الفصل الثالث والاربعون

35.1K 378 10.7K
                                    



"بين الحلمِ والأُمنية والنصيب لا يحدث إلا ما كتبه الله لنا"

تجلس متربعة فوق التخت العظيم، ترتدي فستان خربزي.. يظهر مفاتن نحرها وتتوسع فتحة في المنتصف تبرز جمال رسمة صدرها الرفيع.. تتلاعب بشعر رأسه الذي زاد طوله حتى وصل إلى ناهية عنقه بطريقة عبثية غير منتظمة الا إن وسامة تقاسيمه كانت تضيف من شراسة ملامحه والتي لا يختلف اثنان على إبداع الخالق في تصوير خُلق إنساني عدل قويم.. يحيط ما حولها رذاذ سيجارته الكثيفة التي ينثرها بتريث.. ونظراته تجول بطريقة مترقبة.. بخديعة، ينسج أوامر ومعلومات تُحاكي عمله.. توعد والوعد دين.. سينهي أمر جواسيسه.. من يتسبب في أذيته يدميه.. الرحمة والمغفرة وكل المعاني الحاملة لذات المغزى قد مُسحت من قاموسه منذُ زمن ليس بقصير..
اسدلت نفسها قليلًا عليه لتتمكن من التبصر فيه أكثر.. تحيى سعادة لا معهودة هذه الأيام التي عاشتها برفقته.. رغم غيابه لبعض الليالي؛ يقضيها في جناح فندقه.. رغم قربه العنيف الذي يمزق جسدها.. وهواجيسه التي لا تنكف فيخرج سموم غضبه عليها.. رغم الشقاء والألم والأوجاع إلا أن حس وجوده بجانبها يوصلها درجة عالية من الغبطة.
تبسمت بإعجاب حقيقي لملامحه الرجولية البديعة.. فرجت كفها على منتصف صدره الظاهر من قميصه الأسود ذا الأزرار المفتوحة.. بنبرة غانجة.. أنثوية ناعمة: ذيبي! عطني بوسه.
قذف رذاذ السيجارة بطريقة لا مبالاة.. وتوقف للحظات حتى يكمل أخذ انفاس اكثر عمقًا.. انتفضت ملامحها باستياء.. فحلقت تعقب على طلبها الذي لم يناوله إهتمام كما يفعل مع سيجارته الشبه متهشمة: ذيب! ذيب.. ذيب..
وظلت تكرر أسمه بطريقة مزعجة وبصوت يميل إلى التصنع في طفوليته.. تأوهت بألم حين أمسك ساعدها في محاولة لإيقاف ذكر أسمه من عقيرتها.. قالت وهي تنزع ذراعها من قبضته: ازعجتك تستاهل.. ليش ما تبوسني طيب!؟ يعني كل هالجمال والأناقة ما ملئ عينك.. قاسي يا ذياب.. قاسي وكثير بعد! يارب ترجع لي مذلول ومخذول من الكل عشان تعرف وقتها ايش بسوي فيك!
كشرت ملامحها حين ران إليها صمته كما دائم الأحوال لا يحرك فيه ساكن.. جامد بارد الطبع.. ولكنه مخيف.. لا تعرف ما تسول له نفسه فينهش كل خليه فيك.. بللت شفتها ممسكة بالجوهرة الزرقاء المتدليه من جيدها.. وقد أهداها إياها إزاء يومان.. تبسمت من لفحة الإنشراح التي مرت عليها.. اخفضت عنقها.. فقبلت شفته بنعومة مفرطة.. دون أن ترفع ذاتها، اردفت: شفت هالسلسال اللي جبته مستحيل اخلعه.. عشان تعرف بقدرك عندي.
حدق في عينيها، رد بعد شيء: ايه لا تخلعينه.
-اكيد. ذكرتها بتلاعب في محاولة لإثارته بطريقة الإحناء كي تبرز جمال نحرها.. وتحرك كفها على صدره نزولًا الى بطنه.. تلفظت بطريقة مماذقة غانجة: ذياب.. فكر هاا.. لا ترد الحين.. خذ وقتك يا حبيبي في التفكير.. رفعت نفسها من عليه لتعود تمهد على شعره: ما تفكر في الانجاب.. يعني ما ودك نجيبي أطفال يملون حياتنا؟ كل يوم انا افكر.. بخاطري اجيب بنتين وولد.. العب معهم واهتم فيهم.. نسافر وننبسط...
قاطعها ببرود وهو يطفئ سيجارته في الطفاية المتتلئة ببقايا التبغ: لا ما ودي.
شوهت وجهها انتفاضة غضب فصاحت ملتاعة: ليش! ليش يا ذيب.. يعني لين متى!
زفر يإنزعاج، فردد بتشديد: صوتك لا يعلى.
حبست تذمرها، واحاطت غضبها بلفحة باردة تحاول التمسك والتعقل في نثر كلماتها: طيب بخفض صوتي.. بس اسمع للنهاية.. فكر يا روحي مو مطلوب منك ترد بسرعة.. يعني انا معطيتك الضو الأخضر.. تزوجت علي وسكت.. تجلس عندها اكثر مما تجلس عندي وهم بعد سكت.. فوق هذا ما تبي تلبي لي طلب بسيط مثل كذا.. ما ابي منك الا بيبي.. يعني بالله عليك اكيد مرد المصلحة تطلب منك أطفال واذا رفضت بتشك فيك صح ولا لا! يعني والله لو دريت بس ان عطيتها حقوق بإن تصير أم وأنا لا.. والله يا ذياب ان افضحك في كل مكان واعلمهم إنك..
قاطعها بنبرة خافته تحمل عدم الإكتراث: قلتي نفس هالكلام قبل لا تدرين بأني اعرست!
زفرت بغيض.. وضربته على صدره بخفه: ذياب!
ارتفعت نبرته قليلًا وبتهديد: يمين بالله ان مديتي يدك مره ثانية لاكسرها..
عضت شفتها بحمق وتتجرع أنفاسها بقهر: يعني ايش تقصد.. مرة ما فيه امل!
أجاب وهو يستوي جالس، ويعيد شعر رأسه للخلف: لا ما فيه أمل هالباب سكرته من زمان.. وراعين جدهم سطام وخالهم ماجد ما ابيهم.
رفعت حاجبها بضنك.. تجر ذاتها على ركبتيها لحيزه.. فمثلت أمامه: وش فيه سطام! ترا كلكم في الهوا سوا يا حبيبي لا تسوي روحك طالع منها!
ثنى هدبيه الكثيفة بتفهم وبكسل استفزازي: لجل كذا مابي جهال.
-كريه يا ذياب.. وحقير.. الله يعلنك.
-ويلعنك. قالها وهو يغلق أزرار قميصه.. بينما بقيت تشد على أعصابها في غيض تكتلها.. يستفزها حتى يصلها لجنون الانفعال والغيض.. كما المعتاد في مد وجز لا يرسى مركبهم.. وقفت وتسير بخطوات سريعة مكان غرقة تبديل الملابس.. تناولته من الصندوق الخشبي لتسرع واثبة فوق السرير.. بينما كان يتصفح هاتفه.. سحبت ساقيها الى مكانه.. فلامست فوهة السلاح مؤخرة عنقه.. بطريقة احترافية بعد أن ما رست الرماية مع مطلق.. وعرفها على الأماكن الصحيحة للقضاء على الإنسان.
قالت بشيء من التهديد: طلقة مني بخليك جثة!
دون الالتفات، او رفع رأسه من على هاتفه.. رد ببرود واستهزاء ساخر: بتخليني جثة بلا رصاص!؟
عقدت حاجبيها ساحبة فردها.. تفتح المخزون بتشكيك من كلامه.. ولكن سريعًا ما جذبه من يديها: صدق انك اخت ماجد.. هطف!
-حيوان تكذب علي.. عطني سلاحي!
رد وهو يتفحصه: من هو اللي معلمك الرمي!؟
أجابت معتدلة في جلستها أمامه: مو شغلك.. رجع لي فردي.. المفروض أنت تعلمني عشان لا اطلب غيرك!
ناولها إياه ليقف.. مخلل أصابع يده بين خصلات شعره.. وقفت بتسرع فوق السرير وراحت محتضنته من الخلف.. تفوهت بدلع مصطنع: ذيبي.. وش رأيك نسهر اليوم بعد.. يكفي بترجع جدة مع الكلبة.. اسهر معي.
نظر الى إنعكاسها في المرآة بتفحص لجسدها المثير.. فلتفت.. توسعت إبتسامتها وهي تراه يمسك ساعدها وينزلها حتى ثبتت أقدامها على الأرضية.. همس بلؤم ونظراته ثُبتت في خاصتها: بس تروحين معي مزرعة ابوي!
توسعت حدقتيها بإرتياع وهي تتذكر تلك الليلة وما خلفتها من ذكرى مشينة سوداء مفزعة، بلعت ريقها.. بتردد: ليش مو هنا!
يتلمس فاهها بأصبع إبهامه ببطء: تبينا نسهر تعالي معي.. اما هنا ماني بجاي.
هزت رأسها بضياع: خلاص بروح.
-اجل الساعة عشر بمرك.
-تمام.
أخفض نفسه مقبلها بخفة.. ولثم جبينها.. مبتعد حتى اختفت هيئته عن مرء عينها.. اتجهت إلى التسريحة تعيد ضبط شعرها.. وظلت تحدق في نفسها وتعيد طلاء احمر الشفاه.. ثم ما ان انتهت، سارت تزيد في رسم عينيها.. وضلت دقائق وهي شاخصة البصر في جمال مظهرها.. تفكر وتفكر ويتراءى لها إبان إمعانها في الفكر.. وفجأة تناهى إليها صوت رنين الهاتف.. تناولته مجيبه للمكالمة..
فجاء صوته الأبح يخترق هدوئها: السلام عليكم يا عمة! جبت اغراضك بس حرس رجلك لا هم اللي يبون يقلطوني ولا هم اللي سامحين بدخول الحوايج.. جعلني فداك تعالي خذي اغراضك!
-خلاص يا مطلق انا نازله اخذها.. بس تعال من الباب الثاني.
-ابشري..
وقبل أن ينهي كلامه قطعت الاتصال... فبصق كلماته بدرجة منخفضة وعبوس تقاسيمه: يلعنك يا بنت ال**** اجل تقفلين في وجهي!
عض شفته السفليه وسار للمكان التي اشارت إليه.. توقف ثواني حتى ابتعد الحرس سامحين له بالمرور.. اكمل خط مشيه، وتوقفت أقدامه أمام الباب المنبلج على مصرعيه.. ظهرت كنور مشع بملامحها الجميلة المثيرة.. فلم تهتم بأن جسدها عاري أكثر مما تكسيه.. تقدمت ناحيته وخلفها العاملة.. قالت وعيونها على الصندوق: فيه صندوق ثاني وينه فيه؟!
سدد نظراته المتربصة ذاك السلسال المتدلي على نحرها، كان شبيه لدرجة كبيرة بسلسال غرام الذي لا يفارق جيدها.. ولكن بإختلاف الالون فتلك تحمل الأحمر القاني.. وهذه الأزرق.. ربط جميع الشكوك والمعادلات التي سبق وتفحصها ووضعها في ركن الشك حتى خُتمت بيقين.
تبسم: ارحبي.. ارحبي يالله حيها.. ايه طال عمرك عاينيه.. خلي العاملة تاخذ ذا وبروّح اجيب الثاني.
ناول العاملة الصندوق، واسرع يتكلم بصوت أخفض.. وبإبتسامة مطلق المعهودة، بإستدراج حتى ينهي امر الريب: الصلاة على النبي.. زينك يا عمة ما فيه زيه.. الوكاد طويل العمر عندك.. صح ولا انا غلطان؟!
تبسمت وتتلاعب بخصلات شعرها، برفعت حاجب ونشوة: ايه موجود.. ما شفت حرسه ! بعدين لا تتصل علي لما يكون فيه تراه يغار.. ويده ثقيلة يقتل.. انتبه على نفسك يا مطلق تراه يخوف.. وانا بصراحة ما راح ادخل بخليه ياخذ بثاره.
قهقه بخفه ويهز رأسه الإ انه اخفى باطن السخرية: ايه ما شاء الله غيور بالحيل.. بس يا عمة الله يسلمك لو ادري والله ما اتصلت السموحة.. لكن حرس رجلك نفوسهم شينة وما ينبلعون.. أقول لهم للعمة ما يبوني ادخل ولا يبون ياخذون الحوايج! وش السوات؟ ما عندي الا اتصل عليك.
ثم اكمل بإبتسامة لطيفة ونظرات مهذبة: بعدين ما شاء الله عليك.. يزها لك كل شيء.. العقد يهيض فيك.. تعطين الشيء قيمته.
افلتت ضحكة خفيفة، وملامح واثقة وهي تتلاعب بالجوهرة المتدلية: ادري.. شفت هذا يا مطلق رجلي جابه لي.. والله ان كلامك صحيح لو شفته ما اشترته بس أنا اطلع الشيء حلو.. بعدين خلاص انقلع.. هات الصندوق الثاني وكمل شغلك.. اوف.
قالتها مقلبة ناظريها فيه بترفع واكملت سيرها.. كان فيها نوع من التقلبات التي تحسن اطلاقها على مطلق بتشفي فيه.. لا تعلم أي استمتاع تفتعله من أجل إغاضته.. إلا أن النقيب كان ذا حصافة ونباهة.. اكمل سيره وقد رسم طريق الخطة القادمة بطريقة سريعة وفطنة.

لا تحملني خطا ما هو خطاي..لو أنا المخطي كان والله اعتذرتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن