قلّصت الورقة بكفها عازمة على تمزيقها لكن إنه خطه ولن تستطيع التخلص منها فأعادتها وطوتها بحالتها المزرية ثم وضعتها داخل أحد الأدراج.

حاولت البكاء لكن عيناها أبت ذلك وكأن احتياطي الدموع قد نفذ من عينيها...

لم يعد بيدها إلا مزيدًا من الانتظار أيامًا، أسابيعًا وربما شهورًا، لكن البعد هذه المرة كان له مذاق مختلف، لا زالت شاعرة بوجوده حولها، مستشعرة حيّزه في فراشها، كلما أرّق مضجعها الوجد أغمضت عينيها مستعيدة أحداث ليلتهما الوحيدة معًا، فتبتسم تلقائيًا متذكرة هذا الجانب الخفي من مراد والذي لها وحدها ولا يعرفه غيرها، مزيجًا من الرقة، الود، العشق والجرأة مع بعض المجون.

عادت الحياة لطبيعتها في مصر فخرجت عشق عائدة لعملها مكملة بقايا الفصل الدراسي وأيضًا عادت لعملها في المجمع الخيري بالإضافة لوقتها مع الطفلين عبد الله ومراد.

أما ياسر فقد بدا تدهور صحته واضحًا لزوجته خاصةً مع إفراطه بالتدخين وخسارته المزيد من وزنه بشكل واضح، لكنه كان دائم الشرود، خاصةً في ذلك اليوم، يوم ذهاب مراد لتسليم نفسه...

فتح ياسر باب شقته خارجًا حسب الموعد المتفق عليه مع مراد وهشام، فوجد مراد خارجًا من شقته هو الآخر حاملًا حقيبة بها أوراق فحوصه الطبية وعلاجه، لكن الغريب أن وجهه مبتهلًا مشرقًا وسعيدًا، ليس وجه شخص ذاهبًا لتسليم نفسه للشرطة.

صافحه ياسر بتعجبٍ جم وود لو سأله عن سر سعادته المفرطة، لكن مراد قد تحرّك متكئًا على عصاه حتى وصل أمام المصعد ثم ضغط على الزر الطالب فتبعه ياسر بتوتر، وبعد لحظات تنحنح ياسر قائلًا:
-كان عندي سؤال يا دكتور.

أشار إليه مراد وقد وصل المصعد، فتح بابه ودخل ثم تبعه ياسر، فأجابه مراد بنفس ابتسامته: اتفضل، أنا بعد ما رجعت من السجن قرأت كتب كتيرة لاستعادة المعلومات، وما تخافش لو ما عرفتش مش هفتي بغير علم.

- السؤال، هو ربنا بيتوب عن العبد ويغفر له ذنوبه مهما كانت.

- لا إله إلا الله يا أخي! إن الله يغفر الذنوب جميعا، يتوب على الكافر بعد إسلامه ألن يتوب على العاصي، لكن بالطبع يلزم شروط التوبة من الشعور بالندم، ترك المعصية وعدم الرجوع إليها، ده كمان يتوب ويغفر الذنوب ويبدل السيئات حسنات، شايف عظيم كرم الله الذي لا حدود له!

فتنهد ياسر براحة، فنظر مراد أمامه وأكمل دون أن يلتفت إليه: هذا بخصوص الذنوب التي في حق الله وليس في حق العباد.

- يعني إيه؟
هكذا صاح ياسر، فأجابه مراد متعمّدًا عدم النظر إليه: الخطأ في حق العباد يلزم مع التوبة مسامحة من أذيته وكونك أخطأت بحقه.

قالها مراد وقد وصل المصعد فتحرّك خارجًا منه تاركًا ياسر في صدمته وهمّه المتأكد من احتلالهما لملامحه لكنه لم يعقب وأكمل سيره متجهًا نحو سيارة هشام وبعدها تبعه ياسر جارًّا رجليه بخزيٍ وقهر...

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Jul 26, 2021 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

(سيظل عشقك مرادي)   By:NoonazadWhere stories live. Discover now