الفصل التاسع عشر

17.1K 174 655
                                    



"حين يسألوني عنك سأقول سعادة دخلت
حياتي ولا أُريد ان تنتهي"

كان واثقًا من اختيار وجهته فهو المكان الأول الذي قفز إليه تفكيره لفترة من الوقت سيتمكن من إخفاءها عن الجميع وبعد ذلك لكل حادثٍ حديث.. يفكر بصمت لكن جنون خطته التي عقد عزمه عليها تتخبط بتلك البقعة المعقدة المسماة بالدماغ.. حين وصل مزرعتهم أوقف سيارته قبل الدخول إلى البوابة الرئيسية تحدث بصوت منخفض: اختي ممكن تنخفضين عشان العمال موجودين.
أسيل
كانت تتأمل الطريق الخاوي بعيدًا عن قلب المدينة يبدو أنه سيخبئني هنا.. بالفعل سيفعلها لن يعرضني لمكان سهل الوصول فبالتأكيد طلال وأهلي قد شقوا طريقهم للبحث.. سمعت صوته يحدثها لم تتيقظ لما يقول لترد باستحياء: عفوًا ما سمعتك
أعاد بخجل من طلبه: لو سمحتِ اذا بس تنخفضين العمال متواجدين هنا.. للاحتياط ليس إلا.
نفذت طلبه بخوف.. هي تخشى عائلتها ولكن الآن يجب أن تختبئ من الجميع بمن فيهم معارفه كي لا تسبب له الأذى.. اثار غريزة البكاء بداخلها من حالها.. أمي.. احتاج الى حضنك اريد أن تضميني تمتصين أحزاني وهمومي التي التصقت بي منذ ذلك اليوم.. بئسًا للحزن هذه ليست ملامحي أحقًا الهموم تكدر ملامحنا هكذا! لم يكن الموت على قيد الحياة مذكورًا على لائحة أمنياني فكيف له أن يدعو نفسه دون حياء.
هو كان يقود بحذر حتى شعر براحة حين وجد الفيلا مظلمة.. أوقف سيارته ليخرج متفحصا المكان قبل أن يشرع بندائها.. صعد للأعلى مناديًا: يا ولد.. لم يتلقى إجابة كما أن المكان ساكن معتم فرجع لسيارته وهي لا تزال منخفضة، فتح الباب: أخت أسيل اخرجي وصلنا
تجرأت لتكشف ما بداخلها من تساؤلات لم تكن لتسرع في حديثها لربما اتى هنا لغرض يحتاجه أما الآن بات كل شيء واضح لابد أن تظهر استيائها من تصرفه: لو سمحت انا قلت توديني شقق مفروشة.. وثقت فيك ورضيت اركب معك ممكن ترجعني.. انا بتصرف ومشكور تعبتك معي
بقي مكانه سيسرد لها نهايته الواضحة إن تاهت في شوارع الرياض ستتأذى لا محال، اعتدلت ذبذبات صوته ليفسر لها بإقناع: أيًا كان اللي بيدور عليك اول فكرة بتجي ف باله الاماكن هذي وبيحصلك فيها.. انا احاول اساعدك مالي مصلحة باللي اسويه او اللي بيصير لك.. كانك تبين ارجعك ابشري بس تحملي النتيجة لحالك.. ها وش قلتي.
بتردد قطع كل خيوط التفكير التي يحيكها عقلها: مالي أحد أروح له ولا ما كان ركبت معك.. وحتى لو رضيت اجلس هنا وش يضمني ان كلامك صحيح وما بتضرني
هز رأسه بتفهم ليكمل تفسيره بكل شفافية: انا رجال اخاف ربي وعندي خوات لا يمكن اقرب لك وشغلي يحتم علي امسك قضيتك لكن مساعدتك ابتغي اجرها من الله ومتى ما قررتي تطلعين من هنا ولقيتي أحد يساعدك غيري كلميني رقمي معك اوصلك لأي مكان والوجه من الوجه أبيض.. ياريت تتوصلين لحل سريع ادري انه صعب عليك بس. اخذ شهيق ليكمل بتعب: مضطرين ننجز بأسرع وقت.
بقيت ساكنة تتضارب تصوراتها بكل الاتجاهات عاجزة لا حل لديها سوى الوثوق به أو الوثوق به.. نهضت وهي ترتب طرحتها المهملة حاملة حقيبتها تمشي خلفه و تنظر للأرض.. حين وصلا للأعلى كان الطابق الأخير هو السطح العلوي.. فتح بابه بالمفتاح ليدخل وهي خلفه.. توجد غرفتين ومطبخ وحمام.. المكان هنا لا أحد يدخله منذ زمن وحدهم الخدم من يرتادوه كل فترة للتنظيف.. كان يعود بالأصل لعائلة عمه فهد حين تأتي من جدة لقضاء ليالي الشتاء بالمزرعة.. التفت اليها: جبتك مزرعتنا مبدئيا.. حنا نتكرر عليها كل فترة لكن ذا المكان محد يطلعه ابد والجدران عازلة للصوت والغرف شايفتها داخل خذي راحتك ما يبين إذا شغلتي الأنوار.. حتى الخدم بحرص عليهم ما يدخلونه المفتاح معي تطمني.. حاولي ما تصدرين صوت لو حسيتي فيه أحد بالمكان.. محد بيسمعك زي ما انتِ شايفه الارض كبيرة بس نرجع ونقول الحذر زين.. كل غرض موجود ما بتحتاجين شيء إن شاء الله.. عندك ملابس تكفيك؟
هزت رأسها بموافقة.. ليعيد سؤاله بتأكيد وهو ينظر لحقيبتها شبه الخالية: متأكدة؟ اقدر اجيب لك من ملابس خواتي تحت.
ردت بصوت باكي: عندي شوي
تذكر حاجتها للملابس التحتية لربما هناك الغير مستخدم لكن لا يمكنه العبث بحاجات أخواته عض شفته بتفكير ليردف: انزلي معي..
ردت بتسرع: خلاص مو لازم.. بغسل ملابسي
بحزم وحدة: خلاص حنا فيها.. انزلي خذي اللي تحتاجينه خلينا نتمم الموضوع.
زمت شفتيها بقهر على حالها لتمشي خلفه حتى وصلت إحدى الغرف، فتح لها الباب: تفضلي. بقي خارج الغرفة يتأمل رسائله تاركها تنتقي احتياجاتها.
حين دخلت الغرفة دمعت عينيها بقسوة اللحظات المريرة التي تعيشها.. أسوأ كوابيسها لا تضاهي لذاعة موقفها والإهانات تنهال عليها مختتمة بارتداء ملابس مستخدمة.. ماذا بقي بعد.. تجرعت السم في أول العمر ترى ماذا يخطه لي قدري.. ذهبت نحو خزانة الملابس تأخذ بعشوائية أقل قدر ممكن.. سمعت صوته: استعجلي.. فيه صوت تحت
وضعت الملابس بحقيبتها بسرعة وهي متوجهة للخروج وجدته واقف بجانب الدرج لتصعد للأعلى حيث ستقيم هناك. حين وصلا السطح وضعت يدها على صدرها تهدئ نبضات قلبها الخائف.
أخرج مفاتيح الغرف من جيبه التي اخذها مسبقا من الحارس: خذيهم.. اما مفتاح باب السطح بنسخه واعطيك النسخة عشان لو صار شيء يكون اقدر اتصرف. نظر للمطبخ والحمام: بجيب باقي الأغراض اللازمة بكره.. يلاه لازم انزل الحين تحتاجين شيء؟
بانكسار وعينيها مثبتة على الأرض: لا.. شكرا
نزل بسرعة وهو يحادث نفسه "يارب اني سويت الشيء الصح عسى بس يتم الموضوع على خير.. لو صار خلل بنروح انا وبنت الناس في ستين داهية وهي مو ناقصة هم فوق همها.. لزوم تهدأ الأوضاع واعرف وش سالفتها" حين وصل فناء الفيلا الخارجي صادف مهند ومشاري أمامه توسعت عينيه بتفاجئ وهما كذلك وكأن كل طرف بحوزته كارثة يخبئها عن الآخر. تدارك مهند الموقف: وش عندك جاي لحالك؟
تفحصهما ليردف بتجاهل لسؤاله والذي يبدو أنه طُرح ليصرف النظر عنهما.. وهو كذلك اضطر أن يحقق معهم كي يتناسون وجوده بمفرده بهذا الوقت والذي يعتبر تصرف غير مألوف منه: أشكالكم ما تطمن وش مهببين؟
مشاري بملاحظة يتأمل تصرفات عمه المربكة لم يلحظها مهند رادًا بسخرية مبطنة: محد فينا شكله يطمن.. الظاهر المزرعة مسكونة كلنا مب صاحيين
مهند باستنكار: اهجد ترا الليل طويل بنقضيه هنا لحالنا
-ما لقيتوا تجون الا اليوم!
مهند: نجي كثير انت اللي داخل غلط وابشرك ابوي يقول بيجون ذا الأسبوع بيجلسون كم يوم بالمزرعة
باستيعاب وتذكر: ايه صح شلون نسيت. افتعل أن يمط رقبته رافعا انظاره للأعلى يتحقق إن كان هناك ما يثير الشبهة ليوجز بحديثه متجه لسيارته بعد استتاب الوضع: بتنامون هنا؟
مهند: ايه
شغل سيارته متحركا وهو يلوح لهم بالسلام. مسك هاتفه ليرسل لها "انتبهي اهلي بالمزرعة".

لا تحملني خطا ما هو خطاي..لو أنا المخطي كان والله اعتذرتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن