الثانية والعشرون .سامحني.

1.3K 25 6
                                    

الثانية والعشرون. سامحني.
------------------------------------

وفي غضبك تناسيت وعدك لي مع أول صدام بيننا أنسحبت بعيدًا عني، كأن العمر الباقي مازل به أوقاتًا للتمني، كيف تغافلت عن قسمك بألا تبتعد عني، ألم يؤلمك قلبك وأنت تراني أبكي وأنت تختفي عن عيني.
وقفت سهر تتابع سيارة آدم تغيب عنها وقلبها يتمزق من الألم فنظرت حولها ولاحظت نظرات الحرس إليها فتوجهت إلى الداخل ودموعها تنهمر بغزارة على وجهها، جلست فوق فراشها تشعر بالوحدة وبقبضة تملاء صدرها فتلك هي المرة الأولى التي يتركها آدم وحدها منذ زواجهم، وقفت سهر بجانب النافذة تراقب الطريق لعل سيارة آدم تظهر أمامها بعدما أغلق هاتفه فباتت لا تعلم عنه شيء، فأخرجها من عالم أفكارها المزدحم رنين هاتف المنزل فأسرعت تجيب والأمل يغمرها أن يكون آدم من يتصل بها فاختطفت سماعه الهاتف وأجابت بلهفة:
- آدم أنا.

- تؤتؤتؤ أنا مش آدم يا حلوة أنا عملك الأسود قضاكِ اللي مش هتعرفي تخلصي منه حتى بعد ما تموتي.

أحست سهر أن الزمن توقف بها حينما سمعت ذلك الصوت القبيح والأنفاس المقززة ترن في اذنها، وفجأة هاجمتها صورة آدم وهو ملقى أرضا ينزف دمه بغزارة، فنظرت إلى سماعة الهاتف وهي تهز رأسها لعلها تفيق من هذا الكابوس لتعيدها صيحات فؤاد إلى الواقع يقول:
- اسمعينى كويس يا سهر وجاوبينى تفتكرى روحك دى تساوى قد إيه عندى.

لم تدر سهر أين ذهب منها صوتها فقالت بتلعثم:
- مـ ـش  فـ ـا هـ ـمـ ـة  تـ ـقـ ـصـ ـد  ا يـ ـه.

أجابها فؤاد قائلا:
- أنا عارف إن المفاجأة مخلياكِ مش مركزة خلينا فالمهم أنا هفهمك وأمري لله روحك يا سهر تساوي كام روح من اللي تعرفيهم.

أجابته سهر وهي تحاول استجماع قوتها:
- ولا روح يا فؤاد أنا مساويش حد.

ضحك فؤاد بسخرية وقال:
- تقديرك لنفسك ميعجبنيش خالص يا حبيبتي.

صاحت سهر بحدة وقد ازعجتها الكلمة منه فقالت:
- متقولش زفت حبيبتك دي تاني وأنجز يا فؤاد أنت عايز أيه ومتصل ليه.

أجابها فؤاد وقد أدرك من صوتها أنها على وشك الانهيار فقال ليزيد من حجم عذابها:
- متصل علشان أقولك إن أنتِ عندي قصاد روح ياسين ابن محمود وآدم جوزك وصفية.

تملك سهر الرعب فقالت محاولة إخراج صوتها بنبرة قوية:
- أنت بتهددني يا فؤاد مش خايف أبلغ عنك وأضيف على البلاغ اللي عملته زمان.

أجابها فؤاد بصوت كفحيح الأفعى وقال:
- اثبتي يا سهر لو تقدري اثبتي وعمومًا أنا هسيبك تعرفي لوحدك إن كان كلامي تهديد ولا بجد وهنفذ.

أنهى فؤاد اتصاله بسهر فحدقت بسماعة الهاتف ولم تدر سهر كيف عادت إلى غرفتها فجالت بنظرها على زوايا الغرفة فشاهدت ملابس آدم معلقة فسارت إليها دون وعي وأخذتها بين يداها تحتضنها ونامت على فراشها حاولت أن تطمئن نفسها أن مكالمة فؤاد مجرد تخيل ولكن كلماته أخذت تتردد في اذنها.
أحس آدم بلسعات باردة تضرب جسده فنظر حوله فوجد الظلام يخيم وخيوط بيضاء تلوح فالأفق من فوق جبل المقطم فنظر إلى ساعته فوجدها تخطت الثالثة فجرًا فأحس بالذعر فتحرك مسرعًا لي سيارته وقادها بجنون عائدًا إلى منزله، غادر آدم سيارته مسرعًا وقد لاحظ أن إضاءة المنزل مطفأة فأحس بالقلق فهرول إلى الداخل حتى وصل إلى فراشه فوقف آدم يلتقط أنفاسه وهو يراها أمامه مغمضة العين فراقب تنفسها البطىء وكاد يمد يده يتلمسها ولكن يده توقفت حين لاحظ آثار البكاء على وجهها فجلس بهدوء بجانبها فلاحظها تضم شيء إلى صدرها فأضاء النور بتلقائية فلمح ملابسه بين يديها فأبتسم وهز رأسه ومد يده يسحبها، حينها فتحت سهر عيناها بذعر وصرخت حين أحست بيد تسحب منها ملابس آدم وجلست بسرعة تحدق تارة بوجه آدم وتارة بانحاء الغرفة وصدرها يعلو ويهبط من ذعرها، أحس آدم بخوفها فمد ذراعه يحتضنها ولكنها ابتعدت عنه ونظرت له بحزن لتفاجئه ببتمددها مرة أخرى دون كلام وقد اولته ظهرها فأقترب منها آدم وجذبها إلى صدره فلاحظ ارتجافها فهمس وهو يدفن وجهه بين ثنايا عنقها:
- أنا أسف يا سهر مكنش قصدي فعلًا اتأخر بالشكل دا بس صدقيني محستش بالوقت.

استمرت سهر على صمتها لتشعر بأنفاس آدم تلهب عنقها واحست بالقشعريرة تملائها فسمعته يقول:
- كلميني يا سهر ردى عليا بلاش تعاقبيني بسكوتك دا.

أجابته سهر وهي تبذل جهدا لتحجب عنه إحساسها به وقالت:
- أنت خلفت وعدك معايا يا آدم وسبتني لوحدي خلفت وعدك وخلتني اعيط خلفت وعدك يا آدم وهنت عليك.

أدارها آدم إليه وتلمس وجهها بشفتيه يمسح عنها دموعها وقال وهو ينظر لوجهها بحب وندم:
- سامحيني أنا غلطت فعلًا بس غصب عيى كنت غضبان منك وخوفت انفعل عليكِ أنتِ اللي عملتيه النهاردة معايا محدش عمله وفلت يا سهر أنتِ استهنتي بيا وبكرامتي مرتين مرة لما وقفتي قصادي أدام مازن والمرة التانية لما وقفتي مع محمود أدام الشركة واخدتيه على اوضة الاجتماعات وأنتِ عارفة غيرتي عليكِ قد إيه، يعني غلطة واحدة مني أني سبتك لوحدك قصاد غلطتين منك ورغم كده أنا اللي بصالحك علشان مهنتيش عليا ولا عمرك هتهوني.

ابتعدت سهر عن آدم وجلست تبادله النظرات وقالت:
- لا يا آدم أنت مغلطتش مرة أنت غلطت كذا مرة، غلطت لما أخدت قرار بالنيابة عني إن كنت أقبل أسامح هايدي ولا لأ، غلطت لما غيرتك خلتك أعمى ومنعتني أشوف ماما صفية، غلطت لما اتهمتني أني بتصل بمحمود واتهمتني أني عارفة إنه هو جاي، غلطت لما سمحت لنفسك تحجم حريتي بحسب خطواتك أنت، وفالأخر غلطتك الكبيرة لما خلفت وعدك معايا تقدر تقولي يا آدم اختلفت إيه أنت عن محمود لما هو شك فيا مع هاني أنت عملت زيه يا آدم شكيت فيا أني على صلة بمحمود وطالما دخل فقلبك الشك يبقى أنت معندكش أي ثقة فيا.

أحس آدم بكلمات سهر تصفع وجهه بقوة فهم أن يتكلم ولكنها قالت:
- أنا منكرش أني غلطت لما اتحديتك ووقفت فوشك بس أنا عملت كده علشان تفهم أني مقبلش أكون مجرد ضل ماشي وراك علشان أنا أكتفيت أكون ضل وأكون تابع وماليش أي رأي وأنت وعدتني أعيش حياتي زي ما أنا عايزة ومعاك وبالحب اللي أنت بتحبه ليا خلتني أصدق إن فعلًا أقدر أكون أنا.

نظرت سهر لآدم وتنهدت وقالت لتزيد دهشته:
- ودلوقتي يا آدم أنا اللي بطلب منك بهدوء أنك تسبني لوحدي لأني مش قادرة أتحمل تكون معايا فمكان واحد وأنت شاكك فيا.

وقف آدم يتطلع إليها تلفه صدمة نفيها له بعيدًا عنها فقال:
- سهر أنا مقصدتش أبدًا أشك فيكِ أنا الغيرة هي اللي اتحكمت فيا وخلتنـــ.

أشارت سهر له بيدها لا رافضه أن تستمع له وقالت:
- مش هقبل منك أي مبرر يا آدم ولو سمحت اتفضل وسبني لوحدي.

تنهد آدم بيأس وهو يحدق بعينا سهر فقال:
- مش هقول مبررات بس بلاش نوسع الخلاف بينا خلينا مع بعض يا سهر وأنا اوعدك أني.

استدارت عنه سهر وقالت وهو تشعر بقلبها يتمزق:
- طفى النور وأنت خارج يا آدم لو سمحت.

خرج آدم وقد لبى لسهر طلبها وحاول أن ينام في تلك الغرفة ولكنه شعر ببرودة الفراش دون سهر، فكاد أن يتحرك ليذهب إليها ولكنه سمع صوت خطوات تقترب من الباب فأغمض عيناه يمثل نومه ليشعر بها تندس بين ذراعيه وتضع رأسها لتنام فوق صدره، فأبتسم وقد شعر بأن قلبه استعاد نبضاته مرة أخرى وبالدفء يغمره فشدد ذراعيه حولها فسمع همسها يقول:
- أنا لسه زعلانة منك بس أنا مبعرفش أنام بعيد عنك.

استيقظ آدم ومد يده بجانبه ولكنه أحس ببرودة المكان فاعتدل يبحث عن سهر في الغرفة فلم يجدها فغادرها متوجهًا إلى غرفتهم وبحث عنها ولكنها لم تكن بها أيضا، فخرج إلى البهو فوجدها على الاريكة تضم ركبتيها إلى صدرها وملامحها واجمة فأقترب منها وجلس بجانبها، لم تلتفت له سهر وبقيت على حالها فكلمات فؤاد التي حاولت أن تخدع نفسه أنها كانت مجرد حلم تتردد في أذنيها، وأحست بذراع آدم يضعها على كتفها فارتعشت رغمًا عنها، احترم آدم صمتها قليلًا ولكنه لم يستطع البقاء صامتا بعيًدا عنها فهمس قائلًا:
- سهر أنا مقدرش أنكر أني غلطت بس أنتِ كمان غلطتي وسهل ننسى الغلط دا ونتعلم منه ومنسمحش له إنه يبعدنا عن بعض، أنا مقدرش إبعد عنك ولا أقدر أتحمل أشوفك بالحال اللي أنتِ فيه واسكت، يا سهر أنتِ الحب الوحيد اللي فحياتي الحب اللي عشت سنين استناه أنا دايمًا شايفك سهر اللي عندها 17 سنة وبتتصرف بعفوية ومتعرفش مكر الدنيا وخبث الناس اللي حواليها، علشان كده الغيرة مجنناني عليكِ لما حد يبص لك فغصب عني غيرتي خلتني امنعك عن صفية علشان محمود مشفكيش ولا يبص لك زي ما شوفت عينه وهو بيبص لك أمبارح سامحيني بقى وحقك عليا اعملي فيا أي حاجة ترضيكِ بس بلاش حكاية كل واحد فمكان أنا معرفتش أنام إلا لما بقيتي فحضني.

نظرت سهر إلى آدم وأحست أنها تمادت معه في الخصام ولا يستحق منها هذا الجفاء فمالت نحوه وقالت وهي تطرد مكالمة فؤاد من تفكيرها:
- أنا كمان معرفتش أنام إلا فحضنك متسبنيش تاني يا آدم لوحدي ومتزعلش مني أنا مقصدتش أبدًا أوقف قصادك ولا أعمل راسي براسك.

احتضنها آدم وقال وهو يشعر بالاطمئنان لأنها سامحته:
- يعني صافي يا لبن يا سهري.

قبلت سهر وجنته وقالت بحب:
- قلبك هو اللي صافي زي اللبن يا آدم وأنا بحبك اوي وبجد أنا أسفة على اللي حصل امبارح.

صمتت سهر وابتعدت عنه وقالت بحدة:
- إنما أنا عايزة أعرف حضرتك روحت فين للفجر وكمان كنت قافل موبايلك.

ابتسم آدم وقال:
- روحت المكان اللي جمعنى معاكِ المقطم ونسيت نفسي هناك والموبايل فصل شحن مني مقصدتش أبدا أني اقفله.

وقفت سهر ونظرت له من اعلا وقالت:
- طيب يلا قوم فطرني أنا مأكلتش من امبارح.

جذبها آدم لتجلس فوق ساقه وقال وهو يقبل عنقها:
- أنا بقى لا أكلت ولا حليت وجعان اوي اوي لسهري.

هربت سهر من بين يداه ووقفت لتجري من أمامه وقالت وهي تضحك:
- لا أنت كده ناوي متأكلنيش النهاردة كمان أنا هعمل لك اعتصام فالمطبخ لحد ما تأكلني.

أسرع آدم خلفها ليدركها على باب المطبخ وحملها على كتفه وهي تصيح وتحرك قدميها في الهواء:
- لا كده ظلم أنا جعانة يا آدم نزلني بقولك نزلني.

وضعها آدم على فراشهم كأنها كنز ثمين وقال وهو يقبلها:
- مولاتي ترتاح هنا وأنا هروح أحضر لها أحلا فطار وبعد كده أبقى أكلها أنا.

----------------

وقف محمود ينتظر مجيء يارا بعدما أرسل إليها رسالته، وحين رآها تغادر سيارة الأجرة تقدم منها وأعادها إلى السيارة مرة أخرى وطلب من السائق التوجه إلى أحد الكافيهات وجلس بجانبها في صمت، احست يارا أن هناك أمرا ما فملامح محمود متجهمه وقد لاحظته طوال الأيام الماضية وهو يحاول تحاشى وجودها، انتبهت يارا لصوته يطلب منها النزول فمد يده لها فوضعت يارا كفها بين يده فقبض عليها بشدة وسار بجانبها إلى أحد أركان الكافية البعيدة وجلس أمامها يحاول أن يتسجمع قدرته على الحديث فقال:
- أنا عارف أنك محتارة وبتسألي بعت لك الرساله امبارح ليه وليه متغير الأيام دي بصي يا يارا أنا هحكي لك كل حاجة وهسيبك أنتِ اللي تحددي.

قص محمود على مسامع يارا كل ما يحمله في نفسه من مشاعر متضاربة لسهر وهدى حتى مقابلته مع سهر الأخيرة وأخذت تستمع له باهتمام، وحينما أنهى محمود حديثه نظر باتجاه يارا ولاحظ تجهم وجهها فلزم الصمت بانتظار أجابتها عليه، حاولت يارا استيعاب حديث محمود فهي لا تنكر انجذابها لشخصيته ولكنه حين ادخلها إلى عالمه أحست بالقلق فقالت تسئله بعدما لاحظت أنه ادخل اسم سهر في كل جملة قالها:
- أنت بتحب سهر يا محمود ولحد دلوقتي رافض فكرة أنك طلقتها وأنها اتجوزت غيرك وعايشة حياتها ورافض أنها خرجتك برا حياتها ومش شيفاك أنت حتى أخترت تروح لها هي علشان تحكي لها عني أنا وهدى وملاحظتش أنك لسه بتحبها ويمكن دا اللي والدتك اتأكدت منه علشان كده بعدت عن اختياراتك.

هم محمود أن ينفى ما قالته يارا ولكنها لم تدع له الفرصة فقالت:
- خليني أكمل لو سمحت أنت للاسف دورت على سهر فهدى ودلوقتي بتدور عليها فيا أنا كمان أنت شدك ليا التزامي وأخلاقي وهدوئي ودا فكرك بسهر وخلاك عايز تتجوزني علشان اعوضك غيابها فحياتك، محمود اسمح لي أقولك أنك للأسف مهما اتجوزت أو طلقت عمرك ما هتلاقي واحدة تعوضك عن سهر، حتى سهر نفسها لأنها مش بتحبك، والخوف عليك أنك لما تفهم النقطة دي تكون ضيعت من نفسك كل الفرص اللي ربنا ادهالك علشان تعيشـ أنت خسرت هدى وقبلها معرفتش تكسب سهر من سنين من قبل حتى هي ما تحب غيرك أنت اتعاملت معاها بتفضل من أول ما خطبتها وأكدت لها دا لما اتجوزتها ومقدرتش حالتها ومحاولتش تكسبها ولا تعالجها.

صمتت يارا ووقفت تسحب حقيبتها فنظر لها محمود بحزن وقال:
- قررتي تنسحبي ومتكمليش معايا قررتي تهربى أنتِ كمان ومتحاوليش تعالجيني من لعنة حبي لسهر عموما اتفضلي يا يارا أنا مقدرش أجبرك على أنك تحاربي معايا ضد نفسي وشكرا أنك سمعتيني وأسف أني اتسببت لك فجرح وأنا مش واخد بالي اتفضلي اوصلك.

هزت يارا رأسها وقالت:
- لا أنا همشي لوحدي وأنا فعلا أسفة يا محمود أنا مقدرش أحارب فمعركة أنت أساسًا رافضها عن أذنك.

-------------------

وقف مازن يتابع هايدي وهي تلاعب آدم وتضحك لحركاته فتذكر كلمات سهر عن حب هايدي لآدم، فلاحظته هايدي فوضعت طفلها على فراشه ووقفت بجانبه فلم ينتبه لها في بادىء الأمر فلمست كتفه وقالت:
- مالك يا مازن في حاجة حصلت فالشغل ولا مع آدم و.

التفت مازن إلى هايدي بغضب حين ذكرت آدم فقال بحدة:
- وأنتِ مالك باللي بيني وبين آدم يهمك فأيه ولا مش عارفة تنسيه.

شهقت هايدي بسبب ما قاله مازن وقالت مصدومة:
- أنت واعي للي بتقوله يا مازن واعي أنت بتتهمني بأيه.

جذبها مازن من ذراعها بعنف وقال متهما إياها:
- أومال ليه كل شوية تسألي عنه وعن مراته رغم إن وضحت لك إن آدم مش قابل أنك تقربي منه أو من مراته فهميني بتسألي عنه ليه اتكلمي.

انهمرت دموع هايدي وقالت بحزن:
- علشان عايزة أحس أن ليا عيلة حتى لو آدم أسلم والعيلة أتنكرت ليه أنا مش عايزة ابني يكبر ويبقى مالوش حد غير الناس اللي احنا رافضين نعيش وسطهم عايزاه يطلع يلاقى آدم وسهر وولادهم فحياته إنما مش للسبب اللي فدماغك وتظن فيا كده.

ترك مازن ذراعها وجذبها إلى صدره يضمها وهو يشعر بالخجل لاندفاعه بسبب غيرته عليها، فشرد متذكرًا الماضي حين سأله آدم منذ سنوات لما أصر على أن تكون صور هايدي معه وكيف تهرب من سؤال آدم، الآن أدرك أنه أحس بالغيرة من أن يلمسها غيره وأبى أن يرى آدم جسدها ويومها أحترم محمود حين أشاح بوجهه عنهم وهو ينفذ انتقامه منها، فشدد مازن ضمها دون وعي منه فتأوهت هايدي وهمست:
- مازن مش عارفة اتنفس.

انتبه مازن لنفسه وخفف ذراعيه ولكنه لم يتركها وقال:
- أنا بحبك يا هايدي وبغير عليكِ وبصراحة حتى وأنا بقول لآدم يسامحك كنت ببقى فرحان أنه بيرفض علشان عارف إنك أنتِ وهو أصحاب من وانتو صغيرين سامحيني يا هايدي.

صدمها مازن باعترافه لها بحبه فكم تمنت أن تسمعها منه خلال سنوات زواجهم ففجأته هايدي وطبعت قبله على صدر مازن وقالت:
- تخيل أنك أول مرة من يوم جوازنا تقول لي أنك بتحبني رغم أني قولتهالك كتير وكنت بحسها معاك بس كنت بتمنى أسمعها منك أنا بحبك أوي يا مازن وبحمد الرب أني اتجوزتك علشان أنت فعلًا الحب الحقيقى اللي خلاني اتغير وأصالح الدنيا.

أجابها مازن مشاكسا وهو يندس بوجهه في عنقها:
- طيب ما تنيمى الواد آدم دا وتيجى اعوضك عن كل لحظة مسمعتيش مني اعترافي بحبي ليكِ.

مضى اليوم وآدم يحاول إخراج سهر من حالة الوجوم التي لاحظها عليها وحاول إخفاء شكه بأنها تخفي عنه سببا آخر فهو بين الحين والأخر لاحظ عليها الارتجاف كلما رن الهاتف، فتسلل من جانبها بعدما تأكد من نومها وأخذ هاتفه وابتعد عنها وأجرى اتصاله وقال:
- عملت أيه أنا مش عارف إزاي كرومبو زي حضرتك وفاشل ومش عارف ينفذ حاجة بسيطة زي دي.

أجابه الطرف الآخر قال:
- أنا بحاول بس المهمة فعلًا صعبة مش سهلة يى مانت فاكر أنا كل ما أقول خلاص وهنفذ برجع لنقطة الصفر تاني اديني مهلة واكيد هطمنك واقولك تمام.

زفر آدم بحدة وقال:
- أدامك يومين لو منفذتش هشوف حد غيرك ينفذ سلام.

- بتكلم مين يا آدم ومالك مستخبى كده ليه.
تمالك آدم نفسه حين سمع سؤال سهر له وقال بثبات:
- دا الشغل يا قلبي بس أنتِ أيه اللي صحاكِ.

اقتربت منه سهر وقالت وهي تستند إلى صدره:
- معرفتش أنام وأنت مش جانبي ما أنت عارف يا آدم.

حملها آدم متوجها بها إلى غرفتهم وقال:
- ولا أنا بعرف اغمض إلا وأنتِ فحضني يا سهري.

حاولت سهر أن تغفو مرة أخرى ولكنها فشلت فنظرت إلى آدم النائم بين ذراعيها وهمست:
- أنا مش عارفة لو حصلك حاجة بسببي أزاي هقدر أعيش أنا مستعدة أقتل نفسي بأيدي ولا حد يمسك أنت وماما صفية ولا حتى أي حد أنا خايفة عليك اوي مني يا آدم أنا حاسة أني بقيت خطر عليكم من المجنون فؤاد.

وبعدين يا سهر هتفضلي كده عايشة تحت رحمة تهديد فؤاد أنا لازم اتصرف وأخلص منه بس الأول لازم أنفذ اللي فدماغي وعلى الله آدم ميزعلش مني لما يعرف أني خالفت كلامه معايا تاني.

في اليوم التالي انتظرت سهر خروج آدم وتسللت بهدوء دون أن يلحظها أحد من الحرس وأشارت إلى أحد سيارات الأجرة واعطته العنوان وجلست تدعو الله أن تنحج في مهمتها تلك، سمعت هدى رنين جرس الباب فهمست لابنها وقالت:
- خليك شاطر كده ومتتحركش لحد ما أشوف مين اللي جه.

فتحت هدى الباب ووقفت تحدق بسهر التي ابتسمت لها وقالت:
- أيه هتسبيني واقفة على الباب كتير مش هتدخليني يا هدى ولا أيه.

رحبت هدى بسهر بارتباك وقالت:
- اتفضلي يا سهر رغم إن أنا اللي كان المفروض أجيلك علشان أرد لك حقك اللي ليكِ عندي.

جلست سهر وابتسمت لهدى وقالت:
- مافيش بينا أي حق وأنا جيالك النهاردة علشان اتكلم معاكِ فموضوع مهم ولازم تسمعيني للآخر وياريت متقطعنيش لحد ما أخلص أنا هنا علشان أقولك أنك لازم ترجعي لمحمود.

حدقت هدى بدهشة بسهر وقالت:
- أنتِ اللي جاية تقولي لي ارجع لمحمود طب أزاي.

ابتسمت سهر وقالت:
- أيوة أنا جاية لإنك لازم ترجعي لجوزك وبلاش تغلطي غلطة عمرك إنك تبعدي عنه لانك أنتِ الوحيدة اللي هتقدري تفوقي محمود من الوهم اللي عايش فيه هتقدري تخليه يحبك وينسى أي واحدة غيرك ولو مش هتعملي دا علشان خاطر حبك ليه فـ هتعمليه علشان خاطر ابنك، يا هدى محمود بيضيع من نفسه ومحتاج لك فحياته أنتِ صمام الأمان اللي هيرجع له عقله بدليل أنك نجحتي فدا فالفترة الأولى من جوازكم محمود كان مرتبط بيكِ وعاش معنى الجواز والزوجة اللي بجد معاكِ أنتِ يبقى أزاي بعد ما حاربتي وحاولتي أنك تبعديه عني تستسلمي وتسبيه.

دمعت هدى وقالت:
- لأنه عمره ما حبني يا سهر عاش معايا متعته وبس وهو بيتخليك أنت وهو معايا فحضني وأنا أتحملت منه دا وقلت بكرة يعرف بكرة يحس بحبي ليه لكنه أعمى محسش بقلبي ولا بحبي وأنا قلت له أني غلطت لما استغليت كل حاجة لصالحي بس هو مقدرش دا وما صدق وبعد.

احست سهر بعذاب هدى وقالت تسئلها:
- وأنتِ لما بعدتي دلوقتي قدرتي تنسيه وتنسي أنك بتحبيه.

هزت هدى رأسها بالنفي وقالت:
- للأسف مش قادرة أنسى حبي ليه ومش قادرة أنسى أني ذليت نفسي له كتير محمود جرح انوثتي يا سهر اوي.

أجابتها سهر بصدق:
- يبقى لازم ترجعي وتعلميه أزاي يحبك ويديكِ الحب اللي تستحقيه يا هدى محدش فينا معصوم من الغلط احنا بشر لازم نغلط ونتعلم من غلطنا دا ومحمود دلوقتي في امس الحاجة ليكِ.

ضحكت هدى بألم وقالت:
- مش محتاج لي يا سهر متخدعيش نفسك ولا تخدعيني محمود هيتجوز واحدة غيري.

وقفت سهر أمام هدى وقالت:
- محمود عمره ما هيتجوز غيرك صدقيني محمود لو كان عايز يتجوز غيرك مكنش جالي يسألني يعمل إيه وأنا قلت له وفهمته أنه لازم يتخلى عن انانيته شوية ويشوف الفرصة اللي ربنا ادهاله، ارجعي لمحمود يا هدى وبلاش تعيشي أنتِ وهو فالعذاب أنا همشي يا هدى وأنا عارفة أنك هتفكري وتخدي القرار الصح عن أذنك.

جلست هدى تفكر بحديث سهر لها وأدركت أنها طوال الأيام الماضية لم تنعم بالراحة بعيدًا عنه فحتى وهي في بيته وتنام وحدها كانت تشعر بالراحة لأنه موجود معها.

وقفت سهر أمام بناية هدى تبحث عن سيارة تعود بها إلى منزلها قبل أن يدرك آدم خروجها، ولكنها شهقت وتحدق به في صدمة ورأته يبتسم لها ويحدق بها بنظرات شيطانيه وسمعت صوته يقول بصوت كريه:
- كنت متأكد أنك هتيجي لهدى علشان تطمني أن كان ابنها معاها ولا نفذت كلامي وخدته.

همت سهر أن تتحرك بعيدًا عنه ولكنه أمسك بيدها وقال:
- على فين يا سهر دا أنا ما صدقت تبعدي عن ترسانة الحراسة اللي محاوطة بيتك وتبقي لوحدك تفتكري هسيبك بعد ما بقيتي فأيدي.

صرخت سهر بوجهه وقالت:
- سيب أيدي يا فؤاد بدل ما ألم الناس عليك.

ضحك فؤاد وهو يخرج بخاخ من جيبه ورش رزازه فجأة على وجه سهر، أحست سهر بدوار يلفها فهمهمت بصراخ غير مسموع قبل أن تغيب عن وعيها:
- آدم مستحيل تاخدني منه تاني يا فؤاد.

----------------------------

نفوس قاسية
#منى_أحمد_حافظ
#الموناليزا
ممنوع النقل أو الإقتباس
حقوق النشر محفوظة
----------------------------------

نفوس قاسية بقلم منى أحمدWhere stories live. Discover now