الفصل الأول

32.1K 296 373
                                    



لعلَّ البلاء الذي لا تحُبه، يقودك إلى قدر جميلٍ لم تكن
تحلم به.

فصل الشتاء| يوم الأربعاء منتصف الليل.
‎في قلب المملكة العربية السعودية ( منطقة الرياض )
‎وتحديداً في تلك الأبراج الشاهقة التي تمتلكها الحكومة وتعتبر مكان رسمي لبث الأمن والاستقرار للوطن والمواطن
( رئاسة الاستخبارات العامة السعودية g.i.p ).
‎أرخى رأسه على كرسيه الجلدي ذو اللون الأسود, بعد انتهائه من الاجتماع المفاجئ الذي قام بترتيبه على عجل. لم يكن ليتصور على الإطلاق الاخبار الصاعقة أو سلسلة الأحداث التي ستترتب عليها.. والتي تلقاها وتوصل إليها بسبب الخطة المدروسة التي وضعها بإحكام وإتقان. وقد استغرق الأمر ساعة بعد خروجه من الاجتماع يستوعب النتائج المدمرة التي ستترتب على ما حدث مسبقًا. والآن انتبه الضابط أن يديه متشابكتان بإحكام لمجرد تفكيره بالمعلومات التي حصل عليها. فحرر يديه وحاول استنشاق الهواء ببطء ليرخي عضلاته. أغمض عيناه لأخذ برهة من الراحة بعد عمل متواصل مهلك للذهن قبل الجسد.
‎زفر ببطء وهو يسمع طرق باب مكتبه.. اعتدل في جلسته قائل بصوته المهيمن: تفضل
‎دخل العميل مطأطئ الرأس لا يعلم ما الذي سوف يواجهُ من قنبلة نووية حين يعلم رئيسه
‎بأن هناك من قام بانتهاك بعض الملفات السرية, قال بنبرة تردد وهو يبلع ريقه وكأنه يحاول
‎ابتلاع لقمة تقف في بلعومه: طال.. عمرك.. قاطعه رئيسه بتسرع وهو قد استشعر الارتباك الذي يحمله الطرف الاخر: وش عندك محمد؟
‎كان يتدفق الدم إلى وجهه ويزم شفتيه. تلك علامة أكيدة على الرعب، لذلك قال بصوت
‎يتجوفهُ التوتر والقلق: طال عمرك فقدنا ملفات آل فياض ورشاش.. مرت ثواني ولكن لم يسمع
‎أي صوت يدوي, كان يتوقع صياح وصراخ، لذا رفع رأسه ببطء شديد حتى التقت عيناه
‎بتلك الأعين الحادة المزلزلة وكأنها جمرة تنشوي في نار الهاوية وليته لم ينظر فالصراخ
‎كان أفضل من حديث الأعين. لذلك شعر بقشعريرة عميقه تسير بدايةً من رأسه حتى
‎أخمص قدميه. تكلم بتسرع محاولاً تحسين الصورة وترقيع ما يمكنه ترقيعه: ابشرك يا طويل العمر
‎اليوم إن شاء الله راح نحاول نسترجع... قاطعه وبنبرة هادئة ولكنها تحمل الكثير من الغضب والأوامر الصارمة: مو اليوم هالحين
‎أخذ رئيسه يلتقط الهواء بعد أن قام بزفيره دفعةً واحده مع كل كلمة كان ينطقها حتى
‎أكمل بنبرة أمر ممزوجة بالتحدي: بلغ الكل ولا واحد فيهم يعود داره قبل لا ترجع الملفات وأي شخص عنده اعتراض خل يتفضل
استجاب للأوامر التي أتت دون سابق انذار وظل يهز رأسه: ابشر يبلغ
‎وقبل أن يخرج العميل سمع أسمه من صوت رئيسه لذلك لبى النداء وأعاد نظره إليه: تفضل طال عمرك
‎ليرد الأخر بنبرة ثابته: استدعي العميد رائد لمكتبي
‎محمد: امرك الحين يوصل
‎خرج العميل تارك الحمل الثقيل على كاهل الضابط (مشعل بن خالد آل مسفر) برتبة لواء. كانوا قد قطعوا شوطاً طويلاً عريضاً في تلك الملفات التي تدين آل فياض ورفيقه المجهول المعروف بـ (رشاش) في بعض الجرائم ولكن حصل مالم يكن بالحسبان فقد اختفت بين ليلة وضحاها. أخذ يفرك جبينه ببطء فقد افتكه الصداع النصفي الذي يلازمه في أوقات العمل الحالكة أخذ يفكر بتعمق في الوضع الراهن فماذا لو أستطاع آل فياض ورفيقه المجهول تدمير تلك الملفات والفرار من العقوبات. ضرب قبضته بقوة على مكتبه الخشبي حين توقف فكره في تخيل فرار أخطر مجرمين ( غسيل الأموال ) من العقوبات. لم تمر ثلاثة دقائق حتى طرق باب مكتبه، تحدث بانضباط هادئ كما هي عادته: ادخل رائد
‎تقدم العميد ليقوم بالتحية العسكرية ليبادله القابع خلف مكتبه الضخم بالمثل
‎رائد بنبرة ثابته: بلغني محمد أنك طلبتني امرني؟
‎مشعل: تفضل بالأول
‎بعد أن جلس على الكرسي يمين المكتب: زاد فضلك، عسى خير؟
!‎سعل الضابط وتحدث ببرود: وش رأيك في اللي صار
‎..هز رأسه ناظراً لأسفل بخيبة أمل واضحة: والله مدري وش أقول
‎كان يتفحص نطاق سلطته بعين استبدادية. لقد كان يعرف موقعه جيداً
.موقع القيادة! مشعل بنبرته الصارمة: عطني ما عندك
‎رد بصوت ثابت: الواضح إن اللي سرق الملفات يعمل لصالح رشاش بعيداً عن آل فياض لأن لما حاول فريق الدعم التقني باسترجاع الملفات.. ملفات آل فياض ما أخذت وقت في أمكانية الاسترجاع عكس رشاش اللي عجزوا
يستوردونه!
‎هز الضابط رأسه بموافقة: رشاش يحاول ينفر بعيدا عن قرينه
‎رائد بتعجب: معقولة بدأ ينفصل عن آل فياض؟
‎قال ببطء وهو يضع يده أسفل دقنه: ممكن!
‎ثم أضاف موضح: أسمعني رائد وركز معي حالياً الوضع واضح مطول والملفات يبيلها وقت حتى نسترجعها فأنا ابي منك.. أخفض نبرة صوته قليلاً ثم أكمل: تسأل الحسن عن وضع الشغل عند آل فياض وهل سطام عنده علم بفعلة خويه.
‎قال بحزمه المعتاد: ابشر طال عمرك يوصل.
‎تكلم بلهجته المألوفة المعقولة ويعود ادراجه للخلف مستند بأريحيه:  ابيك تمسك مكاني.. اليوم عندي موعد مهم.... يمكن ما اقدر ارجع.
‎رائد باستجابة: على أمرك. ثم أكمل باستفسار حقيقي: موعد آل ثنيان!؟
‎رفع نظره إلى ذلك السائل ليجب بهز رأسه بإشارة نعم.
‎-إن شاء الله يتنازلون وتفرحون بخروجه.
‎-الله كريم.
‎رد بهدوء: هونها وتهون ياخوي قول يا رب وإن شاء الله تتيسر.
‎ليجيب مشعل وهو يمسح طرف عيناه بقلة حيله: يا رب.

لا تحملني خطا ما هو خطاي..لو أنا المخطي كان والله اعتذرتWhere stories live. Discover now