وقفت (منی ) بتوتر تتلفت حولها ، على حين وقف ( أدهم ) بجوارها هادئا ، وقد أمسك أمام عينيه بمنظار مقرب ، يوجهه نحو المنزل الريفي الذي كان يملكه
الدكتور ( ألفريد جورج ) ..
ثم ناولها المنظار وهو يقول : هذه هي غايتنا منزل ريفي مكون من طابقين ، وله مدخل رئيسي يمر بالحديقة ، ومدخل
خلفي صغير .. ومن الواضح أنه خال في الوقت الحاضر
ثم نظر في ساعته وقال سوف يحل الظلام بعد أقل من ساعة ، وعندما يحدث
ذلك سندخل إلى المنزل ، ونقوم بتفتيشه
قالت
تقصد سنقوم بسرقته كاللصوص
نظر إليها ( أدهم ) بضيق أشعرها بالحرج ، ثم قال بلهجة خافتة سأطلق عليها اسم السرقة ، لو أننا وفقنا في
الحصول على التصميم .. أما لو لم يحدث ذلك ، فتصبح مجرد زيارة ليلية ثم عاد ينظر إلى المنزل غير منتظر تعليقها ،
ولم تحاول هي ذلك بل التزمت الصمت ، وقد شعرت ببعض الحرج والضيق ..
وفجأة .. تحول ضيقها إلى غضب ، وحرجها إلى عناد ،
فالفتت إلى ( أدهم ) وقالت :
- سيدي المقدم .. ألا تعلم أني قد اجتزت اختبار
القبول في المخابرات الحربية بنجاح وبدرجة إمتياز ؟
التفت إليها ( أدهم ) بدهشة ، فتابعت بنفس اللهجة الغاضبة وأن تدريباتي في قطاع مكافحة الجاسوسية كانت على أرق مستوى .. وأن نتائجها كانت ممتازة .. وأنی أجيد مثلك استخدام جميع أنواع الأسلحة
قاطعها ( أدهم ) بلهجة ساخرة قائلا - وماذا عن تدريباتك العملية أيتها الملازم ؟ كم مهمة قمت بها ؟ هل تم تدريبك على خلط المشاعر الشخصية بظروف العمل ؟ أم أن هذا يرجع إلى نقص في الخبرة
كانت عبارات ( أدهم ) لاذعة ، حتى أن (منی ) صمتت تماما ، ولم تستطع التفوه بكلمة واحدة ، واحتقن الدماء في وجهها بشدة ، وكادت الدموع تفر من عينيها ..
ولكن ( أدهم ) ، لم يلتفت إلى كل هذا ، وإنما عاد يتطلع إلى ساعته ، ويقول بلا مبالاة بعد عشرين دقيقة من الآن سنذهب سيرا على الأقدام إلى المنزل الريفي وحتى ذلك الحين لن نتحدث إلا فيما يخص العمل ثم أودع كفيه في جيبي معطفه ، ولم تفارق عيناه المنزل الريفي
كان الظلام يزحف على تلك المنطقة الريفية الهادئة ،
عندما أشار ( أدهم ) إلى (منی ) وقال بصوت منخفض :
- هيا. سنبدأ عملنا الآن
تسللا إلى المنزل الريفي بهدوء ، واجتازا السور الشائك ، ثم عبر الحديقة إلى الباب الخلفي الصغير .. ووقفت (منی ) تراقب الموقف، على حين أخذ ( أدهم ) يعالج قفل الباب بهدوء ومهارة ، إلى أن انفتح
محدثا تكة صغيرة ، ثم دلف إلى الداخل وتبعته ( مني ) .. وما أن أغلق الباب خلفه حتى أخرج مسدسه وأمسك به بيمناه ، على حين أضاء مصباحا كهربائيا صغيرا في يسراه ، وأخذ يتحرك بخفة وسرعة ،
ويتجول في أنحاء المنزل الواسع باحثا عن التصميم
بحث ( أدهم ) و (منی ) في كل مكان يمكن أن يخفي فيه الدكتور ( ألفريد ) تصميمه السرى .. وبعد 3 ساعات من البحث قال ( ادهم ) بهدوء
من الواضح أن التصميم ليس هنا
قالت ( منی ) بصوت متعب أستطيع أن أؤكد هذا أنا أيضا ، بعد هذا البحث الدقيق الذي أجريناه ثم جلست على مقعد ضخم ،
وقالت وهي تشير إلى بركة صغيرة في منتصف الحجرة :- انظر إلى هذا المشهد الرائع بركة من الرخام الأبيض في منتصف الغرفة ، وفي وسطها نافورة جميلة
تمثل عروس البحر .. لا بد أن الدكتور ( ألفريد ) كان يحمل مشاعر فنان رقيق
تجاهل ( أدهم ) عبارتها ، وقال :
لكن أين يمكن إخفاء هذا التصميم يا ترى ؟
جاءه فجأة صوت أجش ، يقول بلهجة باردة وبلغة إنجليزية ركيكة :
- إنه ليس هنا على أية حال
قفز ( أدهم ) شاهرا مسدسه ، ولكن الضوء ملأ الردهة فجأة ، وشاهد ( أدهم ) ثلاثة رجال يحملون المدافع الالية، ويصوبونها إليه وإلى زميلته .. كانت ملامح الرجال الثلاثة تؤكد أنهم من الشرق الأقصى ، حيث الثلوج شديدة البرودة ، والمساحات شاسعة مشعة
وكان من الواضح أن الرجل السمين الواقف في المنتصف هو أكثرهم سلطة و لأنه تحدث بعجرفة وقال
أنتم من المخابرات المصرية بلا شك : لأنكم
تتحدثون العربية .. أليس كذلك ؟
خفض ( أدهم) مسدسه .. لم تكن هناك فائدة أمام ثلاثة مدافع آلية مصوبة ، ومستعدة للانطلاق عند أول بادرة للمقاومة، وابتسم وهو يقول
من الواضح أنك تفهم العربية ، وإلا ما أجبتنی
بالإنجليزية الركيكة التي تستخدمها
قال الرجل بعجرفة وضيق ستجيب عن أسئلتي فقط أيها الرجل .. ليس
لك حق السؤال .. عليك أن تلقي بمسدسك هذا أولا
بسط ( أدهم ) قبضته ، فسقط المسدس تحت قدميه ، ثم ابتسم وقال للسمين
- من المؤسف أنك حضرت في نفس اللحظة التي توصل فيها ذهني إلى مخبأ التصميم
نظر إليه الرجل بنظرة شك ، وقال :
لقد كنت تسأل نفسك منذ لحظات
عن مكان وجوده .. هل تظنی غبيا لتخدعني بعبارتك هذه
هز ( أدهم ) كفيه بلا مبالاة ، وأشار إلى البركة الصغيرة ، وقال : أراهن أنكم لم تقوموا بتفتيش هذه البركة ولا بفحص نقوشها .. هل سمعت عن الميكروفيلم
يا صديقي ؟ إنه فيلم حساس له
حجم صغير أنه يمكنك أن تخفيه في ساعتك
برقت عينا السمين ، وأخذ ينقل بصره بين ( أدهم ) والبركة ، ثم أشار إلى رجليه ، وقال لهما :- افحصا البركة جيدا .. لو أن هذا الرجل يعبث بنا سأطلق عليه النار في الحال
هبط الرجلان إلى البركة ، وأخذا يفحصان جيدا أركانها ونقوشها ، وأخذت (منی ) تتابعهما بعينيها بقلق .. كانت تعلم جيدا أن ( أدهم ) ليس من النوع الذي يسلم نفسه لأعدائه بهذه السهولة ، لا بد أنه
يدبر خدعة ما .. أما ( أدهم ) فقد ظل هادئا ،
على حين كان السمين يراقبه بدقة ، وقد صؤب مدفعة الآلي إلى صدره
كانت البركة في الطريق بينه ( أدهم ) والسمين وفي أثناء بحث الرجلين جاءت لحظة أصبحا فيها بين ( أدهم ) والسمين .. وفي هذه اللحظة أخذ ( أدهم ) يسعل بشدة ، ثم مد يده إلى جيبه بحركة بدت عفوية وكأنه يبحث عن منديله .. وفجأة .. وقبل أن يدرك أحد ما حدث ، ألقى بقرص أبيض كبير في مياه
البركة .. وما أن لامس القرص سطح الماء
بالفوران ، وتصاعدت منه فقاعات غزيرة
صاح الرجلان بفزع وقفزا من البركة ، على حين
صاح بهما السمين :
( فلاديمير ) .. ( نابکوف ). ابتعدا .. إنكما
تمنعاني من إطلاق النار على هذا الوغد
ولكن ( أدهم ) لم ينتظره .. وبقفزة بارعة تخطی البركة المائية ، واستقر خلفها بين الرجال الثلاثة وأسرعت قبضته الیمنی تشق طريقها إلى فك السمين ، على حين قبضت اليسرى على المدفع الآلي الذي
يحمله .. ثم ارتفعت قدمه لتستقر بقوة على وجه رجل آخر ،
على حين صاح الرجل الثالث بفزع:- أيها المجنون ، سيتصاعد الغاز السام من الماء ويقتلنا جميعا في الحال ، تجاهله ( أدهم ) تماما ، ووجه إليه عدة ضربات
متتالية في بطنه وفكه وأنفه ، سقط الرجل على أثرها فاقد الوعي
كانت (منی ) قد تناولت مسدس ( أدهم ) الملقي على الأرض ، وصوبته إلى الرجال وصاحت قفوا .. وليلق كل منكم سلاحه
قفز ( أدهم ) جانبا ، وصوب المدفع الآلى الذى. انتزعه من السمين إلى الرجال الثلاثة ، وهو يبتسم ساخرا ، على حين وضعت ( مني ) منديلها على فمها
وأنفها ،
وصاح السمين بذعر وقلق :
- حسنا أيها الشيطان .. سنستسلم ، ولكن يجب
أن نخرج من هنا جميعا ، وإلا قتلتنا الغازات السامة التي ستتصاعد من قرصك
ضحك ( أدهم ) وقال غازات سامة ؟
هذا ليس إلا في خيالك المريض يا صديقي .. كيف يمكن أن تخرج غازات سامة من قرص بسيط من أقراص معالجة الحموضة ؟
حدق فيه الرجال بدهشة ، سرعان ما تحولت إلى غیظ ، على حين رفعت (منی ) منديلها عن وجهها وقالت بذهول : قرص مضاد للحموضة ؟ هل قامرت بالهجوم على ثلاثة رجال يحملون المدافع الرشاشة ، وليس لديك سوى قرص من أقراص معالجة الحموضة ؟ قرص فوار !
ابتسم ( أدهم ) ، وقال بهدوء :- بل قامرت على مشاعر رجال مخابرات ، اعتادوا العبث بهذه الكيماويات العجيبة .. كان من الطبيعي أن يتصوروا أن هذا القرص العادي سلاح خطير ، ما دمت
قد ألقيته بهذه الطريقة التي توحي بذلك
ابتسمت ( مني ) وقالت
يا لك من رجل !!
فتمتم أحد الرجال الثلاثة بغضب
بل يا لك من شیطان !!
ضحك ( أدهم ) ساخرا ، وقال : ما دمنا لم نجد التصميمات بعد ، فسأكتفي بمصادرة أسلحتكم أيها الزملاء فليس بين دولتينا
عداء يستوجب قتلكم .. ولكن اسمحوا لي باتخاذ جانب الأمان ، فيما كان لدولتكم رأي آخر