الوصفة التاسع والعشرون: رسالة تهديد.

Start from the beginning
                                    

والذي لم نقدر عليه سبيلًا ولم نستطع ترويضه بشتى الطرق حتى قيدنا جميعًا وحبسنا في جحورنا خائفين من مخلوق لا نراه بأعيننا حتى!
مدركين بذلك عظمة الله خالقكم وخالقنا.

وحتى بعد نفادكم منا لم تتركوا الجثة بحال أمرها، وبسببكم لم نعد نشيع جنازات أحبائنا الذين سقطوا ضحايا لكم بعد أن أذقتموهم من العذاب ما لا يطاق، وأغرقتموهم في بحور الآلام وذاقوا منكم مرارة الفراق الأبدي حتى قبل الممات.

فهم لم يسلموا أرواحهم وهم بين أحضان عوائلهم بل تجرعوا علقم الأسقام وحدهم بلا مؤنس أو وجوه مبتسمة مواسية تضحك في وجوههم البائسة  وتخفف عنهم وطأة الكآبة والوجع ،لكن كل ما أمامهم بياض في بياض من أجساد مقنعة.

يخشونهم كأنهم هم نفسهم أنتم ولا يقربوهم إلا للحاجة القصوى ورغم جهود جنودنا الشجعان من الأطباء والممرضين وتعاونهم وجهادهم المتفاني في المعركة إلا أننا لم نقدر على السيطرة على مرض آخر يرافقكم.

هو الوحدة العقيمة والبؤس، وأسى القلب على موت روح صاحبه قبل جسده حتى؛ لأن كل ما حوله عبارة عن سراب، خيالات أشباح بلا شعور أو إحساس، فقط فراغ سيصبح جزءًا منه عما قريب.

وأصلًا أنتم تكدحون جاهدًا لتوصلوه هو أيضًا لهذه المرحلة من الفناء فأنتم في الحقيقة الفراغ نفسه، ومع تقدم مراحل المرض وتتابع الزمن وتسرب الرمل بخفاء من الساعة الرملية يبدأ المريض بفقد نفسه، روحه وجسده المتهالك تدريجيًا.

يتلاشى ببطء حتى يتبخر بالكامل وتصعد روحه إلى السماء، يظل يقاتلكم حتى النفس الأخير وتغرق أنفاسه بين أقرانه في جزيئات البر لا حتى في المحيط، ويصبح كسمكة تتلوى بألم تجرب آخر حظ واحتمال لها في الحياة مع أنه شبه معدوم.

بعد أن غزوتم خلية تلو خلية واحتللتم الأعضاء والأجهزة وبالأخص جهاز التهوية الذي يربطنا بالغلاف حولنا والذي هو أساس إنتاج الطاقة.

وبلغ بكم الغدر والحقد لدرجة أنكم قلبتم خلايانا ضدنا فباتت وكرُا لكم وأمًا مخدرة لا تعي نفسها وتنتج الأجيال القادمة منكم والتي ستدمرها هي وشعبها بأكمله.

صارت أجسادنا كدمى متحركة بين أيديكم تهلك نفسها بنفسها دون أن نقدر على المعارضة وإيقاف أنفسنا عن الغوص أكثر، نتوجه إلى القاع بدل السباحة نحو الشط والإرتواء من فيض الشهقات.

تطفلتم على خلايانا فتمردت أعضائنا ضدنا، وخانتنا أجهزتنا لتكون النتيجة في الختام تداعي جسدنا البشري وتحلله بين تراب وطين صنع منه، والآن يرجع إليه ثانية، ويدخل صنفه تحت خانة الجماد.

وصفات الإبداع Where stories live. Discover now