الموجة التاسعة والعشرون والأخيرة

15.7K 447 37
                                    

" كانت هي .. منارة سفينته التي أرسلها له الله .. أو نجمته الماسية التي اهتدى بها بظلمات بحاره .. أو حورية سحبته من بين الأمواج منقذة .. في كل الأحوال هي .. مرساه ووطنه "

بعد حفل الحناء – قبل الفجر
 

اندست بالفراش صامتة ساكنة .. في قلبها مشاعر متضاربة لا تستطيع وصفها .. بين الفرح الشديد والحزن كانت تتأرجح .. بطرف عينيها نظرت للجالس بجوارها شاردا هو الآخر فمدت يدها تربت على صدره برفق ليخرج من شروده الغائم ناظرا لها وسرعان ما ابتسم بدفئه المعهود قائلا " ألن تنامي قليلا .. منذ أيام وأنتِ بالكاد تغمضين عينيك "

هزت رأسها بلا معنى قبل أن تفتحهما قائلة " ستحلقان أخيرا .. كما تمنيت دائما وانتظرت .. لكني لم أحسب أني سأشعر بكل هذا الحزن على فراقهما "

شرد يوسف من جديد يقول بابتسامة " إنها سُنة الحياة .. نحن ننجب ونربي .. ليأتوا آخرين ما هم إلا سارقين .. يأخذون ما تعبنا كثيرا في حمايته والحفاظ عليه "

ابتسم أكثر وهو يردف بتهكم " وبرضانا أيضا !! "

دمعت عينا سمية وهي التي كبحت الدموع طوال اليوم حتى هذا الوقت .. لتجد طريقها لحضنه الآمن فاستقبلها مربتا يقول بتوبيخ خرج بنبرة متحشرجة " وحدي الله يا أم البنات .. ألم تكوني تخططين مرارا لتتخلصي منهما "

نشجت بضعف وهي تجيبه بقلة حيلة " لكني لا أتخيل حياتي بدونهما يا يوسف .. كيف سأعيش دونهما .. كيف يكون صباحي دون جنون نهى وكيف تكون حياتي دون عون ماسة .. إنهما عكازي وسندي .. بنتاي "

أغمض يوسف عينيه وهو يشعر برغبة غبية في البكاء هو الآخر فيبتلع دموعه بحرج قائلا " سنتخلص منهما .. سنحصل على صفاء حياتنا من جديد وكأننا عدنا شبابا .. ما رأيك .. سنفعل ما لم نفعله في الشباب .. وستركبين الجمل "

اهتزت بين ذراعيه بضحكة نجح في إخراجها منها وهو يذكرها بخوفها من ركوب الجمل .. عندما كانا شابين فكانت تنتفض صارخة تخبره أنها لن تركب الجمل فيسقط بها وقد تموت ويدعسها !!

ربت يوسف على رأسها يرفع وجهها له مردفا بابتسامته التي لم تزدها السنون إلا جمالا " سنفتقدهما .. لكنها الحياة .. ندعو الله لهما بالسعادة أن تكون من نصيبهما فقط "

أومأت له وقبل أن تتكلم كان طرقا خافتا على الباب يقاطعها .. ارتفعا حاجبا كل منهما وأذن يوسف لمن تطرق بالدخول .. طلت عليهما ماسة ومن ورائها نهى ..

دخلتا للغرفة فتنظران لهما قبل أن تتكلم ماسة بتهدج " هل يمكننا النوم هنا .. آخر ليلة "

قلب بلا مرسى ، بقلم آلاء منيرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن