الفصل التاسع والاربعون (الجزء الأول)

24.1K 210 2.7K
                                    


"نهايةٌ مُرة أفضل من مرارةٍ لاتنتهي"

الغرفة يسودها شغب الصباح الندي.. فيتسلل شعاع الشمس ليخترق شق الستائر. يتموج جسدها فوق المفارش الحريرة التي من حولها.. كغيوم ركامية ناصعة البياض. تتقلب بعشوائية فينسدل شعرها على ترائبها وعلى المخاد.. ابتسامة علت محياها.. وهي تبلج ناظريها ببطء.. تتنافس عطره الذي كسى جوها.. بنهم وشغف.. ازدادت ابتسام.. وعيناها اخذت تتأمل ما حولها بترفق.. بداية من مكانه الخالي الى ان تسمرت على السقف.. وركبتاها الناعمتان قد تقاربتا، وكان وسط جسمها كله على شكل قلب.. كان السرير يغوص بدفء تحت عناق كشيحها الثقيلين.
عاودت اغماض عيناها، ولاتزال الابتسامة جاثمة ببشر وسرور.. وأحاسيس متناقضة لم تعبرها من قبل.. لم تعهد سعادة كما عهدتها، وعبرتها في بضع أيام.. فمكثت لتنتشي بخدرها.
تداعت للجلوس.. وترتب شعرها.. فتتركت لذاكرتها استرجاع ليلة البارحة.. كان كل شيء مغرق في الظلام.. الا إن مشاعرها تخلق لها بصيص كهربائي ينير ما يحوفهما.
وقفت بفتور.. واخذت روبها الساقط بالقرب من مرقدها.. تستر عريها.. روب خفيف، متوتر ومتحدّب بثدييها، ينطبق بعذوبة، مع حركة مشيها، على استدارة بطنها.. ويخفي رائحتها الشهية.
بينما راحت تسرح شعرها ترفعه لأعلى، كانت تحدث نفسها، مثرثرة، مرحة، منتعشة، لأنّ النهار ما يزال في عنفوانه.
ويكسر صلصقة الأواني الكرستالية.. هدوئها أمام المرآة.. يبدو أن الخدم في حركة متتابعة لتجهيز مائدة الإفطار.
تلعق شفتيها، وتلامس أصابع يدها الجرح الموسوم على طرف شفتها السفلية.. وضعت مرطب الكرز على فمها القرمزي.. وكله طراوة.
اما هو فكان غارق في أفكاره.. كما جسده المغمور في حوض الاستحمام.. الممتلئ بالمياه الباردة.. وقطع الثلج العائمة.
كُل فكره منصب على نسيبه.. لا يرغب بالتعجل في إطلاق الاحكام غير المؤكدة.. ولا في استرجاع شقيقته حتى لا يلفت انتباه الاخر لفضح أمره "إن وجد خفايا أعظم وأدهى".. كل شيء يتحتم عليه التريث والسرية الكلية.. ليراقب الحقائق تظهر وتنكشف.. أمور عديدة متشابكة تجعله يتمهل ويتأكد من حقيقته!
نهل أنفاس.. واغلق ناظريه.. ممدد ذراعيه على حواف الحوض.. وقطرات الماء تنحدر من رأسه الى وجهه.
ترقبت سكونه ولا تزال أمام العتبة.. كان مشغول البال، مشوش الفكر.. حتى بالأمس رغم المحادثات الجارية بينهما الا أن الصمت الذي يبدد ما بينهما يوضح تغيب لبّه عنها.
كان المكان مليء بمزيج من الروائح الطيبة؛ عطره النفاث، وجل الاستحمام المركز.. واريج العطور الفرنسية.. في ثقل الصباح الحبيس.
افلتت الرباط المحتضن خاصرتها.. لتجعل ردائها يسقط أسفل قدميها.. تقدمت بساقيها الرفيعة، وقدميها الصغيرة.. مظهرة تكور ردفيها، وصلبها العصبي، وبطنها الشاحبة.
تعرف بأنه مدرك لوجودها.. من حركة حاجبيه الكسلى وكأنه يتابع تحركات جسدها.. افلتت، شهقة خفيضة من برودة الماء التي ارعشت جسدها.. زمّت شفتيها وجثت حياله في الحوض.. واسنانها تهتز.. ضامة جسدها وكأنها تحمي دفئه الذي يتلاشى شيئًا فشيء.
تتأمله في هدوئه وصمته.. بتقاطيعه عظيمة التناسق، بل نبيلة بعض الشيء.. من رسمة عينيه الواسعتان الكحيلة.. كثيفة الهُدب، وخشمه كحدة السيف، في حدته وارتفاعه.
إنه يبدو ذو صحة وبأس.. قوة واستفحال.. من فتول عضلات صدره وذراعيه المكتسبة من التدريبات التي لا يأفل عنها.. فالشخصية بمجموعها فيها شيء من أناقة متينة.
-قطعت عليك استجمامك!؟
-كالعادة.
ذكرها ببسمة طفيفة لم ترسم الا انها خففت من حدة تعابيره.
استتلت وهي تمسك بمكعب ثلج، ثم نفضته مرتجفة: وش شاغل بالك! المشروع ولا الشغل!؟
ببسمة جانبية: يعني فاتحة موضوع!؟
صاحت: مـــشــعــل!!
قهقه بنبرة رخيمة.. من تعابيرها وتكشيرتها الطفولية.. وحركت اقدامها لتحرك المياه الراكدة نحوه.. قال ولا تزال تلك الابتسامة الجذّابة على محياه: امه وابوه!
ردت متكتفة: لا تتمهز بي!
أردف من بين شفتيه الملتهبتين، المنفرجتين قليلًا عن أسنانه: ابشري.
ثم حرر أنفاسه، ماسح وجهه من قطرات الماء بـ ارهاق واجهاد.. بتوانٍ منهك: كل شيء شاغل بالي تاج.. الشغل، المشروع، اهلي.. أنتِ وولدي.. وهم بعد نفسي! أمور معقدة يبيلها ركادة وفكر موزون.. فيه شيء غلط قاعد يصير.. ونا عند احساسي ما يخيب.. عشان كذا ما يهنا لي الرقاد وبعدني ما تأكدت واصلحت العثرات!!
وتابع هذه المرّة بتركيز عينيه عليها أثناء كلامه، ثم ينظر إلى مكان آخر، ويترك ناظريه ينسابان على الرخام الأبيض، ويحدث بلسانه، وهو مستغرق في فكرته، بينما هي ساكنة.. تنصت لما يفصح عنه: لا تشغلين بالك.. بتفرج.
زمّت شفتيها.. ورمقته بنظرةٍ متأملةٍ متفحصةٍ. أن هذا الرجل الذي أمامها، ويشرح مسألة بثبات ووضوح.. يروق لها.. دائمًا ما كان شخص يجيد التفكير والتحدث.. وكأن دماغه منظم على استراتيجية عبقرية في ترتيب الأمور.. العملية، الشخصية، العاطفية.. كلٌ على حده.. نقيضها تمامًا.
-وش اساعدك فيه.. آمرني أنت بس؟!
تبسمت عيناه قبل فاهه.. فأشار بيده: ابيك يمي.
بادلته ببشاشة معالمها، وهي تتقدم جهته.. وارتخى جيدها من الدفء.. حين أحاط ذراعه بدنها.. استوت تلاصقه.. فوضعت رأسها على كتفه.. تستنشق عنقه بانتشاء.. وعلت اصابعها تتحرك على عوارض دقنه.. التي يتخلل اسودادها اللون الرمادي.
ثم همست بتكاسل: صدق مشعل.. وش اساعدك فيه؟!
صرح ويده تتلاعب بخصلات شعرها المتهدلة على جبينها: ابيك تريحين رأسك من كل شيء.. وتولدين على خير.. هذا كل الّي ابيه منك، وارجاه.
ازاحت رأسها عن كتفه العريض.. رافعه ناظريها لمستوى ناظريه.. وتوقفت أصابع يدها عما تفعله سوى أنه بقي كفها منفرج على دقنه.
عقّبت، هامسه وعيناها تراقب عيناه الدعجوتين ثم تدنو لـ شفاهه الممتلئة: ودي ادخل عقلك واعرف وش تفكر فيه!! موب طبيعي كل ما جلست مع نفسي وافكر فيك.. انتبه اني ما اعرف الا القليل عنك.. وفي كل مرة أكون معك استكشف أمور جديدة.. وكأني اول مرة اعرفك.. بالأمس حسبت حالي تعمقت في شخصك لقيت بعدني عايمة في لجة بحرك.. رغم اني مرتك وقضيت معك فترة ما هيب قصيرة.. ومتأكدة بعد.. ان حتى اخوانك وابوك ما يعرفون دواخلك!
وقالت بعد شيء من الصمت: ابي اعرف! ليش دايم تحسس الّي حولك انك ما تحتاج لهم.. حتى وأنت في قمة تعبك ما قد قلت انك مجهد وتعبان.. دايم تخفي هالجانب الطبيعي في كل انسان.. تعرف ان امنيتي انك تفضفض لي عن الارق الّي يعكر نومك.. عن الضيقة الّي تصيبك من شغلك او علاقاتك الاجتماعية.. او اي شيء مشعل.. ودي احس انك شخص طبيعي مثل أي انسان في الحياة.. مثل ما سولف معك واحكيك عن يومي والمواقف الّي تصير معي.. وتجلس أنت تخفف عني وتنصحني وتشيد بي.. ودي بكذا انا.. اخفف عنك وانصحك.. واشيد بك.. ابي احس فيك مثل ما تحس فيني.. ابي لما اجلس مع نفسي.. اعرف هالحين وش الحالة النفسية الّي يمر فيها مشعل.. ودي بهالشيء! قلة كلامك هو السبب الرئيسي في كل مشاكلنا وعدم التفاهم الّي بينا.
زمّ شفتيه.. ناظر لها بثبات.. حيثما أسبلت الهدب بتشويش من عمق عيناه السليطة.. سكون تمدد، الا باندفاعات زهيدة لموجات الماء ومكعبات الثلج.. عضت شفتها السفلى.. واكملت سبابتها في تتبع منتصف صدره.. لمّا توقف للحظات عندما تلمس زمام سرتها.
وبدد ما خيم من صمت، بقوله: أنا كذا طبعي مالي في كثرة الهروج.. والتعبير عن الشعور.. بس دام أم محمد اطلبت.. فلها ما تبي حتى لو اختلقت سالفة.. كل شيء لعيونها.. لعيونها!
فتبسمت بخجل واخفضت النواظر، حين شخص البصر فيها وكانت عيناه براقة فيها شقاوة ناعسة تخالف نظراته الباسلة الحادة المعتادة.. فأصبحت مكّارة لعوبة بعض الشيء.
بنبرة خافتة: اسمع لك.. قول الّي تبيه!
ذكرها وهو يمسد فخذها: ودك تعرفين وش الانطباع الّي اخذته عنك.. في أول لقاء بينا!؟
ردت ولا يزال رأسها على صدره: لا ما ودي.. كان موقفي سخيف.. وما اعرف وش كنت اخربط.. وأنت كنت حيل قاسي!!
-كنت قاسي!!تقوليها كذا بليا حساب!؟
قضبت حاجبيها من استنكاره.. ونظرت اليه موضحه: ايه كنت حيل.. حيل قاسي موب شوي! كلماتك للحين صداها في اذني ما نسيتها.. حافظتها حفظ مشعل!
بثبات واتزان، فكان لا يقول كل ما يفكر به. كان هذا محسوسًا من جرس صوته، سحر لهجته، من انتقاءه الموسيقي للكلمات. كان تفوقه عليها ظاهرًا، لكنها كانت تسيطر عليه بنوع من الصدق العبقري، وفي حين أنه كان سيد كلماته، كانت تهب نفسها في كلماتها. كانت تصف جو احاسيسها السابقة: بس ما فكرتي وش كان بيصير.. لو اني لنت معك بالكلام!! كان تماديتي اكثر.. القسوة احيانًا مفيدة.. اما الطبطبة ما تفيد الا وقت ما تكونين في بيتي وتعرفين شخصية الّي قدامك زين.. لو تدرين اني ما اطلق الاحكام بسرعة خاصة على مره.. اما الرجال من نظرته تعرف وش هي نواياه!
يذكرها بجمود ويتراءى له عبوس معالمها، رفعت هامتها، مدافعه عن موقفها: ما طلبت تطبطب علي.. بس كلامك كان جارح.. المفترض تتفهم وضعي.. وطريقة زواجي منك!
هز رأسه موضح: اتفق معك في التفهم.. لكن قسوة حروفي قطعت سيل اتهاماتك.. لانك ادركتي بعد ما ذكرت عمك.. انه من غير اللائق تتكلمين بهالطريقة.. وخاصة في وقت ضيق.. ان كنتِ في بيتي او كان الوقت أطول ومحد بيقاطعنا.. ممكن حزتها اتحاور واتناقش معك.. بس اختيار المكان والزمان غير موفق!
بنبرة ابتئاس: يا حبك لتعكير مزاجي! يعني هذا الموضوع الّي طلع معك!؟
هزت رأسها بلا رغبة في مواصلة النقاش.. واشاحت بوجهها للجانب الاخر.. لا تدري بأي منطق ترد عليه.. سوى أنه محاور جيد.. وتكره هذه الصفة فيه.. تشعر بأنه يخرجها من صحة موقفها الى ضعفه!
ولحظ هو خيبة الأمل التي ارتسمت على أماراتها، ولكنه أكمل بمصداقية كما تعرف عنه: كان ودي أتكلم معك في هالموضوع من بداية زواجنا.. بس كنتِ بعدك رقيقة ما نضجتي واستويتي زين.. بس الحين غديتي مره تتحمل الشدايد والكلام الثقيل.. لا وصرتي تراددين ولك لسان وش طوله.
شخرت بسخرية، تعصر شحمة أذنها: حتى تشبيهاتك غريبة.. نضجت، استويت.. وش شايفني كبسة!
كان يصغي اليها وهو راسم ابتسامة واسعة على تقاطيعه الراغبة فيها.. كان حقًا جميلًا.. بعينيه الواسعتين اللتين توحيان بأنهما معبودتان، وشاربه المتهدل، وسيمائه العذبة.. كان يبدو متعاليًا على كل شيء وقادرًا على كل شيء.
رد بتباطء ويده تتبع عمودها الفقري بتفنن: كلها نعمة أنتِ والكبسة!
أحمر وجهها من ضحكتها الرنانة بنعومة، التي أطلقتها في المكان.. فطفقت تقول من بينها: ايه كمل وش بعد؟!
أخذ انفاس ثم زفرها دفعة واحدة.. وأعاد كما لو أنه يدخلها في جوف فكره ويرسم الصورة بكاملها أمامها.. بـ إيماءات يده الرشيقة: وقت ما دخلتي تعجبت حقيقة.. قلت يا ولد هذي مرتك، معقوله!! يمكنهم يمقلبونك ولا وش السالفة!! بعدها ورعة مهيب وجه زواج ذي! اعرف انك صغيرة بعمر خواتي.. بس ما هقيت حجمك هالقد! ونا رجال طول في عرض!! بس الصدق.. حـــيـــل مزيونة.. وتهبّل.. مدري ويني عنها من زمان.. وصوتها!! آخ من صوتها.. يفز له القلب رغم سموم حروفه.. بس عذب.
فرسمت ابتسامة خجولة.. وانبسطت اساريرها.. ولكنها ردت ودون أن تنظر له.. بل مسندة دقنها على يديها المنبسطة على حافة الحوض: والحين وش تشوف!؟
حوى خاصرتها من الخلف.. متشبث بهذا الجسد.. أشبه بأسد.. رد، طابع قُبل عديدة على طول ظهرها.. ويده تتحرك بـ اجادة على بدنها: الحين ما اشوفك الا.. مرتي وام عيالي.. وهالصفتين أحبها وتروق لي أكثر.
مال رأسها بحركة ناعسة.. حين تعمق بلثم عنقها بالقرب من أذنها.. ومد ذراعه على طول ذراعيها.. فأحتضن كفه كفيها وردده الى صدرها.. مشدد بملامسة ظهرها صدره.
افلتها بنبرة غليظة كسولة.. مترقب مفاتنها الدسمة اليانعة: يا زين الزين.. عز يا مال العز!
عضت على طرف شفتها، ثم قالت بتريث وهي بين قبلاته وأنفاسه الملهبة: وأنت ما تبي تعرف وش الإحساس الّي حسيت به اول ما شفتك!؟
أجاب بتباطء: اسلمي!؟
وتحرك الماء بـ انصفاق، حين ادارت ناحيته.. وذراعيها مقيدة حول عنقه.. ببسمة بسيطة: بحكيك بالأول عن طريقة موافقتي العجيبة.. شوف يا طويل العمر.. عمي سلمان من النوع الّي يأخذ برأيك بس يسوي الّي يشوفه صح! حتى لو رفضت بيقعد يحاورك الين ما تقنع أو تستسلم! هو كذا أسلوبه.. حتى مع أختي غيداء لما تقدم لها فهد.. كانت رافضه فكرة انها تتزوج من العيله.. وحلفت انه حتى لو عمي كلمها بترفض ولده.. بس الّي يضحك.. لما طلب يتكلم معها بلحالهم.. عقب أسبوع.. وأول ما خرجت من عنده.. عرفنا ان كلامها وحلفها تبخر.. ما عاد له أثر.. عشان كذا احيانًا يصير بينه وبين أخوي محمد حدة في الكلام.. لان محد يقتنع برأي الثاني.
ثم أصبحت ذراعيها تتراخى.. لترفع يمناها على شحمة أذنها بتوتر: تعرف وقت ما بلغني بخبر خطوبتي منك.. كنت رافضه رفض قاطع! لكن كالعادة قعد يقنعني بنظرته.. وما قدرت اجادله.. يسد كل سؤال بجواب يدخلك نقاش ثاني.. خرجت مني الموافقة مكرهه.. ورسمتك في بالي شخص يعاكس تمامًا الشخص الّي شفته في مجلس عمي!
فتنهدت، يغمرها جمال متعاظم من ذكرياتها، من أفكارها، من روحها كلها.. وأكملت بعد فينة: يستحيل انسى ذاك الشعور الّي احتواني.. وما قدرت اخفيه من رجفة يدي لما شديت عليها.. هيئتك بحد ذاتها ارعبتني.. وجمود معالمك.. وحدة نظراتك.. آه!! كل شيء مشعل.. كل شيء كان مروّع.. كأنه كابوس ما قدرت استوعبه.. وزاد الطين بله.. غلظة بحتك وعنف كلامك!
كانت تتكلم بصوت راجف، بصوت ممزوج بدقات قلبها، وكأنها تعيد سيرة مشاعرها الأولى.. متلمسه هلعها وارتيابها: كنت اكرهك حيل لانك اخو القاتل.. ممكن هذا الّي طفى على كل مشاعر ثانية.. بس ما انكر ان فيه شيء حسيت به وقتها.. واحاول ردمه.. ان ما خاب ظني اعجاب.. وخاصة في غموض شخصك.. بس مقرون بعداوة واستنكار! ما توقعت تتبدل مشاعري.. وستسلم لك، شايف شكثر أنت محظوظ!؟
غمرته شعاع باسم من سردها للأحداث وعمق مشاعرها الظاهرة من بريق عيناها.. وبحركة واحدة، متواقتة، التقت شفاههما.. فقال بهدوء وأصبع ابهامه يخفض شفتها السفلى: أنا استاهل.. وحظي كريم.
قالت، وكأنها تلهث: بس اتعبتني!!
كانت كلماتهما تتقارب، تتعانق، وقد استحالت الى قُبل، تهمسها كل خلايا جسديهما. كان هيفان إليها، يشدها، فاهه يهتف بكلّ قواه. كانت ايديهما وديعة وقد تجمّعت حياتهما كلّها على شفاههما. وكان كلّ شيء يمّحي أمام هذه الشهوة التي احيتها الروح.
أجل كان عليهما إعاشة الماضي. كان عليهما، باستمرار، أن يجمعاه جزءًا جزءًا لمنع حبهما من التلاشي. كانا يلتحما.
تمتم: تحمليني!
وهمست، وشفتاها على شفتيه، وكان همسها دغدغة حادّة بين الدغدغات: تحملت، هذاني قدامك!
عقّب: وحامل بـ ولدي!
تعمقت في عينيه الباسلة المحتكرة بتسلط.. انزلقت عدستيه حين لعقت شفتيها بتفكير.. فلامست شفتيه.. وردت بتأييد: وحامل بـ ولدك.
لم تعد هناك كلمات، بعد أن أدّت دورها في بعث الماضي.. إنه العناق والجسد، إنه احتفال الصمت والشوق الكبير الذي يبدأ.
كان الكائنان المتعانقان يرتعشان كشجرتين ملتحمتين. كانت اللذة الضائعة، خلف الماضي، خلف كل شيء، تعد رائعتها الفنية من العذوبة. كانت حركة محمومة، ثائرة، محتومة.

لا تحملني خطا ما هو خطاي..لو أنا المخطي كان والله اعتذرتWhere stories live. Discover now