٣٠. والدا أنسيل

147 16 3
                                    

كان في القصر يفكر في حركته القادمة حين أتى أحد المساعدين راكضا "سيدي، الحاكم هنا، لقد كان متنكرا، لكنني عرفته، لقد قال أنه يريدك"

فز أنسيل من مكانه، وقال له "أجلسه في غرفة الضيوف"

"حسنا"

أخذ أنسيل نفسا عميقا، ونظر إلى الكرة التي أخذها من تحت الشجرة، وقال "في الوقت المناسب"

نزل من على السلالم وهو يقول "سيادتك، كان بإمكانك طلبي فقط"

"لا داعي يا بني، جئت أشكرك شخصيا؛ لتبرعك بالدم لأجلي، وأيضا لعدم إفشائك للأمر، لقد أصبحت أفضل الآن"

"لا بأس بذلك يا سيدي، إنما منزلي مهدم، ومليئ بالغبار ولم يسكنه أحد منذ ثلاثة عقود"

"لا يهمني يابني، لا تهمني هذه الشكليات"

أرجع أنسيل ظهره للخلف، مسندا ظهره على الأريكة جالسا مقابل أنيليو "أعلم، أخبرني إنخاها عنك الكثير"

"في الواقع، أنا فضولي بشأنك يا بني، أنت متعلم للغاية، ومحصن ضد أقوى سم، لماذا فعل كل ذلك؟"

"لتهيئتي"
"تهيئتك؟"

وقف أنسيل وقال مبتسما "هلّا رافقتني سيادتك؟ هناك شيء أريد أن أريك إياه"

سار به أنسيل في حديقة القصر، وتوقفا حين وصلا إلى القبرين، قرأ أنيليو أسماء القبرين "ألبيني و .." شل لسانه حين قرأ الإسم الآخر "أليخيو"

"هذا قبر ابني؟"

"نعم سيادتك، إنخاها من دفنهما بجانب بعضهما"

"ومن تكون هي؟"

"زوجته"

حدق أنيليو إليه، وقد بدا من ملامحه أنه يريد تفسيرا لذلك، فناوله أنسيل الكرة وقال "أتعرف هذه؟"

أمسك أنيليو الكرة، وقال "نعم، نسميه تسجيلا واقعيا حيا"

"أبي ترك لك هذه، شغله من فضلك"

ضغط أنيليو على الزر ليصبحوا في منتصف حدث قديم حصل تحت الشجرة. كانت هناك امرأة راقدة تحتها تحتضن مولودا، وقد بدا آثار التعب عليها من الولادة، كانت تقبل الرضيع وتمسد عليه بنعومة قائلة "صغيري، أيا طفلي الحبيب، أتمنى أن تكبر بصحة جيدة، وتكون قويا"

بعدها أتى رجل ذو شعر بني محمر، مخطط بالأسود، وقد كان هو الآخر في حالة ضعف شديدة، وبالكاد يمشي.

رفعت المرأة الطفل ناحيته، وقالت "أليخيو، إنه ابننا يا أليخيو"

أخذه الرجل، وقد بدا أنه نسي لولهة ما به، وهو يحتضن طفله، ثم رفع رأسه؛ ليرى زوجته، فوجد أنها قد فارقت الحياة.

ظهرت ملامح الحزن على وجهه، ونزلت الدموع بحرارة على خده وهو يخاطب ابنه "ستكون يتيم الأم والأب، لكن لا تقلق يا بني، لديّ صديق لن يبخل عليك بشيء، وجد حنون رائع، متأكد أنه سيحبك كثيرا حين يعلم بوجودك، لذلك لا تقلق يا بني لست وحيدا، حتى نحن سنقوم بإيصال حبنا لك عن طريق الأحياء، لذلك يا بني لست وحيدا، اكبر جيدا وكن قويا، وإن اخترت أن تكون حاكما، كن حاكما مثل جدك حديدي وحنون"

في تلك اللحظة وصل إنخاها، وقد فهم الموقف سريعا، مد له أليخيو الرضيع، وقال له "ابني، أتركه في عهدتك، قم بتربيته جيدا"

"لكن جده على قيد الحياة"

"بعد انتهاء الثورة قد يفقد أبي الكثير من الصلاحيات إلى أن يتوج الحاكم الجديد، وأثناء ذلك سيحاولون قتله بشتى الطرق. أعلم أبي، سيتفهم الأمر، والأمور هنا أصبحت خطرة عليهما، بالإضافة على أبي أن يعلن وجوده حين يعلم، ذلك دستور موجود عندنا، وأنت أعلم بذلك"

ثم فرك عينيه مقاوما النعاس، فسأله إنخاها في قلق "هل تقاومه؟"

"أستطيع التماسك لبعض الوقت، اسمعني يا صديقي، ربه بعيدا عن المملكة لقد جهزت سفينة مسبقا؛ لأجل أن أبقيه بعيدا إلى أن يكبر، ووضعت فيها كل ما سيحتاجه ابني من كتب وأدوات، ووضعت فيها سم تنين ماديبوا، أريد أن تكون له الحصانة من السم.

ربه جيدا يا صديقي، وعلمه كيف يصبح حاكما مثل أبي، لكن أخبره أن له الإختيار "

أومأ إنخاها برأسه ثم قال "لكن من سيصدقني؟"

"إن لم يظهر له شعر بني محمر مخطط بالسواد وعينان صفراوان مضيئتان فقد قمت بتسجيل حي" ونظرا حيث أنسيل وأنيليو المصدوم يقف ومعه الكرة، ابتسم أليخيو وقال "هذه هي الدليل"

ثم قبّل ابنه، ووجه كلامه لصديقه قائلا "أخبره دائما أن كلا والديه أحباه، وأنهما أرادا وجوده في هذه الحياة، وأنه طفل محبوب مرغوب، أوصل حبنا له دائما، وأخبره أننا أسميناه من قبل أن يولد بأنسيل"

"سأفعل" قالها إنخاها بنبرة هادئة حزينة.

ثم نظر إلى زوجته وقال "ادفنا بجوار بعضنا تحت هذه الشجرة، حتى لو أتى ابننا عرف مكاننا، وأرشد جده إليه"

وسقط بعدها ميتا هو الآخر، وانتهى التسجيل والتفت أنسيل إلى جده ليرى الدموع في عينيه، ثم نظر إلى أنسيل بلا تصديق.

أزال أنسيل الغطاء من على شعره قائلا "كنت أغطيه دائما للحماية" أخرج العدسات البنية من عينيه "وكذلك عيني" لتظهر تحتها عيناه الصفراوان المضيئتان.

لم يصدق أنيليو الماثل أمامه، نسخة طبق الأصل عن ابنه، ونفس الإبتسامة الهادئة. أطلق عدة شهقات متراجعا إلى الخلف.
"جدي هل أنت بخير؟"

هو من لم يصدق أنه قد سمع كلمة "جدي" من فمه، هو من لم يصدق أنه قد يسمعها في حياته، هو من لم يصدق أنه قد قابل حفيده، أمسك خديه بكلتا يديه وقام بتقبيل كل خد، واحتضن حفيده بلا تصديق باكيا.

"أنا آسف يا جدي لأنه تم إخفاء الأمر عنك"

هز رأسه قائلا "لست غاضبا، حكيم كان ابني دائما، كنت أريد دائما أن يفعل ذلك حين تفاقمت الأحداث، تمنيت أنه فعل ذلك، والحمد لله أنه فعل ذلك "

ثم سأله "لم استغرقت يا بني كل هذا الوقت لإخباري؟"

"آسف يا جدي لذلك، لقد أردت إخبارك بكل شيء مسبقا، لكنني أردت أن أعرف البيئة حولك أكثر، أردت أن أعرف الأعداء، أردت حين أظهر أن تكون نهايتهم"

برقت عينا الجد، وقال "إذا هل تقصد أنك اخترت لتكون الحاكم؟"

"كان ليكسس ليكون حاكما رائعا، لكن بما أنه قد مات فليس لي خيار سوى بأن لا أجعل مرتزقة البلد أولئك أن ينهبوا المزيد"

"وما الذي ستقوم به؟"

ابتسم أنسيل وقال "لديّ هدية لهم في حفل ظهوري الأول"

آكسيري هابراما - لعبة الموت (مكتملة)Where stories live. Discover now