الوصفة الثامن عشرة: لحظة حاسمة.

28 9 5
                                    


...

صِف شعورك كوالد يُشاهد طفله يغرق في بركة من الماء المثلج.

بعد أعوام مديدة هطلت الثلوج على الجبال المحيطة
بمدينتي الصغيرة وغطتها بتلك الرغوة البيضاء اللطيفة حتى أخمص منحدراتها الرشيقة.

فيما مضى عندما كنت طفلًا لا يتجاوز الخامسة من عمره، كانت مدينتي الراسية على السهول تحظى أيضًا بنصيبها، وأكثر من زخات البلورات الندية، وكانت اعتيادية بالنسبة لنا حتى الضجر.

لكن الآن تغيرت الأحوال، وأصبح الولوج لها ضربًا من الخيال خاصة لأطفال هذا الجيل لهذا توجهت بعائلتي الصغيرة لإحدى تلالها حتى نحظى بإجازة شتوية تليق بمسماها لكن يا ليتني لم أفعل!

فقد تركت هذه الرحلة أسوأ ذكرى قد أحصل عليها في حياتي بأكملها وهي الفاجعة التي أشهدها أمامي الآن، صغيري مازن آخر العنقود وهو يحارب المياه القارسة ليلوذ بأنفاسه المختنقة من التلاشي.

لما لم أتأكد من المنطقة قبل أن أرفع راية الأمان لأبنائي ليطلقوا العنان لشقاوتهم؟ ما أدراني أنها كانت رافد نهر صغير متجمد قد دثرته الثلوج الناعمة وموهت على حقيقته لتصنع منه فخًا طبيعيًا تستدرج به المتهورين مثلي؟

فلذة كبدي هناك قد احتقن جلده بالدماء مظهرة علامة خطر لكل من يلمحها ليحثها على الإستعجال في نجدة صاحبها، كانت المسافة بيننا طويلة والطبقة الثلجية فوق الماء رقيقة لن تتحمل وزني الراشد.

لا أعلم كيف وصل صغيري إلى هناك دون أن نلحظ؟ حقًا أنا أحمق مستهتر، يا إلهي ماذا أفعل الآن؟ كيف أنقذه؟ كيف سأنتشله من الموت وأنا غير قادر على الوصول إليه حتى؟

صرخاته المتقطعة بتلك الشهقات التي كانت تسحب معها ذلك الصقيع البارد كان يلسع روحي، يناجيني بيا أبتي ويا روح أبتك، ويا بؤبؤ العين ومناط الفؤاد ها أنا فارسك الحامي أقف عاجز أشهد لحظات قتلك من قبل فتك الطبيعة.

لا لا أستطيع التحمل، دموعه وانتفاضته تقتلني قبل أن تصرعه هو، سأشدو نحوه حتى ولو غرقت معه
فروحي فداء له، وأصلًا ما معنى حياتي بعده؟ وهل
سأقدر على المضي في درب حياتي بعد أن شهدت
هذا المشهد البشع؟

بالطبع لا، سأجن ولن يهتدي سبيلي إلى التعقل في ظل هذه اللقطات المظلمة التي ستطاردني حتى الثانية الأخيرة من ملحمتي مع الحياة.

وفور ما كنت عزمت على الإقلاع نحو تلك البقعة المنكوبة أحاط بقية صغاري بي ببكاء ونحيب، وأمسكتني زوجتي من تلابيبي ومنعتني عن تنفيذ ما أنوي عليه، وآثرتني على نفسها، وتقدمت دون تردد نحو الأمام.

لكني لم أكن لأسمح لها بذلك فهي ستغرس ذلك السهم الجارح في صدري أكثر مما هو مغلول في الداخل، لكن ماذا سيحل ببقية أطفالي إن جرتني ملائكة الموت نحو حدفي و وافتني المنية؟

وجدت نفسي بين مفترق طرق لكل منها آثاره الجانبية الجيدة والسيئة، لكن لا مجال للتراجع وإلا
سأظل نادمًا على سكوني في هذه اللحظة الحاسمة
طوال حياتي إن عشتها.

قبضت على كتفي زوجتي، ودفعتها بشدة مع الصغار إلى الوراء وشرعت في المشي على ذلك الصراط المهول بخفة قدر الإمكان حتى وصلت له لحسن الحظ قبل أن تخطفني مخالب الجليد.

آاااه يا صغيري المسكين كم جاهدت وصبرت للنجاة، ها قد جاء الفرج يا نبض القلب! انتشلته من بين قطرات الماء بسرعة وهو يرتعش بشدة مخيفة وعيناه بازغة كأن أحد مردة الجن قد تلبسه مقارنة بجسده الضئيل.

اختلطت مشاعري حلوها بمرها لتخلق تلك اللذة اللاذعة المسكرة، التي شتتني للحظة لأضرب رجلي بقوة على الجليد الرهيف دون انتباه مني لأجرب آخر حظ لي، وأقذف بتلك القطعة الصغيرة مني نحوهم، وأغوص بعدها في عالم أزرق بلوري ومنه إلى  الظلام الدامس الأبدي.

اختلطت مشاعري حلوها بمرها لتخلق تلك اللذة اللاذعة المسكرة، التي شتتني للحظة لأضرب رجلي بقوة على الجليد الرهيف دون انتباه مني لأجرب آخر حظ لي، وأقذف بتلك القطعة الصغيرة مني نحوهم، وأغوص بعدها في عالم أزرق بلوري ومنه إلى  الظلام الدامس الأبدي

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

...

وصفات الإبداع حيث تعيش القصص. اكتشف الآن