السادسة عشر .وكيف لي أن أنسى.

1.3K 25 5
                                    

السادسة عشر. وكيف لي أن أنسى
------------------------------------------

وقف يحدق بها باستغراب يتساءل من تلك التي تقف أمامي في لحظة مبتسمة وفي اللحظة التالية عابسة متألمة! كم أود أن تسكن صدري لينبض قلبي من جديد ولكن ما بال عيناها هل هي انطفأت أم أصبحت غامضة بعمق أخطر؟
أحست بأنفاسه عبيرًا مر بوجنتيها يقبلها فنظرت لعيناه وگحالها دومًا تأسرها عيناه فلم تستطع إبعاد نظرها عنه، ودت لو تندس بين ضلوع صدره لتختفي عن العالم بأسره، أحست سهر أنها منقسمة لنصفين نصف لطفلة وجدت أخيرًا أمانها، ونصف لامرأة تبحث عن انتقامها نهرت سهر قلبها وقالت:
- متنساش الوجع اللي عشته وأنت بين أربع جدران مستني بس رنة منه، متنساش الذل اللي حسيت بيه ومحمود بيهينك فوق وأثبت وأجمد علشان نقدر نكمل، لازم تقسى حتى ولو على حساب نفسك.

- مش هتدخليني يا فتنة.
مجرد كلمات قالها آدم ليثيرها ولكن صداها كان مؤلمًا على نفس سهر فهو ذكرها بإهانته السابقة لها حينما زارها في الإسكندرية، فرفعت حاجبها وقالت ببرود واضح:
- لأ لان وجودك مش مرحب بيه واتفضل مع السلامة وياريت متجيش هنا تاني.

همت سهر بغلق الباب في وجه آدم، ليوقفها صوت هاني وهو يقول:
- خير يا سهر ماله الأستاذ.

نظرت له سهر وهي تبعد عيناها عن آدم وقالت:
- دا واحد غلطان فالعنوان متشغلش دماغك بيه.

تنهد آدم بيأس وقال:
- عمر العنوان ما كان غلط هو بس تفكيرك اللي غلط يا سهر.

و نظر آدم إلى هاني وقال:
- وحضرتك تبقى مين يا أستاذ.

أجابه هاني وقال بتعجب:
- هو المفروض تعرف عن نفسك بس عمومًا أنا الدكتور هاني رضوان.

ابتسم آدم وحدق بسهر وقال:
- حقك أكيد يا دكتور عمومًا أنا آدم.

صمت آدم وتنفس ببطء وهو ينظر إلى سهر فأبتسم لها وأكمل:
- آدم محمد عمران.

وتحرك آدم دون أن ينظر نحو سهر وغادرهم لتحدق سهر بصدمة في أثره فلوح لها هاني بأصابعه ليلفت انتباهها له وقال:
- هو ده آدم.

فرت الدموع من عين سهر وقالت:
- أسلم يا هاني آدم أسلم.

أنهارت سهر تبكي بين ذراعي هاني الذي وقف يشعر بالراحة فكم تمنى أن تبكي سهر منذ أتى بها إلى القاهرة، وكم تمنى أن يحدث شيء ما ليتبدد جمود مشاعرها فربت على رأسها وقال:
- حمد لله على السلامة يا سهر أنا هنزل أناديه بسرعة.

هزت سهر رأسها بالنفي ومدت يدها تمنعه وقالت:
- لأ آدم معدش له مكان فحياتي خلاص ومتفكرش علشان عيطت أني هرجع عن اللي فدماغي.

وابتعدت سهر عنه لتتركه واقفا وحده واختفت في غرفتها، فتوجه هاني إلى صالح الجالس في الشرفة وقال:
- عجبك اللي بتعمله ده، دي دماغها بقت ناشفة وأنا بدأت فعلًا أخاف على سهر من نفسها يا عمي.

قال صالح:
- أنا كتير فكرت أقول لمحمود على مكانها يمكن يقدر يرجعها عن اللي فدماغها، بس كل ما افتكر اللي قالته سهر عنه أخاف لو شافته تهرب مني أنا كمان وأرجع لوحدي تاني بعد ما نورت حياتي.

وبغرفتها دفنت سهر رأسها أسفل وسادتها تعنف قلبها قائلة:
- حتى لو أسلم مينفعش آدم بالذات أنت فاهم كده كويس مش آدم اللي يستحق واحدة زيي أنا كبيري أرجع لمحمود هو بنفسه اللي شبه فؤاد يستحق واحدة حصل معاها اللي حصل، إنما آدم لأ آدم ده كان الحلم اللي عمري ما هنساه أبدًا، النجمة اللي بتنور حياتي وتديني سعادة وأنا عارفة أنها بتنور لي لوحدي إنما غير كده لأ، ليه رجعت تاني دلوقتي ليه مصمم توجع قلبي.

قطع على سهر شرودها رنين هاتفها فوجدته فؤاد واعتدلت ومسحت عنها دموعها وأجابت بسخرية:
- الخريف عايز إيه تاني بعد اللي عمله امبارح.

أجابها فؤاد بهيام:
- الخريف عايز يغير الفصول ويعيش مع قمر الربيع اللي مبقاش قادر على بعده.

سألته سهر عابسة:
- يعني إيه مش فاهمة.

أجابها فؤاد موضحًا:
- يعني عايز اتجوزك يا قمري.

حدقت سهر بغضب في هاتفها وتنفست ببطء لتهدأ وأغمضت عيناها وقالت:
- فؤاد لسه بدري أوي على الكلام ده احنا لسه بادئين نتعرف على بعض فبلاش تخليني ابعد.

شعر فؤاد بضيق من تحكمها بزمام الأمور ومحاولتها المماطلة معه فهي منذ لقائهم الثالث تتعمد إفقاده اتزانه حتى بات يفكر بها ليل نهار، وازداد هوسه بها أكثر لتجعله يشعر بندم تركها تبعد عنه هكذا ولام نفسه لعدم تملكه لها وجعلها له للأبد فقال بعصبية واضحة:
- سهر أحنا مش لسه هنتعرف على بعض ولو كنتِ نسيتي أفكرك أنتِ بالأساس ومن الأول وبعد اللي عملته فيكِ تعتبري مراتي، أنا اكتشفت أن مكنش مفروض اسيبك من أيدي وتتجوزي محمود لأنك أصلًا خسارة فأي حد غيري، أنا ساعات ببقى عايز أقتل كل اللي بيبص عليكِ ومش متخيل أنك تكوني لغيري، سهر خليكِ فاهمة كويس إن فؤاد لما بيعوز حاجة بيوصل لها وافتكري عنادك زمان معايا وصلك لأيه، أنا هسيبك أسبوع تفكري يا نتجوز يا أما.

صرخت به سهر وقالت بانفعال شديد:
- يا أما إيه يا فؤاد عاوز تغتصبني تاني فاكر أنك هتقدر تاخدني غصب زي المرة اللي فاتت بعد ما قطعت فجسمي، أنا قلت أنك عمرك ما هتتغير وأهو بتهددني، طيب يا فؤاد أنا مش هتجوزك ووريني هتعمل أيه بس خلي بالك اللي بتهددها دلوقتي مش سهر الضعيفة بتاعت زمان علشان أنا مبتهددش.

أغلقت سهر هاتفها وحدقت في انعكاس صورتها بالمرآة تنتفض فقامت مسرعة وفتحت درج خزانتها وأخرجت سلاحها واحتضنته وهمست:
- الظاهر إن وقتك جه وأنت اللي سعيت لموتك بدري يا فؤاد أنا غلطت لما سبتك عايش لحد دلوقتي وكان لازم اقتلك من أول مرة شوفتك فيها أنت لازم تموت يا فؤاد لازم تموت.

-------------------

جلس آدم شاردًا يفكر بما حدث وتنفس بانهزام فهو لم يتخيل للحظة التغير الذي لاحظة على سهر، أخذ يفكر هل ينفذ حديثه معها ويحاول من جديد أم يترك الأمر برمته ويبتعد فقد أثقل قلبه حبه لها ليضيع تلك السنوات بحثًا عنها، ظن أنها سترحب به مشتاقة له كما هو ليعوضها ويعوض قلبه ألم الحرمان، ولكن أن تتغير هكذا لا فنفسه أبت عليه أن تمس كرامته ويقل من شأنه حتى وإن كانت سهر فأخرج هاتفه وأجرى اتصاله وقال بضيق:
- احجزي لي على أي طيارة طالعة النهاردة لا أي مكان مش هتفرق مش عايز أفضل فمصر أكتر من كده.

------------------

- ازيك يا محمود وحشتني.
رفع محمود عيناه وتنفس بحده وهو يراها تقف أمامه فتحرك من خلف مكتبه ليغادر ولكنها وقفت أمامه تمنعه من المغادرة، فشعر أشرف بالحرج فغادر سريعًا المكتب وتركهما وحدهما، فأقتربت هدى من محمود وقالت وهي تحاول ملامسته:
- مش ناوي تسامحني يا محمود أنا كل أسبوع اجيلك اترجاك ترجعني علشان خاطر ابننا، أنا بحبك يا محمود وعيزاك أرجوك بقى كفايه بعد.

زفر محمود بحدة وقال:
- الموضوع ده اتقفل يا هدى اللي بينا أنتهى خلاص أنتِ هديتي كل اللي بينا باللي عملتيه مكنتش أتخيل أنك تشوهي سمعة واحدة هي الأساس في ارتباطنا ببعض أزاي هانت عليكِ وهي عمرها ما أذتك بالعكس كانت شيلاكِ فوق راسها هي وأمي.

أجابته هدى ببكاء:
- علشان بحبك وعيزاك ليا لوحدي أنا من يوم ما سكنتم معانا في العمارة وأنا بحبك وكنت عايشة ابني فأحلام أننا لبعض ولما شوفت سهر الأول افتكرتها أختك خصوصًا إن مشفتكش أبدًا مع بعض، ولما عرفت أنها مراتك الغيرة عمتني اتقربت ليها علشانك أنت ومصدقتش نفسي لما طلبتوني أنا كنت بحكي لخالي حمدي وقالي كتير أبعد وانساك بس مقدرتش والله أنا بحبك يا محمود أرجوك سامحني أنا مش عاوزة ابننا يتربى بعيد عنك.

أبعد محمود نظره عنها وقال:
- مش قادر أسامحك يا هدى أنا بسببك خسرت أمي اللي لحد دلوقتي مقطعاني علشان سهر مشيت ومش عارفين طريقها لحد دلوقتي وراهنة أنها تسامحني على رجوع سهر.

ارتبكت هدى وقالت:
- طيب واللي يساعدك أنك تعرف طريقها بس والله أنا مقصدش حاجة وحشة هي جت فطريقي صدفة وأنا بقلب في الفيس ومكنتش ناويه أقولك لا تحسب اني بحاول أكرهك فيها.

انتبه محمود لكلمات هدى وحدق في ملامحها يحاول معرفة إن كانت تحاول الكذب عليه مرة أخرى ولكنه لاحظ ارتباكها فقال:
- مش فاهم تقصدي إيه ما بلاش أسلوب اللف والدوران بتاعك ده واتكلمي دوغري معايا أنتِ تقصدي مين بكلامك ده اوعي تكوني بتتكلمي عن سهر فاهمة مش هسمحلك تغلطي فيها تاني.

هزت هدى رأسها بالنفي بخوف وقالت:
- مش بغلط والله بس هو في فيديو نزل وهي فيه ومعها واحد.

حدق بها محمود بغضب وقال:
- واحد مين انطقي وفين الفيديو دا.

صمت محمود وقبض بغضب على ذراع هدى وقال:
- مقلب جديد منك ولا أيه.

دمعت عين هدى وقالت:
- سيب بس أيدي علشان بتوجعني وبعدين والله أنا ماليش صلة لا من قريب ولا من بعيد بالفيديو دا حتى متصور هنا فالقاهرة مش فاسكندرية وعمومًا خد موبايلي وشوف الفيديو على الموقع وأنت تعرف أن كنت بكذب عليك ولا لاء.

أخذ محمود الهاتف من هدى وفتح الفيديو ووقف أمامها يحدق بشاشته بصدمة، فتجمدت ملامحه حين شاهد فؤاد يركع أمامها وشعر بغضب مرير لتقبلها فؤاد مرة أخرى، شعر أن سهر انتقمت منه أشد انتقام بعودتها لفؤاد ونسيانها ما فعله معها وعذابه معها طوال زواجهم، فأغمض عيناه بغضب واضح فأحست هدى بالخوف منه فابتعدت من أمامه خوفا فتح محمود عيناه مرة أخرى ونظر إليها وقال:
- لما أنتِ شوفتي الفيديو دا متصلتيش على طول وبلغتيني ليه؟

همست هدى بصوت مرتجف قائلة:
- خوفت منك علشان عارفة أنك هتتحول زي دلوقتي محمود أنا عمري ما شوفتك كده معقول للدرجة دي بتحبها وبتعشقها.

وأغمضت هدى عيناها بألم وأكملت:
- أنا عندي اقتراح علشان تعرف مكانها خصوصًا إن المكان اللي متصوره فيه هنا فالقاهرة فأنت ممكن تروح الكافية وتسأل يمكن حد يدلك على مكانها.

مد محمود يده بالهاتف لتأخذه هدى وقال:
- يلا بينا أنا هوديكِ عند أمي وأنا هروح أشوف الكارثة دي بس حسك عينك تجيبي سيرة الفيديو أدام ماما ولا تقولي أنك شوفتي سهر على النت من أساسه فاهمة.

أحست هدى بأن هناك بارقة أمل في عودتها لمحمود ولكنها أرادت أن تعرف هل سيعطيها تلك الفرصة أم لا فقالت:
- طب وأنا هروح اقعد فبيتك بصفتي إيه.

زفر محمود بضيق وقال:
- بصفتك مراتي يا هدى ارتحتي مش دا اللي أنتِ عيزاه بس خلي بالك أنا مش مسامحك والفترة الجاية هتبقى تحت عيني أي غلطة هرميكِ أنتِ وابنك وابقي شيلي مسئوليته لوحدك، ولعلمك أنا كنت كده كده هجيلك لأن أمي كانت عايزة تشوف حفيدها ومش هكذب عليكِ هي ليها فترة بتكلمني علشان أرجعك ولولا كلامها أنا مكنتش فكرت أبدًا أني أرجعك بيتي تاني، وياريت تحطى فدماغك أنك هتنامي فاوضة غير اوضتي وأياكِ تقربي مني ولا تعملي حركة من حركاتك.

اقتربت هدى منه وقبلته على وجنته وقالت:
- أنا عمري ما هعمل حاجة تزعلك ولو عاوزني ابوس أيد سهر علشان ترجع أنا مستعدة المهم أني مخسركش تاني.

تنفس محمود ببطء وقال:
- هنشوف يا هدى والأيام بينا.

-------------------

خرج هاني من منزل صالح وهو يفكر بأن عليه أخذ تلك المبادرة حتى ينقذ سهر من شر نفسها، فوجد نفسه يقف أسفل بناية شركة آدم فتنهد وهو يقول لنفسه:
- أنا عارف إن سهر مش هتسامحني بس أنا فعلًا لازم أخلي آدم يدخل، لأن اللحظة اللي سهر أنهارت فيها بسبب أنه مشى وعرفت أنه أسلم حسيت فعلًاأانه هو الوحيد اللي هيقدر يساعدها ترجع زي ما كانت.
صعد هانى ووقف أمام مكتب السكرتارية فرفعت منال رأسها وابتسمت برقة وقالت:
- خير حضرتك عندك ميعاد مع الأستاذ آدم.

ابتسم هاني لتلك الفتاة التي لاحظ هدوئها وقال:
- بصراحة مافيش ميعاد بس.

قاطعته منال بهدوء وقالت:
- أنا آسفة الأستاذ آدم مش بيقابل حد خصوصًا النهاردة وميكونش واخد ميعاد لأنه مسافر النهاردة أنا أسفة يا فندم مش هتقدر تقابله خالص.

حدق بها هانى وقد تفاجىء بأمر سفر آدم فقال:
- ادخلي قولي له الدكتور هاني رضوان عايزك فى حاجة مهمة وهو هيلغي بنفسه كل المواعيد المتحددة واحتمال كمان يلغي سفره اللي بتقولي عليه.

نظرت له منال بتعجب وقالت:
- واثق أوي من نفسك يا سلام هتطلع مين يعني يا دكتور علشان الأستاذ آدم يعمل اللي بتقول عليه ده كله.

ابتسم هاني وهو يجلس أمامها وقال:
- قهوتي مظبوط وبحب معاها كوباية مية سقعة آه ومش بحبها ففنجان عايزها فكوباية معلش بقى من كتر ما اتعاملت مع المجانين اتعديت منهم وبقيت موسوس.

رفعت منال حاجبها وقالت:
- أسفة مش بعمل قهوة لأي حد أنا هنا سكرتيرة عن أذنك هبلغ الأستاذ آدم بوجود السيادة المهمة اللي هتغير الدنيا النهاردة وأجيلك أشوفك لما تعرف إن الأستاذ آدم هيرفض يقابلك هتبقى عامل أزاي.

حدق بها هاني بتسلية وقال:
- أنا قاعد مستني أما أشوف بس لو حصل اللي قولت عليه هيبقى ليا حق عليكِ يلا أدخلي اعملى شغلك يا سيادة السكرتيرة.

دخلت منال فرفع آدم عيناه عن الأوراق أمامه وقال:
- خير يا منال الميعاد اللي بعد كده كمان نص ساعة في حاجة جدت.
أجابته منال وقالت:
- اه في واحد برا مأخدش ميعاد وعايز يقابلك ولما قلت له أن حضرتك مش فاضي والوقت يادوب علشان السفر قالي ادخل وابلغك بردوا.

أشاح آدم عيناه عنها وقال:
- اعتذري له أني مش هقدر اقابله ولو في حاجة مهمة يروح يقابل مازن أنا مش عايز اشوف أي حد.

خرجت منال وعلى وجهها ابتسامة رضى وشماته فوقفت أمام هاني وعقدت ذراعيها وقالت بسخرية:
- الأستاذ آدم مش هيقابل حد وبيقولك لو الموضوع مهم تقدر تقابل الأستاذ مازن اتفضل بقى يا دكتور شوف هتعمل أيه.

وقف هاني وقد شعر بالحرج الشديد والارتباك وقال:
- آدم قالك أنه مش عايز يقابلني.

هزت منال رأسها وقالت:
- أيوة قلت له وقالي اعتذر من سيادتك.

هم هاني بالمغادرة وهو يشعر بفقدان الأمل فوقف مكانه وعاد ليقف أمامها وقال بإصرار:
- بس أنا مصمم أني اقابله حتى ولو غصب عنه.

و فاجأها هاني بتخطيها وفتح الباب، ووقف آدم يحدق بهاني الذي اقتحم مكتبه وخلفه منال لتتقدم أمام هاني مضطربة لتجاوز هاني لها والدخول عنوة، حدق هانى بملامح آدم فقال بسرعة ليجذب انتباهه له فقال:
- أنا كنت فاكر أنك بتحبها وأنك هتقدر تساعدني نرجعها زي ما كانت إنما ترفض تقابلني ومش همك فالظاهر أني اتخدعت فيك وسهر ليها حق فكل اللي عملته معاك.

ازدادت ملامح آدم حدة وهو يستمع لتعنيف هاني له فقال موجها حديثه لمنال وقال:
- ألغي كل المواعيد وألغي السفر يا منال ومش عايز أشوف حد لحد ما أقولك وهاتي لنا قهوة ومدخليش أي حد علينا فاهمة.

تحركت منال لتغادر فهمس هاني وقال:
- لما أخلص هشوف هاخد حقي منك أزاي أوعي تمشي ومتنسيش بحب قهوتي أزاي.

وابتعد عنها ليجلس أمام آدم الذي تجمدت ملامحه بانتظار حديث هاني، بادل هانى النظرات لآدم وجلس باريحية وأخذ يجول بنظره في المكتب متحاشيا آدم حتى نهض آدم فجأة وضرب سطح مكتبه بعنف وقال يصيح:
- أنت قاعد بارد كده ليه ما تنطق سهر مالها.

اعتدل هاني وقال بجديه:
- كده يبقى ظني صح اقعد بقى وأهدى واسمعني علشان اللي هقوله يحتم عليا أقفل عيادتي واسحب رخصة مزاولة المهنة لأني هكشف سر مريضة عندي.

عقد آدم حاجبيه وقال:
- مش فاهم ما توضح كلامك أنت بتلاعبني بالكلام ليه بعدين أساسًا أنت دكتور أيه وأيه صلتك بسهر من الأصل ما تفهمني بدل ما أتهور عليك أنا مشفتش كمية برود بالشكل ده قبل كده.

ابتسم هاني وقال:
- معلش خلي عندك صبر أنا دكتور نفسي وكنت بعالج سهر من المرض النفسي اللي كان عندها وكان سبب فتدمير حياتها في السنين اللي فاتت وهو بردو السبب فأنها هتضيع نفسها تاني لو ملحقتهاش.

أحس آدم بالخوف من كلمات هاني فقال:
- دكتور نفساني وسهر هي سهر هتحتاج تتعالج ليه ما تتكلم بدل ما أنت سيبني اضرب أخماس فاسداس بالشكل ده و.

صمت آدم حين سمع طرقات على باب مكتبه فقال:
- ادخلي يا منال.

دخلت منال تشعر بالحرج ونظرت إلى هاني الذي ابتسم أنها قدمت له القهوة كما طلبها فاستأذنت لتغادر، فوقف آدم فجاة وقال:
- الكلام مش هينفع هنا وواضح أنك هتغلبني لحد ما تتكلم يلا بينا على الفندق نقعد سوا وتفهمني واحنا لوحدنا.

----------------------

وصل محمود إلى الكافية الذي كتب اسمه وعنوانه أسفل الفيديو الذي شاهده فتقدم من الكاشير وأخرج هاتفه فابتسم الرجل بسخرية وقال:
- أظن أنت كمان عايز تعرف البنت اللي في الفيديو دا بتيجي هنا كتير ولا دي كانت أول مرة ليها.

هز محمود رأسه وقال:
- فعلا أنا عايز أعرف كل ده بس كمان عايز أعرف أن كنت تعرف حاجة تانية عنها ولا لأ ومتقلقش كله بحسابه.

خرج محمود من الكافية بعد نص ساعة وهو يشعر بالأمل لمعرفته طريق سهر ولكن شعور غضبه من وجودها مع فؤاد بدد أي فرحة في قلبه.

----------------------

حاولت سهر تحاشي جلوسها مع صالح وقتًا طويلًا فهي ما زالت على غضبها من كلمات فؤاد وأخذت تفكر كيف ترد له الصاع صاعين على كل ما فعله، فهو بحماقة استعجل نهايته معها، أخرج سهر من تفكيرها صوت صالح يناديها فتركت غرفتها واتجهت إليه وقالت بتعب:
- بتناديني يا حجوج معلش أنا النهاردة تعبانة ومش قادرة أقعد معاك زي كل يوم.

نظر صالح بشفقة نحوها وقال:
- تعبانة ولا تهربي من أنك تقعدي معايا علشان متكلمش معاكِ فأي حاجة.

هربت سهر بعينيها بعيدًا عن عين صالح وقالت:
- وأنا ههرب ليه يا حجوج أنا بجد تعبانة وكنت نايمة.

زفر صالح وقال بنفاذ صبر:
- حالك مش عاجبني واللي بتعمليه دا هيأذيكِ قبل أي حد فؤاد مش سهل يا بنتي وقرصته والقبر.

سحب سهر عدة أنفاس تحاول السيطرة على غضبها من الاشتعال وقالت:
- أنا فحالي ومعملتش حاجة لفؤاد لسه ووعدتك أني قبل أي هحكي لك في أيه بقى لكل ده.

تنهد صالح وقال:
- في أني خايف عليكِ من نفسك يا سهر، يا بنتي بلاش تسيبي الأنتقام يعميكِ عن أنك تعيشي حياتك وتستمتعِ بيها، لعلمك أنا عاتبت هاني لأنه فالأول شجعك وأنا بنفسي عملت زيه شجعتك إنما دلوقتي مش عارف حاسس أنك لازم تبعدي عن فؤاد، أنا خايف عليكِ يا بنتى أنسي الماضي يا سهر وعيشي بلاش تضيعي الراجل اللي بيحبك علشان انتقامك يا بنتي افتكري ربنا هو المنتقم الجبار هيرجعلك حقك.

لم تستطع سهر السيطرة على غضبها أكثر لتنفجر أمام صالح قائلة بصوت مشحون:
- بس أنا عاوزة ارد حقي وأنا فالدنيا أنا مش هعيش الباقي من حياتي أتعذب أنا لازم أخد حقي كامل وميهمنيش أن فؤاد قرصته والقبر لأن لو باقي من عمري وعمر فؤاد دقيقة واحدة، فأنا بردوا لازم أنتقم منه قبل ما يموت لا يمكن اخليه يموت من غير ما يدفع تمن اللي عمله فيا.

جلس صالح وقال:
- يعني مصممة تنفذي اللي في دماغك.

تنفست سهر بحدة فأظلمت عيناها وهي تقول:
- مصممة على الأكتر منه كمان.

كاد صالح أن يتحدث ولكن رنين جرس الباب قاطعه فابتسمت سهر بسخرية وقالت:
- خلاص الكل عرف طريقي ياتري مين اللي جاي لي المرة دي.

فتحت سهر الباب وهي تهدأ غضبها ووقفت تحدق بصفية التي وقفت تستند على ذراع محمود فأغمضت عيناها وابتعدت عن الباب دخلت صفية وبجانبها محمود فاعتدل صالح وحدق به محمود وحاول تذكر أين رآه من قبل ليتنهد بقوة، في حين حدقت صفية بسهر التي استدارت بوجهها عنهم تحاول ضبط انفعالها فسمعت صوت صفية تقول:
- مرحبتيش بيا يا بنتي أيه للدرجة دي مش عاوزة تقابليني أنا لو حد قال لي أنك هتعملي كده كنت كذبته.

التفتت لها سهر وقالت:
- أزيك يا حجة صفية عاملة أيه.

احست صفية بالحزن وقالت وهي تنظر لمحمود بعتاب:
- بقيت حجة وماله يا بنتي واضح أنك مش عايزانا في بيتك أنا برودوا بفهم ف الاصول وحقك عليا أن كنا ضيقناكِ.

استندت صفية بضعف إلى محمود وقالت:
- روحني يا بني بيتي الظاهر أننا غلطنا فالعنوان.

وقفت سهر تغرس أظافرها بكفها باضطراب تحاول أن تستمر على جمودها ولكنها لم تستطع إكمال قسوتها على صفية خاصة حين هز صالح رأسه بأسف لها على ما وصلت إليه فوجدت صوتها يصيح باحتياج:
- متسبنيش يا ماما.

وارتمت بين ذراعيها فابتعد محمود عنهما مضطربًا وقف يشاهد صفية وهي تقبل رأس سهر وتحتضنها بلهفة وتربت ظهرها، وسهر تحني رأسها وتقبل يد والدته وترجوها السماح وقد بللت الدموع وجهيهما فنظر باتجاه صالح الذي أشار له أن يتبعه ويتركهما سويًا وجلسا في الشرفة، أخذت سهر صفية إلى غرفتها لتجلس سهر أسفل قدمي صفية وتضع رأسها على ركبتها وصفية تملس على شعرها وتنهدت بأرتياح وقالت:
- مكنتش متخيلة أني هشوفك تاني يا ماما سامحيني على حصل مني والله كنت بتقطع علشان أمنع نفسي من أني أجيلك وأشوفك بس غصب عني مكنتش قادرة أشوفه، وجعي منه بقى عامل زي وجعي من اللي عمله فيا فؤاد سامحيني وحياة سهر عندك.

ربتت صفية على رأسها وقالت:
- مسمحاكِ يا قلبي ومقدرة اللي كنتِ فيه بس صعب عليا أني مكنتش عارفة أطمن عليكِ خصوصًا أن أنا السبب فاللي عمله محمود فيكِ.

رفعت سهر رأسها ونظرت لصفية ومدت يدها ومسحت عن وجهها الدموع وقالت:
- مش عايزة اشوف دموعك يا أمي تاني.

مدت صفية يدها واحتضنت كف سهر وقبلته وقالت بحنان:
- بعد ما اطمنت عليكِ خلاص مش هعيط تاني علشان أنتِ الضحكة والفرحة يلا يا سهر قومي لمي حاجاتك وتعالي معايا أنا مش هسيبك تاني أبدًا.

وقفت سهر بتوتر ونظرت لصفية وقالت:
- مش هينفع يا ماما أنا مقدرش أسيب هنا ومش هينفع اروح اعيش معاكِ تاني.

شهقت صفية بحزن وقالت:
- يعني أيه مينفعش أنتِ مش عايزة ترجعي لحضني وبيتك.

أشاحت سهر بوجهها عن صفية وقالت:
- أنا أسفة يا أمي مش هرجع معاكِ لمكان موجود فيه محمود وأرجوكِ بلاش تضغطِ عليا علشان مش هوافق أبدًا أرجع.

قالت لها صفية بهدوء:
- خلاص هاخد شقة ونعيش أنا وأنتِ فيها بعيد عن محمود ومراته وابنه.

التفتت سهر لصفية وقالت بألم:
- هو محمود رجع لهدى تاني وخلف ولد كمان.

أجابتها صفية قائلة:
- رجعها النهاردة بعد ما اتحايلت عليه علشان أشوف حفيدي بكرة لما تتجوزي آدم وتخلفي هتعرفي معزة الأولاد والأحفاد.

حدقت سهر بصدمة لصفية وقالت وقد اضطرب قلبها ودق دقات سريعة:
- أيه الكلام ده يا ماما أنا مش هتجوز آدم أبدًا.

وقفت صفية واقتربت من سهر وقالت وهي تنظر لها:
- آدم هو اللي كان بيهون عليا غيابك الحق هو مسبنيش يوم واحد من يوم ما بعدتي عني وكان بيدور عليكِ ده ساب شغله وحاله وماله علشانك.

ضحكت سهر بتهكم وقالت:
- وياترى رأي مراته وابنه أيه فالموضوع ده.

رفعت صفية كفيها واحتضنت وجه سهر وقالت:
- آدم متجوزش لحد دلوقتي وطول السنين كان بيدور عليكِ علشان يتجوزك أنتِ وينفذ وعده ليكِ.

أحست سهر أنها تنهار بقوة فترنحت بين يدي صفية فشعرت صفية بالقلق عليها واسندتها وقالت:
- مالك يا بنتي حاسه بأيه.

جلست سهر أرضًا فجأة ودفنت وجهها بين كفيها تبكي وهي تقول:
- مالي يا ماما كل حاجة فالدنيا بتعاندي، زمان جت عليا وكسرتني ودلوقتي مش عايزاني أخد حقي وبتذلني بآدم.

صرخت سهر بلوعة واكلمت:
- أزاي هتجوز آدم يا ماما أزاي تقبلي إن قلب زي قلب آدم ياخد واحدة مشوهة من جواها زي، أنا منفعش آدم ولا غيره يا أمي أنا أنفع بس أنتقم من اللي عمل فيا كده.

هبطت صفية لتجلس بجانب سهر على الأرض وقالت:
- ليه بس يا بنتي ده آدم بيحبك ولما يفهم الحقيقة مش هيسيبك ده بيحبك أوي يا بنتي ولما حكى لي على اللي حصل معاه وأخره عنك عذرته، ولما قابل محمود وسأله عليكِ محمود منه لله فهمه أنك أنتِ اللي خليتي بيه بلاش تعندي يا سهر وعيشي وعوضي اللي راح منك.

بكت سهر بشدة ووقفت وقالت بصوت ملىء بالعذاب:
- مينفعش يا ماما مينفعش أزاي عايزاني اتجوز آدم اللي كل البنات هتموت عليه بقى عايزاه ياخدني أنا على أيه على ده.

شدت سهر ثوبها لأعلى كاشفة عن ساقها ليظهر جرحها بالكامل وأكملت:
- ست سنين عايشة مع كل علامة سابها فؤاد فيا أنتِ طول الوقت شايفة دي وبس إنما مشفتيش الباقي.

وخلعت سهر عنها ثوبها لتكشف لصفية جسدها فشهقت صفية تشعر بالألم فهي مهما تخيلت لم يأتي إلى تفكيرها أن يكون فؤاد بمثل هذه الوحشية ليمزق جسدها بأكمله بتلك الطريقة البشعة.
أنهارت سهر بكاءًا على نفسها فسقط الثوب من يدها وهي تخفي وجهها بين كفيها تنتحب لتسمع صوت صفية يشهق حين فتح باب غرفتها فجأة، فأطلقت سهر صرخة عذاب مزقت قلب صفية وقلبه الذي أدماه عذابها دونه وهي ترتطم بالأرض مستسلمة لفقدانها الوعي هربًا من عينا آدم الذي وقف أمام باب غرفتها مصدومًا.

---------------------------
نفوس قاسية
#منى_أحمد_حافظ
#الموناليزا
ممنوع النقل أو الإقتباس
حقوق النشر محفوظة
--------------------------------

نفوس قاسية بقلم منى أحمدWhere stories live. Discover now