لا تحملني خطا ما هو خطاي..لو...

By rw_suhad

1.2M 11.9K 249K

وعيونك هذه جمر، لابد ستنطفئ. فهيَّا غادر الآن. غادر وأنت مشع. غادر وأنا أبكي غادر قبل الغروب، قبل أن يحل اللي... More

المقدمة
الفصل الأول
الشخصيات
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون (الجزء الثاني)
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون
الفصل الحادي والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السادس والثلاثون
الفصل السابع والثلاثون (الجزء الأول)
الفصل السابع والثلاثون (الفصل الثاني)
الفصل الثامن والثلاثون
الفصل التاسع والثلاثون
الفصل الاربعون
الفصل الحادي والاربعون
الفصل الثاني والاربعون
الفصل الثالث والاربعون
الفصل الرابع والاربعون
الفصل الخامس والأربعون (الجزء الأول)
الفصل الخامس والاربعون (الجزء الثاني)
الفصل السادس والاربعون (الجزء الأول)
الفصل السادس والاربعون (الجزء الثاني)
الفصل السابع والاربعون
الفصل الثامن والاربعون (الجزء الأول)
الفصل الثامن والاربعون (الجزء الثاني)
الفصل التاسع والاربعون (الجزء الأول)
الفصل التاسع والاربعون (الجزء الثاني)
الفصل الخمسون
الفصل الحادي والخمسون (الجزء الأول)
الفصل الحادي والخمسون (الجزء الثاني)
النهاية

الفصل العشرون (الجزء الأول)

18K 155 674
By rw_suhad


"لن تنفع معك السياسة، سأحتلك ثم نتفاوض."

في الدور العلوي من الفيلا، في ذلك الجناح المغلق على نفسه كغلقه على سر وجودها. مطفأة الانارة لا شيء يسترق الظلام سوى إضاءات المزرعة الموزعة بشكل مكثف والتي لا تزال منارة. بشعرها المبلل الذي يصل الى بداية عنقها، تجلس فوق سجادة الصلاة ولاتزال بالجلباب.. بعد أن انتهت من تأدية صلاة الفجر، عينيها مثبتة على مكان سجودها.. كُل الأوقات غير مهيأة للنوم.. "أُريد ان انام، الجسد الحيّ يطالب بحقوقه، وأنا لم أهبه إلا أربع ساعاتٍ هزيلة من النوم في الأيام الماضية، عيني تغمضُ من تلقاء نفسها، شهادةُ الجسد الحيّ على حياتهِ، أحتاج أن انام، أحسّ برأسي شاسع، وثقيل، مثل كوكب مأهولٍ بالغرباء، يطفو على السديم.. سأنامُ الآن.. ويجب أن افعل" كل شيء سلب منها.. كانت تعتقد ان هروبها سيصلح داخلها ولكن زاده سوء. ثمة تناقض لا يغتفر، ومدمر لكل عمق. سقطت دمعة بعد الاخرى، حتى وضعت كفها على فاهها تحاول كتم نجيشها. كيف أستطيع أن انتزعني من وجودي هنا لأعود مرة ثانية، إلى الزمن السحيق حيثُ وجدتُ نفسي، بدون أي إحساس بالندم.
ضمت ساقيها الى صدرها، ترتجف بشكل جنوني، لا تعلم كيف تزيح هاجس الخوف الذي لا يفارقها..
{وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}
شعرت بنصل يخترق حجاب أفكارها، بإشعاع تراه بعد عتمة لا نهائية.. صوت ينفض روحها بعد سواد.. مسحت مدامعها.. وهي تستشعر تلك الآيات الربانية.. راحة تتداخل أعماق مكنونها.. وقفت وهي تتوجه الى باب الجناح واضعها اذنها بالقرب منه، تنصت الى قراءة عبدالاله وهو يصلي بأخوته الذكور وابيه.. ترتيله يتسلل الى باطن قلبها. تشعر بـأن صوته المتأنق يعريها، ينفذ إلى روحها. جلست مستنده على الباب مغمضة عينيها بسكينة وراحة.. نصف ساعة تمر وهي باقية في المكان فقد غفت.. كما لو أن جسدها كان يحتاج الى ذلك الصوت حتى يستكن، انفلقت عينيها بفزع حين سمعت صوت طق على الباب.. شهقت وهي واقفه، صدرها يعلو ويهبط وهي تسمع همس. اقتربت لتسمع صوته وهو يقول: اخت اسيل.. أنا تركي.. افتحي الباب.
بلعت ريقها بينما اسرعت بتغطية شعرها، سيفت الباب قليلاً دون أن تظهر نفسها.
سمعت قرع الاواني التي حطت على الأرضية، بنبرة مهذبه وقد ابتعد عن الباب حتى يسنح لها فتحه دون أن تراه: تنبهي على جوالك.. أرسلت لك ما رديتي.. اتصلت هم بعد ما لقيت رد.. عساك بخير؟
رجفت شفتها وهي تجيب بنبرة باهتة منخفضة: كنت نايمة.
أسرع بالاعتذار: آسف على الازعاج.. مكمل بعد ثواني: جبت لك فطور بيعجبك.. تامرين على شيء؟
ردت بتسرع: لا. لم تستطع شكره من شدة الاضطراب المخيف الذي تعيشه.
قال وهو على وشك النزول: اذا تبين أي شيء.. ارسلي على الجوال. ثم هبط الدرجات. سحبت الصينية الممتلئة بكل الاطباق التي تتناسب مع وجبة الإفطار. ثم أغلقت الباب. زاد استحقارها لذاتها.. كيف لها أن تكون شفقة، يعطف عليها شخص لا تعرفه وانما يحتسب الاجر من الخالق. أي مستوى وصلته بعد أن كانت في منزل والدها لا ينقصها شيء، صار وضعها يرثى له. لم تستطع ابتلاع تلك اللقمة التي توقفت عن مضغها.. وبدأت تبكي بهستيريا، داخلي إحساس عارم بالأسى، كل شيء مؤلم، كل بقعة في روحي، وكل عضو في جسدي، كل خلية كل ذرة كل نواة كل إلكترون كل فوتون.. إنني اشع حزناً على نحو غير قابل للسكون. أحس بالألم في كل ما أراه، ما أشمه، وما أسمعه. وقفت وهي تتوجه الى السرير، بعد أن بزقت اللقمة. وضعت المخدة فوق رأسها، وهي تصرخ بغم وضعف. -يمه تعالي ابيك.. احتاجك تكفين تعالي وخديني.. تعبانة انا مرة يمه.. تعالي شوفي بنتك وش جرى عليها.. مقدر اتحمل اكثر.. يارب اني اموت.. يارب خذ روحي.. ما ابي أعيش اكثر.. تعبت من كل شيء.. ليش أنا!.. وش سويت عشان يصير فيني كل ذا؟.. حرام عليكم.. والله انا مو كذا.. ليش يمه تركتيني.. ليش سويتي مثل ابوي؟ ليش يا اخواني.. كيف هنت عليكم؟.. يا ربي جيب لي امي.. حرام والله حرام آآآآآآخ. نواحها يتصاعد، وقواها تخور، تعبها يتفاقم، وجرحها يزداد اتساع. صغيرة، هشة، ضعيفة، خائفة، بردى، جائعة، بكائها كثير، الوحدة قارسة، أقسى من أي شيء. غفت وشهقاتها تعلو.

****

يقود السيارة مستشعرًا صمت والده الذي لم يشاركه الحديث كان ساهيا بفكره يرد عليه بإجابات مختصرة.. تبقت نصف ساعة على وصولهم الخبر الساعة الآن السابعة والنصف صباحًا، أردف بقلق وهو يتحسس جيبه: جوالي نسيته بالمسجد
بندر والذي أيقظه مشاري من شروده: ايش تقول! انت صادق!
ابتسم ابتسامة جانبية: امزح معك.. وش فيك ساكت عمتي فيها شيء؟
خلع نظاراته الشمسية وهو يمسد جبينه ليكسر صمته: تقول خلاف بسيط مع رجلها بس احساسي يقول ان الموضوع كبير..
هز رأسه باستيعاب وكأنه تأكد من شكوكه: وليه حسيت المسألة كبيرة يمكنها صدق بسيطة.
اومأ سبابته بنفي ليدعم موقفه وكأنه يقنع نفسه التي كان يتبادل الأفكار معها طوال الطريق: لو انها بسيطة ما طلبت حضوري بوقت متأخر زود على كذا اصرت اجي بسيارتي صدقني ماهو عبث اصرارها.. بعدين يا مشاري رجلها فاهد ماهوب نفسه القديم متغير ولا صرنا نشوفه.. مجالسنا ماعاد يدخلها حتى الجوال ما يرفعه على ابوي.. امي الوحيدة فينا اللي تنبهت لعلياء وقالت وراها بلا بس ما صدقناها.. لكن ان طلع ظني في محله والله اسحب اختي وعيالها من بيته وعلى مسؤوليتي حتى لو اشتكى بالمحاكم.
مسح على دقنه ببطء ليومئ برأسه موافقًا: زين تسوي يبه.. تهقى جدي بيوافقك؟
-اي نعم وبيسوي أكثر بعد.. عشان كذا جيت بدون أحد يدري.. لكن اسمع أول ما نوصل سلم على عمتك واقعد داخل مابيك تكون موجود ونا اتفاهم مع رجلها. اردف ليقاطع ابنه الذي كان على وشك الكلام: لحظة يا ابني اسمعني لين اخلص.. مابيك تتهاوش مع رجل عمتك قدام عياله ماهي زينة في حقهم.. وانا جاي احل الخلاف مو ازيده ولدي واعرفك بتخربها وبتحرجني مع اختي.
نطق وكأنه وجد سبيل لاخراج ما بداخله: الله كل ذا بسويه.. خلاص بقعد داخل لين يخلص موضوعكم عطني قائمة الممنوعات عشان التزم فيها مو انا راعي مشاكل
-مشاري خلك عاقل ما قلت انك راعي مشاكل بس الموضوع حساس ووجودك بيفرق كثير..
-خير إن شاء الله.. أوقف سيارته بجانب إحدى المحطات: وش تبي اجيب لك
أجاب وهو يرى هاتفه الذي رن منذ قليل: اسبريسو حجم ميديم
- راسك مصدع؟
اومأ رأسه دون أن يجيب.. أفلت ضحكة ساخرة وهو يعلم أن سارة هي المتصل مبتعدًا عن السيارة  ليرمقه بندر بنظرات حادة وهو يجيب: هلا أم خالد.

...

بعد خمس وأربعون دقيقة
أوقف السيارة أسفل منزل عمته تحدث لوالده وهو يرى المواقف الخاصة بالفيلا: رجلها موجود ناظر السيارت.
أصلح نسفة شماغه وهو يتحقق من مظهره عبر المرايا الأمامية خرج من السيارة برفقة مشاري سرعان ما رن هاتفه ليجيب حين رأى المتصل: هلا علياء.. حنا تحت.. التفت لما سمع صوت البوابة الخارجية تفتح.. مشى خلف ابنه وهو يرى اخته بالداخل تستقبلهم وكأنها مترقبة مجيئهم على أحر من الجمر فقطع الشك باليقين من أفكاره التي أصيبت.
علياء تبسمت حين رأتهم مقبلين.. اقترب مشاري مقبلًا رأسها: السلام عليكم.. شلونك عمة عساك بخير. وبهزل: افا ليه ضعفانة كذا ليكون مسوية دايت.
ضحكت وهي تضربه بخفة على ذراعه لتردف بحبور: ما تجوز عن سوالفك.. الحمدلله طيبة كيف صحتك انت وكيفها أمك
-تسأل عنك كل ما امرها وتسلم عليك كثير
-عليك وعليها السلام.. الله يسعدها بنت حلال توصلني مير انا اللي قطعتها انشغلت مع العيال.
اقترب بندر محتضنها: شلونك يالغالية
ابتسمت بعمق وهي تقبل رأسه: بخير يا روح اختك يالله ان تحييكم يا هلي وعزوتي. ابتعدت عنه لتكمل: حياكم تفضلوا ما شاء الله دليتوا المكان قلت يمكن تضيعون بيتنا الجديد
مشاري: ولد أخوك ذيبان ما ينخاف عليه
بندر وهو يدخل غرفة الضيوف الواقعة في مقدمة الفيلا: إلا وينه ابو عبدالعزيز سياراته موقفة برا
شتت نظراتها وقد كان زوجها بالأساس لا يحبذ البقاء في منزله.. غادر قبل ساعتين دون أن ينام حتى: طلع مع خويه بيجي بعد شوي
جلس مع ابنه ليسرع وهو يرى اخته ذاهبه: وين رايحة تعالي بفهم منك السالفة
-اول افطروا تالي..
قاطعها بصرامة: والله ما تروحين حنا افطرنا.. تعالي اقعدي وازهمي على عيالك بسلم عليهم
بانزعاج: ليه تحلف ياخوي ما يسوى الموضوع.. ذوقوا طباخي والله اني متعنية عشانكم اجبر بخاطري على الأقل
بندر: تسلم يدينك الله لا يكسر لك خاطر.. لكن سبقناكم وافطرنا والحين تعالي جنبي ابي افهم منك..
هزت رأسها بقلة حيلة وهي تجلس بجوار مشاري لتتنهد وهي تسرد له المقدمة: اسمع ياخوي.. فاهد رجال طيب وكفو وما شفت منه الا كل خير عشان لا تقول ان اختيار ابوي ماهو صايب لكن الواحد ما يظل على حاله احيانا ينجرف للغلط.. وش قولك فيه؟
-والنعم فيه نشمي وشهم وله مواقفه معنا محد كامل كلن بعيوبه والله الساتر علينا
أكملت بمتابعة تجاهد أن تشرح له موقفها الذي اتخذته منذ سنوات: هو الله يهديه من ثلاث سنين بدا يتغير كل فترة يظهر بعيبه جديدة بسم الله هو سحر هو حسد ولا اصدقاء سوء مدري وش سره لكن صبرت عليه مقدر اهدم عِشرة سنين على كم سنة كذا بكون ناكرة عشرة.. رايك يبو مشاري هل انا سويت الصح ولا الغلط؟
-اسمعيني الله يهديك انتِ تقولين تغير من ثلاث سنين شلون صبرتي عليه كل هالمدة؟ المفروض تمهلينه وقت بسيط إن ما تعدل تتخذين تصرف ثاني حنا هلك سندك ما بنتركك لواحد يجر نفسه للمصايب وراضي فيها.. يعني يفترض جيتي هذي تكون قبل ثلاث سنين مب الحين.. مافي شيء ينصلح بعد دهر بل الصحيح ان تصلحينه بوقت خرابه الله يهديك.. ايه اختي كملي
-عارفة بغلطتي ياخوي وندمت قد شعر راسي المفروض ما اصبر واجد.. من يوم ما تغير ونا اقول اكيد منه رجا.. بيرجع لنا فاهد القديم وتمر الايام وهو بنفس الحال ومن سيىء لأسوأ الين ما دخل علي ليلة أمس. توقفت ببكاء وهي تتذكر ما كان مقدمًا لفعله أسقمها حزنا موقف زوجها الغير مبالي لابنته كيف هانت عليه. ثبت أنظاره عليها مصطبرا على أنينها الموجع لقلبه وكيف أنها وأبنائها يعانون، أردف بهدوء ومواساة وهو يشعر باقشعار بدنه من دموعها: اهدي ونا خوك والله ما اطلع من هنا الا وانتم معاي.. وش بعد مسوي الحي.. توقف عن شتمه ليكمل: وش مهبب عشان تصيحين.. دمعة منك تسواه قسم بالله.. تريضي واعطيني العلم. تحدثت بين دموعها: يقول إن فيه رجال من ربعه تقدم لرؤى وهو من كيفه حدد الشوفة بدون خبر ولا حتى شاورني.. هنا ما تحملت قلت لازم اشكيه عندك كل شيء له حد وهذي بنتي ما ارضى لها بهالزواجه.. ان كان شره على نفسه بكيفه مالي كلمة عليه أما عيالي بدري عليه يتحكم فيهم ويخرب حياتهم بتفكيره الأغبر.
زم شفتيه لينظر لابنه بحدة مما سمعه، مشاري ظل صامتا محتكما بنفسه تنفيذا لاوامر والده، أردف بندر بعتب: ذا كله وساكته؟ لو قلتي من بدري مو احسن؟ كان قدرنا نتلاحق الموضوع ولا تتأذين منه انتِ وعيالك.. ما قلنا شيء اعطيه فرصة كم شهر بالكثير ما نفع معه كلمي أحد فينا يتصرف.. وش لقيتي من الصبر ناظري النتيجة على قولك كل شوي عيبه جديدة هذا غير عيالك وش ذنبهم يعيشهم بجحيم خرابه.. آخرتها يبي يزوج بنته بطريقة يستحي الواحد يقولها.. عيالك حنا خوالهم لازم يحسب لهم ألف حساب بس رجلك نسى انتِ من تكونين ولعب بذيله شافك هاجدة وصابرة على مصايبه وبعيدة منا. توقف ليلتقط المزيد من الهواء وقد شعر بنبرة الحدة بصوته وعلوه قليلا.. أكمل بهدوء: وش مصايبه علميني ابي اسمع كل شيء
نظرت للأسفل ليوجه بندر حديثه لابنه: مشاري قم..
بترت كلمته وهي تضع يدها على فخذ مشاري: والله ان يجلس.. مشاري ولدي ما استحيه لكن مدري وش اقولك.. فاهد يشرب يا بندر! أنهت جملتها بأسى أظهرت ما اخفته طوال الثلاث سنين الماضية.
فلتت حروفه بلا وعي من هول الصدمة، باندفاع: والله كنت شاك الرجال ماهو صاحي كذا بين ليلة وضحاها يتغير! ما يسوونها الا اللي يشربون ولا المدمنين خابرهم هالأشكال.. اكيد مد يده عليكم صح ياعمة؟
هي كانت غارقة بين دموعها أومأت بالموافقة مؤكدة ما استنتجه مشاري.. بندر لم يخرج بعد من شدة هول كلماتها قال بغضب من اخته وبنبرة أمر تذعن السامع على التنفيذ: هالحين تطلعين تلمين اغراضكم مابي اسمع اي اعتراض
دمعت عينيها لتقول بتهدئة لأخيها: بندر..
بتر حديثها بصراخه: ولا كلمة.. ليكون بتقعدين عنده وزهمتيني احل موضوع رؤى وارجع الرياض ولا كأن شيء صار!
-تكفى سالفة الشرب لا توصل أبوي واخواني مابي عيالي يحسون بالنقص قدام أهلي كفاية عليهم اللي صار.. فوق إن نفسياتهم متدمرة هالمرة بتنهدم وهالشيء بيلازمهم طول عمرهم الكل بيعايرهم بأبوهم وهم مالهم ذنب.. خلاص بتطلق منه ولا لنا علاقة فيه وكل واحد يروح في طريقه.. استحلفك بالله يا بندر ما تجيب هالطاري.
زفر الهواء بضيق ليهز رأسه متفهما: ابشري محد بيدري.. لكن انا بخلعك منه عشان الناس تدري انه ردي وانتِ اللي عايفته ولو انه خسيس وبيرمي عليك الطلاق كنه يبيها من الله.
احتضنها مشاري مقبلًا رأسها وهي تمسح دموعها متحدثة بصوتها المضني من الألم وكأنه سجين تم الإفراج عنه للتو: بطلع الحين الم الأغراض. وقفت خارجة من المجلس.
التفت لوالده بصوت منخفض: جدتي بتزعل كثير شايل همها شلون نفاتحها بالموضوع اخاف تتعب
مسح على وجهه بتفكير: ما عليك انا بمهد لها.. مصيرها تعرف و... قطع حديثه حين دخل عبدالعزيز ملقيًا التحية. رد السلام وهو يتأمل ابن اخته الهادئ والوقور بمشيته هذا الموروث الذي اكتسبه من جده خالد.. تغير كثيرا فهو لم يراه منذ مدة طويلة حين كانت علياء تتردد عليهم من فترة لأخرى يتغيب عن السفر للرياض. انخفض لبندر الجالس وهو يقبل رأسه بشبح ابتسامة: كيفك خالي بشرني عنك وشلون خالد والعيال؟
ابتسم من صيغة عبدالعزيز الرجيحه الذي يبدو ذو مسؤولية ولباقة بالتعامل.. أردف: هلا عزيز.. شلونك انت يالقاطع محد يشوفك.. ما شاء الله صاير طولي الله يحفظك يالشيخ.
-لوني يسرك يا خال.. منورة الخبر بقدومكم حياكم الله.
رفع حاجبيه بابتسامة عريضة حين تقدما جود وجواد يتسابقان بسرعة لاحتضانه.
عبدالعزيز بجمود: كيفك مشاري؟. اكتفى بهذا السؤال هو متزمتا مع ابن خاله ذو الشخصية النقيضة له.. فهو انطوائي رزين ومهذب الخلق.. وذاك منفتح جريء سليط اللسان.
وقف ليصافحه: حيه ولد العمة.. الحمدلله بخير وينك اتصل عليك انا والعيال يعطينا مقفل.. انت غيرت رقمك؟
جلس وهو يحاول اختصار حديثه: ايه غيرته ما لحقت استرجع ارقامكم.
هز رأسه بخفة وقد التمس تهرب عبدالعزيز من محاورته لذا انشغل مع جود وجواد اللذان أقبلا للسلام عليه.
بندر بملاطفة لهم: حيهم وسلمهم يارب.. كبرتوا يا عيال اختي ما شاء الله.. تعال جواد اقعد عندي.
جود وهي تسأل عن شيخة التي كانت تقاربها بالعمر: وحشتني شيوخه كيف حالها.. تخاصمنا انا وياها بس انا سامحتها خلاص.
ضحك بندر ومشاري بصخب من كلماتها البريئة ليردف مشاري بمجاراة لها وهو يقبل خديها: شاطرة انتِ باخذك معي الرياض عند شيخة.. انفداك يالجود يالبيه زين هالوجه.
كانت حاملة صينية الحلا وخلفها العاملة تحمل عدة القهوة.. مكتفية بحجاب رأسها دخلت بحياء يليق بشخصها الهادئة: السلام عليكم..
التفت صوب صوتها وهو يتأملها بتركيز على مدى مشيتها تجاه والده وقد كانت مطأطأة رأسها باستحياء لتلتقي نظراته بعيني عبدالعزيز والذي كان مترقبا المشهد بحدة سرعان ما اخفض رأسه محادثا جود بتهرب من الآخر. بندر بابتسامة حنونة وقف ليحيها وقد آلمه منظرها الحزين خاصة بعد نية والدها تزويجها.. شعر بالحمية لابنة اخته والتي بعمر ابنته أفنان: وعليكم السلام والرحمة.. اخبارك يا قلب خالك.. ما شاء الله وش هالزين ربي يحفظك من كل شر.
كانت قد وضعت الصينية على الطاولة لتحيي خالها، ابتسمت بخجل فهي غير آلفة الحديث مع أخوالها ردت بصوت منخفض: الحمدلله بخير. صمتت لم ترد بالسؤال عنه. مسك ذراعها ليجلسها بجانبه وهو يطبطب على ظهرها.
نظر لها بعد أن جلست بجانب بندر وبصوته الجهور: شلونك رؤى
رفعت أنظارها لتلتقي بعينيه ارتبكت من الرد عليه وقد خطفت نظرة لأخيها الذي يبدو أنه منزعج، ردت باقتصاد لكلماتها: تمام.. كيفك انت؟
ابتسم وهو يشغل جهازه لجود التي كانت بحضنه: انا بخير الله يسلمك.
واضعا يده حولها وكأنه يحتضنها، لطالما كان الأقرب لاخته وأبنائها، وقعت عينيه على يدها التي تعلوها بعض الخدوش والجروح.. زاده المنظر أسى وضاعف الألم المنبثق داخل صدره شتم نفسه كثيرا كيف أنه ينعم بالراحة وأخته تواجه كربًا بمفردها: هذي آخر سنة لك بالمدرسة؟
متمسكة بطرف طرحتها تتلاعب بها: ايه آخر سنة
أضاف هازلا ليلطف الجو: رؤى يابنتي علامك تستحين مني انا خالك.. شوفي اختك جود ما شاء الله عليها رحبت فينا وخذتها السوالف مع مشاري مشغولة خلاص لحد يكلمها.. ترا بتاخذ معزتك عندي انا اقولك من الحين.
ضحكت بخفة وألقت نظراتها على خالها وهي تبتعد عنه قليلا كي تتسنى لها رؤيته.
يتحدث مع جود وجواد وعينيه تسترق النظر لرؤى التي كانت بجانب والده تحادثه بحياء بالغ.
عبدالعزيز وقد استفزته نظرات مشاري الخاطفة لأخته: رؤى اطلعي امي تبيك تساعدينها
بندر لم تغب عنه تصرفات عبدالعزيز الجافة.. التمس له العذر فهو في موقف قاسي لفتى مراهق يعد رجل العائلة وكبيرها بعد والده فالمسؤولية عليه أكبر بل أنه أعجب بقوة شخصيته وكبريائه رأى فيه قدرته على الإمساك بزمام أمور أهله.. ذلك الفتى سيكون له مستقبل عظيم سأحرص على بنائه له، ابتسم لرؤى: اطلعي عاوني أمك وإذا خلصتي ارجعي اقعدي معنا. وقفت والابتسامة لا تفارقها فهي خجولة للحد الذي يجعلها لا تدرك حديث خالها فقط تبتسم له كي يمر الموقف بسلام.
جود التي كانت بحضن مشاري وهي تضحك بصوت عالي تلعب بهاتفه بشغب طفولي، عبدالعزيز بنفور من ضوضاء اخته وبنغمة ساخطة: جود يكفي..
نظر مشاري لعبدالعزيز وقد كان الآخر متجاهله تماما، علم أنه غير مرحبًا به من قبل ابن عمته.. رد بهدوء وابتسامة: عادي يا رجال صوتها طرب.. هاه يالمزيونة وش رايك نطلع بسيارتي؟. ضحكت حين قرص خدودها وبحماس متزامن مع صوت جواد: ايه ابي اطلع.
صوت فاهد الذي كان بعيدا وصلهم.. فهو رجع منزله للتو، لينظر بندر لابنه وكأنه يحثه على الخروج.. وقف مشاري حاملًا جود متوجها لباب المجلس ليحاكي عبدالعزيز بحذر: عزيز شف لي درب بنزل.
عبدالعزيز: خذ راحتك ما حولك أحد..
خرج بصحبة جود وجواد ليقلهم بسيارته.

....

دخل منزله مندهشا من السيارة الغريبة الراكنة تحت بيته.. كان يتحدث على هاتفه بعالي الصوت وهو صاعدًا لأعلى.. تقدم لغرفة ابنتيه حين سمع صوت صادرا منها.. وجد رؤى تحزم أغراضهم كسى وجهها الخوف لما رأته.. أغلق المكالمة وباستفسار غاضب: من عندنا؟
بربكة تجاهد أن لا تنظر لوالدها خوفا من نظراته: خالي بندر
بسخرية حادة وهو يدفع حقيبة ابنته برجله: اجل استنجدت بأهلها الكلبه.. اتركي عنك مافي روحه رجعي أغراضك ولا ما بيحصلك طيب.. وانتِ الثانية بتروحين بيت الاغراب وبيت ابوك موجود؟ ها رؤى تبين تروحين؟
عضت شفتها برجفة لتومئ بنفي محققه مطلبه كي لا يطلق جم غضبه عليها: لا مابي اروح
-زين أجل رجعي اغراضكم وأمك كان بتروح مع أخوها خليها تولي فرقاها عيد. وقف خارجا من الغرفة مستخدما المصعد للنزول لمجلس الضيوف..
أجهر صوته حين وطأت قدمه الغرفة: السلام عليكم.. ارحب يبو مشاري الساعة المباركة اللي تزورنا فيها.
وقف ببرود وثبات يبرز سطوته التي تجبرك على احترامه: وعليكم السلام.. ساعتك أبرك يا فاهد.
أثاره نداء بندر له بإسمه من المفترض أن ينادى باسم ابنه أو ابنته البكر.. علم أن الآخر يرسل له رسالة مفادها أنه لم يعد أب كفء. اكتفى برفعة حاجبه وهو يجلس معلقا بعداوة بارزة على هامش كلماته: له له واضح النية ماهي صافية من ناحيتنا.. عسى خير يالنسيب.
ثبت أنظاره على فاهد وبصيغة سلكت طريق لا يحوي اللف والدوران: بدخل معك بصلب الموضوع ما عندي وقت اضيعه.. انت خذيت اختي معززة مكرمة في بيت ابوها يوصلها كل شيء لعندها ومحد يقدر يقول لها ثلث الثلاثة كم.. علياء ماهي حي الله بنت هذي بنت شيخ آل مسفر وراها بدال الأهل قبيلة.. عطيناك اياها بعد ما اقسمت على كتاب الله الكريم ان تصونها وتعاملها زي ما كانت وزود.. جيت اتطمن عليها لا بالله ما عرفتها هذي ماهي اختي اللي اخبرها. علياء انضامت في بيتك يا فاهد وذوقتها الويل من سود فعايلك والحين جا الدور على عيالها. توقف ليردف سريعا كمن يضع النقاط على الحروف وقد حسم النتيجة: ومن ذا المكان والزمان اعتبر معاد لك زوجة عندنا ولا حتى عيال والأسباب وافية ومشروحة مافي داعي اذكرها.
ضرب على فخذه بشدة وقد برق الشرار المتطاير من عينيه ليبزق السم في كلماته: اختك خذها عافها خاطري مابيها وزين انها جت منكم وخذيتوا بلوتكم أما عيالي ما تجسر تاخذهم لا انت ولا أهلك مجتمعين ويالله توكل من قدامي بيتي يتعذرك.
تقدم بخطوة وهو يرمي كلماته بثقة: مالك عيال عندنا باخذهم معي الحين وقدام عيونك.. بيلزمون بيتهم بس مب ذا لا لا ما عاد لهم بيت بالشرقية أصلا.. بيقعدون في ديار خوالهم اللي يشرفونك.. قسم بالله ما بتغيب الشمس الا وعيال اختي في الرياض والساحة قدامك ورنا مراجلك. نظر صوب اخته التي دخلت ليلتفت الآخر خلفه وقد تجهم وجهه بحقد دفين.. أعاد أنظاره لبندر وهو يتحدث بهزء واستخفاف: وش يعني بتشغلون واسطاتكم؟ تحسبون الدنيا تمشي على شوركم حتى القاتل تطلعونه بريء وهالحين بتاخذون العيال من ابوهم! كان فيكم خير سووها ذولي عيالي وبالقانون باخذهم غصبن عن شواربكم..
قاطعه بملامح جامدة باردة وباستفزاز صريح: ايه حنا كذا ظلمة ومتجبرين واللي نبيه يصير غصب عن الكل.. كلمتي ما اثنيها كيف لو عاد أقسمت! ورنا القانون وش بيسوي ابيك تلف المحاكم كلها. نظر لأخته التي كانت بعباءتها: وين العيال؟
جلس بتحدي على المقعد مترقبا وبداخله غضب مكنون ود لو ينقض على زوجته وأخيها.. يشعر بثقة الآخر لكن لابد أن يقاتل حتى آخر رمق فهذه معركته الأولى أمام نسبائه لطالما يسمع بانتصاراتهم وخسائر الطرف الثاني لكن الآن سيجاهد من أجل شرف الحصول على هزيمة آل مسفر الأولى.
علياء ونظراتها على أخيها: العيال بالصالة.. خلصنا ياخوي.
توجه نحوها ليعترض فاهد طريقه بتحذير: خذ اختك وانقلع اقصر الشر يا ولد خالد
-ابي اشوف شرك متعني عشان اشوفه.. هالله هالله فيني لا تقصر.
تعداه وهو يمشي برفقة اخته سحبها فاهد للخلف من ذراعها ليخبئها خلفه، لم تمر ثانية حتى دفعه بندر بقوة ليصفعه على خده بحرقة.. اعتلت صرخة علياء المكان وهي ترى زوجها باحمرار عينيه من ضربة أخيها ولم يفصل بينهما وبين العراك سوى شعرة.

....

كان بالحديقة الخاصة بالفيلا برفقة جود وجواد وقد وصلوا من الخارج للتو.. متشاغلان بالألعاب الجديدة التي بحوزتهم.. هو يتصفح هاتفه حتى سمع صرخة علياء رفع أنظاره بالتلاقي مع أبناء عمته، أدخل جواله في جيب ثوبه وهو يهدئهم: اجلسوا هنا تمام؟ انا بدخل واجيكم
اومأوا بالموافقة ليدخل بسرعة راكضا، وقعت عينيه على عبدالعزيز ورؤى الذين أقبلوا بعد سماع صوت والدتهم تجاوزهم حتى وصل المجلس وهو يرى والده ممسكا بثوب الآخر وبجانبه علياء التي تشوش عينيها دموعها الغزيرة.. اقترب لينقض على فاهد بقوة مما ارداه ساقطا على الأرض.. انهال عليه بضربات متتالية وهو يعتليه دون أن يترك مجال بالدفاع عن نفسه.. يلقي ضرباته وشتائمه الشنيعة.
بندر والذي اشتعل من هجوم ابنه الغير مبرر.. كان سوف يأخذ اخته وابنائها دون أدنى مجهود استفزه مشاري للحد القاتل كان محذره ألا يتدخل أما الآن سيترك أثر لن يمحى من ذاكرة أبناء اخته وهم ينظرون لوالدهم الملقى أرضا بفعل ابنه، صرخ وهو يبعده: مشاري ابعد..
ابتعد بعد أن أوسعه ضرب أمام مرأى عمته وأبنائها وهو يرمق فاهد بنظرات استحقار.. خرج مسشيظ غضبا من المجلس فلم يعد لوجوده أي هدف.
فاهد لم يتحرك بقي مكانه ينزف من فمه وأنفه وكان آخر ما رآه صورة أبنائه وزوجته ليغمض عينيه بألم لا يريد أن يرونه ضعيفا وهو يسمع خطواتهم مغادرة.
بندر بحرج شديد وغضب أخفاه بداخله من مشاري.. عينيه لا تستطيع الوصول لعيني أخته وأبنائها.. كانت رؤى تبكي بروعة من مظهر والدها أما عبدالعزيز ملامح القهر ظاهرة عليه لكن لا شيء يوضح انفعاله.. هو يدفن مشاعره وجسده كذلك يخبئ ردات فعله الطبيعية كالدموع والانهيار على سبيل المثال. خرج بصحبتهم لسيارة ابنه وكان الآخر ملتزما بمقعد السائق مصوب أنظاره الحادة للأسفل يعلم بفداحة غلطته.. لكن لم يستطع تمالك أعصابه حين سمع صراخ عمته.
بندر فضّل الصمت على الحديث.. الوقت لا يسعف والموقف لا يدعم.ركب السيارة وهو ينوي أن يلقن ابنه درس قاسي.. اردف بهدوء: ام عبدالعزيز.. اغراضكم بتوصلكم الليلة.. أهم شيء الاوراق الثبوتية معك؟
تحدثت ببكاء ظاهر: ايه معي
حادث ابنه دون أن ينظر له: حرك.

****

الساعة الثانية ظهرًا
لم يتمكن من النوم سوى ثلاث ساعات من الصباح تتخللها أحلام مزعجة.. ترك زوجته نائمة وقد أرسل لها أنه سيغادر لأجل موعد مُلح ثم أغلق أجهزته الثلاثة لينقطع عن الجميع.. ها هو أسفل العمارة القابعة بحي متوسط مقارنةً بحي منزله الفاخر.. زفر الهواء بضيق بائن على ملامحه.. دقات قلبه تتسارع بالنبض وكأنها تريد التخلص من الولوج بداخل جسده.. اجتاحته حرارة وكأنها حمى ضارية أصابته.. هو ليس على ما يرام.. التزم سيارته لمدة ربع ساعة وهو يفكر بعاقبة الدخول لهذا المنزل.. وضع رأسه على المقود حين شعر بدوار أصابه.. سمع طرق على نافذته ارتفع ليرى حارس العمارة.. أنزل زجاج النافذة: سم..
حارس العمارة: لو مافي يسكن هنا.. لازم روح
أزاح شماغه بعشوائية وهو يرتجل سيارته بصمت.. تحدث بانزعاج عندما سمع صوت الآخر يسأل بتكرار عما ان كانت له علاقة بالعمارة: انا يزور أحد هنا الحين بطلع.. استغفر الله
ابتعد عنه العامل بريبة وهو يجلس على الكرسي متأملا ضياع الآخر.. دخل المبنى واضعاً الشماغ على كتفه متخذ المصعد ليوصله الشقة الثانية عشر بالدور الرابع..
فُتح الباب وهو يتجاوزه بخطوات هزيلة.. ضغط على جرس الباب مرتين و يتمنى ألا يُفتح.. مسح على ملامح وجهه لتفتح الباب تلك المرأة ذات الستون عامًا.. رحبت به بوقار: هلا سياف حياك تفضل..
دخل بصمت ينتظرها تتقدمه كي تروي له قصته القصيرة البائسة ويتجاوز مقدمات الخبر المشؤوم.. أوصلته لغرفة الضيوف، اتخذ الكرسي الأقرب للباب مكانًا له.. تنفس أكبر قدر من الهواء وهو يفتح أزرار ياقته وكأن يدين تخنقه من رقبته تكتم أنفاسه التي باتت ضيقة شيئًا فشيء.. رفع عينه تلقائيًا لتلتقي بعيني زوجته السابقة ثريا التي أقبلت خلف والدتها.. أخفض نظراته بسرعة متأملًا الأرض تارة وتارة أخرى ينظر لساعة معصمه..
هي، حين تقدمت المجلس ووقعت عينيها بعينيه شعرت بشيء من الحنين للماضي.. وإن كانت ظروفهم متعارضة لكن لا يمكنها نفي جمال أيامها بصحبته.. بالإضافة إلى الحياة المخملية التي شعرت بها برفقته.. شوق جارف نحو ضحكته المبحوحة وابتسامته التي لا تغيب عنه.. ملامحه الأخاذة ووسامته الفوضوية التي أحبتها وأعجبت بها ترغمها على الاشتياق.. تأملته باستراق كان على قدر كبير من الجاذبية لأي فتاة والانطباع الواضح عنه فهو ذو شخصية مرنة باردة حيث لا قيود ولا أوامر.. وقعت عينيها على دبلته التي يرتديها.. عضت شفتها بحزن بالغ على حالها.. لو أن الأقدار تبدلت.. لو أني مكانها..
سمعت صوت الجرس لذا قامت وهي تتحدث باعتذار بالغ: عن اذنك يا ولدي بروح اشوف من على الباب. بقي على وضعه صامت لا يتأمل سوى نفسه وكأنه يتأكد من أناقته..
ترتدي عبائتها ونقابها فهي لم تعد زوجته.. رمى عليها الطلاق ثلاثًا.. قالت بخوف وكلمات سريعة كي تنتهز الوقت قبل عودة أمها: سياف.. تكفى لا تقول لأمي عن شروط زواجنا.. الله يخليلك والدينك.. امي معها القلب وخالي مات من شهرين.. بتتأثر صحتها أكيد.. لا تخاف انا بجهض الجنين اوعدك. صمتت حين دخلت أمها الغرفة حيث جلست بجانبها وهي تسرد موقفها: انت دريت عن حمل ثريا من التلفون.. جيتك هذي عشان نتفق على موضوع الولادة والنفقة.
نظر صوبها بعد فترة من شتات نظراته وقد أخرج الاجابة الوحيدة التي يخطط لقولها: مافي ولادة.. انا مابي عيال من بنتك
نظرت له بحدة: وليه ماتبي كانت مرتك بالحلال واحمد ربك ان الله رزقك بطفل وزوجتك الأولى معيوبة
رفع حاجبيه بدهشة ونظراته تتوزع بين ثريا المرتبكة وأمها: انتِ صاحية! وش تقولين؟
كانت حركات ثريا مضطربة تريد أن توصل له اشارات بأن يدع الأمر يسير ثم هي ستتصرف بالطريقة التي وعدته بها.. أردفت أمها كلماتها الموبخة الصادرة من امرأة مسنة: اللي سمعته.. ربي رزقك بطفل تمسك فيه وخل مرتك تعتبره ولدها دام ربي ما أعطاكم.. بنتي طلقتها بالثلاث و..
قطع جملتها باستنكار: تخسين انتِ وبنتك مرتي ماهي معيوبة.. المعيوبة هي بنتك اللي اكذبت عليك..
كاد أن يكمل كلماته لكن الأخرى شعرت بسخونة جسدها لتردف بعصبية: بنتي ماهي كذابة اي نعم مرتك معيوبة ما قلت الا الحقيقة. سمعت صوت ثريا المنخفض: يمه هدي الله يخليك. التفتت خلفها لتكمل بعصبية: اسكتي انتِ الثانية. أعادت نظراتها لسياف وهي تحذر: بنتي بتولد وانت اللي بتتحمل كل شيء من الألف للياء.. وش تحسب بنات الناس لعبة عندك! يكفي انك وعدتها تاخذها بالسر ثم تشهر زواجكم لكن أخلفت كلمتك وطلقتها.. هالحين جاي ما تبي الطفل بعد.. عجيب والله يارب الطف بنا. توقفت من رجفة أصابتها حين انفعلت بهجومها على طليق ابنتها.
احتدت نبرة صوته ليشخص بصره بعيني والدتها: اسمعي يا مره انا خذيت بنتك ومتفق نقعد فترة واطلقها وادفع لها مؤخر والرخيصة اللي وراك. رفع صوته لما رأى والدتها الغاضبة ستقاطعه: اي نعم رخيصة.. هي وافقت على شروطي مقابل المهر والمؤخر اللي حددتهم.. والكلام اللي قالته كذب.. انا خذيتها ونا ابو عندي ولد من مرتي.. ما قلت بشهر زواجنا ما بقى الا هي اخذ هالاشكال واجهة.. والجنين اللى في بطنها ما ابيه وبتجهضه غصبن عليها لأن صعبة عليكم تردون كلمتي.. هذي شروطي من البداية وهي عندها شروطها ونفذتها والحين جا الدور تنفذ شروطي.
ارتفع صوتها للصراخ: لا تكذب حسبي الله عليك.. قل كل شيء الا انك تتقول على بنتي.. ثريا محترمة وما تغرها فلوسك هي كانت متأملة فيك خير وتحسبك رجال..
ركل الطاولة التي أمامه صدى صوتها في أنحاء الغرفة: انكتمي انا محترمك لكبر سنك.. اعتبي على اللي ما عرف يربيها.. فوق انه تفكيرها كذا اطلعت تكذب عليك! تحسبي على تربيتك مب انا.. لاني وسخ ولا قذر أوعدها بشيء ثمن أخلف كلمتي.. كنت صريح من البداية هي اللي تلف وتدور.. اسأليها ما تقدر تنكر ونا معي كل اللي يثبت كلامي..
صمتت بشهقات وقد تغير لون وجهها تشعر بألم حاد يتشعب شرايينها تغيبت الكلمات عن لسانها من صدمة ما تسمعه.. نظرت بعينيها لابنتها دون التفات جسدها متسائلة بنظراتها.. تأكدت من كلماته حين رأت مدامع عيني ابنتها.. وقفت ثريا بقلق على صحة والدتها أخذت علبة الماء الموضوعة على الطاولة وهي تزيل الغطاء لتقدمها لأمها.. ابعدتها من أمامها بقوة حتى انسكبت وهي تسأل ببطء سامحة للهواء بالمرور من خلال سؤالها الذي خرج بصعوبة: صدق.. اللي.. يقوله؟
-يمه ارتاحي بعدين نتفاهم.
سياف بغضب: هالحين بيتقفل الموضوع مالي طلعة من هنا الا والسالفة خالصة..
-سياف خلاص تقدر تروح انا بجهض الجنين
أم ثريا باعتراض وهي تجاهد بخروج كلامها: يعني صادق باللي يقوله! تبين تجهضين عشان تغطين على فضيحتك.. كذبتي علي ثريا؟
ضربت على فخذها مرارا وهي تندب ورأسها منكس للأسفل: ايه يمه كذبت بس خلاص مانبي منه شيء بجهض الجنين و.. توقفت كلماتها حين شعرت بضربة قوية على خدها.
ازاح نظراته من هول المنظر وهو كاره للوضع الواقع فيه.. يود الانصراف لكن بعد أن يحقق مطلبه.. لا يسعه المكان بما رحب.. نظر لوالدتها وهو يسمع كلماتها المتوددة: امسحها بوجهي انا اللي ما عرفت اربي.. انت رميت عليها فلوسك وبنتي جرت وراك.. لكن عليك الله ما تجبرها تجهض الجنين.. طلقتها بالثلاث ولا لها رجعة بس مابيها تعرض نفسها لمصايب.. اخاف يصير لها شيء وهي مره ماحد بياخذها لو بها عيب من ورا الاجهاض.. تكفى يا ولدي طلبتك.
مسد جبينه وهو ينظر للأسفل بحرج.. لا يطيق توسلاتها الذليلة.. الموقف برمته مريع وقاسي لامرأة بعمرها.. عادت نبرة الهدوء لصوته: انا عندي بيت يا خاله مابي اخربه.. بنتك بتجهض وانا بتحمل كل التكاليف وزيادة عليها هذا كل اللي اقدر اقدمه.
ثريا ببكاء: يبو تميم تكفى مالي رجعة لحياتك بس امي تعبانة.. خل اتمم الحمل وبعده خذ ولدنا خل يتربى عند مرتك.. ما يهمني الا امي خايفة عليها..
أم ثريا بشهقات خائبة وهي تنخفض لأسفل كي تتوسل إليه.. ابتعد عنها بانزعاج شديد احمَر وجهه باستياء: استغفر الله.. تكفين يا خاله لا تحرجيني انا مقدم على كلمتي.. الإجهاض لزوم يتم.. زي ما عندك بنت خايفة عليها انا عندي زوجة وولد مابي اضيعهم.. ثريا اغلطت لكن زوجتي مالها ذنب ولا انا بعد.. الغلطان الأول والأخير هي بنتك. مسح وجهه بالشماغ على كفته ليردف وهو يتذكر كلمات عبدالاله في الثبات على موقفه والغلظة بالأسلوب: انهجوا علي مابي اسمع الا تم.. بمهلكم أسابيع وارجع احصل السالفة انتهت ولا بتصرف تصرف ما بيعجبكم.. مابي استخدم معكم وجهي الثاني.. ها وش قلتوا؟. اردف كلماته متعمدا القسوة كي يصل مبتغاه ويثير القلق بداخلهم.
شعرت بغبنة وزلزلة هزت قلبها وهي ترى منظر والدتها تتوسل سياف وكلماته القاهرة لامرأتين دون رجل.. أمها التي تشعر بانقباض قلبها وهي ترى صورة أخيها المتوفي تلوح أمامها.. لا حياة أراها بعد قسوة ابنتي.. اجابت بخضوع: اللي تبيه بيصير.
ظل واقفا مكانه كمن يتأكد من حقيقة ردها.. لتردف ثريا وعينيها مصوبة عليه: وش تنتظر خلاص اللي تبيه بيصير.. تذكر يا سياف ان صار لأمي شيء بسببك يمين بالله ما اسيبك وبيتك ذا اللي خايف ينخرب بخربه بنفسي.. حسبي الله ونعم الوكيل
نظر لها باشمئزاز متمالكا غضبه: الحشيمة مو لك لأمك اللي طيحتيها من طولها عشان كم ريال.. الله لا يبلانا
أم ثريا بما تبقى من لها من قوة: اطلع من البيت وما عاد لك ولد عندنا.. انا اللي ابيها تجهضه وجعله يطيح من نفسه عشان ترتاح وتريحنا معك.
تراجع خارجًا من المكان مغلقا الباب خلفه يشعر كمن تحمّل أثقال لمسافة طويلة أنهكت أكتافه وتخلص منها بشق النفس ليسترد عافيته..
بالأعلى..
كانت تبكي بصوت مسموع وهي ترى أمها موجوعة طريحة الأرض.. قست عليها.. كسرت كبريائها الذي حافظت عليه منذ نشأتها وحيدة دون والدها المتوفي.. لتأتي هي وقد بلغت والدتها الكبر لتمحو ما خطته أمها.. سمعت صوتها الخافت: ليه يا بنتي قلبك قاسي علي.. ترخصين نفسك لرجال عشان ايش.. تكذبين علي عشان فلوس.. وش قصرت معك فيه.. عمري ما مديت يدي لحد لجل ما تقولين امي نزلت مستوانا للناس.. وقفت على رجولي اشتغل و أكد عشان لقمتك.. تجين وانا مابيني وبين القبر الا شعره عشان تهدمين كل اللي سويته! عمري ما توقعت بنتي سطحية كذا.. خذيتيه عشان فلوسه ولا شكله ولا عشانه رجال وبس.. خذك ونتي بنت ما اقبل عليك رجال غيره موظفة وربي ساتر عليك قمتي تحيكين السالفة ذي كلها عشان ارضى بزواجك منه.. ونا يا غافلين لكم الله صدقتك قلت هذي تربيتي مستحيل تغلط.. حسبي الله عليك. تعالى صوت ابنتها بأنين مدمي لقلب والدتها.. أكملت بلا اهتمام وقلبها ينزف من هول ما واجهته يوما عن ألف دهر: انا شفت خالك قدامي.. شكلي بلحقه والدنيا عايفتها بروح لربي اللي خلقني وهو ارحم علي منك يا بنتي.. لكن الله يعينك على اللي بتشوفينه. أنهت كلماتها وهي تجاهد الوقوف حين سمعت أذان العصر.

****

وصل المزرعة بسيارته بعد أن ترك أخته وأبنائها في القصر لاخذ قسط من الراحة بعيدا عن تجمع العائلة.. استقل مركبته خاصة أنه لم يعد يحتمل تواجده مع ابنه فافترقا بعد وصولهم القصر.. قرر أن يخبرهم بالأمر بسلاسة.. ما ان أقبل على الفيلا ليجد والده يرتشف شاي العصر اقترب منه مقبلا رأسه: السلام عليكم.. عساك ع القوة
-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. وينك انت وولدك غطيتوا مع اني ملزم عليه يجيبك وتقعدون معنا.
-ما بنا الا كل خير.. ابيك بكلمة راس لكن الاول ابي امي تحضر ولا بأس بأخواني عشان ابلغهم مرة وحدة.
وضع فنجان الشاي على الطاولة ليقف ولم يكن متواجد بالصالة السفلية سواهم والأطفال: اطلع مكتبي.. بنتفاهم هناك.
-ابشر بس بكلم العيال أول عشان يكون عندهم علم.

....

بعد خمس دقائق.. تواجد الجميع بالمكتب، شيخة وجميع أبناء خالد باستثناء سياف.
شيخة كانت تشعر بشيء غير مريح.. لِم هي من بين زوجاته.. فالأمر مرتبط بأحد أبنائها.. يرجح أنها علياء.. بل الأكيد.
خالد أيضا راوده شعور تجاه ابنته الكبرى بعد طلب بندر بضرورة حضور شيخة.
مشعل: كلنا موجودين يبو مشاري.. سياف اتصل عليه مقفل جواله عذره معه.
بندر والذي كان بجانب والدته يمسد على ظهرها: انا تو راجع من الشرقية.. مب لحالي علياء وعيالها معي والحين هم في البيت. توقف حين رأى المتواجدين يتهيأون للعديد من الاسئلة.
جفل قلبها بحزن الأم ومشاعرها الفياضة.. اندفاعها لم يكن غضبا بل هو خوفا على ابنتها وأحفادها.. ذلك القلب الدافئ الذي يسع الجميع.. سألت بدمعة غارت من محجر عينها: وش صار لها بنتي؟ بندر علمني لا تعطيني مقدمات ولا تخبي عني..
شد مسكته عليها وهو ينفذ مطلب والدته التي على وشك الانهيار: اختي تهاوشت مع رجلها وما عاد لها رغبة فيه.. برفع عليه قضية خلع وبننهي الموضوع.
بدأت تبكي بصمت مستمعة للنقاش دموعها وحدها تشرح ألمها على ابنتها.. وأخيرا وضح السبب فبطل عجبها.. ملامح الاجهاد والانهاك على ابنتها لم تكن أبدا مصدر راحة أو علامات يسر.. انعصر قلبها وهي تتذكر حالة رؤى وعبدالعزيز في كل مرة تقابلهم.. صحّت شكوكها ولكن بعد ماذا! لا يهمها الخلع او الطلاق بقدر ما تهمها ابنتها وصحتها التي سلبت مع ذلك الزوج الظالم ولم تكمل سن الأربعين بعد.. حسبي ربي وكفى اللهم احفظ أبنائي وأحفادي.
مشعل: اشرح لنا المسألة ما عليك أمر عشان اتعامل معه باللي يناسبه.
بندر بعقلانية: مشعل اختك ما تبي مشاكل هذا طلبها وحلفتني انفذه.. يكفيها تنفصل عنه ولا يربطنا فيه الا عياله..
أسامة: ياخوي ما قلت لنا وش سببها.. حنا معك بنخلعها منه والله لا يرده لكن وضح لنا الصورة.
بندر: يبي يزوج بنته على واحد طقه ويوصل الأربعين.. لا نعرف له أصل ولا فصل بس كذا اركبت معه يزوج البنت وما يبي أحد يناقشه السالفة عناد ناهيك عن قذارته لو شفتوه ما بتقولون ذا فاهد رجل علياء.. لكن هذا اللي صار.
مهند: عشان مشكلة وحدة تبي تنفصل عنه؟ الا ما يكون فيه سبب غير ذا
بندر: ما يحتاج اشرح الأسباب.. ما وصله هالمواصيل الا انه عوج و ما عادها قادرة تصبر عليه.
عبدالإله بهجوم: وش يعني ما تبي مشاكل؟ إلا بنكسر راسه ونخليه يعض أصابع الندم يوم فكر يسوي كذا.. لعنة الله عليه
تركي: عبدالإله الله يهديك علياء أم وفكرت في عيالها ما بقى لها إلا هم وما تبيهم ينكسرون.. أول وتالي ذا أبوهم طال الزمن ولا قصر ولو جرجرناه بالمحاكم بتتدهور حالتهم واحتمال يكرهونا.. الأب شوكة العيال وسندهم لو انكسر محال يرفعون راسهم لحد.. والله لا يجيب هاليوم عيال اختي بيظل راسهم مرفوع و عزتنا من عزتهم.. انا اتفق معها نخلعها منه وكلن يروح في طريقه.. بالنهاية كلمتنا اللي بتتنفذ العيال ومعنا وحنا اللي بنربيهم ونزوجهم إن شاء الله.. ما عاد له راي دام ذي سواته.
مشعل بتمعن بحديث تركي: اقنعني كلامك.. لكن لو فكر يتعرض لعيالها قسم بالله العب بحسبته.. كفاية صابرين عليه وكفينا أذانا عنه لجل مطلبها ولا هو مو كفو..
خالد الذي ظل صامتا مستمعا لاراء أبنائه بتر صمته بسؤال: احد عنده كلمة غير اللي سمعناها يقول..
مشعل: طال عمرك ما سمعنا كلمتك وش قولك.
خالد: اللي تبيه بنتي بيصير بما يرضيها ويرضي عيالها لكن كنت ابي اسمع قول أخوانها.. باقي أحد بفمه كلمة يقولها.
حل الصمت في المكان ليردف بعد أن تأكد من رضا ابنائه على حكمه: انا وأم بندر بنسبقكم للبيت.. ارجعوا بعد المغرب والسالفة تنذكر بدون الأسباب.. وش سالفة الخلع؟ خلاف مع زوجها لحد يطري زواجة رؤى.. الا هل بلغت اللهم فاشهد..
مشعل: لما ترجعون لحد يروح بيت عمة شيخة خلهم يريحون.. اكيد مجهدين واللي صار لهم مو شوي.. بكره ان افلحنا جينا وسلمنا عليهم وخذينا بخاطر ام عبدالعزيز.
أسامة: صحيح كلامك انا بعد كنت بقول نفس الشيء.. بلغوا البنات لا يشوشرون و يكبرون المسألة.
لا تزال عينيها تذرف الدموع بصمت نطقت بتسائل لابنها: وكيف شفت اختك وعيالها؟
بندر بتطمين: الحمدلله لا باس عليهم.. بتشوفينهم بنفسك يمه لا تشيلين هم جعلني فداك.
وقف وهو يطبطب على كتف شيخة: قومي يالغالية بنروح نشوف البنت.. امسحي دموعك هي في حمى ابوها المفروض تفرحين لها ان ربك فكها من الخسيس رجلها. اردف وهو يحاكي بندر: بلغ بو تميم بالسالفة ذا شقيقها ولزوم يوصله العلم كامل.
-ابشر.. تامرني على شيء بعد؟
-ما يامر عليك عدو.. ريح يابوك مسكت خط سفر رايح جاي.. إلا وينه ولدك ما شفته؟
-مشاري بالبيت طلع معهم.
-تمام.. يلاه يا ام بندر سرينا.
مهند بتساؤل بعد أن غادر والده المكتب: بندر انت تخبي عن ابوي ولا ما تدري؟
بندر بعدم فهم: وش تقصد
-مشاري بالبيت؟
-ايه حطنا تحته اكيد طلع.
-اجل خذ العلم ولدك رايح الخرج تو مقفل منه.
وضع كفه ماسحًا على وجهه بتروّي.. لم ينقصه سوى أن يتصرف ابنه بطيش.. مشى حتى وصل جناحه ليجد ابنه خالد: كلم امك تجهز بنرجع البيت بعد شوي. اخذ هاتفه يتصل بمشاري، ثواني حتى اتى صوته: سلام
بندر: رحت الخرج.. يعني تبي تقهرني ولا ايش القصة! متى تعقل وتترك عنك حركات البزران ذي..
مشاري ببرود: وليه اقهرك.. انت تزعل لما اروح عند أمي؟ تبيني طول الوقت معك؟ ما ينفع يالوالد
انقهر من استفزاز ابنه له: تكلم مع ابوك باحترام.. انت مواصل ما نمت ورجعت من خط سفر المفروض ترتاح ولما تصحى توكل رح عند أمك محد بيقولك شيء.. ليه العناد بفهم كل ذا عشان عصبت عليك يوم مديت يدك على رجل عمتك؟
-والله عاد امي دقت علي تبيني ما قدرت ارفض طلبها وبالمرة ما احتك بأهل الشرقية بعد اللي صار.. خل ياخذون إجازة مني.. بقعد هنا لين تطيب النفوس
-ارجع وقت ما تبي البيت بيتك لكن ان كان بترجع استسمح من عيال عمتك انت غلطت بحقهم كثير.. ترضى أحد يمد يده علي؟ عشان كذا انت ملزوم تعتذر.. صار يبو بندر؟
صمت ثواني ليردف بهدوء: ان شاء الله.. بتسرع وكأنه تذكر: شلونها جدتي درت باللي صار؟
-ايه درت لكن الحمدلله بخير والحين رايحة تشوفهم.
-جعله فيني عنها بنت عقاب سلم عليها كثير.
-ليه كم بتقعد هناك؟
-يمكن أسبوع
-الله يرضى عليك انتبه لنفسك وسلم على خوالك
-يوصل.. مع السلامة.

****

في احدى غرف المستشفى
جالسة فوق الكنبة مسنده رأسها على يدها بقلة حيله، مركزة انظارها في تعابير والدتها المتسطحة على السرير، مبعثرة فوق اللحاف الأبيض.. عينيها تنزف دموع دون ان تتغير ملامحها، وكأن مقلتيها اعتادت على ان تفيض. جرحُ يدوي في داخلها، يشرعُ فاهُ مثل ثقبٍ عظيم. كلمات احتجزت داخلها لا تُريد أن تخرج من هول صدمة هروب ابنتها الصغرى ذات الملاح البريئة الهادئة " آه يا أسيل.. يا ابنتي.. هل ترين ماذا حلّ بأمك؟ إنني أموت في شهقاتي، سأكفرُ عن عقوقي يا ابنتي وأهبك عناقاً أبدياً، أنا أمك الجبانة التي لم تستطع منع والدك من تزويجك.. من شخص خسيس كـ طلال.. سأهرع لحمايتك وأعصرك بين أضلاعي، تعالي لـ امك! تعالي فقد جفت عروقي وما عدتُ أطيق هذا العالم، تعالي.. مسحت محاجرها بتسرع حين سمعت انفتاح الباب وهي تتمتم: اللهم ان مسّنا وأهلنا الضر وأنت ارحم الرحمين.
وقفت نورة بابتسامة جاهدت بإخراجها وهي تنظر الى خالتها بثينة وابنتها وسن يتقدما، توجهت حامله من يدي بثينة أكياس الأطعمة التي جلبتها: حياك يا خالة.
توجهت بثينة محتضنه اختها الصغرى بفجيعه عن انتكاسه لم تكن في الحسبان: بسم الله عليك.. وش منه طحتي؟
بابتسامة باهتة تحاول قدر الإمكان رسمها حتى لا تلتمس بثينة مكنونها: قدر الله وما شاء فعل.. يمكني اكلي ضعيف.. وطحت عليهم!
اخفضت صوتها وعينيها ملقيه على الفتيات حتى اردفت: اكيد بسبة رجلك الله لا يبارك فيه؟
بلا تعابير وبصوت يكسوه الوجع الداخلي: الحمدالله على كل حال.. وشلونك أنتِ بشريني عنك؟
-أنتِ اللي كيف صحتك.. عساك احسن؟
-ما فيني الا العافية.. قلة اكل لا تشغلين بالك. وبدأ الحديث يأخذ مجرى اخر، اما عند الفتيات، كان الهمس الدرجة المثالية لتبادل الاخبار.. نورة وعينيها مثبته في الأخرى وبالرغم من انخفاض نبرتها الا ان حدتها تشعرك بأنك توبخ: هربت مره ثانية.. شفتي وش سوت فينا!.. ذاك اليوم لما كانت عندك.. وقلت لها لا تهربين عشان امي.. عاتبتيني.. وطلعتيني ما احس وما عندي دم.. شوفي وش صار لأمي.. لها كم يوم مرقدة ومحد درى عنها.. بس ربك ستر وفاقت.. واخواني حالتهم النفسية زفت.. اهمالها وصل لمرحلة تهرب ومحد يدري وين مكانها.. ابوي ما ينام.. طول الوقت يدور عليها.. وش تبي اكثر.. دمرت نفسها ودمرتنا معها.. حتى لو كنت اعرف بأن ما لها ذنب.. بس هالحين هي الملام الأول والأخير في تدهور حالتنا.. وماراح اسامحها.
هزت وسن رأسها بتفهم للوجع الذي ينتشر من حروف كلامها المؤنث بالآلام، عامر بالمصائب، موشوم بالندبات على أتمّ ما يمكن. وضعت يدها فوق كف الأخرى مهدئة من حزنها، وبنبرة تطمأن السامع: ان شاء الله نلقى مكانها. راحت تنظر الى خالتها وامها، ثم اردفت بدرجة أكثر انخفاضاً: هي خذت رقمي القديم.. اقدر اتواصل معها.. ونعرف وين هي فيه.. بس!
زفرت بضيق لما رأت تجهم الأخرى وكأنها علمت ما ستردف به، لذا هزت راسها مصححة ما توقعته نورة: ايه نورة.. ما ابيك تعلمينهم بمكانها.. لو درينا انها بخير.. ها وش قلتي؟
من بين أسنانها: وسن لا تجننيني.. وش بلاك.. شايفة اللي يصير فينا.. وتبيني بعد اسكت عن مكانها.. وش تبين تشوفين اكثر.. ما يكفيك وضع امي.. ولا تبينها تموت عشان تعرفين انتِ وياها ان الموضوع مو صغير.. ولو احد درى عنه.. راح تصير سيرتنا على كل لسان!
-هدي بالاول.. أنا ما اقصد كذا.. بس نورة.. أسيل...
قاطعتها بغلظة: اتصلي عليها!
-ما راح تعلمين؟
-أنتِ بالاول اتصلي.. وذا وجهي اذا ردت.. دامها هربت بعيد عنا.. ما هي غبية عشان تعلمك عن مكانها.
-طيب.. بتصل عليها في الحمام.
هزت نورة رأسها بموافقة، لتقف وسن ذاهبه باتجاه الباب.
تهز نورة قدمها بقلة صبر من تأخر وسن، حتى أتت وهي تنكس رأسها، قالت بهمس: كلامك صح ما ترد.. بس يوصلها الاتصال.
بتسرع: رسلتي لها رسالة؟
-ايه بس هم بعد يوصلها.. منغير ما تشوفها
سحبت هاتف وسن وهي تقف بانفعال، دخلت الحمام.. نقرت على اخر رقم قامت وسن بطلبه.. وضعت السماعة على أذنها.. وتهز رأسها باشمئزاز من تصرفات أسيل.. كيف لكِ أن تكوني قاسية على اهلك بهذا الشكل.. كيف سنحت لكِ الفرصة بنقع رؤوسنا في عار افعالك.. حتى وإن كنتِ مظلومة من الوسم الذي وسم على اسمك.. ولكنك الآن اثبتيها بهروبك بهذه الطريقة الغير مبررة!
رنين دون إجابة.. هذا ما زاد غضبها.. توجهت الى تطبيق " الواتساب" نقرت على مسجل الصوت لتقول بنبرة تخلو من أي تعاطف وانما ترسل العتب والذم: امي وطاحت في المستشفى.. اخواني وكل واحد في غرفته ما له وجه يقابل الناس.. ابوي وطول الوقت برا يدور عليك.. ونا محد يعرف باللي فيني غير اللي خالقني.. اهتز صوتها بنبرة باكية.. حتى أكملت وهي تأخذ انفاس تهدئ من روعها: وش بعد تبين تسوين فينا.. نموت عشان تعيشين.. ها اسيل؟ حرام عليك.. مهما صار فيك.. المفروض تفكرين في امك المسكينه اللي ما لها أي ذنب.. للدرجة ذي ما تفرق معك صحتها.. هربتي يا اسيل وانت تدرين بانها راح تتعب ويمكن يوقف قلبها بسببك.. كل ذا ما وقفك.. عيشي حياتك بالعافية عليك.. مو هذا اللي تبينه.. خلي الهم والتعب لنا.. لا تشغلين بالك.. بس عرفي ان ولا واحد منا مسامحك.. اللي سويتيه فينا مو قليل.. هروبك بهالشكل دمر آخر شعره للعيش براحة.. حسبي الله ونعم الوكيل. أغلقت الهاتف وهي تشد على مدامعها لتخرج كل دمعه.. حتى لا يبقى أي اسى داخلها يكفيها ما تجرعته في الأيام الماضية.. صدرها يهبط ويرتفع.. لا يمكنها الصمود أكثر.. تحاول دائماً ابراز القوة حتى تسند والدتها المسكينة الا أنا داخلها محطم كلياً، تتمنى لو يوم واحد فقط، تعيشه مثل الماضي بلا كدر وآلم.. ولكن من يعيد للميت حياته؟

****

قصر الشيخ خالد آل مسفر|| قسم زوجته شيخة
خرجا من المصعد وهو يقول بتذكير: شيخه مسحي دموعك البنت ضايق خلقها اكيد لا تزيدينها المفروض جيتنا تخفف عنها مو العكس.
وضعت كفيها على عينيها وهي تقف أمام المرآة لتتأكد من ملامحها الدامعة: مابي احد يدخل عليهم.. اذا علياء بتنزل تسلم على اخوانها بكيفها بس عيالها يا عمري عليهم يبغالهم وقت على ما ياخذون على الوضع وعادهم يعدونا اغراب.. سامع يا خالد بلغهم لا يدخلون جناح علياء.. انا وانت نمون على العيال.
بإدراك تام أجاب: ما يحتاج توصين.. مشعل متكفل من ذي الناحية و محرص عليها ونا والله الزم ما علي راحتهم.. يلاه اقدمي وجهك مابه إلا العافية.
طرقت الباب بخفة وكأنها لا تريد أن تزيد همهم بهذه الطرقة تخشى عليهم من الضوضاء فوق صخب حياتهم التي تعكرت بوقت مجهول من الزمن.. عشرون ثانية حتى فتحت علياء وهي تتأمل والديها بدهشة سرعان ما اضمحلت لتستقر على ملامح تحمل لوعة وجدانية وحاجة انسانية لمشاعر الوالدين الجياشة.. احمّر وجهها اشتياقًا.. كيف للمرء أن يهرب من ضجيج الدنيا وناسها اللئيمين المسمومين بتصرفات جارحة غير آبهين لأثرها.. حتى يستقر بمنطقة الأمان ليجد قلب الأم الحنون وظهر الأب السند.. دمعت عينيها عندما احتضنتها والدتها بشدة يتخلل هذا العناق الدافئ كلمات أمها: علوش يا قلب أمك.. ربي ردك لي سالمة كله خيرة يمه.. ادعي لك انا كثير بالوتر وربي ما ضيع لي رجا. قبلت رأس ابنتها مرارًا وهي تكمل بكلمات ضبابية من صوت شهقاتها: جعلني ما ذوق حزنك ولا اشوف دموعك يا بنت بطني.
خالد الذي ظل واقفًا متأملا بصلابة ملامح ابنته المجهدة.. لا تزال بعمر الثمانية والثلاثين لم تكمل سن الشباب بعد.. كيف لأحمق أن يفرط بجوهرة مصونة كابنتي لم يعد بالكون رجال.. ابتسم لها حين وقعت عينه بعينها وهي تحتضن أمها.. اقترب بعد أن ابتعدت زوجته عنها، ارتفعت علياء لتقبل رأسه لكن سحبها يحتضنها بعطف أبوي معطاء لم يكن واضحا على شخصه الشحيح بالليونة.. بكت بشدة وكأنها تخبره بمرارة الحياة وكيف جارت عليها حتى أضنتها ضعفًا.. ابتعد عن باب الغرفة ولا تزال علياء في حضنه ليتسنى لزوجته الدخول.. زاد من شدة احتضانه لما شعر باستكنان ضربات قلبها بمأمن صدره الحاني.. مرر يده على شعرها مردفا كلماته بنبرة صوته الساطية التي تشعرك بالانتصار وإن لم تكن هناك معركة: عودًا حميدًا هذي الساعة المباركة اللي رجعتي فيها لبيت شيخ الرجال وتركتي شبيه الرجال.. خير ما سويتي يا ام عبدالعزيز..
قالت بخمول بعد تضارب مشاعرها وبكاءها: كنت صابرة عشان عيالي والله ماهو عشانه.. بس ما قدرت خلاص طاقتي انتهت مهما كنت قوية الا ما اضعف ماعاد بي شدة.. آآآخ يابوي اشتقت لك كثير. اهتز صوتها في آخر جملة قالتها.. قلبه امتلئ سوداوية على ذلك المدعو فاهد.. بئس من اتلف ابنتي وويح من يتسبب بدمعة من محاجر عينيها.. مسح دموعها وهو يتحسس ملامحها بخفة: عيالك بالحفظ والصون لا يشيل قلبك هم.. محد يتجرأ يبعدهم عنك. ليردف مازحا: بنوقف هنا كثير؟
ابتسمت مبتعدة عن الباب ممسكا بيدها لغرفة النوم.. جلس وقد حثها على الجلوس بجانبه قرر أن يفهم منها مجرى الأمور فهي بالتأكيد لديها الكثير لتخبره.. تلقي المعطيات من بندر ليس كافيًا بالنسبة له.. ومن الأجدر أن تخبره الأمر من فتاة لأبيها.. نظر لها بابتسامة تذيب خيوط الوهن المنسوجة على قلبها وبسؤال أعمق مما يحمل في كلماته: وش منه دمعت عيونك؟
كيف لي أن اقطع شوط ثلاث سنين للإجابة على سؤال واحد.. الحسرة والندب لم تكن بشيء هين خاصة لفتاة خرجت من بيت أبيها مدللة.. كنت دائما ساخطة على ظلمات زوجي حتى أصبحت عادة اصطبر عليها لأجل أبنائي.. ليت السؤال أتى بوقت أبكر لكنت أجبت بمكنون سري بكل هيمنة وقوة أما الآن فأنا وهنت، ضعفت وأخذ الزمن نصيبه من قوتي. ردت بإيجاز: يبه مابي افتح باب قررت اسكره بنفسي لكن كل اللي ابيه انفصل عنه وعيالي معي..
أعاد سؤاله بصيغة أخرى: ما قلت وش تبين.. قلت وش اللي قهر قلبك ورجعك الرياض وبينكم عيال وعشرة عمر.
تسربت قليلا من الرغبة في خوض الحديث عن معاناتها.. هي تعلم أن والدها وإن كان شديدا منتقما لكنه حنون متفهم لابنائه وإرادتهم فوق إرادة الجميع: ابو عبدالعزيز تغير الظاهر اصدقاء سوء حتى تفكيره ومبادئه تغيروا ما صار يشوف الصح من الغلط.. كانت اغلاطه تغتفر واقدر اصبر عليها لين ما جاني قريب وعاد بندر خبرك بالسالفة.
-ليه صبرتي؟ خابرك بنتي اللي لو نسمة هوا تضرها تجيني تشتكي.. ما توقعت تحطيني انا واخوانك آخر أولوياتك
نظرت له بتسرع: لا والله حاشى بس يبه انا أم اكيد ان صبرت بصبر عشان عيالي وانت تحسب لو صارت لي مشكلة بترك بيتي من أولها.. لا طبعا بقعد احاول فيه يستقر لأن عندي عيال ومحتاجين يتربون بين أمهم وأبوهم بس فاهد ما أعطاني مجال وما باليد حيلة.. بس الحين مابيه حتى لو عيالي لهم راي ثاني.
-الود ودي ما ازوج ولا وحدة فيكن يا بناتي تقعدون حولي اشرف لكم من بيوت الناس.. بس مابي اظلمكن واخوانكن أسسوا بيوت وكونوا لهم عيلة.. اذا رجلك حلف على المصحف وهان عليه وش عاد اثق بالباقي. زم شفتيه بتفكير ليضع يده على فخذ ابنته كمن يؤكد ما توصل إليه: ما يصير خاطرك الا طيب.. رؤى بنتي و ما بتتزوج الا برضاك وحنا اللي بنزوجها مب الروث أبوها.. ماني معطيها الا اللي يستاهلها و كفو لها.. بكون جاهل لو قلت ان كل زواجه بعيد عنا فيها ضر واقصد من كلامي اختك زين.. الرجال ما عليه كلام وبياخذها جدة لكن وضعها يختلف عن رؤى.. زين انا ابوها وان لا قدر الله صار لها شيء ما بحس بالذنب هي بنتي والامور هذي ورادة و طبيعية.. عندك شذى بنت عمك اي مشكلة بينها وبين زوجها ينزغني قلبي وما ارتاح الا لو رجعت المياه لمجاريها بينهم كذلك رؤى نفس الحال انا عادها يتيمة ونا المسؤول عنها.. قربهم مني يطمني عليهم.
علياء بموافقة: كلامك ما عليه غبار الله يحفظك لنا ونا بنتي لزوم تكون قريبة مني هنا بالرياض هذا درس تعلمته.. واصلا بدري على هالكلام مابيها تتزوج الا بعد الجامعة تنضج وتنصقل شخصيتها.
اومأ رأسه وهو يقلب الفكرة التي لاحت أمامه وسكنت خياله للتو.. بابتسامة صافية: ابشري ما بتبعد عنك. نظر لها بتفحص معاينًا آثار البكاء: روحي غسلي وجهك لا تقبلين على العيال كذا. لتأخذه خطواته لغرفة الجلوس فتبادت أصوات أحفاده جود وجواد الذين توقفوا عن الحديث بابتسامة لما رأوا جدهم، جلس على الكنبة الكبيرة: تعالوا يا عيالي ابيكم تجلسون حولي.. انتم يالتوم اقعدوا هنا.. عزيز ورؤى عن يميني ويساري. رفع نبرة صوته بهزل وهو يحثهم على تنفيذ طلبه: لبوا طلب جدكم انت وياها بلاكم ما تعرفوني ما اعيد كلمتي. جود وجواد أتيا بسرعة متبادرين لحضنه متخذينه مقعد لهم أما رؤى أقبلت بخجل جالسة عن يمينه وعبدالعزيز عن يساره.
احتضن بيديه رؤى وعبدالعزيز وهو يتحدث بصوت منخفض: عسى بس ما تعبتوا من الطريق؟
رؤى تنظر للأسفل بابتسامة بصمت ليردف عبدالعزيز مقبلا رأس جده: ما به تعب كلها كم ساعة.. شلونك يا جد ما شاء الله عليك كل سنة تصغر الله يعطيك الصحة والعافية وطولة العمر..
ابتسم بحفاوة: جدك بخير يوم شافكم الله العالم وش كثر تطيب نفسي وانتم ملتمين حولي.. الله يخليكم. أردفها مقبلا رأس أبناء ابنته واحدًا تلو الآخر.
رؤى بتهذيب وقد تشجعت للحديث: جدي.. الاختبارات النصفية قربت.. خايفه على دراستي.. ممكن تنقلني قريب؟
ابتسم بصدق وامتنان: ممكن ليش لا انتِ تامرين أمر يا شيخة البنات.. اتصال واحد وانقلك للمدرسة اللي تبينها.. كفو عليك يا بنتي هالله هالله بالدراسة هذي هقوتي فيك.. شوفي أمك كانت تمسك الحسابات بالشركة مع خالك بندر. رفع رأسه لعلياء المقبلة بابتسامة ليكمل بتأكيد: هاه علياء تذكرين لما تشتغلين مع بندر بالشركة وانتِ طالبة حتى ما خلصتي الجامعة..
-اي والله يا هي أيام.. بس ايش رايك بشغلي بأمانة لا تجاملني قدام عيالي قل الصدق.
احتضن رؤى أكثر: ما شاء الله عليك وين أحصل كادر نسائي بمهاراتك واجتهادك.. الا صدق ورى ما ترجعين تشتغلين عاد الحين بشهادتك. بضحكة أضاف: بحطك مديرة على راس بندر
ضحكت وهي تجلس بجانب أمها مقابلة لوالدها: وش رايكم يا عيال تبوني ارجع اشتغل بشركة ابوي
عبدالعزيز بابتسامة خفيفة ورفعة حاجب: ان كان مافي رجال انا موافق
ضحك خالد بصخب وهو يطبطب على ظهره: هنيالك بالشيخ عزيز.. ما خبتي يا بنتي انشهد انه عن مية رجال.. لا تخاف هي بتشتغل بين أخوانها.. إدارة الشركة بيد خوالك.
رؤى بحماس وهي تحتضن جدها: تكفى يا جد انا بعد ابي اساعد بالحسابات مثل ماما.. شغلني من البيت يعني اذا أحد من خوالي تعبان انا اعاونه
-عاد ذا اللي يبونه خوالك والله ان يكرفونك.. انتِ وراك مدرسة امك كانت بالجامعة وتعرفين كرف المدرسة يختلف.. لكن ما بردك كل نهاية اسبوع تعالي مكتبي نجرد الحسابات انا وانتِ.. هاه راضية علينا ولا ماش؟
ضحكت بنبرة منخفضة: شكرا جدي.. خلاص موافقة
-لا تشكريني يابنتي هذا حلال أمك وانتم اللي بتمسكونه بعد عمر طويل.
علياء باعتراض: يبه الله يحفظك لا تقول كذا جعل يومي قبل يومك
شيخة ضربتها على كتفها: وش بكم تتعازمون على الموت فكونا من ذي السيرة محد بيموت الا في يومه.. الله يهديكم
خالد التفت لجهة عبدالعزيز ملتمسا شخصيته الثابتة الصلبة يشابهه إلى حدٍ ما، إلا أنه مسالمًا أكثر.. سأله بجدية: وش تبي تصير ان خلصت دراسة؟
حك رقبته ليجاوب بلا تفكير: بصير ضابط مثل خالي مشعل
رفع حاجبيه باستغراب: ونا اللي قلت استغلك بشركتي باين عليك شاطر بالأعمال الحرة..
ابتسم بضحكة وهو يستذكر مشاريعه الصغيرة التي يقيمها بالإجازات وتعود له بربح عالي: صدقت انا أعرف بالمجال.. عرق التجارة بدمي من الجهتين.. لكن رغبتي بالعسكرية أكثر وانا اقرأ عن المجال العسكري كثير وحصلت نفسي فيه.
-ما شاء الله خلاص كلم خالك يدربك اقعد معه بيفيدك ونا بساعدك باللي تبي.. عز قل تم.
ابتسم: تم
-بكره الصبح تطلع معي تختار السيارة اللي تبيها.. خبري انك تعرف تسوق..
-ايه اعرف أسوق لكن مشكور يا جد ما يحتاج..
قاطعه بصرامة: اسكت لا تكمل.. انت قلت تم وعيب تخالف كلمتك وترد عطيتي. التفت لرؤى: وانتِ يالحلا كله وش تبين أجيب لك.
ابتسمت وهي تلعب بمسبحة جدها: أي شيء.. خليها مفاجأة.
-تبشرين بعزك. ليحتضن جود وجواد اللذان كانا بحضنه صامتين: وانتم وش تبون هديتكم؟
جود: فستان مثل حق شيخة الأحمر
جواد: أنا ابي سيارة مثل عزوز
قبلهما وهو يردف كلماته: تبشرين يالجود وانت جواد تعرف تسوق؟
اومأ رأسه بنفي ليرد ممازحا: أجل وش له تبي سيارة.. وش رايك اجيب لك بلايستيشن؟
-لا مابي عندي بلايستيشن..
-تبي سكوتر نفس اللي تشوفهم بالنت؟ عرفتهم؟
ليردف سريعا وهو يتذكر: ايه اعرفهم.. اوك جدو
نظر صوب علياء: فكري زين بموضوع الشركة.. لا حسيتي نفسك جاهزة كلميني.
علياء وهي بحضن والدتها تشعر بسعادة عارمة من رؤية والديها.. تناست حزنها وألمها.. المهم أنها في كنف والدها وبين عائلتها ردت بحبور: ابشر يا قلب بنتك.

****

الساعة التاسعة ليلا
خرج من جناح علياء بعد أن تفقد حالها فور وصوله حين سرد بندر له ما جرى.. لم يرَ شذى بعد فهي الاخرى كانت بمنزل المها.. رن هاتفه ليجيب وهو متجه للنزول: هلا.. ايه تقفل خلاص.. الحين نازل.
نزل مسرعا حتى وصل سيارة عبدالإله الذي كان ينتظره فيها، ركب مردفا بهدوء: ليه ما قلت لي بموضوع علياء.. طلعت آخر من يعلم
بسخرية: آسف حقك علي المفروض اجي بيت ثريا اخبرك.
نظر له بصدمة من سخريته: الوضع ما يساعد تستهبل مالي خلق. ارخى صوته بعد صمت موجز: ولا بعمري توقعت انحط بموقف كذا.. عبود انا كرهت نفسي.. شكل أمها يصعب على الكافر.. اللي صار قدامي كنه حلم مو مستوعبه .. بس اطلعت مفهمه أمها..
بتر حديثه بإدراك: انك بتشهر زواجكم؟
رفع حاجبيه بغرابة: شلون دريت؟
-توقعت.. وش بعد صار ابي اسمع كل شيء.
استلقى على المقعد وهو يرجعه للخلف: السالفة تعقدت من ناحيتهم اطلعت مفهمة امها ان مرتي ما تجيب عيال واني بشهر الزواج.. عشان كذا اتصلت علي بكل ثقة تطلب حضوري وإن نتمم الموضوع بالولادة.. بس عطيتهم العلم ان تجهض ولا بيكون لي معهم تصرف ثاني. غطى وجهه بكفيه وقد اهتز صوته: مدري وش سويت انا!
عبدالإله بصرامة: ما سويت شيء غلط.. طليقتك غلطت دام امها رافضة الفكرة من الأساس كان ما تزوجتوا بس هي دخلت على طمع وهذي جزاتها.. سياف ركز انت تبي ترضيهم! ما هانت عليك دموع أمها وخذتك رأفة بهم؟ طيب تميم وشذى عادي عندك؟ قسم بالله لو اقبلت بولد ثريا عند مرتك ان تخلعك زي ما سوت علياء مع رجلها ومن اللي بيخلعك؟ ابوي بيرفع عليك القضية.. قل لي وش الطريق اللي تبيه؟
سكت باضطراب.. وهو يستمع لكلمات أخيه الشفافة ليكمل عبدالإله بقوة: قل لي وش تبي؟ اذا تبي ترضيهم رح بيتهم وقل انا ابي اربي ولدي.. لكن انسى انك ابو تميم وانسى بنت عمي.. لا تزعل من كلامي بس انت طيب بزيادة والأشكال ذي بتستغلك لو اعطيتهم وجه.. ثريا خذلت أمها وكذبت عليها كيف لو عليك!
-انا ابي عيالي من شذى مابيهم من غيرها والله مابيهم وبالناقص.. ولد ثريا عايفه من قبل لا يجي والله لا يجيبه.. خلاص تركت ذا الطريق لكن البلاوي للحين تتحاذف علي مدري متى بتوقف..
-بتوقف لين تمسك نفسك وتلزم بيتك مو تدخل بمتاهات وبعدين تبي تطلع الطيب اللي ما يضر الناس.
ابتعد عن المقعد ليعيده للأمام وهو يستند بصلابة ولا يزالان بمواقف القصر: قلت لك تركته طابت خاطري منه ولا لي رجعة فيه.. مشكلتي ان أي خلاف بيني وبين زوجتي الكل يتدخل فيه وهذا اللي مخرب حياتي.. عمة نورة من جهة وابوي من جهة ثانية حتى على الشيء البسيط ياكلوني بقشوري ونا صابر وساكت بس هالموضوع لو وصلهم بأي طريقة..
قاطعه: ما بيوصل ان شاء الله انت قفلته مع الجماعة وعادك بتمرهم تتأكد.. لكن شد حيلك وجيبوا عيال عشان ترتبط فيك أكثر.. العيال يجمعون ما يفرقون اسمع مني. اقترب ليحسن من مظهر أخيه: تسنع واطلع عند زوجتك لا تحسسها بشيء.. وجهك فضيحة انتبه تدخل عليها كذا عز الله بتعرف بالبير وغطاه.
-وين الجماعة؟ محد في بيت أمي الا علياء
-مرتك في بيتنا.. اتصل عليها خلها تجيك ورتب الوضع بطريقتك والباقي انت تعرفه. أردف كلماته بإبتسامة ماكرة.
أتمم رسالته لزوجته وحين انتهى من الإرسال تحرك يفتح الباب ليوجه كلماته قبل أن يخرج: عبود تسلم مدري من غيرك وش كنت بسوي.
كان هو الوحيد الذي يعلم عن زواجات أخيه، ضحك وهو يخرج من سيارته: بالخدمة يا بيبي.. الله لايحرمك أفكاري بس عاد خفف الزيارات لو سمحت مليت ونا احل مشاكلك..
احتضنه سياف بقوة وهو يشعر بالراحة خففت من توتره: لك اللي تبيه تامر امر.. الله لا يحرمني منك نعم السند والعضيد
طبطب على ظهره: الله الله في بنت عمي.

....

صعد جناحه ليفتح الباب وهو يعيد اتزان أفكاره.. وضعت يديها على عينيه من الخلف واقفة على أطراف أصابعها ورائحتها الناعمة الأخاذة سجلت حضورها قبل أن يراها.. قالت بمزح: من أنا؟
ابتسم بهزل: تميم؟
ابتعدت عنه وهي تضحك ليلتفت إليها مستمعا لنبرتها الحنونة: ما شفتك اليوم.. هذا وعمي معطيك اجازة ولا قدرنا نقعد مع بعض. قالت آخر كلمتين بصوت انخفض لما أقبل يحتضنها بشدة.. بادلته العناق وسط ذهولها من صمته الغريب وملامح وجهه الخالية من تعابير زوجها المعتادة.. شدت احتضانها له: حبيبي فيك شيء؟
تتخلل أنفاسه عبير شعرها العبق ليردف بقوى منهكة: حبيبك فيه كل شيء.
حاولت الابتعاد عنه سرعان ما ارجعها لحضنه: خليك شذى ابيك تضميني.. قد ما تقدرين ضميني
زادت احتضانها له بكل قوة تمتلكها.. تمرر يدها على ظهره جسده ساخن ملتهب كمن اشتدت عليه الحمى.. وإنني ارتبط بك ارتباطًا روحيًا يجعلني أتمنى أن أكون الملجأ الدائم لك.. كيف أخبرك أنك ثابت بقلبي رغم ازدحام الأمور السيئة ورغم وجعي تلك الليالي.. ما زلت أختار أن أحبك يا سياف..
بقي واقفا متشبثًا بها لم يؤرقه العناق بقدر الاشتياق، أحببتك وكنتِ ولا زلتِ أول حب حقيقي في حياتي المتهشمة لم أتوقع أن يرتبط قلبي الساذج بك كل هذا الإرتباط.. إنني لا أشعر بطعم الحياة إلا معك ولا تستقيم حياتي وأشعر أنني بخير إلا بجانبك.. لا أستبدلك بأحد فأنتِ الجميع..
ابتعد عنها مسافة خطوة يوزع نظراته لملامحها التي تكسو وجهه حياة: وين تميم؟
أجابت ولا تزال مندهشة من تصرفاته: في غرفته يلعب.
ابتسم من دهشتها.. لا يمكنه تفسير اضطرابه فلتتوقع ما تريد الأهم انني أجدها في نهاية كل يوم لتمحو مشقة عمر كامل.. قبّل جبينها: بروح اشوفه.
سار نحو غرفة ابنه وهو يحارب جاهدًا ألا يظهر مشاعره اللا متزنة.. دفع الباب بخفة وابتسامة: تميم.
ركض نحوه محتضن والده الذي حمله بمجرد ما اقبل صغيره عليه.. ظلت يديه محيطة بابنه كسور يحميه من عثراته التي ارتكبها.. أنت السعادة التي أدعو الله دومًا بأن تبقى مشرقًا أمامي كي أقوى على تحمل هذه الحياة.. سمع صوته: بابا تلعب معي فيفا؟
تأمله ولا يزال في حضنه.. كان شديد الشبه بوالدته.. شديد البياض ذو شعر حريري كستنائي وما تبقى من ملامحها الناعمة.. لا يحمل من والده سوى عينيه الضاحكة الساهية.. قال لنفسه وكأنه يحادث ابنه: ليش ولدي كذا ناعم!
تميم الذي شعر بالملل يريد العودة لألعابه.. جاهل عما يريد والده أن يوصل له جراء هذا الحضن.. انزله سياف للأرض: تميم تجي تنام عندي بعد شوي؟
ابتسم بحماس: اوك.
قال وهو يتوجه لشاشة التلفاز ليوصل أسلاك الجهاز: تعال نلعب خل اكسر راسك قبل ما انام.

****

بعد أسبوع
بعد أن أتمموا عملهم ركب مع صديقه على متن سيارته وقد انجزوا عدد من المشاوير الخاصة بعملهم.. المكان فوضوي بحت حيث تناولوا الغداء بالسيارة والآن وقت القهوة العربية ولا يزالون يتخابرون عن القضايا باندماج.. لا استقرار لعملهم الدؤوب فحتى الأماكن لا تسعهم لتناول وجباتهم أو حتى التحادث.. لابد أن يكونوا على متن مركبة متحركة كحركة الأحداث حولهم.. يرتدون الزي العسكري نفسه باختلاف المناصب والرتب. رائد والذي يقود السيارة مستمع لأفكار مشعل التي يضعها بدقة وكأنها قصة يرويها بعد ان انتهى أردف تعليقا عليه: مثل ما قلت القضية تافهه نقدر نمسكها الجدد نشوف شطارتهم..
مشعل: هقوتي فيهم ما تخيب ما شاء الله مجتهدين وياخذون شيفتات خارج أوقات دوامهم.. اعتمد عليهم طالما يقدمون عملهم على راحتهم.
مد فنجانه لمشعل وهو يأخذ الدوار الذي أمامهم: صب
كان يرتشف قهوته دفعة واحدة وهو يتابع رسائله حتى سمع طلب رائد ابعد هاتفه منزعجا: خذ الثلاجة حطها في حضنك اشغلتني. ليملئ فنجان الآخر وهو يمده له: سم.. ولا عاد اسمع حسك
-المشكلة انك رابع مرة تقول نفس الكلام وتصب لي.. كلام ما يودي ولا يجيب.. احطك في بيتكم ولا عندك مشوار؟
ارتشف فنجانه السابع ليقول: برجع البيت عندي ملف وصلني لزوم اعرف تفاصليه
-ملف غزل آل فياض؟
-اي نعم.. في منتهى السرية ذي المعلومات حتى انت مابتوصلك.. اوصلتني من ربعنا في جدة.
-ما عندك مشكلة.. يكفيني اللي معي لكن ان تبي اعاونك ابشر. قطع حديثهم نغمة هاتف مشعل ما إن رأى الاسم حتى تذكر ليرد بصوت منخفض: هلا تاج..
-حنا خلصنا وينك فيه.. قل انك قريب لأن خلاص صدعت من خواتك. تردف كلماتها وهي تضحك.
-بكلم السواق يجي ياخذكم..
-لا تكفى انا مصدعة والله. لتلتقط زين الهاتف وهي تكمل بضحك: انت جبتنا انت ترجعنا مشعل يا ويلك لو تأخرت هذا غير الزحمة ترا مشوار.
-ما رجعت في سيارتي.. ما بتعجزكم ساعة انتظار
رائد وهو يومئ حتى نظر له مشعل ليردف: وينهم فيه؟
-سنتريا
-خلاص بمرهم في طريقنا
هز رأسه بموافقة: خلكم جاهزين.. ايه قريبين منكم.. فمان الله. حين أغلق المكالمة رد باستنكار: انت شايف الحوسة اللي هنا شلون بتركبهم؟
-ما عليك انا وسيارتي نتفاهم.. يحتاج انظف المرتبة الثالثة ولا يكفيهم ورا؟
بضحكة تسائل: ليه ناوي تنقل العفش هناك؟
ابتسم: صح عليك تفهمني..
-ما عليك بتكفيهم المرتبة الثانية
حين أقبلا على المجمع التجاري وهم على بعد مترين منه، قد اتصل مسبقا على تاج: حنا تحت انزلوا.
خرج من سيارته فاتحًا الباب الخلفي لينقل أغراضه المكومة للخلف في محاولة لتنظيف سيارته. تحدث باستعجال: وش ذا ريحة السيارة مطعم.. مشعل افتح الدرج بخر السيارة. ليردف قبل أن يتذمر: سو خير ولو مرة في حياتك ياما كرفت عشان خشتك.
ضحك بخفة: الله يخزي الشيطان.

....

تاج بمعيّة زين والأميرة وقد أغلقت من اتصال مشعل: وأخيرا وصل.. هيا قومن ومرة ثانية توبة اجي معكن.
كن الفتيات في حالة هستيرية من الضحك طوال فترة التسوق.. ردت الأميرة وهي تعيد ترتيب عباءتها: بس وربي أطلق طلعة.. أول مرة في حياتي احصل اللي ابيه بسرعة.
خرجن من البوابة الرئيسية حتى وقعت عيني زين على سيارة رائد وقد لمحته بجانب أخيها: يووه رائد بيرجعنا.. بنات تهقون لو ملكت بيوافق ذياب اروح مع رائد؟
الأميرة بسخط: الله ياخذك الرجال باقي ما ملك عليك وانتِ شايله همه يوافق.. ما ينفع أضربك في الشارع ولا كان توطيت بطنك يا ****.
زين باستنكار: بنت عيب احترمي نفسك وش هالالفاظ..
تاج بمقاطعة مستاءة وقد بغضت طريق الرجعة بعدما علمت أن ابن خالته سيوصلهم: اسكتن الوضع مو ناقص.. وحدة فيكن تكلم الأخ مشعل عشان يقربون السيارة خير موقفين بعيد والمفروض نجيهم كعابي!
زين وهي في صدد الاتصال: مشعل ممكن تقربون السيارة.. اوك حبيبي باي.
دقيقة حتى توقفت السيارة أمامهم توجهن للركوب، كانت تاج خلف مقعد مشعل، الأميرة ثم زين بالجهة اليسرى.
زين بتهذيب: السلام عليكم.. كيفك رائد وكيف خالتي وجوجو؟
-وعليكم السلام.. كلنا بخير الله يسلمك.. مبروك الخطوبة عساها على الخير..
-الله يبارك فيك عقبال جوجو نفرح فيها.
كانت كارهه للوضع زادتها كلمات زين غيظ لتكتم سخطها.
مشعل ورائد كانا يتحدثان حتى سمعوا ضحك الفتيات الهامس بالخلف وحركتهم المريبة وكأن أحد يطاردهم.. بدأت العصبية ترسم ملامحها على وجهه.. لسن سوى أخواته وزوجته فالملام بالمقام الأول هو. سأل بتجهم مبطن ملتفتا لهم حين سمع صرخة زين المكتومة بضحكة: وش فيه؟
زين والتي كانت ككتاب مفتوح تظهر مشاعرها حتى وإن كان المكان لا يسمح، أردفت بخوف: الظاهر دخلت معنا فراشة لما فتحنا الباب.. يمه مشعل شفها.. يمممه!
فتح نوافذ السيارة من جهته دون أن يرسم أي تعابير، علم من نبرة صوت مشعل أنه في وضع الاشتعال.
عادت أنظاره للأمام وبهدوء بارد يرسم خلفه كارثة منبئة بالبدء: اذا اطلعت قولي. التزم هاتفه ليرسل لزوجته "لما نوصل كلكن على بيت أمي ابيكن بسالفة"
ابتسمت خلف النقاب علمت أنه في أوج عصبيته، لكن هي كانت ملتزمة الصمت لم ولن تظهر صوتها أمام ابن خالته وإن كان قرد بالسيارة.. وقعت عينيها على ثلاجة القهوة بالأمام وصينية حلا تشابه ذلك الطبق حين قالت أمجاد أنها من قامت بصنعه، زفرت الهواء بضيق يبدو انها تستخدم أساليب خفية ولم تستسلم بعد، رأت المنديل المنبسط جهة مشعل تعلوها قطعة حلا مقضومة.. مدت يدها على ذراعه من جهتها لتقرصه بتشفي.
كان ينظر للأمام عينيه على السيارات لما شعر بقرصتها أبعد يده بغرابة من تصرفها، لم تؤثر فيه وإنما كبحت مشاعر العصبية بداخله.. شعر أيضا بقرصة خفيفة على رقبته، هذه المرة لمح رائد الحركة وهو يتلفت لليمين. اخفى مشعل ابتسامته يبدو أنها في مزاج جيد للهزل.. لكن هو في مزاج غضب منهم.
أرسل لها: اهجدي الحين نوصل البيت.. وسوي اللي تبينه.. حلالك. قاصد احراجها، فلتكف عن تصرفاتها، رفعت حاجبها حين فتحت الرسالة، نظرت على المرآة الجانبية العاكسة لملامحه الشامخة.. فقد كان ينظر امامه دون أن يعيرها انتباهه يعلم أنها تنظر اليه ولكنه سيجعل نظراتها تسقط. كشرت بانزعاج من تجاهله. نقذ الموقف صوت زين وقد انتهت من تأكدها من خروج الفراشة: خلاص قفل الدريشة.. اطلعت
رائد: متأكدة؟ لو ما اطلعت ما بفتحهم مرة ثانية
أعادت توزع انظارها: الا والله ماهي موجودة
أغلق النوافذ بالتزامن مع وصوله القصر، أوقف السيارة ليخرجن الفتيات، مشعل: سلمت يا ولد الخالة حياك اقلط.. ابوي يسأل عنك عاد توصل بيته وما تطلع تسلم عيب في حقه.
-لا تكفى خلها مرة ثانية بجي مخصوص اسلم عليه..
-لا تخليني اتصل على بو بندر والله ينزل لك ويطلعك غصب
ضحك: والله عندي شغل تخبر انت ما يحتاج بعدين ابي افتك منك إلا اقولها بوجهك يعني!
رفع حاجبه: اتقي شري يا ولد.. يلاه أجل بينا اتصال سلم على خالتي كثير.. مشكور على التوصيلة.
-ما بينا يبو محمد.. سلم على خالتي والعيال أما الشيخ خالد سلامه ما ينقال لزوم اتعنى له.. تامر على شيء؟
-الله يحفظك درب السلامة.

....

في الصالة السفلية لقسم سحاب
تاج: طيب اصبرن الحين بيجي هو قال يبيكم بسالفة
دخل ملقيا التحية بنبرة استدراج: السلام عليكم.. يالله ان تحييكن.. كيف كانت الطلعة؟
الأميرة بابتسامة وأسلوبها المعتاد: وعليكم السلام.. الطلعة مثل وجهك الحلو.. ممكن تسرع ابي اروح اشتقت لأمي.
بنبرة جدية: وش له الاصوات مرتفعة عيب عليكن انتن بنات محترمات احرجتوني قدام صاحبي.. لو ادري ان ذا بيحصل قسم بالله لطعتكن لين يجي السواق ياخذكن.
تاج بنبرة منخفضة مندفعة: ما دخلني خواتك اللي صارخن والله خاصة زين الفضيحة.
الأميرة بدفاع: انا كاتمة صوتي عاد اخاف من الحشرات ما قدرت امسك نفسي بس اختك ذي هي اللي فلتت صوتها ولا كأن فيه رجال غريب.
زين باستسلام: آسفة ايه انا اللي صارخت
انخفضت حدة صوته: لا تعيدينها مرة ثانية زين.. انتِ مقبلة على زواج خفي من هبالك شوي خليك رزينة مابي رجلك يقول خذيت وحدة مهبّل.. سمعتي وش اقول؟ اركدي واعقلي ونا خوك.
اماءت رأسها ونظراتها متوزعة للمكان تشعر ببكاء كالطفل حين يتم توبيخه، صعدت فور سماعها صوت مشعل: خلاص توكلن.
تاج التي بقيت بمكانها وهي تنظر له بحاجب مرتفع، أطال نظره عليها ليسأل وهو يجذبها من ذراعه.. يحثها على السير برفقته: وش عندك؟
-ليه رجعتنا مع رجال غريب؟ آسفة انا ما اركب مع رجال مو محرم لي.
-لا بالله! ليه ركبتي معه لحالك؟ انا كنت موجود.. عيب كلامك تاج اعرفي شلون تهرجين. شد اكثر على مسكة كفها كما لو انه يهدي من انفعالاتها.
تجاهلته وهي تشعر بعتب تجاهه: ولو.. خاصة ولد خالتك مابي اركب معه.. ركبني على حمار ولا أروح في سيارته.
هز رأسه ببطء واستيعاب وقد ربط تلقائيا تصرفها بالسيارة: ايه الحين وضح السبب.. خفي شوي من الغيرة ماهي زينة لك..
قاطعته وقد حقدت على نفسها وهي تقع في فخ غيرتها للمرة المليون: وش غيرته انت الثاني! كلامي واضح مابي اركب الا معك.. حتى اخوانك ما قد ركبت معهم يجي الحين ولد خالتك!
ضحك بسخرية وهو يفتح باب جناحهما: ايه ايه شكلي انا اللي فهمت غلط.. اعصابك بس لا ينط لك عرق.
كانت سترد لولا أنه ابتعد عنها ولا تريد أن يرتفع صوتها.. عضت شفتها بقهر وهي تضغط على شحمة اذنها بقسوة. ما الذي جعله لذيذاً وشهياً؟ أأسرها بقوة شخصيته؟ أم بكل ما فعله لبلوغ تلك اللحظات؟ أم ايضاً بسبب طيف المرأة "أمجاد" التي دائماً ما يمر ذكرها في لحظات تجمعهما. كان حبهما ابناً شرعياً لقدر ثمل بتهكم الاضداد.

....

ارتدت فستان زهري صيفي يصل الى نهاية ركبتها.. وضعت من كل المساحيق اقلها، انشراح يلمع في منتصف صدرها، حلاوة اجتاحت روحها.. تعيش أيام مميزة، تفوق قدرتها على وصفها. كانت حياتها ساكنة حتّى جاء وألقى حجراً في بركة ايّامها الراكدة، مخلفاً كلّ دوائر الجنون. لا تستطيع أن تنكر حقيقة أنّها، منذ ذلك اليوم التي عاتبته على ذوقه في الاختيار، لا تنتظر سوى رؤيته. هي لم تكن يوماَ من سلالة نساء الانتظار، ولكنها، من دون أن تدري، في كلّ ما تفعله الآن تنتظره. وتريد أن تسرع لتراه ويراها في حُلتها. رفعت شعرها بطريقة أنيقة، تاركه لنحرها يأخذ حق حسنه.. ثم جملت مظهرها بأقراط قد قامت بشرائها لتو. تبسمت وهي تتناول الصندوق الأسود الصغير.. ممسكته خلف ظهرها. توجهت الى غرفة مكتبه.. يمكن معرفة تواجده من رائحة جل الاستحمام الخاصة به. افلجت الباب بهدوء وقد كان يجلس على الكنبة متوسطة الحجم، الجانبية للمكتب.. وحوله كومة أوراق وجهازه المحمول المتشاغل عليه.
كشرت حين لم ينظر اليها، لا تعلم هل حقاً لم ينتبه أم انه يُكابر. قررت بأن لا تناوله هديته الآن.. وفقط ستخبره بخبر ذهابها الى منزل عمها. ابتعدت عن الباب متوجهة الى غرفة النوم.. اعادت الصندوق فوق التسريحة.. ورجعت من حيث أتت. دخلت متقدمة الى مكانه، وقفت على جانبه الايسر، بنبرة خافضة: مشعل!
همهم دون أن ينظر لها، أكملت وهي تتلاعب بأصابع يدها: تقدر بكرة توديني بيت عمي.. خواتي بيجتمعن فيه
أجاب وعينيه على شاشة جهازه: متى؟
-خمسة العصر.
عقدت حاجبيها باستنكار لصمته الذي طال دقيقة، حتى أردف: سوي لي شاي.
زاد استغرابها من تجاهل طلبها.. قطع كلماتها التي كادت أن تخرج رنين هاتفه.. خرجت وقد نوت أن تعيد طلبها، تناولت هاتفها وطلبت تحضير الشاي. دقائق حتى جلبته العاملة حملت الصينية.. وحين شرعت بفتح الباب.. انقبض قلبها من انفعاله وهو يتحدث على الهاتف. بلعت ريقها، وهي تضع الصينية امامه.. وسريعاً ما خرجت. ليس الوقت المثالي لإعادة طلبي.. يبدو مخيفاً حين يغضب.
نصف ساعة وهي متشاغله بالتلاعب في هاتفها، حتى شعرت بخمول جسدها.. اغمضت عينيها.. دقائق حتى سمعت نغمة الاشعارات. تناولت هاتفها وقد كانت اختها عبير مرسلة "ها قلبي.. بتجين؟"
تنهدت وهي تقف، اتخذت موقف الإصرار على طلبها لتعطيه غايتها في الذهاب. هزت رأسها بالموافقة على اخذ هديتها.. وقفت امام باب المكتب.. تجرعت الاكسجين ثم زفرته في ذات اللحظة. وقفت على مقربه منه، ويديها خلف ظهرها تحمل الصندوق. قالت: مشغول؟
رفع عينيه دون أي تعابير: وش تشوفين؟
مسكينة كم أجهدت نفسها لتبدو في شكل جميل، وهي حزينة الآن لأنه لم يعيرها أي انتباه. أوصل لها إشعاراً بأن ثمة ما هو أهم منها في حياته، وأيًّا كان هذا الشيء ستحزن. فقد نجح في إرباكها وإفساد فرحتها. تفوهت وهي تحاول عدم اظهار حزن مكنونها: تقدر توصلني بيت عمي؟
لم يغب عنه نبرة التبرم التي تخللت حروفها.. اغلق حاسوبه ثم قال وهو يشير على فخده: تعالي.
شدت على قبض الصندوق، جلست كما دائما.
القى تركيزه عليها، وهذا ما أربكها أكثر، جاعلها تشتت نظراتها. لم تستطع تكهن وضعه فهو بلا تعابير يضيفها حتى تُحدد حالته المزاجية..
-متى بتخلصون؟
امسكت بطرف فستانها تخفي ربكتها: ما ادري.. يمكن اثنعش.. وحدة!
اخفى عنها الموعد الذي قام بترتيبه في أشهر مطاعم الرياض، من أجلهما.. كان يحتاج إلى أن يكون له موعد مع الحبّ كي يحيا، كي يبقى قيد اشتهائه للحياة. لا يُريد أن يفسد فرحة ذهابها لزيارة عائلتها، أو ان تذهب معه تقديراً لحجزه في مكان فاخر يجمعهما.. سيظل دائماً يشكك في نواياها تجاهه.. لن يضع نفسه موضع الشفقة من أجل ما يملك. وهو لكل هذه الأسباب جاهز لحبها.. أو على الاصح جاهز لها.
تكلم بينما تسير انامله برفق على عمودها الفقري كما لو أنه يمسج ظهرها: راح اجيك الساعة عشرة.. عندي موعد ثاني.
هزت رأسها بالموافقة: تمام.
ابعد يده عنها وراح متناول هاتفه.. لا تعلم لما بدا غير مكترث لها.. قطع لهفة الهدية التي لا تزال تمسك بها خلف ظهرها. لا تعلم هل تعتذر منه لسبب تجهله.. ام تسأله هل هناك ما يضايقه فيها. ولكنها اختارت الخيار الثالث بقولها: مشعل.
رفع انظاره اليها وكأنه تنبه للتو بوجودها.. مدت له الصندوق وبنبرة فقدت لذة المفاجأة: جبت لك هديه.. أتمنى تعجبك.
تناولها من يدها، دون أن يضيف كلمة.. كانت تحمل في جعبتها ربطة عنق أنيقة.. تتناسب مع ذوقها الرقيق.
اسرعت بقولها وكما لو انها تشرح مكنون هديتها، وقد قالت ما لم تُريد الإفصاح عنه.. ولكن صمته ذاك جعلها تبوح: شفتك ذاك اليوم في البدلة الرمادية.. وعجبتني مره عليك.. عشان كذا أول ما شفتها تذكرتك واشترتها. صمتت وهي تعض على شفتها، أليس من المفترض أن ذاك اليوم كانت نائمة.. فضحت استراقها للنظر. تمنت بأنه لا يركز في كلامها، ولكنها تخاطب مدقق لكل تصرفاتها فقد عثر عليها متلبسة تهمة تزوير النوم.
-شكراً.
أربعة حروف هذا فقط ما لفظه.. لا تعلم لِما ربطت الموقف، بموقف هديته التي كانت عبارة عن طقم "ألماس" حين أرسلت كلمة شكر فقط دون أن تُتعب ذاتها في التفكير بكلمات البق.. هل يستأثر لخذلانه العاطفي منها.
بلعت ريقها وهي تحاول الابتعاد عنه: تبي شيء قبل لا اقوم؟
لم يُقبلها، لم يحتضنها، لم يُطل حتى النظر إليها وهو يضيف: لا سلامتك. انصرفت دون أن تلقي نظرة عليه. لا تعرف بأن تصرفه ليس سوى انزعاجه من ذهابها الى اخواتها وهو الذي تنازل عن بعض مواعيده المهمة ليقتني وقت برفقتها، ولكن كيف لك أن تسمع ما لا يقوله المرء أن اخفاه حتى عن ملامحه!

****

ولاية بنسلفانيا
على زورق خشبي اللون يتحرك على بحيرة نوكامكسون بمقاطعة باكس.. واجهتهم التي اختاروها لقضاء إجازة نهاية الأسبوع معًا.. كانت الرياح نشطة تحرك كل ساكن وترفرف المشاعر الصامدة.. تعمقت علاقتهم قليلا خلال الأيام الماضية.. كان لا يفوت المرور على المقهى الخاص به بجانب المعهد الذي ترتاده.. أعجب بها وكل ملحقات الانبهار بطريقة تفكيرها الجريء ونظراتها الازدرائية إلى جانب صوتها اللعوب الشقي.. ارتدت لهذا اليوم فستان جينز أزرق قصير يصل تحت ركبتها مشدودا من الأعلى متوسعا للأسفل.. جزمة بوت متوسطة الطول وقبعة ريفية أكملت اللوحة البهيّة في مظهرها.. كان بجانبها حد الالتصاق واضعا يده خلف رقبتها يتحدثان بانسجام.. هو يخبرها عن حكاياته وهي مستمعة له أعجبت باستقراره النفسي رغم اضطراب عائلته بعد انفصال والديه.. أو بالأحرى هروب والدته وتكفل والده بتربيته على أيدي عدد من المربيات على مر سنواته.. اقترب منها مقبلا خدها: تكلمي عن نفسك.. انا تعبت من الكلام.
تأملت الجبال الشاهقة المحيطة بهم في هذا الحيز الخلاب الهادئ.. سألت: ايش تبي تعرف؟
- اي شيء عنك
-أحب الاحترام يا ماجد do you know what I mean
ابتسم لها بنصف عين ليعيد نبرة صوته وكأنه احد سكان الرياض: ايه اعرف وش تقصدين..
ضحكت بمرح: تكفى لا تتكلم كذا.. خلك مناسب للمكان اللي حنا فيه.
-من أي ناحية تحبين الاحترام
-الاحترام انك ما تتدخل بشؤون الناس اللي ما تخصك.. عكس احترام الخصوصية نسميها لقافة.. وانا اكره الناس اللي كذا..
نظر لها بنظرة غريبة وكأنه يدرسها من منظوره المتواضع لفتيات بغاية الفتنة كشخصها: انتِ قوية.. I like strong woman
اسندت رأسها للخلف وانظارها على السماء: انا مثل ماما قوية. ضحكت بسخرية لم تستوضح على نبرتها: وانت مثل من كيوت؟
-ما اشبه ابوي بشخصيته وأمي ما اعرفها.. اشبه نفسي
-ماجد أنا. قطع جملتها رنين الهاتف مدت يدها لحقيبتها فور ما اخرجته ردت بتكاسل وهي تضع سبابتها على فمها كي يصمت الآخر: هلا..
مهند: السلام عليكم.. شلونك
-تمام انا بخير.. يعني ايش بيصير لو ارسلت رسالة.. اتصالاتكم تقطع مذاكرتي
ضحك ليردف معاتبا: افا ما تبين تسمعين صوتي.
-مو كذا الحكاية لكن انت تتصل وماما وبابا وعبود الزفت.. كلموا الخدم يتصلون بعد.. تكفى مهند خفوا شوي ما بيصير لي شيء
-طيب اوعدك ماني متصل.. بس حبيت اقولك اختي علياء خلعت زوجها
بدهشة: منجدك؟ امانة قل انك تمزح
-والله هذا اللي صار.. قلت اخبرك اختك ولازم تدرين عنها
بهدوء: وشلونها الحين؟ عيالها معها ولا تركتهم
-لا طبعا معها والحمدلله هي وعيالها بخير..
-ليتك ما اتصلت وش هالاخبار اللي تسد النفس
-رجلها مو كفو تزعل عشانه لا تتضايقين افرحي لها
-ماني زعلانة على فرقاه.. بس هي وعيالها اكيد وضعهم صعب.. ايه وش عندك بعد قل كل الأخبار دفعة وحدة عشان النفسية زفت
تحدث بتذكر: وش بعد بقولك.. ايه حددوا ملكة زين بعد ثلاث اسابيع
-وهذي بعد ليه بتتزوج ما يكفيها اختها رجعت.. تتعظ وتعتبر من اللي صار
-منتِ صاحية وش الرابط بالله.. المهم انا بقفل عشان لا ازعجك.. تامرين على شيء؟
-سلم على علياء كثير وكلم اخوك لا يتصل علي ولا اقولك لا تكلمه نذل وبيتصل أكثر لو قلت له.. المهم مع السلامة. اغلقت هاتفها بضجر وسط تأملات ماجد لملامحها التي تغيرت.. مسك ذراعها وهو يحثها على الاستلقاء على فخذه.. حين نفذت طلبه بصمت سأل وقد مرت دقيقتين على سكونها: ايش فيه؟
-اختي.. انفصلت عن زوجها
أومأ رأسه بهدوء وهو يتلاعب بشعرها: تحبه؟
ابتسمت: مدري.. بس انا ما احبه لأنه اكيد ما يحبها
-يمكن يحبها بس مافي تفاهم وقرروا ينفصلون
-ياخي هذا عندكم.. حنا لما ينفصلون لازم قضايا في المحكمة .. بس تعرف ايش المشكلة
بحنية وهو يمسد شعرها يتأمل ملامحها التي كساها الحزن الصامت: ايش..
-اختي الثانية بتتزوج.. مع انها اصغر مني وتقدر تقول غبية وعريسها كبير.. كبير حييل عليها
بتقصي وقد جذبته هذه المعلومة: ليش انتِ ما بتتزوجين؟
-لا.. مابي اتزوج
انخفض مقبلا جبينها حاجبًا أشعة الشمس الخافتة عن وجهها: حرام ما تتزوجين.. all men will be disappointed . قال كلماته وقد برز انزعاجه منها.
ضحكت من انفعاله على جوابها: ليش عصبت؟
-ولا شيء..
رفعت كفها على وجهه وانظارها مثبته عليه: ليكون تبيني اتزوجك؟
ابتسم نصف ابتسامة وبدا على وجهه الخجل: مثلًا
-ماجد انا لسى صغيرة.. مابي اتزوج وانا ما شفت الحياة.. ابي اطلع واروح وأجي اصاحب ناس واتعرف على جدد بحياتي.. و..
قاطعها بحزن وهو يشتت نظراته للارجاء: وانا ايش؟
باستخفاف: انت ماجد!
أدار وجهه للجهة اليمنى يعلم أنها تهزل به، ليردف: آسف فهمتك غلط..
بصرامة وعينيها عليه: وش فهمتني؟
-فهمت انك تبيني as boyfriend
ضمت شفتيها في تفكير ثم نهضت من على فخذيه لتقبل خده بنعومة: انت قلتها حبيبي مو زوجي..
ابتسمت ملامحه دون أن يبتسم بفمه.. قبلتها ستتوج بالأفضل على الإطلاق زعزعت مشاعره وهو الذي تزاحمت الفتيات على تقبيله.. لم يستطع إسترجاع نمطه الجدي.. ظل صامتا وضعته في حيرة هذه الجميلة نصبت له فخًا وأوقعته مبتسمًا..
أشاءت بنظراتها عنه متأملة اللوحة الفنية المحيطة بهم.. بدأت تدندن بعذب صوتها متجنبه نظراته.. حين تتجاهل المرأة رجلًا وقع في حبها.. لن يكف عنها.. وقعت عينيها على امرأة أربعينية بالجهة المقابلة من البحيرة.. توقفت عن الغناء بتدريج وهي تنظر لأسفل وقد بدت الرياح تحرك شعرها وكأنها تخفي دموعها كمواساة.. اجتاح قلبها حنين صارخ في هذه اللحظة.. كيف هي أمها وبماذا تشعر.. بكت بصوتها الرقيق الخافت انزعجت من دموعها الممطرة على خديها البراقة.. تكره البكاء جهرًا.. حاولت مسح ما أحدثته هذه القطرات المالحة من عينيها.. إلا انها كالجرح المنبثق يتزايد بمجرد ما ان وجد شقًا بالجسم.. أمالت رأسها للجهة المخالفة كرثاء لهزيمتها في إخفاء ضعفها.. عضت شفتها بكره وهو يحتضنها من الخلف.. رائحته النفاثة بعبق العطور الفرنسية أحاطت جزيئات الهواء حولها.. شد من احتضانه هامسًا بإذنها: أنا معك.. لا تبكين.. do you miss your family?
تمسكت بيديه التي على بطنها وهي تحاول أن تبتعد.. تريد الاختلاء بنفسها.. هي هكذا لا تشارك حزنها.. تعتبرها خصوصية لا تحبذ الاطلاع عليها.. ثبّت يديه وبنبرة جادة: خليك هنا لا تتحركين..
ارتفعت صوت شهقاتها التي كتمتهم لوقت.. رد سريعا لتهدئتها: نرجع؟
هزت رأسها بموافقة.. ابتعد عنها يجدف للعودة وقد عبرته مشاعر الحزن منها.. ارتجف قلبه من صوتها الناعم بالبكاء منبئ بحزن هذه الصلبة الثابتة رقيقة الملامح.. كيف يرق قلبي لأنينها.. هذه الفتاة كم أحبها.

****

مستندة على رأس السرير وعينيها معلقة على الشباك تتأمل لون الشمس المائل للأحمر، وتخضب السماء بمساحات برتقالية، قرمزية.. هذا هو وقت الغروب.. وقفت امام النافذة كما لو أنها تريد ان تغذي بصرها بإبداع الخالق. قطع تدبرها رنين هاتفها، رفعت كم فستانها الذي سقط على ذراعها. جفل قلبها وهي تنظر الى رقمه، راح عقلها يرسم لها وجهه وكأنه ينظر لها فأحمرت وجنتيها بخجل.. القت نظرة سريعة على الغرفة ثم استقبلت المكالمة بصوت أنفاسها المضطربة بعد أن تأكدت من عدم وجود الفتيات.. جاء صوته كزلزال هز أرضية انوثتها: وحشتيني! تبسمت وجلست على حافة السرير، تنظر الى اظافر يدها.. رفعت ناظريها كما لو أنها تتحسس كلماته التي تخرج ساحره: لزوم اشوفك ملوك.. ولا يومي ما يكتمل.
جاءت نبرتها عاتبة وهي ترد عليه: بالعكس يومك يكتمل.. وش صار على المزرعة جلست فيها حتى من غير ما تعطيني خبر.. كل البنات يمدحن الطلعة.. وانا هنا محبوسة.. حتى ما كلفت روحك تطلب جيتي!
ظل صامتاً. ما أعتاد نبرة كهذه ولا توقع كلاماً كهذا. أجابها بأول ما خطر في ذهنه. لأول مرة تكلم دون اختيار كلماته: ملك.. يا زين شرهتك.. راح اعوضك اوعدك.. مو عشان هالمرة.. بالعكس انا اصلاً ما كنت ابيك تجين.. يدينك ما تخدم غيري.. الا اذا عندك اعتراض على أبو مصعب.. هذا شيء ثاني!
تبسمت بانشراح دون ان تبس بكلمة، فقط ظلت تسمع حديثه الذي ينساب لقلبها سريعاً، واصل بنبرة غليظة قليلاً عن المعتاد، لا تعلم ما تفسيرها، يعجبها أن يبرز عادة انفصام تصرفاته الغريبة: اصبري علي هالايام انا مشغول.. بس والله ما اعتب المزرعة الا وأنتِ معي.. راح افسحك صح.. فسحة يا ملك طول عمرك ما راح تنسينها.. أنتِ بس كثري طلعاتك لعندي.. عشان ناخذ ونعطي في السوالف.
-وينك؟
تبسم من نبرتها التي عادت منخفضة هادئة.. تحمحم وهو يعيد ترتيب شعره للمقدمة: في غرفتي.. نتقابل؟
أبعدت الهاتف عن اذنها ناظرة الى الساعة التي تشير الى الخامسة والنصف مساءاً، أجابت: ممم.. ما اقدر الوقت متأخر.. يصير بكرة؟
رد بلا نبرة واضحة: على خير. انقطع صوته كانقطاع مفاجئ للكهرباء. أحزنها تسرعه في قبول عذرها، كانت على أمل بأن يجبرها على المجيء، ولكنه دائماً لا يشرح ولا يعاتب، مثله يعاقب. كلما شعر أنها تُكابر وتصنع حواجز تخلى عنها، فتنشغل عن عملها بالعمل على استعادته.
راحت تعيد الاتصال به على رغبة بأن يتفهم وضعها. يساورها الندم على خطأ اقترفته ولا تدري ما هو. اتصلت به مرتين، لكن كلما ظهر رقمها على شاشته كان يتعمد عدم الرد ليتركها تائهة في خضمّ الأسئلة. سيظل يخطئ في حقّها ثم يمّن عليها بالغفران، عن ذنب لن تعرف ابداً ما هو، لكنها تطلب أن يسامحها عليه. هكذا هنّ النساء إن عشقن!

****

قسم سحاب || غرفة زين
كانت مستلقية على السرير واضعة رأسها على فخذ الأميرة التي تتلاعب بشعرها بلمسات حانية.. يتحدثن بلهفة على نقاط عديدة حتى استقرت زين وهي تبوح بمخاوفها: ميمي.. بعد ما طلعت تحاليل الزواج الموضوع صار جد.. أمس سمعت ابوي يقول لأمي آل جلوي بيعقدون بعد كم اسبوع لأنهم مستعجلين.. انا خايفة.
ابتسمت وهي تشعر تماما بشعور أختها: طبعا بتخافين يا قلبي انتِ.. بس دامك مرتاحة وشايفة ذياب يناسبك وعلاقتك مع أهله ما شاء الله سمنه على العسل أجل مافي خوف.. بالعكس أحلى بارت هالأيام لكا نجهز لحفلة ملكتك ونسوي ذيك الحفلة اللي يحبها قلبك ونتصور ونفل أم أمها.. بعد مرحلة الملكة بنطلع كل يوم نعمل شوبينق عشان جهازك هذا غير انه طلبنا لك انا وهتون قطع فخممة من برا.. مكان ما يخطر على بالك.. متحمسة لك مليون يا أحلى عروسة.
تهادت اللحظات في خيالها أثناء سرد أختها.. الجانب المشرق لهذه القصة رائع وزاهي.. قريبًا سأضع أول لبنة لحياتي المستقبلية.. هذه الحياة التي سأقضيها برفقة رجل اقترن بي من بين جميع رجال بلادي.. سأرتبط به وغدًا سنكوّن عائلة ستكبر في زمنٍ ما.. ارتسمت ابتسامة انعكست على عينيها اللامعتان.. هو شعور قلق في صورة بهجة.. في لحظة مجهولة تقدم لها وبسبب مبهم وافقت عليه.. تيقظت على الأميرة وهي تحادثها بحب: زيزو ياعمري ما قعدتي كثير في بيت ابوي مسرع بتطلعين منه.. لسى فيه أشياء كثير ما سويناها انا وانتِ وهتون.. سفرة الصيف هالمرة بتكون بدونك. دمعت عينيها برقة وهي تبعد زين من على فخذها دلالة على العتب فهي السبب في بكائها.. تفتقدها من الآن.. الوقت التنازلي سيعلن قريبا عن موعد بدءه.. جلست زين وهي أيضا بكت لما رأت الأميرة شرعت بإظهار دموعها..
الأميرة وهي تمسح دموعها بالمنديل وبضحكات متقطعة: مالت عليك بكيتيني.. كلبة ليه بتتزوجين يا بزره.. بياخذك منا وبتسافرين جدة.. عادي عندك تبعدين عن عمة سحاب؟ ولا ابوي؟ واخواني وبعد حنا خواتك البنات.. تكفين روحي كنسلي وغيري رايك. تتحدث وهي تبكي تتبع دموعها بضحكات تبرز شخصيتها التي تحبذ أن تكون قوية طوال الوقت.
زين ببكاء شديد لا تعرف ولا يهمها أن تخفيه: أحبكم كلكم الله لا يحرمني منكم.
مسحت دموعها وهي تتأكد من مظهرها بالمرآة التي بجانبها ولا تزال نبرتها مائلة للبكاء: امزح معك حبيبي بالعكس مبسوطة لك.. بس عشاني احبك تعرفين مو سهلة اتعود على البيت بدونك.. بيت عمة سحاب بيصير تجمع لجمان وجمانة وأفنان وهالحين رؤى بتكمل الشلة.. أما شلتنا نقصت ما بقى الا انا وهتون. اقتربت تحضن زين تقبل خديها وهي تضحك على مظهرها الدامع: يمه شكلك ما صدقتي ابكي على طول نزلت دموعك.. وربي تجننين وانتِ تبكين.. أصورك؟
ابعدتها بلطافة وهي تقهقه بخفة: ميمي مو وقتك.. جد فيني بكية ابي اطلعها
ضمت شفتيها وهي ترفع حاجبها: لا تبكين لسى باقي وقت على زواجك يا دوب حددوا موعد الملكة.. خلينا نعيش الأيام ذي معك ونستانس وما نفكر.. لما يحددون موعد الزواج اوعدك بنرجع هنا انا وانتِ ونكمل دراما.
ضحكت: أصلا بكلمه كل أسبوع يجيبني عندكم مستحيل اقعد بعيد عنكم أكثر من كذا.
ابتسمت من حديث أختها: يا بنت الرجال مو فاضي لك كل أسبوع يجيبك هنا.. بيقولك اجلسي عندهم أحسن.. لكن ان شاء الله تكثر زياراتك.. انتبهي يا قلبي تطلبين حاجات مالها داعي أو غير منطقية هو بياخذك وبيصير بيته بيتك تلقائيا بتحصلين هالفكرة تنزرع بعقلك وبتحسين فيها.. ثم بشيء من التحقق: عمة سحاب ما تقعد معك هالفترة؟
-اذا قصدك تعطيني نصايح ومدري ايش.. ايه نتكلم مع بعض كثير
قطع حديثهم دخول هتون التي انتهت للتو من لوحتها الفنية.. ابتسمت حين لاحظت نظراتهن المتحمسة لمجرى حديثهن: كملوا سوالف ما عليكن. جلست على السرير معهن مستمعة.
الأميرة ولا تزال بابتسامتها العذبة كي تنثر الراحة بقلب أختها التي تصغرها ثلاث سنوات لكن سنوات عديدة بالخبرة الحياتية.. قالت بصدق وبطريقة معتادة بينهن، بين الأخوات.. خزائن الأسرار الأمينة ومرآة بعضهن وكتاب مغلق لا يرجى الاطلاع عليه: زين انا موجودة لو تبين أي شيء.. اقصد لو استحيتي من أمك تعالي عندي
بدأت بتضفير شعرها ضفيرة جانبية: ما استحي من أمي بس أحيانا تطري علي أسئلة غريبة ويمكن لو قلتها لأمي تطردني.. ضحكت بعمق وهي تتذكر أنواع الأسئلة التي تراودها لتكمل: هالنوع من الاستفسارات بجي عندك وياريت ما تضربيني.
ضحكت بقوة على ملامح زين، لا تعلم ماهيّة الأسئلة لكن التمست أنها غريبة كغرابة أختها: ابشري انتِ بس تعالي والشبشب بيكون جاهز.
هتون: لا والله؟ اصلا انتِ المفروض الخيزران على ظهرك من زمان ولا وش عرفك بنصايح المتزوجين وما بينا الا سنة.
-والله عاد انا فطينة.. لا تنسين ان كل بيتنا متزوجين. اقتربت منهن وبصوت منخفض: شفت اشياء كثيرة بالصدفة عدوا واغلطوا احس ودهم يطردوني على كثر ما طحت عليهم. ابتعدت ورجع مستوى صوتها للطبيعي مقرون بضحكة: وش اسوي والله مو بيدي.. الخبرة تنتقل بس من النظر.
زين بخجل وهي تتذكر مواقف احتفظت بها لنفسها وانتشت سعيدة كي تخرجها: حتى انا قد شفت كذا مره بس مو كثير.. اسامة وزوجته مدري يعني هم يقصدون انا نشوف هالمناظر ولا يستعبطون.. هم ما شافوا اني شفتهم وذا اهم شيء عشان ما انحرج واحرجهم.
هتون بتذمر خفيف: على الأقل فيه شيء يحرك الحياة شوي مب بيتنا دايم هاجد وعاد سوالف امي وعمة نورة كله ضد الرجل.. الرجل والرجل ومدري وش والمشكلة يزعلن لو قلت حرام يتكلمون كذا يطردوني وربي..
زين بعد ان انتهت من تصفيف شعرها: تجون تنامون عندي الليلة؟ ضروري انام الحين عشان اصحى رايقة عندي جلسة مع المصممة من الصبح.
الأميرة: معليش يا قلبي لازم اروح بيتنا وعدت رؤى اسهر معها.. هتون بتنامين عندها؟
هتون بضحكة: اكيد بنام.. اقولكم ابي افتك من بيتنا يمكن اليوم اقدر اشوف منظر من اللي تقول عنهم زين.
قرصتها زين بتحذير وسط ضحكات الأميرة: يا حيوانة اسكتي ترا ما يعرفون
هتون: اوفر انتِ محد بيسمعنا بعدين مو غلطتك انك شفتي. نظرت للأميرة بنظرة اتفاقية كي تحرج زين: بكره بتصيرين مكان حريم اخواني. انهالت عليها ضربات زين بانفعال.

****

في احدى الأسواق التجارية بمنطقة الرياض، تسير برفقة أبنها بعد أن داروا محلات عديدة خاصة بالمجوهرات الفاخرة لجلب "شبكة" تُناسب مقام دخولهم. فهي ابنة شيخ معروف بعلو شأنه ومكانته الرفيعة.. وهو ذو حظُوة مرموقة، يجب أن تكون الشبكة تتلائم مع تعاظمهما. رفع رأسه من على هاتفه بعد أن سمع صوت والدته: تعال خل ندخل هالمحل.. يا رب نلقى اللي نبيه. هز رأسه وهو يسير خلفها. لم يبس بأي كلمة فقط كان ينظر الى المجوهرات المعروضة.. لفت انتباهه خاتم الياقوت الأحمر.. بتصميمه البسيط الانيق.. ظل يحدق فيه.. حتى سمع الريم: وش رأيك في هالطقم.. ولا اللي جنبه.. وش عجبك أكثر؟
-اللي تشوفينه.
تنهدت بقلة حيلة: وش فيك ياحافظ.. اخلاقك في خشمك.. ابي اسمع رايك.. لو دريت بتظل ساكت.. ما كنت جيت معك.. كان خذت اختك ورحنا نختار الشبكة.
-عايني اللي يناسب البنت.. وعطيني العلم.
وجهت حديثها للبائع: عطني هذا.. وهم بعد اللي جنبه. القت تركيزها عليه لتقول: خلاص انتهينا ان شاء الله بس يعجبهم.
-وأنتِ بعد اشتري لك طقم.
تبسمت بحبور: ما راح أقول لا.
بادلها الابتسامة.. وراحت تختار لها طقم يتناسب مع الفستان الذي صممته خصيصاً لحفلة الملكة التي اخبرتها سحاب مسبقاً بموعدها أن تم بحمد الله عقد القران.
راح يحاسب على ما ابتاعوه، ابتعدت والدته عنه وهي ترد بترحيب على المكالمة التي وردتها: حي الله سحوبة قلبي.. الطيب عند ذكره.. اختفى صوتها تدريجياً وهي تخرج خارج المحل.
التفت وكأنه يتأكد من عدم وجودها، أشار للبائع على خاتم الياقوت: عطني هذا.
-ابشر. مده له، أتمم شراءه ووضعه في جيب ثوبه، خرج حامل الأكياس.

****

دخل بهدوئه المعتاد الى غرفة النوم، بعد يوم منهك وشاق، يحتاج الى هناء قربها الصبيح. فقد كانت اضاءة الاباجورة الخاصة بشقها منارة، وهي غارقة في نومها.. توجه مباشرة الى غرفة التبديل.. ليرتدي بنطال "البجامه" الرمادية، دون أن يستر جزئه العلوي. سار لـ مكانها، مغلق الإضاءة بعد أن تأمل وجهها المنير كالقمر في ضيائه، وثغرها المحمر كالكرز في استوائه. بدت له شهية ولذيذة في تلك الملامح المستكينة. واظب على دراسة خريطة الطريق إلى قلاعها. كما أمام رقعة شطرنج. كان صبوراً ومتأنياً. القلاع الانثوية لا تُؤخذ عنوةً ولا عند أول إمكانيّة ولا في جنح الظلام. ذلك فعل قطّاع الطرق لا الفرسان. كلاعب شطرنج محترف، ترك الجولة مفتوحة لوقت آخر. لن يطاردها. إنّها الطريقة المثالية لينالها يوماً بملء إرادتها. (الجنتلمان ذئب صبوراً). تسطح فارج ذراعها الذي كان منبسط على بطنها، وضع رأسه في حجرها.. ويتنفس عبق انوثتها البريئة التي تأسره. أحس بحركة يدها تتحسس شعره، كما لو أنها تتأكد من تواجده.. تبسم وهو يسمع صوتها الناعس اللطيف: مشعل!
بنبرة هادئة: طوايف هله.
تبسمت بخمول: صاير تتاخر كثير هالايام؟
زفر بقلة حيلة: ادعي لي تاج.. أن ربي ييسرها معي.. وتنتهي هالقضية على خير.. وبنتائج مرضية.
-يا رب.
تبسم بانشراح وهو يستمع الى همسات دعواتها، كطفل حين تطلب منه الدعاء يستجيب في الحال. عميقة تلك الدعوات التي تصدر من ذروة القلب. أغمض عينيه ولا تزال الابتسامة جاثمة على فاهه. مستطرب على دعواتها الهامسة. بعد ثلاثة دقائق.. احتضنته جاذبته اليها وهي تتنفس فروة رأسه: ريحتك تجنن. ثم واصلت بابتسامة اغتباط: مرة مبسوطة مشعل.. تدري وش حلمت!
رفع بجسده قليلاً ليصل الى عنقها، وضع رأسه ثم راح يتحسس ترقوتها، بنبرته الرجولية البحتة: وشهو؟
وضعت كفها فوق شعره وتتلعب به، ثم اردفت وهي مغلقة عينيها، كما لو أن مشهد حلمها يُعرض عليها كشريط سينمائي تحكيه وهي تشاهده في الوقت نفسه: كنت أنت واخوي محمد.. جالسين في حوش بيتنا القديم.. تهرجون وتضحكون.. ونا واقفه بعيد اناظركم.. حيل كنت مبسوطة لما شفت انسجامكم مع بعض.. من كثر اندماجكم ما حسيتوا علي الا ونا احط صينية القهوة.. تبسمتوا لي.. وجلست جنبك.. ناظرت فيني وحطيت يدك ورا ظهري كأنك تبيني اتأكد من جواب اخوي لما قلت له "محمد أنت مرتاح" هز راسه وهو يناظرني.. وجهه كان منور ومستبشر. تناولت جرعة كبيرة من الاكسجين كما لو أن حروفها تسابق الزمن.. مكملة بعد أن شعرت بأنامله تتوقف عن تحسس عظمة ترقوتها.. وكأنه يحثها على اكمال سرد حلمها: تدري مشعل أول مرة اشوفه بهالبياض والبشاشة.. دايماً احلمه بس ما قد حسيته مرتاح هالكثر.. بعدها همست في اذني وقلت "شفتي تاج.. هو مبسوط لا تزعلين" وشوي الا يجيك اتصال وتستأذن.. لما رحت قال لي محمد "كيف مشعل معك؟" هزيت راسي وقلت له.. اني بخير ومرتاحة ومو ناقصني شيء وجلست امدح فيك.. بعدين حط يده فوق راسي وقال ان الحين هو مرتاح دام انا مرتاحة. صمتت والابتسامة تزداد اتساعاً على محياها، ظلت مغلقة عينيها تعيد وتزيد في مشاهد حلمها الوردي تُريد أن تتعمق فيما حل بها. لكننا لا نعرف نروي الحلم عندما نستيقظ منه. أكملت وهي تأكد له شعور الغبطة التي تشعر بها داخلها: فرحانة كثير.. ودي اصارخ.. ودي ارقص.. فيني طاقة مو طبيعية.. مبسوطة حيل.. حيل.. حيل. استمرت اناملها بالتوغل في فروة رأسه.. توقفت حين سمعت صوته الهامس: دوم ان شاء الله.. تاج؟
همهمت مكمله العبث بشعره، فرج كفه على بطنها.. ثم أجاب: الله يقدرني وابسطك.. ما راح اخليك تصرخين من الفرحة الا تبكين من شدتها.. ثم أكمل بهزو: الا تعالي.. الحين حافظه كل الحلم بتفاصيله.. بس لما جا وقت مدحي نسيتي وش قلتي؟
قهقهت بنعومة واضعه يدها على فاهها، ردت من بين ضحكاتها: عاد والله نسيت.. مدري وش قلت!
-معذورة يا وجع قلبي..
قاطعته: ينقالك تدلعني.. وش اللي وجع قلبي.. قول تاجي.. تاج راسي.. اما هالدلع ما ابيه.. مو حلو.
-مو بكيفك.. وعاد انا شخص اعاند.. يعني بغثك فيه.. وايه صح ذكرتيني اغير اسمك في الجوال.
لتردف بتسرع: ليش وش مسميني؟
أردف بهدوء بلا أي نبرة واضحة: اخت محمد. سكوت حل لثواني بدا لها بأنه لن يغفر فداحة لقائهم الأول. تمر عليهم الثواني وكل واحد منهما ملتزم موقف الصمت. من أخلاق الجنتلمان ألا يحشر امرأة في زاوية تفقد فيها جمالية اللحظات. لأنه حينها سيتشبع وهو يضعها في موقف غير لائق، ويكّف حينها على ان يكون رجلاً! لذلك أردف وكفه يتحرك بطريقة دائرية بطيئة فوق بطنها: تاجي!
ردت بنبرتها الخافتة: عيونها؟
واصل بنبرته الجادة: سمعي وش كنت بنبه عليك عن علاقتنا.. من فترة وكل مره انسى.
ابتعد من حجرها وهو يستند على ذراعيه ووجهه بالقرب منها، لا يفصلهما سوى تخلل جرعات الأكسجين التي تعبرانهما.. فتتنفس منه واليه. صار يلف خصلتها حول سبابته، فهو في كل ما حادثها لابد ان يلتمس ولو جزء منها كما لو انه اصيب بهذه العادة التي أصبح يكررها دون انتباه منه، قال: تاج.. انا شخص ما أحب احشر انسان في حياتي.. حتى لو هو قريب مني.. فيه أمور لزوم نكتمها.. نحمي كبريائنا امام الجميع. كان يقصد بأن تحمي غموضك كما تحمي سرك. إن الاسرار هي ما يُساعدنا على العيش. كم يخسر من لا سر له! على عكسه، لم يكن في حياتها سرّ لتحميه، أو مكسب لتخاف عليه. يكفيها أنها أصبحت الآن تمتلك مفتاح صندوق اسرار حياتهما الذي أعطاها إياه. عينيها مغمضة تستمع الى كل كلمة يردف بها، كما لو أنها تنصت الى كتاب صوتي.. نبرته تضيف لمسات خاصة فتخرج حروفه متزنة ومقنعه، تحركات يده التي أصبحت تسير برفق على رقبتها، تضيف من لذة قربه.. باتت هي مثله واضعه يدها على شحمة اذنه وتتلاعب بها.. أكمل بعد ثواني، يحب أن يتروى في سرد كلامه: عشان كذا ما ابي كائن من كان.. يدخل في اللي يصير بيني وبينك.. ولو كان من اهلنا.. ما له أي حق يعرف باللي يجري في حياتنا.. حتى اذا تخانقنا واشتد الخلاف بينا.. لا تسمحين لهم يدخلون.. اللي يصير بينا ما يطلع خارج هالجناح.. ولا تاخذين بكلام احد من وراي.. ومن الحين اقول لك حتى لو هي امي لا تاخذين منها نصايح.. انا اعطيك نصايح ولو كانت في امور تخجلين منها.. في النهاية انا رجلك مالمفروض تستحين مني.. اتفهم صغر سنك.. وادري اني صعب التعامل.. وهم اعرف ان كثير أمور تجهلينها خاصة في الحياة الزوجية.. متفهمك أنا جداً لأبعد ما تتوقعين.. انا مو رجال انبش على اخطائك عشان امسكها وابين تقصيرك واهمالك.. بالعكس انا ابي اعلمك الصح من الخطأ.. وأنتِ بعد علميني مو مشكلة.. يمكن يكون فيني عيبه طول عمري محد نبهني عليها.. تجين انت وتغيرينها.. علاقتنا ابيها تبتني على التفاهم والتقبل اولاً.. ولابد من الاحترام.. كل واحد فينا فيه عيوب يمكن هو ما يلاحظها.. عشان كذا ابيك لاشفتي شيء مب عاجبك فيني تعالي عندي وقوليه.. لا تكتمينه في قلبك.. تدرين ان كل المشاكل اللي صارت بيني وبينك عمري ما اخذتها بعين الاعتبار.. يمكن تعمدت اني ابرز تجاهلي لك.. بس ولا قد فكرت اني اعتب عليك.. تدرين ليش؟
أذهلها بتلك الكاريزما التي تعطي كلماته وزناً خفيفاً ورصيناً في آن، لأنه لا يبدو قد قام بجهد للبحث عنها. إنه لا يقول الا نفسه. وهذا ما اوقعها في أسره. حتى أنه أقنعها بمنطق التحفظ في العلاقات.
انتقلت يدها عن شحمت اذنه لتصبح فوق رأسه تمهد على شعره، بصوت يكسوه الخمول والنعومة: ليش؟
اقترب أكثر، جاعل خشمه يلمس خشمها، وبابتسامة طفيفة: لأنك بزرة.. ولك على عقلك. زادت ابتسامته حين سمع صوتها الذي خرج معترض ومشاغب، بينما شدت في مسكة شعره: مشعل.. خربت الجو!
عض وجنتها، لتضحك برقة.. وذراعيها معلقة حول عنقه. ابتعد وبدرجة خافته تفوه: ودي في شيء؟
-وش؟
اقترب هامس بالقرب من اذنها جاعل مسافة بسيطة، ليزف اليها أنفاسه بطريقة الاثارة المتعمدة: اعضعضك.. لين ما يسيح دمك.. بعدها اكلك.
-بسم الله علي منك.. متوحش منت بصاحي
ارخى رأسه على جزء صدرها الايسر بالقرب من جوفها، الذي يستمع اليه برغبة جارفة.. لا يعلم ما الذي أصابه كل شيء فيها يجعله يرغم بتملكه.. حتى نبضاتها يتمنى لو يستطع التحكم بها.
ضمته بشعور الاشتهاء لشخصه، إنه لا يشبه أحداً من الرجال. هذا الرجل شلال حياة، نهر يجرفك ويدفعك الى مجاراته في مسابقة نفسك لبلوغ ما لم تتوقعي بلوغه. أنتِ معه في تحدٍّ دائم لتلتحقي به.. أو لتطاليه. شهقت وهي تتنبه على أطراف شعره: أنت حلقت؟
كان مغمض عيونه يستنشق شذا عنقها.. فتحها ببطء وبنبرة كسلى تفوه: كل ذي الشهقة عشان حلقت؟
-صدق أتكلم معك.. حلقت.. ومتى؟
-اليوم يا وجعي.. حددت بس.
بحماس مفاجأ نطقت كلماتها: ابغى اشوف!
قال بينما يطبطب على نحرها: نامي تاج..
قاطعته بإصرار: صدق قوم خل اشوف قصة شعرك.. تكفى؟
تبسم بقلة حيلة لم يتوقع بأنها تمتلك خصلة الالحاح الطفولي، تنهد وهو يبتعد عنها.. فتح ضوء الاباجورة.. ليشع نورها على ملامحه البهية.
تحرك عينيها بفضولية بريئة وهي تنظر اليه بابتسامة تجمل سماها.. راحت يديها تسير على حدود شعره.. متفحصه جمال مظهره.
بلا تعابير أردف: ها كيف شفتيني؟
بابتسامة طفيفة: تجنن.
-ادري.. غيره!
قهقهت بخفه وهي تجذبه الى حضنها ليستكن على مكان قلبها.. دقائق تمر هادئ فوقها.. بينما هي عيناها معلقة على السقف تفكر بخدر النشوة. شعرت بأنها ثملة من المشاعر. في حالة دوار عشقي، كأنما إعصار حب يأخذها ريشة في مهب هذا الرجل. لم تعي الا وهي ترى وجهه بالقرب منها.. توقعت بأنه نائم فقد كان مستكن على صدرها.. تبسمت قليلاً في لحظة قوله: تصبحين على خير. لم تقل شيئاً. شفتاه تسرقان دائماً صوتها. بدا لها أن قُبلته طالت حدّ احمرار وجنتيها، وأنه حين توقف عن تقبيلها، كانت الفصول الأربعة بربيعها وأعاصيرها قد عبرتها في بضع دقائق. إحساس واحد سكنه. كم كان يلزمه من شفاه، ليلثم في امرأة واحدة كلّ انوثة الكون. اغلق الانارة.. جاذبها الى صدره.. همس بالقرب من آذنها: من اليوم ورايح هذا مكانك.. خلي حضنك.. سترة لصدري العاري.

يتبع...

Continue Reading

You'll Also Like

348K 5.4K 10
للكاتبهrwa12... ‎خمدت جمار القلوب وتراكمت فوقها شهور وأيام طويلة... ‎تراكمت فوقها ثلوج ... ‎لكنها جمار سرعان ما تدب بها (الحياة) فتشتعل... ‎فتحرق قيو...
81.1K 2.4K 48
اهلًا بكم جميعًا ، بروايتي و اعزوفتي الثـانية .. - ( يا صُدفتي النادرة وياهلاك البشر ) ( الرواية باللهجة العامية) نبذة الرواية : عداوة تتوالد عبر الس...
492K 23.6K 35
احبك مو محبه ناس للناس ❤ ولا عشگي مثل باقي اليعشگون✋ احبك من ضمير وگلب واحساس👈💞 واليوم الما اشوفك تعمه العيون👀 وحق من كفل زينب ذاك عباس ✌ اخذ روحي...
526K 14.3K 48
المُنتصف المُميت!! أن تفقد القدرة على الأبتسامة من القلب، فلا تملك سوى أبتسامة المهرج " الأبتسامة الضاحكة الباكية " المُنتصف المُميت!! أن تُجبرك الظر...