قلب بلا مرسى ، بقلم آلاء منير

By AlaaMounir201

374K 11.4K 952

قبطان التلاعب مع خطورة الأمواج لعبته .. سلبت البحار يوما منه الشجاعة بسلاح غادر ، فهل تُعيدها إليه حورية ظهرت... More

( بداية الموج )
الموجة الأولى ..
الموجة الثانية
الموجة الثالثة
الموجة الرابعة
الموجة الخامسة
الموجة السادسة
الموجة السابعة
الموجة الثامنة
الموجة التاسعة
الموجة العاشرة
الموجة الحادية عشر
الموجة الثانية عشر
الموجة الثالثة عشر
الموجة الرابعة عشر
الموجة الخامسة عشر
الموجة السادسة عشر
الموجة السابعة عشر
الموجة الثامنة عشر
الموجة التاسعة عشر
الموجة العشرون
الموجة الحادية والعشرون
الموجة الثانية والعشرون
الموجة الثالثة والعشرون
الموجة الرابعة والعشرون
الموجة الخامسة والعشرون
الموجة السابعة والعشرون
الموجة الثامنة والعشرون
الموجة التاسعة والعشرون والأخيرة
خاتمة الأمواج
مشهد إضافي خارجي
إعلان هام ( الرواية الثانية )

الموجة السادسة والعشرون

11.4K 334 29
By AlaaMounir201

" الحياة غير منصفة .. لن تعطيك ما تشتهي منها دون تنازل ! "

 

ما أن ابتعدا قليلا عن الباب الداخلي للبيت حتى شعرت فجأة بيد آدم تسحبها من يدها يلف حول المنزل يبحث عن مكان مختبئ ..

وهي متسعة العينين بغير فهم ..

إلى أن وجد غرفة صغيرة وراء البيت بدت كمخزن صغير ..

أسندها آدم على الحائط فارتطمت متأوهة

 

وبينما كان هو متسع العينين إثارة مشرفا عليها

كانت متسعة العينين غضبا تمكن منها وهي ترفع وجهها له

وبينما كان هو يقترب بلهفة قاصدا شفتيها

كانت هي تقترب بيدها .. قاصدة وجنته !!

 

و في السبق .. فازت الصفعة !

صفعة سمرته مجفلا متشنجا .. بينما هي لهثت بغضب و .. إثارة

إثارة تمكنت منها دونا عنها بعد أن أدركت نيته في تقبيلها ..

هتفت فجأة همسا بجنون وهي تدفعه عنها بعنف " أوتجرأ ! .. بعد غياب وتجاهل وعدم رد .. تأتي باحثا عن قبلات تعتقدها متاحة لك .. كيف تجرؤ "

صدره الذي أخذ في الارتفاع والهبوط شيئا فشيئا حتى أصبح كمن يركض ملاحقا أنفاسه جعلها تتوجس ..

وعندما رفع وجهه .. هالها ما رأت !

غضب .. عنف .. قهر .. ورغبة واضحة بالتحطيم ..

ابتلعت ماسة ريقها لكنها وبرباطة جأش أو ربما ثقة به .. طالعته بثبات وشجاعة محافظة على وجهتها الغاضبة الصارمة ..

إلا إنها أجفلت وهو يقترب منها ببطء حتى كاد أن يلتصق بها بينما يقول بنبرة مشبعة بالتحدي و الغضب بكلمات بطيئة جدا بينما بسبابته كان يشير للحائط ورائها بقوة حتى جُرح إصبعه " أنا أجرؤ على ما هو أكثر يا ماسة .. لدرجة امتلاكك في هذه الغرفة ورائك .. والآن "

اتسعت عيناها حتى كادت أن تخرج من محجريهما وفكها تدلى ببلاهة من مدى تحديه !!

لدرجة جعلتها تخشى منه للحظة .. ليس أن ينفذ بل أن يتهور فقط ليُريها المحاولة !!!

زمت ماسة شفتيها وشمخت بذقنها تحديا أكبر وضربات قلبها مجنونة متقافزة .. بين ذهول و عدم تصديق ..

لهفة واشتياق ..

عشق متفجر ..

وغضب فراق طال ..

قالت بهدوء لا يشي بما تحمله من جنون وتخبط مشاعر " هل تعتقد نفسك في السفينة ! .. أفق ! .. أنت في أرضي .. في البر .. وملاكي الحارس على بُعد خطوات من ابنته "

 

للمرة الثانية .. صُدمت برد فعله !

تلك الغيرة العنيفة الغاضبة .. يا إلهي ماذا حدث له !

 

أما هو .. فشعر بأن صفعتها لم تكن بقوة ما تفوهت به ..

وهي تتغنى بأبيها ..

كما اعتادت دائما أن تفعل وهو يسمعها مؤمنا بضرورة عودتها لذلك الأب ..

لكنه الآن .. لم يُرد ولو للحظة أن تتغنى برجل سيكون من الظلم المقارنة بينهما .. بين أن تأتي معه هو .. أو تبقى مع ملاكها الحارس !

ضرب على الحائط بجوارها هاتفا بغضب يخرج فيه أفكاره " اخرسي ماسة "

انتفضت هي مغمضة عينيها من جنونه بينما هو يردف من بين أسنانه المطبقة قائلا بثقة لا يشعرها حقيقة .. ثقة واهية يريد بها أن يثبت لنفسه بأحقيته فيها حتى لو كذبا " لا أنتِ .. لا أبوكِ .. لا بلدك كلها .. هل فهمت ؟؟ .. أنا فقط وطنك .. أنا أبوكِ .. هل فهمتِ .. هل فهمتِ "

 

حينها عاد الغضب أكثر .. قاضيا على الكل عداه ..

فضربت صدره تهتف به قهرا " الوطن ! .. ولمَ لفظني وطني يوما .. والآن يأتي مطالبا بأحقيته في شعبه .. أي وطن هذا .. أي أب هذا ! "

صمتت للحظة ثم أعادت ضربه في صدره .. ضربة قوية في ضعفها .. بينما تردف بتهدج " أنا أقسم .. بالله .. لا أصدق حتى وجودك .. لقد لفظتني يوما .. والآن عدت .. الآن فقط حتى عدت ! "

بينما كانت تنظر له من بين نظرات الغضب والقهر والحزن رأته يتحول للنقيض .. اختفى كل عنفه فجأة كما لم يكن .. مشتت ضائع .. غريب !

بينما يهمس بصوت متخاذل " أنا لم .. أعدك بما هو أكثر "

اتسعت عينا ماسة بصدمة ثم صرخت " ولمَ عدت الآن "

أتتها اجابته مخنوقة " لأني لم أحتمل ألا أفعل "

كانت لا زالت تلهث وهي مستندة على الحائط .. تنظر له من بين جنون نظراتها تحاول البحث عن آدم الذي تعرفه ..

فهذا الآدم .. رغم عشق عينيه .. رغم كل خطوطه التي تحفظها .. رغم حنانه الذي يغلبه ..

بدى أكثر تشتتا ..

أكثر ضياعا ..

أكثر ألما ..

أكثر غضبا ..

و أكثر .. إنهزاما !!

كما لم يكن يوما ..

هذا الآدم مختلف لدرجة تؤلمها رغم غضبها منه !

كل هذه أفكار .. تحليلات في رأسها حوله ..

لكنها وبعناد لم تظهرها ..

وبمنتهى العصبية كانت ترفع يديها متشبثة بمقدمة ملابسه غاضبة تهتف به " لقد احتملت لعام .. اذهب واقض حياتك كما فعلت في هذا العام .. بعيدا عنيييي " قالت كلماتها الأخيرة بغضب وهي تدفعه عنها لدرجة أن قميصه فُتحت أزراره العلوية .. بينما هو ظل مكانه لا يتحرك ..

لكن ما حدث لقميصه جعلها تنظر لصدره عفويا تلك اللحظة .. وفي اللحظة التالية كان جنون نظراتها غضبا يتبخر ليحتل مكانه جنون القلق بينما تلاحظ أثر جرح عرضي في صدره طوله يتعدى بعض السنتيمترات .. شكله بشع وكأنه لم يهتم في تطبيبه بشكل جيد !!

لتهمس له بذعر وهي ترفع يدها تكاد تلمسه " ما هذا يا آدم "

رفع آدم يده يمنع أصابعها من الوصول لصدره بينما يقول لها بتحشرج " لا تفعلي .. فأنا ما زلت أتحكم في نفسي بالقوة حتى لا أحصل على قبلتي "

لم تهتم بما قاله ولم تحمر وجنتاها كما تمنى بل شحبت وهي تعيد السؤال " ما هذا يا آدم .. لم أرى هذا الجرح من قبل "

أسبل أهدابه يقول متهكما على كلماتها السابقة " هذا ما كنت أقضي به عامي بعيدا عنكِ "

هتفت همسا محذرة وهي تكاد تصفعه مجددا غيظا " آدم ! "

أسبل أهدابه يجيبها مقتضبا " شجار عابر "

كررت وراءه بغباء ناتج عن الصدمة " شجار عابر ! .. تقصد شجار معك أنت ! "

ابتسم ساخرا سخرية مريرة وهو يجيبها بفكاهة لم تمسها الفكاهة " لا بل وصلني الجرح في رسالة على البريد "

انتفضت فجأة تهتف به برعب " توقف عن هذا .. ماذا حدث لك .. أين كنت .. لماذا لم ترد .. كيف هنت عليك .. كيف هنت .. أين كنت "

أغمض آدم عينيه وهو يرد بغضب همسا " لم ولن تهوني يوما .. لا تتفوهي بالحماقات يا متخلفة .. هل أنتِ غبية "

اتسعت عيناها مجددا وهي تستوعب بجنون وحماقة عاشقة نارية مثلها أنه يسبها .. هل يجرؤ ! .. كيف يجرؤ !!

لترد عليه بـ ( ردح ) ياللعجب اشتاقه ! " بل مجنونة يا عيوووووني "

قالتها وهي تهجم عليه ركلا وبقبضتيها في كل مكان تطاله .. مفرغة شحنة الذهول والجنون والغضب وعدم التصديق أنه هنا أمامها .. بجوارها .. يمسك بيديها يمنعها ضربه .. مبتسما !!

 

إنه يبتسم !

 

توقفت وهي تناظره بذهول تهمس " هل تبتسم .. هل تتعمد أن تزِدني جنونا "

رد ببساطة بينما قبضتاها في كفيه مرفوعتان لأعلى فبدت وكأنها تؤدي رقصة ما بشكل مضحك .. !

بينما هو يبدو مرتاحا وبسمته تتسع أكثر " أجل "

عادت تحاول المقاومة لتتحرر منه هاتفة به " اتركني أيها السافل .. سأصفعك مرارا حتى يتورم وجهك "

ارتد رأسه منفجرا في الضحك فكادت أن تخرج منها سبة وقحة بينما هي مكبلة اليدين في يديه ويبدو أنه لا ينوي تحريرها !!

ثم هز رأسه قائلا مغمض العينين على دموع أغرقتهما من شدة الضحك و .. الحياة ! " يا إلهي .. كم اشتقت إليك .. كم اشتقت لجنونك وناريتك وسلاطة لسانك وطوله الذي يلتف حول مدينة بأكملها "

كانت مستمرة في المقاومة دون توقف فأجفلها وهو يلصقها بالجدار فجأة يكبل يديها بكف واحد ثم قال وهو يميل عليها " لقد صفعتني .. وقللت أدبك يا قليلة الأدب .. لكن هذا لن يمنعني عن تقبيلك .. ثم نعود لتأديبك بعد ذلك في حلبة مصارعة الثيران هذه "

حاول يقترب منها فأطرقت برأسها مصدرة له شعرها هاتفة بخجل " لا .. يا إلهي .. أبي .. أبي بالداخل .. ابتعد حالا "

رد بتصميم وهو يرفع وجهها غصبا " قبلة وأبتعد "

برقت عيناها بشدة وهي تهتف همسا بصرامة أستاذة جامعية " إياك "

شعر بنفسه يتسمر دون إرادته على بُعد شفتيها بمقدار ضئيل جدا فرفع نظراته لعينيها لتكمل هي بقوة " إياك وفعلها .. والله لن يكفيني فيك عاما آخر .. والله أفعلها .. احترم أبي فهو في الداخل .. وأتركني فورا "

 

همس باسمها بترجي " ماسة "

لكنها لم تتراجع وهي تُعيد " أتركني آدم "

ودون إرادة منه مجددا .. مكبلا بأمر سماواتها الغائمة بسحب تصميم لم يره من قبل .. تركها ببطء

أنزلت يديها وهي تبعده عنها بحزم رغم ممانعته اللحظية .. حتى رضخ مبتعدا خطوة ليردف بعدها وهو يبتلع ريقه يلهث " ماسة .. لنتكلم .. يكفي هذا القدر من الجنون و .. لنتكلم "

نظرت لجرح صدره مجددا بحزن " أجل .. نحتاج للكلام .. لكن ليس الآن "

أدرات وجهها للناحية الأخرى مردفة بتحشرج ساخر رغم غضب عينيها " فأنت غبت طويلا .. وتجاهلتني طويلا .. لدرجة آمنت بها بغيابك للأبد وهجرك لي .. وليس من السهل استيعاب تنازلك أخيرا لتشرفني بعودتك "

كان يلهث وهو يستمع لتلك النبرة التي تحمل الاتهام واضحا فهتف بها بفقدان سيطرة " توقفي ماسة .. فأنتِ لم تعترضي يوما على الفراق .. فلا تُلقي بكل الذنب علي الآن "

التفتت له بحدة وهي ترفع يدها تشير لنفسها مرددة باستنكار " أنا ! "

قال دون تردد " أجل أنتِ .. لقد كان قرارا مشتركا بيننا .. فلمَ الاتهام الآن "

شهقت وهي تقول له بصدمة " هل تتهمني بأني مذنبة بفراقك "

رفع حاجبه وقد بدى نافذ الصبر وهو يرد عليها " أجل .. كلانا مذنبان .. كلانا استسلمنا .. فإن كنت أنا أمرتك بالابتعاد والعودة لوطنك .. فأنتِ اقتنعتِ ماسة .. ولم تخبريني بأني وطنك .. لم تحاولي حتى "

كانا يلهثان .. وهو بدى فاقد السيطرة رغم محاولاته الحثيثة ليكبح جماح غضبه ..

و رغم نيته في تحمل كل شيء منها .. مهما صدر عنها !

لكنه تألم .. مثلها وأكثر .. بل أكثر منها بكثير ..

إن كان هو تركها حبا بها .. مدركا بأن لا شيء يعوضها عن أهلها .. مدركا بأن نصف وقته قليل عليها ..

فهي لم تحاول اخباره بالعكس ..

لقد رضخت كما رضخ ..

آمنا كلاهما بالفراق منذ أول يوم حب بينهما .. فلمَ الإنكار !

كانت كلماته ظاهرة في عينيه بوضوح .. وضوح قرأته ..

وضوح أشعلها .. وبقدر ما أغضبها بقدر ما أقنعها

وبقدر الاثنان اندفعت تدفعه في صدره بغضب هاتفة " أيها السافل هل تجرؤ على اتهامي بهجرك أنت "

أطبق آدم على معصميها بعنف شهقت له ألما بينما يقول لها بجنون أكبر " أنا لا أتهمك بشيء .. هذا كان قرارا صحيحا .. كُفي عن الغباء "

لم يكن ما يقوله يزدها إلا جنونا من جديد ..

فصرخت فيه بيأس " هل لا زلت تراه صحيحا .. سأقتلك .. أتركني "

فتح فمه ليرد عليها لكن وقبل خروج كلماته كان صوت أختها المتوجس يأتيهما قائلة " هل .. تتشابكان بالأيدي "

نظرا لها كلاهما بحدة أجفلت نهى فعقدت حاجبيها تهتف بآدم متنحنحة " أترك يدي أختي أو ناديت لك أبي "

اتسعت عينا آدم ثم نظر لماسة قائلا بحنق " هل الجميع هنا يطلب الحاج كثيرا "

تخصرتا الاثنتان يهتفان بصوت واحد " هل لديك اعتراض يا عيوني "

 

رمش آدم بعينيه عدة مرات إلى أن قال بعنف مكبوت وهو يبتعد عن ماسة " لا إطلاقا "

قالت نهى بعد ذلك " أبي يريدكما .. تأخرتما والغداء جاهز "

هرش آدم في مؤخرة رأسه وقد بدى حانقا أكثر ثم تكلم وهو يعود للبيت بمفرده يسبقهما " تأخرنا وليته أتى بثماره "

بينما استدارت نهى لماسة التي سقطت كل وجوهها ليحل وجه آخر ملهوف متعب .. عاشق
ت

لهث وهي تقول لنظرات نهى المتسائلة " بالله عليكِ لا تتكلمي .. فأنا لا أقدر على صلب طولي حتى ! "

.......................

ليلا ..

 

انسدل الستار الأسود الجذاب في السماء مانعا الشمس من التسلل مضيئا مكانها قمرا مكتملا بسعادة تدور حوله النجوم بزينة سبحان من صورها ..

والرياح منعشة ببرودة محببة .. تدفء القلوب

بينما في البيت كانوا لا زالوا جالسين جميعا .. الجميع استرخوا إلى حد ما .. وثرثرة دافئة ظلت تعم الأجواء دون ملل حتى انقضت ساعات طويلة دون أن يشعر أحد

 

انتبه آدم من بين كل هذا لأن المساء قد حل وهو هنا منذ الصباح بإصرار من سمية ..

فنهض مصمما هذه المرة يقول " حقا يكفي هذا .. لقد تأخرت "

ابتسمت سمية قائلة بلطف " هذه المرة سأسمح لك .. لأنك بالطبع تحتاج للنوم "

ابتسم لها آدم بإحترام بينما نهض يوسف يقول بدوره " لنوصلك إذا .. في أي فندق حجزت ؟ "

رد آدم بتهذيب " إنه ( *** ) .. لا بأس سيد يوسف يمكنني الذهاب بنفسي "

فتح يوسف فمه معترضا لينهض كريم قائلا حينها " لا بأس عمي .. ارتح أنت .. سأقله أنا بسيارتي "

نظر له آدم يقول بهدوء لا يشي بامتعاضه " لا شكرا لك .. أنا أستطيع وحدي "

مط كريم شفتيه بنفس الامتعاض وأجابه بإصرار " يمكنني تقديم المساعدة .. لا بأس "

تدخلت سمية تقول بهدوء " دعه يوصلك يا آدم .. فأنت مرهق الآن "

ابتسم آدم لا يقدر على رد تلك السيدة فأومأ موافقا ثم تحرك يستأذن يلحقه الجميع ..

خرجوا للمرآب مودعين له ببشاشة سمية وهدوء يوسف ولوعة ماسة وعفوية نهى

وقف آدم بتلكؤ وهو ينظر لماسة بلهفة لكن وبمنتهى العناد والجلافة كان يوسف واقفا كحائط سد لا يتحرك ..

فالتمعت عينا سمية غيظا وهي واقفة ورائه تكاد تتقافز بحنق من تسمره وهي ترى آدم يتحرك ينوي المغادرة .. يا الله من الرجال وعنادهم !! ..

نظرت حولها بتفكير سريع ثم سرعان ما لمعت عيناها هذه المرة مكرا ودون تردد كانت تخلع جزء صغير من حذائها وبمنتهى الخبث .. أثنت قدمها ملتوية وانحنت فجأة متأوهة " آآآه قدمي التوت "

انتفض يوسف قبل الجميع ملتفتا لها يقول بقلق " ما بكِ .. ماذا حدث "

نفخت سمية وهي تقول مدعية الألم " قدمي التوت يا يوسف .. تؤلمني "

نظر لها بحنق بسبب قلقه وهو يسندها إليه قائلا مباشرة " بسبب هذا الحذاء عالي الكعب .. لقد كبرتِ على هذا الحذاء مما يشكو الخف البيتي بالله عليكِ "

حنقت سمية مستنكرة ما قاله بأنوثة مجروحة .. لكنها لم تعقب – حاليا – بينما ماسة تقول بقلق هي الأخرى " هل نطلب طبيب أمي "

ردت سمية وهي تستند على زوجها أكثر " لا .. مجرد التواء .. سأضع مسكن موضعي وسيزول الألم .. ساعدني يا عزيزي أرجوك للدخول "

كاد أن تتبعها الفتاتان فنظرت لهما تنهرهما بعينيها ثم غمزت بخبث في الخفاء فارتفع حاجبيهما معا قبل أن يكتما الضحك بالقوة ..

بينما يوسف منشغلا بقلقه على زوجته أسندها يلحق بها تاركا بنتيه في الخارج فابتسمت سمية بانتصار وهي تعود للتأوه !
 


.....................

في المرآب كانت ماسة واقفة ناحية البوابة مع آدم بينما كريم واقفا مع نهى داخل الحديقة بالقرب منهما .. متجهم الملامح

رفع آدم نظراته لماسة قائلا بخفوت يليق بالجو الليلي البارد " كيف حالك الآن "

أومأت بشرود مطرقة ترد عليه " ممممم .. أكثر تقبلا و .. أقل ذهولا ربما "

قال لها بهدوء " جيد "

نظر حوله في الحي الهادئ بعض الشي وأردف " الحي رائع "

أومأت له تقول له " إنه كذلك "

زفر آدم وهو يعود لها بنظراته لا يعجبه ذلك الهدوء الشارد منها فتكلم بحرارة " اشتقت لك ماسة .. حقا "

رمشت بعينيها وهي تنظر له متكتفة للحظات قبل أن ترد عليه باستسلام حزين " أنا أيضا .. جدا "

فابتسم لها أخيرا متنهدا ببعض الراحة ..

 

على بُعد خطوات كانت نهى مستندة على الشجرة ورائها ناظرة لكريم الصامت بعبوس ملامحه .. لا تحبه عابسا .. بل لا يليق بمحياه البشوش أي عبوس

رفع وجهه لها أخيرا ناظرا لها للحظات قبل أن يقول فجأة " كيف كان شعورك في .. تلك الحادثة "

ارتجف جسدها للحظة فرفعت يديها تحتضن نفسها بخوف مفاجئ .. لكنها ردت عليه بتماسك مبتسمة " وكيف سيكون شعور من في مثل حالتي "

صمتت مجددا تنظر حولها تردف " الخوف .. الرعب .. أم الانتظار "

عقد كريم حاجبيه بعدم فهم لتردف وهي تسبل أهدابها محافظة على بسمتها بإصرار " انتظار الموت "

انتفض جسده ثم تشنج وهو يهتف بخشونة " لا تقولي هذا "

مالت ابتسامتها لتبدو أكثر هدوءا فقالت مصححة بما يشبه المزاح " كلمة استسلام أفضل ربما "

أغمض عينيه للحظة ثم اقترب منها يمسك بيديها هامسا لها بصوت أجش فاض بالقلق " نهى كيف كنتِ وحدك .. يا الله ما أصغرك على هذا .. رقيقة جدا على كل هذا "

اتسعت ابتسامتها هذه المرة بسعادة من قلقه لكنها قالت ببساطة " أجل .. ربما أنا أضعف من ماسة لمواجهة مثل تلك الكارثة .. ولكن ألمه كان يكمن أكثر في أني فتاة تركت أختها ورائها يحوم من حولها موت محقق ! "

نظر كريم لماسة الواقفة مع آدم على بُعد صغير منهم ثم عاد بنظره لصغيرته التي يمسك بيديها ثم قال لها " ماسة كانت أكبر كانت .. أكثر تمكنا في السباحة ربما بينما أنتِ .. يا إلهي كنتِ وحدك و .. صغيرة جدا "

عبست مدعية الغضب تقول له " حسنا لقد كررت أني صغيرة أكثر من مرة .. عرفت "

لكنه كان من القلق بحيث لم يلتفت لما تقول بينما أردف هو مكملا " لو كان حدث لكِ شيء .. كيف كنت سأكون أنا "

هزت كتفيها ببساطة من جديد ترد ببديهية " كنت ستحزن قليلا .. لكن في كل حال لم يكن الأمر عظيما لك حيث أنك لن تكون تعرفني تقريبا "

هز رأسه مستنكرا يهتف به " كيف تقولين هذا .. لم تكوني يوما شخصا عابرا يا نهى .. لطالما كنتِ صغيرة مميزة بالنسبة لي .. حتى لو لم يجمعنا حب إلا قريبا .. لو كنت فقدتك .. " صمت كريم يلتقط نفسا متحشرجا ثم أردف " كنت سأعيش مبتورا ينقصني نصفي الآخر .. نصفي الحلو المجنون .. الصغير جدا كحمامة ناعمة بيضاء .. أريد حبسها في قفص صدري "

اتسعت ابتسامة بلهاء عاشقة على شفتيها وهي تحمر بخفر لذيذ بينما تقول له بغباء قاصدة أن تبعد خجلها " من يراك الآن لا يراك طوال اليوم وأنت عابس "

عبس وجهه مجددا بالفعل فكادت أن تصفع نفسها جزاءا على غباء جملتها بينما هو ترك يديها قائلا " أجل .. ذكرتني في تخبطات قلقي عليكِ .. هل تعلمين ماذا أتمنى .. أتمنى لو أمص دماءك كلها حالا علها تشفي غيظي منكِ ومن عفويتك "

لوت شفتيها ممتعضة تتمتم بتذمر " ماذا .. هل تعتقد نفسك دايمن سالفاتور الآن "

ليحنق هاتفا بها بغيظ " نهى ! "

 

التفتا الاثنان الآخران على هتاف كريم المغتاظ قبل أن يعودا بوجهيهما مبتسمين هي مطرقة وهو ناظرا لها قبل أن يقول ببعض الشقاوة " أختك تشبهك كثيرا .. لكنها أكثر طفولية ربما و دلال "

ابتسمت له ترفع سوداوتيها فيتلقفهما هو بعسليتيه المشتعلتين بلهفة بينما هي ترد " أجل .. هذا لقبها .. مدللة "

ابتسم بحنان قائلا وهو يمد يده ليدها " وأنتِ مدللة .. مدللتي أنا "

سحبت يدها عنه تنهره بخفوت " نحن في الشارع "

مط آدم شفتيه وهو ينظر حوله يجيبها " لهذا لطالما أحببت البحر .. أكثر براحا و .. حميمية "

احمرت وجنتاها أخيرا فاتسعت ابتسامته يتنهد بأنفاس لامست ملامحها تقبلها له عن بُعد مغيظ تمنى لو ينهيه مقتربا ..

قال بعدها وهو يشير للبيت " أحببت عائلتك جدا .. إنهم دافئون .. وأمك رائعة .. وكذلك .. أبوكِ "

قال الكلمة الأخيرة ببعض الشرود فرفعت حاجبا تسأله بخشونة " ماذا .. ألم تحب أبي "

نظر لها منتبها يجيبها بسرعة " بالطبع لم أقصد .. بالعكس إنه .. كما وصفتيه تماما .. يحبكن لدرجة .. لدرجة لا يمكن وصفها !! "

ابتسمت ماسة بفخر منشغلة عما يفكر به قائلة بثقة " بالطبع .. إنه الأروع على الاطلاق أليس كذلك "

ابتسم ابتسامة ضعيفة وهو يومأ لها ببطء دون كلام ..

حتى انتبه لكريم المقترب منهما بملامح الغيظ تعلو وجهه قائلا بجلافة " هل نذهب أم أجلب مرتبة لنبيت في الحديقة "

نظر له آدم نظرة خطرة بحاجب مشقوق مرفوع بينما كتمت ماسة ضحكتها منتبهة لأختها الحانقة هناك فقالت بهدوء " لا بأس اذهبا .. آدم متعب يحتاج للنوم "

نظر لها كريم ثم قال بعفوية " حسنا ماسة الحي ادخلي أنتِ أيضا مع تلك المدللة فالجو بارد "

ارتفع الحاجب الآخر لآدم مستنكرا بينما ماسة ترد بنفس العفوية " حسنا كريم .. تصبحان على خير "

اشتعلت غيرة آدم ليمد يده يطبق على ساعدها يسمرها مكانها مجفلة فنظر له كريم ليبادره الأول " اسبقني للسيارة "

طالعه كريم بغير تصديق من مدى عنجهيته ليتكلم معه بصيغة الأمر هكذا فاقترب منه خطوة مستعرضا عضلاته هامسا بخطورة " عفوا .. هل تأمرني !! .. ذكرني بالمرتب الذي أقبضه منك ؟ "

لم يتراجع آدم وهو يطالعه بجمود وبرود تعجب منه وهو الذي قضى سنة كاملة يغضب من كل شيء مهما كان بسيطا .. ها هو بيوم واحد عاد لطبيعته !

قال له آدم " أنا لا أعطي مرتبات .. وإنما صدقات هي بالنسبة لي .. هل تريد "

شهقت ماسة ونهى بينما ابتسم كريم ابتسامة ساخرة وهو يقول له ناظرا له كله بنظرات مستهينة " صدقات ! .. لي أنا ؟ .. أخبرني كم هو وزنك لأضعك بمقداره مالا يا .. آدم "

اتسعت عينا ماسة بهلع خشية من تطور الوضع فتدخلت فورا تبعدهما قائلة " حسنا .. انتهت اللعبة .. أنتما الأفضل على الاطلاق لا داعي لقصف الجبهات المتبادل "

نظرت لآدم بعدها نظرة صارمة تقول له " آدم .. كريم يعرض المساعدة فتقبلها شاكرا "

اتسعت عيناه بالغضب لكنها لم تبالي وهي تنظر لكريم مكملة بتوبيخ " وأنت .. إنه ضيف لدى أبي .. فتعامل بكرم أو انسحب مشكورا "

مط كريم شفتيه ممتعضا ثم تحرك لسيارته دون كلام منتظرا لآدم الذي رمقها بنفس نظراته الغاضبة قائلا من بين أسنانه " ادخلي لبيتك ماسة .. فيبدو أن هناك الكثير حولك أصبح يغضبني لدرجة الرغبة في القتل الآن "

ابتسمت ماسة بثقة وهي ترد تُلقي بشعرها للوراء " الكثير جدا قد فاتك بالفعل .. فتعامل معه بلطف من فضلك .. تصبح على خير "

قالتها ودخلت البيت فوقف يسد الباب قائلا بخفوت حتى لا تسمع نهى " بيننا الكثير للحديث .. بدايته قبلة معلقة لم أحصل عليها بعد "

اشتعلت وجنتاها لكنها أسبلت أهدابها ترد ببرود كاذب لا يشي بانتعاش روحها " في أحلامك "

تراجع خطوة للوراء يسمح لها بإغلاق الباب أخيرا يأتيها صوته خافت لدرجة مجنونة بدت كصراخ مدوٍ " أحلامي تسكنينها بالعديد يا حورية فالقبلات لا تعادل ما تفعلينه "

بعدها تحرك جالسا بجوار كريم

ودون أن يتفوه كلاهما بشيء تحركت السيارة كل غارق في أفكاره الخاصة

 
.

.....................

في داخل البيت ..

 

كانت جالسة تطالعه بحنان مبتسمة تستند برأسها على ظهر الأريكة ناظرة لما يفعله بهيام لا يقل مهما زادت السنون ..

بينما هو كان ممسكا بقدمها يدلكها بمسكن برفق عابس الملامح بقلق يقول لها " سمية هل أنتِ حقا متأكدة أنكِ بخير .. فأنتِ عظامك لينة .. دعيني آخذك للمشفى "

اتسعت ابتسامة سمية وهي تسمع قلقه ورغم عدم رغبتها في اقلاقه لكنها بدت مستمتعة بلحظات خوفه وحبه وحنانه عليها .. رغم أنه لم يقصر يوما .. لكن الحياة تجبرهما أحيانا للانشغال أكثر بابنتيهما ..

قالت له وهي تقترب منه ترفع وجهه العابس لها من ذقنه " أنا بخير يا يوسف .. عظامي ليست بهذه الرخاوة "

ازداد عبوس وجهه يرد عليها " كيف هذا .. لطالما كنتِ رقيقة البنية .. دعينا نذهب للمشفى لنتأكد "

مدت يديها تتلمس وجهه الحبيب ثم تكلمت بنعومة " أنا بخير يا أبا البنات "

ابتسم حينها للحظة لكن سرعان ما عبس وهو يستدير ناحية الباب قائلا باستدراك " البنات .. لقد نسيتهما في الخارج "

كاد أن ينهض بالفعل فاغتاظت سمية من جديد لكن وقبل أن يتحرك كلاهما كان الباب يُفتح تدخل منه الفتاتان واحدة هائمة وأخرى تعلو ملامحها التذمر والحنق !

دون شعور كانت سمية تنهض فجأة بما يشبه الركض تتحرك نحوهما هاتفة " ماذا فعلتما .. هل ذهبا الشابان "

من ورائها اتسعت عينا يوسف مستنكرا وهو ينظر لقدمها التي تقف عليها كقرد يتسلق الأشجار بكل حيوية فلمعت عيناها بادراك متأخر مغتاظ يهتف بها غاضبا " سميااااااااااااااااة "
 


......................

اندفعت تدخل الغرفة وهي تزم شفتيها في محاولة منها لمنع الانفجار ضحكا .. حاولت الهرب لتدخل الحمام لكن يدا بشرية بدت ككماشة حديدة تديرها لها بطريقة مناقضة لما كان يقوله صاحب اليد قبل قليل حول ليونة عظامها .. فها هو يكاد يخلع ذراعها كله من مكانه ..

هدر بها بغيظ وهو لا زال محتفظا بذراعها في يده " إلى أين تعتقدين نفسك ذاهبة .. هل تعتقدين أن ما فعلتيه اليوم سيمر سهلا .. لقد زدت من أفعالك المجنونة اليوم يا سمية بما لا أحتمله "

رفعت يدها تمسد على صدره هامسة له " لا بأس حبيبي .. اهدأ قليلا "

ترك يدها وتحرك يغير ملابسه بحركات غاضبة بينما يقول لها " لا أصدق .. هل عدتِ لجنونك أم ماذا .. ألن تتعقلي أبدا يا سمية .. ما هذا الذي فعلتيه .. هل تضعيني أما الأمر الواقع .. تعلمين أني أكره هذا "

صمت قليلا يرتدي قميص بيتي قبل أن يقترب منها مردفا " ما معنى أن تذهب ماسة لتريه الحديقة .. أي حديقة هذه ونحن في الخريف أصلا "

صمت ينظر لقدمها ثم رفع نظراته لها من جديد ليكمل وهو يشير على ساقها " لا أصدق أنكِ تمثلين علي أيضا .. هل وصلت لهنا يا هانم ! "

تأففت سمية غيظا فقالت له بعناد " بالله عليك .. ماذا أفعل وأنت كنت كحائط بشري بين الجميع .. لا تترك للإنسان مجالا للتنفس "

اتسعت عيناه استنكارا هاتفا " وماذا تريدين أن أفعل .. ذكريني المرة القادمة نحجز له غرفة ليرتاح فيها "

ضيقت سمية عيناها وكأنه ترسل له شعاع غير مرئي تكشف ما بعقله قبل أن تقول له " أنت متحامل على آدم .. هل تغار منه ؟ "

انتفض يوسف ينفي مستهجنا " أغار ! .. لماذا .. هل فقدت عقلك يا سمية "

اتسعت ابتسامتها قائلة بثقة " أنت تغار منه .. إنه ينافس على قلب ابنتك "

لوح بيده وهو يتحرك ناحية السرير جالسا يهتف بحنق " أنا لا أحد ينافس مكاني في قلب ابنتي .. هل فهمتِ "

زفرت سمية وهي تقترب جالسة جواره قبل أن تنظر لعينيه تحدثة بنفس الثقة " إذا قل هذا لنفسك حبيبي .. لا أحد ينافس على مكانك أبدا .. أنت عند بناتك الكثير .. عندنا جميعا يا يوسف "

تنهد يوسف وكتفاه انحنيا يقول مرهقا " أعلم ذلك "

سألته بترقب " إذا ؟ .. أنت تعامله بتحفز بعض الشيء .. لم أرك تعامل كريم بالمثل "

عقد يوسف حاجبيه يقول ممتعضا " إنه ليس ككريم .. كريم هذا ابني الذي لم أنجبه سواء كان خطيب ابنتي أو لا .. لقد كان في صغره يناديني أبي أحيانا بحق الله .. أما آدم هذا فهو غريب .. لا تنكري هذا .. حتى لو فعل ما فعله .. لكنه يظل غريبا .. لقد تعاملنا معه بود واحترام .. لكن لا يوجد شيء بينه وبين ابنتي رسميا حتى أقدم له ما هو أكثر "

مدت سمية يدها تمسك بذراعه حينها هاتفة باستدراك " بالضبط .. وهذا الشيء الرسمي .. كيف سيحدث لو لم يتكلما .. لقد عاد الشاب لتوه .. يحتاج للتحدث مع ابنتك لوضع النقاط على الحروف "

مط شفتيه قائلا بعناد أغاظها " هذه النقاط يضعها معي أنا يا هانم "

تنهدت متمسكة بالصبر تقول برفق " بالطبع حبيبي .. هذه هي الأصول طبعا .. ولكن هذا الشاب غربي .. لذا لن يكون على علم بتلك الأصول مثلا ككريم .. هل فهمت "

نهض يوسف يضع يديه في جيبي بنطاله متمسكا هو الآخر بعناده " بالضبط .. هو غربي .. غربي وغريب "

زمت سمية شفتيها فاستدار لها ملوحا بيده قائلا بتحذير " هذا الشاب .. لا شيء يربطه بابنتي .. مشكورا على ما فعله .. لكن هذا لا يعطيه الأريحية في التعامل "

مسدت سمية جبهتها مدركة أن ما يقوله صحيح .. صحيح وتؤمن به ..

ولكن الأمر لن يسير بهذا الشكل .. فهذا الشاب رغم هالة الكبرياء التي تحيط به بدى .. قليل الثقة جدا !

متردد !

متراجع !

لا أحد يفهمها ..

هي تدرك جيدا عشق الاثنان لبعضهما .. والاثنان ضائعان يحتاجان لمساعدة وارشاد .. وإلا سيعود الجميع خطوات كثيرة للوراء ..

ففكرة أن يسافر الشاب مجددا يجعلها ترتعب من حال ابنتها حينها !

 

تنهدت سمية تقول ليوسف مجددا " أجل لا يعطيه الأريحية بالطبع .. لكن فقط أنا أحاول مساعدة الاثنان ليتكلما قليلا .. لو تقدم خاطب لفتاة فمسموح له بالجلوس معها والتحدث .. أنت متحامل يا يوسف لا تنكر هذا "

عقد حاجبيه دون رد وهو يشرد تحت نظراتها الذكية لتهز رأسها قائلة " هل تكره الشاب "

نظر لها يرد عليها بصدق " لا أبدا .. بالعكس بدى لي رجلا .. شخصية فريدة مميزة تليق بماسة .. ولكن " قالها وصمت مجددا متململا في وقفته فسحبته سمية يجلس بجوارها ناظرة له منتظرة أن يكمل كلامه فأردف " هذا الشاب .. أتى وفي عينيه نظرة تصميم على .. سرقة ماسة "

ارتفع حاجبا سمية بعدم فهم ليقول بحنق " لقد أتى يريد أخذ ابنتي له للأبد "

اتسعت عينا سمية للحظة قبل أن يرتد رأسها ضاحكة بشكل زاد من حنق سمية فحاولت أن تهدئ من ضحكاتها ثم قالت له " يا إلهي .. تبدو كطفل تُسرق منه حلواه "

زفر يوسف مدركا صبيانية أفكاره قبل أن تمسد عليه سمية قائلة له " لا بأس حبيبي .. ربما ابنتنا تحبه كثيرا .. لكن هذا ليس معناه أنه سيسرقها منا .. لا تخف حبيبي .. دعنا نترك كل شيء لحين أوانه "

صمتت قليلا قبل أن تردف برفق مقبلة شيب رأسه الغالي " لطالما نضحي لأجل سعادتهما حبيبي .. هذه سُنة الحياة .. يكفي علينا سعادتهما فنسعد "

تنهد يوسف يومأ مرهقا لتقبل رأسه بصمت من جديد تغرق في أفكارها .. كغرقه في أفكاره ..

....................

بعد أسبوع ..

 

خرجت من مبنى الكلية تزفر بتعب .. تعيد خصلات انفلتت من شعرها المعقوص برسمية لخلف أذنها ..

تلفتت حولها في بحث يجعل نبضاتها متقافزة مهما تكرر الموقف .. وكما كل اليوم .. ما أن تقع عيناها عليه حتى تنفلت دقاتها أكثر من عقدها .. في تسارع مجنون ..

اقتربت منه تسير في خجل فتاة يتناقض مع مظهرها الرسمي كأستاذة جامعية ..

لحظة واثنتان وكما توقعت رفع وجهه بحدة مألوفة وكأنه يجفل للحظة بعدم تصديق لاقترابها منه كحلم بعيد المنال ..

قبل أن يعتدل في وقفته المائلة على سيارة استأجرها منذ أول يوم له في البلاد .. وارتسمت ابتسامة مناغشة على شفتيه .. تحمر لها أكثر فتحمد الله أنه يرتدي نظارة سوداء تخفي عنها اشتعال عينيه ..

وقفت أمامه هامسة له " مرحبا "

اتسعت ابتسامته بشكل غير ملحوظ إلا لعينيها النهمتين وهو يرد بصوت خافت " مرحبا "

ظلا صامتين دون كلام للحظات طالت وهي تتهرب بعينيها هنا وهناك .. ملاحظة نظرات البعض الهائمة بشكله المختلف عن الجمال العربي المعروف .. بين أستاذات وطالبات ..

فتكاد تسبهن جميعا بمنتهى التهور !

 

منذ أسبوع وهو يأتيها كل يوم .. تتذكر أول يوم وهي خارجة شاردة قبل أن تصطدم بصدر أحدهم ليقول ذلك الأحدهم بانجليزيته الرزينة التي تتناقض مع عبث نبرته " هل أنتِ ضائعة يا صغيرة "

فرفعت رأسها مجفلة لتراه .. بهيا .. كحلم لا يُصدق من مدى جماله وهي التي طوال الليل لم تنم حتى خشية أن يكون وجوده مجرد وهم من خيالها الجامح ..

في ذلك اليوم تفاجئت بقدوم أمها لغرفتها بعد عودتها تسألها إن كانت رأت آدم وقد بدت واثقة من رؤيتها له ..

فأجابتها بصدق أنه أتى للجامعة فلمعت عينا أمها بالغموض حينها ..

وأمها قلما تكون غامضة .. إلا في أوقات تخطيط ذكي متأني !

وكل يوم كانت تخبرها بقدومه لرؤيتها قبل أن تتحرك بسيارتها مغادرة فيتركها على مضض ..

وبالأمس أخبرتها بطلبه في مقابلتها خارج الجامعة .. فأعطتها أمها الموافقة بنفس الغموض و .. الترقب !

وها هي معه الآن للذهاب للتكلم كما طلب !

أجفلت ماسة خارجة من شرودها اللحظي على صوت نهى المتحمس الذي اقتربت منهما هاتفة " مرحبا آدم "

انتبه آدم فاتسعت ابتسامة وسيمة على شفتيه وهو يرد عليها " مرحبا يا صغيرة .. كيف حالك "

زفرت نهى تقول له بثرثرة عفوية " متعبة .. فالامتحانات تقترب وهذه سنة التخرج لي "

ابتسم لها آدم ابتسامة مشجعة قائلا " لا بأس أنتِ بقدرها .. ستكونين متفوقة كأختك "

نظرت نهى لأختها نظرة خبيثة قبل أن ترد عليه تلاعب حاجبها " وهل يوجد كـ .. حوريتك "

شهقت ماسة تنهرها " نهى تأدبي "

ضحك آدم بأريحية قبل أن يقول ببساطة معترفا " بصراحة لا .. لا يوجد كحوريتي الماسية "

رفعت له ماسة نظراتها الموبخة قائلة له هو الآخر " توقف آدم "

 

انتبه ثلاثتهم لكريم الذي ترجل من سيارته مقتربا يحييهم بهدوء قبل أن ينظر لنهى التي تطالعه باشتياق وهو الذي ظل على خصامه لها منذ أسبوع كامل هذا الظالم ..

نظرت نهى لآدم تقول " أنا سأذهب .. أراكما لاحقا "

ابتسم لها آدم من جديد يودعها بلطف أغاظ كريم .. الذي قال لماسة متعمدا " انتبهي لنفسك ماستنا الغالية "

رفع له آدم نظرات غاضبة رغم جمود تعابيره قبل أن يتكلم هو الآخر موجها حديثه لنهى " انتبهي لنفسك أنتِ أيضا يا مدللة "

اتسعت ابتسامة نهى العفوية وهي تلوح له متحركة بينما كريم يجز على أسنانه بنفاذ صبر يلحق بها منطلقا بسيارته ..

نظرت ماسة لآدم قائلة بتوبيخ " توقف عما تفعله .. ستسبب لهما مشاكل "

رفع حاجبا بريئا يرد عليها مبررا " هو المستفز .. من الجيد أني تخلصت من جنوني ما أن التقيتك وإلا .. كانت ستُقام مجازر على شرفه !! "

نزلت ماسة بنظراتها لمكان الندبة في صدره رغم أنها لم تكن ظاهرة .. قبل أن ترفع وجهها له مجددا قائلة بحزم " لنذهب آدم .. نحتاج للكثير من الكلام والشرح "

 

....................................
 


" ألن تتوقف عن أفعالك الصبيانية "

قالتها متذمرة تكاد تختنق من خصامه لها .. صحيح أنهما يتكلمان كل يوم .. لكنه لا زال متحفظا بشكل مغيظ .. لا تفهم سببه ..

التفت كريم لها قائلا باستنكار " أفعال صبيانية ؟ .. هل أنا من أقوم بأفعال صبيانية أم أنتِ "

 

تأففت نهى بملل ليردف هو يهتف بغضب هذه المرة " كم مرة أخبرتك ألا تتعاملي بتلك العفوية .. هل أنتِ غبية لا تتلقين الأوامر بشكل جيد "

اتسعت عينا نهى بصدمة قبل أن تهتف في المقابل " أوامر ! .. وغبية .. لا تكلمني بهذه الطريقة أبدا كريم .. أنا أحذرك .. هل فهمت "

رد عليها بصراخ أفزع من يمرون بجوار سيارته بينما يضرب على المقود بقبضته " لا لم أفهم .. تعلمي أولا كيف تلتزمين مع غيرك "

هزت رأسها بذهول قبل أن تهمس له " كيف تكلمني هكذا .. ماذا فعلت أنا لكل هذا .. هل تجدني أرقص في الشارع .. هل كل هذا بسبب غيرة متخلفة من رجل هو بمثابة خطيب أختي .. أي عقل هذا "

التفت لها بطاقات غضب أجفلتها وهو يهدر بنفاذ صبر " اخرسي نهى "

كان قد وصل لبيتها فأوقف السيارة هناك بينما يردف " هل ترين غيرتي عليكِ تخلف .. أنا لا أغار منه وإنما أغار عليكِ .. وتلك العفوية منك في التصرفات أنا أرفضها تماما .. عليكِ إدراك ما أرفضه والالتزام به .. فأنا سأكون زوجك "

زمت شفتيها وعيناها تتثقلان بهما طبقات دموع أجفلته خاصة وهو يرى أولى أمطارها تتساقط قبل أن تمسحها بعنف هاتفة من بين أسنانها بشراسة " لم يُخلق بعد من يعاملني كأني خادمة أتلقى أوامره .. في أحلامك يا كريم .. في أحلامك "

 

قالتها واندفعت من السيارة تفتش عن المفتاح من بين دموعها المنهمرة ثم دخلت تصفق الباب ورائها بعنف ..

بينما هو في السيارة يلهث غاضبا ..

لا يعلم ما به ..

تلك التصرفات التي تقابل بها آدم وكأنه عشرة عمر لها .. هو لا يغار منه أو من ألف رجل .. هو يغار عليها ..

يعلم كم تبدو حلوة وشهية وهي مدللة جميلة بطباعها الشقية .. هو فقط يغار !
 


ويريدها ..

كل يوم يمر يسقط في حبه لها أكثر .. ومنذ ذلك اليوم الذي أدرك أي كارثة مرت بها وحيدة ضعيفة وتبعات الأمر عليها دون وجوده .. يكاد يموت اشتياقا لاحتضانها مرة واحدة مواسيا .. مخبرا إياها أنه حاميها ..

تبا .. هل سينتظر حتى تنتهي السنة الدراسية .. سيموت !

زفر كريم ببؤس وهو يتحرك ينوي الابتعاد قليلا بالسيارة حتى لا يدخل البيت بكل تلك الطاقات السلبية بداخله ..

 

بينما فكرة واحدة تدور في عقله .. بشأن التعجل في الزواج !

 
.

.....................

أغلق الهاتف مبتسما بينما تتابعه ماسة من فوق فنجان القهوة الذي تشربه صامتة .. رفع نظراته لها فقالت له بهدوء " كيف حالهم " رد مبتسما لها " جميعهم بخير .. لو كانوا يعلمون بوجودي معك كانوا أصروا على التحدث إليك .. خاصة مايانا "

ابتسمت باشتياق لهم جميعا ثم قالت بعفوية " ولماذا لم تخبرهم أنك هنا ومعي "

ظل ينظر لها للحظات صامتا ثم أسدل أهدابه البنية متهربا من اخبارها أنه لا يريد أن يتعلقوا كثيرا فهو نفسه فاقد الثقة ..

قال باقتضاب مختصر " لا لشئ معين "

شعرت بمراوغته ورغم تعجبها من الأمر لكنها لم تكترث قبل أن تقول له " إذا .. في خلال سنة الغياب .. كدت أن تتحول لمجنون .. كسر .. تحطيم .. معارك وتشابكات بالأيدي "

مالت ابتسامة ساخرة على شفتيه قبل أن يجيبها " لست فخورا بالأمر "

أومأت له دون كلام شاردة في بؤس حاله .. وبؤس حالها ..

قبل أن تتكلم بنفس الشرود بشكوى منه له " ماذا استفاد كلانا من الفراق "

نظر لفنجانه دون كلام للحظات قبل أن يرد عليها " كان اتفاقا صحيحا ماسة "

رفعت نظرات شرسة قائلة من بين أسنانها " توقف عن قول تلك الجملة "

نظر لها مكررا بإصرار " ولكنها كانت كذلك .. دعينا لا نتهرب من الأمر "

زمت شفتيه تقول بتحدي " ولمَ عدت "

هز كتفيه يرد بصبر " أخبرتك بأني لم أحتمل ألا أفعل "

صمت للحظة يرتشف قهوته قبل أن يردف " أنتِ ناديتني .. لم يكن عليكِ ذلك "

تنهدت بحدة تقول محذرة " من فضلك آدم اخرس .. فأنت تغريني بسكب القهوة في وجهك الآن "

ابتسم لها وهو يخبرها ببساطة " أنتِ قليلة الأدب "

رفعت حاجبا واثقا ترد عليه " وأنت غبي "

ارتفع صوت أغنية ما في المطعم البسيط الأنيق من حولهما استمعا لها للحظات بشرود .. قبل أن تجلب ابتسامة على شفتي آدم متسائلا إن كانوا بالمطعم يعلمون بحالهم فتقصدوها !

 

( ناديتي بشوق ناديت .. قولتيلي تعالى جيت

لا هعاتبك عاللي فات ولا حتى هلوم عليكِ

أديني رجعلتك أديني بين ايديكِ

كفاية دموع بقى مش عارف أشوف عينيكِ )
 


زفر وهو لا زال على نفس الابتسامة ثم قال لها وهو ينظر لحلتها " إذا كيف حالك في زي الأستاذة الجامعية " ..

شدت قامتها بفخر تلقائي قبل أن تقول بسعادة " ممتازة "

ابتسم ابتسامة باهتة لم تلحظها جيدا حيث سأل بسؤال آخر بدى كتقرير أكثر منه سؤال " لم تنسني يا ماسة "

رمشت بعينيها مجفلة للحظة قبل أن ترد بهدوء " أعتقد أننا لا نتحكم في هذا الأمر "

عقد حاجبيه يسأل " أي أمر .. النسيان ؟ "

رفعت نظراتها له ترد بثقة " بل الحب "

بادلها النظرات بصمت ثم قال " ماذا لو لم آتي إليك أبدا "

ردت بخفة دون تردد " لقد قلت في رسائلي التي قرأتها آدم .. لم أكن لأتزوج وأمضي في حياتي مع رجل وقلبي يحب آخر .. أنا لم ولن أحب غيرك "

 

( وقوليلهم مش نادهاني

هو اللي وحشته وجاني

ده أنا مهما هيحصل بينا

مش هبعد عنك تاني )

 

كانت قبلة الحياة التي افتقدها لوقت طويل ..

هذه الثقة التي لطالما تتحدث بها عن حبه .. كم اشتاق لها .. لكلماتها .. إنها تنعشه بحق وتجعله يريد الصراخ من فوق القمم بحبه لها .. بثقته بها وبثقتها به ..

قال لها فجأة مداريا على تخبط مشاعره بين أكثر من اتجاه يسحبه " هل تعلمين أن لكِ أكثر من شكل "

عقدت حاجبيها بتساؤل فأكمل موضحا " لكِ شكل كما أنت الآن .. أستاذة جامعية بحلة رسمية وتسريحة شعر صارمة ، وشكل فتاة مراهقة بملابس بسيطة رياضية بتسريحة شعر مهملة مرتخية ، وهناك أيضا شكل آخر .. وأنتِ أنثى خلابة مهلكة بفستان وكعب عالٍ وتسريحة شعر أنيقة ، و شكل أخير .. هو ربما الأقرب لقلبي "

صمت فطالعته بترقب ونبضات قلبها تعزف الألحان وهو يصف أشكالها كما يقول فأكمل لها بحرارة " شكل فتاه تائهة .. كالحورية التي خرجت من الماء .. ترتدي ملابس القبطان الواسعة عليها .. فتخلف رائحتها الطبيعية فيها .. حتى إذا ما ارتدى القبطان الملابس لا ينام الليل براحة متشمما رائحتها في كل خلاياه .. وكأنه يحتضنها "

ابتلعت ريقها والنبض في عنقها يكاد ينفجر وتمسكت بالقهوة بيديها مرتبكة من حميمية الوصف .. فمد يديه يلفها حول يديها مقتربا منها أكثر وأردف كلامه باشتياق متفجر وكلمات تنساب نتيجة تفجر نبع ثقته الذي امتلء بثقتها هي به " كم ظللت لوقت طويل على تلك السفينة أتشمم رائحتك في ملابسي وقد كنت لا أريد غسلها أبدا .. مؤرقا نفسي بنفسي فلا أنام الليل بينما أنت على بُعد خطوات مني على سريري تنامين هانئة آمنة "

يا إلهي كيف تصف ما تفعله بها كلماته هذه .. همست محمرة الوجه لا تعرف ماذا تقول " آدم .. أرجوك "

لكنه لم يهتم وقد بدأت المفرقعات تضرب في صدره وهو يقول " حتى اختفيتِ عني .. وعادت الحورية لمائها .. وظل القبطان يحوم هنا وهناك في كل البحار والمحيطات عله يجدها مجددا .. يتعذب في ليله ونهاره اشتياقا لها .. متسائلا كل ليلة إن كانت قد نسته .. فإذا به يجد منها نداء تخبره إن نبضات قلبها لا تزال تنبض باسمه هو .. فقفز فورا في أمواج حبها يسبح لها غير قادر على الصبر أكثر .. غير قادرعلى تجاهل النداء مهما حاول التمنع لأيام .. وقد شعر بأنه سيموت من فراقها عنه .. أو سيقتل أحدهم يوما "
 


( وقولي لقلبك يسمعني

مش دمعه اللي مرجعني

من غير ما تنادي وتبكي

الشوق كان هيرجعني )
 


تنفست بسرعة وارتجاف بينما يداه تتشبث بيديها أكثر بدفئ وهو يمسد عليهما بإبهاميه

ابتسمت بعدها بنفس ارتجافها تقول له " كيف من الممكن أن يكون الرد عليك يا آدم "

رد عليها بعبث حتى يهدئ من توترها الملحوظ له بذبذباته التي يتلقاها بيديه " أعطيني قُبلة شهد شرقية "

عضت على شفتيها بأسنانها تمنع ضحكتها فضغط على يديها أكثر حتى كاد الكوب أن ينكسر بين يديها وقال " يا ويل قلبي من هذه الحركة التي تجعل التنانين تتطاير في صدري منفثة اللهب فيه "

ضحكت على وصفه تهز رأسها يأسا منه فتنهد يطالعها بصمت وعشق وهي تحمر في خفر لذيذ وعم صمت طويل بينهما وهما يتبادلان النظرات فقط

حتى قالت هي بجدية رغم ابتسامتها الصغيرة " آدم " فهمهم " همممم " لتردف " لماذا عدت الآن "

رمش بعينيه وهو يفهم مغزى سؤالها ..

إنها تريد أن تعرف ما هذا الذي بينهما تحديدا .. فهما لم يُعدا على السفينة .. بل على البر بقوانين تحيط بهما ..

أبعد يديه عن يديها فشبكتهما ببعض وهي تشعر ببرد مفاجئ فيهما وقد اختفى دفئه عنها .. واعتدل جالسا يقول بجدية هو الآخر " لقد أخبرتك قبل قليل .. فقط اشارة منك أنك لا تزالين تحبينني فهدمت كل قناعاتي لآتي مهرولا لك "

أمالت رأسها تسأل بترقب " وبعد ؟ "

زفر مغمضا عينيه للحظات ..

لاهثا ..

يصارع الشيء وعكسه ..

بين أنانية حبه وتملكه .. وبين تضحية لا يقوى عليها أكثر ..

 

بينما هي تطالعه هي بترقب متوتر ففتح عينيه مجددا يقول بثقة ظاهرية لا يشعر بها حقا يكاد يتأوه يائسا مستسلما " دعينا نتزوج ماسة "

اتسعت عيناها بصدمة وهي تكرر وراءه بأنفاس مخطوفة " نتزوج "

أومأ بقوة تزداد فيه يقول " أنتِ تحبينني .. وأنا أحبك .. فلمَ لا ؟ .. أنا غير قادر على البعاد أكثر .. أرجوكِ "

عقدت حاجبيها تسأله بجرح " ولماذا الآن تحديدا .. هل كان يجب أن تجرب الفراق أولا "

زفر نفسا خشنا ثم رد عليها بقلة حيلة " أجل .. كان الفراق لا بد منه .. لندرك كلانا أهمية قربنا .. وأنها لم تكن مشاعر فاجئتنا على سفينة لم يكن بها إلانا .. وإنما مشاعر حقيقية كادت أن تقتلنا يوما من شدة الألم "

نظرت له تسأله بغضب " فراق دام كل هذا .. وكأنه اختبار "

تنهد آدم يرد نفيا " لا ماسة لم يكن اختبارا متعمدا .. كان .. "

صمت لا يجد الكلمات المناسبة التي يصيغها فقال لها " هل تدركين معنى زواجنا .. ستأتين معي لبلادي .. بينما سأكون معك يوما وآخر لا .. كنتِ عاشقة لوطنك .. لأهلك .. لأمك وأبوك وأختك كلهم .. كيف كنت سأطالبك أن تشتريني أنا بينما لم يكد يمر على علاقتنا سوى أشهر معدودة على كف واحد .. "

أغمض عينيه بيأس وهو يهز رأسه معترفا " لم أكن واثقا .. ولنكن واضحين .. لا زلت غير واثق "

رفعت يدها بذهول تشير لنفسها هامسة له " لم تكن واثقا بحبي "

فتح عينيه يقول لها " لم أكن واثقا كفاية بنفسي أني أستحق مثل تلك التضحية و .. ماذا لو ندمتِ يوما "

عقدت حاجبيها بعدم رضا على كلامه فأردف " صدقيني ماسة .. لو كنا أخذنا قرارا بالبقاء معا .. حينها قد يأتي يوم تسألين فيه أثناء غيابي عنكِ .. إن كان أمر قُربي يستحق عناء فراق وطنك وكل حياتك "

فتح فمها تنوي الرد بقوة فرفع كفه يمنعها قائلا بتأكيد " لا تجيبي على شيء لن نعرف إجابة له إلا لو مررنا به ماسة "

زمت شفتيها وداخلها يعترف بصحة قوله رغم ممانعتها للاعتراف له ..

قالت له بعد صمت للحظات " كان يمكننا التناقش آدم .. إيجاد حل نرضي به الجميع ونسعد به "

أومأ لها يرد موافقا " أعترف .. بأني من شدة حبي لكِ .. لم أرغب يوما بأن تبتعدي عن وطنك لأجلي "

رفع نظراته لها يقول بتوضيح أكبر " ماسة .. أنا رجل .. أغيب بالأشهر عن بيتي .. رحلات طويلة .. سأغيب عنكِ كثيرا .. لكني ببساطة لم أملك إلا أن آتي محاولا طلب موافقتك للزواج من رجل يعشق الأرض اتي تسيرين فوقها .. لكنه لا يملك شيئا أكثر مما سيقدمه "

كانت تلهث وهي تستمع لكلماته .. ستترك الكثير لتلحق به ..

لكن ماذا لو لم تفعل .. هل تتركه ليغادر !!

هل يمكنها أن تحيا بدونه من جديد !!

صمتت للحظات طالت وهي تفكر مرارا

 

ليقول لها مغمض العينين بألم ضرب صدره بعنف كاد أن يشهق له " لا ألومك أبدا "

 

ماذا إن غادر .. لن تراه مجددا !! ..

وهي لن تستطع التطلع في غيره .. فكيف تتركه الآن ..

حتى لو سيظل يوما واحدا فقط معها .. لن تفوت هذا اليوم

 

وهكذا كانت تنظر له قبل أن ترد بثقة واندفاع عاشقة دون تفكير أكثر " أنا أحبك آدم .. يمكننا تحمل أي شيء سويا .. طالما نحن معا حتى لو ليوم واحد .. يكفي أن أعلم بعودتك لي دائما مهما غبت "

لمعت اللهفة في عينيه وهو يقول بحذر " ماذا تعنين .. هل تقبلين !! "

نظرت له صامتة ثم أطرقت بخجل ففغر فاهه يعود بظهره للوراء مستندا يقول بعدم تصديق " يا إلهي .. هل حقا تقبلين الزواج مني "

ابتسمت تقول له بدهشة " تبدو فاقد الأمل تماما "

ابتسم لها صامتا للحظات وهو لا زال على حالة الذهول ثم نهض يقول بسرعة " هيا بنا .. لنذهب حتى أتحدث مع أهلك "

طالعته بصدمة من تعجله وقبل أن تفتح فمها لتتكلم كان يضع المال على الطاولة ويسحبها من يدها في تعجل ذاهبا لبيتها مطالبا بحوريته رسميا !

 

والأغنية تكمل لهما ..

 

( مشتاق لضحكتك يا أجمل ذكرياتي

خديني لجنتك يا أغلى من حياتي )

 

تنام على السرير في غرفتها تبكي بخفوت .. بينما الهاتف لم يتوقف عن الرنين .. دون اجابة منها بالطبع ..

لن ترد عليه .. لم يقم أحدا بالصراخ في وجهها هكذا من قبل وإلقاء الأوامر عليها بعنف كأنها جاريته ..

كما أن الأمر لا يحتاج كل هذا الغضب .. حتى إن أخطئت .. إنها تحاول مصالحته منذ أيام وهو يصدها ببرود .. ورغم ذلك لا تغضب منه وتعود لتحاول مجددا متقبلة منه كل خصامه ..

من المفترض أن يسمعها أولا ..

ثم يخبرها ما الذي ضايقه هكذا بلطف ويتناقشان هذا ما تعرفه هي .. لا أن يفعل ما يفعله .. وفي نهاية الأمر يصرخ في وجهها بهذا الشكل .. لن تسامحه أبدا على هذا ..

انتبهت على وصول رسالة على إحدى التطبيقات على هاتفها بعد أن توقف رنينه .. لتفتحها وتقرأها من بين دموعها الجارية ( نهى توقفي عن هذا وردي على هاتفك اللعين )

ألقت بالهاتف مجددا غير مكترثة به .. لا لن ترد على هاتفها اللعين .. وليفعل ما يحلو له ..

عاد رنين الهاتف في الارتفاع مجددا فقامت بمسك الهاتف واغلاقه نهائيا ثم تعود لبكائها المتألم .. من صراخه ومعاملته لها ..

تاركة إياه في البيت المقابل في غرفته غاضبا يكاد يشد شعره غيظا لما فعله فأغضبها بهذا الشكل !

.........................

ارتفع حاجبا يوسف بدهشة وهو يسمع ما طلبه منه للتو ..

لقد زارهم مرة عند وصوله وبعدها ابتعد أسبوع والآن أتى دون مقدمات متعللا بعدم قدرته على الانتظار يطلب يد ابنته هكذا ببساطة ..

دهشته جعلت آدم يتوتر قليلا متحفزا .. بينما سمية تجلس بملامح مرحبة لكنها تحمل من الغموض الذي جعل آدم يتوجس .. !

قال يوسف مستاءا " لا أصدق .. بنتاي الاثنتان مرتا بنفس الأمر .. هكذا دون مقدمات يأتي أحدهم مطالبا بالبنت متعللا عدم قدرته على الانتظار ! "

ابتسمت سمية مدركة حنق زوجها .. لكن أحدا لم يعلق بينما آدم يقول دون تراجع " بصراحة سيد يوسف .. أنا أحب ماسة .. منذ أن التقيت بها .. لهذا أتيت الآن .. فرغم فراقي عنها لكن هذا لم يقلل مشاعري تجاهها شيئا "

قالها ونظر لماسة التي أطرقت بخجل .. هل هذا وقت خجل .. سانديني على الأقل !

 

عاد بنظراته ليوسف الذي رغم امتعاضه كان يومأ بتفهم .. ذلك التفهم منه يريحه .. فهذا الرجل مباشر يتعامل مع الأمر دون استنكار .. يشعره أحيانا أنه يفهمه كرجل ..

قال يوسف بهدوء يسأله وهو ينظر لهما معا " ولماذا الآن تحديدا أتيت "

أسبل آدم أهدابه .. بالطبع لن يخبره برسائل ماسة له ..

فقال له بهدوء مقتضب " فراقنا كان لا بد منه .. ليدرك كل منا حقيقة شعوره سيد يوسف "

تدخلت سمية أخيرا حينها تقول ليوسف " اسمح لي يا أبا ماسة .. أريد التكلم "

ارتفع حاجبا يوسف بتوجس .. ماذا تنوين يا قنبلة أبا ماسة التي تخطط لانفجارها منذ أيام وستنفجر الآن على ما يبدو

 

أبعد الخاطرة عن رأسه وهو يومأ لها بترقب فوجهت نظراتها الغامضة لآدم رغم ابتسامتها الصادقة " أخبرني آدم .. هل كان فراقكما لسنة مهما حقا ليدرك كل منكما مشاعره "

عقد آدم حاجبيه ينظر لماسة المتوجسة لكنه رد دون تردد " أجل سيدتي .. فالفراق يجعل المرأ يدرك قيمة ما يملك "

اتسعت ابتسامتها الأمومية وهي ترد " وأدركت أهميتها ؟ "

أسبل آدم أهدابه قائلا لها مباشرة " أنا مدرك لأهميتها منذ أول يوم سيدتي "

قالت له بتفهم من جديد " إذا ربما لتدرك هي أهميتك ؟ "

نظر آدم من جديد لماسة الصامتة ولم يرد منتظرا بترقب لتقول سمية مردفة " لتعرفا حقيقة مشاعركما وإلى أي مدى أنتما قادران على المضي قدما في الزواج .. رغم أني مجزمة بأن ابتعادك كان دائما بالنسبة لك "

زفر آدم بتوتر لكنه أجابها بشجاعة " هذا صحيح .. لقد كان دائما .. فحبي لماسة كان كبيرا لدرجة أني لم أكن أستطيع الطلب منها لمغادرة حياتها هنا واللحاق بي "

أومأت له سمية ببطء قبل أن تقول موضحة كلامه " اللحاق برجل لن يعطيها إلا نصف حياته تقصد "

رفع آدم نظراته لها دون رد بينما ماسة كانت متحفزة متشنجة .. تتساءل عن حال أمها وهي التي كانت مرحبة جدا منذ قدوم آدم ..

فلمَ تشعر الآن أنها تسحبه لفخ !!

 

بينما سمية كانت تكمل بتأني وذكاء .. تمحي خيوط العنكبوت عن الحقيقة شيئا فشيئا لتعرض الحياة المستقبلية لهما كزوجين .. بتعقل دون اندفاع عاشقين متلهفين للقاء ..

فقالت تكمل " لكن السؤال لمَ الآن تحديدا .. فأنت لا زلت القبطان البحري الغربي .. وهي نفس الشرقية الأستاذة في الجامعة .. فما الجديد ! "

عقدت ماسة حاجبيها يكاد فاهها يسقط ببلاهة أما آدم فرد مباشرة " الجديد كان الفراق كما أخبرتك .. أننا ببساطة أدركنا قيمة تواجدنا .. كلانا مر بتجربة سيئة سيدتي .. فهل نعود لها بينما بإمكاننا التنازل قليلا لنجتمع "

ارتفع حاجبا سمية بطريقة بدت مصطنعة جدا تقول ببديهية " امكاننا التنازل ! .. هل تقصد بأنك تريد ابنتي للزواج واللحاق بك لبلادك .. لنصف حياتك كما قلت قبل قليل .. وتسميه تنازل منكما .. أنا لا أرى أي تنازل إلا من ابنتي بصراحة "

زم آدم شفتيه مدركا بأنه بتلهف عاشق تصور أن بموافقة ماسة حُل كل شيء ..

حينها تدخلت ماسة أخيرا تقول بهدوء " من فضلكما .. أنا أعتقد بأن الأمر يمكن بقليل من التفكير أن يتم "

قالتها بتردد فنظرت لها سمية تومأ بموافقة قائلة " أنا أعلم حبيبتي .. فنحن هنا نبحث عن ذلك الحل .. أليس كذلك يا يوسف "

أومأ لها يوسف وقد بدى سارحا بما تقوله مستشعرا بالقادم .. قبل أن يقول هو الآخر بهدوء " كيف هو الحل في عقلك يا ماسة "

نظرت له ماسة وبدت تفكر بسرعة قبل أن تقول مقترحة " ربما عند سفره في رحلاته أستطيع أنا القدوم هنا .. ستكون فرصة جيدة للقدوم دائما "

 

أسبل يوسف أهدابه .. يا إلهي صغيرته تفارقه وهو لا يستطيع المعارضة لأجل سعادتها ..

لكن سمية قالت بهدوء " القدوم في كل رحلة ! .. هل تعتقدان أن الزواج مجرد اثنان سيتشاركان الحياة .. إنه عالم جديد .. دنيا أخرى .. مليئة بالمشاكل والصعوبات .. وماذا عن الأطفال .. ماذا هل ستسحبين ورائك أطفالك في كل سفرية !! .. أم لم تتخططا لأطفال "

رفع يوسف وجهه مكملا على كلام زوجته " وماذا عن عملك .. بالطبع أنتِ لن تستطيعي عدم مواصلة عمل لكِ هناك .. فهل ستأخذين أجازة كل فترة .. أي عمل هذا ! "

رمشت ماسة بعينيها مبهوتة وهي تدرك صحة قولهما بينما آدم قال مردفا على كلامهما موافقا " بالإضافة أن الأمر سيكون شاقا عليك .. وكأنكِ مشتتة بين بلدين "

أطرقت ماسة دون رد لتقول سمية مقترحة مجددا وكأنها تفكر بصوت عالٍ " أو ربما تتزوجان هنا .. دون الحاجة للسفر "

صمتت مجددا للحظة قبل أن تقول كمن تجيب نفسها " ولكن إن كان له نصف حياة فبهذه الحالة أصبحت ربع حياة .. حيث سيضطر في اجازته السفر لعائلته أيضا لوقت ما "

تدخل آدم متكلما بنفاذ صبر " لمَ كل هذا التعقيد .. هل هذه أول مرة تتزوج فتاة ما وتغترب عن أهلها "

ردت عليه سمية " بالعكس .. هذا حال آلاف النساء .. وسنة الحياة "

بادلت النظر مع يوسف للحظة قبل أن تنظر لآدم قائلة " ولكن على الأقل زوجها سيكون وطنها هناك .. لكن أنت ! .. ستأتي أشهر تتركها وحدها في بلاد غربة .. تُسير حياتها وحياة أطفالها بمفردها "

رد آدم بسرعة " لا .. أنا عائلتي تحب ماسة .. لقد قابلت معظمهم وتدرك إلى أي حد هم لطفاء "

أومأت سمية ترد ببساطة " حفظهم الله لك .. لكن هل تحاول أن تقنعني أن ابنتي ستكون مع أهلك في غيابك .. ! .. مهما كان فعلاقة الأهل مختلفة عن علاقة أهل الزوج "

تجمدت تعبير آدم بعجز .. بقهر .. قبل أن يتكلم بصوت ميت " إذن .. أنا مرفوض ! "

شهقت ماسة بهلع تطالعهم بغير تصديق .. لكن أحدا لم يهتم بها قبل أن يتكلم يوسف " أنت مرحب بك يا آدم .. لكن فقط ابنتي أغلى من أن أُلقي بها في زواج ستتنازل لأجله الكثير .. أفضل بقائها بجواري حينها "

 

كانت ماسة تهز رأسها نفيا لاهثة

 

حتى رفعت سمية نظراتها لآدم قائلة " صدقني آدم .. أنا لا أتمنى غيرك زوجا لابنتي .. أنا مدركة الآن لمَ مرت هي بما مرت به في غيابك .. "

صمتت مجددا تناظر زوجها والذي فهم نظرتها جيدا .. قرأها بوضوح .. وضوح أعاده لسنين طويلة مضت ..

فظهر شبح ابتسامة صغير على شفتيه التقطته هي قبل أن تلتفت لآدم مجددا تسأل بقوة ومباشرة " هل تحب ماسة يا آدم "

رد فورا رغم توجسه من القادم " بالطبع "

صمتت للحظة أخرى جعلته متحفزا قبل أن تكلم بسؤال صدمه " هل تحب ماسة أكثر أم .. عملك "

 

اتسعت عينا ماسة بغباء

أما آدم فظل للحظات لا يفهم مغزى السؤال قبل أن يرد ببطء وتحفز " عفوا .. هل يوجد مقارنة أصلا "

ابتسمت سمية بأناقة تجيبه " أحيانا الحياة يا آدم تضعنا في خيارات التنازل عن أحدهم صعب .. لكن لا مفر من الخيار "

كرر آدم ورائها بخفوت " التنازل !! "

شدت سمية من قامتها في جلستها قبل أن تقول بقوة وثقة " أجل يا آدم .. فإن كنت تريد الزواج من ماسة .. عليك التنازل عن مجال عملك .. وللأبد "

شهقت ماسة مجددا هاتفة همسا " أمي !! "

أما يوسف فأطرق وابتسامته رغم توتر الأجواء تتسع أكثر فأكثر .. تلك الروح الجامحة بجواره ..

المبتزة .. المتلاعبة على أوتار المشاعر بفن تتقنه ..

الذكية حينما تريد .. بطريقة مُذهلة !

الماهرة في صنع الفخ تجعلك تسقط به بسهولة ..

 

بينما آدم رمش بعينيه مصدوما وقد ارتد رأسه للخلف بعدم استيعاب لما يُطلب منه

قبل أن يفتعل ضحكة عصبية قال بعدها مستهجنا الفكرة " التنازل عن عملي !! .. كيف أتنازل عن عملي !! .. إنه الشيء الوحيد الذي أتقنه و .. لقد عملت بكل جهدي كل تلك السنوات لأرتقي في مجالي .. أي مقارنة هذه ! "

رفعت سمية حاجبا تقول له بهدوء راقٍ " عليك ان تعلم يا آدم .. بأن الحياة ليست منصفة أبدا .. فهي لا تعطي الإنسان كل ما يتمناه .. عليك التنازل عن شيء للفوز بآخر .. هذا الآخر هو ما تريده أكثر "

كان آدم يلهث وماسة تجلس شاحبة مدركة صعوبة المقارنة .. يا ربي لماذا فعلت أمها هذا

لقد كانت مؤمنة أن أمها هي من ستساندها !!

ابتلع آدم ريقه الجاف قبل أن يقول في محاولة مستميتة " سيدة سمية .. هذا عملي .. أنا لا أعرف غيره !! "

ظلت سمية صامتة قبل أن ترد بنفس الهدوء " وهذه ابنتي .. لا أفرط فيها لحياة أدرك مدى صعوبتها .. فمهما كانت ابنتي قوية وشجاعة .. لكنها ابنتي يا آدم .. لا أتنازل عنها أبدا .. كما قال يوسف أفضل بقائها بجواري .. على أن تذهب لتحارب في الحياة اليومية بعيدا عني "

 

رد آدم مجددا بمحاولة أخيرة واهية " ليست الوحيدة التي .. "

قاطعته سمية بصرامة " أخبرتك يا آدم بأن الإنسان عندما يتنازل عن وطنه فإنه يلجأ لآخر .. وأنت لن تكون لها الوطن المنشود .. سامحني بني .. فنحن لن نُلقي بابنتنا تحت مسمى الحب "

صمتت قليلا تهز رأسها باستياء قبل أن تردف " لقد قلت بامكانكما التنازل .. فأنت أيضا بحاجة للتنازل آدم .. فأنت شريك في العلاقة ! "

ابتلع آدم ريقه ينظر بطرف عينه لماسة التي تستند على جانبي جلستها مطرقة الرأس ..

قبل أن يقول ناظرا لسمية " وإن رفضت المقارنة ! "

نهض يوسف حينها يقول دون تراجع " إذن أنرتنا "

شهقت ماسة مجددا دون أن ترفع وجهها فعصرت قلب والديها وذلك الجالس بشحوب ..

قبل أن ينهض ناظرا لماسة التي رفعت وجهها بعينيها المغرورقتين بالدموع قبل أن تهتف بفقدان سيطرة " أنا أوافق .. أستطيع ذلك أنا .. "

قاطعها يوسف بصرامة انكمشت لها " اصمتي ماسة .. هل توافقين دون موافقتنا "

 

شهقت شهقة مختنقة تهز رأسها نفيا بتخاذل تطالع آدم برجاء مسه .. قبل أن تقول سمية أخيرا واضعة نقطة النهاية " نحن لا نجبرك أبدا يا ولدي .. إن أدركت أن عملك وحياتك الأهم .. فلن نلومك .. أما إن أدركت بأن أهمية ماسة أكبر لديك .. فأهلا بك بيننا .. وصدقني الرجل لا يغلبه عمل .. ستكون إبنا لي .. وستجد أعمالا كثيرة ونساعدك فيها "

أطرق آدم للحظات قبل أن يرفع نظراته لهم قائلا باقتضاب " حسنا .. لقد تلقيت الأمر جيدا "

ثم ودون كلمة اضافية كان يتحرك مغادرا بعنف خطواته التي حملت انهزام العالم كله ..

 

أمام نظرات فاضت بدموعها الماسية .. دموع حملت مرارة فراق هو الأكثر ألما على الإطلاق !!

انتهى الفصل ..

Continue Reading

You'll Also Like

585K 48.7K 64
‏لَا السَّيفُ يَفعَلُ بِي مَا أَنتِ فَاعِلَةٌ وَلَا لِقَاءُ عَدُوِّيَ مِثلَ لُقيَاكِ لَو بَاتَ سَهمٌ مِنَ الأَعدَاءِ فِي كَبِدِي مَا نَالَ مِنَّيَ م...
4.3M 138K 100
في قلب كلًا منا غرفه مغلقه نحاول عدم طرق بابها حتي لا نبكي ... نورهان العشري ✍️ في قبضة الأقدار ج١ بين غياهب الأقدار ج٢ أنشودة الأقدار ج٣
29.6K 313 5
اجتماعي دراما وأهلا بك عزيزي القارئ في قاع المجتمع
144K 3.6K 88
يلهث بقوة وهو يقف يلتقط أنفاسه .. يحنى جسده ليتسند براحتيه على ركبتيه ، يتنفس بقوة وهو يشعر بعضلات جسده تئن .. تزار .. تصرخ فيه أن يتوقف عن ايلام جسد...