٢٦. إنخاها

138 19 2
                                    

"إنه يحتضر" تذكر أنسيل كلام الطبيب وهو يقف أمام باب أحد غرف المشفى، طرق الباب ثلاث طرقات قبل أن يدخل.

كان في الغرفة سرير واحد يرقد عليه رجل في الستين من عمره، قد بان الكبر على ملامحه التي أضعفها المرض.

ابتسم الرجل وقال "أراك قد مسحت دموعك يا بني قبل مجيئك"

حاول أن ينكر، فقال إنخاها له "لا بأس يا بني، لا أحد يلومك لكونك رقيق القلب، بالإضافة أنني أشعر بالسعادة لوجود أحد سيحزن لموتي رغم ما فعلته"

اقترب أنسيل منه وقال "سأحزن كثيرا لفراقك، كنت نعم المربي لي، شكرا لك، أشكرك على تربيتك لي رغم عدم وجود أي صلة بي بك"

أمسك يده وقال "لا تقل ذلك بني، أبوك كان أعز صديق لي، بل الصديق الوحيد، وكان نعم الصديق لي"

ثم نظر إلى الفراغ مستعيدا الذكريات "أخبرتك أنني فعلت في الماضي أمورا غير مشرفة، وأسوأها أنني انقلبت على صديقي المقرب"

لم يقاطعه أنسيل بقول "أعلم" رغم أنه سمع هذه القصة مرارا وتكرارا، صمت، وترك الرجل العجوز يستعيد ذكرياته قبل موته.

"لقد خدعوني وجعلوني دمية في أيديهم، لا أقول ذلك تبريرا لأفعالي، كما لا أريد لكلمة "لو" أن تأخذني إلى ندمي وحسرتي.

حين أفقت من غفلتي، أغلقت باب اللوم والندم، ولم أصغي له، بل عزمت على تصحيح ما فعلته، ولم أجد شيئا أمامي في تلك اللحظة، وأنا غارق في يأسي، مفكرا بأنه لا توجد طريقة أبدا لأصحح ماضي حتى رأيتك أنت بين ذراعي صديقي المحتضر.

كان يوما كانت الحرب بين الجيش والثوار في أوجها، انعزلت في ذلك القصر الذي أهداني إياه صديقي لأفاجأ برؤية أبيك عند الشجرة يقاوم شيئا، تبعته فرأيت أعراض سم ماديبوا قد ظهرت عليه، وأنت كنت بين ذراعيه، ثم سلمك لي.

كان يخطط مسبقا لإرسال زوجته وابنه إلى الأرض في سفينة ذهاب وعودة؛ لكون الأمور أصبحت خطرة عليهما هنا، لكن أمك ماتت بعد ولادتك، ووالدك مات مسموما، لذلك لم يوجد خيار سواي.

أخذتك بعد أن دفنت والديك تحت الشجرة كما أمرني. تلك الشجرة حيث التقيت بوالدك أول مرة حين كنا في السابعة.

كان طفلا هادئا، أما أنا فكنت أقفز من شجرة إلى أخرى بينما كان يقرأ هو كتابا في صمت."

ضحك إنخاها لتلك الذكرى "كنت أغيظه في البداية حتى أرى غضبه، لكنه كان هادئا، وأنا أخذت هذا الأمر كتحد لي. واستمرت في إزعاجه شهرا وهو ذو بال طويل قبل أن يذهب حِلمه أخيرا وقال بنبرة غضب "ماذا تريد؟"

"أخيرا أصبح لك لسان" قلت له ذلك.

"لقد تجاهلتك، ذلك يعني أنني لا أريد اللعب معك"

فقلت له حينها "تلك مشكلة، فكلمة "لا" لا تجعلني أذهب بتلك البساطة"

ضحك حينها، ومن يومها أصبحنا أصدقاء، حتى أن جدك كان يعرفني.

كان دائما تحت المراقبة، وكنت دائما أمتلك وقت فراغ؛ لوفاة والدتي وانشغال والدي بالعمل ليل نهار، وحين علم جدك بالأمر قام بجعلي آخذ الدروس مع ابنه، وهكذا أصبحت تحت المراقبة أنا الآخر"

ضحك لتلك الذكرى بصوت أعلى قبل أن يخيم الحزن على وجهه "لكنني خنت ثقتهما، لقد استغلوني لكوني قريبا منهما، وأنا صدقتهم"

أراد أنسيل تلطيف الجو فقال "حدثني عن جدي، هل سيكون غاضبا حين يعلم بالأمر؟"

تبدلت ملامح الحزن من على وجهه وقال "لا، جدك أحب ابنه كثيرا، وكان يعزه كونه ابنه الوحيد، أنا متأكد أنه حزين في أعماقه، ويتظاهر بالقوة كعادته.

لكنني أعلم يقينا أنه سيسعد كثيرا لرؤيتك، وسيبكي كثيرا، وستأخذ الكثير من الأحضان منه، وسيتفهم الأمر جيدا."

ثم مسد على رأسه قائلا "تشبه والدك كثيرا في الشكل، لكنني وبمعرفتي بك قد أخذت شخصية جدك، وستسمع ذلك كثيرا حين تعود. بالمناسبة متى قررت العودة؟"

"ليس في هذه السنوات القريبة"

"وما هو قرارك؟"

"لا أعلم، هل اختار والدي أن يكون الحاكمّ"

"في البداية كان يقول لجدك دائما أن يجد حاكما، وجدك يرفض دائما، ثم حين تفاقمت الأحداث قبل اندلاع الثورة قرر أن يكون الحاكم''

''لو كنت مكان جدي الآن لربما قد أعددت ولي العهد الجديد"

"وماذا ستفعل يا بني لو كانت الفوضى تعم المملكة، ولا حل إلا أن تتدخل؟"

آكسيري هابراما - لعبة الموت (مكتملة)Where stories live. Discover now