الوصفة التاسعة: ملحمة الشتاء.

41 10 5
                                    

...

بينما أنا في سبات سحيق بين أحلامي الوردية، التي دارت أحداثها بين ابتسامات الربيع حيث النسيم المداعب، والأشجار المتفرعة، التي ازدانت أغصانها بوريقاتها الزهرية الخجول.

التي لامست خدودي برقة متناهية، والسماء ملأت بغيومها البيضاء المكتنزة، التي تشكلت ببراعة كأنها تحفة على يد أمهر فنان، والأراضي الطينية التي كانت جحورًا لبصيلات السعادة الفتية.

التي تفتحت ورودها المتمسكة بشعيراتها الخضراء، وغدت تنشر براعم الأمل والحياة لتشق طريقها بين مروج البهجة نحو تلة النخوة لأتأمل من عليها على الكون، الذي سحرني بجماله الأخاذ.

ولكن فجأة وبين كل تلك اللحضات الساحرة، دفعني غدر ونفاق الأيام لأقع من قمة السرور والنعيم إلى فوهة التعاسة والظلام.

ففتحت عيناي الناعسة لأجد نفسي مرمية بإهمال على كرسي حجري يختبأ بين أشجار حديقة مهجورة قد جردت من رداء الحياة.

والسماء الغاضبة تقذف بعبراتها المقهورة مزلزلة الكون برعودها الصاخطة، ومعمية الأبصار ببرقها المهيج حرقة على كبريائها المجروح، ازداد وابل تلك
الشهب المتناثرة حولي لتحتويني حتى أخمص قدمي.

ومع انزلاق كل قطرة ذابت ذكرياتي فيها، وسالت ممتزجة بفيض النسيان لأقف بسرعة واعية على نفسي، والصراعات تأكلني من الداخل بحيرة تمكنت مني، من أنا؟ وإلى أين سبيل النفاذ من كل هذه التساؤلات؟

أين هو ملجأي من صقيع الشتاء، ومهربي من قسوة هذا العنوان؟ هل حل بنا الخلاص أم أنني بت دمية محبوسة في كرة بلورية تعشعش فوق صندوق موسيقي ولا نهاية للشتاء فيها.

بدأت أركض بين تلك الأزقة الدامسة أبحث عن شيء ما لكن ما هو؟ ربما أبحث عن نفسي أنا، هويتي الضائعة بين زمهرير الشتاء.

أشكر حظي على وجود رجلي في كنف ذلك التابوت الأسود، فقد قللت لسعة أشواك الأرض الباردة التي شرعت برشق لعابها بقوة كلما حطت خطواتي على بركها المدنسة بالطين.

وحتى فستاني الذي غادرته حلاوة الربيع من النقوش
اللطيفة التي كانت تتخلله من خليط الألوان الصاخبة
كمهرجانات الربيع المفعمة بالتفاؤل، لكنها استسلمت لغزو الغيث المنهمر.

غادرت ملبسي الذي صار ككفن المحتضر، وكشعر عجوز ألمَّ بها أحزان العمر، استمرت أطرافي النحيلة برقص الباليه في ساحة الحياة على أنغام الوحدة
والنحس.

تسللت أناملي الرشيقة بين خصلات شعري القصير المبلل لأقبض عليه بشدة محاولة التفكير لكن لا فائدة، حدقت حولي ببؤس، أين ربيعي الزهري؟

وصفات الإبداع Opowieści tętniące życiem. Odkryj je teraz