رسالة من فتاة مجنونة

By Reem-Elhosiny

7.1K 485 72

العالم بيننا..والزمان لم يكن أبدًا حليفنا.. فلا عتاب ولا رجاء سيمنع قدرنا.. لذا لا تراجعي ولا تمنعيني.. وب... More

رسالة من فتاة مجنونة-المقدمة
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الأول
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الثاني
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الثالث
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الرابع
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الخامس
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل السادس
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل السابع
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الثامن
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل التاسع
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل العاشر
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الحادي عشر
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الثاني عشر
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الثالث عشر
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الرابع عشر
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الخامس عشر
رسالة من فتاة مجنونة الفصل السادس عشر
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل السابع عشر
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل التاسع عشر
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل العشرون
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الحادي والعشرون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الثاني والعشرين
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الثالث والعشرون
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الرابع والعشرون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الخامس والعشرون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل السادس والعشرون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل السابع والعشرون
رسالة من فتاة مجنونة الفصل الثامن والعشرون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل التاسع والعشرون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الحادي والثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الثاني والثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الثالث والثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الرابع والثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الخامس والثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل السادس والثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل السابع والثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الثامن والثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل التاسع والثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الأربعون
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الحادي والأربعون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الثاني والأربعون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الثالث والأربعون

رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الثامن عشر

100 12 0
By Reem-Elhosiny

~الرسالة السادسة~
لم اللحظات الجميلة بتلك الأعمار القصيرة؟!..
وبرغم قسوة رحيلها إلا أنها تترك ذكرى جميلة..
وبجانب تلك الذكرى قد تُكسبك أيضاً صديقاً أصيلاً..
***
~الرسالة السابعة~
بعيونك الراحة..
بصوتك الطمئنينة..
فلا تنبذيني ولا تقطعي الطريقَ..
وحتى إن فعلتِ فلا سبيلَ..
لابتعادي عنكِ ولا رحيلَ..
*****
هبطت إسلام درج بنايتها وتحركت للشارع الرئيسي.. تنوي استقلال سيارة أجرة لبيت ساندي.. فقد هربت من أسلم وكلماته اللاذعة.. بعد معرفته بسفرتها الجديدة للبحر الأحمر مع أصدقائها.. لذا قررت التطفل على ساندي وربما أخذها للسير بأي مكان فريم منشغلة اليوم ولديها درس إضافي للتمرين على احتفال جديد.. فكرت قليلا ثم نظرت للساعة ووجدت الوقت لازال باكراً وربما تكون ساندي نائمة مثلاً.. لذا قررت السير وحدها قليلا.. كانت تنظر للأرض وعقلها يؤلمها من فرط التفكير.. هي وأسلم لم يتوقفا عن الشجار منذ عودتها من سفرة أسوان.. حتى والدها خلال إجازته كان صامتاً وهادئاً ولم يحاول التدخل بشجاراتهم.. لم يقف مع أي منهما فقط جدتها هي التي حاولت مساعدتها.. حتى أنها هي من تركتها تخرج اليوم بعد شجار صباحي أصبح معتاداً.. مطت شفتيها وضربت إحدى الحصى أسفل قدميها بعنف وهي تهمس بحنق: "ستكون أجازة من الجحيم!"
همستها وهي تعنيها حرفياً.. فمعلمتها للجمباز سافرت بإجازة لزوجها.. ووالدها رفض أن تأخذ دروساً مؤقتة مع أحد معلمي النادي.. والأستاذة نغم لديها أكثر من حفلة.. بالإضافة لأجازتها التي ستبدأ بعد حفلة ريم.. مما يعني أنه لا دروس موسيقى كذلك.. وقريباً ستسلم مشروعها مع أصدقائها.. ومجدداً هذا يعني أنه لا يوجد لقاءات مع أصدقائها.. وعذرها الوحيد للخروج بعض الوقت والابتعاد عن أسلم سيختفي.. عادت لضرب حجرٍ آخر لكن بعنفٍ أكبر وهي تلعن بسخط...
: "تتحدثين مع نفسك.. يا لك من مجنونة!"
شهقت والتفتت لأحد مصادر انشغال عقلها خلال الفترة الماضية.. وفوراً عاد ببالها ما حدث خلال الرحلة...
&&
لم تعلم ما الذي أصابها عليها أن تدفعه الآن لكنها لا تقدر.. شيء ما يدفعها ألا تفعل.. ما كان عليها من البداية إقحام أنفها بما لا يعنيها.. فما الذي يغضبها برؤيته مع تلك الشقراء الغبية.. شعرت بالغضب يتزايد بداخلها وهتفت بداخلها: "من قال أن رؤيته مع تلك الشقراء الغبية لا يعنيها؟!"
تملكها الغيظ مع طرح ذلك السؤال ووجدت نفسها تندفع لتواجهه وهي ترد: "لن أواعدك أبداً!"
ابتسم بسخرية وكاد يرد.. لكنها سبقته بأن أكملت بخطورة: "وهذا لمصلحتك.. فإن واعدتك ورأيتك يوماً مع فتاة غيري سأقتلك!"
ارتفع حاجباه وشعرت أن الصدمة احتلته لثوانٍ.. قبل أن يقترب منها أكثر قائلا: "إحداهن تغار"
اقترب منها أكثر وشعرت أنها ستموت.. وهي لا تعلم كيف تتصرف أو بماذا يجب أن تفكر بينما تراه على وشك تقبيلها.. ومجدداً هتفت بداخلها: "لماذا أشعر بتلك السعادة الغريبة بحق الله؟!"
-:"هيثم.. إسلام.. أين أنتما؟"
ابتعد عنها فوراً مع سماعه ذلك النداء والذي كان بصوت فادي.. تمالكت نفسها وتحركت بين الأعمدة بسرعة تبحث عنه.. وما أن وصلت له قالت: "حمداً لله"
لقد أنقذها فادي ولولا أنها خافت من عاقبة فعلها كانت لتحتضنه.
-:"أين كنتما؟"
تجمدت مكانها ولم تعلم كيف من المفترض أن ترد.. لكن أتى الرد من هيثم خلفها: "كنا نبحث عنكم"
وقف خلفها مباشرة.. فحبست أنفاسها بينما تشعر بجسده قريباً جداً منها.. وحرارة غريبة تجتاحها مع رجفة على طول عمودها الفقري بينما تلفحها أنفاسه وهو يكمل: "لقد تهنا وكنا نبحث عنكم"
ركزت نظراتها على فادي الذي ابتسم لهما ورد: "لنعد لريم والمجموعة فهم بالتأكيد قلقون"
تحركت تسير بجوار فادي وهي تشعر بذنبٍ كبير.. ما كان عليها التهاون معه من البداية.. ومن قبلها لم يكن من اللائق أن تتدخل.. فلا دخل لها بحياته الشخصية ولا يحق لها التسبب بمتاعب لهيثم.. فردة فعل ذلك الرجل لم تكن متوقعة وقد كان من الممكن أن يتشاجر معه ويسبب له الأذى.
-:"أنتِ بخير؟"
وصلتها تلك الهمسة من فادي.. وشعرت بالخجل والخوف يتملكانها أكثر.. وبطرف عينيها لاحظت أن هيثم يسير بعيدا عنهما.. وقد بدا منشغلا بالنظر للأرض.. فتمالكت نفسها وهمست: "أنا بخير فادي"
ثم التفتت له وابتسمت وهي تكمل: "شكراً لك"
&&
-:"لم لا تردي؟.."
أفاقت على سؤاله ثم تلفتت حولها بخوف.. كانت قد ابتعدت عن البيت لكن هذا لا يمنع رؤيتها من أي شخص وعندها ستكون بورطة فوالدها وجدتها حددا لها الأماكن التي يمكن أن تلتقي بها أفراد مجموعتها من الصبيان وهذا يكون بشرط وجود صديقتيها ساندي وريم معها.. عادت تنظر له وهي تنتوي صرفه حتى لا يسبب لها المشاكل.. لكن عقلها توقف لثوانٍ قبل أن تسأله: "لم أنت هنا؟"
وضع يديه بجيبي سرواله وهو يطالعها بابتسامة خبيثة ويرد: "أتيت لرؤيتك"
شعرت بالتسلية التي تصدر عنه.. فقررت تجاهله والتفتت وهي ترد: "وها قد فعلت.. الآن أراك لاحقاً"
لكن ما كادت تتحرك خطوتين إلا ووجدته يسحبها من يدها وقبل أن تسأل دفعها للمقعد المجاور للسائق ثم أغلق الباب ما أن جلست.. وبعدها التف حول السيارة واندفع بها مغادرا.

**
كانت تعزف اللحن والصورة أمامها أصبحت أوضح وأشمل.. شاطئ واسع رماله صفراء بمياهه الفيروزية الساحرة.. وأمامه فتاة جميلة ترتدي ثوبا واسعاً لطيفاً.. بشعرٍ أسود قصير وعيون ذهبية بدأت التحرك على الإيقاع بانتظام وسلاسة.. فقد كانت تتمرن على اللحن طيلة الفترة الماضية منذ أسمعها مؤمن اللحن خلال الرحلة.
&&
:"هذه هي!"
هتفت بها بينما تستمع للموسيقى.. وتتذكر أنها ذات المعزوفة التي أدتها نغم أمامهم بدرسها الأخير معهم قبل سفرها.. التفتت تنظر لمؤمن وهي تسأله: "كيف عرفت أنها هي؟"
ابتسم بينما يدون بدفتره ورد: "حزرتها ما أن أخبرتني باسم الفيلم الذي أخبرتكم به نغم"
عادت تنظر أمامها ثم أغمضت عينيها وهي تتخيل اللحن يعزف.. وهناك فتاة جديدة ترقص بطريقة غير منتظمة وهذه المرة غاب الحقل.. كان هناك شاطئ جميل مياهه ساحرة يتعالى صوتها مع كل خطوة لراقصتها الساحرة.. كانت تفكر باسم مناسب لفتاتها الجديدة.. لكنها قررت إرجاء هذا لوقت لاحق ثم التفتت له وسألته: "هل هو من أحد أفلام الأنمي حقا؟"
أومأ لها ورد: "سنشاهده معاً ما أن نعود للبيت"
التفت لها وتأملها قليلا فشعرت بخجلٍ يتملكها قبل أن تسأله: "ماذا؟!"
فتح فمه ليرد لكن أتى نداء من خلفهما أجبره على الصمت...
:"ريم"
التفتا لساندي التي اقتربت وهي تسأل: "هل رأيتما إسلام وهيثم.. لقد اختفيا فجأة"
تلفتت ريم حولها وقد أدركت أنهم مختفين بالفعل ثم ردت: "فادي أيضا قد اختفى!"
&&
حاولت السيطرة على غيظها من ساندي.. فمن بين كل اللحظات التي كان من الممكن أن تقاطعها.. لم تجد سوى تلك اللحظة التي كانت تشعر بها.. أغمضت عينيها ولثوانٍ تناست كل شيء.. وتذكرت فقط تلك اللحظة التي كان ينظر لها بعمق وابتسامة عذبة نادرة.. لقد شعرت أنها الفتاة الوحيدة بالعالم التي قد ينظر لها مؤمن بتلك الطريقة.. وقد ملأها هذا بالسعادة حتى وإن كان مجرد خيال يحتل عقلها.. عادت تنظر للمفاتيح محاولة إلقاء تلك المشاعر جانباً.. فهي للآن تبلي حسناً ولا تضغط على المفاتيح بعنف.. كما أنها كانت تحفظ اللحن الآن عن ظهر قلب.. فقد استغلت البيانو الصغير الموجود ببيتها لتتمكن من إتقانه.. مع هذا شعرت أن شيئاً ما ينقص لوحتها كما ينقص عزفها.. وقد كان هذا يزيد غيظها ويضاعف مجهودها بالتركيز والسيطرة على غضبها.
انتهت بعد فترة والتفتت لنغم.. كانت منار لديها اختبارات لذا لم تكن ستحضر التمرينات لفترة.. وكان عليها تحمل عصبية نغم وحدها.. لكن وللغرابة كانت نغم تتعامل معها برفق منذ عادت من تلك الرحلة.. تحتد عليها عند الخطأ فقط.. وقد أجبرها هذا على استبعاد فكرة أنها تتملقها لأجل تلك الحفلة التي فاجأتها بها.. فعدا عن كون هذا ليس من طبيعتها.. إلا أنها توجهها وتعيرها اهتماما غريبا.
:"ما الأمر؟"
عادت لأرض الواقع وابتسمت لها وهي تنوي إخبارها لا شيء.. لكن ما أن تلاقت عينيهما تجهمت وتنهدت ترد: "لا أعلم.. ألا تشعرين بشيء ناقص في اللحن؟"
:"أجده جيد"
ردت بها ثم نهضت تقترب منها وهي تكمل: "لقد عزفت اللحن بطريقة صحيحة.. ولم تضغطي على المفاتيح بعنف كعادتك.. لذا فاللحن جيد بالنسبة لي"
أطرقت ريم تطالع المفاتيح بصمت وهي تقول: "لم إذاً أشعر أنه ينقصه شيء ما؟"
تفاجأت بها تنحني فوقها وتشير لها بإصبعها وهي ترد: "ما ينقصه شيء بداخلك لذا ابحثي عنه بنفسك"
عندها ابتسمت بصدق وأومأت قائلة: "سأفعل أستاذة"
استقامت نغم وردت: "جيد.. الآن اذهبي فلديك مشروع تعملين عليه"
نهضت بالفعل وتوجهت لحقيبتها وعلقتها على كتفها.. طالعت الفراغ لثانية ثم تنفست بعمق لتشجع نفسها والتفتت تنظر لها.. كانت تجلس بهدوء على البيانو وتولي النوتة كل اهتمامها.
ما مدى صعوبة قول كلمة شكراً.. تعرف الكثيرين بحياتها يصعب عليهم قولها وأولهم السيد شفيق.. فهو أول من عرفتهم بحياتها من المغرورين.. كادت تبتسم وهي تتذكر جلسته على الدرج.. وأنفه المدفون بكتاب الرياضيات وهو يقول ببرود: "أنا لا أطلب شيئاً من أحد لأشكر.. ولا أرتكب خطأ بحق أحد دون داعي لأعتذر يا سبونج بوب"
: "ما الأمر؟"
مجددا تشتت انتباهها.. هزت رأسها بعنف ثم عادت تنظر لها.. كانت لا تزال على جلستها.. ظهر مستقيم.. ساقان متعاقدتان بطريقة ملوكية.. وشعرها لا توجد أي شعرة صغيرة منه خارج عقدتها.. لو كان للأميرة ديانا ابنة ستكون أستاذتها نغم بالتأكيد.. باستثناء أنها لا تبتسم مثلها.
ضربت رأسها بحدة لتتوقف عن ذلك التيه الذي يصيبها ثم ابتسمت تقول: "أنا لا أذكر أني شكرتك من قبل آنسة نغم"
-:"لا لم تفعلي"
ردت بها ثم التفتت تنظر لها باتهام قبل أن تكمل: "وهذا يعني أن علي تعليمك أصول التهذيب أيضاً"
شعرت بالحرج والغيظ كذلك لكنها آثرت الصمت.. فقد كان عليها شكرها لكل ما فعلته.. صحيح أنها حاولت خداع نفسها لفترة بكونها لم ترغب بأيٍ من هذا.. لكن مع مرور الأيام وتملك السعادة منها مع كل لحظة تمضيها على البيانو.. ورؤية السعادة بعيون والدتها مع إخبارها بتفاصيل دروسها.. مع كل هذا كانت تتأكد أنها تمنت خوض تلك التمارين.
-:"هذا أول درس تتعلميه مني في التهذيب"
نظرت لنغم باستغراب فأكملت: "لا يجب أن تجادلي ما دمتِ مخطئة يا ريم"
التفتت بعدها تتحسس المفاتيح وهي تردف: "هيا الآن لديك عمل تنجزيه لتتفرغي للمزيد من الموسيقى"
أومأت وتحركت بالفعل.. وقبل أن تغادر قاعة الرقص تذكرت شيئا فعادت تنظر للمرآة الكبيرة.. وهي تحمد الله أن المكان يكون خاليا في الصباح.. وبدأت بتصفيف شعرها بيدها وهي تثني على نفسها أنها اختارت عقده بجديلة تتدلى على قميصها الأزرق وسروالها الجينز الفاتح مع حذاءٍ خفيف.. ثم أخرجت ملمع الشفاه ووضعته سريعاً.. ألقت على نفسها نظرة سريعة قبل أن تلتفت لتغادر.. وعندها وجدت السيدة فادية.. فشعرت بحرج كبير ثم قررت أن تهرب من أمامها.
:"أراكِ لاحقا سيدة فادية"
قالتها وهي تغادر بينما سمعتها ترد: "أراكِ بخير عزيزتي"
***
هبطت الدرج فوجدته جالسا على سلالم المدخل..
-:"هل تأخرت؟"
وصلت له فوجدته يمسك كتاباً فاتسعت عينيها وهي تطالعه بصدمة بينما هو نهض يرد: "لا لقد وصلت قبل دقائق"
-:"هل هذا كتاب؟"
قالتها وهي تشير لما بيده بينما هو أومأ بهدوء.. فهزت رأسها وهي تكمل: "لا أعلم لم قد أتفاجأ!"
-:"إنه كتاب الهندسة من العام الجديد"
قالها وهو يتحرك فتحركت لتسير بجواره بينما ترد: "حقا؟!"
-:"أحتاجه لأجل المجسمات التي أصنعها للمشروع"
توقعت شيئاً كهذا.. لكنها أرادته أن يهتم بقميصها الجديد بتلك اللحظة.. لكن ما كانت لتظهر حنقا أمامه بسبب هذا.
-:"لا زلتِ ترتدينها؟"
التفتت له باستغراب فوجدت أنظاره موجهة للقلادة التي أهداها لها فردت: "لقد وعدتك ألا أخلعها"
ابتسم بذات الطريقة العذبة ثم أطرق لثانية.. وقبل أن تنتوي إظهار حنقها هذه المرة لعدم رده سحبها من كفها قائلا: "لنأكل مثلجات"
:"ألن نلتقي بساندي والبقية؟"
سألته فسحبها ليركضا وهو يرد: "سنلتقيهم في النهاية.. لذا انسيهم لبعض الوقت"
ابتسمت وتبعته بهدوء وقد قررت أن تستمع له.
****
وضعت فادية فنجان القهوة أمامها بينما تقول: "أنا سأكافئ هذه الفتاة"
-: "لن أسأل لماذا.. فقط سأعترض على مكافأتها.. أنا من يجب أن تكافأ فأنا من تعلمها"
-:"سأكافئكِ وأكافئها"
:"لماذا؟!"
سألتها بحنق ثم نهضت بينما فادية تضحك بشدة وتقترب منها احتست نغم القليل من القهوة ثم ابتسمت وهي تهمس: "لقد كافأتني بالفعل بذلك الفنجان"
نظرت لفادية التي كانت تبتسم بهدوء وقد امتلأت عينيها بالدموع.. فلم تتحمل وتحركت نحو الشرفة وهي تكمل: "عليك أن تكوني أسعد مني بوجودها"
-:"أنا سعيدة بالفعل عزيزتي"
قالتها باختناق وسمعت تنفسها العميق.. قبل أن تلتفت وتتحرك نحوها وهي تسألها: "متى ستسافرين؟"
-:"بعد حفل الأكاديمية البحرية"
قالتها ثم احتست بعض القهوة قبل أن تكمل: "لن أغيب سوى لأسبوع لذا سأمنحها أجازة وحسب.. لا داعي لإخبارها شيء"
التفتت لها وتملكها البرود وهي تكمل: "مفهوم فادية؟"
أومأت لها بصمت فابتسمت.. وتذكرت حديثها مع ريم وتنهدت تقول: "أنا أيضاً أدين لك بشكر فادية"
:"لا.. لست مدينة لي بأي شيء"
ردت بها بينما تلتفت وتغادر.. فضحكت بخفة ثم تحركت تستند على سور الشرفة لتتسع ابتسامتها.. وهي ترى ريم يسحبها ذلك الفتى الذي أخبرتها أنه جارها وصديقها منذ الصغر.. ولسبب ما شعرت بالسعادة لهذا المنظر..
****
توقفت السيارة أخيراً بينما هي تنهج بشدة وهي تنظر للبحر أمامها.. لقد خالت أنها ستموت بلحظة ما أثناء قيادته.. التفتت له وكل أطرافها حرفيا ترتجف.. لكن ما أن رأت تلك الابتسامة السخيفة التي تحتل وجهه هتفت: "أيها الغبي الأحمق هل تريد قتلي؟!"
انفجر ضاحكاً فضربته بعنف على ذراعه.. قبل أن تلتفت وتحاول فتح الباب لتهبط.. لكنه سحبها وأعادها لتنظر له وهو يواجهها بعينيه اللامعتين.. ثم ابتسم بخبث قائلا: "ظننتك لا تخافين شيئا"
:"أتركني في الحال هيثم!"
همستها بغضب لكنه لم يتراجع ورد: "لن أتركك إلا إن وافقت أن نتواعد"
:"لن أوافق!"
قالتها بحدة ثم هتفت تكمل: "كيف تجرني معك إلى هنا.. ألا تعلم ما سيصيبني إن رآني أي أحد.. كما أنك لا تملك رخصة قيادة بالتأكيد.. ألا تخاف أن يتم إيقافنا؟!"
: "أنا هيثم السندي.. لا يمكن لأحد إيقافي"
قالها وهو يحرك كفيه نحو كتفيها ويضغط عليهما وهو يكمل: "وأنا لن أتركك قبل أن توافقي على مواعدتي"
كان يقترب منها كما كان يحدث في ذلك اليوم.. وعندها أرغمت نفسها على الخروج عن حرجها وخوفها.. وأرجعت رأسها للخلف ثم ضربته بقوة على جبينه.. وبينما هو يتأوه شعرت بانتصار خاصة مع نظره لها بغضب.. تجنبت الاهتمام بالجزء المرتعب منها ونظرت له بصرامة وهي ترد: "الآن قُد تلك السيارة ولنذهب للمقهى.. أو اتركني أغادر هيثم!"
مسد جبهته ثم نظر لساعته قبل أن يقول: "حسنا لكن لن استسلم بهذه البساطة سولي"
التفت بعدها يدير المحرك بينما هي تحاول كبح ابتسامتها.. لكنها لاحظت شيئا فالتفتت تنظر له.. تأملته لثوانٍ وما أن التفت بغرض النظر للطريق خلفه لاحظ نظرتها فسألها: "ماذا؟"
كانت تطالعه بطريقة غريبة قبل أن ترد بهدوء: "تبدو غاضباً"
بقي صامتا فأكملت: "منذ أيام كان الاستياء يظهر على ملامحك بوضوح.. لكنك اليوم غاضب"
تهدل كتفاه والتفت ينظر أمامه.. ثم ابتسم بسخرية وهو يخرج علبة سجائره هامسا: "أنا دائماً غاضب"
كاد يخرج سيجارة ويشعلها لكن العلبة والقداحة سحبتا من يده.. وما أن نظر لها وجدها تخفيهم في الدرج أمامها.. ثم التفتت له وهي ترد بهدوء: "لن تشعل سجائر معي هيثم.. لأنها أولا تتعبني وتؤذي صدري.. ثانيا هي تؤذيك وصحتك أمر عليك أن تهتم به.. ثالثا وهو الأهم..."
صمتت تلتقط نفسا هادئا قبل أن تكمل: "هي لن تحل مشاكلك.. ولن تنفس عن غضبك"
ضحك بخفوت قبل أن يقول: "أنا أحياناً أشعر أنك بشخصيتين إسلام"
: "أنا كذلك بالفعل"
ردت سريعا قبل أن تكمل: "هذا ما تقوله جدتي على الأقل.. إحداهما تميل لشخصيتها الحازمة.. والأخرى تميل لشخصية أمي الهادئة"
تنفست بعمق وأشارت للمفتاح وهي تردف: "والآن لم لا تدر المحرك وتخبرني عن سبب غضبك"
مد يده يدير المحرك وهو يقول: "بدأت اليوم العمل بشركة والدي.. وشقيقي المثالي أرسلني في يومي الأول للعمل في أحد المواقع"
نظر لها فوجدها تظهر وجها آسفا.. ثم ألقت نظرة سريعة على ثيابه قبل أن ترد: "هذا يفسر ثيابك المغبرة"
-: "فضلت عدم العودة للبيت وتبديلها"
"حتى لا أقابل شخصا قد أتشاجر معه"
كانت واثقة أن هذه تتمة الجملة وقد قرأتها بوضوح.. وبدأت بالتفكير بطريقة لإخراجه من حالته تلك...
: "لكنكِ فاجأتني!"
عادت تنظر له فأكمل: "كونكِ تعرفين مدى صعوبة التعامل مع عمال البناء في مواقع الإنشاء"
ابتسمت وردت: "هذا لأن جدتي كانت مهندسة معمارية"
نظر لها بانشداه لثوانٍ فهتفت: "ركز على الطريق هيثم.. هل أنت مصر على قتلنا؟!"
عاد ينظر للطريق ثم تنحنح يسألها: "كم عمر جدتك؟"
-: "قاربت على إتمام الستين"
بعد ردها نظر لها بصدمة أكبر فضحكت وهي ترد: "سأجعلك تستمع لحكاياتها بهذا الشأن يوما ما.. لكن سأخبرك مقتطف عنها.. جدتي لم تكن الفتاة الوحيدة في دفعة الهندسة المعمارية وحسب.. بل كانت الفتاة الوحيدة في دفعة هندسة لثلاث سنواتٍ متتالية"
***

: "لِم تأخر أولئك الحمقى؟!"
همست بها ساندي بينما تنظر نحو الطريق.. وهي لا تفهم السبب بتأخرهم للآن.. تنهدت والتفتت تنظر لأكمل.. الذي كان على غير العادة صامتا بشكل مريب استغربته.. لكنها لم تعلق وسألته: "ألم يخبرك هيثم إن كان سيتأخر؟"
: "لا.. نحن لا نتحدث هذه الأيام"

رد بها ثم أكمل بسخرية: "هو مشغول بالتسكع مع المتعجرف"
ارتفع حاجبيها ثم قاومت تلك الضحكة الهازئة بصعوبة.. ولسبب ما قررت أن تتغاضى عن كونه متنمر وغبي.. وفي كثير من الأحيان هي تكرهه.. ثم تنهدت تقول: "ربما عليك التسكع معهم أنت الآخر"
التفت لها فأكملت: "أعني أنتم أصدقاء"
: "أنا وذاك الأحمق لا يمكن أن نكون أصدقاء"
رد بها بسخرية.. فلم تستسلم وضاقت عينيها بينما تسأله: "هل هو أحمق أم متعجرف"
-: "هو الاثنين"
: "كاذب"
ردت بها ثم تنهدت تكمل: "مؤمن ليس أيا منهما أكمل.. وأنت تعلم هذا"
-: "أنت الأخرى ستبدئين بامتداحه.. ما الأمر أأنت معجبة؟"
كانت تعلم أن جملته الأخيرة ليست سوى ليفقدها أعصابها.. لتستسلم وتبدأ شجارا معتادا معه.. لكنها قررت أنها لن تنقاد خلفه وردت: "لا لست معجبة به سوى كزميلٍ مجتهد رغم ظروفه الصعبة.. كما أنت لست معجبا بريم"
مط شفتيه وهو يطالعها دون رد ففهمت أنه لا يملك ما يقوله.. وهاتف أخبرها أنه صدق على كلامها بداخله دون تصريح.. وعندها ابتسمت وأكملت: "لا تخسر أصدقائك بسبب تخيلاتك أكمل.. مؤمن قد لا يصرح بمشاعره لأي أحد.. لكن ما كان سيساعدك إن لم يكن يعتبرك صديقا له"
ارتاح بمقعده ثم تنهد والتفت لها بابتسامة وهو يقول: "أنا دوما أتساءل لم لا تخافين مني أو من أي أحد؟"
ارتاحت هي الأخرى واضعة ساقا فوق الأخرى بينما ترد بغرور: "ولم سأفعل.. لدي قوتي ولساني ليبعدا أذى أي شخص.. كما أبعد أذاك عني"
صمت قابلها فتنحنح قائلا: "أنا لم أقصد أبدا أن أتنمر عليك أنا فقط أمزح.. لقد كنا معا منذ الصغر وقد اعتدت على هذا"
ابتسمت وردت بذات الغرور: "وأنا اعتدت على توبيخك.. إذاً فنحن متعادلين"
بقيا يطالعان بعضهما لثوانٍ وقد أصابها هذا بتوتر لا تفهم مصدره.. وقد تعطل رأسها فجأة عن التفكير بأي شيء عدا السبب الذي يدفعه للنظر لها بتلك الطريقة.

: "ها أنتما"
أتى منقذها!
هذا ما فكرت به وهي تلتفت لفادي لترد: "لم تأخرت أيها الغبي؟!"
سحب مقعدا وجلس أمامهم وهو يرد: "بعضنا لا يملك سيارة.. ويضطر لركوب المواصلات يا آنسة"
تلفت للمقهى من حوله بينما يكمل: "لم جلستما بالداخل؟"
: "الجو حار"
ردا معا بذات الصوت.. فمط شفتيه وهو يومئ بصمت قبل أن يسألهما: "وأين الجميع؟"
: "لم يحضروا وسألكم وجوههم واحدا تلو الآخر بسبب هذا!"
قالتها بغضب وهي تضرب قبضتها براحة يدها.. وعندها ظهرت ريم ومؤمن أخيرا يسيران نحوهم.. وما أن وصلا سحبا المقاعد ليجلسا.. ثم تنفست ريم بعمق تلتقط أنفاسها وهي تقول: "آسفة على التأخير.. لقد استغرقت وقتا أطول بالدرس"
استقامت وهي تتنفس بعمق ثم ابتسمت تكمل: "لكن لدي خبر جيد.. لقد وجدت المعزوفة الملائمة لعرض المشروع"
: "حقا؟!"
ابتسمت لهم جميعا بذات اللحظة التي دخلت إسلام بها ومعها هيثم.. لثانية نظرت كلا من ريم وساندي لها بريبة.. ثم تداركت ريم الموقف وقالت: "أجل.. إنها ذات المعزوفة التي أتدرب عليها لحفلة الأكاديمية البحرية.. أظنها ستكون ملائمة لموضوع العرض"
: "عن ماذا تتحدثون؟"
سألت إسلام ما أن جلست فرد مؤمن: "لنناقش أولا المتبقي من مهماتنا.. فلم نعد نملك متسعا من الوقت.. هناك شهرٌ واحد قبل موعد التسليم.. ومن ضمنه أسبوع سنكون جميعا بالبحر الأحمر.. لذا المتبقي ثلاثة أسابيع"
من بعدها أخرجت ساندي دفترها وبدؤوا بالنقاش.

**
بعدها بعدة ساعات
: "لا أفهم لم أنتم قادمون معي للبيت؟"
سأل مؤمن ببرود فرد هيثم: "أنا ليس ما أفعله.. فقررت المجيء لرؤية ذلك السطح المميز الذي لا تتوقف ريم عن الحديث عنه"
مط مؤمن شفتيه لكنه لم يرد.. والتفت لفادي وأكمل الذي نظر له ورد: "ماذا؟.. وأنا كذلك ليس لدي ما أفعله.. ولا أريد العودة للبيت الآن"
: "أنا جائع بصراحة"
نظروا جميعا لفادي الذي أكمل بمنتهى الهدوء: "أكره الأكل وحدي.. وأبي سيبقى بالعمل لوقتٍ متأخر.. والفتيات غادرن للتسكع والحديث بأمور البنات.. لذا لا أحد غيركم ليأكل معي"
وصلوا للمنزل وما أن عبروا البوابة التفت لهم مؤمن قائلا: "حسنا اصعدوا للسطح.. وأنا سأحضر شيئا وأتبعكم.."
ثم رفع اصبعا بوجههم وأكمل بتحذير: "ولا تثيروا ضجيجا خالتي سامية والأستاذة شكرية يكرهون الصوت العالي.."
مع سماعهم لكلمة الأستاذة تجمدت ملامحهم وأومأوا بصمت فالتفت يصعد الدرج.. وقبل أن يصل لباب الشقة وجده يفتح وعلياء تخرج وتعثرت فأمسكها وهو يقول: "على مهلك ما الذي..."
-: "مؤمن غادر حالا!"
انعقد حاجبيه ولكنه لاحظ التوتر بملامحها.. وقبل أن يسألها وجد نفسه يسحب بعنف ثم صفعة قوية تهبط على وجهه.. شعر بصفير مزعج يصم أذنيه وطعم الدماء المالح يملأ فمه.
: "يا إلهي.. توقف أبي!"
كان هذا الهتاف من علياء التي حاولت سحب والدها.. لكن والدتها سحبتها وهي تهتف: "علياء اخرسي ولا تتدخلي!"
رآها تسحب نفسها وتصعد الدرج.. بينما هو ألغى من باله الاهتمام بالواقفين خلفه.. ألغى أنهم سيرونه يهان ويضرب.. فلا شيء سيوقف ذلك الرجل.. ولابد أنه الآن يفكر بما سيفعله به تاليا.. هو لا يهتم.. بأي شخص وبأي شيء هو لا يهتم!
نظر لعينيه فرأى الغضب يحتلهما وهو يقول: "ألم أخبرك أن تتوقف عن الاتصال بذلك العجوز؟!"
كان يعلم أنه يتحدث عن جده.. فابتسم وعلم تماما من قد أخبرته باتصاله.. وكان متأكدا دون نظر أنها تبتسم الآن بتشفي.. لذا ابتسم بسخرية ورد: "وأنا أخبرتك أني سأتوقف عندما أموت.. ردي كان واضحا.. لكن يبدو أنه صعب الفهم بالنسبة لك"
: "يا لك من حقير!"
هتف بها وهو يضربه على وجهه مجددا لعدة مرات ثم أكمل: "تماما كتلك الحقيرة التي أنجبتك!"
لم يشعر بنفسه إلا وهو يدفعه ليتعثر وقد كاد يسقط.. ثم نظر له بغضب وهو يرد: "لا تأتي على ذكرها.. لا حقير هنا سواك!"
وعندها لم يعلم ما حدث.. فبلحظة كان واقفا.. وبلحظة شعر بذراعيه تدفعانه ووجد نفسه ملقا أرضا أسفل السلالم بألم كبير بظهره.
: "أقسم بقتلك أيها..."
هتف بها وهو يقترب منه.. لكن فجأة وجد أكمل يقف أمامه وهو يرد: "إن اقتربت أقسم لن يعجبك ما ستتلقاه.. هل فقدت عقلك يا هذا؟!"
كان هذا ما ينقصه.. شعر بالغيظ يتملكه.. فتحرك ليصبح مستلقيا على بطنه وحاول النهوض.. ثم شعر بكفٍ على كتفه وصوت هيثم يسأله: "مؤمن أنت بخير؟!"
-: "يا إلهي لنطلب الإسعاف ربما كسر ظهره!"
كان الدرج عاليا بالفعل.. وبالتأكيد أصيب بكدمات لكنه لم يكسر...
-: "ابتعد عن طريقي يا فتى من أنت؟!"
-: "قلت لا.. ومجددا تراجع وإلا..."
: "أكمل محسن علوان!"
كان هذا الهتاف من الأستاذة شكرية وهو لم يعد يتحمل كل هذا.. وعندها دفع كف هيثم ونهض متحاملا على ألمه.. ثم غادر المنزل للشارع.. ومنه تحرك سريعا دون التفات للنداءات من خلفه!
***
: "علينا أن نتبعه!"
قالتها علياء وهي تهبط الدرج.. فالتفتت لها خالتها وبنظرة واحدة أجبرتها على الوقوف بمكانها.. بينما التفتت لأكمل الذي ابتلع لعابه بخوف.. فاقتربت منه أكثر وهي تقول بخطورة: "منذ متى تتحدث للأكبر منك بتلك الطريقة يا فتى؟"
ابتلع لعابه مجددا قبل أن يرد: "لم أقصد.. لكن... لقد دفعه وأسقطه عن الدرج.. كان من الممكن أن يكسر ظهره.. ولم يكتفي بهذا كان على وشك ضربه مجددا!"
ابتسمت له بهدوء وأومأت تقول: "شكرا لموقفك الشجاع أكمل"
ثم اختفت الابتسامة وهي تكمل: "والآن غادروا جميعا لبيوتكم"
***
راقبت علياء الفتيان الثلاثة يغادرون.. ولكنها رأت ارتجاف جسد خالتها علامة غضبها فهمست: "يا ويلي!"
ثم التفتت لتنادي خالتها سامية هذه المرة.. لكنها وجدتها أمامها تسألها: "ما هذه الأصوات علياء؟"
وقبل أن تفتح فمها أتى الهتاف من خلفها: "أقسم بالله أن أحيل أيامك جحيما يا زكريا.. ألم أخبرك ألا تضرب الفتى أيها المخبول الأحمق؟!"
****
: "ذلك الرجل مجنون بالتأكيد!"
قالها أكمل بينما يسير بينهما ثم أردف: "أعني حتى بوجود خلاف مع ابنه.. لا يجب أن يضربه أمامنا.. ناهيك عن دفعه بتلك الطريقة الغبية!"
أطرق هيثم يطالع الأرض وهو يصدق على كلامه.. فحتى هو كثير الشجارات مع والده.. وبعديد من الأحيان يعنفه ويضربه لكنه لا يفعل هذا أمام أحد.
: "كان علينا البحث عنه"
رد بها فادي فقال أكمل: "أين.. لقد ركض كالصاروخ!"

كان يفكر بهذا فعلا.. لكن أكمل رد بذات الجملة التي احتلت عقله.. تنهد وعاد للنظر أمامه وهو يقول: "دعونا لا نذكر الأمر اتفقنا؟"
:"اتفقنا"
ردا بها معا ثم قرر أكمل كسر الصمت الذي حل بعدها لثوان.. ووضع ذراعه على كتف فادي بينما يقول: "تريد البحث عنه وإعادته حتى تحظى باستحسان ريم يا لك من خبيث فادي!"
استغرب فادي حديثه بينما يطالعه بهدوء.. قبل أن تتسع عيناه ما أن فهم ما يقصده ويرد: "هذا ليس صحيحا!"
قال أكمل بسخرية: "لا تخف يا رجل وقل..."
عارضه فادي بعنف بينما يرد: "أنا أقول الحقيقة.. أردت أن نبحث عنه حتى لا نتركه وحيدا وحسب.. كما أن ريم كأخت لي!"
: "صدقه بهذا"
التفتا لهيثم الذي أكمل: "هو ليس أحمقا مثلك"
مط شفتيه وأبعد ذراعه ووضع كفاه خلف رأسه وهو يرد: "في الحقيقة أنا أنوي التخلي عن حماقتي أيضا"

***
كن قد قررن الذهاب لشراء ملابس جديدة لساندي بعد لقاء اليوم وهو ما فعلنه.. وكما المتوقع ساندي لم تستغرق وقتا باقتناء ثيابها.. لذا ومع مغادرتهن محل الملابس احتل الصمت بعض الوقت.. صمت لم تعترضه دعوة إسلام بشرب العصير كالعادة.. فقد كانت على غير العادة هادئة وتنظر للأرض معظم الوقت.. قبل أن تقرر إخبارهما بما حدث.. ومع انتهائها كن قد وصلن لمفترق طرق حيث كل واحدة تأخذ جهة مغايرة للأخرى.. بقي الصمت يحتل وقفتهن مع تخلل بضع نظرات لائمة من ساندي.. فتنهدت وقالت: "لقد أخبرتكما بما حدث"
بقيت ساندي تطالعها بشك فأكملت: "أقسم.. لمِ سأخفي عنكما أي شيء؟"
تنحنحت ساندي واستعانت بوجهها الجاد وفتحت فمها لترد.. لكن إسلام سبقتها وقالت: "رجاء لا تمنحيني مواعظ سان.. أنا بالفعل رفضت عرضه"
نظرت كلا من ريم وساندي لبعضهما قبل أن تتنهد ريم وترد: "نحن نود فقط أن نتأكد من أن يبقى ردك الرفض"
: "لا تقلقا"
ردت بها وهي تطرق ثم تنهدت تكمل: "لقد طلبت منه ألا يكررها.. صحيح أنه رفض وتحدث بغروره المعتاد أنه سيقنعني.. لكني لن أمنحه فرصة مجددا.. اليوم هو فاجأني بذلك"
: "أتمنى هذا!"
ردت بها ساندي ثم ضربتها بحدة في ذراعها وهي تكمل: "لأني في المرة القادرة سألكمكِ وألكمه"
تأوهت إسلام بينما نظرت ريم لها بلوم.. فتجاهلت الأمر وتحركت تسير مبتعدة وهي تقول: "سأرحل الآن فقد تأخرت بالفعل"
: "أنا كذلك"
قالتها إسلام وهي تتحرك للجهة المقابلة.. فودعتهما ريم ثم تحركت تسير لبيتها.. استغرق الأمر عشر دقائق ثم وصلت للبيت.. لتجد علياء جالسة على الدرج تضع كفيها على أذنيها.. بالوقت ذاته كان هناك صوت شجار بين والد مؤمن وخالتها شكرية.
: "ريم أتيتِ أخيرا!"
نظرت لها بحيرة وهي ترى بكائها.. وقبل أن تسأل أسرعت علياء تكمل: "أبي ضرب مؤمن وألقاه عن الدرج أمام أصدقائه.. لأنه علم أنه على اتصال بجده والد والدته.. وقد نهض وغادر ولم يعد للآن!"
ابتلعت لعابها وتملكها الغضب تزامنا مع القلق.. باللحظة ذاتها التي خرجت بها خالتها وهي تقول: "تخالني أهددك.. أقسم أن أريك مغبة أفعالك أيها المجنون!"
التفتت لها وأشارت نحوها تكمل: "ابحثي عن ذلك الفتى وأحضريه لشقتي"
لم تكن تنتظر أمرها فقد خلعت حقيبتها وسلمتها لعلياء وهي تقول: "ابقي هذه معك"
ثم ركضت تغادر البيت نحو الشاطئ.

**
كان لازال يعدل على السيارة.. وهو يفكر أن والدته وعدته بمكافأة إن حازوا المركز الأول بمشروعهم.. وسيكون هذا رائعا فهو لن يرفع كفاءة المحرك وحسب.. بل سيجدد السيارة من الداخل كذلك.
سمع صوت الخطوات الخفيفة.. فتنهد محاولا طرد أفكاره الشريرة.. ففي النهاية هي لا ذنب لها.. أو لا ذنب كبير لها.
كوب من العصير وضع أمامه بينما تسأله: "إذاً كيف كان يومك الأول بالعمل؟"
كان صوتها الناعم سيجبره على الهدوء كالعادة.. لكن غضبه فاق أي شيء هذه الليلة.. ليس بسبب الطريقة المهينة التي عامله بها تامر اليوم وحسب.. لكن ما حدث لمؤمن زاد غضبه.. خاصة لكونه حدث أمامهم.. كان القرار الصائب أن يتركه وأن يختار عدم الحديث بالأمر.. لكنه تمنى اتباعه ليطمئن عليه.
: "هيثم.. هل أنت بخير؟"
عاد للتركيز معها.. وحاول ضبط نفسه وإلقاء الغضب بعيدا وهو يرد: "بخير أمي.. ولن أكذب عليك لقد كان يوما سيئا"
نظر لها بطرف عينه فوجدها تنظر نحوه بأسف.. ثم تنهدت واقتربت منه وقبل أن تفتح فمها أكمل: "لقد تفنن ابنك في جعله يوما من الجحيم كما طلب منه والده لذا اشكريهما!"
عضت شفتها السفلى ثم اقتربت أكثر وهي تقول: "سأتحدث معه ل..."
: "إياكِ أمي!"
عارضها بحدة ثم أكمل ببعض اللين وهو يمسح يديه: "لن أتذلل له.. ولن أطلب منه أي شيء.. أنا انصعت لأوامره فقط لأجلك.. لولاكِ أقسم ما كنت سأذهب حتى لو قتلني!"
وجدها تقف أمامه مباشرة.. وما أن نظر لها ابتسمت ووضعت كفيها على وجنتيه وهي تهمس: "أنا أعلم هيثم"
وضعت جبينها على جبينه وأكملت باختناق: "وأنا آسفة!"
ربت على ذراعيها وقال: "لا داعي لهذا"
ثم أبعدها وقبل جبينها وهو يكمل: "أنا جائع فقد فسدت أمسية عشائي بالخارج مع أصدقائي"
مسحت عينيها وردت: "سأحضر العشاء لنا.. وأنت انهي عملك واستحم.. سأحضر فيلم حركة لنشاهده خلال تناولنا العشاء"
ثم التفتت لتغادر فابتسم وقرر مشاكستها وهو يسألها: "أمي أين ذهبت تلك الفتاة؟"
التفتت تنظر له بغضب.. وكان ليندم على سؤالها لو كان شخصاُ آخر.. لكنه أكمل: "تعلمين أني من أغويتها.. كما أنكِ قاطعتني خلال قبلتنا الأولى و..."
: "توقف!"
هتفت بها وأمسكت أقرب شيء والذي كان مفتاحا للربط وألقته به.. فتفاداه وهو ينفجر ضاحكا بينما هي التفتت تغادر هاتفة: "عديم أدب.. يا ربي أقسم بك لقد ربيته كيف أصبح بهذا الشكل.. أتمنى أن أعرف فقط من يشبه؟!"
ضحك بسخرية ثم تنهد ودخل السيارة وهو يهمس: "سأحرص على ألا تعرفي أبدا!"
بدأ باحتساء العصير وعندها اشتم رائحة الفواكه التي تملأ المكان.. كانت رائحة إسلام.. ابتسم عندها وتحرك نحو الدرج المواجه للمقعد.. وأخرج منه علبة السجائر والقداحة وطالعهما قليلا قبل أن يهمس: "أنت مستبدة للغاية سولي.. أنتِ حقا تعجبيني يا ذات الوجهين!"
****
وجدته أخيرا!
همست بها لنفسها وهي تلتقط أنفاسها.. بينما تنظر لأنقاض المنزل المهجور على البحر الذي كانا يلعبان بجواره دوما في صغرهما.. وكالعادة كانت تجده هنا عندما لا تجده بالشاطئ.. ووجود مؤمن هنا يعني أنه غاضب جدا.. ولا يريد من أحد العثور عليه.. فهي تخاف من المكان لأنه نائي وبعيد عن الأعين.. لذا نادرا ما تلحق به إلى هنا هي فقط تنتظره قرب البوابة.. لكن ببعض الأحيان تضطر لاتباعه كالآن.. نظرت له وهو جالس أمام البحر ثم تحركت لتجلس بجواره.
: "لم يكن عليك القدوم"
-: "علي دوما القدوم"
لم يلتفت لها مع ردها فتنهدت وأكملت: "أتعلم.. جدك والد والدتك يكرهني بشكلٍ شخصي ولا يطيقني.. لكن أنا لا أؤيد والدك بمنعك من مقابلته فهو جدك بالنهاية"
بقي ينظر أمامه فعلمت أنه لا يريد الحديث.. ومع هذا أردفت: "ولا أؤيد ضربه لك.. أكره طريقته بالتنمر عليك.. لكن يجب أن تتوقف عن استفزازه"
التفت لها بحدة فشعرت بالخوف لثانية لكنها أكملت: "أنا أحيانا أشعر أنك تستفزه ليضربك و..."
: "هذا ليس صحيحا!"
قاطعها بغضب ثم أكمل: "كلانا يعلم لِم يفعل هذا.. لذا لا تحاولي تجميل الواقع!"
: "أنا لا أفعل"
ردت فصرخ بوجهها: "أنتِ تدافعين عنه الآن!"
تراجعت برأسها للخلف بينما هو تنفس بعمق محاولا تهدئة نفسه.. ثم عاود النظر للبحر فتنفست هي الأخرى عدة مرات.. قبل أن تقترب منه وهي ترد: "أنا لا أدافع عن أحدٍ غيرك هنا.. أنت من تتأذى من ضربه.. وهو لا يهتم بنتيجة أفعاله.. لذا رجاء توقف عن استفزازه"
: "قريبا سيهتم!"
همسها وهو يبتسم بطريقة أرعبتها فسألته: "ماذا تعني؟!"
لم يرد عليها وحاول تجاهلها لكنها لم ترد تركه بتلك الحالة.. فأمسكت كفه وعندها التفت لها فقالت: "مؤمن والدتك ما كانت لتحب أن تراك بهذا الحال"
: "ريم أمي ماتت"
عارضها ثم اقترب منها وهو يردف بخفوت: "أمي ماتت وهو من قتلها.. لو كانت حية ما حدث كل هذا.. ما كان ضربني وأهانني أمام الجميع.. أمي ماتت وهو الآن ينتقم مني كما تمنى أن ينتقم منها"
اختنق حلقه مع آخر جملة فالتفت ينظر أمامه.. وهو يمنع دموعه من الهطول بالقوة بينما يكمل: "أمي ماتت ومن بعدها لا أحد سيحميني أو يحبني.. لذا علي أنا إيجاد طريقة لحماية نفسي"
سمع تنهيدتها العميقة.. ثم مرت ثوانٍ قبل أن يشعر بشيءٍ معدني يوضع بكفه.. فأطرق ينظر له ليجدها قلادة من الفضة.. ودلايتها عبارة عن علامة الأبدية: "إنها هدية عيد مولدك.."
التفت ينظر بينما تكمل: "أنت مزعجٌ حقا.. كان لدي خطط لأجل هذا اليوم.. رسالة وكعكة واحتفال.. وها أنت الآن تجبرني على منحها لك باكرا"
: "لقد اختصرت الجزء الغير مسلي"
قالها وهو يبتسم بينما يعاود النظر لكف يده ويكمل: "عدا الرسالة بالطبع.. لازلت سأتلقى تلك الرسالة"
لكزته بذراعه وهي تهمس: "مزعج!"
ثم أخذت القلادة من يده وألبسته إياها بينما يقول: "تعلمين أني لا أرتدي سلاسل أليس كذلك؟"
: "أجل أعلم.."
قالتها وهي تغلق القفل ثم أكملت: "لكن أردت قلادة لا تنساها.. لذا اشتريت قلادة لأجلك.. وحتى لا تنساها أو يحرجك أحد لرؤيتها سترتديها أسفل ثيابك دوما"
نظرا لبعضهما قليلا وابتسم هو قائلا: "شكرا يا سبونج بوب"
وقبل أن ترد تحامل على نفسه ناهضا ثم مد يده لها وهو يكمل: "هيا لنذهب.."
أمسكت كفه ليسحبها.. وبتلك اللحظة تذكرت لحنها الساحر.. تذكرت مشهد فتاتها الراقصة أمام الأمواج واللحظة التي تجلس بها أرضا بحزن.. وتخيلت راقصا يظهر من خلف حائط قريبٍ منها ليساعدها على النهوض ويبدآ بالرقص معا.
: "لقد وجدتها!"
همستها وهي تضم كفيها معا وتلتفت للبحر.. لتأتي نسمة عاصفة وتضربها وتزيد سعادتها.. وسعادته بينما يراقبها بتلك الهالة الرائعة التي تحيط بها.. وتلك النظرة المليئة بالحياة والأمل.. كان يشعر بالألم يخفت بطريقة ما لمجرد رؤية ذلك المنظر.
-: "ما الذي وجدته؟"
التفتت له وردت: "القطعة المفقودة من مقطوعتي.. لقد وجدتها"
اقتربت منه وهي تمسك كفيه وتلتف به هاتفة: "لقد وجدتها"
لم يتحمل وتأوه بألم.. فتوقفت وهي تبعد يديها وتقول: "آسفة.. حقا"
ثم اقتربت وسألته بقلق: "أنت بخير؟"
: "أنا بخير"
رد بها بينما يضع ذراعه على كتفها وهو يكمل: "لكن سيكون عليك تحمل ثقل جسدي لبعض الوقت"
ابتسمت بخجل.. لكنها في النهاية أمسكت كفه المستند عليها وهي تسير به قائلة: "لست ثقيلا لهذه الدرجة.. هل نسيت أنك هزيل"
ضحك بخفة وسار معها.. ثم تنهد بخفوت محاولا كتم ألمه بينما هي همست: "شكرا مؤمن"
: "العفو يا سبونج بوب.."
رد بها ثم التفت ينظر لها مكملا: "أنا سعيد لأجلك"
انعقد حاجبيها وسألته: "لماذا؟"
أبعد خصلة بكفه الحرة وأعادها خلف أذنها.. ثم ربت على رأسها وهو يرد: "لأنك عثرت على ما يثير شغفك.. وقد عثرتِ عليه وحدك دون أي مساعدة"
شعرت بالخجل يتملكها حتى أصبحت تتساءل كيف تسير وهي لا تشعر بأطرافها.. فالتفتت تنظر أمامها وهي تقول: "لقد ساعدتموني جميعا"
وفجأة شعرت برأسه على رأسها وهو يهمس بتعب: "لا تكوني متواضعة يا سبونج بوب"
نظرت له بطرف عينيها فوجدته مغمض العينين لكنه كان يبتسم.. برغم كل تلك الكدمات التي تحتل وجهه.. عندما وضعت كفها على ظهره انتفض بحدة ففهمت كم يتألم.. ومع إدراكها لكل هذا أرادت أن تبكي لأجله.. فهو يستحيل أن يبكي.
: "لولاكِ ما كان هذا المشروع ليستمر ليومٍ واحد"
همس بها بينما لا يزال مغمضا عينيه.. فابتسمت وهي تتشبث به وردت: "مع هذا شكرا لك سيد شفيق"
***
بعد مرور شهر...
راقبتها نغم وهي تقف خلف الكواليس بفستانٍ أسود ورأس منحنٍ.. كانت منار تنظر لها بشفقة لذا اقتربت وعندها تراجعت منار.. وما أن وصلت لها همست: "ارفعي رأسك"
رفعت بالفعل رأسها لترى عينيها المنتفختان والتي لم يفلح معها أي مستحضر تجميلي..
: "لا أريد العزف!"
سمعت تلك الهمسة منها لذا رفعت رأسها بعنف تنظر لعينيها وهي ترد: "ليس برغبتكِ يا فتاة.. لقد وعدتِ وعليك دوما الوفاء بوعدك!"
نظرت لها بعيون مليئة بالقهر وهي تقول: "يجب أن أكون مع أصدقائي!"
-: "أصدقائك سيتولون أمرهم بعرض المشروع"
اهتزت شفتيها علامة رغبتها بالبكاء.. ففهمت أن حديثها الصارم لن يجدي نفعا معها.. ومجددا هبطت نظراتها للأرض قائلة: "علي أن أكون معها إذاً"
-: "وهل تجاوزتِ خوفك لرؤيتها؟"
هطلت الدموع من عينيها.. وقبل أن تتمادى بالبكاء سحبتها ونظرت لعينيها وهي تقول بحدة: "إياكِ والبكاء أسمعتِ؟!"
طالعتها بخوف قبل أن تجبرها على الالتفات.. ثم دفعتها نحو المسرح وهي تكمل: "والآن اذهبي وامنحيني شيئا يستحق أن استمع له!"
وبالفعل تحركت نحو البيانو بخطوات مضطربة وعيناها معلقتان به.. تجاهلت سماع التصفيق وسماع أي شيء حتى.. جلست على البيانو تطالع المفاتيح.. وهي تحاول تذكر ذلك اللحن الذي كانت تتدرب عليه لفترة طويلة.. والذي سجلته لأجل عرضهم بالمشروع.. لقد تدربت عليه لأكثر من شهر.. والآن هي لا تذكر أي شيء.. لا تذكر سوى صرخة ساندي.. لا ترى سوى صورة مالي أمامها!
****
نظرت إسلام للمسجل ويدها معلقة بالهواء.
: "لا داعي للموسيقى إسلام"
لم تلتفت لجملة مؤمن والتفتت تنظر للباب الخارجي للمدرسة.. كان من المستحيل أن تأتي ولم تكن لتعتب عليها.. حاولت بكل طاقتها ألا تبكي.. لكنها لم تقدر على كبح دموعها.. وكل ما حدث يعاد ببالها!
***
&&
: "لا أصدق!"
التفتت لإسلام التي كانت تجلس بإنهاك على أحد المقاعد بينما تكمل: "لا أصدق أننا انتهينا أخيرا"
عادت تلتفت تنظر للوحات والبطاقات التي أعدوها.. ومن خلفها مجسمات لأشهر المناطق التي زاروها معا.. ثم ابتسمت بسخرية وهي تقول: "انتظر رؤية وجه تلك الحقيرة سوزان"
ثم ضحكت ملء حنجرتها وهي تهتف: "سنتغلب عليها بالتأكيد هي وفريقها الفاشل!"
: "توقفي عن الضحك كأشرار الأفلام أيتها المتوحشة"
التفتت لأكمل وكادت تبدأ شجارا معه...
: "ساندي.."
التفتت لوالدة أكمل بينما توقف الجميع عما كان يفعله.. وهم يرون الدموع التي تهطل من عيون السيدة لمياء.. والتي تمالكت نفسها بصعوبة وهي تكمل: "والدتك تريدك أن تذهبي الآن للمشفى العام ل..."
ولم تكد تتم جملتها إلا وكانت هي تركض للخارج.. كانت تعلم لِم قد تكون والدتها بالمشفى.. لم تفكر بأي شيء.. هي فقط استقلت سيارة أجرة وما أن توقفت ركضت للخارج.. ورغم أنها كانت تنكر كل شيء.. ورغم كونها منعت عقلها من التفكير بأي شيء.. إلا أن ساقيها تحركتا بتلقائية نحو وحدة الفشل الكلوي.. وتوجهت للغرفة التي كانت تخصص لشقيقتها.. مع كل زيارة لهذا المكان الذي اتفقت كل عائلتها على كرهه.
فتحت الباب دون استئذان.. وأول ما سقطت عليه عينيها كان مظهر والدتها الجالسة بأحد أركان الغرفة تنظر للفراش.. بحياتها كلها لن تنسى هذا المشهد.. والدتها المرأة القوية التي لا تنحني أبدا.. كانت تجلس على الأرض.. عيناها جاحظتان تسكبان الدموع بلا حساب.. كانت تهمس بحوقلة دون أن تدرك.. وببطء وصعوبة التفتت تنظر للفراش.. لترى مالي كما عهدتها بالأيام التي تحضرها لهنا.. منهكة.. شاحبة.. مبتسمة.. ولكن لم يكن يصدر عنها أي شيء.. حتى الأجهزة التي بجوارها لم تكن تصدر ذلك الصوت المزعج الذي كانت تسمعه بكوابيسها.
تحركت نحوها وهي تهمس باسمها لتنهض كالعادة وتوبخها.. لأنها بالفترة الأخيرة لم تعد تأخذها لحضور اجتماعاتها هي وأصدقائها.. ستتهمها بأنها تتجنب أخذها لأنها تخجلها أمام أصدقائها.. وهي سترفض إخبارها أنها لا تصطحبها لأنها متعبة وطلب الطبيب أن تبقى بالبيت لترتاح.. لن تخبرها بهذا حتى لا تحزنها.. وستحاول إرضائها بأن تمزح معها وتعدها أن تصحبها ما أن تتحسن.
وقفت أمامها ووضعت يدها على صدرها الساكن.. وشعرت بالبرودة تملأ كل شيءٍ حولها.. أغمضت عينيها لتمنعهما عن البكاء لكنها لم تقدر.. حاولت أن تنطق الحقيقة داخل عقلها وأيضا لم تقدر.. وعندها أمسكت كتفيها وهتفت ببكاء: "مالي استيقظي في الحال.. استيقظي مالي!"
&&
: "استيقظي مالي!"
همستها ورأسها مدفون بذراعها الذي يضم ساقيها إليها.. ومن بين كل هذا كانت تنظر لشاهد القبر بعيون متسعة.. ومجددا همست: "مالي استيقظي!"
لقد سمعت كثيرا وقرأت عن بشر يدخلون بغيبوبة.. ويظن المحيطون بهم أنهم ماتوا.. ثم يتفاجأون أنهم كانوا أحياء.. لهذا بقيت بجوارها.. كانت تأمل أن يكون هذا ما حدث.. مالي يستحيل أن تموت بهذه البساطة.
: "استيقظي مالي!"
همستها وعادت للبكاء مجددا.. فأغمضت عينيها وهي تنشج هامسة: "رجاء استيقظي!"
: "ساندي!"
فتحت عينيها وانتفضت وهي تقسم أن النداء كان من مالي.. لكنها اصطدمت بعيون أكمل.. عيونه الملونة التي لاحظتها مالي وأخبرتها عنها.. ومن خلفه كان مؤمن وهيثم وفادي ثم إسلام وريم الباكيتين.. كانوا هنا جميعا!
لقد أرسلت لهم رسائل هذا الصباح مفادها أن يقدموا المشروع.. وأن تذهب ريم لحفلها.. تحاملت على نفسها واستنفذت المتبقي من عقلها وطاقتها على إخبارهم بهذا.. أخبرتهم أن مالي أرادت أن يذهبوا لتقديم المشروع بأفضل صورة.. ليهزموا سوزان ويروا الجميع أنهم ليسوا فاشلين.. مالي أرادت سماع ذلك اللحن من ريم.. بعد أن شاهدت الفيلم عشرين مرة وأحبت البطلة.. وحاولت البحث عن طريقة لتصنع مكنسة سحرية تطير كالبطلة.
مالي أرادت كل هذا.. وهي وعدتها أن تحققه.. لكن طاقتها لم تسمح لها سوى بإرسال هذه الرسالة الطويلة.. قبل أن تلقي الهاتف وكل شيء بعيدا.
: "ساندي انهضي معنا"
ومع هذه الجملة من مؤمن سقطت عينيها على القبر مجددا.
مالي لن تحضر تقديم المشروع...
مالي لن تستمع لعزف ريم...
مالي لن تغضب منها لأنها تغادر دون أخذها معها...
مالي لن تتذمر من الطعام المسلوق والدواء الكريه...
مالي لن تنهض...
مالي ماتت!
وعندها لم تتمالك نفسها ونهضت تهتف بوجههم: "لم أنتم هنا أيها الأغبياء؟!"
لم يرد أحد فتحركت نحو ريم وأمسكتها تهزها بعنف هاتفة: "لِم لست على المسرح تعزفين ذلك اللحن الرائع الذي أحبته وأرادت سماعه؟!"
ابتلعت ريم لعابها بصعوبة ولم تتمكن من التوقف عن البكاء لكنها ردت: "مالي ليست هناك لتستمع له!"
تهدل كتفيها وسقط كفيها بجوارها بتعب بينما ريم تكمل: "لا فائدة من عزفه إن لم تكن مالي هناك!"
انتفض جسدها وقررت أن عليها طردهم.. لكن فجأة احتضنتها إسلام وهي تهمس: "لا يمكننا تركك.. لنرحل معا رجاء"
: "أجل لنذهب الآن"
رد بها أكمل وهو ينظر لها ثم أردف: "والدتك قلقة عليكِ"
: "لا يمكنني الرحيل!"
هتفت بها بينما تبتعد عن إسلام.. واقتربت من شاهد القبر وهي تكمل: "من سيعتني بمالي إن رحلت.. إنها أختي الصغيرة.. إنها..."
سحبت من مكانها وعادت العيون المميزة تواجهها وصاحبها يقول: "لا يمكنك فعل هذا!"
وقبل أن ترد أحاطوا بها جميعا.. وأمسكت إسلام بكفيها وهي تهمس: "نحن آسفون لخسارتكِ ساندي!"
شدت على كفيها بينما أمسكت ريم بكتفها وهمست: "لا يمكنك البقاء هنا.. هذا لن يرضي مالي!"
كان من المفترض أن تصرخ بهم بالتراجع لكنها لم تقدر استندت.. على أكمل وعادت للبكاء بينما اندفعت إسلام وريم تحتضنانها.. وعندها لم تملك سوى أن تريح رأسها على كتفيهما.. وهي تردد ببالها...
مالي ماتت.. مالي لن تستيقظ.. مالي لن تعود!
*****

Continue Reading

You'll Also Like

353K 8.1K 33
للعشق نشوة، فهو جميل لذيذ في بعض الأحيان مؤذي مؤلم في أحيانا اخرى، فعالمه خفي لا يدركه سوى من عاشه وتذوقه بكل الأحيان عشقي لك أصبح ادمان، لن أستطع ا...
3.4M 51.4K 66
تتشابك أقدارنا ... سواء قبلنا بها أم رفضناها .. فهي حق وعلينا التسليم ‏هل أسلمك حصوني وقلاعي وأنت من فرضت عليا الخضوع والإذلال فلتكن حر...
184K 18.3K 17
تَبدأ حِكايتِنا بَين بِقاع اراضٍ يَسكنُها شَعبّ ذا اعدادٍ ضئيلَة ارضٌ تُحَكم مِن قِبل ثلاث قِوات و ثالِثُهم أقواهُم الولايات المُتحدَة | كوريا الجنوب...
683K 20.3K 37
لقد كان بينهما إتفاق ، مجرد زواج على ورق و لهما حرية فعل ما يريدان ، و هو ما لم يتوانى في تنفيذه ، عاهرات متى أراد .. حفلات صاخبة ... سمعة سيئة و قلة...