الفصل الثاني

16.9K 234 224
                                    

"لا تثق في البدايات فأصدق الكلام يُقال في اللحظات الأخيرة"

( فيلة سلمان آل ثنيان )

كانت تجلس إلى طرف طاولة مصقولة للأكل تقوم بإطعام صغيرتها إفطارها التي تبلغ من العمر سنتين... تكلمت بينما تحشو الخبز بالبيض: غيداء وش تتوقعين سبب تأخر عمي.. الساعة بتصير ثنتين وللحين محد تكلم؟
ردت بينما تحتسي الشاي الخاص بها: شكلهم معندين إلا وإلا نتنازل... الله يعطيني عزيمتهم.
عبير أومأت برأسها لتبدي رضاها على سخرية غيداء ثم نظرت عالياً تجاه ساعة الحائط وقد تبق خمس دقائق قبل على دخول الساعة الثانية مساءًا: عساه خير... المهم انتبهي ل جوري رايحه اصلي تاخرت... توقفت عن الحديث وتوجهت نظرها ونظر غيداء الى المداهمة على عجل في غرفة الطعام, تجهم وجه غيداء لتردف بتساؤل: وش بلاك وسن؟
وسن وهي تتنفس الصعداء، وتتأجج من ناظريها التي تنقلها بين الاختين.. الصدمة والاضطراب: ابوي سامح.
لقد كانت جميع الوجوه حولها مندهشة ومصدومة وتحدق فيها! وكان هناك العديد من التعبيرات المتنوعة التي تكسو تلك الوجوه... إن الأحداث تصدم المفاهيم ولذلك قالت عبير المتسمرة في مكانها بنبرة خافتة تكاد أن تُسمع.. يبدو ان شفتيها اختلجتا، فلم تستطع ان تنطق بهما بالطريقة المثلى للإبلاغ: أنتِ وش تخربطين... وش اللي سامح... ومين قال نبي السماح!!
وفجأة, ومع رؤية الصورة واضحة في عقلها تكلمت غيداء التي نهضت بالمقابل بلا سابق انذار، وغمغمت بذهول وانفعال: وسن اللي تقولينه صدق ولا تمزحين!
ارتبكت بشدة من تلك الوجوه المليئة بالأسئلة... بدا لها وكأنه محاولة عقيمة لجمع قطع آنية زخرف محطمة وإرجاعها إلى سابق حالتها.. لذلك حاولت ان تخرج كلماتها لينها الا أن التوتر كان يغلب عليها من شدة شدوه تلك الاعين المتحادقة فيها: والله هذا اللي سمعته من سعود لما أمي كلمته.
فلم تحفل كلامها، بل استدارت إلى حقيبتها الموجودة فوق الأريكة.. حامله هاتفها الخلوي وتقوم بالاتصال بزوجها ( فهد ) وابن عمها في الوقت نفسه: رد...رد !
تراجعت عبير إلى كرسيها بصدمة ممسكة برأسها وما زال هناك احمرار على وجهها.. وبنبرة هادئة مصدومة: طيب ليه... وش اللي غير رأيه... ليه بالأساس يسامح من غير ما يعطينا خبر على الأقل...
ردت غيداء بضجة وبنبرة صارخه بعد أن حذفت هاتفها على الأرض دون وعي منها: حسبي الله ونعم الوكيل فيه ... هذا هو نفسه اللي أبوي وصاه علينا شوفي وشلون ارخص دم محمد عند هالكلاب اللي ما يستاهلون... لكن وربي ماني مسامحه ولا واحد فيهم.
عبير بغبنة وانينها بدأ يعلو: اخ يا محمد دمك انهدر ولا جبنا حقك من قاتلك... اخ ياخوي حسبي الله على اللي كان السبب!
وسن في محاولة لتهدئة الوضع الراهن: بس بنات اصبرن يمكن يكون فيه شيء خلى ابوي يسامح... وربي قبل أمس سمعته يقول لأمي سماح محنا مسامحين بس... لتقاطعها غيداء بحدة واستنكار: على وش نصبر... ابوك يا وسن سامح خلاص يعني مابه رجعه وتقولين اصبرن.. دم اخوي وحيدنا اللي مالنا غيره انسفك وتقولين اصبرن!
عبير وكأنها تحاكي نفسها بإشعال شمعة الأمل: يمكن ما سامح وأنت سمعتيه غلط... صح وسن!
ارخت وسن ناظريها بأسف دون أن تردف بكلمة فكلمة ( سماح ) سمعتها من هاتف والدتها الذي وضعته على المكبر، يصدح منه صوت أخيها الأكبر سعود ( أبوي سامح آل مسفر وعتق رقبة ولدهم ). غيداء بضحكة ساخرة ممزوجة ببحة بكاء وهي تحرك اكتاف عبير بانفعال: عمك سامح يا عبير ودم ولد أخوه ما هز فيه شعره وش تبغين أكثر من كذا!... توقفت وهي تلتفت بغضب وقت دخول زوجة عمها التي وقفت بنظرة أسئ حقيقة: اترحموا على اخوكم احسن من النياح اللي تسوونه.
نهضت عبير مسرعة إليها وبنبرة استنكار: عمة صدق عمي سامح! بالله عليك تقولين الصدق؟!
زفرت بضيق و تراخت عيناها لأسفل لا شيء يبرر... لتكمل عبير برجاء وهي تمسك كف العمة: تكفين يا عمة قولي أنه عمي ما سامح ويبي شرع الله!
احتضنت ملامح عبير بكفيها بحزن بالغ: خلاص يا عبير عمك ما سوا الإ عشان الأجر والثواب يعود لأخوك...
لتقاطعها الأخرى بإجحاف صارخة مستحقرة مغبونة: تقصدين عشان يبين نفسه رجال ومحدن قده جالس يهايط في المجالس على حس أخوي الله يرحمه. لم تكن غيداء أبداً ممن يسعى لإرضاء الآخرين. عبس وجه العمة في غيداء ثم امالت رأسها إلى الجانب الاخر, بالطبع كانت غيداء فتاة غاضبة ومتسرعة للغاية, ومن السهل أن تسيء تصرفٍ ما, و تخطئ في فهم المعنى. ليقطع الضجة التي تحدث بوق سيارة تتقدم إلى المنزل. سحبت غيداء عباءتها المعلقة بتسرع وهي تقول ببحة البكاء الساخطة: الحين راح نشوف وش مهببين. نزلت للأسفل عبر الدرج. ولحسن الحظ لم يكن متواجد غير زوجها وعمها سلمان... قالت وقد بدأ صوتها عالياً صاخباً: هلا والله بعمي اخو ابوي وأبو زوجي واللي ابوي تركنا أمانة برقبته.. وش اللي اقدمت عليه يا عم!!
رمقها زوجها بنظرة غاضبه ثم قال بصوته الرجولي وبنبرة حادة الانفعال: غيداء اسكتي ثمني كلامك!
توسعت حدقية عينيها بغضب لاذع، راسم غصات الضيم والحسرة الجامحه على ملامحها البهية: لما تكونون سند وعزوة حزتها بثمن كلامي.. اما ان ترجعون لي بصفح وسماح لباطش دم اخوي تخسون وتهبون!
صرخ بعالي صوته وهو يتقدم ناحيتها منفعل: اطرمي على تراب.. اسكتي ولا يمين بالله لا.... سكت بعد أن شد والده على كفه تذكيراً بإمساك أعصابه.
اطلقت ضحكة مدويه هازلة: وش بتسوي لو كنت رجال كان سويته في اللي ذبح ولد عمك بدم بارد... لم يستطع تمالك اعصابه اكثر من ذلك لذا قام بصفعها بقوة دون تردد... ضربت والدته النازلة للأسفل بتزامن على صدرها بفجعة وخلفها وسن وعبير: بسم الله وش فيكم!
سلمان بصوت صارم: فهد احشم بنت عمك واستح على وجهك... تضرب مره وقدامي بعد!
فهد بقل حيله وهو ينظر لأسفل بسبب وجود عبير التي تقف على عتبة الدرج: الحشيمه لك يابو سعود ولا بنت عمي يبيلها قص لسان.
نظرت إليه بانفعال وغضب صارخ: وش تبيني اسوي اصفقلكم بعد اللي سوتوه... أدركت عبير أنه لابد من تهدئة غيداء لذلك أمسكتها من ذراعها ثم وانبرت موجهة حديثها لعمها: يا عم صدق اللي سمعناه أنتم تنازلتم؟
سار سلمان ببطء دون أن يجيب وما أن وصل إلى الدرج، بنبرة أمر: خلوا تاج تجيني بغرفتي... ترقبته جميع الأنظار حتى غاب عن الوجود. تكلمت غيداء باستفسار لذلك الزوج الذاهب باتجاه الصالون: فهد وش يبي أبوك من تاج!؟
قال بينما يسير بنبرة حاده متشاغل بهاتفه: مالك شغل اسمعي كلام عمك وخليها تجي عنده.
نظرت غيداء إلى أفراد العائلة بعينين متسعتين من الدهشة وشيء من الحيرة تلبست سماتهم: وش يبون منها... تاج وش دخلها؟!
بينما وسن اسرعت في الصعود لأعلى: رايحة اصحي تاج. تاركه خلفها صوت غيداء الغاضب الذي يدوي بأنواع من الاسئلة والاستنتاجات في آنٍ وأحد.
دخلت الغرفة التي تتشاركها مع تاج شعرت بقشعريرة في جسدها بسبب الجو البارد الذي داهمها ما أن دخلت لتتوجه مسرعة مغلقة جهاز التكييف ثم تكلمت وهي تحرك بلطف تلك الهيئة الأنثوية النحيلة والغير واضحة ملامحها بسبب شعرها الغزير المتناثر حولها: تاج... تاج!
همهمت دون أن تفتح عينيها الواسعتان. وسن بنبرة خافته: تاج حبيبي أبوي يبيك في غرفته.
فتحت عينيها ببطء شديد وقد بدأت بإبعاد شعرها عن ملامحها حتى جلست قائلة بتساؤل: وش يبي؟!
ردت وسن بعد أن ابعدت الارتباك عن ملامحها: مدري روحي شوفي وش يبي؟!
نهضت بصعوبة ساحبه قميصها: عبير وغيداء جو؟
هزت رأسها: ايه جو.
نظرت إلى نفسها بتسرع في المرآة ثم نقلت أنظارها بقلق لـ وسن الواقفة خلفها: منجد عمي وش يبي؟
وسن بتسرع محاولة كتمان ربكتها: مدري تاج هو بس قال خلوا تاج تجي غرفتي بس ما قال وش يبي منك.. المهم بسرعة روحي عنده تراه ينتظرك من زمان.
-طيب وجهه معصب؟
بصوت هادئ: لا ما كان معصب.
أطلقت تنهيدة من الراحة: الحمدالله يختي مدري ليه أحس بمصيبه جايه في الطريق.
قالتها في نفسها بينما تتأمل وجه تاج: لو بس تعرفين أنه عمك سامح في دم أخوك ومدري وش مخبي بعد. توقفت عن حديث النفس وابتسمت ابتسامة عريضة: تبغين زفة يا عروس يلاه تحركي أبوي من أول ينتظر.
ضحكت تاج متوجهه للخارج: الحمدالله ضحكتي شكله الموضوع يونس.
سارت إلى غرفة نوم عمها بعد أن انسحبت وسن.. طرقت على الباب ليجيب بصوته الوقور: أدخلي يا بنتي. دخلت بخطوات بطيئة. كان يجلس فوق تلك الأريكة الفردية بكل هدوء وهو يحرك شعر لحيته الكثيفة الممتلئة بالشعيرات البيضاء ويمتلك شارباً منحنياً لأعلى بشكل لامع للغاية. محدق للأسفل بتفكير وكأنه يقوم بحل احجية. رفع عيناه باتجاه الفاتنة التي تقف أمامه: اجلسي يا بنت أخوي وصلي على رسول الله. لبت مطلبه بالصلاة على النبي... جالسه فوق الكرسي الذي بجانبه ولا تزال تفرك كفيها ببعضها بتوتر.

لا تحملني خطا ما هو خطاي..لو أنا المخطي كان والله اعتذرتHikayelerin yaşadığı yer. Şimdi keşfedin