
قال أبو سفيان بنبرة هادئة تلائم شخصيته المثقفة: ما يغلى مالي عليك يا عبود.. ان رجعت من سفرتي بجيب لك معي هدية يحبها قلبك.. والمعذرة من الآن يبو بجاد تدري باكر بسافر الصين.. نجتمع بالأفراح يا عيال العم.
اومأ خالد بتأكيد وهو يرحب بهم في مجلسه: على خير يالدكتور.. تفضلوا ارحبوا زارتنا البركة.

****

متسطحه فوق الاريكة.. تتلاعب بالسلسال المتدلى على نحرها.. وعيونها متوقفه على زاوية الغرفة، تستمع الى شكوى اختها من أفعال طليق ابنتها.. هزت رأسها ببطء مدركة طباع ابن اخيها، إنه شخص طائش، من محبين اللهو والتسيف عن حس المسؤولية.. ذا هفوات وفرط.. جمجمت بعد أن ران اليها بحة البكاء المكتنزة نبرة أطياف: يا خيتي وش بلاك.. والله لو أنه ينحط على يمناك ما عتبت على دميعاتك لكن ولد حسناء! يخسي ما بقى الا هو نصيح عليه.. امسحي دميعاتك لا تخلين بنتك تشهد عليها.. لا تفطرين قلبها الله يصلحك.
من بين تنشيقات أطياف.. ودموعها التي خارت من محاجرها فساحت على خديها: وش اسوي يا أحلام.. من قهر ما فيني.. قلبي على بنتي اللي اطلعت حامل.. والنجس اول ما طلقها اعرس على سكرتيرته.. تقول لك كان يسافر معها بلحالهم وسحر على ذمته.. قلت لها يمه ليه ما علمتيني ليه ساكته كل هالمدة.. قالت حابسني ما يخليني حتى امسك الجوال.. حسبي الله ونعم الوكيل فيهم يارب ما يتهنون.. الله يوريني فيهم يوم..ذولي اهل يا أحلام! وينه صقر عن ولده ولا فالح يتقصى علوم اخواته الحريم.. ما شفنا له كلمه عقب سوات ولده! ولحد جا منهم يشوف سحر وش تبي وش ما تبي.. لكن والله ماني مسامحه بجلس ليل نهار ادعي عليهم.. حرقة قلبي على بنتي ما تطفيها محيطات.
-سحر يا ام سحر.. ما تبي منك الا أن تشدين ازرها.. وتقوين شوكتها.. ماهي محتاجه سؤال عن الحال.. سافري مع بنتك.. هيصوا.. تونسوا.. اللي تتطلق من هالشاكلات.. المفروض تحمد ربها وتشكره ليل نهار انه طلع من حياتها.. بس أنتِ نكدية وتهوين النكد والتشكي.. ولا احد يزعل على حمال بنته! بالعكس الضنى نعمة وبركة من الرحمن.. وأول حفيد لك يا نظر عيني.. طيوف لا تحديني أقول كلامن شين عنك.. سفريها عند اخوانها لا بارك الله في ابليس.
وتنفست الصعداء، وغاب عن بالها القلق الذي كان يطوف في مخيلتها، بعد أن اعدلت عن فكرها، ورقت لفكر أختها: اخوانها جايين هالاسبوع.. كود يغيرون جونا.
-صدق والله.. يا حي ويا سهلا.. اجل جايه..
قاطعتها أطياف بنبرة تختلف عما قبل.. فيها من التحذير المبطن: وش قلنا يا أحلام.. اقضبي ارضك لا تعتبين الشرقية الا ورجلك على رجل بعلك.. لو ابوي رحمة الله عليه يقوم من قبره لا تجين بلا مشعل.. ولا يهمك انا وعيالي بنجيك برسم الخدمه.. بس أنتِ اجلسي في بيتك.. بعدين تعالي مرته للحين عند أهلها؟!
فهزت كتفيها وأجابت بقلة اكتراث.. وهتفت، وهي لا تزال تعبث بشعرها: ايه باقي.. ولا يهمني.. المهم اني جايه لجل اودع ولدي قبل لا يسافر.. واشوف عيالك.. ومنها اشرف على شغلي..
وللمرة الثانية بترت حديثها بتسرع، وما لبثت أن قالت بصوتٍ خفيض: حلومه هقوتي فيك ذكية.. حلالك فيه من يحفظه لك.. بس اللي عندك محدن بيحفظه لك.. دامها للحين على ذمته فهي تهمك الا أن صرتي فطينة وكوشتي على حبيب الفؤاد حزتها ما عليك وما على الناس منك.. سامعتني ايه خليك جالسة مكانك وادعي ان ربك يسخره لك.
وتريثت مجفلة.. وتلاشى من عينيها بريق التهكم، وأطرقت متأملة متفكرة.. وقبل أن تنطق ما عتم على فكرها.. حتى ران اليها كحته التي أصبحت تلازمه منذُ ثلاثة أيام.. فطفقت قائلة: وهذا حلالي وصل.. رايحه اشوفه عاد هالايام نفسيته قشرا ولا يتحاكى.. دوم معصب.
-انتبهي على نفسك وبيتك.. حطي ولد الشيخ في عيونك يستاهل مشعل كل خير.. وأنتِ خير ونعم له.. ويالله سلمي لي عليه.. وتصبحين على خير يا حبيبة خيتك.
تبسمت ناهضة، وتعيد ترتيب شعرها.. وأكمام ثوبها: يوصل.. وأنتِ بعد سلمي لي على سحوري.. والعيال ان كلمتيهم.. يالله مع السلامة.
وقبل أن تذلف الى مضجعهما.. وقفت أمام المرآة الطويلة لازمة الحائط.. وأخذت تنظر إلى نفسها بتمهل وإعجاب من مظهرها، بل ثقة متولدة داخلها من جمالية حسنها البديع.. فسبحان من خلق الإنسان كامل الاوصاف وجمله في أعدل صورة.. وسارت بخطواتها السريعة والمعهودة من شخصها، وبيدها تحمل هاتفها.. وكان وجهها يتألق ويتوهج.. وحين اشرعت بدخول غرفة النوم.. رسمت إبتسامة وهي تلقي عينيها عليه.. وما استوضحته من جلسته بثوبه الأبيض، بلا شماغ.. فوق السرير، شارد اللب.. مركز في الأرضية بحدق.. ولكنها تقدمت جهته، فقد اعتادت على تقلبات مزاجه هذه الأيام.. وما عتمت حتى قالت وهي تقف أمامه.. راسمه إبتسامة صافية على محياها: مساك الله بالخير يا وجه الخير.. اخليهم يزهبون العشـ.. ولم تكمل قولها بدهشة وريب من تصرفه، حين أبعد يدها أثناء محاولتها بالتمهيد على شعره.. ولا يزال يمسك بمعصمها، وما تركه إلا ان قال: اتركيني وحدي.
وتأملت اسارير وجهه، وحاولت أن تستشف حقيقة وضعه. إلا أنه عنى ما قاله.
ولكن سريعًا ما علت تلك الإبتسامة الطفيفة على ثغرها المزين بحمرة الشفاه: افا يا شيخي.. وش فيه وجهك قالب هاللون.. لعنبو من كدر خاطرك..
وفصمت كلماتها حين ران اليها صوته الاجش والحاد في توجيه الأوامر: هاتي ملابس النوم.. واطلعي.. صوتك مزعج.
واغتصبت ببسمة شقية: الله اكبرعليك.. صوتي اصبح مزعج! بس تهون وتمون.. مرخص كل غالي من غلاه.. قالها ابن سهل.. لما رآني في هواه متيما.. عرف الحبيب مقامه فتدللا.. وأنت يا مشعلي عرفت مكانتك في هالقليب وزدت طغيان وتمرد.. ويل حالك يا حلوم. قهقهت بخفه وشقاوة.. حين وقف قابض على عضدها.. وأصابع يده تخللت داخل شعرها فشد عليه بخفة: أخلاقي في خشمي.. لا تحديني انزل كل ما بي فيك.. ابعدي من قدام خلقتي.. لا افصل عليك.. ولا ابقي فيك عظم صاحي.
-وي.. وي.. خلاص يا مشعل.. صدق ما يتحاكى معك.. ونا اللي اشعر واتغزل فيك..
بتر كلماتها محذر: ام مشعل!
على عجل أفرجت كفها على فاهه، مانعته من الإكمال: دام فيها ام مشعل اجل الزعل كايد.. بروح قبل لا يطول الموضوع وكل واحد يقضب غرفة ينوم فيها.. ابعد جعلني فداك.. بجيب لك لبس النوم.. وبمسج لك جسمك.. ها وش رايك في حلومتك! محدن يوصل لها.
طأطأ رأسه بقلة حيله: لا حولا ولا قوة الا بالله.
قالت بغنج ونبرة ضاحكة.. وهي تحيط عنقه بذراعها، والأخرى منفرجة على صدره: يا برى حال حلومتك من نفسيتك القشرا.. وحاجبك هاللي ترفعه.. وشو له تزعل وتضيق.. وحضن وليفك يحمل عنك كل ضيقه وتنفيسه.
حدق في عيونها.. وملامحه لا تلين لعاطفة.. فأبتعدت عنه ولا تزال الابتسامة عالقة على فاهها: ابشر هالحين اجيب لك البيجامة.
وما أن ابتعدت حتى.. سار للتسريحة.. ينزع ساعته.. وأخذ يتأمل شعيرات ذقنه، الذي أخذ اللون الرمادي بالانتشار بطريقة غير معهودة.. ها هي تأكد قوة تأثيرها عليه.. على مدار الأيام وفكره متوقف عليها.. استبدت جميع حصونه ونسفتها.. ولكنه قائد عنيد لا يرفع راية الإستسلام بل يفضل الموت عليه.. ومهما كان كامن استفحاله إلا أن النفس تدرك عجزها.
وتراءى له أن قواه التي كانت في الماضي موزعة مبددة مشتتة، قد تآلفت الآن وتجمعت، واتجهت إلى ناحيةٍ واحدةٍ، إلى هدفٍ فردٍ.
فهو لم يؤمن بهذا بعد، أو ان صح التعبير هو ذا كبرياء باسق ينكر كل شائبة قد تشوش عليه تقلبات مشاعره.. ذلك ان تأثيرها الذي أحدثته في قلبه وشعوره سبب له ثغرات عوز وعناء.
ألا تحول شكيمته بينه وبين المرأة التي غزت قلبه في لحظةٍ خاطفةٍ؟
تقصى أخبارها وعلم بأنها اجتازت الاختبارات النصفية للجامعة ببراعة ومهارة.. فقد نالت على درجات عالية.. وهي عند حسن ظنه في قوة ذكائها.. إنها فتاته مهما حاولت التملص تبقى تحت قبضته.. ذلك لأنه يريدها وما أراد شيئًا إلا وناله.. شرط أن يناله كبيرًا.. سيهزمها وينتشل كل حقٍ له.. هو ملك متجبر غير عادل فيما يخص نسائه.. وهي وقفت أمامه بكل بسالة ومبارزة.. أصبحت تشابهة وهذا ما عكر مزاجه وازعجه.
ولم يشعر الا بصوت أحلام المبحوح: هاك يا شيخي.
تناول لباس النوم.. مبتعد دون أن يلقي نظرة عليها.. فخرج من الجناح كامل.. قطبت حاجبيها، وفقد وجهها تلك المسحة الواضحة من البشاشة، وكأنه الشمس تحتجب خلف غيمةٍ.
وتمتمت بجفا بصوتٍ خفيض، مدركه لما يدور في خلده: حسبي الله على اللي كدر صفوك.. جعله ما يسلم.

****

قصر الشيخ خالد آل مسفر - قسم المها - 

بعد وجبة غداء خفيفة تناولها خالد برفقة زوجاته، أخته نورة وابنه بندر.. هاهو يحتسي شاي البابونج في إحدى الحجرات الداخلية لقسم زوجته المها.. فيما كُنّ زوجاته متواجدات في الصالة المطلة مباشرة على الحديقة.. يحاذيه بندر وبجانبه نورة.. كانت غرفة متوسطة المساحة.. يسودها اللون النيلي القاتم يتخلله اللون الرمادي فيعطي شعورًا هادئًا، ذهنًا صافيًا وخيالًا ملهمًا.. ثلاثة مناضد رخامية بذات الحجم واختلاف المسافات.. متزينة جدران الحجرة بلوحات من الطبيعة من إعداد ابنته هتون. ابتسمت نورة بفخر فيما كان أخيها يثني على ابنها بمشاركة بندر.. اعتدلت بجلستها منصته لكلماته بترحيب: فيصل رجال وهذا المهم صحيح إنه حياوي ولا ينسمع له صوت لكن حاله حال نفسه ووقت الشدايد أكيد إنه موجود.. الله يبارك لك فيه يا نورة.
تبسم لعمته مؤكدًا على حديث والده: فيصل قعدت معه في ملكة مشاري وفهمت وش هو وشلون يفكر لا ما شاء الله مبين عليه كفو ودربه سالك.
تحدثت باستحياء لكلماتهم بينما تتلاعب بالفنجان بين قبضتها وتعتلي ملامحها بشاشة: ما عليكم زود والله يحفظ لكم عيالكم ويبارك فيهم.
التفت إلى والده لما نادى عليه: سم يا طويل العمر؟
-خلك قريب من ولد عمتك وعاونه كان يبي شيء.. سمعت انه بيفتح له مشروع صغير.. وأنت ما شاء الله واصل توزن الأمور وتحسنها.
اومأ موافقًا:  يبشر فيصل بكل خير.. وعلى طاري الشغل.. أنا وأبو سلطان بندخل شراكة كلمني قبل فترة والصراحة ما فضيت عشان ملكة العيال.. لكن الحين بنبدأ والله يوفق.
وضعت كفها على أخيها بعطف تلقائي وعينيها على بندر: منهو أبو سلطان؟
-ذياب رجل زين!
سانده والده برضا: خير من تشاركه يا أبو مشاري.
قهقهت بخفة حين تذكرت مستقطعة حديثهم عن العمل: وينه العريس ما شفناه عقب الملكة.. ذابحنا اخطبوا لي رؤى وهذي هي صارت مرته ولا عاد شفنا حتى غبرته.
تراجع متساند على الكنبة ممددًا ذراعيه بأريحية: قلت له يقعد لين تخلص أمه تحاليل عشان العملية.
أكملت باعتراض: ما تشوف شر أم مشاري لكن عمليتها ماهي خطيرة والحمدلله.. عزتي لبنت علياء تحتري عريسها اللي شرد ولزم الخرج.
تبسم لوالده من كلمات نورة التي عادة ما تتصف بالتهور والتسرع: ما عليه ملحق بالخير على رؤى.. هذي أمه مالها غيره الله يحفظها له.
اعتلى صوته بتأييد كامل لبندر: ما خبت يابو مشاري زين تسوي.. توقف بصمت مباغت فالتفت هو والبقية صوب باب الغرفة التي أطلت تلك بكامل حجابها لا يظهر منها سوى عينيها وكفّيها.. في ظهور غير مسبوق لأحدٍ من العاملات.. عادةً ما تطلب الإذن منهم رئيسة الخدم شمّة لتقابلهم ولم تعهد أي عاملة غيرها بمقابلة الشيخ خالد أو أبنائه.
حين وطأت قدميها المرتجفة عتبة الغرفة، صُمّت أذنيها عن محيطها وتقطعت أنفاسها بهيجان وركود مخيف.. رغم قوتها التي امتطتها أمام ملك وضغينتها المتشبثة بها، إلا أن تواجدها بوضع كهذا أمام الشيخ أو أحدٍ من رواد هذا القصر.. يلزمها أشواط من التمكن والاستطاعة لتجتاز مخاوفها.. لفحتها برودة زادت من خفقان قلبها واحمرت وجنتيها وكلمات نورة الآمرة تقع على مسامعها: ارجعي يا بنت كان تبون شيء كلمي شمّة.. ودخولك بدون استئذان بتتحاسبين عليه.. الدنيا ماهي فوضى.. سامعة وش قلت؟
شخّصت بصريها بحدة على الأرض لم تتجرأ أن ترفعها بأعين المتواجدين.. هنا يظهر الاختلاف والتباين.. هنا تتحدث الطبقات.. فلا صوت يعلو على السيادة بحضرة المتسيدين -مع كامل الأسف والعزاء لأولئك البسطاء-.. نطقت بصوت شبه متوسط متكسر بتردد وإذعان: اب..يك يال...شيخ.
علا صوتها قليلًا بتعجب من تجاهل أوامرها: ارجعي و...
أشار لها خالد بالتمهل ونظراته على هذه العاملة، باهتزاز جسدها الراجف وصوتها الخائر، ظنّ أنّ أذىً لحق بها في حدود قصره.. لم يكن باله ذهب لحد الحقيقة المتسترة على لسان قولها.. كيف له أن يتوقع مرارة بلذاعة تلك الحادثة، لربما معضلة واجهتها وبحاجة مساعدته.. استطرد بتطمين لمخاوفها وصوت لا يخلو من الجمود.. بطبيعته صلبًا لا يتقاعس ولا يتساهل مع أمور بيته وشأنه الخاص: مرتن ثانية ما بينا إلا عمتك شمّة.. احكي وش جرالك يا بنت؟ 
نزاعات شديدة تقفز على أوتار صوتها بالرغم من بصيص الطمأنينة الذي جثى على ضفاف صدرها.. كان في كلماته إغاثة لندائها الموجع، فهل سيأخذ بيدها ليبدد مخاوف تلك الحائرة، الغارقة بأحزانها وظلمات أحلامها المتناثرة بفعل ابنه، شدّت على أعصابها بتردد وسكون المكان يضاعف الانهيارات بداخلها.. قفزت صورة ملك إلى ذاكرتها بذات اللحظة وكأنما تدفعها للاقدام، للافصاح، لنفث الحقيقة وكشف الستار.. لم يعد ما تخشاه عقب فصحها لأمر صديقتها.. موقنة بإبعادها النهائي عن القصر الذي قدمت إليه منذ سبع سنوات.. هذا القصر الذي جمعها مع كُثر يشبهنها بالمصير ذاته، والألم نفسه.. الغربة والوحشة واللا انتماء.. رفعت رأسها فوقعت عينيها على خالد وبجانبه نورة.. متحاشية نظرات بندر الذي لم تتمكن حتى من النظر إليه.. لا يسعها الآن سوى بزم الاعتراف والابعاد، نعم الابعاد لا المغادرة.. فهي بالطبع ستفارق هذا المكان قِسرًا.. اتهام شنيع كهذا لن يكن بالأمر الهيّن على أصحاب القصر.. نطقت بصعوبة ونبرة هزيلة: يالشيخ أختي في وجهك.. تكفى لا ترد وجعها بوجع.. صابها الظلم في بيتك يالشيخ.. داخلة على الله ثم عليك ترد لها حقها وتستر عليها.. ما نبي إلا الستر.. الستر اللي نزعه ولدك...
حينما كانت تتحدث بملاحقة لكلماتها وفضّ الشكوى قبل أن يستوقفها أحدًا منهم.. تشدهت ملامحه بتعابير منذهلة لشكواها.. حتى استوقفته كلمتها الأخيرة فعلا صوته بارتياع: وقفي يا بنت وش تقولين؟ أخواني ما يدخلون عليكن صاحية أنتِ لحكيك؟
تابعت نورة بتهجم بان على كلماتها: الله يستر عليك امشي اطلعي لا تجيبين لنفسك وصديقتك المشاكل.. اعتلى صوتها بخوف على أخيها الساكن وعينيها ترسل شرر لمريم: اليوم شمّة بترجعك أنتِ وصديقتك للدار.. لا بارك الله فيكن كان وحدة منكن بتشوه صورة أخوي وعياله.. اطلعي الحين بنخلص أوراقك...
اومأت بنفي صارم وهنا استبانت الحجة لها والثقة بفعلتها.. اشتد صوتها في غلظته وزادت بسالةً حين رأت نظرات خالد المائلة للصدمة بصمت قاتم: مانيب طالعة إلا عقب ما اقول اللي في خاطري.. بتطردوني؟ ادري لكن يهون كل شيء عند ملك.. سامع يالشيخ؟ ملك هالضعيفة اليتيمة.. اللي ساح دمها وبغت تموت من فعايل ولدك.. هالأمانة اللي بتتعلق برقبتك يوم القيامة.. تسألك بأي ذنب ضاع شرفها..
وقفت نورة بصدمة وعينيها تتفحص أخيها وبندر بجزع.. فُجعت لحديث هذه العاملة.. لم تنوِ البقاء حيث قدميها أبتا حملها إلا بصعوبة.. إلا أنها التفتت على صوت بندر المنقذ لتساؤلاتها، قال مستفسرًا بنبرة حامية: كملي كلامك باختصار وش حصل؟ وانتبهي تكذبين في كلمة وحدة بس.. اللي تقولينه مب هين ويمين بالله لو تبليتي ان عقابك عسير.
رجفت أطرافها لنبرته الباعثة على الاختلال.. أخفضت رأسها بقلق تسلل مداخل قلبها.. أكملت مستجمعة قواها حين لمحت نظرات خالد الهاوية التائهة بعجز واضح متيقنة أنها ستصل مبتغاها.. فوجهت كلماتها لبندر بخضوع وخشية: أخوك يا ولد الشيخ اغتصب العاملة ملك..
هنا صاحت نورة بصوت متهدج ونياح لم تكبته بجدارة.. كانت تهوّل باسترسال وخطواتها تأخذها لخارج الغرفة تقمع أذنيها عن سماع باقي الحقيقة: الله اكبر عليك حسبي الله ونعم الوكيل.. يالله ألطف بنا.. يالله ألطف بأخوي.. حسبي الله..

....

الصالة الأرضية من قسم المها
تجلس المها متوسطة الحضور ومنتصفة الكنبة الكريمية التي لم يجلس عليها سواها والبشاشة تعتمر محياها، ضرائرها هذه المرة في ضيافتها.. انضمت إليهن علياء للتو.. لم يكن شيئا حافلًا أو جديرًا بالذكر بل إنها عادة أسبوعية تحصل في أحد أقسام الزوجات.. تجلس على الكنبة الفردية العنود وعلى الأخرى شيخة.. سحاب وبجانبها علياء على ذات المقعد.. قالت شيخة حين انتهت من مكالمتها: علوش يمه كلمي رؤى ترد على اتصالات مشاري.. يقول يتصل عليها وما ترد ولا تقفل جوالها.
ردت بلا اهتمام: خليهم يمه يصطفلون اثنينهم مع بعض.. هو قاضب الخرج عيى يجي وهي تعانده.. لا اجتمعوا بيطخون.
تحدثت العنود بدعم: تحصلين مشاري غث بنتك وعيت ترد عليه.. أعرفه ولد بندر مزعج ما خرب ولدي إلا هو.
ردت المها بغرض عناد ضرتها: ولدك خربان من قبل لا يرافق مشاري لا ترمين الغلط على غيرك.
قالت سحاب باستفزاز مبطن لكلتاهما: يالله يا كريم بيبدا المرادد هالحين.
تبادى لهن صوت نورة البعيد: لا حول ولا قوة إلا بالله.. يا كريم ألطف فينا...
نظرن إلى بعض بصدمة.. خيّم السكون على المحيط.. بدت لهن فاجعة تلوح أمامهن وصوت نورة اعتمر الأرجاء.. وقفت بتسرع واضطراب تملكها فسألتها شيخة باستفهام: وين رايحة؟ ارجعي.
علياء بثبات على موقفها.. أخذتها خطواتها بفزع: أبوي بسم الله عليه.. أخاف صار فيه شيء.. لم تكمل سيرها لتتفاجئ بمنظر نورة الباكي ورجفة جسدها متمتمة بكلمات: غطيني.. غطيني يا علياء.
اقشعر بدنها من مظهر عمتها البالي.. وقفن كل المتواجدات بذهول وأخذت المها تمرر الوشاح الصوفي خاصتها إلى علياء بروعة وصدمة: خذي غطي عمتك.. بسم الله عليك يا نورة وش حصل؟ يارب استر علينا أحد صار عليه شيء؟
دثّرت عمتها بإحكام ولا تزال نورة ترجف وتنسل دموعها بلا توقف.. تستمع إلى أصواتهن المذعورة وحال لسانها يتمتم باستغفار والكثير من الذكر والتهليل، وفي قلبها تسأل اللطف على أخيها فيما سيحل به.. تركته ساكنًا بنظرات خالية من أي تعابير، يغلفها الجمود والبرود.. احمرار ملامحه وأنفاسه المتذبذبة.. انحدرت دمعة قاسية حالكة.. أخيها الذي عاشت تحت ظله على مدى سنين عمرها الفائتة، لا تريد فقده.. تمنّت لو أنّ معجزة تمحي خطيئة أحد أبنائه.. وقعت نظراتها متوالية على زوجاته.. أخذت تتفحصهن بحسرة، مبتدئة بشيخة.. أهو بندر؟ بالطبع لا، فتلك العاملة وجهت أصابع الاتهام إلى أحد أخوانه.. إذًا سياف؟ ارتجف فكها لفكرة أن يكن هو الفاعل.. برز أنينها بخفوت وانهيار متجاهله شعورها الذي أخذ بالشك فيه.. بترت ظنونها خشية أن تصح، خوفًا على ابنتها وما سيجري عليها.. حوّلت أنظارها إلى سحاب، تبلع ريقها بقلق وفكرة أن يكن أحد ابنيها الفاعل لم تتشبث بقوقعة أفكارها.. شهقت شهقة مكتومة لما جالت المها نظرها، ورسى حل اللغز ببر المتاهة.. تركي أم عبدالإله؟ كانا هم الاحتمال الأقوى.. تلهث لسباق أفكارها وزادت رجفتها.. فشعرت باحتضان علياء الدافئ.. تدرجت نظرتها بيأس وذبول إلى العنود وقد أخذ مهند حيّز من ظنونها.. صاحت بصوت مسموع وبيأس اعتراها، مبعدة زجاجة الماء التي قدمتها المها.. تحدثت علياء بصوت باكي: ماتشوفين شر يا عمة بسم الله عليك وآيات الله تحفظك.. وش اللي حصل.. طمنينا تكفين.. فيصل جراله شيء؟
تحدثت بتوهان ونظرات بائسة: العيال.. العيال يا علياء.. واحد منهم اغتصب عاملة..
تعالت صرخاتهن بتزامن فجيعة ما قيل على مسامعهن.. عضت شفتها بغصة وحرقة لازمت جوفها وشيء من اللاتصديق: أعوذ بالله...
بترت كلمات علياء بغبنة: أعوذ بالله من أخوك اللي مسوي فعلته ياكل يشرب وينام متهني.. حسبي الله عليه.. حسبي الله على المتسبب في أخوي.. منتم مسامحين لو صار في خالد شيء.. تهدج صوتها ببكاء ومن حولها الأصوات تنتحب.. هاجمتها العنود بشراسة وصوت حاد يتخلله الرهبة: قولي السالفة زين يا نورة لا تلعبين بأعصابنا.. منهو اللي اغتصب.. قدامك أربع أمهات تفهمين وش يعني؟ قاعدة تحرقين وتعصرين قلوبهن! كلنا عندنا عيال.. وش..
قاطعتها شيخة بتهدئة وهي كحال البقيّة ترجف خوفًا من هول الأمر، وخشية على أبنائها أو مشاري أن يكن أحدهم الفاعل: اهدي يا أم مهند مب كذا...
بترت حديثها بلا صبر وعينيها محتدة صوب نورة: مانيب هادية حرام عليها تجي هالشكل وتحرق قلوبنا وتلعب في أعصابنا.. ما جربت لا ابد ما جربت إن ولدها بينه وبين الموت شعرة وبأمر الله يعيش.. هالمرة تخبرنا إن واحد من عيالنا مغتصب؟ ما بقى عندي صبر.. مقدر اتحمل قوليها يا نورة.. منهو اللي اعتدى على العاملة.. تكلمي! أخرجت كلمتها بتنديد واشتداد.
أما المها تبكي بصمت وانهيار.. تتبدد مخاوفها وانقطع حبل الأمان عندها، قفز تفكيرها إلى تلك الفتاة التي لمحتها في جناح عبدالإله، ماذا سيدفع عاملة بهذا العمر إلى العمل في جناح ابنها الشاب ولوقت متأخر في بعض الأحيان.. عضت شفتها بقسوة مستطعمة ملوحة الدمع من عينيها.. فقد تأصلت الفكرة بداخلها ومع ذلك تراودها شكوك بأنه ليس ابنها من قام بهذه الجريمة البشعة.
تحدثت نورة بصعوبة: مدري..
صرخت العنود بفلت أعصاب: شلون ما تدرين؟ مقبلة علينا تلعبين بأعصابنا وتحرقين قلوبنا!! حسبي الله...
قبضت سحاب على عضدها بإسكات ونبرة جامدة: اركدي يا أم مهند الوضع ماهو ناقص.. واللي يرحم والديك!
نفضت يدها بانزعاج: واللي يرحم والديك أنتِ.. ما عندك دم؟ ما تحسين؟ السالفة كايدة واللي سواها واحد من عيالنا.. ولا!! يمكن واحد من عيالك يا سحاب!! وش ذنبنا تطيح قلوبنا ولا..
ضربتها بخفة على صدرها بتنبيه: ما اسمح لك ترمين على عيالي الذنب.. الله حسيبك يا العنود يمكنه ولدك.. القاتل ما استبعد منه يغتصب.
بترت مناوشتهم علياء بغضب: اسكتن بالله.. احترمن بيت أبوي وإن اللي تتكلمن عنهم أخوان.. لا حول ولا قوة إلا بالله!.. مسحت على رأس نورة بخفة بينما الأخرى ترتشف الماء.. أغمضت عينيها بإجهاد لتفتحها وقد اتضحت لها الرؤية بتحسن، استطردت بنبرة منخفضة صابها الإعياء: علياء.. روحي عند أبوك.. انتبهي عليه.. أنا رجولي ما تشيلني حيلي مهدود.. شلون عاد أبوك! الله يلطف فيه.
في هذه الآونة، فتح الباب مرتديًا ثوبه الأسود والشماغ وعلى رأسه العقال مائلًا بطريقته المعتادة.. وقعت عينيه على المتواجدات بمنظر مفزع.. يغلب عليهن الحزن والاختلال.. توجهت إليه والدته بذعر وبكاء زاد مع ظهور عبدالإله وسط هذه الأجواء وعودته المبكرة عن غير عادته.. تلمست ذراعه بطلب ورجاء خائر: وش عندك؟ ليش جاي مبكر؟ أنت مسوي شيء؟
نظر إليها بدهشة ثم رفع أنظاره إلى البقية وكُنّ يترقبن المشهد بلا معرفة، لسن متأكدات من علاقته بالأمر أم أن قدومه هو محض صدفة.. أعاد أنظاره إلى والدته مبتعدًا عن قبضتها: ابعدي يمه وش فيك؟
تشبثت به وتقطع صوتها بنبرة خنوع، متمسكة بذراعه بانكسار: تكفى قل إنك ما اخطيت.. ما سويت شيء صح؟ متأكدة أنا بس ابيك تقولها.. قلها يمه.. ما تجي منك يا عبود والله اصدق في الكل إلا فيك.. بلعت ريقها بقلق وترجي وعينيها مركزة على عينيه الحادة ونظراته القوية الباسلة.. فأكملت: طيب ليش جاي؟ أحد قالك شيء؟ طمني لا تسكت قول أي كلمة.
ظلّ يتأمل والدته بشيء من الشك خالج صدره.. لكن لا.. محال أن تشكيه ملك إلى أهله.. هي تخاف وليست بتلك القوة والجرأة والصلابة.. قال بتردد بداخله إلا أن نبرته لم تهتز وبثقة خرجت كلماته: جاي عشان بندر اتصل علي..
قاطعته بشهقات وصوتها اعتلت عما قبل: قلت انك ما سويت شيء غلط.. ليش متصلين عليك؟
ترجّلت كلماته باستياء لانزعاج أمه اللا مبرر: يا يمه الله يرضى لي عليك ابعدي بروح اشوف وش يبي.
اومأت برفض قاطع وقلبها يتراقص خوفًا عليه.. وملامح العاملة تعبر ذاكرتها فترتبط الخيبات وتتخبط التوقعات بين شك ويقين: اطلع لا تروح عند أبوك.. روّح يا عبود لا تخوفني عليك.. أنت ما فيك بلا أنا أدري.. حسبي الله على اللي كان السبب..
قاطعتها علياء بخوف واستشفاف لكلمات المها من أنّ شيئًا ما قد حصل: متى اتصل عليك بندر؟
زفر بلا صبر وهنا علِم أنّ ولو حتى جزء من الحقيقة قد تسرب اليوم: تو كلمني.. يا ذا اليوم! يمه ابعدي بروّح. ابعد قبضتها عنه تاركها خلفه تبكي بنياح وشكوكها تندثر ويقينها يتزايد.. بينما خيّم الرعب على قلبها، تلاشى الخوف قليلا عن الباقيات.. يخشين أن يكن أحد أبنائهن، ومع ذلك كان المحيط ينبئ عن أمرٍ جلل.. حين تسير الخطايا فإنها لا تتمهل.. تعوث الأرجاء وتبتر قوى الاتزان.. أخفضت رأسها ودخلت في دوامة بكاء واضعة يديها على رأسها وتضغط بشدة.. اقتربت منها شيخة وهي الأخرى تبكي: اذكري الله يا أم تركي.. إن شاء الله إنه سوء فهم.
تعالت الأصوات بالبكاء بفجيعة حين بدا لهم صوت بندر المرتفع.. ينهل بشتائم غير واضحة.. تحركت المها صوب الغرفة بهرولة ولاحت نورة بالبكاء قابضة على كف علياء: روحي عند أبوك.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. طلع هو!.. الله يلطف بحالنا!
أما هو، فحين ابتعد عن والدته بات يسير بخطوات يجرها اللا إدراك ومحاولة الاستيعاب.. يُعاد منظر زوجات والده ووالدته وعمته نورة الغارقة في بكاءها.. تشبث بإقدام ولا سبيل للتراجع.. سيواجه عواقب فعلته لا محالة، إلا أنه يخشى على والديه.. من تكالب الأحزان وقباحة الهموم، لئلا يصيبهم كرب فيغطش في حُلل الظلمات.. تجرع الهواء الساخن حوله.. فعتب باب الغرفة لتقع عينيه على مظهر والده جالسًا بلا حراك.. نظراته في الفراغ بهمّ واضح جليّ ويأس وعجز ولا حيلة.. اقشعر بدنه واحمرّت عينيه.. زم شفتيه مصوبًا تركيزه على بندر المترقب له بشرر ساكن، هز رأسه بتربص ونبرة خافتة حادة: تعرف ليش اتصلت عليك؟
اومأ بموافقة وثبات على إقراره.. متبادلًا النظرات مع أخيه.. فأكمل الآخر بتصبّر: أنت تدري إن عندك ولد؟
تنفس برويّة ورعشة أصابته لهذه الاعترافات أمام مرأى وعلى مسمعي والده.. رد بجمود: ايه..
رفع حاجبيه لعدم إنكار عبدالإله.. وسخط حُط بداخله لاعترافه البارد.. كان يرجو ويتأمل أن يكن مخطئ، أو أن تكذب تلك العاملة.. إلا أنّ عبدالإله مزّق كل تلك الأوهام وبدد طيف سرابها.. صمت قليلًا بلا تصديق.. وظلّ يتأمل أخيه.. ليخرج سؤاله بعسر: اغتصبت العاملة..؟
سرعان ما تحولت أنظاره إلى والده.. ولكن لا استجابة لم يعره حتى نظرة.. جزع بذعر لحال أبيه.. سارت قشعريرة حامية على جسده واحتبست الدموع في محاجره.. ليسمع صوت بندر المستفسر بترجي خائب: اغتصبتها؟ ايه أو لا؟ تكفى قل شيء وريحنا.
اخفض رأسه باستسلام وبرز صوته ببحه: بلى اغتصب... كاد أن يكمل كلمته إلا أنه قد صُفع بشدة على وجهه.. لم تمر الثانية إلا وصُفع بأخرى.. وصوت أخيه الذي شلّ أركان الغرفة: الله وملايكته تلعنك يا قليل الأصل! ليش سعيت لذا الدرب.. وش ناقصك وش مقصر معك أبوي عشان تروح درب الحرام والغصيبة! رفع يده ليلكم أخيه بقوة ارجعته للخلف وتناثر الدمع على ملامحه برهبة حضور والده.. حينها كان يسمع أنين خالد الموجع.. الذي ما إن نطق ابنه اعترافه، حتى ذرفت منه دمعة ألهبت محاجره.. اقترب بندر باشمئزاز وذلك متساند على الحائط خافضًا رأسه يدمع بصمت كلما تصله شهقات أبيه الخائرة.. أردف بندر بقسوة وتقزز: رح الله لا يردك.. اطلع من بيت أبوي ولا عاد ترجع له.. ما تدنس بيتنا يالردي.. أنت حتى خواتي ما ارضى عليهن يقعدن معك..
وصلت على كلمات بندر النابذة، قاطعته باعتراض مجهشة بالبكاء وخيوط الجريمة حاكت وقوف ابنها بمسرح الحادثة: لا تقولها يا بندر.. الله يرضى عليك..
هنا تدخل خالد بنبرة مهتزة وقد وقف بصعوبة: اسكتي يا مره.. عايني سوات يدينا.. حافظ كتاب الله ما حفظ أمانة أبوه.. اتركه يا بندر هذا ما يربيه إلا اللي افسده.. لا مدت يدك ولا حكينا بيعدله.. ونا اعطيته كل ما قدرني عليه الله ولا بخلت عليه.. ظهر صوت عبدالإله الباكي بنبرة متوسطة: حاشاك يبه ما قصرت معي ابد..
قاطعه خالد بانكسار وقهر: مانيب أبوك يالنجس.. أنا بري منك ليوم الدين...
صرخت زوجته وثار بها الجنون ببكاء حاد: لجل اللي بينا يا خالد سامحه.. اختفت كلماتها بين طيّات النياح، وتعالت شهقات عبدالإله بنبرة مضنية فارتمى على الأرض بجسد هزيل أفقد قوته وهو يحتضن جسده بنحيب طفل.. كان يبكي ألمًا وحرقة على والديه.. تتزايد شهقاته فيأخذ بالشد على جسده واضعًا كفّيه على ملامحه.. أخفض بندر أنظاره بأسى وكلمات والده أفطرت قلبه على حالهم.. في هذه اللحظة وصل تركي وسياف وخلفهم علياء.. لينظر خالد إليهم بخيبة، يأسف على ابنه من أخوانه.. يشعر بالخزي لمجرد انتسابه إليه.. تأمل ملامح المتواجدين فاقترب بندر ليسنده كي يجلس على الكنبة.. لما رأى ملامحه ذبلت بإرهاق.. وضعت يدها على فمها تكتم شهقاتها وعينيها على أخيها.. أما تركي وسياف بقيا واقفين بصمت للمصاب الجلل عقبما أخبرتهم علياء بالأمر.. تحدث بلهجة صارمة لم تختفِ رغم اهتراء قوته: اسمع يا بندر.. تاخذه وتعقد له على البنت.. وخله يروح يستر على نفسه ولا يقبل علي حتى لو مت ما ابيه يحضر عزاي.. وحلالي كله يحرم عليه.. مب ذا اللي عزّه وامتلكه لجل يكسر فيه العاملة؟ اقطعه.. توقف عن الاستمرار لما شعر بضيق تنفس وحرارة انتشرت بجسده.. انخفض بندر بقلق: ارتاح يبه.. أنا بتصرف..
سرعان ما وقف عبدالإله بفزع متجهًا إلى أبيه.. دفعه بندر باعتراض: تعقب يالنتن.. أبوي ما تقبل عليه.. ما سمعت وش قال؟! قم اطلع وفارق ذا البيت..
اقتربت المها متمسكة بابنها وبصوت مبحوح لشدة البكاء: استهدي بالله مب وقته يا بو مشاري..
رفع خالد صوته بانفعال وبما بقي له من قوة: اتركيه يعوث في الدنيا ويشوف شلون دمّر ذي اليتيمة.. سوّد الله وجهك الله لا يسامحك. أغمض عينه وبدت الرؤية له ضبابية فتحامل على ذاته بشدة.. ونبضات قلبه الوجل تضعف شيئًا فشيء.
قبض تركي والدته يبعدها عن عبدالإله.. وهو ينتحب بصوت مسموع، فتحدثت المها بانهيار وبدت لها نهاية علاقة عبدالإله بوالده: لا يا خالد الا ولدي.. لا تحرمني منه ولا تحرمه منك.. عبدالإله بيصلح غلطته بس..
قالها بصوت باكي خافت ولأول مرة تبرز بحة البكاء والضعف عليه: والله انك.. علي محرمة.. وطالق بالثلاث لو تبعتيه.
ارتمى عند أقدام والده بترجي: تكفى يبه عشان خاطر أمي.. تكفى..
هز قدمه بإبعاد لتركي الساقط بخنوع وتذلل يطلبه ليغفر غلطة شقيقه: والله إني بري منه ومن ذريته أجمع.. عيال الحرام ما ينتسبون لي.. كح بحشرجة الكلمات النابذة التي نبعت منه بصعوبة.. فكيف له تجريد ابنه المقرب بهذه السهولة.. إنها عسرة وكل تلك اللذاعة تصفها.. فاجعة حلّت بهم ولا عقارب الزمن تمحيها.. أكمل بإصرار: اسحبوا منه كل شيء.. جردوه هالحين وقدامي وخل يذلف ولا ابي اشوفه او اسمع له خبر.. تحرك يا كلب أنت وياه!.. قالها قاصدًا سياف وتركي الذي تشبث أكثر بقدم والده بترجي ودموع غشت عينيه.
أخفض سياف رأسه بثبات في مكانه وصوته تهدج باضطراب: يبه ما توصل لهالدرجة!
رفع حاجبيه بسخط وذهول لرد شقيقه: ترحم مغتصب! ما تشوفه غلطان! الله لا يخسف بنا! وأنت تركي! تبيه يصلح غلطته وترجع المياه لمجاريها ولا كأنه أخطأ! كان ذا رايكم احلقوا شواربكم واذلفوا معه الله لا يردكم.
تنقلت نظراته بينهم حين لم يستجيبوا لمطلب والدهم.. بادر هو بنزع محفظة عبدالإله ليخرج بطاقاته البنكية ومفتاح سيارته.. ثم رماها عليه قائلا بنبرة آمرة: والحين عطنا مقفاك.
التقط محفظته ويده تمسح مدامعه بحسرة وعينيه لم تزاح عن والديه.. يريد إشباع بصره من رؤيتهما.. أخفض رأسه مغادرًا المكان.. وزاد نحيب والدته بهلع وعينيها تتبع سير ابنها.. مسح مدامعه ولم يتقبل الصدمة بعد، اقترب من والده مقبلًا يديه باسترحام: تكفى يبه عاقبه بكل شيء الا بك.. عبدالإله ما يهمه إلا رضاك.. هو أخطأ لكن...
ابعد يده عن سياف باستهجان: والله في سماه لو تكلمت زيادة ان اطردك من بيتي ورح الحقه.. قهرني وأنا في ذا العمر وتقول يهمه رضاي! هذا لو يهمه رضا ربه ما سوى سواته!.. قدم بندر حين نظر إليه والده: سم يبه!؟
تنفس بتباطؤ: خذني من هنا.. ساعده على الوقوف مستمعًا لأوامره: الليلة يعقد عليها.. سامع؟ تواصل مع البنت على الاقل لين تولد وشف هي وش تبي وأعطيها.. لم السالفة يا بندر بطريقتك. 
تحركت علياء برجفة لما حصل قبل قليل وبدا أن معظم المتواجدين لم يعوا بعد.. ساعدت المها على الوقوف وخرجت كلماتها بتهدئة: انتبهي على صحتك ياعمة والله يجيب العواقب سليمة.. تركي حبيبي.. قوم معي.
وقف تركي بمساعدة لأمه مقبلًا رأسها بحنو.. شدت معصم ابنها باستغاثة فسالت دموعه ورد عليها بانكسار: لاتزعلين يمه.. الله يصلح الحال!

....

في الخارج كان يمشي بخطوات بطيئة فتارة يتوقف وتارة يخطو خطوة واحدة وجُلّ تفكيره عند أهله.. التفت ينظر إلى القصر بتأمل للمكان، وللمرة الأخيرة سيقف بين قضبانه وداخل أسواره.. نزفت عينيه دمعًا لاذعًا بحرارة جوفه المتوقد.. شدّ على قبضته مكملًا دربه حتى ران إليه صوت خطوات متزامن مع أصوات محركات السيارات.. سرعان ما التفت ولم يدرك للحظة ما يراه.. سيارة الإسعاف تنقل والده وحوله أخوانه.. جفل قلبه وعاود خطواته متراجعًا.. اقترب من الزحام ووقعت عينيه على والده ملقيًا على سرير النقل غائبًا عن الوعي.. ظل ملتزمًا مكانه كالغريب، كمن لا يمت للملقى بصلة.. بعدما كان رفيقًا له؛ هاهو الآن منزعًا نسبه منه.. ضمرت مشاعره الكسيرة فرجف بدنه والأصوات حوله ازدادت.. ادار رأسه كي لا ينتبه عليه بندر، وحين تعداه الآخر وقعت انظاره على سياف فاقترب منه برجاء: وش صار على أبوي؟
ركب سيارته متجاهله فاقترب متشبثا بنافذة السيارة:  تكفى قلي وطمني عنه.. تكفى يابو تميم!
رفع صوته بقهر: ابعد يا نجس.. جاي تبي تكمل عليه! الله لا يبارك فيك.. وخر من طريقي.
صمد في مكانه ببكاء: اسألك بالله تعطيني أخباره مانيب سائلك غير كذا.. طلبتك طلابه ياخوي.
تنفس الصعداء فأومأ بقبول، ليبتعد عبدالإله بخطوات أسرع عما قبل.. لم يلبث خمس دقائق حتى استوقفه سياف فاتحًا نافذة سيارته: عبدالإله!
نظر إليه بضياع.. فمدّ إليه بمفتاح سيارته الأخرى: خذ.. أكمل حين رأى الاعتراض: موقفها في المواقف الخلفية.. خذه اخلص علي!
ألتقط المفتاح والدمع يغشي عينيه: تكفى علمني على أبوي.
ارتدى نظاراته الشمسية ليخفي احمرار عينيه: بعلمك بعلمك.. لكن منت مسامح لو صار في أبوي شيء محدن فينا بيسامحك.. ومانيب قايل زود يكفيك اللي فيك. انطلق بسيارته قاصدًا المستشفى في يوم مريع كهذا.. بعدها بحينة عمّ الخبر أرجاء القصر.. 

****

خارج قسم العناية المركزة وفي غرفة انتظار الشخصيات المهمة، يتواجد جميع أبناء خالد عدا عبدالإله وبناته عدا ليان وهتون التي بقيت عند والدتها.. يسود البكاء أغلب الحاضرين.. بندر الذي يقف في ركن الغرفة يحادث رئيسة العاملات شمّه: الآن ما عليك أمر.. أنا تواصلت مع الوكيل بالنيابة عن أبوي والعاملات بيرجعن الدار وما تقصرين كثر الله خيرك والوالد كل فترة بيرسل من يشوف متطلباتهن.. اخفض صوته بتركيز وأهمية: نبهي على الجميع الحكي ما يطلع.. هذا بيت اقبلن عليه لابد يصونن سره ويحفظن الأمانة كل أسرارنا بعهدتهن.. مثل ما دخلن بالمعروف بيطلعن بالمعروف والوجه من الوجه أبيض يا شمّة.. إلا اللي اخطينا فيها هذي بنقتص حقها بما يرضي الله.. بلغيهن زين هالأمور فيها مساءلة قانونية فماله داعي كثرة الهرج.. أعتقد إن كلامي وصل أنا الآن بقفل المكالمة وذا الملف بالذات يتقفل نهائي.. فمان الله.. حين أغلق المكالمة نظر يتأمل أخواته يبكين بشكل مفجع وحتى الآن لم يصلهم خبر يطمئنهم على والدهم.. اقترب من أخوانه ملقيًا اهتمامه بتحديق خلع شماغه بإرهاق: تو مقفل من شمّة نبهتها على العاملات وأنتم بعد لزوم انبهكم.. اللي صار من شوي أكيد درا عنه الجميع في بيتنا.. وحنا عندنا حريم والحريم عندهن أهل والأهل يعرفون أهل وباكر يالرياض دريتي بسواد وجه أخوكم.. اقسم بالله لو زلّت كلمه من وحدة فيهن إن رجعتها لبيوتنا حرام.. سامعين وش قلت؟ بمن فيهن أم خالد.. وأنا بقدم قبلكم.. هذا شرف وحكي غير مستساغ لجل يتداولونه.. الغرض إن نميت الباطل بالسكوت عنه.. ركّز أنظاره في أسامة ومهند: وصلكم العلم؟
مهند الغارق في بكائه أجاب بتسرع حين تنبّه على سؤال بندر: ابشر ياخوي.
سانده أسامة بقبول: أكيد يابو مشاري ما يحتاج تحلّف وتأمّن.
نظر إلى مشعل وذاك متلثمًا بشماغه يخفي آثار البكاء الذي أخذ مجهودًا واضحًا: مشعل؟
أجابه بصرامة دون أن ينظر إليه: ماعلى كلامك خلاف.. اللي ما يمسك سر بيتنا ماله لزمة نمسكه.
هز رأسه برضا فأعاد أنظاره إلى أسامة ومهند فهما الوحيدين اللذين شهدتا زوجاتهم ذروة الحادثة: الأمانة واقفة عندكم ما ابي اخرب بيوتكم لكن ذا شرف العاملة اللي باكر بتصير أم لولده.. أعراض الناس ماهي لعبة عشان نتركها غرض يتناقلونه.. لجل كذا نبّهت.
جلس بأريحية معيدًا ظهره للخلف عقب يوم طويل.. دقائق حتى وصل الطبيب الاستشاري المسؤول عن القسم بأكمله.. استأذن قدوم أحدهم، فوقف بندر ومشعل خارجين من غرفة الانتظار التي خصصت لهم.. تبادى يلقي عليهم مضامين الخبر المحزن: الوالد الله يطول بعمره تعرض لسكته قلبية وهو بحاجة يقعد في العناية المركزة وتحت إشراف طبي دقيق.. لا أراكم الله مكروه فيه لكن نقول بإذن الله يقدر يتخطى والعلم عند ...
قاطعه مشعل باستفسار: الفترة يا دكتور.. كم يلزمه لجل يقوم لنا بالسلامة؟
هز رأسه بتجاوب مع قلقهم الواضح: حسب المؤشرات فالأمور في السايف سايد ولله الحمد لكن العلم عند رب العالمين.
بندر: خلك واضح الله يسلمك.. هو في مرحلة الخطر؟
تنهّد باستسلام: يعتمد على تجاوبه مع العلاج.. وحنا كلنا تهمنا صحته أكيد الشيخ خالد في أيدي أمينة.. والآن استأذنكم ما عليكم أمر.. مضطر..
تابع مشعل بترحيب: أكيد تفضل.. ابتعد ليفسح للآخر مجال.

****

بعد زحام هذه الليلة وتداخلات الأصوات الضاحكة والمبتهجة متشابكة مع عزوف الالحان الرنانة لتبهج الحضور وترسم الفرحة على معالمهم.. هدأ المكان ولم يبقى سوى الاقارب.. فيما الجميع في الصالون الواسع للاستراحة، كانت هي في الصالة بين ضجيج الأطفال وشغبهم.. تجلس بكامل زينتها الغير متكلفة.. فستان سكري يكشف عن طول ساقيها النحيلان.. يبرز قوام لو رآه الغصن بان.. خجلا من ذلك الغصن الرطيب.. يقف الورق به والعندليب، ذات شعر مسبل كالأفعوان يتهادى فوق ردف كالكثيب، ذات حُسن أصيل.. خدها كالورد في لونه والطيب في نكهته.. كل ما فيها جميل يشتهى، ما بها عيب سوى فرط الجمال.
راسمة ابتسامة نقية.. فيتمثل معاني الوجه الصبيح.. عيونها تتنقل في الأطفال الذي يحيطونها من كل حدبًا وصوب.. ابنة اختها جوري في احضانها، هادئة وتتلاعب بهاتفها، التفتت على احدى الصغيرات.. وهي تقول اثناء امساكها لاطراف شعر تاج: شعرك مررره حلو.. حيييل طويل.. ابغى شعري يصير مثلك.
ازدادت ابتسامتها، وانحنت لاثمة خدها بحنو: يا عمري انا.. ودك يصير شعرك مثلي! الا بيصر احلى من كذا لما تكبرين. بترت كلماتها وانظارها قد سارت لمسار آخر حين رأت عبير قادمه تجاهها: وش عندك جالسة هنا! قومي اتركي عنك صجة ولجة البزارين.. وادخلي داخل.. خذي جوالك من جوري وتعالي.
همهمت بعد ان قبلت جوري.. واضعتها فوق الاريكة: وسن بعدها تتصور؟!
-ايه بعدها.. قالتها وهي تمهد على شعر أختها بإهتمام فائق، تعلم ما يكتنز الأخرى من شعور الحزن والكمد حتى وإن حاولت اخفائه، واتسمت بالصلابة وعدم الاكتراث.. راسمة ابتسامة عذبة على كل من يرمقها لتشع غبطة، وهي في الدياجير حيث الآلام تطبق جناحيها.. كل شيء في ثورة وانفعال. تعرف بأنها تتحامل على نفسها، أختها ذات كبرياء باسق وعزة نفس قويمة.. لن تظهر حقيقة مشاعرها النازفة.. فتترك لها حرية السيلان.
امسكتها من معصمها.. ساحبتها لزاوية تبعد مساحة عن الصالون.. قالت بصوتًا خفيض: كلمني سعود وقال انك مترددة في موضوع الطلاق.. بعد زيارة مشعل.. استجد شيء؟. قال لك كلام خلاك تترددين! قولي عادي حنا هلك.. لا تخافين ترا كلنا بنوقف في صفك.. بس سعود ما يبي يخطي أي خطوة وانتِ مب راضية! ترا كلهم يسألون!
بلعت ريقها بتخوف.. شتت أنظارها من على عبير.. متأكدة بأن زوجها لن يتطرق لموضوع الحبوب! ولكن إن فعل!! هل موقف أبناء عمها لن يتأثر؟ وكيف ستكون ردة الفعل منهم لها!! او مظهرهم أمامه حين يخبرهم بفعلتها؟
أجابت بنبرة تكتنزها الثقة الكاذبة.. واصبعيها يضغطان على شحمة أذنها: هو قال لحد غيرك!؟
-لا.. بس هو يبيني اشوف وش سببك.. يقول مشعل لما خرج من عندك واثق برجعتك.. وينبه عليهم.. اصدقي معي فيه شيء؟
-مدري يا عبير احس شعور غريب.. بس بصلي استخارة وبشوف وش احس به.. وانا بنفسي بكلمه.. بس لا تخبرين غيداء بتسوي سالفة ما لها لزمة.. خلي الموضوع بينا!
طأطأت رأسها بتفهم: خلاص تمام.. بس يعني فيه احتمال..
قاطعتها بشيء من النفور المتصاعد.. والغيض المكبوت: مدري.. مدري! احس مشوشة.. بس الله يكتب اللي فيه الخير.. ما ودي أقول ايه وانا بداخلي رافض.. ولا العكس.. خليها على صلاة الاسختارة وربي يحلها.
مسحت على رأسها بحنو، وأردفت بنبرة هادئة المخارج: افضل لك تستخيرين.. وان شاء الله ربي يكتب اللي فيه خير.
دخلتا الصالون الممتلئ بزوجات أبناء عمومتهم.. بمشاركة نملة وابنتها نورة التي تتحدث مع غيداء باندماج بالغ. استوت جالسة فوق الاريكة المتوسطة بذات مكان اختيها، فوضعت رجل فوق الأخرى ونظراتها تجول في الموجودين بفكرٌ سارح.. تتداخل الأصوات من المحيطين الا أن فكرها شارد اللب.. داخلها ضوضاء وضجيج يخالجها حتى في وقت غفوتها.. الراحة بدأت تدبل من عينيها فيغشيها النعاس ولا يطمرها السبات.. سلواتها بين يقظة وهجعة!
وما يزيد همها.. أنها ذات كبرياء من الطراز الأول.. تحارب احاسيس لم تُخلق الا له وعليه.. لقد عاشت شهور مأخوذة بألاعيب ساحر ماكر. لكن لا الحمام يمكن الإمساك به، ولا الأوراق النقدية صالحة للأنفاق.
اشترت ألمها بالتقسيط المريح، بعملة الكرامة. اعتادت أن تدفع بالعملة الصعبة.
تجولت بين حطام أحلامها. كم من الأشياء دمرها ذاك الرجل دون علمه! أشياء كانت جبارة في تلقائيتها، تهشمت دون أن يلمسها بنظرة. أشياء تبكي لأنه لن يراها، وأخرى تبكي رجلًا لا يدري أنها تنتظره. أشياء تخدع انتظارها له بادّعاء نسيانه، لكنها لا تنسى. تواصل السؤال عنه أول ما يفتح الباب، فهي مختارة على ذوقه هو، ومن أجل إبهاره وحده.
لها أن تحزن، أن تتألم .. أيّا كان مصيرها، يظلّ هو سيّدها، فقد امتلكها بسطوة غيابه. كانت تعلم بأنه ينوي احتلالها.. قدرها أن تلجأ للطغاة. بملء إرادتها تركته يستأثر بها. ليُتمها، كانت سطوته تمنحها ذلك الشعور الذي تنهزم أمامه النساء، الإحساس بالحماية. لكنّه لم يكن يحميها، بل إحدى ممتلكاته ليس لها الحق في نفسها.
لأسابيع، ردّدت هذا الكلام على نفسها، لكن حال انتهائها من مرافعتها، كان قلبها يأخذ الكلمة عنوة، ويعترف بأنّه مازال يحبه.. إنه طاغية في تملك المشاعر.. لا يدخل حياة الا وضمن البند الأول.
يا لظلمك عندما تضمر لي حبًا كأنه عداء.. ترفع من حولي أسوار الشك وتطالبني بفواتير الوفاء.
اخذت انفاس عميقه تحاول جاهدة عدم إنجلاء ما يغزاها من مشاعر شاهقة وطاحنه.. ادارت وجهها ناحية اختيها وهن يتبادلن الاحاديث بصوت منخفض.. تنبهت على صوت عبير وهي تقول: دريتي بسالفة ولد آل مسفر اللي خذا عاملة!؟
هزت رأسها ببطء موافقة.. وركزت نظراتها على غيداء وهي راسمة ابتسامة ساخرة: واحد ماخذ عطية والثاني عاملة بلا نسب.. يلوق عليهم صراحة.
عبير: على اني ما احب اتشمت الا اني فرحانه حيل بالخبر.. هذا وجهي ان كان كلامهم صح ! اجل واحد يتزوج من ورا اهله عامله!!.. ما تدخل في المخ.. اكيد مهبب شيء وزوجوه!
طأطأت تاج رأسها.. وهي تعيد شعرها للخلف: خاصة ذا بالذات رافع خشمه مستحيل ياخذ عاملة.. سمعت من خواته انه بيخطب وحده من قرايبهم.. يمكن صح كلامك سوا بلا ودبسوه في الزواجه.
قهقهت غيداء بخفة: يقولون ان المصائب لا تأتي فرادى.. يالله عقبال ما اسمع بدمار شامل الجميع.. اللهم لا شماته.
تبسمت وهي تقف، لترد بتسرع بعد انظار اختيها المصوبة ناحيتها: رايحة الحمام.. وراجعة.
سارت بترفق، وتشعر بحرارة ماقيها تتوعد بنزفها.. الدمع من حر الصبابة مسبل.. والروح بعد الفراق عليلةٌ. وحين حطت قدميها مبتعدة عن الصالون حتى اسرعت في خطواتها.. الشهقة عالقة كما بلغم..
أرى قلبًا قد تمادى وأسرف في معذبه ودادا.. وعقلًا ليس يعقل فيك عدلًا.. كأن العقل قد فقد الرشادا، ونفسًا تشتهيك ولا تبالي.. صلاحًا كان ذلك أم فسادًا، وروحًا لم تعد تحتاج جسمًا.. تريد الروح بالروحِ اتحادا!
ابلجت باب الحمام، مغلقته بتسرع.. تواري ما مزق روحها والبسها الحداد من جديد.. اقتربت من المغسلة.. عيونها تعبر في سماتها باسهاب.. ففاضت الدموع بمغالاة.. اغمضتها كي لا تفيض فأمطرت.. ذلك أنا لانملك مدامعنا! رجفت شفتها واسرعت واضعه يدها على فاهها تمنع من انخراط شهقاتها في الأجواء.. تجرعت غصات تكورت وسط بلعومها.. وإذ بالعين تسيل بإهدار بالغ، ذلك لأنها تكتنز المشاعر غالبًا.. فدموعنا هي اسرار احاسيسنا. تمسكت بأطراف المغسلة.. شادة عليه في محاولة لإمتصاص حزن خوافيها.
صبرتُ عليك وأدري كان رهانك كسري، من قهري قاطعت حنين الوقت إليك، ارتشافي صباحًا لصوتك، ارتطام أشواقي بموجك.. من فرط سُهادي بك، ما خنتك!
لكني رحت اخون الزمان بعدك.. أعصي عادة العيش بدونك.. أنسى انتظاري لك.. لكن ذاكرتي خانتني!
وبينما تمسح مدامعها على عجل وتحاول إيقاف مجرى سيولها.. أبت الذاكرة أن تتغافل عما حط عليها من ذكرى.. في كل ما نُريد نسيانه نخسر أمام محاولاتنا، فنعيش الذكرى بكل تفاصيلها!
أغمضت عينيها في محاولة لتهدئة أعصابها الثائرة الا انها ارتسمت أحداث تلك الليلة.. بينما كانت نائمة والأجواء باردة.. مضجعه في مكانه بعشوائية ناعمة.. وشعرها متناثر على المخاد التي حولها.. شعرت بكفه على خاصرتها، بينما عطره يكتنز حواسها.. صوته الاجش يتدخل في سباتها.. ولكنهامرهقة للحد الذي يجعلها تكمل رقادها.. الإ ان اسمها من منطوقه لا ينكف: تاج.. تاج!
همهمت.. فأتاها صوته اخف غلاظة: تعبانه!
بتكاسل: لا..
شعرت بكفه الدافى يوضع على نحرها، وانفاسه تلفح بجانب أذنها، هامس: اجل اجلسي.. افتحي الازرار.
كشرت ملامحها ولا تزال مغمضة العينين، ردت: مو كل مره! افتحهم أنت مشعل.. ابغى انوم.
-عذرك ما قبلته.
-والله فيني نوم!
-ما عليه كلنا بنام سوا.. اجلسي اليوم ما شفتك!
أجابت دون أن تبلج بصريها: شلون كانت الامسيه؟!
-طربيه.
فتحت ناظريها ببطء، عاقدة الحاجبين، وهي تتمطط.. وقالت بخمول: اعجبتك! انبسطت فيها؟!
اقترب منها مركز يده حولها.. رد بتأني.. وناظريه تنهج فيها.. بينما اصبعيه ترفع خصلات شعرها عن على ملامحها: لا بأس.. المهم متى نمتي؟!
استوت جالسه بتراخي.. متشبثه بمعصمه: بعد صلاة العشا.. صايره بس ابغى انوم.. ممكن من الجامعة هدت حيلي.
ابتسم ابتسامته الغامضة.. تلك التي فيها ايحاء السخرية والجدية في آنٍ واحد.. وضع يدها على زر ياقته وبدأت بفتحها بتمهل، وخجل واضح من مظهرها المتعسف بمحاذاة اناقته الباذخه.. لا تعلم بأن عشوائيتها تنال على استحسانه.. داهمتها ربكة تسير على كامل جسدها.. بعد أن بسط يده على بطنها تحت سترتها.. بتأمل جلي.. وفكرة عابرة تحمل غدرها في علاقتهما.. فمزقت هدوئها وهي ترفع بصريها بإستعلام تحاول جاهده إخفائه.. قال وعينيه على بطنها.. ثم رفعها بتدرج مدروس: اجل هالبطن بتحمل ولدي.. صغيره بالحيل!
اخفضت نظرها على زر ثوبه الأخير، لتفتحه بتقاعس.. بلا نبره واضحه: بتكبر.
-هالقد.. وابعد يده عنها قليلًا.
رفعت حاجبها.. وناظريها فيها من الحدة والتحدي.. امسكت كفه باعدته على وسع: كذا! عجزان تتقبل ضعفي يا مشعل!؟ قالتها وعيونها قد ركزت في حدقيتيه.
وضع يده على فخدها ويدعكه ببطء.. أجاب: مو مستوعب صغرك! حيل صغيره علي.
أكمل وهو يمسكها من ذقنها، واصبع إبهامه يتحرك على طرف شفتها: بس جايزن لي.. يهيض فيني شعور ما حسيت به من قبل.. كامله يا تاج.. بس عندي بعض الملاحظات احتفظ بها.. ولا الود ودي تغدين مره عليها الكلام.. بس متفهم.
ركزت في بؤبؤ عيناه الدعجوان.. وحارت في أمر هذا الرجل.. ردت بسؤال كما مناضلة كلامية: وش المقصد ما فهمت! كلامك المبطن ما يعجبني!
-كل رجال عنده ميول.. وانا رجال صعب ارضاءه.
فجأة وجدت نفسها تشتد أعصابها.. وتنازع للسيطرة على رغبات رجل لا يتفوه الا بكلمات قاطعه..كما مخطوطة فوينيتش.. يصعب فكها.
عقدت ذراعيها جاذبتهما لصدرها.. بحدة منطوقها الخافت: يعني أنا مقصره معك!
هز رأسه نافي.. رد بذات درجة الصوت: ابد سلامتك.. أنا مقصر مع نفسي.
-ليش!؟
قالتها في شيء من النفور والامتعاض.. تنبهت على إبتسامة خفية يطلقها.. تزيد ملامحه لؤم مجسم.. لمزيد من الإثارة.. انحئ ظهره القويم.. ليصل إلى مسمعها.. هامس في إطالة وإسهاب.. بينما أنفاسه تستنشق عبير شعرها.. كانت هي في حالة من الدوار العشقي الممتزج بالغيرة من منهجيته واختياره للمسميات الذكية في تلقائيتها.. توقعك في شباك من الإعجاب والذهول.. تخلق في داخلك كواكب من اللافهم.. من فلسفة عميقة الوجدان.
أن يكون رجلًا لافتًا لهذه الدرجة! يعرف جماليات العلاقات.. وما يسكن النساء من هياج مشاعرهن.. إنه عظيم بل أكثر من ذلك.
انغض طُرفها في حياء وخجل.. وبرقت عينيها بريق اللذة والاستحياء العذري.. بعد تصريحاته العميقة والشفافة في الفاظها.. إنه ينازل مسميات عامية ليفصح عن رغبات اشتهائه.. ولف هو ذراعه حول خصرها، وقبلها، وهدهد خدها.. اردف بنبرة غليظة: فهمتي يا تاجي؟!
هزت رأسها دون ان ترفع رأسها.. وغمغمت: فهمت.
ابتعد عنها.. نهل انفاس عميقة.. ويعيد طرف شماغه للخلف: ايه يا مره اسمعك.. وش تبين تقولين واضح عندك هروج كثيرة.. ودايم اخرب عليك جوك.
تبسمت بخفه، رافعه بصريها عليه: يعني حركاتك مقصودة.. طيب ما عليه.. مشعل أنا ابي اكلمك في موضوع مهم!
زم شفته.. وهو يحك طرف شفته الممتلئة: اسلمي.
ازاحت ناظريها من عليه لتسقط على يده.. فأمسكت بها متلاعبه بأصابعه الطويلة.. قالت بتردد: مشعل! وش رأيك نأجل موضوع الحمال!؟ علت بصريها اليه.. باستكشاف لمكنونه.
رفع حاجبه.. مصغر عينيه بتدقيق: وشو له!
أجابت معتدله في جلستها.. مشتته ناظريها لئلا تقع في حدقيتيه: احس ما يضبط جامعه وحمال.. يعني تذكر لما قلت لي.. بعد ما اخلص الجامعه بنفكر في الانجاب! وانا فكرت في الموضوع وحسيت بتعب لو حملت هالحين.
طأطأ رأسه بتفهم.. مسح على عوارضه بينما عينيه تجول فيها.. بحجمها الصغير مقارنة بجسمانيته.. وبينما هو صامت كان شعور من القلق يتهدهد داخلها.. تخشى بأن يكتشف حيلتها ولكن شعور الشك يداهمها في لياليها.. هذا الرجل الذي يبدو خائنًا لكل شيء سوى الحياة..
علق بعد شيء من السكون المهيب: لو على الجامعة أمرها هين.. لو ما تقدرين على الدوام.. خذي فترة ترتاحين وبعدها تكملين.. الدراسة ما هي بطايرة.. اما على سالفة التعب انا بعوضك على كل مجهودك.
ردت بنزعة عاطفية: مو سالفة تعويض مشعل! انا مقدر..
قاطعها بتفحصه فألجم لسانها عن الحراك.. وصب عليها خوف.. فأكملت على عجل وتبرير يقطع الشك باليقين: لاني خايفة.. انت ما تعرف كمية الوجع اللي تحسه المره وقت الولادة.
-بتتعودين.
انثبقت ملامح التعجب من نبرة البرود التي اتسمت بها كلمته.. أجابت بانزعاج وعبوس: مشعل! مو منجدك!
تبسم بخفه من تعابيرها، زفر أنفاسه فأجاب بهدوء: لا منجدي.. قلتت لك من قبل ما ابي واحد او اثنين! ابغى قبيلة.. انا يا تاج ادور على النسل الطيب.. وأنتِ اللي بتجيبينه.. إن أراد الله.
توقفت أمواج هائجة داخلها.. ورانت اليه في شكران وعرفان، وكأن كلماته لها وقع اخر.. هو رجل اللغة يمكنه ان يستخدم ذات الكلمات التي يستخدمها الغواة.. وتأرجح كفته على البليغ.. ذلك بأن كل ما يزل به له وزن.. ونبرته تفخخ الكلمات فتصبح ذات قيمة.. ووقع مهيب.
ارتكزت على ركبتيها.. فأمسك يدها لتجلس على فخده.. أحاطت عنقه.. وراحات تروض شعورها.. بقبلات ولثمات لا تحصى.. أصبحت عادة عشقيه بينهما.. في كل حين يدخل خدرها.. تقوم هي بصبغ عنقه برحيقها.. كما طُلب منها.
ها هي تقف على مفرق من الطرق.. بين رغباتها وكرامتها.
عذابٌ، عذابٌ، توترٌ شديدٌ وانفعالٌ وهياجٌ دائمان، تحترق ليل نهار على نار متلظية لقد ظّنت حالتها وبهظتها.. وحدتها قاسية، قاسية.. لا تجاريها في قسوتها ملالة امرأة.
وشدت على اعصابها وهي تخفض كفها على بطنها كما يوضعها هو دائمًا.. كيف تخلت عن امومة اخيها!
الم تعهد نفسها بمنح طفلها صفات خاله! إنها المأساة الحقيقية حين لا شيء يرضيك.. لا شيء!
هدأت اساريرها وهي تنفض وتتجرع ذرات الاكسجين من اجل تهدئت هيجانها.. رسمت إبتسامة مصطنعه أمام المرآة وراحت تمسح على عجل وبخفه، مدامعها.. آلمها بأنها تخبئ تراكمات مشاعرها.
اعادت ترتيب مظهرها.. وخرجت.. الا ان الاثار لم تحول عن ملامحها.

****

موزعة الفكر، متوقف تفكيرها عند والدها والخطب المفجع الذي حط على الدار فنزع الطمأنينة والأمان المنبعث منه.. وخيم الحزن والفجيعة على حياة كُل فرد في القصر.. تلك اللحظة علمت بل ايقنت بأن يوم فضيحتها ستزلزل العماد ويسقط كل ثبات.. إنه يوم الفناء عليها وعلى اهلها.. خُيّل إليها أنها حلّقت أعالي الجو لتسقط مرة واحدةً وتتحطم، وأن المنطق كان يوجب عليها أن تلتزم جانب الريث، وتتعلق بحبل الحذر والروية قبل أن ترمي بنفسها في التهلكة، وقبل أن تتردى في جرفٍ سحيق لا قرار له. ومن يهمها أكثر من والديها! هي تمردت وخرجت عن حدود العرف ولكن هذا لا يعني بأنها لا تكن المشاعر لأهلها، لربما فكرها يختلف عما آمنوا به!! هي فتاة التحرر والفكر الانتعاقي وهم معقدين متشبثين بفكرة الاجداد وما تربوا عليه.. من مبادئ وعقائد!
أليس هذا ما جعلها ترتكب الخرق! إنها لم تستعمل الرأي، فلتذق علقم سخفها، وتنتظر عقابها المؤجل لفترة غير معلومة.. كيف تبتعد وتنأى وهي الآن موسومة بميسم الخزي.
عيونها على النافذة.. لا تزال لم تستوعب مكان ذهابها ولا يهمها.. فالخوف يلتهم كل ذرة قد تبقيها على رشدها. تقدمت السيارة أمام البوابة الضخمة فشرعت بالانبلاج بعد التدقيق في أرقام اللوحة.. كانت بصريه تنتقل عليها وعلى طريقه منذُ ركوبها وهو لم يسمع منها سوى أنفاسها المضطربة، ولم يحاول الاخذ والعطاء في الحديث إنها قاسية الطبع وشرسة المزاج..
اوقف مركبته بجانب المراكب المأهولة.. التي ضجّت طوابير لقضاء حفلة شواء أقامها السيد على شرفه.. فكل وقت له مزاج، ومن يشاركه مزاجه يكون قد فاز بالتعامل معه.
بلل شفته، ومسح بخفه على ذقنه.. يخشى انفعالاتها.. بصوت خفيض: ليان!
علم بأنها ساهية، غير مدركه بتوقف المركبه.. أعاد ذكر أسمها، ومع لكزها بخفها: ليان! توقف عن اللكز بعد ان ابتعدت عن لمسته بنفور واضح.. فامتعضت ملامحها بإشمئزاز، وغضب.. وهي تستل بكلماتها الساخطة: لا تلمسني.. ولا تكلمني.. تماديت.. ثم صمتت بإدراك وتجول ناظريها في المكان بتفحص.. ولكنه أسرع شارح حين بان عليها اللافهم: my dad مسوي Barbecue..
قاطعته بصرخة وهي تضرب بيدها على طبلون السيارة بحمق: على أي أساس جايبني هنا! كم مره أقول لك ما ابغى احد يشوفني معك! وما ابغى اتعرف على اهلك..
- Wait ليان.. Wait لا تعصبين أنا ابغى اجلس معك.. وننبسط سوا..

تعالى صوتها فأربكه رؤية دموعها الضامرة من ماقيها.. حيث أن حمرة صبت على كامل سماتها.. وهي لا تزال تضرب بقبضتها الطبلون: انبسط وبابا تعبان في المستشفى! كيف تبيني انبسط!؟ وهشهشت ببكاء مسموع، وبات في حيرة من الأمر.. فأزاح وجهه لجهة مغايرة.. يحاول جمع شتاته.. وما أن طفقت تقول حتى أعاد ناظريه عليها: رجعني لسيارتي.. ما راح اجلس هنا لو دقيقة.. أنت ما تحس بشي.. ايش تبي مني خلاص اتركني في حالي.. انا الغلطانه اللي تعرفت عليك المفروض ابعد عن اشكالكم!

ضرب المقود بإهتياج فأصمت صوتها تدريجيًا.. وحملقت اليه بشيء من الدهشة.. وتلاها صوته المنزعج المستاء: ليش تقولين كذا ليان، ليش! أنا.. أنا حبيتك.. وأنتِ بعد حبيتيني.. تذكرين قلتيها ليان.. يااه قلتيها.. ولا كنتي تكذبين علي.. كلهم قالوا انها تلعب عليك.. تلعبين علي ليان.. تلعبين!! هاااا..

فتولاها الخوف، واصفر وجهها.. من مظهره المشتد.. وهي في وكره! إنه محاصرها من كل جانب.. وهو مجنون واخرق سيفعل أي شيء للاستيلاء عليها!
فهل ترى يغني عنها اعترافها؟ وهل كان من الحكمة أن تفضح ما اسرته لشخص متشفق على حبال قلبها!!
ولم تقدر للمضي أكثر مما فعلت.. فتعثر لسانها عن الرد.. وتوسعت حدقيتها وهي تراه يفتح بابه هابط.. وعلى عجل استدارت لمكانها.. وإذا بالباب يفتح من قبله.. وهو يصرح بحدة ونبرة غليظة فيها من الغضب الممزوج بالتحدير أن حاولت التملص عن الاستجابة لأمره: اخرجي!
وصاح بالكلمة.. فحدقت نظراتها في عينيه.. وتململت مكانها.. الا انه أمسكها من معصمها ساحبها.. وصاحت في آلم وخوف من ترجلها الغير آمن بالنسبة لمركبته العالية عن سطح الأرض.. فأغلق الباب مخلف صوت ارتطام عالي.. فماذا دهاها حتى أصابها من لينه كل سوء؟ وطفقت تقول محتدمة هائجة: ماني رايحه معك.. افتح السيارة.. وصاحت وهي ترا ذاتها تُدفع للخلف.. حتى ارتطم ظهرها بـ باب السيارة.. واقبل عليها ويده تمسك ذقنها: خلاص اسكتي.. I don't want to hear your voice.. امشي معي.
-ليش ما تتفهم وضعي.. قلت لك بابا تعبان في.. وقطع جملتها ضرباته المتكررة على الحيز المستنده عليه.. وهو يتلفظ بحمق وموجدة: كله منك.. مقفله جوالك عشان ما اكلمك.. واذا كلمتك تحججتي بأعذار.. بس أنا سكت لك كثير.. وتعرفين يا ليان اذا حاولتي بس run away from me.. راح افضـ.. وصمت بذهول.. بعد أن لكمته على صدره بأنفعال، وهي ترفع نبرة صوتها بحنق: كلب حقير.. And fu.. damn
فصم شتائمها بعد أن امسك بذراعيها رافعهما على الباب.. وتقدم نحوها.. حتى ما عاد بينهما مسافة تذكر.. وعيونها محدقه في خاصته بتصدي.
وخرجت حروفه من بين أسنانه في حمق: لاني حبيتك.. وماتستاهلين مشاعري لك.. بس ما راح اتركك.. فاهمه ليان.. يااه أنا ما راح اتركك تاخذين غيري.
فدفعته للخلف قليلًا.. وزادت شراسة مظهرها أثناء اقترابها منه في تحدي.. وعيونها قد زادت دهماء.. وحين ارادت ان تردف الا وبلعت ريقها بعد أن توقفت سيارة بالقرب منهما.. وخرج السائق في عجل.. ليتوقف على الجانب.. فاتح الباب لرجل كهل برفقة شابه تقاربها في العمر.. إلا أن مظهرها يوحي بأنها اجنبية.. وما زاد تعجب ليان هو لباسها الفاضح والذي يكشف أكثر مما يطمر.
فأعادت ناظريها لـ ماجد.. وهي تقول بدرجة منخفضة: وين حنا فيه!؟
أخذ أنفاسه.. وأصابع يده تغلغلت بين شعر رأسه.. فتكلم بملامح عابسة: قلت لك Barbecue.. وثانيًا فسخي هذي اللي عليك.. مظهرك غلط.
فجالت بصريها على تزاحم المكان بأنواع السيارات الفاخرة.. وتناهت في الهجس والتوجس، وصور لها الوهم فضيحتها تتجلئ أمام ناظريها.. أن أهلها ذا نفوذ وصحبية، معروفين عند أغنياء البلد.. فهل فكرت قبل الإقدام في ما يجري؟ هل فكرت في حالها حين يقع البلاء وتذيع قصة فضيحتها، ويعرفها الملأ؟ إنها الآن تنتظر الضربة، وقد تكون ساحقة.
فرجفت شفتها من هول الفكر.. وقالت بتسرع مهدئة ذاتها، ممسكة يده: بس اروح بسرعة! بسوي اللي تبيه لكن توعدني ما نجلس كثير.. أنا بابا تعبان.. مقدر اتأخر.. Please.
وحملق في مقلتيها إذا بها تحوي الى الترجي.. فلانت ملامحه من مظهرها.. ولكنه انزعج من قلبه الذي يرق اليها في عجلة: OK.. OK ليان بس بسرعة تأخرنا كثير.
وهرعت تفتح ازرار عباءتها وتعيدها في السيارة.. ظاهرة فستانها الزيتي الخفيف الحائر على ساقيها.. ويغطي كامل جسدها برقي وجمالية.. مزموم للجزء العلوي الى خصرها وبعدها يأخذ توسع.. كان ظهورها أشبه بالنسمة المنعشة، تهب على القلب المهيض فتنفخ الحياة في مواته.
علمًا بأن وجهها غير متكلف بمساحيق المكياج.. فهي تميل للبساطة والخلق الحسن الذي لا يحتاج الى مساحيق لينضر.
كانت عدسيتيه تسير على كامل مظهرها ولكنه توقف على ملامحها وهي تعيد تسريح شعرها أمام المرآة الجانبية للسيارة.. وما أن انتهت حتى تبسم.. مقترب منها.. دافعها للخلف، وهم بتقبيلها، إلا انها وضعت يدها على شفاته مانعته من التوغل فيها، واغتصبت نبرة خافضة ناعمة: لا تخرب lipstick.
ابتسم وهو يطأطأ راسه من مراوغتها.. وخلل أصابعه بأصابعها.. فسارا داخل المعمورة الفاخرة.. لم تهتم باللوحات الفنية والزخارف المنوقشة بدقة.. فهي معتادة على الرخاء الموسوم في هذا المبناء.. ولكن ما أثار ريبتها.. الحرس المسلحين والمنتشرين على كامل المكان.. قالت وعيونها تحط على البنيات الضخمه المخيفة: ليش فيه حرس مسلحين!
أجاب دون أن ينظر اليها: سطام عنده enemies كثير.
رفعت حاجبها بريب: وش يشتغل أبوك!
القى بنظره عليها وحينها قد شرع الخادمان بفتح الباب المطل على الفناء الداخلي..
رد بتملص: businessman.
وشدت على يده حين التقطت مسامعها أصوات العزف الموسيقي.. تبسم بخفه نازع يده من يدها.. وراح محيطها بذراعه جاعلها تتقدم برفقته.. كان كل شيء يزيد من هلعها.. وطفق الريب من المظاهر الماجنة تضع علامات تعجب واستفهام! وما زاد مريتها وزود الكحول بأصنافه.. ويقدم للحضور بأريحية مفرطة.. حلقات من الجمع مختلفة العروق والاجناس.. رجالًا ونساء.. كانت حفلة الشواء تميل الى الحفلات الغربية في تشكيلتها..
وعادت الى الندامة، ومهما يكن فقد فات زمن الندامة والتحسر على شيءٍ حصل.
توقف الخادم الذي يحمل الصينية الحاملة ل كؤوس الشومبانيا.. أمامهما، تناول اثنان وضمر يقول بالقرب من أذنها، إذا انها مركزة على الخلجات والتحركات للمكان: here you!
اسرعت: اوه.. لا Thanks.
-بيعجبك.. كاسه وحده!
طأطأت برأسها نافية: لا شكرًا.
هز متفهم.. وهو يعيد كأسها بينما ابقى الاخر ممسكه.. افرج كفه اسفل ظهرها.. وهو يشير باليد الحامله للكأس.. واخفض ذاته بالقرب من أذنها: هذا هو.. My dad.

Continue Reading

You'll Also Like

956K 16.3K 39
اللي اشوفه ظلام بوسط انوار ، مااسمع بس اللي حولي يتراقصون ع انغام اغنيهه مفرحه ، امي وصديقاتي وبنات عمي وخالي حولي بس مو قاعده احس فيهم خالي وخالتي ي...
60.5K 607 39
مساء أو صباح الخير كيفما كان التوقيت لديكم اقرؤها هذا أول عمل روائي لي و هذه بدايتي الأولى بين يديكم لازالت تحت الانشاء أرجو أن تنال على استحسانكم اع...
101K 1.4K 50
للكاتبـه ليما @rwizi_ ما تحلل اقتباسها او سرقتها او نقلها لمكان اخر ✖️ .. تتكلم الروايه عن بطلتنا سمى اللي تفقد امها وابوها بأحداث غريبه وياخذها جده...
714K 10.4K 44
روايه اعجبتني ف حبيت اشركها معكم للكاتبة }{!Karisa!}{