رسالة من فتاة مجنونة

By Reem-Elhosiny

7.1K 485 72

العالم بيننا..والزمان لم يكن أبدًا حليفنا.. فلا عتاب ولا رجاء سيمنع قدرنا.. لذا لا تراجعي ولا تمنعيني.. وب... More

رسالة من فتاة مجنونة-المقدمة
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الأول
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الثاني
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الثالث
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الرابع
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الخامس
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل السادس
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل السابع
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الثامن
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل التاسع
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل العاشر
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الحادي عشر
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الثاني عشر
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الثالث عشر
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الرابع عشر
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الخامس عشر
رسالة من فتاة مجنونة الفصل السادس عشر
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل السابع عشر
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الثامن عشر
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل التاسع عشر
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل العشرون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الثاني والعشرين
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الثالث والعشرون
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الرابع والعشرون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الخامس والعشرون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل السادس والعشرون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل السابع والعشرون
رسالة من فتاة مجنونة الفصل الثامن والعشرون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل التاسع والعشرون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الحادي والثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الثاني والثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الثالث والثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الرابع والثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الخامس والثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل السادس والثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل السابع والثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الثامن والثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل التاسع والثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الأربعون
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الحادي والأربعون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الثاني والأربعون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الثالث والأربعون

رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الحادي والعشرون

115 10 0
By Reem-Elhosiny

~الرسالة العاشرة~
أخطائنا التي لا تُغتفر هي تلك التي يتأذى بتبعاتها أشخاصٌ غيرنا..
***
بعد مرور ثمان سنوات
:"سأبني لكِ منزلاً بعيدًا عن صخب المدينة وأضوائها المزعجة.. لتتمكني من رؤية النجوم والسماء الواسعة.. ورائحة البحر ونسيمه تصلك لتنعش قلبك وتداعب أنفك"
استيقظت فجأة من النوم وتلك الجملة كانت تتردد برأسها بلا توقف.. دفعت جسدها لتستلقي على ظهرها تنظر عبر النافذة للسماء الملبدة بالغيوم.. لقد مرت سنوات ولازال هذا الوعد يتردد ببالها مع فتح عينيها كل صباح.. وقبل أن تنام كل ليلة.. تتساءل عندها إن كانت تحب تعذيب نفسها.. لقد نسي الجميع وأكملوا حياتهم فلم لا تفعل هذا هي الأخرى.
فجأة قفزت كتلة من الفراء وبدأت بالمواء فابتسمت وهي تهمس: "صباح الخير رمرم"
استقامت بالفراش وهي تمسح على فرائها الأسود الناعم فأصدرت القطة خريراً سعيداً.. نهضت بعدها بثوانٍ من الفراش وتحركت وهي تكمل: "إنه يوم الإجازة وكالعادة أستيقظ باكراً دون سبب"
سمعت مواء القطة فالتفتت ترد باعتراض: "لا هذا ليس طبيعيا يا فتاة.. إنه يوم إجازتي!"
عادت القطة تصدر صوتها الناعم فوضعت كفيها بخصرها وهي تقول: "هل هذا ما ترينه؟"
بدأت القطة بلعق ساقها فأومأت والتفتت تكمل: "معك حق.. فلأستغل استيقاظي وأذهب لشراء الفطور"
تحركت بعدها تخرج من الغرفة وكالعادة اتجهت لغرفة خالتها تطمئن عليها أولاً.. كان الباب مفتوحاً ورأتها تنام بهدوء بالفراش فابتسمت وتنهدت براحة ثم التفتت تعود ادراجها وتتجه للحمام للاغتسال..
****
:"هاااي استيقظي"
تأففت بحنق ولم ترد على المزعجة التي سرعان ما أزاحت عنها الغطاء وهي تهتف: "استيقظي في الحال!"
لم تشعر بنفسها إلا وهي تدفعها بعيدًا بساقها بينما ترد: "غادري في الحال يا هذه.. قبل أن أفرغ غضبي عليك!"
-: "كيف تجرؤين على دفعي بهذا الشكل؟!"
سألتها فنهضت من الفراش واقتربت منها لترتعب الحرباء الصغيرة وتصبح بالكاد قادرة على التنفس وقد كانت تلك اللحظات التي ترعبها بها هي ما تمنحها القدرة على تجاوز كل ما يفعلونه بها.. انحنت قربها وردت بصوت خفيض: "أفعل ما يحلو لي.. فقد نبهتك ألف مرة ألا تدخلي غرفتي بتلك الطريقة!.. لذا أنتِ تستحقين التوبيخ والإذلال أيتها الغبية.."
تراجعت عنها بعدها لتفعل المنتظر منها وتركض لخار ج الغرفة وهي تهتف: "سأخبر عمي!"
لم تكترث لحديثها ولم يهز بها أي شعرة فقد تبعتها وأغلقت الباب خلفها وما أن فعلت تنهدت بضيق.. حتى تنفس الهواء بهذا البيت أصبح مؤلماً وصعباً.. اليوم إجازة للأسف لذا عليها البقاء معهم لفترة طويلة لكنها لن تتحمل.. بعد هذا الهاجس تحركت نحو خزانتها وأخرجت ثيابها الرياضية ناوية الخروج للركض قليلاً حتى تهرب من الجلوس معهم.. التفتت تنظر لطاولة الزينة خاصتها والصورة الموضوعة عليها.. كانت آخر صورة جمعتها بجدتها الراحلة.. اقتربت منها وطبعت قبلة على أطراف أصابعها ثم وضعتها على وجهها وهي تهمس: "صباح الخير نيروز!.."
بقيت تطالعها لثوانٍ حتى شعرت أن عليها الالتفات والمضي بما انتوته قبل أن يفيقوا ويبدؤوا تنمرهم عليها كالمعتاد.. فأدارت جسدها بينما عيناها بقيت لبضعة ثوانٍ أخرى معلقة بصورتها تتذكر كيف كانت توقظها وتتناولان الفطور معاً.. كل الصباحات الرائعة التي أمضتها بفرب جدتها تتحدثان بشأن كل شيء تجمعت برأسها ببضع ثوانٍ دافعة دمعتين من الهطول على وجنتيها قبل أن تتنفس بعمق وعيونها تقسو شيئاً فشيئاً بينما تهمس: "رحمك الله يا جدتي!.."
ثم التفتت عنها لتترك ذكرياتها عند صورتها وتعود للكابوس الذي لا ينتهي الملقب مجازاً حياتها..
****
سارت بجوار البحر وهي تتنفس بعمق لتعب هوائه المنعش داخل صدرها.. كان هذا أفضل ما قد تبدأ به صباحها منظر البحر أمامها والغيوم الكثيفة الداكنة فوقه لتعلن عن حلول فصلها المفضل..
ابتسمت وهي تستمع لأصوات فتح المحلات على الجانب الآخر من الطريق وأغاني قديمة ساحرة تصدر من كل مكان..
:"سأكافيء رمرم بعلبة تونة.."
همستها ثم تنفست بعمق وهي تكمل: "كانت صاحبة الاقتراح لذا تستحق المكافئة.."
وصلت للشارع المنشود وعبرت الطريق سريعاً ثم اتجهت لعربة الطعام الشعبي ولصاحبها الواقف فوق منصة خشبية صغيرة وما أن وصلت اليه قالت: "صباح الخير يا عم فتحي"
-:"صباح النور يا عروس"
:"ها قد بدأنا"
همست بها في سرها ما أن سمعت رده قبل أن تتجاهله وتقول: "أريد علبة من الفول وعلبة من الفلافل وعشرة من أرغفة الخبز الصابحة.."
أومأ لها وهو يبتسم ببشاشة بينما يحضر طلبها وكالعادة بدأ بالقول: "لا أعلم أين ذهب الرجال ليتركوا آنسة جميلة مثلك دون زواج"
مطت شفتيها بملل كالعادة بينما تهمس بحنق: "أعرف مكان أحدهم يا عم فتحي!"
:"يا مسافر وحدك..
يا مسافر وحدك وفايتني..
ليه تبعد عني و تشغلني.."
سمعت صوت الأغنية والتفتت فوراً لتجد مخبزاً على الجانب الآخر من الطريق وبتلقائية تحركت ساقيها نحوه والأغنية التي عزفتها لمرات لا تحسبها أثناء دراستها بالمعهد العالي للموسيقى.. كانت تحب موسيقاها التي كانت عبقرية وسباقة بالوقت الذي تم تلحينها به.. تذكر أن السيد عنان بقي ثلاث محاضرات يشرح لهم عظمة ذلك اللحن مردداً أنه لحن أيقوني..
لكن الكلمات.. كانت الكلمات هي ما تأسرها بالفعل.. تشعر كأنها تصف شعوراً عميقاً بداخلها لم تتمكن يوماً من التصريح به..
:"ودعني من غير ما تسلم و كفاية قلبي أنا مسلم.. ودعني من غير ما تسلم و كفاية قلبي أنا مسلم
دي عينيه دموعها دموعها بتتكلم.. دي عينيه دموعها دموعها بتتكلم..
يا مسافر وحدك و فايتني..
ليه تبعد عني و تشغلني.."
-:"هل أساعدك بأي شيء آنستي؟.."
أفاقت من حالتها وابتسمت للبائع الشاب ثم تنفست بعمق تشتم رائحة المخبوزات الطازجة ورائحتها الزكية قبل أن ترد: "أريد نصف كيلو من مخبوزات العجوز ونصف كيلو من مخبوزات الشوكولا.."
أومأ لها بطاعة وبدأ بتحضير طلبها بينما هي عادت لتسرح بخيالها مع كلمات الأغنية.. وكما كان يحدث دوماً عند مقطع معين كانت دقات قلبها تتسارع بطريقة مؤلمة..
:"مهما كان بعدك هيطول أنا قلبي عمره ما يتحول..
هافتكرك أكثر من الأول.. أكتر من الأول.."
فعند سماعها لتلك الجمل كانت تعود للواقع ويضيع سحر الكلمات.. كانت الكلمات تنطبق عليها لكن على العكس هي لم تكن سعيدة بهذا.. بل تحاول باستماتة التخلص من هذا القيد الذي يكبلها ويجعلها كلما تقدمت خطوة بحياتها تلتفت وتنظر بحسرة لما فاتها.. لما خسرته لتتقدم تلك الخطوة..
-:"تفضلي آنستي.."
التفتت للبائع وأخذت منه المخبوزات ثم أقرضته ثمنها والتفتت تعود لعربة الفول محاولة طرد تلك الأفكار من بالها..
****
تحركت تغادر غرفتها.. ناوية الهروب من البيت بالركض قليلاً وستتناول الفطور كذلك خارجاً فهي تكره يوم الإجازة.. ما أن مرت بجوار غرفة الطعام توقفت وهي تسمع نداء السيد والدها..
:"إسلام!"
اقشعر بدنها مع ذلك النداء ثم التفتت تتحرك ناحيتها لترى المشهد المعتاد.. والدها يجلس على رأس الطاولة.. وبجواره زوجته المقيتة حفصة التي كانت تطالعها بتشفي ينضح من عينيها الحالكتين.. وأمامها شقيقها جالس بجوار زوجته فريدة ابنة السيدة حفصة الكبرى.. وابنتها الصغرى جوان تجلس بجوار والدتها بذات نظرات والدتها.. كانت ذبذبات التشفي والكره أيضاً معتادة لذا تجاوزتها وتجاهلتهم فوراً بينما ترد: "نعم"
نظر لها والدها بعيونٍ غاضبة وهو يسألها: "لم دفعت جوان صباحاً"
ردت بهدوء: "لأنها قللت أدبها معي"
-:"اخرسي يا فتاة.. كيف تجرؤين وتصفين ابنتي أنا بأنها قليلة أدب؟!"
كان هذا صوت السيدة حفصة فرفعت عيناها لها ثم ابتسمت ببرود وهي ترد: "لأنها كذلك بالفعل.. كان عليك تعليمها ألا تتعدى على مساحة الآخرين الشخصية.. حتى لا تتلقى كلمات تهينها وتهين تربيتها يا زوجة أبي.."
رأت فكها كيف يتحرك بعصبية ولولا أنها لا تحب إظهار شيء عدا البرود أمامهم كانت لتسقط أرضاً وتضحك ملأ حلقها بينما تنظر لوالدها وتقول: "هل يرضيك حديث ابنتك؟"
-:"اخرسي في الحال إسلام.. واعتذري لجوان"
التفتت للسيد خاتم بالإصبع رقم اثنان.. فالمرتبة الأولى كانت لوالدها والثانية لأخوها أسلم الذي لا يرفع صوته على أحد غيرها بالمنزل.. وهي لم تكترث بطريقته الحادة بالحديث ولم ترعبها كما لم تكترث لكل أفعاله طيلة السنوات الماضية..
-:"لن أفعل!"
ردت بها ثم التفتت تنظر لحفصة وابنتها وهي تكمل: "لازلت لن أعتذر"
والتفتت بعدها تتحرك نحو باب البيت..
-:"إلى أين يا هذه؟"
أتى هذا السؤال من أسلم فردت بينما تأخذ مفاتيحها: "سأركض لجهنم.. هل تريد أن تأتي معي؟"
-:"يا لك من..."
-:"أسلم اتركها.. لا تشغل بالك بها وعد للطاولة"
ابتسمت بسخرية بينما تستمع لرده ثم تحركت لتغادر دون التفات.. لا شيء يقوله ذلك الرجل يؤثر بها.. فقد اعتبرت أنها فقدته كما فقدت كل شيء بحياتها السابقة..
*****
دخلت المنزل واتجهت للمطبخ لتضع أكياس المشتريات قبل أن تتحرك نحو غرفة خالتها لتجد فراشها مرتباً فالتفتت تتجه لشرفة المنزل الواسعة.. كان البيت قريباً جداً من البحر على عكس منزلهم القديم كما لم يكن هناك بتلك المنطقة بناياتٍ عالية لذا كان يؤمن لهم منظراً ساحراً للبحر..
وجدتها تجلس على مقعد وتنظر للأفق..
-:"صباح الخير يا خالتي"
التفتت لها وسألتها: "أين كنت يا فتاة؟!"
-:"فكرت أن أشتري لنا الفطور من الخارج اليوم بما أنه يوم الإجازة"
ردت بها فأومأت خالتها بتفهم ثم نظرت ناحية رمرم الجالسة على الأرض بقربها بقرف قبل أن تسألها: "هل أطعمت هذا الكائن المقرف؟"
تنفست بعمق ثم ردت: "خالتي لها اسم وهي ليست مقرفة"
أشارت لها بينما تكمل: "لا أعلم كيف تكرهينها وأنتِ ترين كم هي مرتبطة بك إنها تتبعك وتحبك أكثر مني.."
:"لا تناقشيني يا فتاة!"
هتفت بها بحدة فتراجعت ريم خطوة وهي توبخ نفسها على استفزازها بينما تكمل: "ومهما فعلت ستبقى كائن مقرف بالنسبة لي"
أومأت لها بطاعة ثم قالت تغير الموضوع وتهرب من أمامها: "سأذهب لأحضر الفطور.."
-:"انتظري.."
توقفت والتفتت لها بينما تكمل: "لا تعديه الآن فأمجد اتصل بي منذ قليل.. أخبرني أنه يريد رؤيتنا لأمرٍ هام وقد دعوته لتناول الفطور معنا.."
ارتبكت قليلاً لكنها هزت رأسها دون تفكير والتفتت تغادر للمطبخ متمنية مرور هذا النهار دون اضرار..

****
سارت بمحاذاة البحر وهي تضرب الحصى بغضب يتملك روحها.. كانت بكل مرة تخرج بها من البيت تتمنى ألا تعود للبيت أبداً..
لكنها كلما حاولت الطيران بعيداً عنهم يكسرون أجنحتها ويعيدوها للقفص..
تنهدت بملل والتفتت تنظر للبحر.. قبل أن تتنهد وتقرر أن تشغل بالها بالعمل.. صحيح أنه يوم إجازتها وأنها لا تحب العمل أساساً.. لكن على الأقل هناك شيء يلهيها عنهم.
أخرجت الهاتف واتصلت بمساعدة هيثم التي ردت فوراً: "مرحباً إسلام"
-:"نور أخبري السيد هيثم أني سأرتب لاجتماع مع السيد ورداني لأجل المشروع الجديد.. وجدي لي أقرب وقت شاغر بجدول أعماله"
صمت قابلها فانعقد حاجبيها بينما تسأل: "نور هل تسمعيني؟"
:"نعم"
قالتها ثم تنهدت وهي تكمل: "إسلام لقد ألغى السيد هيثم الصفقة مع السيد ورداني.. وقد أمرني بإيقاف التعاملات معه"
:"ماذا!"
هتفت بها دون اكتراث لصوتها العالي الذي جذب الأنظار لها بينما نور ترد: "لقد أعلمني بهذا البارحة مساءاً وفضلت أن انتظر انتهاء الإجازة لأخبرك.."
كزت على أسنانها بغضب ثم تنفست بعمق لتحاول استعادة هدوئها بينما تسأل: "ألم يمنحكِ أي أسباب.."
ضحكة ساخرة قابلتها من الجهة الأخرى قبل أن تستمع لردها: "السيد هيثم يمنحني أنا أسباب؟!.. هل أنتِ بكامل وعيك حتى يا فتاة؟!.."
-:"حسناً طفح الكيل.."
همستها قبل أن تغلق الخط دون تنبيه نور حتى ثم انتقلت لرقمه واتصلت به.. ولم يكد صوت أول رنة ينتهي إلا وفتح الخط ووصلها صوته الرائق الذي ضاعف غضبها..
:"صباح الخير يا كراميلتي"
لم تلتفت لتدليله وسألته بحدة: "أين أنت؟!"
-:"أين سأكون برأيك بيوم الإجازة يا حلواي؟.. بالعمل طبعاً!"
لم تنتظره أن يتم حديثه وأسرعت بالتحرك.. أوقفت سيارة لتوصلها مقر الشركة.. ولم تكد تمر دقائق إلا ووجدت نفسها أمامها.. تحركت تدخل المبنى ومنه للطابق الثالث.. واتجهت لأكبر المكاتب بالشركة ودخلت فوراً لتجده هناك...
معذبها.. مخلصها.. فارس أحلامها.. خطيئتها وفاتنها.. إنه كل هذا وقد التمست بوضوح صوت التسلية بصوته عندما سألته عن مكانه.. فالشركة خاوية إلا منهما وحراس الأمن بالطابق السفلي.
هو معتاد على القدوم إلى هنا يوم الإجازة لتضييع الوقت أو العمل.. وببعض الأحيان عندما يكون والدها وشقيقها مسافران وبمعجزة تتمكن من الهرب من مراقبة الحرباء الكبرى وبناتها يتمكنان من قضاء الوقت معاً.. وقد كان هذا نادراً لذا هو دوماً يلجأ لمكتبه للهروب من البيت.. فتلك صفة مشتركة جمعتهما..
كان يعد لنفسه مشروب القهوة الساخنة على آلة القهوة الواقف أمامها حافي القدمين.. وقد تخلى عن سترته كذلك ليبدو كأنه أحد عماله.. لكن هيهات.. ما أن التفت ورأت التماع لون عينيه النيليتين سحبت تشبيهها فيستحيل أن يشبه ذلك الرجل الفاتن سوى بأبناء العائلات المرموقة.. ابتسم لها وهو يحمل كوب القهوة ويقول: "صباح الخير سولي"
-:"لم ألغيت الصفقة مع شركة الورداني هيثم؟"
سألته بغضب لكنه لم يهتز كالعادة.. احتسى قليلاً من القهوة ثم انعقد حاجبيه وزم شفتيه وبعدها تحرك ليقترب منها قائلا: "إنها ثاني مرة لا تردين بها تحية الصباح خاصتي.. أتساءل من عكر مزاجك؟"
كان مزاجها سوداوياً وقاتماً بالفعل ولهذا قالت بحدة: "أعد تلك الصفقة هيثم.. فقد تعبت جداً وتحملت الكثير من ثقالة دم ذلك الحقير الورداني لأتمها.. ولن أسمح لك بتضييع مجهودي!"
والتفتت بعدها تنوي الرحيل ولكنه اعترضها بحركة كانت متوقعة بالنسبة لها.. اقترب منها ببطء كعادته ثم أحاط خصرها بذراعيه وهو يهمس: "سأتخلى عن رد تحية الصباح.. لكن لن أتخلى عن معرفة من عكر مزاجك"
حاولت تخليص نفسها منه لكنها لم تنجح أو لم تحاول بجدية.. كانت ترغب بقربه كالعادة لكنها لا تزال غاضبة لذا ردت: "أنت!"
:"ما كنت لأفعلها"
قالها ثم طبع قبلة على وجنتها.. ثم طبع قبلة أخرى على جانب فكها.. وقبلة أخرى أسفل عينيها.. قبل أن يهمس: "ما كنت أبداً لأغضب حلوى الكراميل خاصتي"
هدأ غضبها وبدأت بالتنفس بهدوء بينما دفعها هو لتتكئ على الحائط.. ثم اقتنص شفتيها بقبلة حارة تمتلئ شغفا وروعة.. أجبرت غضبها على الرحيل دون عودة.. بينما تتلذذ بطعم القهوة العالق بفمه لتملأ رأسها بشعور ساحر.. حرارة حارقة أشعلت أطرافها بينما تقترب منه.. جسده كان كالعادة يشع بالدفء وذراعاه تقربانها منه بحنان ورفق وتملك.. كانت تلك اللحظات هي أروع ما تمتلك بحياتها.. لا شيء آخر يطمئنها ولا شيء آخر يجعلها سعيدة.
ابتعد عنها بعد ثوانٍ وما أن فتحت عينيها وجدته ينظر لها بعيونه اللامعة وشفتاه الباسمتان.. وإصبعه يتحرك على شفتيها برفق بينما يهمس: "والآن من يزعجك يا حلواي؟"
:"أنا فقط متشاجرة مع..."
توقفت باللحظة الأخيرة قبل أن تبتلع لعابها.. وتغمض عينيها مفكرة بم سترد به.. فلم تكن لتخبره أبداً بما يحدث معها بالبيت الذي تسكنه.. وبعد لحظات فتحت عينيها وأكملت: "انا وريم متشاجرتان"
ربت على وجنتها برفق وقال: "لا تخافي.. ستتصالحان إنه الطبيعي منكما"
ابتسمت له وطبعت قبلة على وجنته قبل أن ترد: "والآن هلا أعدت المعاملات على الصفقة رجاءاً"
:"هذا لن يحدث"
قالها وهو يتراجع نحو مكتبه فهتفت: "هيثم!"
وعندها التفت لها رافعاً إصبعه بتحذير بينما يقول بصوت مشدود: "لا نقاش بهذا.. لدي أسبابي"
لم تلتفت لوجهه البارد الذي لا يظهره معها في الغالب واقتربت تقول: "ألأنه حاول مغازلتي؟"
عقد ذراعيه أمام صدره ففهمت أنه يحاول كتم غضبه قبل أن يرد: "لهذا ولأشياء أخرى"
:"وما هي هذه الأشياء الأخرى من حقي أن أعرف"
قالتها بحدة فواجهها ببرود وهو يقول: "لا حق لك بمعرفة أي شيء إسلام.. أنا المدير التنفيذي للشركة وأنا ألغيت الصفقة.. وسأمنحك واحدة أخرى.. انتهى النقاش بالأمر"
فتحت فمها لترد لكنها تراجعت مع رؤية نظرته المحذرة وفهمت أنه لا فائدة.. تنهدت باستسلام فابتسم هو واقترب يحتضنها قائلا: "هيا الآن لا تبتئسي"
:"لقد تعبت بالعمل على تلك الصفقة!"
همستها باختناق فمط شفتيه وهو يحيط وجنتيها بكفيه ليرد: "أنا أعلم وأقدر ما فعلته لكن صدقيني لدي ألف سبب لإنهاء تلك الصفقة.. أنا آسف لتضييع مجهودك"
ارتجفت شفتيها فطبع هو قبلة عليها ثم احتضنها وهو يهمس: "هيا الآن لا تبكي لهذا السبب لقد وعدتك سأعوضكِ بأخرى"
وضعت رأسها على صدره وقد بدأت بالبكاء فعلا لكن هذا لم يكن السبب.. تاقت لتخبره وقتها أن الصفقة ليست السبب.. لكنها آثرت الصمت كالعادة..
****
أعدت أطباق الفطور وبدأت بحملها ووضعها على صينية استعداداً لنقلها للخارج.. شعرت برمرم تمسح جسدها بساقها وتصدر مواءاً ناعماً كأنها تربت عليها فهمست: "لا تقلقي أنا لست متوترة.."
سمعت صوت جرس الباب فتجمدت مكانها لثانية قبل أن تلتفت لرمرم التي كانت تنظر نحوها فعادت تهمس: "حسناً ربما أكون متوترة قليلاً وحسب.."
:"صباح الخير خالة شكرية"
سمعت صوته الرزين الدافيء فحملت الصينية وتحركت لتخرج من المطبخ وما أن رأته قالت: "هااي يا أنت لم تأخرت؟.. لقد نهشنا الجوع بانتظارك!"
التفت لها أمجد بابتسامته الخلابة كالعادة.. وثيابه المرتبة حتى ببساطتها وتخليه عن بذلاته الرسمية الباذخة..
:"إحداهن غاضبة"
همسها علي مسمع منها بينما يغمز لخالتها فردت: "أنا جائعة فبالتأكيد سأكون غاضبة"
التفتوا جميعا للصوت الناعم لهرتها فردت هي: "أخبريه رمرم"
ثم التفتت له وهي تقول: "أرأيت حتى رمرم جائعة"
كتم ضحكته وهو ينحني بطريقة مسرحية ليرد: "اعتذر لك آنسة ريم"
ثم التفت للهرة مكملا: "وللآنسة رمرم كذلك"
أصدرت خريراً ناعماً ثم تحركت بخيلاء تتمسح بساقه..
:"ليعوضني الله عوض الصابرين"
قالتها خالتها وهي تتجه للطاولة التي تتوسط الصالة الوحيدة للبيت.. والمواجهة للباب الخارجي تماماً.. والتي كانت تفضي للشرفة المطلة على البحر..
:"في البداية الفتاة فقدت عقلها بسبب تلك الهرة.. والآن حتى العاقل الوحيد بدائرة معارفي هو الآخر فقد عقله بسببها"
كتما ضحكاتهما ثم تحركا ليجلسا حول الطاولة.. وما أن جلس أمامها أخرج ورقة من جيبه وقدمها لها فاستغربت بينما تسأل: "ما هذا؟"
-:"هذا نص حكم المحكمة بأحقيتك في الحصول على أرباح الأرض بالسبع سنوات الماضية"
شهقت ريم بسعادة وهي تطالعه.. فتسارعت نبضاته وهو يراقب عينيها الجميلتين الممتلئتان بالفرح.. لكنه تمالك نفسه واقترب من الطاولة ويشير نحو الورقة بينما يكمل: "انظري لتلك النقطة.. لقد حددت اللجنة نصيبك الفعلي من الأرض بعد إثبات إعلان الوراثة.. وإثبات أيضاً الرقعة التي تم توسيعها بأرض عمك.. وقد استعنت بالورقة التي تركتها والدتك.. والتي يعترف بها عمك أنه حصل على جزء من نصيبك لثلاث أعوام متتالية ليوسع الأرض وتصبحي شريكته"
كانت تبتسم بسعادة لكن الدموع ملأت عينيها وهي تهمس: "لولا أن أمي حرصت على حقي ما كنت أثبت أي شيء"
أطرق بصمت بينما مدت شكرية كفها وربتت على كتفها تقول: "أمك كانت طيبة لكنها لم تكن غبية.. وقد كانت لا تفكر سوى بك وبصون حقوقك"
:"رحمها الله"
همستها ريم فأمن على دعائها ثم نظرت له وهي تكمل: "لا أعلم كيف أشكرك يا أمجد"
-:"لم أفعل شيئا وقد تلقيت أجري بالفعل"
قال جملته الأخيرة ببعض اللوم فلم تتراجع وردت بحدة: "وستتلقى أتعابك كذلك.. أنا أكره ال..."
-:"هذا يكفي.."
توقفت عن الحديث مع أمر خالتها الصارم والتي طالعتهما وهي تكمل: "ألا يمكننا قضاء نهارٍ دون شجار.."
كانت تجلس باستقامة ودون أن ترف بعينيها حتى وقد كان لخالتها نفس التأثير على أمجد الذي لم يبدأ بأي جدال معها على غير عادته..

**
التفتت تنظر لوالديها الجالسان بهدوء أسفل المظلة وهي تشعر بالرضا عن فكرة إحضارهما من المساء إلى منزل الشاطيء فهما منذ مدة لم يخرجا من المنزل.. وهي الأخرى كانت بحاجة لبعض الاسترخاء وقضاء الوقت معهما.. اقتربت منهما وأخرجت من حقيبتها شالين من الصوف ودثرت كلاً منهما بواحد..
:"توقفي عن الاهتمام بنا"
قالها والدها ثم ردت والدتها: "أجل إنه يوم إجازتك سان.. وبدلا من الاستمتاع وقضاء اليوم مع أصدقائك تجلسين بجوارنا وتطببيننا كالممرضة"
:"وما العيب بهذا؟"
ردت بها ثم ابتسمت: "لا أحد شاغر لي على أي حال.. وأنا أفضل الاعتناء بكما على قضاء الوقت مع أي شخص بهذه الحياة"
ابتسما لها فاقتربت تقبل كلاً منهما ثم نهضت تقول: "سأحضر لنا بعض المقبلات"
تحركت للداخل حيث كانت الممرضة تجلس وتشاهد التلفاز.. ما أن مرت أمامها اعتدلت وقالت: "هل أساعدك بأي شيء آنستي"
:"شكرا ورود.. أنا سأحضر أطباق الفاكهة من المطبخ"
التفتت لها تكمل: "الثلاجة بها كل شيء.. احصلي على بعض العصير والمسليات واسترخي"
ابتسمت لها وردت: "شكرا جزيلا لك آنستي"
استدارت بعدها تتحرك للمطبخ وما أن وصلت وضعت أطباق الفاكهة التي كانت قد قطعتها وغسلتها بعناية ثم وضعت زجاجة الحليب خالي الدسم المحلى بالشكولاتة وبجواره زجاجة العصير الطازج ثم التفتت تفتح الثلاجة وأخرجت علبة صغيرة بها ثلاث قطع صغيرة من الشكولاتة قليلة السكر.. كان والديها ممنوعان عن كل أشكال الحلويات لكنها استأذنت طبيبهما أن تمنحهما هذا النوع قليل السكر حتى تروح عنهما قليلا.. وقد وافق على قطعة واحدة لكل منهما بصعوبة.. شعرت بالأسى للحظة ثم نبذته وابتسمت لتستمتع بقربهما.. حملت الصينية وتحركت نحو الخارج ومنها للبوابة المطلة على الشاطيء تتجه نحو والديها الجالسان بأريحية يتأملان الأفق..
ولم تكد تصل إلا وسمعت صوت قرع الجرس بشكل هيستيري فاجأها.. أسرعت بوضع الصينية أمام والديها وقبل أن يسألا التفتت تتجه للمنزل.. لكن الممرضة كانت قد سبقتها وفتحت الباب لتندفع راما للداخل: "أين ساندي؟!"
سألت باضطراب قبل أن تراها وتركض نحوها.. ثم ما أن وصلت إليها قالت بهيستيرية: "ساندي رجاءاً ساعدي أكمل!"
:"راما اهدئي!"
قالتها بصرامة ثم أكملت: "ما به أكمل وما الذي أصابك"
لم تتوقف عن البكاء وهي ترفع كفاها لتحيط بها وجنتاها المليئتان بالكدمات وتتحسس عينها اليسرى المتورمة لدرجة أنها لم تكن قادرة على فتحها.. وقد وصلها ذلك الشعور بوضوح.. الشعور بالخيبة والألم.. الشعور بأنها ضعيفة وعاجزة أمام المتجبر زوجها.
-:"أترين ما فعله بوجهي؟"
اقتربت منها تربت عليها لتهدأ لكن راما التفتت تنظر لها كأنها أفاقت من حالة رثاء على نفسها أبعدت رأسها عن كل شيء.. وعندها قابلتها وهي تكمل: "لكن لست أنا المهمة الآن.. أكمل لقد ذهب له.. سيقتله إن لم تمنعيه"
:"اهدئي عزيزتي"
كان هذا صوت والدتها التي راقبت الموقف من بعيد لثانية ثم اقتربت تحتضنها ثم نظرت لساندي وهي تكمل: "أكمل عاقل ولن يرتكب خطأ كهذا"
فهمت ما تعنيه والدتها والتفتت لوالدها الذي أومأ لها قائلا: "اذهبي ساندي"
تحركت للداخل بينما صوت راما يصلها: "انتظري سآتي معك"
-:"لا يا عزيزتي ابقي انت معنا وهي ستعثر عليه وتعود"
كان هذا الاعتراض من والدتها والتي لم تتراجع حتى مع بكاء راما مدمي القلوب وهي تهمس: "ولكن..."
-:"إن رآك أمامه قد يفقد أعصابه أكثر.. الأفضل أن تبقي معنا"
كانت تستمع لهذا الحوار بينما ترتدي سترتها الخريفية.. وتحمل حقيبتها بعد أن تأكدت من احتوائها على كل شيء تحتاجه.. ثم التفتت للممرضة وهي تقول: "ورود ابقي معهم ولا تتركيهم"
-:"حاضر آنستي"
:"ولا تفتحي الباب لأحد غيري"
قالتها وهي تسير ناحية الباب ثم أخرجت هاتفها فإن كان أكمل غاضب لن تتمكن من إيقافه وحده..
***
استمعت صوت تلذذه بعد أن أطعمته من حلواه المفضلة وهي تحاول ألا تضحك لكنها لم تتمالك نفسها ما أن أشار بصمت لفمه وهو يفتحه فانفجرت ضاحكة وهي تقول: "أنت غير معقول.."
وضعت قطعة أخرى من حلوى الكريم كراميل التي يحبها في فمه فتراجع بالمقعد وهو يسأل: "لماذا يا كراميلتي؟.."
ادعت الاستغراب وهي تتسائل: "أجل لم يا ترى؟!.."
ثم وضعت كفها الحرة على ذراعه المحيط بها بينما تكمل بخفوت: "ربما لأنك تجبرني على الجلوس فوق ساقك بمنتصف مكتبك.. وتجعلني أطعمك بيدي.."
مط شفتيه ورد: "ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة.."
داعب بأنفه عنقها ثم همس مكملاً: "ثم أني أحب وجودك بقربي.. ولا أحد يمنعني عما أحب.."
لم تجد ما ترد به فقط بقيت تطالعه بينما يقترب منها هامسا: "أخبريني متى سنتزوج؟"
تجمدت يدها وتيبس جسدها بالكامل قبل أن ترد بحدة: "أخبرتك مرارا أني لا أرغب بالزواج"
اقترب يضع رأسه على صدرها ثم فركه بأنفه فتراجعت لكنه منعها بينما يهمس بثقل: "إلى متى ستتدللين علي يا حلوى الكراميل؟"
كان يدغدغها ويشعل حواسها بتلك الحركة رغم ارتدائها لثيابها.. لكن احتكاك أنفه بتلك المنطقة الحساسة من جسدها جعلتها غير قادرة على الكلام.. رن هاتفه فلم يهتم به بالبداية وهي لم تحاول لفت نظره.. فهي لم ترده أن يبتعد مع تلك اللذة التي ملأت جسدها.. لكن مع إصرار المتصل التفت يلتقط الهاتف وهو يزفر بسخط.. لكن ما أن رأي الاسم انعقد حاجبيه وهو يرد: "نعم ساندي"
-:"هيثم أين أنت؟"
رد باستغراب: "بالشركة لدي بعض الأعمال"
-:"أين تامر؟"
بمجرد سماعه اسم شقيقه استشعر قدوم مصيبة ولكنه رد: "لابد أنه ببيته.. ولكن لماذا؟"
-:"لقد ضرب راما مجدداً"
سب هيثم ولعن بسخط بينما يدفع إسلام لتنهض.. قبل أن يتلفت حول نفسه ففهمت أنه يبحث عن سترته.. وأسرعت بالتقاطها له وإلباسه
:"أكمل سيقتله إن لم نلحق به"
ضرب المكتب بقدمه بغضب ساباً ذلك المعتوه الذي لا يتوقف عن إفساد حياته قبل أن يتنفس بعمق ويرد: "سأذهب لبيتهم خلال ربع ساعة"
-:"أنا كنت ببيت الشاطئ لذا أنا أقرب.. سأحاول ردعه إلى أن تأتي"
-:"حسنا"
أغلق الخط وانحنى يرتدي حذائه وما أن انتهى من تعديل مظهره كانت إسلاك قد خرجت من الحمام وقد عدلت مظهرها الذي افسده بقبلاته وقبل أن ينطق بأي كلمة قالت بشكلٍ قاطع: "سآتي معك"
لم يجدلها بل سحبها من يدها بعد أن التقط أغراضه عن المكتب وغادرا فوراً..
***
:"خالتي ترتدي ثيابها وسنغادر بعدها"
قالتها وهي تدخل الشرفة وتقف بجواره.. فأومأ والتفت لها يقول: "ألا تنوين الرد على طلبي؟"
شعرت بالحرج ولكنها حاولت تمالك نفسها بينما ترد: "أخبرتك أني سأفكر بالأمر أمجد.. صدقني لم اتخذ أي قرار بالأمر"
ابتسم لها وأومأ بتفهم قبل أن يقول: "سأنتظرك قدر ما تشائين"
ابتسمت بامتنان وردت: "شكراً لك امجد.."
ثم التفتت له وهي تكمل: "يمكنك الذهاب إن أردت فبيت خالتي قريب لا داعي أن توصلنا.."
-:"إنه يوم الإجازة.."
قالها ثم تنهد ينظر لها: "ليس لدي ما يشغلني.."
التفتت تتكيء على سور الشرفة وهي تقول: "لا أصدق أن رجل مثلك لا يملك أي أصدقاء.."
مط شفتيه وحرك كتفيه بينما يرد: "لم أهتم بالحصول عليهم يوماً.. كان لدي زملاء بوقت الجامعة لكن لم نبقى على اتصال بعد التخرج.."
نظر لها وسألها: "ماذا عن أصدقائك؟.. عدا فادي فأنتِ لم تعودي تتحدثين عن البقية كثيراً.."
صمتت قليلاً ثم تنفست بعمق وهي ترد: "نحن نمر بوقتٍ حرج.. جميعهم أصبحوا رجال وسيدات أعمال مشغولين بينما أنا..."
-:"أنتِ أصبحتِ مميزة.."
نظرت له فابتسم وأكمل: "أصبحتِ ما يليق بك.. امتهنتي شيئاً مميزاً تحبينه على عكس الجميع.."
ملأها الحرج مع اطرائه كالعادة.. لقد كان امجد متحدثاً لبقاً وتلك كانت الصفة التي كسرت الجليد بينهما خلال السنوات الماضية.. فهي توقفت عن كرهه من اللحظة التي علمت بها أن والدتها أوصته عليها.. فقد كانت موقنة أنها لن تختار شخصاً سيئاً لتوصيه عليها.. أخبرت نفسها مراراً أن والدتها بالتأكيد رأت به شيئاً لتمنحه تلك الثقة..
وقد اختارت أن تثق بحكمها على عكس المرة الأخيرة التي لم تثق فيها برأيها..
**
الشيطان كان يختبئ منه بتلك اللحظة بالتأكيد.. فعيونه الناضحة بالغضب الأعمى كانت ستخيف أي شخص وتبعده من طريقه.. ما أن دخل للفيلا صف السيارة دون اتفاق ثم أسرع نحو البوابة وطرقها بعنف ودون توقف.. إلى أن فتحت الخادمة التي ارتعبت من مظهره بينما يسالها: "أين تامر؟!"
أشارت للأعلى وهي ترد: "بغرفته سيدي"
كان يصعد الدرج بينما تتم جملتها.. واتجه رأساً إلى حجرة نومه وفتح الباب.. ليجده مستلقياً على الفراش نائماً لا يشعر بأي شيء.. وما كان هذا ليوقفه فتحرك نحوه وسحبه دون أي إنذار ثم سدد لكمة له بمنتصف وجهه.. وعندها فتح عينيه بصدمة وخوف فهتف به: "ألم أقسم أنك إن ضربتها مجدداً ستموت أيها الحقير؟!"
سدد لوجهه عدداً لم يحصيه من اللكمات دون توقف حتى أدمى وجهه.. لكنه لم يكن يراه.. هو كان فقط يتذكر مظهر شقيقته التي أتت له باكية صباح اليوم.. نادبة حظها العاثر الذي أوقعها بين براثن ذلك المختل..
لم يتوقف عن ضربه إلا عندما شعر بيد رقيقة وقوية بذات الوقت تسحبه للخلف وقد نجحت وأبعدته.. ثم انقشع الضباب وظهرت جوهرته السمراء بعيونها الصارمة.. وصوتها الرزين اللذان أعاداه لرشده بينما تقول: "أكمل أفق!"
أمسكت كفه تطالع قبضته الدامية من شدة ضربه لذلك المعتوه وهي تهمس: "يا إلهي!"
:"أقسم أن أقتلك!"
التفتا لتامر الذي كان يخرج أسنانه المحطمة من فمه.. قبل أن ينظر له بشر وهو يكمل: "سأدفعك الثمن أيها الوغد!"
اندفع نحوه ليكيل له اللكمات مجدداً.. ثم فجأة تدخل هيثم ليبعده ووقفت ساندي وإسلام بوجهه..
:"تراجع اكمل"
قالها هيثم وهو يرفع كفه ويكمل: "اهدأ"
كز على أسنانه وهو يرد: "هيثم.. الوغد شقيقك ضربها و..."
:"أنا أعلم"
قالها هيثم بهدوء.. ثم اقترب منه وهو يربت على كتفه ثم أكمل: "اترك الأمر لي.. وأعدك حقها سيصلها"
ابتلع أكمل لعابه.. بينما رأت ساندي تامر يستقيم.. وعلمت أنه سيقول شيئا يغضبه.. فأسرعت تقف بوجهه وهي تقول: "لنذهب الآن"
:"أجل هيا أكمل"
ردت بها إسلام فلم يجد بداً من الالتفات والمغادرة.. لكن كان هذا بالطبع بعد أن بصق عليه ثم غادر المكان تتبعه إسلام وساندي
***
ما أن غادروا تنفس هيثم الصعداء فهو لا يريد الدخول بشجار مع صديقه المقرب بسبب وغد كشقيقه..
وعلى ذكر الوغد!..
التفت ينظر نحوه بقرف فابتسم الأخير بسخرية وهو يقول: "ماذا.. هل تنوي سمع مبرراتي قبل أن تحاسبني يا ابن البارحة؟"
ابتسم هيثم وهو ينحني بجذعه ثم رد: "إن كنت ابن البارحة فهو عيبٌ بحقك فابن البارحة ذاك انتزع منك كل سلطاتك.."
استقام واقفاً ثم ابتسم بسخرية وهو يكمل: "لكن ابن البارحة لا يكترث لأمرك أساسا.. وفر أعذارك لوالدك الغالي.. لنرى كيف ستبرر له أفعالك هذه المرة"
ثم التفت وغادر الغرفة تاركاً إياه يصرخ بأثره من شدة الغضب..
**

أوصلهم امجد لمنزل خالتها الذي كان يبعد عنهم بشارعين وحسب.. لذا سار معهم لناصية شارعها ثم ودعهم وغادر.. وقد حمدت الله أن خالتها لم تحاول سؤالها أي شيء.. كانت تحمد الله عامة أنها متفهمة حاجتها للوقت لتفكر بهدوء بما ستفعله..
ما أن وصلوا لبيت خالتها ودخلوا من بوابة الشارع سمعت صوت صراخ عليا.. ورأت دارين تخرج راكضة لترتمي بحضن خالتها وهي تبكي هامسة: "خالتي رأيتك من الشرفة.. أوقفيها رجاءاً"
:"تلك الغبية!"
قالتها وهي تسرع للداخل لتجد المشهد المعتاد.. فاطيمة تضرب عليا.. والأخيرة ملقاة أرضا لا حول لها ولا قوة.. وعندها أسرعت تبعدها عنها وهي تهتف: "كم مرة أخبرتك ألا تضربيها يا حقيرة؟!"
لم تتراجع الحمقاء واقتربت منها وهي ترد: "وكم مرة أخبرتك ألا شأن لكي ا..."
توقفت عن الحديث ما أن رات خالتها بوجهها.. والتي نظرت لها ببرود جمدها بمكانها وجعل وجهها يفقد لونه.. فابتسمت ريم بشماتة والتفتت لعليا تدعمها لتنهضها عن الأرض وهي تهمس: "لا بأس عليك يا حبيبتي"
:"خالتي أنتِ لا تعلمين ما فعلته"
قالتها فطيمة لكن الرد أتى من خلفها: "انتظر بشوق لسماع ما فعلته"
التفتوا جميعا للحاج صلاح الذي دخل يتبعه شهاب حفيده.. بينما ارتبكت فطيمة لثانية قبل أن ترد: "لقد حطمت هاتفي"
:"كذب!"
هتفت عليا ببكاء قبل أن تكمل: "أقسم جدي أنه كذب.. لقد كانت غاضبة ورمته على الأرض فتحطم.. ثم حاولت الاستيلاء على هاتفي وعندما رفضت ضربتني"
التفت ينظر لدارين التي أومأت وهي تقول: "عليا محقة جدي"
ابتسم لها ثم قال: "عزيزتي ريم خذي علياء وادخلن أي غرفة"
سحبتها بالفعل ودخلن أقرب غرفة وما أن أغلقت الباب التفتت لها وسألتها: "أنت بخير؟"
كان هذا سؤالا سخيفا فقد كانت الكدمات تزين وجه المسكينة.. حتى شفتيها لم تنجوا من المختلة المريضة.. وكم ذكرها هذا بأخيها.. تلك الكدمات كانت تشبه التي تلقاها مؤمن للعديد من السنوات.. دون أن يقوى أحد على الدفاع عنه.
:"عليا"
وعلى ذكر مؤمن وكدماته ها هو المتسبب بها.. التفتت ريم تنظر لزكريا الرجل الذي حطم زوجته وابنه.. ولا يمكنها أن تشعر سوى بالأسف والحزن على حاله.. فها هو حبيس الفراش لا يقوى على الخروج منه.. محطم تماما بعد خمس سنوات طوال قضاهم بالسجن ليخرج في النهاية عاجزاً عن فعل أي شيء.. تماماً كما توعده مؤمن أمامها ذات يوم..
طردته من رأسها وابتسمت لعمها بينما تقول: "مرحبا عمي"
ابتسم لها بود ورد: "أهلا يا بنتي"
ثم التفت لعلياء وفتح ذراعه لها فأسرعت ترتمي عليه وهي تبكي.. بينما هو يربت على ظهرها ويهمس: "لا باس.. لا تحزني.. لا تبكي!"
والتفتت هي لدارين تحتضنها وتربت على رأسها.. فقد أصبح هذا المشهد معتاد بالنسبة لها ولم تعد تستغربه كما فعلت عندما رأته للمرة الأولى.. لقد تغير العم زكريا بالطريقة الأسوأ وبعد فوات الأوان للأسف!..
***
وخارج الغرفة كان الحج صلاح الذي تقدم به العمر حتى اضطره أن يستند على عكاز تدعمه بالوقوف.. لكن كل هذا لم ينقص من هيبته وملامحه القاسية شيئاً.. كان يطالعها فاطيمة بنظرات قاتلة قبل أن يتقدم منها قائلاً: "كم مرة أخبرتك..."
قطع حديثه بصفعة على وجنتها قبل أن يكمل: "ألا ترفعي يدك على أي من شقيقتاك يا فتاة؟!"
انفجرت باكية بطريقة لا يصدقها أي عاقل كالعادة.. فالتفتت شكرية وتحركت تجلس على أقرب مقعد وهي تهمس: "ها قد بدأنا!"
التفتت تنظر للفتى الواقف بجوارها قبل أن تكمل: "كيف حالك يا ولد؟"
ابتسم بأدب وفتح فمه ليرد...
:"اخرسي!"
هتف بها الحاج صلاح ليقطع صوت أي شخص ثم تحرك ليجلس على مقعد آخر وهو يكمل: "لا أريد سماع صوتك إلى أن تحضر المصون والدتك!"
التفت لشكرية وسألها: "أين هي؟.."
ابتسمت وفكرت أن ترد بطريقة لا تزعجه منها..
-:"إنها في العمل منذ البارحة.."
التفتت بحدة لسليطة اللسان التي سرعان ما ركضت نحو غرفتها وأغلقتها.. تنهدت وهي تحاول تمالك أعصابها لتقول أي شيء لكنها لم تعد تملك أي طاقة..
-:"لا ترهقي نفسك يا شوشو.."
قالها الحج صلاح بينما ينهض ثم ابتسم لها وهو يكمل: "أنا أقدر صنيعك يا ابنتي.."
ابتسمت له ونهضت لتتبعه وأمام عينيها رأته يقف أمام باب غرفة ابنه متردداً لثوانٍ وكانت متأكدة أن عيناه الآن آيتان من الحزن وتمتلئان بالدموع.. سمعت تنهيدته التي سبقت فتحه للباب ودخوله وهو يقول بمزاح: "كيف حال دودو آخر العنقود؟.."
**
أنهت ساندي لف قبضته ثم اتكأت على السيارة وهي تتنفس براحة.. كانت مجرد خدوش وقد طلب الصيدلي منهم وضع ضمادٍ وحسب..
-:"اشرب هذا لتهدأ"
كانت تلك سولي تقدم له زجاجة عصير اشترتها من البقالة المجاورة لمكان وقوفهم.. فتح أكمل الزجاجة وبدأ بتجرع ما بها دفعة واحدة ثم توقف وتنفس بعمق والتفت لهما يقول: "أنا آسف على ما حدث"
ابتسمت له إسلام وهي ترد: "المهم أنك بخير"
كادت توبخه لكنها صمتت والتفتت لإسلام تسألها: "كيف عرفت بالموضوع أساساً؟"
ردت: "كنت مع هيثم بالشركة.. فقد ألغى إحدى الصفقات التي كنت أعمل عليها.. وطلب مني الحضور ببعض الأوراق له"
أومأت ساندي بتفهم بينما رن هاتف إسلام مرة أخرى فقد كان يرن منذ خروجهم من منزل تامر وعندها فهمت أنها عائلتها وقالت: "الأفضل أن تذهبي حتى لا يقلقوا عليك"
التفت أكمل لها ورد: "أجل إسلام أنا بخير الآن.. عودي أنت للبيت"
أومأت لهما فقالت ساندي: "تعالي سأوصلك"
:"لا لا داعي سآخذ سيارة أجرة"
قالتها ثم ابتسمت وهي تكمل: "سأتصل بكما لاحقا"
وبعد أن غادرت التفتت ساندي تنظر له فقال بحدة: "لا أملك طاقة للجدال سان"
رفعت كفيها وردت بمهادنة: "حسنا لا بأس.. لا داعي لنتشاجر وتحصل على المزيد من اللكمات تكفيك إصابة قبضتك"
تنفس بعمق دون أن يبتسم فعلمت أنه غاضب جداً قبل أن يتحرك وهو يقول: "لنذهب فعلي العودة لراما"
:"إنها مع والداي"
ردت بها ثم أكملت: "هي من جعلتني آتي"
-:"حسناً لنذهب إذا"
قالها وهو يتجه لسيارته المصفوفة خلف سيارتها وهي فضلت ألا تدخل بنقاشٍ معه الآن لذا تحركت تركب سيارتها لينطلقا عائدين لبيت الشاطيء
****
دخلت المنزل وهي تتنفس بضيق كالعادة مع كل مرة تدخل بها ذلك البيت.. تحركت نحو غرفتها تنوي الهروب بأخذ حمام دافئ.. لكنها توقفت أمام غرفة نيروز الغالية.. والتي تشوهت أركانها المزينة برقة وألوان جدرانها الناعمة الهادئة.. بألوان صارخة ومستفزة تلائم قاطنة الغرفة.. جوان المزعجة التي التفتت لها وابتسمت بخبث لتحيي ذكرى أول يوم دخلت به جوان تلك الغرفة...
&&&

أمسكت بإطار الصور الذي كان يجمعها بجدتها.. وهي تتأمل وجهها الجميل البشوش الذي حرمت منه للأبد.. لم تكن تصدق أنها رحلت.. مر أسبوعان وهي تبحث عن طيفها.. تنتظر أن تدخل الغرفة لتطمئن عليها لكن دون جدوى.. لقد رحلت وأخذت معها كل شيء جيد كانت تسعى لإحيائه بداخلها.. فخلال عامين لم تكن علاقتهما جيدة.. كانت تتجنبها وتحتد عليها لكنها لم تتوقف عن المحاولة.. بكل طاقتها حاولت.. وهي لم تمنحها أي فرصة وستعيش تتعذب لأنها لم تفكر بالاستماع لها ولو لمرة.
سمعت صوت حركة بالغرفة المجاورة لها وكانت تلك غرفة جدتها.. فملأ قلبها أمل مستحيل لكنها بررته بآلاف الأشياء.. كأن يكون كل ما حدث مجرد كابوس سيئ.. أو أنها فهمت الأمر بشكل خاطئ أو حتى أنها جنت ببساطة.
لكن أيا من هذا لم يكن صحيحا.. ما أن وصلت وجدت جوان تحرك طاولة الزينة وتبعدها عن الحائط فسألتها بحدة: "ما الذي تظنين أنك تفعليه؟!"
التفتت لها بنظرتها المستفزة وهي ترد: "ما شأنك أنتِ؟"
:"هل فقدت عقلك؟!"
هتفت بها ثم اتجهت لها وبكل قوتها دفعتها بعيداً وهي تكمل: "إنها غرفة جدتي أيتها الحقيرة.. إياك ولمس أمتعتها!"
نظرت لها بغيظ ورعب قبل أن تتحرك راكضة للخارج.. وعندها التفتت هي تعيد الطاولة لمكانها.. وما أن فعلت نظرت لها وهي تتلمسها ببطء.. وأغمضت عينيها تستحضر صورة جدتها وهي تجلس أمامها لتمشط شعرها
:"لم ضربت ابنتي يا هذه؟!"
التفتت تنظر لرأس الحية زوجة والدها..
منذ أن اضطرت مجبورة أن تذهب معهم وهو يخطبها وقد علمت أن تلك المرأة تكرهها وستزيد إفساد حياتها.. لكن إلى الآن كان هناك سد يمنع عنها أذاها.. سد اسمه نيروز.. وقد رحلت نيروز الآن لتصبح كأنها عارية وسط صحراء من البرد القارس.. لا تجد من يدفئها..
:"أجيبيني يا هذه؟!"
لم تشعر بها عندما اندفعت نحوها.. لكن شعرت بيدها التي أمسكت بها بحدة فدفعتها بعيدا وهي ترد: "لا تلمسيني!"
ثم أشارت لابنتها وهي تكمل: "وابعدي ابنتك عن غرفة جدتي"
:"الغرفة أصبحت لي"
ردت بها جوان قبل أن تكمل: "ولهذا كنت أحرك أثاثها وأنقله للخارج أيتها المعتوهة!"
اتسعت عيناها وقالت دون تفكير: "لا أصدق هذا.. من سمح لك؟!"
:"أنا فعلت"
كان هذا صوت والدها الذي دخل وأحاط بذراعه على كتفي جوان بينما يكمل: "لقد منحتها هذه الغرفة.."
كانت توزع نظراتها بينهم بصدمة وعدم تصديق.. لكن لم لا؟!.. فمنذ أن تزوج تلك المرأة والكوارث تتضاعف بحياتهم.. ولعدة مرات كانت تخطيء بحق جدتها دون ابداء ردة فعل منه.. لقد أصبح كالخاتم بإصبع الحرباء حفصة فلم قد تستغرب أفعاله الآن.. لكن كل هذا لم ينفي غضبها.. بل زاده..
ابتسمت بسخرية وتحركت لتقف مواجهة إياه ثم ردت: "لم يكد يمر على وفاة والدتك أسبوعين وها أنت توزع أغراضها.. لكن ماذا أقول إنه المتوقع منك أنت وابنك المتخاذلان"
قالتها ثم تحركت لتغادر لكن أسلم وقف بوجهها وهو يسأل بشر: "ما الذي قلته؟"
عادت تبتسم بسخرية بينما ترد: "ما سمعته"
تلقت صفعة بمجرد بصقها للرد بوجهه أسقطتها أرضا.. قبل أن ينحني فوقها ويضربها على وجهها دون أن يوقفه أحد.. لا أحد سيوقفه.. رحلت من كانت تركض لتنقذها.. وعليها الآن أن تنقذ نفسها بنفسها أو تتحمل بصمت.

&&&
:"أسلم لقد عادت أختك"
أفاقت على تلك الجملة منها وبقيت واقفة بمكانها.. تنتظر ظهور أخيها الذي خرج من غرفته هو وزوجته التي يقيمان بها.. كان بإمكان والده شراء شقة له إن أحب.. لكن بعد إلحاح من الحرباء الكبيرة وابنتها.. وافق أن يقيموا معا وهذا كان برسالة واضحة لإسلام...
(رجال البيت لنا.. إذاً فالبيت لنا ولا شيء لك هنا.)
ابتسمت بسخرية وهي تتسائل كيف سيكون شعورهن عندما يعلمن أنها حقاً لا تكترث.. بل إنها لو تنازلت عن القليل من كبريائها قد تشكرهن لإبقائهما ملهيان عنها..
: "أين كنت يا ...."
-:"كنت بالشركة أنهي بعض الأعمال مع السيد هيثم.. وبإمكانك الاتصال به وبأمن الشركة لتتأكد أني كنت معه"
قالتها والتفتت تعود لغرفتها دون انتظار لردة فعله.. وما أن دخلت حمدت الله أنها تناولت الفطور مع هيثم بالمكتب فهذا سيساعدها على البقاء بغرفتها إلى أن يخرجوا للتنزه بنهاية اليوم..
وعلى ذكر هيثم أخرجت هاتفها وفتحته ثم كتبت رسالة سريعة له قبل أن تلقي بجسدها على الفراش وهي تفكر أنها سترتاح قليلاً ثم ستنهض لتغتسل..

**
عادت للبيت وهي تتنفس بتعب.. بالكاد كانت قادرة على رفع ساقيها عن الأرض.. سمعت صوت جلبة من غرفة زوجها فتحركت إليها.. لتجد والده وابن أخته يجلسان من جهة.. وعلى الجهة الأخرى تجلس شقيقتها وابنة أختها
:"حمدا لله على سلامتك أمي"
التفتت تنظر لعليا ثم شهقت بحدة وهي تسأل: "ما هذا الذي بوجهك؟!"
:"ابنتك الكبيرة المعتوهة ضربتها"
التفتت تنظر لحماها وهي تقول بارتباك: "أنرت بيتنا يا حاج و..."
-:"أين كنت؟"
سألها بصرامة فابتلعت لعابها وردت: "كان لدي عمل كثير.. أنت تعرف أن لدينا موسم خلال أيام.. لذا كنت استلم البضاعة الجديدة"
نهض صلاح واقترب منها وهو يرد: "كان بإمكانك ترك العمل لأحد عمالك.. وبدلا من هذا قضيتِ الليلة بأكملها خارج البيت"
-:"أنت تعلم عمي.. أنا لا أثق بأي أحد"
:"وأنتِ تعلمين أن هذا ليس عذرا بالنسبة لي!"
هتف بها ثم رفع إصبعه الملفوفة بمسبحته وهو يكمل: "لقد وافقتك على تأسيس ذلك العمل فقط عندما وعدتني أن بيتك لن يتأثر وقد خلفت وعدك!"
التفتت تنظر لشكرية تستنجدها فتنهدت ولم تجد بدا من التدخل: "الخطأ مني يا حاج"
التفت لها فأكملت: "لقد وعدتها أن آتي واهتم بالفتيات بينما هي غائبة.. لكني لم أانكت من الحضور باكراً"
ابتسم فعلمت أنه فهم خدعتهما وسيبتلعها برغبته.. بينما هتفت نادية: "فاطيمة"
سمعت صوت فتح أحد الأبواب والفتاة المكدومة تتجه ناحية والدتها التي حدجتها بنظرة صاعقة.. قبل أن تقول: "قبلي يد جدك واطلبي منه السماح"
اندفعت تمسك يد جدها الذي دفعها قائلا: "اعتذري لشقيقتك لا أنا"
التفتت فاطيمة فورا تحتضن شقيقتها وهي تقول: "لا تحزني علياء لن أكررها"
:"أمي"
التفتوا جميعا لدارين التي وضعت إصبعها على فمها.. ثم أشارت لوالدها النائم ففهموا جميعا وخرجوا فورا من الغرفة.
:"الدواء يجعله ينام فورا"
قالتها نادية ثم نظرت لشكرية التي لولا مجيئها لما كان زكريا اخذ الدواء بموعده.. ولما تم الفصل بين ابنتيها.. ولكانت الآن تقبل قدم وكف الحاج صلاح لتحاول إرضائه بعد الكوارث التي كانت سترتكبها الرعناء فاطيمة.
ابتسمت بامتنان لها وأكملت: "سلمت يداك يا أختي"
أومأت لها بصمت..
:"سأستأذنكم الآن"
قالتها ريم وهي تحمل حقيبتها ثم أكملت: "سألتقي بأحد أصدقائي لأمر هام لذا علي الذهاب"
:"هل هو ذلك المحامي الهيمان"
سألت فطيمة بسخرية فحدجتها بنظرة صاعقة وهي ترد: "لا شأن لك"
ثم التفتت لخالتها وابتسمت تقول: "خالتي سآخذ عليا ودارين معي إن لم تمانعي"
:"ياااااي"
هتفت بها دارين بسعادة بينما تقفز بمكانها.. لكن نظرة واحدة من والدتها جعلتها تصعق وتعود لمكانها.. قبل أن ترد: "لا أريدهما أن تزعجاك حبيبتي"
-:"لا يوجد إزعاج أو أي شيء.. سأهتم بهما وأعيدهما في تمام التاسعة أنا أعدك"
ابتسمت لها خالتها وأومأت برضا.. فأسرعت دارين تركض لغرفتها وهي تهتف: "سأرتدي ثيابي في خمس.. بل في دقيقة واحدة!"
وتحركت عليا ببطء تتبعها فاستغربت وأسرعت خلفها.. وما أن أغلقن باب الغرفة سألتها: "ما الأمر؟"
التفتت تنظر لها وعيونها مليئة بالدموع: "كيف سأقابل أصدقائك بهذا الشكل؟"
شعرت بالأسف عليها وارتبكت لثانية.. قبل أن يأتي الرد من دارين: "لا تزالين جميلة"
التفتا تنظران لها فابتسمت ريم وشجعتها هي الأخرى: "دودو محقة لا تزالين جميلة"
ثم غمزت لها وأشارت لطاولة الزينة وهي تردف: "وأنا سأضع لك بعض الأشياء التي ستخفي أي علامات على وجهك.. ثم لا تقلقي نحن لن نلتقي إلا بفادي فلا تتوتري"
قالتها وتحركت ناحية دارين لتساعدها بانتقاء ما ترتديه.. غافلة عن عيون علياء التي اتسعت بهلع
**
:"أكمل!"
هتفت بها راما ما أن رأته ونهضت تندفع نحوه وتحتضنه ببكاء.. فربت على رأسها ثم أبعدها وحاول ألا يظهر أي انزعاج بينما يطالعها ثم ابتسم قائلا: "لا تبكي حبيبتي أنا بخير"
ابتسمت وشفتاها ترتجفان قبل أن تقف ملاصقة له.. فالتفت هو لوالدا ساندي وقال: "شكرا لقد أتعبناكم معنا"
:"لم نفعل أي شيء"
قالتها السيدة ميلينا فابتسم لها بامتنان.. ثم سحب راما وهو يقول: "سنذهب الآن"
:"ابقوا لنتناول الغداء معا"
قالتها ساندي فابتسمت لها راما وردت: "شكرا عزيزتي لكن أفضل أن نذهب.. فأنا بحاجة لبعض الراحة"
أومأت لها وتحركت معهما لتوصلهما.. وما أن خرجا من البيت أمسكته ساندي من جانب قميصه وهي تقول بتحذير: "لا تفتعل شجارا مع ذلك المختل.. وإلا قسما بالذي لا أحلف به كذباً.. سأوزع لكماتي بالتساوي على كل شبر بجسدك"
نظر لكفها ثم سألها: "هل أنت مستعدة لتحمل عقبات تلك الحركة؟!"
ابتسمت بسخرية واقتربت منه وهي ترد: "لن أرد عليك الآن.. سأرد عليك بالصالة الرياضية في النادي"
ثم تركته وتحركت نحو راما التي كانت قد سارت وركبت السيارة.. وما أن وصلت لجوار نافذتها ابتسمت لها وقالت: "لو احتجت أي شيء اتصلي بي"
أومأت لها بهدوء وهي غير قادرة على رفع رأسها عن مسند المقعد.. فتركتها وتراجعت وهي تراقب ابتعادهم داعية الله ألا يتهور أكمل..
****
خرجوا من شارعهم ووقفوا متكئين على سور البحر وقفوا قليلاً يتبادلون أطراف الحديث وعندما طالت وقفتهم حملت ريم دارين للجلوس فوق السور ثم التفتت لعربة المثلجات القريبة قائلة: "انتظراني هنا سأعود في الحال.."
تحركت بالفعل فابتسمت عليا وهي تنتوي شكرها لما فعلته ما أن تعود لكنها عادت تطرق بصمت..
:"لم أنت متوترة؟"
التفتت تنظر لدارين التي أكملت: "لن ينتبه.. لا تقلقي فقط استرخي"
تنفست بعمق والتفتت تنظر للطريق أمامها.. وعندها انحبست أنفاسها بينما تراه يعبر الطريق برشاقة ثم اقترب منهم..
:"مرحبا يا آنسات"
قالها فادي وهو يبتسم ببشاشة.. قبل أن يضع كفه على صدره وهو يكمل: "يا لي من رجل محظوظ.. ثلاث جميلات يرافقنني"
-:"لم تأخرت فادي؟"
كالعادة ريم لا تمنحها فرصة لقول أي كلمة.. ولا تعلم حقا هل عليها شكرها أم صفعها لهذا السبب..
:"كان لدي عمل يا متسلطة"
:"لقد أخبرتك أن تستأذن لتغادر باكراً اليوم.."
قالتها ريم بحدة ثم أكملت: "كل مرة علي انتظارك هل تظن نفسك سندريلا وأنا الأمير.."
انعقد حاجبي فادي وهو يقول: "هذا تشبيه سيء وطفولي.. متى ستكبرين وتتجاوزي مرحلة الرسوم المتحركة.."
ضاقت عينا ريم ونظرت له بخطورة بينما تسأله: "وما مشكلة الرسوم المتحركة فادي؟!.."
لكن فادي لم يلتقط تلك الخطورة بصوتها أو تجاهلها بينما يرد: "إنها للأطفال.."
هتفت ريم بوجهه: "هل تقول عني طفلة فادي؟.."
:"أجل أنتِ كذلك.."
:"هذا مسلِ.."
كان هذا الهمس من دارين بينما تراقبان خلافهم الذي احتد فمن جهة ريم غاضبة وتحرك رأسها لتتخبط خصلاتها الداكنة ومن جهة أخرى كان فادي يقف بثبات والحنق واضحاً على وجهه بينما يحاول اقناعها بوجهة نظره دون جدوى.. وقد دفع هذا الابتسامة الحزينة لتزين وجهها بينما تراقبهما.. فقد كانت تتمنى وجود ذلك الثالث الغائب لتراقبهم هم الثلاثة يتشاجرون كما كانت تراهم قبل ثمان سنوات..

****
:"إذاً ما قصة ذلك المحامي؟"
التفتت تنظر للحاج صلاح بينما ردت نادية: "المحامي أمجد تقدم لخطبة ريم"
ارتفع حاجباه بينما يلتفت لشكرية التي ردت: "هي لم توافق بعد"
: "لابد أن توافق.. إنها فرصة ذهبية"
قالتها نادية فرد شهاب سريعاً: "لا طبعا!"
التفت لشكرية وأكمل: "لا يجب أن توافق على ذلك المحتال.. أليس هو من تسبب بضياع المنزل؟"
فتحت فمها لتغلق الموضوع بلباقة لكن شقيقتها الثرثارة أسرعت بالرد: "الرجل لم يهنا ولم يبخس حقنا.. بالعكس لقد ساندنا ومنحنا أكثر من الذي دفعناه بأضعاف وهو كذلك يساعدها باستعادة حقها بالأرض"
:"لقد عرضت التدخل"
رد بها صلاح فمطت شكرية شفتيها قائلة: "أنت تعرفها يا حاج.. عنيدة ولا تحب المساعدة.. حتى المحامي أصرت أن ينال أتعابه كأي عميلة وإلا لن توكله"
:"نزيهة كوالدتها رحمها الله"
قالها فأمنوا جميعا على كلامه.. قبل أن يتنهد وينهض قائلا: "سأغادر الآن فلدي سفر هام"
نهضتا تقفان لتودعاه بينما تبعته نادية وعادت بعد مغادرته.. وما أن تأكدت شكرية من رحيله أمسكت فاطيمة من أذنها وسحبتها لتقف وهي تقول: "أتعلمين ماذا سأفعل بلسانك الطويل هذا؟"
:"اقطعيه دون مواربة"
ردت بها نادية وهي تقترب منها.. ثم ضربتها على رأسها بعنف وهي تردف: "هل تريدين أن يقتلنا أو الأسوأ.. يسحبنا كلنا لنعيش مع عماتك بالبلد لينتهي أمرنا كليا"
اتسعت عيناها بارتياع بينما أكملت والدتها بحدة: "قسما برب العباد يا فاطيمة.. إن لم تسيري على الصراط وتحترمي نفسك.. سأرسلك بيدي هاتين لتخدمي عماتك.. اغربي عن وجهي"
تحركت سريعا تغادر المكان.. بينما جلست نادية تفتح الظرف الذي تركه لها حماها وتبدأ بعد النقود.. فجلست شكرية بجوارها ثم لكزتها بذراعها وهي تقول: "أنت الأخرى كان عليك صون لسانك يا امرأة"
:"ما الخطأ الذي ارتكبته؟"
ردت بها وهي لا تزال تعد النقود.. فتنهدت شكرية بتعب قبل أن تقول: "يا امرأة برحمة والديك انتبهي للفتيات قليلا واتركي العمل ق...."
:"اترك العمل؟!"
تساءلت بصدمة ودهشة تقاطعها قبل أن تكمل: "أتريديني أن اخسر هذا أيضا.. لا والله لن يحدث!"
مطت شكرية شفتيها وهي تهمس: "لا فائدة.. لقد فقدت عقلك يا نادية"
ارتاحت بجلستها وهي تفرك وجنتيها بينما تكمل: "رحيل ذلك الفتى أفقدكم جميعاً صوابكم.."
-:"لا تأتي على ذكر ابن آمال عديم الأصل.. حمداً لله أنه غادرنا.."
قالتها بحدة وهي تضع الظرف بحقيبتها ثم تنهدت براحة وابتسامة رضا تجمدت ما أن ردت شكرية: "ثرثرتك التي لم يكن لها داعي ستعيده.."
التفتت تنظر لها وانعقد حاجبيها فابتسمت شكرية بسخرية وهي تكمل: "لم تخالين حماكِ أصر على معرفة موضوع امجد بحذافيره.."
شهقت نادية واتسعت عيناها بينما ضحكت شكرية وهي تنظر للفراغ وتهمس: "هو يعلم جيداً ما سيعيد عزيز عينيه.."
**

:"اذا كيف حال رمرم؟"
تناولت قطعة من الآيس كريم بينما تراقب الفتاتين السائرتين أمامها وترد: "بخير"
-:"وكيف حال والدة رمرم؟"
التفتت تنظر له وردت: "لدي حفلة قريبة"
:"آها"
رد بها فادي قبل أن تكمل: "السيد عنان أضافني للقائمة في حالة إصابة عازفة البيانو الرئيسية.. هذا يعد دوراً هاماً بنظره.."
ابتسم لها وقال: "ماذا عن عملك بالمدرسة؟"
هزت رأسها دون اكتراث وردت: "لا بأس به.. يمنحني مزيداً من الوقت للعزف.. أنت تعلم لو عملت بأي شيء آخر كنت سأفقد وقتا طويلا للتمرن"
-:"جيد.. لكنك للآن لم تردي على سؤالي"
عادت للنظر فسألها: "كيف حالك حقًا يا سبونج بوب؟"
ابتسمت له وردت: "أتعلم أخطئنا وقتها بمنحك لقب بسيط.. فأنت لست غبياً أبداً.."
رفع ياقة قميصه وهو يقول: "لا أحب الحديث عن نفسي كثيراً"
ضحكت على مظهره ولكن ما أن نظر لها بعينية الواسعتين لم تجد بداً من إخباره وهي بصراحة تود الحديث معه.. التفتت تتأكد من وجود الفتيات على مسافةٍ منها ثم تنفست بعمق وردت: "حسناً بعيداً عن حزني أني لم أعمل بالمكان الذي استحقه.. وأخذوا مكاني لأجل ابنة أحد الأساتذة.. وأني مضطرة للعمل بمدرسة بالرغم من أنها المهنة التي لم أتمنى يوماً امتهانها.. أنا كذلك تشاجرت مع الآنسة إسلام بآخر محادثة بيننا.. ولدي خاطب يحاصرني ويريد رداً عاجلاً"
التفتت تنظر له فوجدته يأكل المثلجات بتلذذ واستمتاع.. وعندها ضربته على ذراعه وهي تقول: "هاي يا لك من مزعج!"
ضحك بشدة ثم بدأ بالسعال فضحكت هي
:"ريم هل كل شيء بخير؟"
التفتت تنظر للفتاتين وتومئ لهما بصمت لتطمئنهما ثم استدارت له بينما يقول هو: "كل هذا لأني مستمتع بالطعام!"
-:"بل لأنك مزعج"
ابتسم لها بطريقته الدافئة ثم اقترب منها قائلا: "هل حاولت حل مشاكلك تلك؟"
انعقد حاجبيها فتحرك يجلس على سور البحر وهو يكمل: "بمعنى هل جربت إخبار السيد عنان برغبتك أن تثبتي نفسك بإحدى الحفلات الهامة؟"
هزت رأسها بنفي فأكمل: "هل حاولت الحديث مع إسلام دون شجار.. لتعرفي منها السبب بذاك التغير الذي طرأ على شخصيتها؟"
ابتلعت لعابها وردت: "هي دوما تستخف بي وتؤذيني بحديثها فادي"
:"لأنها تتهرب وحسب"
رد بها ثم أكمل: "تعلمين أن هذا ليس طبعها يا ريم.. بالتأكيد هناك شيء يزعجها.. وحاليا أنت الأقرب لها منا.. لذا عليك أن تعرفي ما بها"
ضحكت بسخرية وهي تهمس لنفسها: "لست الأقرب"
-:"حتى هو ليس قريبا لها مثلك"
نظرت له بعيون متسعة فابتسم يكمل: "دعك من هذا الآن.. بالنسبة لمشكلتك الأخيرة"
قفز عن السور واقترب منها وهو يردف: "هل فكرت بالزواج فعلا.. هل فكرت بذلك الرجل كزوج محتمل؟"
تنفست بحدة قبل أن تفتح فمها لكنه أكمل: "أم أن هناك شيء يمنعك من التفكير بالأمر.. أو شخصٌ ربما"
:"لا تقل كلاماً أحمقاً فادي!"
قالتها والتفتت تعقد ذراعيها بينما تكمل: "أنا بالتأكيد لا أفكر بأي شخص!"
-:"إذاً وافقي على منحه فرصة"
عادت تنظر له فاكمل بعملية: "أمجد رجل طيب وقد ساندك بالكثير من الأشياء.. امنحيه فرصة لإسعادك"
ابتسمت وهي تفكر بحديثه ثم نظرت له وهي تقول: "أتعلم لهذا أنت أعز أصدقائي يا بسيط.."
ابتسم لها وسأل:" لم أنا أعز أصدقائك يا سبونج بوب؟.."
ردت بعفوية: "لأنك الوحيد الذي يفهمني بهذا العالم.."
أطرق لثانية ثم أومأ لها قائلاً: "أنا كذلك.."
تحركت بعدها تقفز حول الفتاتين بطفولية وهي تقول: "لنتناول الغداء معاً.. ما رأيكم؟!.."
بينما كان هو يراقبها من بعيد بيدٍ مقبوضة وقلبٌ متألم غير مصدق أنه نطق بتلك الكلمات فعلاً..

**
بعد مرور ساعات
هامبورغ – ألمانيا
كالعادة هرب من حفلة الشركة السنوية إلى مكتبه يتطلع منه للخارج بملل.. كان عليه أن يهرب من تلك الحفلة.. ما المشكلة إن هرب المدير التنفيذي وصاحب فكرة تأسيس الشركة من احتفال التأسيس السنوي.. فرك مؤخرة عنقه ليحتك كفه بالقلادة التي لا يخلعها وتخيل صاحبتها تبتسم بشر وتمنحه الكثير من الأفكار ليهرب من تلك الحفلة.. هي الأخرى تكره الرسميات والتقيد..
نظر للبنايات الخرسانية أمامه وتخيلها بجواره الآن تضع كفها على عنقها وبالكاد تتنفس..
عاشقة البحر كالسمك إن أبعدتها عنه تختنق فوراً..
ابتسم عندها وهمس: "أنا واثق أنها تجلس الآن أمام البحر.."
:"علام تضحك؟.."
تنفس بعمق بينما تقدمت سيرين ابنة خاله منه وهي تكمل: "هذا أمرٌ نادر لذا لابد أن أعرف.."
:"لم أكن أضحك.. كنت أبتسم لسبب لا يعنيكِ.."
رد بها دون التفات وبعدها شعر أنه ربما قد أحرجها فالتفت ينظر لها ليجد وجهها قد شحب بالفعل ففكر بإخبارها أنه لم يقصد ثم تخلى عن الفكرة..
ابتسمت له بعد ثوانٍ ثم سألته: "ألن تنزل؟.. لقد بدأوا بالرقض فكرت أن تشاركني.."
هز رأسه ورد: "تعلمين أني لا أرقص.."
حركت كتفيها وهي تتنهد بنفاذ صبر ثم قالت: "لا أعلم ممن أحضرت تلك الأفكار كل أفراد عائلتنا منفتحين.."
-:"مني أنا بالطبع.."
اتسعت عيناه والتفت ينظر للدالف بجوار جده طاهر والذي التفت له يكمل بتشفي: "أرأيت يا طاهر مهما فعلت ستبقى الغلبة لي.."
*****

Continue Reading

You'll Also Like

177K 17.3K 16
تَبدأ حِكايتِنا بَين بِقاع اراضٍ يَسكنُها شَعبّ ذا اعدادٍ ضئيلَة ارضٌ تُحَكم مِن قِبل ثلاث قِوات و ثالِثُهم أقواهُم الولايات المُتحدَة | كوريا الجنوب...
11.5M 909K 70
صرت اهرول واباوع وراي شفت السيارة بدأت تستدير ناحيتي بمجرد ما يجي الضوء عليه انكشف أمامهم نجريت من ايدي وگعت على شخص ردت اصرخ سد حلگي حيل بعدها أجان...
1.2M 37.1K 29
the original story ........الرواية الأصلية 𝑩𝑬 𝑴𝑰𝑵𝑬 / 𝟐𝟐𝟎𝟏 عندما تقوم بيرلا بزيارة ألمانيا كرحلة للترفيه والمتعة تجد نفسها عالقة مع رجل...
155K 15.2K 48
من رحم الطفوله والصراعات خرجت امراءة غامضة هل سيوقفها الماضي الذي جعلها بهذة الشخصيه ام ستختار المستقبل المجهول؟ معا لنرى ماذا ينتضرنا في رواية...