" لنأخذ راحة الليلة هنا" قالها أنسيل وهو يجلس متكئا على جذع شجرة وأمامهم بحيرة شفافة اللون، وكل ما فيها يظهر.
جلس آرجون وآردات في تعب، في حين استلقى نيبل، وليكسس مازال واقفا، فقال آردات في تشكي "لقد قال الرجل أن هذا هو الطريق الصحيح للخروج، لقد سرنا اليوم بطوله، ولم نر مدرج السفن ذاك"
فرد عليه آرجون "كفى عن الشكوى، نحن لم نلعب أي جولات أيضا كما قال الرجل، أي أننا نسير في الطريق الصحيح، نحن الذين لم نسأله إن كان طريقا طويلا أم قصيرا"
"حسنا حسنا فهمت، أنا لا أعلم ما فعلت لك حتى تهاجمني في كل مرة أقول شيئا"
"حسنا لدي مشكلة مع المجرمين أمثالك"
فقال له آردات في تهكم واضح تعلو ملامحه "إذا لقد كان العيش كابن مجرم حياة شاقة"
"سأذهب لجمع بعض الحطب، من الأفضل أن تسرعوا وتصطادوا شيئا لنأكله قبل الغروب" قالها ليكسس بصوت عال موقفا ذلك الشجار الذي كان على وشك أن يحتدم وذهب، في حين كان الآخران اللذان كانا على وشك أن يتقاتلا قد صمتا ونظر كل منهما بعيدا عن الآخر.
هناك شيء غريب لمحه أنسيل منذ بداية مغادرتهم المدينة في نيبل. التوتر الواضح على وجهه، نظراته المتقلبة اليوم كله من ليكسس إلى الآخرين، نظراته إلى ليكسس والتردد والخوف الباديين في تصرفاته، والآن وقوفه فجأة وهو ينظر إلى الثلاثة الآخرين بنظرات متوترة، كأنه خائف من أن يروه.
تظاهر أنسيل بأنه مشغول بآردات وآرجون اللذان بدآ في الصيد، التفت أنسيل ليرى نيبل، فوجد أنه ذهب في نفس الطريق الذي ذهب فيه ليكسس. لم يشعر أنسيل أبدا بالارتياح بالطريقة التي كان يتقصى فيها نيبل بآثار أقدام ليكسس حين كان يتبعه.
أخيرا توقف نيبل وهو يختبئ خلف شجرة، واختبأ أنسيل خلف شجرة خلفه. كان ليكسس واقفا على حافة منحدر وقد بدا أنه لم ينتبه لكل هذا، وقد كان صامتا معطيا ظهره لهما. فجأة ركض نيبل خارجا من مكانه بسرعة مندفعا نحو ليكسس وفي يده سكين.
ركض أنسيل خلفه بسرعة وصرخ في ليكسس قائلا "انتبه!!"
ذلك استرعى انتباه ليكسس وبفزع التفت خلفه ليجد نيبل المندفع أمامه، وكردة فعل سريعة تلقائية، تفادى الضربة مما جعل نيبل يسقط من على المنحدر الذي كان قاعه كله مليئا بالأشواك، لتخترقه واحدة مباشرة في ضلع صدره الأيسر في حين أمسك أنسيل ليكسس من الاندفاع ناحية المنحدر خلف نيبل. نظر كلامهما إلى نيبل الذي لفظ أنفاسه بسرعة، وكانت آخر ما رأته عيناه هما ليكسس وأنسيل "آسف، لأجل أن تغفر جرائمي"
جلس ليكسس في مكانه منهارا، وقال وعدم التصديق والصدمة ظاهران على وجهه "ما الذي حدث توا؟"
"لقد أراد قتلك"
"لماذا؟"
"هو قالها، لأجل أن تغفر جرائمه"
في تلك اللحظة رأى أنسيل جانبا لم يره قط في ليكسس. ليكسس الإجتماعي ذو الشخصية القيادية والمتفائلة انهار، انهار باكيا وكل ما قاله كان "أنا لوحدي في معركة ضد مجموعة ذات نفوذ، أنا لوحدي في معركة خاسرة"
"لا تقل هذا، أنت أسد غابة قوي ومهيب لوحدك، لذلك اجتمع كل هؤلاء ضدك، أنت لوحدك، بل وجودك حيا لوحده يرعبهم."
ابتسم ليكسس وقال "شكرا أنسيل لكلامك، لكن حتى ذلك الأسد قد يخسر إن كان لوحده، فدائما يوجد في الجماعة ما لا يوجد في الفرد"
"أليس الحاكم في صفك؟"
"نعم، لكن أصبحت صلاحيات الحاكم محدودة بعد الثورة، أصبح لا يستطيع تولي جميع أمور الكواكب الكثيرة لذلك الوزارء من يهتمون بالأمر ويرسلون التقارير له، وهم من يتصرفون في أمور الكواكب التي في عهدتهم، أما الحاكم، فهو مسؤول عن العاصمة فقط.
لكن كل ذلك سيتغير حين أصبح الحاكم، جميع سلطتهم ستنتهي، وأكون المسؤول الأول عن جميع الأمور في المملكة من الشعب، وأصدر الأوامر مباشرة، وليس على لسان تقرير"
"وهم يريدون لسلطتهم أن تبقى"
"نعم، لذلك أنا لا أعرف عدوي من حليفي من الوزراء وأبناء العائلات الكبرى"
فابتسم أنسيل له قائلا "لا تقلق اعتبرني حليفا، أنا سأكون معك، سأساعدك في تصفيتهم"
لم يقل ليكسس شيئا بل نظر له في استغرابٍ في حين تابع أنسيل قائلا "أعرف الكثير من هذه الأشياء؛ لأن والدي علمني الكثير، هل لديك فارس شخصي؟ سمعت من والدي أن لكل فرد من الحكام فارس."
هز رأسه "لا"
"إذا اجعلني فارسك، أعدك بأنني سأحرمهم من الشمس حين نخرج من هنا"
فابتسم ليكسس وقال "حسنا، أجعلك يا أنسيل إنخاها فارسي الشخصي"
فسأل ليكسس "والآن ماذا سنفعل؟"
"نحن لن نذهب فقط لنخرج؛ لأنهم أصلا لن يسمحوا لنا بذلك لوجودك، لذلك علينا إيجاد مدبر اللعبة، إنه موجود في اللعبة في مهبط السفن الفضائية، يعمل وحيدا وبلا أحد؛ لأن لا أحد مسموح له بمغادرة الكوكب"
"ومن اختطفنا؟"
"أشخاص تم الدفع لهم بأن يضعونا في سفينة تعرف الإتجاه من الأساس ويقودها طيار آلي"
فقال ليكسس متعجبا "واستطاعوا تجاوز أمن الفضاء؟ لهذه الدرجة لديهم نفوذ!"
"لذلك علينا إيجاد العقل المدبر حاليا للعبة، وجعله أسيرنا، ونوقف هذه اللعبة أولا"
"حسنا، وماذا لو سمعونا الآن؟"
"لا يستطيعون؛ بسبب أن آردات كسر الآلي المتجسس، وأنا لم ألحظ أي شيء معدني حولنا إلى الآن، بالإضافة هم لا يستطيعون سماعنا إلا في الجولات، وأشك أنهم يراقبوننا الآن أصلا، لذلك لنعد بسرعة" قال أنسيل.
أومأ ليكسس برأسه "حسنا، وماذا عنه؟"
"سنقول فقط أنه سقط من على منحدر ومات، وتلك حقيقة"
حين أشرقت شمس اليوم التالي، وناموا ليلتهم في هدوء بلا اطمئنان، ساروا منذ صبيحة اليوم إلى الظهيرة، إلى أن وقفوا أمام مبنى ضخم أسطواني الشكل.
"لا يشبه هذا المكان مهبط سفن أبدا" قال آردات وعيناه معلقة على المبنى كالآخرين.
"لندخل ولنرى"
دخلوا إلى المبنى الذي كان عبارة عن ساحة فسيحة تحفه المدرجات من جميع الجوانب، الأمر الذي ذكره بالمدرجات الرومانية التي قرأ عنها في التاريخ الروماني، الأمر الذي ذكره بذكرى من إنخاها، عن شبيه الكولوسيوم إذا وجده في اللعبة، تذكر جملة إنخاها
"حين ترى يا بني شبيه الكولوسيوم في نهاية اللعبة، فاعلم أن المقصود يا بني سيموت لا محالة، حين تدخل إليه، فأنت ستشعر أنك أيضا ميت في هذه اللعبة، حين ترى الكولوسيوم يا بني فلا يوجد ناجين أبدا في هذه اللعبة"
"ألم يقولوا أنه لا توجد جولة؟"
حدق أنسيل إلى ليكسس في قلق، الأمر الذي جعل الآخر يعرف سبب القلق في وجهه، فكلاهما أدرك أن شيئا سيئا قادم