الوصفة الخامسة: الطرف الآخر من المرآة.

52 16 13
                                    

...

تتنقل عسليتاها الناعسة بين قطعان الأطفال المشاكسين هنا وهناك في تلك الحديقة الصغيرة
القريبة من منزلها، وابتسامة عذبة تزين ثغرها الذي
هجرته الدماء لتتركز جميعها في ذلك الكهف المقوس
ذو البوابتين المحفور بدقة في ملامحها الذابلة.

فلا النوم زار مضجعها، ولا الدموع عرفت معنى الجفاف قط، تتأمل تلك الطفلة الصغيرة ذات الشعر الناري، المجدل لذيلين طويلين يضيف لملامحها الجميلة نفحة من البراءة والبلاهة الظريفة مع فستانها اللطيف الممزق من الأطراف.

الذي امتزج بألوان الربيع الهادئة رغم برودة الجو حولها فهم في منتصف الشتاء، والثلوج عمت الأرجاء، والأشجار الجرداء خلعت لباسها الأخضر برثاء.

كانت تلعب وحيدة، تسامر طيف خيالها حزينة عابسة بينما جميع أطرافها ترجف من صقيع برودة جزيئات الهواء القاسية حولها لتشرع من حين لآخر بالقفز على ذلك الحبل القصير الأبيض ذو الحواف البنية.

حتى تبث الدفئ المزيف لهيكلها الهزيل فاللحم ربما قد احترق بالفعل تحت وطأة الصيف الحارق الذي مضى.

اقتربت منها بكرسي المتحرك ببطء فجسدي المريض لا يكفي ليشبع جوع رئتاي حتى فما بالك بعيش هذه الحياة، تنبهت لي لتزين وجنتها المتوردة تلك الضحكة الخفيفة، وتتقدم نحوي وتردف ببراءة وسعادة مطلقة.

هل ستلعبين معي؟ لا أحد يريد اللعب مع مشردة
مثلي.

لم أجب عليها وشهقت بأسى، تمنيت لو استطعت
الإجابة بنعم، وددت لو أبدلت روحي بروحها مقابل
أن أهبها كل ما أملك من مال ومتاع زائف، فقط
لأعيش لحظة واحدة في جسدها، بعدها يمكنني
الموت بسلام.

لكن الأمنيات للتمني فقط، والواقع هو الذي يعاش بلا خيار للتغيير، فقد يأس الأطباء من حالتي، وعجز الدواء عن ترميم جراحي الدامية ليرفعوا الراية البيضاء ويسلموني لملك الموت قبل أن الفظ أنفاسي حتى.

قدروا لحياتي أن تدوم لأسبوع على الأكثر فكيف لي يا صغيرتي أن ألعب معك؟ خلعت معطفي الأبيض القطني بينما أنفاسي تتسابق لأخرجها كأنني أفعل جهدًا عظيمًا وألبسته إياها تلك الصغيرة.

التي غاص جسدها بالكامل فيه سوى وجهها المستدير، وذلك القرنين المقوسين بشكل مضحك لتنتابني ضحكة عارمة أرهقتني حتى بإخراج قهقهاتها لأبدأ بالسعال بعدها بشدة.

كانت هذه ضحكتي الأولى بعد مدة لا أتذكر ميعادها فقد توقفت عن عد الأيام، وأصبح نهاري كمسائي، لا
اختلاف فيهما فكلاهما مشبعان بألام وإبر وأنين حتى
الضجر.

لكن حتى ضحكتي الأخيرة لم يدعني جسدي اللعين أن أطلقها بدون ألم، سأمضي حياتي التي لا تعتبر حياة حتى لأنني مضطرة على الإستمرار فأنا لا أريد أن أختم حياتي التي كنت فيها مثالًا للصبر والعزيمة بمذلة الإنتحار.

وأصلًا أنا أموت كل ثانية في ذلك التابوت المقيت، غرفتي، أخرج أحيانًا لكن عندما أفعل تزيد تعاستي لأنني أرى قوالب السعادة المحرمة علي، والتي لا أستطيع تذوق طعمها الشهي.

فقد فقدت حاسة الإحساس من زمان، وحتى أني أشعر بالغضب والقهر عندما أرى غيري يتذمر بلا توقف حول كل شيء مع أنه يملك كنز الدنيا الأثمن صحته التي لا تسويها أي نعمة.

تناولت تلك الكرة الصغيرة التي اقتربت بخطواتها من عجلة كرسي المتحرك، وقذفتها بقوة مع كل مشاعري نحو الأطفال وثم دحرج مساعدي كرسي لأتوجه نحو قبري الدنيوي في انتظار شارة النهاية.

متى ما ترحل روحي السقيمة من هذه الدنيا، وينتقل جسدي لتلك الحفرة، بيتي الأبدي بعدها، وعندها سيكون الختام لكل أوجاعي والأوهام.

متى ما ترحل روحي السقيمة من هذه الدنيا، وينتقل جسدي لتلك الحفرة، بيتي الأبدي بعدها، وعندها سيكون الختام لكل أوجاعي والأوهام

Oops! This image does not follow our content guidelines. To continue publishing, please remove it or upload a different image.

...

وصفات الإبداع Where stories live. Discover now