اختار كتابًا، جلس على مكتبه يقرأه مرتشفًا رشفات من الشاي من حينٍ لآخر، وبعد مرور بعض الوقت شرد قليلًا، تذكر منذ سويعاتٍ قليلة، وسط هذا الجمع لمحها على الجانب المقابل للطريق، كأنما نظرت إليه، بل قد تقابلت نظراتهما، تُرى هل كانت تنظر إليه من الأساس أم فقط خُيّل له!

مهما كانت الإجابة، هناك شيء محسوس وكأن خيط خفي ربطهما معًا، كلما ابتعد أحدهما تراه يعود نحو الآخر مقتربًا، حتى ولو كان هذا الاقتراب محدد لا يتخطى حدود بعينها، لم يخفى عليه أسئلتها التي لا تنتهي حتى ولو كانت مكررة ووصمتها بالغباء، ولا ينكر رغبته في المزيد من الإجابات والحديث معها دون توقف.

كل يوم يسأل نفسه هذا السؤال ولا يجد إجابة، أو ربما يصل لنفس الإجابة لكنه لا يصدقها، فتجئ ضربات قلبه المتبعثرة تؤكد هذه الإجابة، هل فعلًا أحبها؟ هل آن الأوان لتقتحم حياته من تجئ تؤنس وحدته القاتلة؟ لكن ماذا عن طريقه، أهدافه، مراده؟ لا يمكن أن يحيد عنها أو يتركها لأي سبب، حتى ولو كان العشق.

مزيد من الأيام تمر، تتشابه أحداثها لكنها ترسّخ المزيد من المشاعر داخل قلبيهما، في نفس الوقت لم يغيب عن ياسر هذا الوميض المطل من ملامح عشق، لكنه لم يراها تقابل أحدًا، لا شيء يتغير في حياتها، تتحرك من وإلى الكلية مع بضع زميلات وأحيانًا بصحبة أبيها، ولا تذهب إلى أي مكان سوى المسجد، والذي تكون بصحبتها أمه وعمته، صحيح أن بعض النساء اللاتي اعتدن على رؤيتها في المسجد تحدثن بشأنها لأمها بغرض خطبتها، لكن عشق دائمًا ترفض بصرامة، إذن ما الأمر؟ ما الذي استجد في حياتك يا ابنة العمة؟ ألا تعلمي أن عشقك هو مرادي!  حتى ولو تجاهلتيه لكن في الأخير لن تكوني سوى عشقي، ربما هذا التغيير الذي حلّ بكِ هو رونق الحجاب والالتزام، أجل هو كذلك ولا غير ذلك!

هكذا دائمًا ياسر يحدث نفسه ويقنعها...

أما عشق فطوال عام دراسي كامل تعرفت على حركاته وسكناته، لا تدع فرصة إلا واستفاضت في حديثها معه، لكنها لم تعرف عنه الكثير، بل لم تعرف عنه أي شيء! فقط عرفت عمره بالمصادفة، والذي يقارب إحدى وثلاثين عامًا، أي يكبرها بعشرة أعوامًا كاملة، دائمًا يقول لها أنها فتاة صغيرة، هل هي ملخص نظرته لها ورأيه فيها؟

لكن داخلها نمت مشاعر كثيرة، شعرت بحالة تشبه التي يُحكى عنها في تلك الأغاني التي هجرت سماعها منذ زمن، ورغم دراستها للغة العربية، أعظم لغات الدنيا وأغناها، لا تجد ما تصف به مشاعرها الجياشة نحوه، لكنها تثق أن كل ذرة في كيانها تعشقه وتتمناه، ولو نطقت لنادت باسمه لاهثة «يا مراد أنت مرادي طوال حياتي، قل لي متى ستحبني وتشتاق لي! أم هذا بعيد عن مرادك!  أنا عشق فهل لي من اسمي نصيب؟ بشرط أن تكون أنت هو هذا النصيب!»

أما عن ياسر فإن كانت لم تلتفت إليه يومًا عندما كان دائم التزاور لهم، فما باله وقد صارت زيارته قلّما تكون، ليته يعي أن مقاعد قلبها قد اكتمل عددها ولا مكان له داخلها، فقد أغلقت بابه وألقت بمفتاحه في جبٍٍّ قعره بعيد لا تصل له أي أيادي.

(سيظل عشقك مرادي)   By:NoonazadWhere stories live. Discover now