الخامسة عشر .لم أعد أنا.

1.3K 23 7
                                    

الخامسة عشر .لم أعد أنا.
--------------------------------

إن قال لي أحدًا يومًا أن الزمن يمكن له أن يتوقف لتتوقف معه أنفاسي ما صدقته أبدًا، ولكن هذا ما حدث معي بل أكثر لقد توقف نبضات قلبي مرة واحدة ممزقة صدري وأنا أهز رأسي بعدم تصديق وأسمع أنين قلب تلك الأم التي وقفت أمامها أحدق بها أحسبها تهزأ بي لأتفاجأ بها وقد غمرها الحزن كقلب أم ملكوم على أبنتها حقًا، لا لن أصدق ما قالت لا يمكن أن تضيع هكذا لا يمكن أن تبتعد عني وأفقدها مرة أخرى، شرد آدم وهو يحاول أن يستجمع شتات نفسه بعدما أستمع إلى كلمات صفية الحزينة ووقف محدقًا بها بصدمة.
هل يمكن للرجال أن تبكي  نعم تبكي الرجال حقًا وفقط الرجال كهذا الواقف أمامي يترنح كأن الروح تفارق جسده بقوة ووجهه الشاحب حد الموت وعيناه التي تحجرت بها الدموع لتنسال من محبسها كأنه لم يعد في عالم الأحياء صدمتني عيناه لأشعر بقلب الأم لدي أن هذا الواقف أمامي ليس بعاشق كاذب أبدًا.
فاجأت صفية آدم وهي تمد يدها وربتت وجنته ومسحت عنه دمعته التي فرت من محبسها وقالت:
- لما حالك بالشكل ده وزعلان عليها سبتها ليه وهربت وروحت اتجوزت قريبتك دي وخلفت كمان يا ابني أنا آه ست كبيرة بس الدنيا علمتني كتير فبلاش تضحك عليا أنا كمان.

سحب آدم نفسًا عميقًا وقال:
- أنا مبضحكش عليكِ أقسم بالله ولا حتى هربت أنا نفذت وعدي ليها بس هي الظروف اللي حصلت معايا منعتني أجي فالوقت اللي كنت قايل لها عليه ولما روحت لها ملقتهاش ولا حتى لاقيت محمود وفضلت أدور عليها أنا ومازن وكلفت ناس تدور عليها معايا، صدقيني أنا عمري ما بصيت لواحدة غيرها واعتبرت نفسي مرتبط بعهدي معاها ومع ربنا، يا أمي أنا أسلمت علشان أقدر أكون معاها يمكن ربنا عاقبني إنها تضيع مني علشان كان مفروض أسلم لله من غير غرض، بس متخيلتش أبدًا أنها تتجوز محمود يا أمي محمود كسر قلبي لما قابلته من فترة صغيرة وقال أنهم اتجوزوا فى نفس اليوم اللي كان متحدد لكتب كتابهم إنما أنا مش عارف بجد مين اللي قال أني اتجوزت صدقيني والله يا أمي أنا متجوزتش وعشت السنين اللي فاتت دي على أمل أني الاقي سهر.

فرت الدموع من عين صفية وهي تسمع اعتراف آدم فاسندها آدم إليه خوفًا عليها وسحب لها المقعد وأجلسها فوقه وقال بقلق:
- تحبي أجيب لحضرتك دكتور.

هزت صفية رأسها بالرفض وقالت:
- لا يا ابني أنا دوايا هي بنتي يوم ما ترجع لي واللي بدعي أني أشوفها قبل ما أموت.

احتضن آدم كف صفية ووجده بارد ولاحظ حبات العرق تلمع فوق جبينها فقال:
- لا أنا لازم انقلك المستشفى حضرتك شكلك تعبان والظاهر إن أنا زودت التعب أكتر سامحيني بس أنا فعلا مقدرتش أمنع نفسي أني أشوفها للمرة الأخيرة بعد ما خسرتها بجوازها من محمود ورغم أنها هي اللي خلفت كلامها معايا بس مقدرتش أكرهها.

همست صفية بضعف وقالت:
- متظلمهاش أنت كمان وبلاش تيجي عليها زي الدنيا كلها ما جت عليها سهر متجوزتش محمود ابني إلا بعد ما اتوفى والدها بأربع شهور.

تراجع آدم إلى الخلف ونظر  لصفية بدهشة وقال:
- بس محمود فهمني غير كده.

ابتسمت صفية بألم وقالت:
- محمود قالك غير كده.

هزت صفية رأسها بأسف وأضافت:
- يبقى معدش يهم على رأي سهر أي حاجة دلوقتي بعد ما راحت.

أحس آدم أنه سيختنق فهو كان على أمل أن تكون تلك الكلمات مجرد عقاب له، ولكنه تأكد الآن من أنها الحقيقة فقال:
- طيب ممكن تفهميني سهر راحت فين؟

سمع آدم وصفية صوت محمود يقول بحدة:
- أنت إيه اللي جابك هنا وأنتِ يا أمي أزاي تدخليه البني آدم ده، أزاي تدخلي اللي سرق مني سهر وضيع حياتي.

زم آدم شفتيه والتفت بوجهه ورمق محمود بنغضب وأردف بصوتٍ قاس يقول:
- لو في حد فينا سرق التاني فأنت اللي سرقت مني سهر يا محمود، لأنك كنت متأكد أني بحبها وكنت عارف أنها بتحبني ورغم كده قبلت تتجوزها وتخطفها مني، وأنا دلوقتي هنا علشان حاجة واحدة أنا عاوز أبرأ نفسي أني لا اتجوزت ولا حتى خلفت.

اقترب منه محمود وهو يصيح بعصبية:
- أومال الهانم اللي كانت قاعدة جنبك على الكافية وأنت بتلاعب ابنك يبقوا مين؟ على فكرة أنت مش هتعرف تضحك عليا علشان أنا اللي شوفتك بنفسي.

ابتسم آدم ساخرًا لصحة ظنه وسأله بتهكم:
- ولما أنت شوفتني مجتش تواجهني ليه بدل ما تتكلم عني بالكذب من ورا ضهري، عمومًا هايدي مش مراتي دي تبقى مرات مازن ابن عمي هو اللي اتجوزها والطفل اللي كنت شايله يبقى ابنهم آدم.

قطعت عليهم صفية حديثهم وقالت:
- خلاص معدش ليه أي لازمة الكلام دلوقتي وبعدين يا محمود آدم ده ضيفي أنا وفبيتي أنا واللي كان جاي علشانها معدتش مراتك علشان تتكلم معاه بالطريقة دي.

التفت آدم وحدق بوجه صفية بصدمة وسألها بصوتٍ مهتز:
- حضرتك قلتي أيه؟  أرجوكِ أنا عايز أفهم سهر فين والكلام اللي سمعته معناه اللي وصلي ولا حاجة تانية أرجوكِ يا أمي بلاش تسرقي مني الأمل وأكدي على صحة كلامك وأن سهر مبقتش متجوزة من  محمود.

حين أومأت له انتشل آدم بصره عنها ونظر لمحمود بفرح وأردف:
- أنت بجد طلقت سهر يعني هي بقت حرة أنا مش مصدق حقيقي مش مصدق.

رمقه محمود بنظارت كريهة وصاح به بحقد يقول:
- طلقتها بس هرجعها لعصمتي تاني ومش هخليك تطولها لو حتى هتموت أدامي عليها.

وقفت صفية فجأة وواجهت ابنها وصاحت به بغلظة:
- معدتش تجوز لك يا ابن بطني وده من بختها ونصيبها عارف ليه علشان أنت حرمتها على نفسك بعد ما طلقتها وعلشان تردها ليك لازم تسأل دار الفتوى، ده غير أني مش هسمح لك تعملها يا محمود علشان وقتها أنا فعلًا هتبرأ منك ليوم الدين، ما هو مش بعد ما بهدلت بنتي معاك وظلمتها ورميتها بالباطل أنها بتخونك وفرجت عليها الناس تقول أردها، لأ يا محمود يا ابن خميس لو فاكر أنك هتقدر تذل فخلق الله تبقى بتحلم وسهر أنا اللي همنعك تردها بعصمتك حتى لو يحق لك.

ارتبك محمود من كلمات والدته الغاضبة وقال:
- يا أمي اللي حصل كان سوء فهم مني وهي مشيت من غير ما تواجهني وبعدين أنا بدور عليها ومش ساكت مسبتش مكان إلا وسألت عليها فيه، ياأمي أنتِ قولتي أني لو رجعت لك سهر هتسامحيني وأنا عايز رضاكي عليا وصدقيني هرجع لك سهر وهعتذر لها ادام الدنيا بحالها وأراضيها، فبلاش تقسي عليا أكتر من كده أنا والله ندمت واتعلمت من غلطي.

شعر آدم أنه تائه بين محمود ووالدته فنظر لكلاهما وقال بنبرة صوت حازمة:
- أنا عاوز أفهم إيه اللي حصل بالظبط أنا كده تايه فالألغاز اللي بتحكوها، ممكن حد فيكم يوضح لي اللي حصل علشان أقدر أساعد ونرجع سهر ووقتها نشوف هي عايزة إيه.

نظرت صفية لآدم وقالت:
- أنا مش هقدر أقولك أي حاجة من اللي حصلت لسهر وكل اللي أقدر أقوله أن ابني محمود غلط غلطة عمره مع سهر لما اتهمها أنها بتخونه وطلقها وهي سبتنا ومشيت، وأهو أسبوع وملهاش لا حس ولا خبر، فهل أنت هتقدر ترجع لي بنتي.

حدق آدم بمحمود بكراهية وأجابها بحزم:
- وعد مني يا أمي أني ألاقيها وارجعهالك تاني.

-------------------

مر شهر يليه شهور وكاد العام أن ينقضي وحال صفية من ضعف لأضعف وها هي عادت مرة أخرى إلى القاهرة برفقة محمود بعدما ألح عليها كثيرًا واتخذت مجلسها بالقرب من النافذة تحدق بها بأمل أن يظهر آدم وبرفقته سهر كما وعدها، وفي مكانه لم يختلف حال آدم كثيرًا عن حال صفية بل كان أشد سوءً فطال إهماله عمله فوكل به مازن ليدير عنه كافة أعماله فوافق الأخير على مضض بعدما لامس حالة آدم الصعبة، كان الجميع يبحث ولكنها اختفت بلا أثر فتسرب اليأس شيئًا فشيء إلى نفوسهم وأشتد بهم الخوف من أن تكون قد أقدمت على الانتحار.

وهناك جلست أمامه تستند إلى ظهر مقعدها تحدق له وترسم ابتسامة هادئة وهي تسجل بعيناها حركات ارتباكه لعلمها مدى الرعب الذي يسكن قلبه منذ مقابلتهما الأولى قبل شهر، لاحقته بنظراتها بتمعن واتسعت ابتسامتها بسبب تعرقه وخوفه منها فمالت بوجهه نحوه وسألته بتهكم:
- مالك يا فؤاد مش قاعد على بعضك يعني، بصراحة اللي يشوفك يفتكر أنك خايف مني معقول تكون خايف من سهر لأ يا فؤاد ميصحش تخاف بص أنا عايزاك تنسى زي ما أنا نسيت.

حدق بها فؤاد وقد سلبته عقله وأطاحت بتنفسه فهي أصبحت أكثر جمالًا وأكثر غموض، عيناها أصبحت عميقة يشعر وكأنه سيغرق بهما كلما نظر إليها، فسحب عدة أنفاس وابتلع غصة وقفت بمنتصف حلقه وقال:
- مش خايف أنا مسحور بجمالك يا سهر أنا بعترف أن عمري ما شوفت عيون زي عيونك اللي حابب أغرق فيهم.

أدنت رأسها منه أكثر وأردفت بصوتٍ خافت:
- فؤاد اتفقنا بلاش نلعب على بعض ولا أنت عايزني امشي.

تحركت لتغادر ولكنه أسرع ومد يده وقبض على ساعدها فالتفتت ورفعت حاجبها وهي ترمقه بنظرات ساخرة وأردفت وهي تبعد أصابعه عن يدها:
- قولنا نحترم نفسنا ونبقى مؤدبين علشان أصدق أنك اتغيرت صح ولا لاء، بصراحة أنا بالشكل ده مش هقابلك تاني.

أسرع فؤاد بالتحرك وركع أمامها فانتبه له الجميع فرفعت سهر يدها ووضعتها فوق ثغرها ونهرته بحدة طفيفة:
- قوم يا فؤاد الناس بتتفرج علينا معقول كده أنت اتجننت فعلًا ودي أخر مرة اخليك تشوفني.

مد فؤاد يده ولمس أطراف أصابعها وقال وهو بنظر لعيناها:
- أرجوكِ متحرمنيش من أني أشوفك أنتِ مش عارفة عملتي فيا أيه لما رجعتي لي وسامحتيني، أرجوكِ يا سهر اديني فرصة واقبلي نرتبط ببعض وأنا هعوضك عن كل حاجة هخليكِ تشوفي فؤاد تاني خالص هثبتلك أني اتغيرت و.

جذبت يدها منه وقالت وهي تلتفت يمينًا ويسارًا وقالت بارتباك:
- عجبك أهم صورونا وهنبقى تريقة النت هي دي التصرفات الرزينة اللي قلت أنك هتتصرفها، عيب أوي يا فؤاد خصوصًا لواحد فسنك أنك تتصرف زي المراهقين، بصراحة مش لايق عليك وبجد لو فضلت كده أعتبر أن النهاردة آخر مرة تشوفني عن أذنك.

تركته سهر وأسرعت تعدوا وأشارت إلى سائق سيارتها أن يقترب منها وجلست سريعًا بالمقعد الخلفي لينطلق السائق بثوانٍ معدودة مختفيًا عن الأنظار قبل أن يلحق بها فؤاد، في حين وقف فؤاد يتابع سيارتها التي أختفت من أمامه بلمح البصر واتجه بخطى رتيبة نحو سيارته وجلس بداخلها وزفر بقوة وهو يستعيد ذكرى لقاءه الأول معها حين ظهرت أمامه فجأة بأحد محاله لتسكن بقلب الرعب وهي تبعده عن إحدى الفتيات التي فرض عليهن نفسه فصاحت به بغضب قائلة:
- فؤاد أبعد عنها هو أنت لسه فيك الداء القذر ده.

حدق بها فؤاد بذعر وأبتعد عن الفتاة وتراجع إلى الخلف عدة خطوات ليضع مسافة فاصلة بينه وبين سهر التي وقفت عاقدة لساعديها أمامه بثبات وعلى ثغرها ابتسامة غريبة زرعت الخوف بقلبه، لتزداد دهشته ما أن وقع بصره على عيناها لتختطفه بعمقها فهز رأسه بقوة وهمس بصوتٍ متلعثم:
- مـ ـش ممـ ـكن لأ مـ ـش هـ ـي سـ ـهر.

اطلقت سهر ضحكة عالية جعلت العاملات بالمحل ينظرن إليها وعقبت بصوت واضح:
- لا هي أنا أيه مش مصدق أن ضحيتك ممكن تيجي تقف أدامك عمومًا صدق أنا جيت لأني بتابع أخر خطوة فعلاجي والأصعب، أصل الدكتور طلب مني يا فؤاد أني أقابلك وكمان أسامحك تخيل بقى.

تلعثم فؤاد وقال:
- أنـ ـا مـ ـش مـ ـصـ ـدقـ ـك.

تهكمت منه سهر بقولها:
- طيب تحب تيجي معايا للدكتور علشان تصدق وبعدين مالك كده واقف خايف، ده أنا المفروض أبقى واقفة مرعوبة منك مش العكس.

سألها فؤاد بريبة وهو ينظر إليها:
- أنتِ عايزة أيه مني يا سهر راجعة ليه؟

مالت سهر فجأة نحوه وقالت بهمس:
- عيزاك تصلح غلطتك اللي عملتها من ست سنين فاكرها ولا نسيتها.

ابتلع فؤاد غصته بتوتر وقال:
- ده نظام رمي جتت منك ولا أيه.

هزت سهر رأسها ومطت شفتيها وقالت:
- كده بردوا بقى سهر جاية ترمي جتتها عليك عمومًا أنا زعلانة منك ومش هسامحك.

استدارت سهر لتغادر ولكن فؤاد أسرع وقبض على رسغها وهتف بلهفة:
- استني رايحة فين أنا مقصدش أنتِ معاكِ حق، بس قولى لي أيه اللي غيرك كده أنتِ بقيتي واحدة تانية خالص أحلويتى أوي يا سهر و.

جذبت سهر يدها وقالت بحزم:
- أولًا تعاملك معايا من غير ما تلمسنيى علشان وقتها أنت فعلًا اللي هتزعل، كلامك معايا يبقى باحترام يعني لا تلميحات ولا تحرش، ثانيًا بقى وده الأهم انضف وبلاش شغل المراهقين وبطل تقف ورا البياعة وتتلزق مش حلو لواحد فسنك يا فوفو.

كاد عقل فؤاد أن يطير منه فهو لا يصدق عيناه وسهر أمامه تمليه أوامرها والتي اكتشف أنه على أتم الأستعداد أن ينفذ لها أي شيء فقط لينال رضاها، فأغمض عينيه يتذكر ما فعله بها بالماضي ولكنه تفاجأ بها تصيح به بحدة:
- فؤاد إياك ترجع بخيالك لزمان علشان لو رجعت هتتعب اوي وهتخسرني.

مرر فؤاد لسانه على شفتيه وقال:
- بصراحة مش قادر بجد معقول أنتِ اللي كنتِ بين أيديا زمان و.

صاحت سهر بصوت أفزعه:
- كلمة كمان وهتبقى فعلًا أنت اللي خسران.

خفضت صوتها وهمست وقالت:
- وصدقني وقتها هتخسر عمرك كله.

نظر إليها فؤاد وقال:
- لا وعلى أيه الطيب أحسن بس بردوا مش مرتاح حاسس أنك جاية تغدري بيا.

هزت سهر كتفيها وعقبت باستخفاف:
- اغدر وبيك على فكرة أنت متساويش يا فوفو عندي حاجة علشان أخسر يوم من حياتي بسببك كفاية العمر اللي ضاع، المهم أنا جاية فعلًا وبمد لك أيدي يا تقبل بشروطي وتتغير وانسى يا هتقابل سهر الجديد ودي بقى لو قابلتها قول على نفسك يا رحمن يا رحيم، سلام يا فوفو هبقى أكلمك آه نسيت أقولك معايا ارقامك كلها الخاصة والعامة.

عاد فؤاد إلى واقعه وهو يتلفت حوله وقال لنفسه:
- خمس مرات تقابلك فيهم وسحبتني وراها من غير ما تقاوم ولو قالتك أرمي نفسك فالنيل هترمي نفسك وأنت بتضحك لها علشان ترضى عليك، أيه جرالك يا فؤاد؟ أنت مكنتش كده هي عملت فيك أيه البت دي وبعدين دي هتجنني معاها اتغيرت وبقت حاجة تانية أنا مش عارف عقلي كان فين لما أذيتها وسبتها بين الحيا والموت زمان، بس يا سهر لو أنتِ فعلًا هتديني فرصة أصلح غلطتي أنا هعوضك على الأقل أتأكد أن محدش لمسك غيري، أما لو بتلعبي بيا فيا ويلك مني هخليكِ تتمني الموت ومتلاقيهوش.

جلست سهر تبتسم في رضى إلى وجهه البشوش وقالت تناغشه:
- هتفضل قاعد مكشر كده كتير ومش عاوز تاكل بالشكل ده أنا كمان هزعل.

نظر صالح إليها بمحبة فهي عوضته حرمانه من الأبناء وأحاطته بعنايتها ومحبتها وتنهد بغبطة وأردف:
- هفضل زعلان علشان أنتِ نفذتِ كلامك وأنا قلت لك لا انسى وطلعي الموضوع ده من دماغك بردو روحتِ لحد عنده ومسمعتيش الكلام.

تنفست سهر ببطء وقالت:
- كان لازم أخد الخطوة دي أنت نفسك فالأول قولت لي كتير عليها ليه دلوقتي بتقول لأ، أيه خلاك تغير رأيك بالشكل ده.

ربت صالح على المقعد بجانبه وهو يشير إليها لتجلس بجواره وقال:
- تعالي اقعدي جنبي كده ونتكلم بالراحة يا تقنعيني يا أما أنا اللي اقنعك.

ضحكت سهر بصوت عال وقالت:
- لا يا حجوج أنا مش هقعد جنبك أنت المرة اللي فاتت لما قلت لي اقنعك دي ادتني قفا وأنا بصراحة تعبت من ضربك ليا خليني كده واقفة أدامك علشان أعرف أجري منك.

بدالها صالح الضحكات وقال:
- لا بجد تعالي أقعدي واسمعيني.

تنهدت سهر وجلست بجانبه تحدثه بجديه:
- ينفع تسمعني أنت الأول معلش طول بالك معايا شوية أنا عارفة أنك زعلت علشان خبيت عليك أني قابلته كذا مرة من وراك وأنت كنت مأكد أن لازم تكون معايا فأي مقابلة معاه، بس أنا شايفة أن كده أحسن أنا مش عايزاه يعرف أني معاك خالص علشان يتصرف بحريته وميخافش منك أنا عايزة أعرف هل هو فعلًا هيتغير ولا هيفضل زي ماهو.

نظر صالح إليها رافعا حاجبه وقال:
- يا شيخة اضحكي على حد غيري بالكلام ده أنتِ عايزاني أصدق أنك مصدقة الشويتين بتوعه دول طيب خلي التمثيل ده على حد تاني مش عليا أنا.

وقفت سهر بارتباك وقالت وهي تدير عينيها عنه:
- يا حج بلاش شغل التحقيقات ده معايا ومشيها أني مصدقة ومشيها أنك مصدقني لحد ما نعرف أخرتها سوا ولا أيه.

وقف صالح يستند إلى عصاه وتركها واتجه إلى غرفته ووقف أمام بابها والتفت إليها وأردف:
- أنتِ بتلعبي بالنار يا سهر وأنا خايف عليكِ للنار دي تحرقك.

ضحكت سهر بتهكم وقالت بغموض:
- سبني ألعب ولو اتحرقت مافيش أكتر من عمليات التجميل.

أغلق صالح باب غرفته وجلس يتمتم فطرقت الباب عليه وقالت:
- بردوا مأكلتش يا حجوج ولما ازعل منك بجد متشتكيش.

تركته سهر ودلفت إلى غرفتها وجلست فوق فراشها تضم ركبتيها إلى صدرها وتنهدت فهي تغيرت كثيرًا، أغمضت عيناها وهي تنهر نفسها عن تذكر كيف غادرت المشفى ترتجف بعدما صفعت هدى لتقف أمام باب المشفى وهي تبكي فأسرعت إلى حديقة المشفى وجلست ترتجف، فالخوف سيطر عليها والقلق استبد بها تريد الاطمئنان على صفية ولكنها لا تريد العودة مرة أخرى لخوفها أن يسيطر عليها محمود مرة أخرى ليعيدها إلى عصمته، وهي التي تنفست الصعداء بعدما سمعته يطلقها تنهدت سهر بحدة وهي ترفع يدها تتلمس عنقها التي اعتصرها محمود بين يديه حين ظن أنها تخونه ومسحت الدموع عنها وقالت:
- أخر مرة تعيطي تاني يا سهر خلاص لازم تتغيري مبقاش ينفع تقفي وتمدي وشك للكل يضربك ويلطش براحته، خلاص بجد كفايه كده سهر القديمة دي لازم تموت واللي تعيش واحدة تانية تقدر تاخد حقها بأيديها من كل واحد ظلمها أو أساء ليها، أنا اللي لازم أرجع حقي بأيدي ومش هستنى لما كل واحد يعطف عليا حبه.

- أنا قلت أني هلاقيكِ هنا بصراحة كنت متأكد أنك مش هتعرفي تبعدي من غير ما تطمني على الحجة صفية.
رفعت سهر عيناها وحدقت بهاني وتنهدت بوجع وقالت:
- علشان لما هطمن عليها همشى ومش هرجع تاني وأنا قررت أني أودع الماضي وكل لحظة عشتها لحد النهاردة، علشان من بكرة هابقى واحدة تانية خالص.

جلس هاني بجانبها وقال:
- خطوة كويسة أنك تقرري تتغيري بس خلي بالك في فرق بين أنك تتغيري علشان نفسك أو تتغيري علشان تنتقمي وأنا اللي شايفه فعنيكِ بيقول أنك.

أجابته سهر بجدية:
- هنتقم وهتغير وهعيش زي ما أنا عايزة مش هعيش زي ما غيري عايز ومش هخلى أي حد يقف في طريقي، أنا ضيعت أحلى فترة في عمري شايله الذنب وبحاسب نفسي على غلط معملتوش، بس دلوقتي خلاص أنا هدفع كل واحد تمن أذاه ليا حتى ولو كان أذاني بنظرة مش بكلام.

شعر هاني بالخوف على سهر فقال محاولًا تغيير تفكيرها:
- طيب أنتِ دلوقتي هتروحي فين.

بكت سهر رغمًا عنها وقالت:
- مش عارفة حقيقي مش عارفة.

وقف هاني وقال:
- واثقة فيا يا سهر.

نظرت سهر إلى هاني وقالت:
- لو مكنتش واثقة فيك مكنتش قبلت أتعالج معاك وتعرف أسراري.

ابتسم هاني وقال:
- لا حاسبي أنا معرفتش كل حاجة.

واعتدل وأضاف:
- أنا هخدك معايا القاهرة دلوقتي وهسيبك هناك وهرجع تاني الصبح قبل ما حد يلاحظ غيابي وهكمل معاكِ علاجك ومافيش اعتراض وبعد كده هسيبك تختاري أنتِ عايزة تعملي أيه اتفقنا.

هزت سهر رأسها بإيجاب وقالت:
- بس أنا كنت عايزة اطمن على ماما.

أجابها هاني وقال:
- لو فضلتي هنا محمود هيوصلك وأكيد وهيستغل حبك لوالدته علشان ترجعيله خصوصًا أنه طلق هدى وأنا مش عايزك تضعفي تاني فيلا بينا علشان ألحق أرجع.

أفاقت سهر من شرودها على رنين هاتفها فنظرت إلى رقم هاني وابتسمت وأجابته اتصاله قائلة:
- كنت لسه بفكر في اللي عملته معايا لحد دلوقتي ومش مصدقه التغيير اللي بقيت فيه.

صمتت سهر وهي تستمع إلى صوت هاني الحانق يقول:
- أنتِ بوظتِ كل حاجة يا سهر أزاي متاخديش بالك من تصرفاتك مع فؤاد بالشكل ده.

سألته سهر تستوضح الأمر منه وقالت:
- حصل إيه علشان تبقى بالانفعال ده معايا.

شهقت سهر وهي تستمع لهاني وقالت:
- بس أنا متخيلتش أن حد هيهتم باللي حصل و.

قاطعها هاني وقال:
- يا سهر أحنا كنا مأجلين مواجهة محمود لبعد ما تخلصي موضوع فؤاد إنما بالشكل ده هتلاقي محمود فوق راسك أحنا لازم نتقابل علشان نشوف هنتصرف أزاي.

فاجأت سهر هاني بإطلاقها ضحكة عابثة وقالت:
- خليه يجي ويتحرق وهو بيشوف فؤاد بيركع تحت رجليا فؤاد بكل فلوسه اللي سرقها من عمه وكان عاوز يرميه فالشارع لولا أنه كان عامل حساب غدر فؤاد بيه، أهو فؤاد ركع ليا أنا وأنا اللي هرجع الحق وخلي محمود براحته بدل ما كنت هأجل دوره أهو يشارك على مقعد البدلاء.

صاح هاني بغضب وقال:
- أنتِ بقيتي بشعة يا سهر أنا مكنتش متخيل أن لما ترجعي هتبقي بالقسوة دي خلي بالك أنا مش هقدر استمر معاكِ واشجعك على الوضع ده أنا هشتكيكِ للحج صالح وهو يتصرف معاكِ.

صاحت سهر وقد امتلكها الغضب وقالت:
- يعني أنت اللي قلت له أني قابلت فؤاد ماشي يا هاني خليك فاكر كويس أن اللي مش معايا يبقى ضدي.

-----------------------

- مازن.
ارتج المكتب بصوت آدم الجهورى العاصف ينادي مازن ليهرب الدم من موظفي المكتب جميعًا فأسرع مازن يدخل إلى آدم يسأله بقلق:
- أيه حصل في أيه رعبت الناس برا صوتك جايب للشارع.

ألقى آدم هاتفه بوجه مازن وقال:
- لما تشوف المهزلة دي هتعرف.

مد مازن يده وأخذ هاتف آدم فوجد خبر يتصدر صفحات الفيس بوك بعنوان"حين يركع الخريف لقمر الربيع" هز مازن كتفيه وقال:
- عنوان عادي ميخليش حالك بالشكل ده كأن كارثة حصلت.

نظر آدم إلى مازن بنظرات سوداء مليئة بالغضب وقال:
- شوف الفيديو الأول.

شاهد مازن الفيديو وحدق بشاشة الهاتف بشدة وهمس:
- معقول هي دي سهر.

صرخ آدم بألم وقال:
- مستحيل دي تكون سهر أبدًا ومين ده اللي معاها أزاي يحصل ده مازن قولي أرجوك.

تنهد مازن وقال:
- أهدى وأنا هعرف لك كل حاجة تمام.

-------------------------

حاولت سهر أن تتكلم مع صالح ولكنه استمر على عناده معها فقالت له:
- عارف يا حجوج لو متكلمتش معايا وصالحتني هخاصمك بجد يرضيك تزعل سهورتك حبيبتك، بص أنا مش هعمل أي حاجة بعد كده غير لما ارجع لك الأول ها كلمني ببقى وحياتي.

تنهد صالح وقال:
- أخر مرة يعني تخبي عليا.

ابتسمت سهر وقالت:
- وعد آخر مرة وبعد كده هاجي وأحكي لك وأخد رأيك قبل ما أعمل أي خطوة ومش هخبي عنك أي حاجة.

ابتسم صالح وقال:
- طالما كده يبقى حضري لنا الفطار.

قبلت سهر رأسه وقالت:
- ثواني ويبقى عندك أحلى فطار فيكِ يا مصر و.

قطع على سهر رنين جرس الباب فقالت:
- ده تلاقيه هاني جاي ظابط نفسه على وقت الفطار أنا هروح أفتح له واجي.

فتحت سهر الباب وهي تبتسم فحدقت بالواقف أمامها لتتلاشى ابتسامتها ويحتل ملامحها تكشيرة وضيق وهي تقول:
- أنت عرفت طريقي أزاي؟

-----------------------------

نفوس قاسية
#منى_أحمد_حافظ
#الموناليزا
ممنوع النقل أو الإقتباس
حقوق النشر محفوظة
----------------------------------

نفوس قاسية بقلم منى أحمدWhere stories live. Discover now