قلب بلا مرسى ، بقلم آلاء منير

By AlaaMounir201

391K 11.8K 974

قبطان التلاعب مع خطورة الأمواج لعبته .. سلبت البحار يوما منه الشجاعة بسلاح غادر ، فهل تُعيدها إليه حورية ظهرت... More

( بداية الموج )
الموجة الأولى ..
الموجة الثانية
الموجة الثالثة
الموجة الرابعة
الموجة الخامسة
الموجة السادسة
الموجة السابعة
الموجة الثامنة
الموجة التاسعة
الموجة العاشرة
الموجة الحادية عشر
الموجة الثانية عشر
الموجة الثالثة عشر
الموجة الرابعة عشر
الموجة الخامسة عشر
الموجة السادسة عشر
الموجة السابعة عشر
الموجة الثامنة عشر
الموجة التاسعة عشر
الموجة العشرون
الموجة الثانية والعشرون
الموجة الثالثة والعشرون
الموجة الرابعة والعشرون
الموجة الخامسة والعشرون
الموجة السادسة والعشرون
الموجة السابعة والعشرون
الموجة الثامنة والعشرون
الموجة التاسعة والعشرون والأخيرة
خاتمة الأمواج
مشهد إضافي خارجي
إعلان هام ( الرواية الثانية )

الموجة الحادية والعشرون

8.5K 299 11
By AlaaMounir201

 

" الحب أحيانا يأتيك كالحلم .. ويغادرك بنهاية مثل الكابوس !! "
 


بعد يومين ..

 

خرجت ماسة تحمل كيس القمامة بعد أن نظفت الحديقة والمرآب جيدا وبافراط كعادتها مؤخرا

ترتدي كنزة صوفية واسعة تغطي فخذيها بأناقة وبنطال من الجينز الداكن الذي اتسخ بسبب التنظيف

اقتربت من السلة الكبيرة المخصصة للقمامة أمام المنزل حيث أن لكل منزل سلة خاصة أمامه ووضعت فيها الكيس تزامنا مع وصول أختها من جامعتها تركن السيارة وتخرج منها مقتربة من ماسة تقبلها من خدها ثم قالت بتذمرها المعتاد الذي لا يخلو من الدلال " الزحام اليوم كان خانقا .. متى ستعودين للجامعة حتى تتولي أنتِ القيادة كالسابق "

ابتسمت ماسة لها قائلة بمشاكسة " تبحثين فقط عن مصلحتك .. هل أنا سائقك الخاص "

احتضنتها نهى بخشونة قائلة " بل أنتِ منقذتي "

تأوهت تقول ضاحكة " ستزهقين روح منقذتك اختناقا يا بلوة العائلة .. اتركيني "

ضحكت نهى قائلة وهي تتحرك لتدخل البيت " لا أرجوكِ .. و من سيتولى القيادة حينها "

ضحكت ماسة وهي تتحرك لتنظف المكان الصغير الملتصق بسور المنزل من الخارج والذي خصصته لزراعة الورد وحشائش خضراء تزدهر في الربيع .. وفي غيابها اعتنوا به جيدا وبنظافته ..

انتبهت أن نهى أغلقت الباب الخارجي للبيت فضاقت عيناها متمتمة وهي جالسة على عقبيها تهتم بالحشائش رغم أنه فصل الشتاء " لم تغلق الباب يوما وكنا نخرج لنغلقه ورائها .. والآن ذكائها الخارق جعلها تغلقه وأنا أقف خارجا .. حسنا ستخرج هي لتفتحه مجددا تلك ( المسطولة ) "

 

بعد دقائق كانت تنهض على طولها تنفض شعرها الطويل للوراء تتأمل المساحة الصغيرة .. في الربيع تكون خلابة .. ابتسمت و سؤال خاطف مر على خاطرها ( هل سيحب آدم الورد هذا إن رآه )

ابتسمت بمرارة من تلك الخاطرة وسرعان ما نفضت يديها ببعضهما تتحرك ناحية البوابة وهي تفكر بأنها ستعود لعملها الذي تحبه جدا بعد أيام قليلة لكنها مع ذلك غير متحمسة

أجبرت نفسها على التفكير بأنها أبدا لن تتخلى عنه مهما حدث .. عملها بالذات كان مهما جدا لديها ومصدر فخر لها ولأبويها وأختها أيضا

تنهدت تزيح أي أفكار من رأسها بهذا الشأن .. لقد أمرها أبوها أنها ستعود .. ولن تكسر له أمرا أبدا .. خاصة أنه يتألم لرؤيتها بهذا الشكل ..

تحمد الله أنه لم يخبر أحدا بالأمر وقد اعتقدت أن أمها وأختها تعرفان ليس هو فقط .. لقد أخبرهم أن بكاءها تلك الليلة كان بسبب كابوس وصدقاه ببعض التوجس .. وها هي تحاول أن تكون بخير لأجلهم هم قبلها مؤجلة التفكير بما قاله والدها عن تزويجها لوقت آخر حتى تقنعه بإستحالة الأمر

تمتمت شاردة " أجل .. لتبقى الأمور مستقرة الآن .. أريد التقاط أنفاسي "

عادت تنفض أفكارها مجددا بحزم والتي ما أن تغادرها فكرة حتى تهاجمها أخرى ورفعت نظراتها تتأمل الشارع الواسع ببيوته المتناسقة مشتاقة حقا لكل مكان فيه

كانت ستعود وتدق الباب لتفتح لها نهى لكنها انتبهت أن البيت المقابل فُتح بابه ويخرج منه شاب وفتاة

انتبهت جيدا للفتاة .. فهي خلود صديقتها منذ الطفولة حتى تزوجت وانتقلت لبيت آخر لكن علاقة الود بينهما قائمة دائما .. حتى أنها أتت هي وعائلتها ليسلموا عليها بعد عودتها كما أتى العديد من الناس بالفعل بعد أن انتشر خبر عودة كبرى فتيات يوسف النصار والتى خرجت عنها العديد من الشائعات التي أكدت موتها .. فكانت عودتها خبرا مهما انتشر سريعا بعدم تصديق بعد غياب شهور

انتبهت أن خلود اقتربت ما أن رأتها تقف أمامها تقول بمودة وهي تسلم عليها " يا فتاة .. ألوح لكِ دون أن تريني "

ضحكت ماسة تحتضنها تسلم عليها قائلة " كنتِ شاردة قليلا " ثم أكملت ببساطة كونها صديقتها " إلى أين هكذا "

ردت خلود بطبيعية " سأذهب للتسوق .. أريد شراء بعض الحاجيات لأمي " ثم أكملت باستفاضة محببة " لقد سافر زوجي في عمل خارج البلاد .. فأتيت أنا وابني أقضي الوقت في بيت أبي .. كما أني لم أشبع بعد من أخي "

انتبهت ماسة لآخر كلامها فقالت تعقد حاجبيه بتساؤل " أخوكِ ؟ "

ضحكت خلود قائلة " يا بنت .. ألم أخبرك سابقا أن كريم أخي قد عاد من السفر في نفس يوم عودتك أيضا "

قالت ماسة متذكرة فورا " آه أجل .. تذكرت .. تعلمين أني لم أره منذ كنا مراهقين "

أومأت لها خلود تقول " أصبح الآن شابا مفتول العضلات وسيم .. ربما نجتمع يوما ونخرج سويا .. ما رأيك "

أومأت ماسة مبتسمه دون كلام فقالت خلود على عجل وهي تقبلها " حسنا .. أراكِ لاحقا .. أريد أن ألحق بهذا المجنون قبل أن ينطلق بالسيارة ويتركني "

ضحكت ماسة تلوح لها ثم رنت الجرس لتفتح نهى تضحك أنها أغلقت الباب عليها وماسة تركض ورائها تضحك هي الأخرى ضحكات أنعشت البيت كله ..

بينما في الخارج ركبت خلود السيارة تقول ضاحكة بتهكم " يا إلهي .. كيف لم تنطلق وتتركني سيد كريم "

ابتسم لها المدعو كريم وهو ينطلق ثم قال بغموض " من هذه التي تقفين معها "

قالت بسخرية " آه .. كنت تتابع وقفتي مع ماسة إذا لذلك لم تتعجلني "

قال لها بتساؤل " ماسة ! "

فقالت من فورها " أجل .. ألا تذكرها هي الأخرى .. إنها ماسة ابنة العم يوسف والخالة سمية .. كنا نلعب معا في طفولتنا "

أومأ بهدوء يقول " هذه هي إذن "

عقدت حاجبيها تقول " هل تذكرتها "

ابتسم قائلا " وهل ينسى أحدهم ماسة الحي " ثم أكمل بغموض وملامحه الوسيمة تنطق بالمشاكسة " وبنت البلد "

عقدت خلود حاجبيها قائلة بنزق " بماذا تتمتم كريم "

فابتسم لها صامتا دون رد مكملا الطريق

 

.......................

 

وقفت ماسة أمام المرآة في غرفتها ترفع شعرها الأسود الطويل كذيل حصان مسترسل بعد أن قامت بفرده بمكواة الشعر لكي ترضى عن مظهره في أول يوم لها في الجامعة

انتهت في رفعه لأعلى رأسها تعقده بصرامة حتى تصل أطرافه لأسفل كتفيها بينما ملامح وجهها تظهر أكثر وقد وضعت بعض المستحضرات التجميلية التي تليق بكونها أستاذه جامعية

انتهت ترتب ملابسها وتعيد نظرة أخيرة على شكلها النهائي أمام مرآتها الطولية ..

كانت ترتدي بدلة رسمية سوداء بقميص حريري أبيض

مع حذاء بكعب ليس طويلا

فخرج مظهرها رسميا مختلفا عن مظهرها تماما منذ أشهر

ولم تمنع كذلك الخاطرة التي تمر على نفسها وهي تفعل أي شئ في حياتها ( ماذا إن رآها آدم )

كالعادة نفضت الخاطرة سريعا ثم سمعت صوت دقات منغمة على الباب فهزت رأسها يأسا وهي تتحرك لتفتحه

فتحته ناظرة لأختها واضعة يدا على خصرها والأخرى تمسك بها الباب وقالت وهي تجد الأخرى لا تزال تدق على الباب بيديها الاثنين بتطبيل منغم " هل تدقين على باب راقصة تخرج لفقرتها في النادي الليلي "

ضحكت نهى وهي تتوقف عن التطبيل ثم قالت " لا والله .. إن كان هناك فقرة راقصة فلن تكون لغيري " ثم ختمتها بضحكة رقيعه مصطنعة كالراقصات بالفعل

ضحكت ماسة وهي تقول " وقحة "

ثم تحركت تجلب حقيبتها وما يلزمها وهي تسمع صوت يوسف يقول " ما هذا الفخر الذي أشعر به .. سأكون أبا لراقصة "

التفت تجد أباها يمسك نهى من مؤخرة سترتها كمن يمسك بحرامي غسيل بينما نهى تنظر له ببراءة وتقول " ما هذه التربية التي ربيتها لابنتك يا حاج يوسف .. ما شاء الله وتقول بمنتهى الوقاحة أنها راقصة .. سوسو سترقص يا أبا سوسو " ثم نظرت لماسة قائله بتوبيخ " خسئت يا سوسو "

فغرت ماسة فاهها الجميل بدهشة للحظات ثم انفجرت في الضحك مع أبيها الذي ترك سترة نهى واحتضن كتفيها بذراعه يقول " ستظلين شقية " فتمسحت فيه نهى بدلال كالقطط بينما ماسة تتحرك ببقايا ضحكتها تُقبل خده ملقية التحية ليردها بهدوء وهو يتحرك معهما للأسفل قائلا " هيا حبيبتاي .. لقد حضرت سمية الافطار لنا منذ فترة "

تناول الجميع إفطارهم بهدوء ثم نهض يوسف تتبعه ماسة ونهى ليغادروا جميعا بوصول حُسنية للبيت ملقية التحية بطريقتها العفوية الممطوطة بينما سمية تدعو لابنتها ماسة تحديدا في أول يوم عمل لها بعد عودتها ..

ركبت نهى السيارة الصغيرة الخاصة بها هي وأختها تتنهد براحة أنها لن تسوقها بوجود ماسة

بينما وقفت ماسة مع أبيها فقال لها " هل أنتِ مستعدة للعودة لعملك "

تنهدت تقول بتردد " أشعر بالتوتر بعض الشيء "

أومأ يقول مطمئنا إياها " هذا طبيعي بنيتي .. لقد تغيبت لوقت عن مجتمعك كله ليس جامعتك فقط "

قالت ببؤس " لا أعلم لماذا تحدثت مع مسئولي الجامعة حتى أعود الآن وليس العام المقبل "

وضع ذراعه على كتفيها وهو يقول برفق " حبيبتي صدقيني هذا أفضل لكِ .. كما أن السنة الدراسية في بدايتها فلا داعي للتأجيل .. و عليك أيضا أن تبدأي في التفكير بالتحضير للدكتوراة كما كنت تنوين سابقا "

أومأت له مستسلمة تفكر أنه معه حق فقبلها على جبينها يدعو لها وقال " لقد اتطلعت على جدولك ولن تتأخري عن العصر بإذن الله .. لن تجهدي نفسك "

أومأت مجددا بهدوء ثم سمعت صوت نهى المتذمر وهي تُخرج رأسها من السيارة قائلة " على ماذا تتحدثان كل هذا .. ستفوتني أولى محاضراتي " ثم أكملت بحنق " أبي .. إنها ذاهبة لعملها كأستاذة في الجامعة يهابها الجميع .. أنا هي الطالبة المسكينة التي تحتاج للدلال والارشاد والنصائح ولكثير من القبلات الحنونة والتربيت العطوف "

هز يوسف رأسه يأسا بينما ماسة تضحك فقال لها يوسف بصوت عالِ حتى تسمعه الآنسة المتذمرة " اذهبي قبل أن تموت من الغيرة " فصاحت نهى باعتراض " أبيييي "

ضحك وهو يتحرك ناحيتها بينما ركبت ماسة بجوارها تُدير محرك السيارة فقبل سريعا جبين نهى يقول " اهتمي بنفسك يا مدللة أبيكِ "

ضحكت تلوح له وتحركت ماسة تخرج من المرآب مبتعدة بالسيارة شاعرة بالرهبة

تحرك يوسف للخارج يراقب السيارة السوداء الصغيرة تبتعد فتنهد يدعو الله لابنتيه

هم بالدخول ليركب هو الآخر سيارته ليذهب لعمله فأوقفه صوت من ورائه " عم يوسف .. كيف حالك "

التفت يوسف للشاب الذي اقترب منه يصافحه فابتسم يرد مصافحته قائلا " أهلا كريم .. كيف حالك أنت بني "

" أنا بألف خير " قالها كريم مبتسما فقال له يوسف " إلى أين منذ الصباح الباكر "

رد كريم وهو يشير برأسه لمنزله في الاتجاه المقابل " سأبدأ اليوم العمل في الشركة مع أبي "

رد يوسف بفهم " إذن .. قررت الاستقرار هنا "

تنهد كريم يرفع كتفيه صامتا بمعنى ( أمري لله ) فضحك يوسف عليه وانتبه للرجل الذي خرج من المنزل المقابل مقتربا يقول " صباح الخير يا أبا ماسة "

رد عليه يوسف بفخر بلقب أبا ماسة " صباح الخير أبا كريم .. مبروك عودته استقراره أخيرا "

هز حافظ رأسه يقول " لقد أتعبني حتى اقتنع هداه الله "

ابتسم يوسف دون تعليق فودعاه الاثنان بينما تحرك هو يركب سيارته ويغلق المرآب متحركا لعمله

يذكر عندما كانت ماسة طفلة صغيرة تلعب في حديقة المنزل مع كريم وأخته خلود وأحيانا في منزل كريم وخلود

العلاقة بين العائلتين علاقة جيرة وصداقة قوية وكانت ماسة المفضله عند كريم ويعتقد أن كريم كان المفضل لديها أيضا هو وخلود حينها

حتى كبر الجميع وأصبحت الصداقة بين كريم وماسة تفتر حتى انعدمت عندما سافر للخارج يكمل دراسته واستقر هناك يعمل في إحدى الشركات الخاصة لسنوات

ابتسم يوسف وهو يذكر عندما اعتقد الجميع أن كريم وماسة سيكونا محبين ويتزوجان .. لكن ها هما ربما لا يعرفان بعضهما ولم يتقابلا أصلا

تنهد يوسف أخيرا وهو يصل لعمله يدعو الله أن يستقر حال قلب ابنته .. المهم ألا تظل حبيسة حب مستحيل

...........................

تمر الأيام وهي تتأقلم مع عملها أكثر .. لقد مرت أيام طويلة بعد أن استلمت عملها مجددا وأخذت جدول محاضراتها

لم تخلُ أيامها من سؤال كل من يقابلها عن ( كيف عادت وأين كانت )

حتى تعبت من كثرة قول أنها كانت على متن سفينة سياحية كل هذه المدة بعد أن تم إنقاذها ..

لم تخبر أحدا من زملائها عن كونها كانت على سفينة شحن أو تحكي لأي شخص عن القصة بالتفصيل ..

لقد فضلت أن تحتفظ بكل شئ لها ..يكفي أن عائلتها فقط تعلم الحقيقة .. فكلام أمها أن أي شخص قد يفسر الأمر بطريقته صحيح في مجتمعها للأسف

تنهدت تصعد لسيارتها وحدها هذه المرة حيث أختها ليست لديها محاضرات هذا اليوم وتحركت عائدة لبيتها متعبة

تفكر بأنها تحتاج فقط لحمام منعش دافيء وطعام به نكهة شرقية ..

ابتسمت وهي تتابع قيادتها متذكرة كلام آدم عن النكهة الشرقية التي وصف بها طعامها

تمتمت دون وعي كالمعتاد " اشتقت لك آدم "

وصلت لبيتها تُدخل السيارة للمرآب وتدخل للبيت صاعدة بعد القاء سلام على هيئة صياح صاخب اعتادته وحاولت أن تعود له مجددا ووصلت لغرفتها تلقي بجسدها على السرير مغمضة العينين للحظات بصمت ..

حتى نزلت دمعة ساخنة حاولت حبسها لكنها لم تستطع فتدحرجت تفشي سرها لغرفتها عن بكائها الصامت .. اشتياقا له ..

رتابة مُرة ما تحياها .. جعلت قلبها يتلوى بكل لحظة دون وجوده حولها محتلا محيطها بسطوة هيئته وسيطرته

نهضت بجذعها تمسح دمعتها بشرود متحركة للحمام وبعد وقت خرجت منه بملامح تعبر عن ارهاق نفسي لا جسدي

تحركت لخزانتها بمنشفة ملفوفة على جسدها تُخرج ملابس مريحة لها ..

 

سمعت طرقات على الباب فقالت دون رفع رأسها عن الخزانة " من ؟ "

سمعت صوت أختها من الخارج فأذنت لها بالدخول

دخلت نهى واقفة عند الباب تقول " كيف حالك اليوم بدوني "

ابتسمت ببعض الشحوب وهي تغلق الخزانة " بخير جدا " قالتها بمشاكسة فردت نهى تغيظها " كاذبة "

ثم أكملت " الغداء جاهز "

أومأت ماسة بهدوء تخبرها بنزولها الآن فنزلت نهى للأسفل بينما بدأت ماسة بإرتداء ملابسها وتمشيط شعرها سريعا وتحركت لتصلي فروضها أولا ونزلت تلحق بأختها ..

لم يخلو طبعا وقت الغداء من سؤالها عن كيف كان يومها بينما أمها تسألها عن زملائها الرجال في الجامعة بطريقة مستترة

غصت ماسة في الطعام فناولتها نهى كوب الماء تكتم ضحكتها عن سؤال أمها المكشوف

مطت سمية شفتيها بامتعاض بينما يوسف يبتسم يأسا من زوجته

حتى انتهى وقت الغداء وقامت نهى بمساعدة أمها في ترتيب المطبخ مجددا .. كالعادة بتذمر ..

جلس يوسف في غرفة المعيشة يتناول شايه الذي يعتاد على شربه بعد الغداء فورا وجلست ماسة بجواره يتابعان الأخبار هو بتركيز وهي بعقل شارد

قال يوسف بعد دقائق " كيف حالك بعد مرور أيام على عملك "

هزت كتفيها وهي تمتد بجذعها تأخذ عصيرها من الطاولة تقول برتابة " بخير .. أعتقد أني اعتدت عليه مجددا "

" اعتدت ؟ .. أنتِ سابقا لم تكوني معتادة ماسة .. بل كنتِ مُحبة " قالها يوسف بتعجب يتخلله استنكار لترد عليه بهدوء وهي ترتشف العصير " لا أعلم أبي .. ربما لم أندمج بعد .. بعد بعض الوقت سأعود مُحبة له بإذن الله "

صمت يوسف بعدم اقتناع و عدم راحة من نبرة ابنته اللامبالية يتلاعب بخصلاتها السوداء مقبلا فروة رأسها بصمت

قالت نهى من المطبخ تهتف " ماسة يا مدللة .. تعالى أنتِ خذي كيس القمامة للخارج "

هزت ماسة رأسها ممتعضة ناهضة بينما يوسف يضحك وهو يتابع نقارهما المعتاد .. لم يتوقف لسانه عن الشكر والحمد .. ابنتاه عادتا بخير .. فأي رحمة إلهية اكتنفته ! .. لقد رأف الله بحاله هو وزوجته .. يقسم أنه لو أصابهما مكروها ربما كان أصابه شيئا هذا إن لم يمُت بالفعل قهرا !

" الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه " قالها بشكر ورضا ثم عاد يقلب في التلفاز وقد أتت زوجته تجلس بجواره بينما تكمل نهى ترتيب المطبخ وماسة تُخرج القمامة للسلة خارجا

أحاط يوسف كتفا سمية التي ترتب الطاولة وأسندها على كتفه قائلا " توقفي يا سمية .. المكان مُرتب ونظيف "

اعترضت سمية قائلة " وماذا بها أن اهتممت أكثر "

ضحك يقول بحرارة حُب لا تهدأ " يا إمرأة اهتمي بزوجك بدلا من الطاولة التي تصرخ من كثرة تعذبيها تحت يديك "

عادت تعترض بدلال يليق بها وكأنها إحدى بناته بالفعل " يا رجل من في عمرك الآن أصبحوا أجدادا "

قهقه بخفوت قائلا بجوار أذنها " آه يا ناكرة المعروف .. هل نسيتِ ليلة الأمس بسرعة "

شهقت تعض على شفتيها بينما يحمر وجهها الأسمر وهي تراقب ابنتها المنشغلة في ترتيب المطبخ واضعة سماعات في أذنيها تسمع أغاني وقالت همسا مستنكرة " اخفض صوتك يا يوسف .. لديك ابنتان شابتان .. ما هذه المراهقة المتأخرة بحق الله فيكم يا معشر الرجال "

عاد لقهقته الخافتة وهو يقول بهمس حار " ألا تزالين تحمرين خجلا يا أم البنات "

ضحكت تستند على كتفه تربت على صدره بيدها دون كلام فقبل مقدمة رأسها مكملا بإغاظة " ما رأيك في جولة أخرى الليلة إذا "

شهقت مجددا تضربه على صدره ضاحكة بينما يعود هو لقهقته الخافتة متوعدا إياها بجولة أخرى لاحقا وهو يفكر براحة أن حياته تعود بخير واستقرار بعد عودة ماسة

 

.........................

 

في نفس الوقت كانت ماسة تُخرج القمامة تضعها في السلة مكانها وشمس الغروب بلونها المميز منعكسة عليها في هذا الوقت وشعرها حر بغجريته المميزة وقد جف تماما يتطاير هنا وهناك ..

تحركت ماسة لتطمئن على نظافة مكانها الخاص بالورد وتتأكد أن أختها اهتمت بها اليوم وجلست على ركبتيها تميل بجذعها الرشيق لإحداى الزهرات الصغيرة تتلاعب بها منتعشة ..

" يا له من منظر بري جميل " سمعت ماسة تلك الكلمات خارجة بصوت رجولي من ورائها ففتحت عينيها تعتدل بجذعها بهدوء ناظرة لذلك الذي يحجب أشعة الشمس عنها رافعا هاتفه ويبدو وكأنه يصورها

نهضت بعنف ما أن انتبهت لتصويره لها تقول " أنت أيها الوقح .. ماذا تعتقد نفسك فاعلا "

أغاظها بقهقهته العالية وهو يقول " برية حقا "

عقدت حاجبيها بغضب من وقاحته تقول " امسح صورتي فورا يا هذا "

هز كتفيه يقول ببراءة مستفزة " ولماذا أمحو جمال الطبيعة من ذاكرة هاتفي المسكين "

كررت بعدم فهم حانقة " جمال طبيعة ماذا "

اقترب منها خطوة ليسقط شعاع الشمس البرتقالي على وجهها مجددا وشعرها يتطاير هنا وهناك في هذا الجو بينما يقول بنبرة شعرتها مشاكسة لا غزل حقيقي " زهرة جميلة تنحني فوقها زهرة برية فاتنة بشعرٍ غجري ينافس الليل في ظلامه "

تجمدت ملامحها فقالت ببرود " امسح تلك الصورة قبل أن أفتعل لك فضيحة "

قهقه مجددا فانفعلت تقترب منه تنوي خطف الهاتف فرفعه عاليا بينما تحاول الوصول له عبثا بسبب قامته الطويلة

تسمرت فجأة وهي تسمعه يقول مبتسما " لقد زادك الزمن فُتنة يا ماسة "

عقدت حاجبيها تنظر له عن قرب تشعر بأنها تعرفه لكن لا تتذكر أين فأنزلت يدها بغيظ تجبر نفسها على الهدوء وتقول " هل تعرفني "

أومأ مبتسما وهو يرد " لقد نسفتِ غروري بنسيانك لي بهذا الشكل "

ظلت صامتة تتطلع فيه ببرود متكتفة فقال لها بمشاكسة " ما بكِ يا بنت البلد "

عقدت حاجبيها للحظات ثم ارتفعا وهي تصيح متذكرة إياه وقد كان رفيقها الغليظ في رحلتها للعودة لوطنها " إنه أنت !! "

ضحك يقول " وأخيييرا "

تكتفت بحنق تقول مجددا " من الواضح أنك شهم بالفعل كما أخبرتك أول مرة رأيتك بدليل تصويرك لي بهاتفك "

عقد حاجبيه بضيق مصطنع وهو يرد " قصف جبهة عابر للقارات يا ماسة "

تأففت بضيق وهي تتحرك تنوي الدخول وليشبع بصورتها البائسة لكنه أوقفها قائلا " هاااااي إلى أين "

ضربت باطن يد على ظاهر أخرى تقول ببرود " إلى المريخ "

ضحك مجددا بينما تنظر له بتعجب متسائلة في نفسها .. ما هذا الأريحية التي يتعامل بها معها وكأنه ابن عمتها .. لم تره سوى مرة واحدة سابقا وحتى لم تكن تستسيغه

" كريم هل قابلت ماسة أخيرا "

انتبهت ماسة لخلود التي اقتربت منها وارتفع حاجباها وهي تردد بغباء " كريم ؟ "

أومأ كريم بهدوء وهو يقول " أجل كريم يا ناسفة غرور الرجل .. يا صاحبة ذاكرة الأسماك "

لعقت ماسة شفتيها بحرج من غلاظتها معه في حركة شتت تركيز كريم للحظة لكنها قالت باندفاع " أخبري أخاكِ المحترم إذاً ألا يصورني بهاتفه "

شهقت خلود ناظرة لكريم بصدمة فهز كتفيه ببساطة يقول باستفزاز " أخبرتك أنه جمال الطبيعة "

سألت خلود ببلاهة " أي طبيعة ؟ "

تنهدت ماسة صامتة تهز رأسها تشعر بصداع يضرب رأسها حتى سمعت أباها يخرج متسائلا عن سبب تأخرها ولكن قبل أن ترد سبقها كريم " عم يوسف .. كيف حالك .. كانت فقط ماسة تُرحب بي .. خاصة بعد أن تعرفت عليّ فورا وقد رأتني في الطائرة بجوارها في رحلتها "

نظرت له ماسة بحدة ترسل له نظرات غيظ بينما خلود تسلم على أبيها بأريحية كابنته فقال يوسف بدهشة " هل كنت رفيق رحلتها أيضا .. ما هذه الصدفة الحلوة .. تعالوا يا شباب .. ادخلوا واجلسوا في الداخل أفضل من الوقوف هنا "

أغمضت ماسة عينيها بضيق تفكر بأنه سيستغل الفرصة الآن لكنه خالف توقعاتها وهي تسمعه يقول بأدب " لا بأس عمي .. مرة أخرى بإذن الله "

ابتسم يوسف له يودعه هو وأخته بينما تحركت خلود عائدة لبيتها وماسة تلحق بوالدها الذي سبقها للداخل

قالت خلود لكريم " هل كلما نظرت من النافذة رأيتك واقفا تشاكس واحدة من بنات النصار فأخرج لأنقذها "

رد ببراءة " ما دخلي أنا .. إنهما لذيذات "

التفتت ماسة تغلق البوابة الخارجية لبيتها لتجده واقفا أمام بيته ينوي غلق الباب أيضا .. يرسل لها غمزة فزمت شفتيها تغلق الباب بحدة في وجهه متأففة من وقاحته وقد نست أمر صورتها عنده

 
 

.................

ليلا كانت ماسة تصعد لغرفتها لترتاح أخيرا من عناء يومها بعد أن تناولوا جميعا العشاء ورتبت هي المطبخ بدلا من أختها حتى ترحم الجميع من دلالها تلك الكسول

 

دخلت فورا لسريرها تقلب في هاتفها في اللاشيء بملل

غدا ليس لديها محاضرات وبعده سيكون عطلة الأسبوع

رمت الهاتف تزفر وهي تنظر لسقف غرفتها شاردة .. تفكر لأول مرة .. ماذا بعد ؟

لم تفكر يوما في هذا السؤال .. لقد كانت تدرس وتعيش حياتها يوما بيومه .. أنهت دراستها بتفوق وتعينت فورا في الجامعة وحضرت دراسات عُليا وكانت دائما مصدر فخر لنفسها ولعائلتها الصغيرة

لم تشعر يوما بملل في حياتها أو أي فراغ

كانت تنظر لمستقبلها بنظرة بسيطة متفائلة وكانت كلها نشاط للغد .. منتظرة أن يدق الحب على باب قلبها لتفتح له فورا .. ودق الحب بابها بالفعل واستجابت له !

لكن لم يكن أبدا كما خططت يوما .. لم يكن يوما كما فكرت أنه سيكون .. ربما كانت نظرتها أبسط بكثير من كل هذا

كل ما كانت تنتظره أن يخطف أحدهم قلبها وتحبه وتتزوجه وتعيش معه لنهاية عمرها مزينة حياتهما بأطفال

لكن أيا من هذا لم يحدث .. لقد أحبت وعشقت رجل يحبها ويعشقها كذلك .. لكن أين هو الآن .. أين حياتها معه .. أين زينة حياتهما !!

 

تنهدت بدمعة متدحرجة هامسة بخفوت " لم يحدث كل هذا .. لم يحدث أبدا .. وكم هو مؤلم عدم حدوثه "

لم تشعر بكل هذا الفراغ في حياتها حتى رأته .. تشعر بأن الصقيع يمتد شيئا فشيئا لقلبها وهي مستسلمة تماما لبرودته التي تقتل قلبها .. تقتل كل ما كان حلوا فيها

لم تنسى كلام أباها عن احتمال تزويجها يوما ما .. ولا تعرف كيف يمكن حدوث ذلك

ربما قد يرى الجميع أن العديد من البشر عاشوا قصص حب وانتهت واكتملت الحياة ببساطة .. بل هي نفسها كانت تراها بهذا الشكل دائما في السابق بأن الحياة أبدا لن تقف على حب شخص ذهب ولم يعد

لكنها لم تكن جربته حتى تحكم تلك النظرة السطحية .. وكم هو مؤلم مرورها بتلك التجربة !

تمتمت ومزيد من الدموع تتحرر وكأنها تناجيه " كيف أنساك ! .. كيف أنسى رجلا لم يفعل يوما سوى كل ما يجعلني أعشقه .. كيف أنسى يدا دافئة اكتنفتني بحنان في وقت كنت أشعر فيه بالرعب .. كيف أنسى منقذا أنقذ عمري دون تفكير وهو يخاطر بعمره هو .. كيف أنسى عاشقا لم ينظر لي يوما سوى بحب .. كيف أنساك .. كيف أنساك أخبرني .. أمرتني بها ولم تدُلني للطريق يا آدم "

رفعت كفيها تغطي وجهها تبكي بخفوت حتى لا يسمعها أحد .. تقسم أن قلبها كل ليلة يختنق بغصة بكاء تكتمه ولم تعد تستطع كتمه أكثر

وإلى متى ستظل تبكيه !

لقد سقطت في حبه دون أدنى مجهود .. لم تكن ترى أن الأمر سيكون هكذا .. جميلا حد الوجع !!

ظلت تبكي لوقت وتكتم شهقات متلاحقة بكفها حتى تعبت فنهضت تغسل وجهها وتتوضأ لتصلي العشاء ..

بعد وقت كانت تنهي صلاتها التي لم تتوقف فيها عن الدعاء له بالخير والحب والسعادة وتدعو لنفسها أن يصبرها الله على فراقه

نهضت تعيد اسدال صلاتها والسجادة لمكانهما وهي تنهي التسابيح على يدها كما تحب ..

بعد دقائق كانت تفتح حاسوبها الشخصي تتصفح مواقع التواصل وترد على رسائل لم تنتهي منذ أن عادت .. ابتسمت بسخرية على كل هؤلاء الأشخاص الذين يسألونها عن عودتها وكيف حدث وأين كانت .. من يراهم يعتقد أن العلاقة قويه بينها وبينهم والقلق يأكل قلوبهم لأجلها .. أما في الحقيقه هي ربما لم تتواصل معهم منذ شهور طويلة ومنهم منذ سنوات .. عجيب فضول الإنسان !!

غيرت صورتها الشخصية لأخرى لها مع أختها نهى وقامت بعمل اشارة لها وكتبت فوقها ( ست الحسن والدلال والتذمر )

 

وانهالت تعليقات متهكمة على أختها أو مدحا في جمالهما والشبه بينهما حتى أن أباها وضع قلبا وقال في تعليق ( أدام الله لي أجمل الفتيات في العالم ) فوضعت قلوبا كثيرة له بينما أختها ظلت تتذمر وترد على التعليقات المتهكمة ومشاكسات كثيرة استمرت بينهم لدقائق طويلة

ظلت تبتسم وهي تقلب في الصفحات حتى وجدت نفسها فجأة أمام صورته !

انتبهت أنها دون شعور منها بحثت عن اسمه ليظهر لها العديد من النتائج وهو بينهم

دون تردد اختارته وهي تتعرف على صورته بقلبها قبل عينيها حتى فتحتها لتملأ الشاشة

 

" آدم " همستها بشفتين مرتعشتين وهي تتابع تفاصيله .. يضع صورة له بجذعه العلوي فقط يرتدي قميصا مفتوح الأزرار كاملا يتطاير للوراء بفعل الهواء بينما يضع نظارات سوداء والبحر ممتدا من ورائه بينما هو ينظر لجانبه

عقدت حاجبيها بغيظ من وسامته المفرطة ودون شعور فتحت التعليقات التي كانت معظمها بأسماء أجنبية لم تخلو من بعض الفاتنات مما جعلها تجز على أسنانها بغيظ وغيرة تحرق صدرها ..

انتبهت أن الصورة وضعها منذ أشهر طويلة حتى من قبل أن يقابلها .. وأنه أيضا لم يرد على أي تعليق لكن هذا لم يبرد من نارها شيئا ..

رأت أن هناك أسماء عربية تحمل نفس الاسم الأخير له ويبدو أنهم أقاربه منهم مليك ..

لكن لم تجد اسم أخته مايانا للأسف وقد أخبرتها بأنها لا تهوى وسائل التواصل بالفعل ..

تنهدت وهي ترفع يدها تتحسس على الصورة وكأنها تلمسه بينما الدموع عادت لتغزو عينيها وهي تراقب كل تفصيلة فيه
 


" ماسة "

أجفلت ماسة بعنف وهي تسمع صوت أختها واقفة بجوارها فصرخت بحدة دون قصد " كيف تدخلين عليّ دون طرق الباب "

انكمشت نهى بتوجس منها قائلة " ماسة لقد طرقته بالفعل وأنت لا تردين "

أغلقت ماسة الحاسوب بحدة تزفر ثم قالت بهدوء " آسفه لم أقصد أن أحتد عليكِ .. لقد أجفلتني فقط "

جلست نهى بجوارها تنظر لها بهدوء ثم قالت " من هذا الذي تنظرين لصورته بدموع في عينيك "

أشاحت بوجهها جانبا ترد عليها ببرود " وما دخلك أنتِ "

زفرت نهى تقول " ماسة ما بكِ .. لماذا أصبحتِ بعيده عني منذ عودتك .. لم نكن هكذا في السابق "

أطرقت ماسة تقول " أنا لست بعيدة نهى .. ما هذا الكلام "

ضربت نهى على السرير بقبضتها تقول محتجة بعنف " بلى ماسة .. لقد كنا مقربتين جدا قبل ما حدث .. لكن الآن لم أعد أعرف عنكِ شيئا .. تبتعدين عني كأني غريبة "

صمتت ماسة دون رد ودون رفع وجهها متهربة فسألت نهى بشحوب " ماسة .. أصدقيني القول .. هل أنتِ غاضبة مني بسبب ما حدث "

رفعت ماسة وجهها لها تنظر لها بعدم فهم تقول " غاضبة لأي شئ ! "

ردت نهى بتحشرج تقول بدمعة محبوسة وهي تطرق أرضا " بسبب أنكِ بسببي تعرضتِ لكل ما حدث .. لو كنتِ ركبتِ القارب وتركتِني و .. "

قاطعتها ماسة بحدة وهي متسعة العينين بصدمة من تفكير أختها " اخرسي نهى .. ما هذا السخف .. هل تعتقدين بالفعل بأني أحملك ذنب ما حدث يا مجنونة .. أقسم أنه لو عاد ما حدث لفعلت نفس الأمر مرارا .. أنتِ أختي وصديقتي يا غبية "

رفعت نهى وجهها لها بارتياح ثم قالت " صدقيني ماسة لو عاد الزمن .. لم أكن لأتركك مهما حدث حتى لو سأموت "

ضحكت ماسة بحب وهي تسحب رأسها لها تحتضنها بقوة مربتة عليها ثم ابعدتها تقول ضاحكة " يا حمقاء لو كنتِ معي .. لكنا الآن في بطن القرش يلف بنا البحر كله "

هزت كتفيها بدلال ترد " لا .. كان سينقذنا القبطان بالطبع "

عقدت ماسه حاجبيها بغيرة لم تستطع منعها ثم قالت " كيف سينقذ اثنتان معا "

قالت نهى تزفر بهيام " بالطبع سيفعل .. هو قوي وشجاع "

مطت ماسة شفتيها بإستياء تقول " هل تعتقدينه سوبر مان "

استندت نهى بكفها على السرير تميل برأسها قائلة بنظرة ماكرة وابتسامة خبيثة " بالطبع هو سوبر مان .. فمن يجعل ماسة بنفسها تقع صريعة هواه لن يكون أقل من ذلك "

جحظت عينا ماسة بينما احمر وجهها وهي ترد بارتباك " أي صريعة لهواه يا مختلة التوازن "

ابتسمت نهى أكثر تهز رأسها يأسا ثم قالت " ألا ترين أنك مغفلة بالفعل حتى تستغفلين أختك والتي تحفظك كخطوط يدها "

ثم تنهدت تشير بذقنها للحاسوب تكمل بتقرير لا سؤال " كان هو ذلك الوسيم .. أليس كذلك "

زفرت ماسة تستند بظهرها على الوسادة تقول بضيق " ألا يوجد أحد لا يكشفني "

ابتسمت نهى لها بهدوء ثم قالت " هل تحبينه لأنه كان منقذا لكِ يا ماسة "

هزت رأسها نفيا تقول بعشق " أنا أعشق كل ما فيه يا نهى "

" أوووووه .. ما هذا الهيام يا بنت " قالتها نهى غامزة بشقاوة فابتسمت لها ماسة دون رد

تحركت نهى بجوار أختها جالسة تحت اللحاف ثم سحبت الحاسوب تفتحه وقامت بفتح حسابه مجددا تتمعن فيه قائلة " والله معكِ حق .. بعضلات بطنه المقسمة تلك تسقط في هواه زوجة رئيس البلاد نفسها "

زمت ماسة شفتيها تسحب منها الحاسوب بغيظ فضحكت نهى تراضيها تطلب منها أن تتجولا في الصفحة قليلا فوافقت ماسة مبدية امتعاض زائف

لم يكن نشط دائما لكن له بعض الصور مع عائلته وابنة أخته الصغيرة وصور له على البحر أو على السفينة بملابسه الرسمية للقباطنة ..

انتبهت نهى بعد تقليب الصور الى آخر منشوراته على الفيس بوك يكتب باللغة الانجليزية " الحب أحيانا يأتيك كالحلم .. ويغادرك بنهاية مثل الكابوس !! "

تمتمت بإمتعاض " ما نظرة التشاؤم هذه " فابتسمت ماسة وهي تشعر بأنها تفهم ما يقصده

انتبهت للتاريخ لتجد أن هذا المنشور كان قبل بدأ سفرها في رحلتها مع أختها بأيام قليلة .. وكأنه يصف ما سيحدث لهما بعد ذلك !!

ظلتا تتقلبان في صفحته بفضول وكانت منشوراته عادية وقليلة جدا .. لكنهما انتبهتا لمنشور يكتب فيه باللغة الانجليزية أيضا " أرى نفسي أحياناً ديناصوراً شاءت الصدفة ألا ينقرض ! "

قهقهت نهى بينما اكتفت ماسة بالابتسام بحنان تمتم في سرها " ديناصوري الغير منقرض "

قالت نهى بعد أن أنهت التمعن بكل منشوراته وصوره بتعجب " شخص في وسامته ووظيفته .. كيف تكون صفحته قليلة المنشورات والصور هكذا "

ثم أكملت بتحسر " في مجتمعاتنا ما أن يكون الشاب لديه غمازة واحدة يتيمة في وجنته حتى يشعر بأنه أوسم رجال المجتمع ويعتقد أنه ( آلان ديلون ) زمانه .. ويقوم بعمل حساب خاص به وفيديوهات غير محدودة له وهو يحرك شفتيه على أغنية ما في إحدى التطبيقات السخيفة تلك وهو يعصر وجهه عصرا حتى تظهر غمازته اللعينة ويقرفونا في كل مكان على الانترنت "

ضحكت ماسة وقد شعرت أن مزاجها تحسن كثيرا بوجود أختها الثرثارة بينما استدارت لها نهى تقول بحنق " صحيح .. أنتِ يا غليظة .. لقد وضعتِ صورتنا معا وكتبتِ عليها سيدة الحسن والدلال والتذمر .. لمَ قمتِ بوضع تلك الكلمة الأخيرة .. لقد نسفت الحسن والدلال بها "

قهقهت ماسه ترد تغيظها " ربما حتى يعلم الجميع أن لا شيء كامل ومن سيأخذك سيأخذك بحسنك ودلال .. وكذلك تذمرك "

شهقت نهى تضربها بالوسادة بينما تتفاداها ماسة ضاحكة حتى دمعت عيناها ..

قالت نهى بعد أن تعبت من كثرة الضحك والضرب " ماسة .. أريد النوم معك كالسابق "

ابتسمت ماسة وهي تعود لتستوي على السرير بجوارها حاضنة إياها كما تعودت أن تفعل واستمرتا في ثرثرتهما الطويلة دون توقف حتى شعرت نهى أنها ستسقط في النوم فتمتمت ما بين نوم ويقظة " هذا الآدم لا يجوز تركه .. إنه مفيد لتحسين السلالة " ابتسمت ماسة تتلاعب بشعرها دون رد حتى قالت نهى بخفوت دون وعي " تواصلي معه .. لا تتركينه .. طالما تحبينه .. بعد كل هذا تتركينه كيف ! "

ونامت دون شعور بعدها حتى تستيقظ لجامعتها غدا

قبلتها ماسة ثم نظرت لصورته نظرة أخيرة قبل أن تغلق كل شيء وهي تتمتم " ليتها بمثل تلك السهولة يا نهى "

 

نهضت بعدها تتنهد حتى لا تزعج أختها في نومها وجلست في شرفتها الصغيرة ناظرة لسواد الليل أمامها سامحة لدموعها بالهطول بعد أن انتهى دور تمثيل الابتسامة والمرح ..

وفي أذنيها تضع سماعات الأذن تسمع أغنية تزيدها لوعة وهي غارقة دون حول لها ولا قوة ..

 

" يا ليالي روحي لحبيبي وناديه

وأمانة عليكِ تقوليله حالي إيه

من يوم غيابه روحي رايحة عليه

منامتش عيوني وإن ناموا بيحلموا بيه "
 


شهقت ببكاء .. انفجرت الدموع أكثر تهطل بغزارة الأمطار وهي تستمع للكلمات .. بينما رفعت يدها لقلبها

والكلمات تُعاد .. وهي تراه ..

هناك يبتسم لها مشاكسا

يغمز لها بشقاوة .. ينفجر في الضحك بشكل غير مسبوق .. يخبرها بحبه .. والكلمات تنساب لأذنها .. بحزن

 

" يا ليالي روحيله عن شوقي وناري أحكيله

يا يجيلي يا إما أجيله

مش قادرة في بعده أعيش

وقوليله كفاية ويخلي لبعده نهاية

مش عايزة أنا غيره معايا

والباقي ميلزمنيش "

 

تراه أمامها ..

ينظر لها وهي تتحدث مع تايلور فيشتعل بالغيرة .. يجلس بجوارها ويقدم لها الطعام بنفسه .. يبتسم لها بحنان مواسيا وهو يعدها أنها ستعود لوطنها
 


" زي الليلة دي أنا كنت معاه

وفي حضنه بلاقي كل اللي أنا بتمناه

يا ليالي بقى كده حالي يرضيه

مش بعمل حاجة غير إني بفكر فيه "

 

تراه أمامها ..

وهو يهتم بها في مرضها .. وهو يحفظها بروحه .. وهو يندفع منقذا إياها .. يلتقطها بنفسه

يحميها .. مرات ومرات !

 

" يا ليالي روحيله

عن شوقي وناري احكيله

يا يجيلي يا اما اجيله

مش قادرة في بعده أعيش

وقوليله كفاية ويخلي لبعده نهاية

مش عايزة انا غيره معايا

والباقي ميلزمنيش "

 

تراه أمامها ..

عاجزا .. يحبها .. لكنه يودعها .. يوصلها بأمان منفذا وعده .. آخذا قطعة من روحها .. آخذا كل قلبها .. وهي تغادر ممزقة بين طرفين

تشتاقه في كل خطوة تبتعد بها عنه

تحارب نفسها حتى لا تعود متشبثة به كطفلة لا تقوى على فراق الغالي عليها

 

شهقت بالبكاء فجأة وهي تدفن وجهها بين كفيها وهي تهمس " يا إلهي آدم .. أنا أموت بدونك مهما مرت الأيام .. الألم يزيد بازدياد البعد .. سأحافظ على عهد حبي لك مهما طال بي عمري .. مهما طال لن أتخذ غيرك لي سكنا أبدا .. أبدا "

 

انتهى الفصل..

Continue Reading

You'll Also Like

438K 15.4K 31
فتيـات جميلات وليالــي حمـراء وموسيقـى صاخبة يتبعهـا آثار في الجسـد والـروح واجسـاد متهالكـة في النهـار! عـن رجـال تركوا خلفهم مبادئهم وكراماتهم وأنس...
8.3K 378 9
لمعة عيناها العسليتان عندما تبتسم كأنها دوامة تسحبه إلى داخلها لتجعله يغرق في جمالها ، وصوت ضحكتها معزوفة جيتار تعزقها على أوتار قلبه لتجعله ينغمس به...
3.7M 193K 96
رومانسي_أجتماعي_دراما_غموض_تشويق_كوميدي_عائلي الجزء الاول والثاني والثالث معًا (مكتملة)
3.7M 55K 66
تتشابك أقدارنا ... سواء قبلنا بها أم رفضناها .. فهي حق وعلينا التسليم ‏هل أسلمك حصوني وقلاعي وأنت من فرضت عليا الخضوع والإذلال فلتكن حر...