الوصفة الخامس والعشرون: ذكريات حية.

36 10 9
                                    

...

لقد مرت عشرون سنة منذ أن غادرت قريتي
الصغيرة بل حتى بلادي بأكملها من أجل كسب
الرزق بعد تلك الحادثة المريرة التي فقدت بسببها
جميع أفراد عائلتي.

عملت خلال تلك السنين كخادمة أولًا ثم كمربية لطفل للأثرياء في تلك البلاد الأجنبية، ولما شد عوده ولم يعد بحاجة لي تخلوا عني وأقالوني من العمل، حسنًا أنا التمس لهم الأعذار فقد طردوني بالأصح.

بعد أن اتهمتني الخادمة الجديدة بالسرقة؛ لأنها كانت تغار مني فقد كان ابني الذي تربى على يدي، يعطيني أهمية كبيرة، ولا يعاملني كعاملة عادية كغيرها تتلقى أجرًا لقاء ما تعمله فقط، وحتى أنا كنت أعامله كطفلي الجنين.

الذي فقدته عندما كنت حاملًا به في الشهر الثامن، نعم لقد نجوت بأعجوبة، ولكن رحلت تلك الروح البريئة من أحشائي من هذا العالم بسبب جور الكبار وكبريائهم وسمعتهم البالية.

كان قد قرر بالفعل أن أكون مربية ابنه فقد كانت زوجته حامل حينها، كنت على وشك أن أصبح جدة، لكن الكره والغيرة العمياء دمرت كل شيء وبهذا فقدت عائلتي للمرة الثانية على التوالي

حاولت الدفاع عن نفسي لكن لا جدوى فحينما ينبت الشك في القلب يكون كالسرطان يعمي صاحبه فلا يعود لرشده أبدًا لذا توجب علي الرحيل حتى لا أصل
بهذا الأمر إلى نقطة بشعة، وأسود خاطر تربيتي وشقائي السنوات الماضية.

حزمت أمتعتي وعدت إلى حيث نمت جذوري وتفرعت أغصاني وبت زهرة يانعة، لم يحطمني الأمر فقد اعتدت على الهجران وأن ينبذني من حولي.

لقد تركني الأقرباء، ومن يسري دمهم القاني في عروقي المنهكة فما بالكم بالغرباء الذين دفعوا كل قرش لقاء بثي لمشاعري وحناني وخدمتي لعشهم؟

بعد رحلة طويلة ها هو ماضيَّ يتمثل أمامي، نعم أنا الآن أمام باب البيت الذي قضيت فيه أجمل أيام
حياتي، وللأسف أتعستها أيضًا.

مزيج متناقض بين الحلو والمر لتشكل تلك اللذاعة التي تثمل أحاسيسنا وعقولنا لتنتقل بنا إلى ذكريات الماضي العتيق.

أنزلت مقبض باب الردهة بعد أن أدخلت ذلك المفتاح الذي صدأ على مر تلك السنين، لازلت أحتفظ به فالذكريات كنز ثمين حتى وإن احتوت على السيء فإننا لا نحس بطعم الحلاوة إلا بعد المرور بالبشاعة لتهون علينا وتجعلنا نحس بقيمة ما أهملناه وتذمرنا حوله سابقًا.

كان منزلي الصغير بل بالأدق غرفتي الصغيرة مثلما تركتها منذ تلك الحادثة التي قلبت موازين حياتي، أول ما سمعت صوت ارتطام النافذة بالجدران الخشبية أسرعت نحو تلك الغرفة.

وصفات الإبداع Where stories live. Discover now