الثالثة .رغبة وخوف.

1.6K 23 6
                                    

الثالثة .رغبة وخوف.
---------------------------

مرت الأيام وسهر تصعد بشكل يومي إلى صفية ما أن يظهر فؤاد، وبعدما تعافي كتفها وفى محمود بكلمته ورافقته لتتسلم عملها، الذي سرعان ما اندمجت سهر به فهو بالنسبة إليها كان القشة التي أنقذتها من البقاء بالمنزل، ورحمها من رؤية فؤاد الذي لم يكف عن مطاردتها بكلماته الملتوية ونظراته الخبيثة مستغلًا والدها.
أما محمود فحاول صرف عقله عن التفكير بسهر ولكنه لم يستطع فـ مشاعره نحوها تنمو وتزداد قوة واحتياجًا، ووجودها بالقرب منه جعلته يُدمن رفقتها والحديث معها.

وبعد مرور بضعة أشهر على وجود سهر بالفندق، باتت سهر من أفضل العاملات لتفانيها بعملها والتزامها وبأحد الأيام بعدما أنهت سهر ترتيب إحدى الغرف، عادت إلى استراحة الفتيات، وقبل أن تخطو للداخل وصل إلى سمعها صوت إحدى الفتيات تقول:
- دي بتيجي معاه وبترَوح معاه ودايما بيسأل عنها ويقف يكلمها، تفتكري يكون في بينهم حاجة، أنا خلاص هتجنن بقى معقول أنا اللي ليا سنتين شغالة معاه مش عارفة الفت نظره ليا وبالعافية لما بيقف يتكلم معايا، تقوم تيجي بنت زي دي تاخده مني فأقل من تلت شهور.

أجابتها منال بصوتٍ هادئ ما أن لاحظت عصبيتها:
- داليا أنا قبل كدا كلمتك فالموضوع دا وقولت لك بلاش تتعلقي بيه لإنه واضح عليه من سنين أنه مش من النوع اللي بيعمل علاقات فالشغل أو حتى بيكلم بنات، وأنتِ اللي رفضتي تسمعي النصيحة وأهو أنتِ بنفسك شوفتي فكل مرة بتفتحي معاه كلام هو اللي بيقفل ويستأذن ويمشي، يعني بمنتهى الصراحة بيفهمك أنك برا تفكيره، فمينفعش دلوقتي تقولي أنها سرقته منك علشان هو مكنش ليكِ من الأول.

رمتها داليا بنظراتٍ نارية وأشاحت بوجهها عنها، في حين زمت منال شفتيها وتركت مكانها ومع استدارتها تقابلت عيناها بعينا سهر فتلون وجهها حرجًا لسماع سهر حديثهما، حينها تنفست سهر بقوة وولجت وهي تقول:
- السلام عليكم.

التفتت داليا بحده وحدقت بها وضاقت عيناها ولكنها سرعان ما أخفت ما يجول بداخلها ورسمت ابتسامة واهية فوق شفتيها وقالت:
- أيه يا سهر خلصتي شغلك ولا لسه باقي لك حاجة، يعني علشان متتأخريش على الأستاذ محمود، مش هو بردوا هيوصلك النهاردة زي ما بيعمل كل يوم.

تناست سهر تحذير محمود وبادلت داليا الابتسام وأجابتها بتلقائية:
- للأسف ابيه محمود عنده شغل كتير فأنا هروح لوحدي النهاردة.

انتبهت داليا لكلمات سهر وعلق لقب محمود بذهنها فاقتربت منها وسألتها بدهشة:
- ابيه مين هو الأستاذ محمود يقربلك.

انتبهت سهر لكلماتها فاحمر وجهها وأدركت خطأها وحاولت الإجابة وغادرها صوتها مذبذبًا:
- لا مش قريبي بس يعني هو.

وضعت داليا يدها فوق كتف سهر وحثتها على الكلام بتذمر مُردفة:
- طيب لما هو مش قريبك أنتِ ليه قولتي ابيه دي، ما تتكلمي يا سهر ولا أنا يعني هشد الكلام منك، قوليلي هو محمود يقرب لك أيه بالظبط.

لاحظت منال خوف سهر واضطرابها فسارعت بمقاطعة داليا لتهون على سهر الأمر قائلة:
- ما تسيبيها يا داليا هو يعني تحقيق، وبعدين أحنا مالنا هيهمنا فأيه أن كانوا قرايب أو لأ.

رمتها داليا بنظراتٍ نارية وعقبت على قولها بعصبية واضحة قائلة:
- أنا مش بحقق معاها ولا حاجة وأظن أنتِ عارفة كدا كويس يا منال وأكيد سهر فاهمة أن سؤالي غرضي منه اطمن علشان لو حد سأل أو أتكلم نعرف نرد عليه ونوضح لهم الصورة بما أنهم على طول واقفين مع بعض وبيرَوحوا ويجوا سوا.

والتفت داليا برأسها ووجهت عيناها إليها وأضافت:
- أنتِ زي أختي يا سهر ولازم أخاف عليكِ من لسان الناس.

تمتمت منال بصوت خفيض لا يسمعه أحد:
- آه يا بنت اللذينا عايزة تطويها تحت جناحك علشان تعرفي منها اللي يفيدك ربنا يستر وسهر متطلعش خايبة وتقع معاكِ.

أومأت سهر برأسها وعقبت على قول داليا قائلة:
- ابيه محمود يبقى جاري وزي أخويا الكبير ووالدته هي اللي مربياني، بس لو ممكن محدش يعرف لأن أبيه نبه عليا متكلمش فالموضوع دا علشان هنا مكان شغل وانتو فاهمين.

اتسعت ابتسامة داليا بسعادة وأجابتها وهي تربت يدها:
- اطمني يا سهر محدش هيعرف حاجة وزي ما قولت لك أنتِ زي اختي ولو احتجتي لأي حاجة بلغيني وأنا عيني ليكِ.

شكرتها سهر بلطف وهي تبتسم بحرج وأردفت:
- أنا كمان بعتبرك أنتِ ومنال زي أخواتي وبشكركم جدًا على لطفكم معايا، عمومًا أنا هروح أبلغ الأستاذ عصام أني خلصت اللي ورايا علشان امشي عن أذنكم.

غادرت سهر الأستراحة واتجهت إلى مكتب عصام وطرقت بابه وما أن أذن لها بالدخول حتى ولجت وهي تنظر أرضًا وأردفت بصوتٍ خافت تقول:
- أستاذ عصام أنا خلصت كل اللي حضرتك بلغتني بيه وميعاد الشغل كدا انتهى أمشي أنا ولا لسه في حاجة.

حدق بها عصام وبدا وكأنه وجد ضالته فابتسم وهو يُشير إليها بالجلوس وقال:
- تعرفي يا سهر أنا لو فضلت أشكر محمود علشان هداني بيكِ كل يوم مش هيكون كافي حقيقي أنا مشفتش حد زيك من اللي اشتغلوا هنا ليا زمن، أنت بتعملي شغلك بضمير وأنا لو عليا اعملك مكافأة ولعلمك أنا كتبت كل دا في التقرير بتاعك لأنك تستحقي كل خير، وبصراحة تفانيكِ في شغلك هيخليني أطلب منك خدمة هو شغل هنا بردوا بس مش أي حد ممكن يأديه، في جاح هنا خاص بالأستاذ آدم محدش بيطلع فوق إلا الناس الموثوق فيها وكان عندي شاب مسئول عنه بس هو ساب الشغل للأسف ومن وقتها وأنا محتار مين يستحق يشرف على الجناح الخاص ويرتبه بضمير ويخرج منه وميتكلمش عنه ولا يجيب سيرته نهائي كأنه مش موجود أصلا، والحقيقة أنا ملقتش غيرك أنتِ أصلًا شغلك هو اللي دل عليكِ علشان كدا أنا عايزك تطلعي جناح الأستاذ آدم هو بلغ قبل ما يخرج أنه محتاج يتوضب وأنا عارف أنك قدها، ومش هوصيكِ هتدخلي وتخرجي كأنك مشوفتيش أي حاجة ومش عايز أي حد يعرف أنك طلعتي فوق، بصي الجناح له اسانسير خاص هتطلعي منه وتخلصي شغلك وتنزلي والأدوات الخاصة بالنضافة هتلاقيها فوق ولو في حاجة خاصة بيكِ عايزة تخديها تقدري تخديها معاكِ.

وافقته سهر بإيماءة من رأسها وأدرفت:
- اطمن يا أستاذ عصام أنا مش هخذلك أبدًا وبرقبتي لو حد عرف حاجة.

رافقها عصام حتى باب المصعد واطمن عليها بداخله وضغط على زر التشغيل وابتعد ووقفت سهر يملؤها الترقب وحين توقف بها المصعد وغادرته ووقفت تحدق بما حولها بدهشة لفخامة المكان واختلافه عن باقي الفندق، زجرت سهر نفسها لشرودها وبدأت عملها بالاهتمام بالمكان وحين توجهت نحو المرحاض فوقفت تطلع حولها تطمئن إلى ما أنجزته ويدها تقبض على مقبض الباب وابتسمت لإتمامها عملها على وجه أكمل، وزفرت وهي تفتح باب المرحاض وتلاشت ابتسامتها وبهتت واتسعت عيناها بصدمة، فأمامها تسطح شاب فوق أرضية المرحاض لا يتحرك، كادت تتراجع ولكنها تمالكت نفسها سريعًا وجثت بجواره ومدت يدها وهزته ببطء، وزفرت أنفاسها ما أن سمعت أنينه ووقفت سريعًا وهتفت بصوتٍ قلق:
- هو مفروض أبلغ الأستاذ عصام دلوقتي ولا اعمل أيه.

دلها عقلها بأن تأتي بزجاجة ماء وتمسح على وجهه ونفذت سهر سريعًا ومسحت وجهه وما أن أعطى لها إشارة أستعادة وعيه، همت بالوقوف ولكنها عقدت حاجبيها لسماعها همهمة خافته تصدر عنه، فمالت نحوه لتسمع كلماته ليخبرها بوهن:
- لو سمحتي هاتي شنطتي السودا من الدولاب بسرعة ارجوكِ.

نفذت سهر طلبه وقلبها يخفق بقوة لا تدر لما استولى عليها الخوف، التقطت سهر حقيبته وعادت إليه ومدت يدها بها فأشار إليها لتقترب فجلست سهر بجواره ليُردف:
- معلش هتعبك بس في حقنة في الشنطة لو سمحتي طلعيها واديهالي.

رمت سهر الحقيبة ووقفت وقالت بخوف:
- حقنة وادهالك يا خبر أنت مدمن.

ارتسمت ابتسامة على وجه الشاب خطفت أنفاس سهر منها ووقفت تحدق مسلوبة العقل تمامًا للمرة الأولى في حياتها ورغم محاولاتها المغادرة إلا أنها وقفت بمكانها وحين أشار إليها جثت بجواره مرة آخرى وقالت:
- أزاي شاب شكله ابن ناس زيك كده ومدمن مش حرام عليك نفسك.

سمعته ينفي بصوتٍ متألم:
- مدمن إيه أنا مش مدمن صدقيني والحنقة دي علاجي ومحتاج لك تديهالي، أرجوكِ اديني الحقنة ولا هتديري وشك عني وتسبيني لما أموت.

ضربتها كلماته بمقتل وأمتلأ قلبها أسف على حاله فهزت رأسها بقوة وهي تلتقط الحقيبة من جواره أردفت بصوتٍ مرتبك:
- لا مش همشي ومش هسيبك تموت علشان محدش يتهمني أني قتلتك.

ضحك الشاب وعقب على حديثها قائلًا:
- أنتِ محدش قالك أنك ساذجة أوي، يا بنتي اديني الحقنة أنتِ ربنا بعتك ليا نجدة كملي جميلك معايا بقى.

اخرجت سهر الحقنة بيد مرتعشة وسألته بخوف:
- هديهالك أزاي.

تنهد الشاب بألم وأجابها:
- تحت الجلد فدراعي ارجوكِ بالراحة وبسرعة.

دعت سهر الله فِي سرها أن تنقذه وطهرت يده بالكحول وحقنته ببطء وقالت:
- أحمد ربنا إن بعرف أدي حقن على قدي وإلا فعلا هبقى بموتك.

بعدما مرت عشر دقائق أحس آدم أنه بخير فقال لها:
- ساعديني بقى وكملي جميلك واطلعي دوري برا على الكرسي المتحرك بتاعي وهاتيه.

احزنها قوله حين علمت مصابه وغادرت سريعًا فهي لمحت مقعده المتحرك وهي تنظف الغرفة فعادت به، فشكرها آدم بقوله:
- ممكن تساعديني أقعد عليه.

ساعدته سهر حتى جلس وتنهد بارتياح فضغط على يد المقعد وتحرك به خارج المرحاض وتبعته سهر تحمل حقيبته فقالت تسأله:
- هو حضرتك هنا أزاي وفي حد بلغ إن الجناح فاضي.

تجهم وجه آدم وأجابها بضيق:
- متشغليش دماغك أنتِ المهم أنتِ اسمك إيه.

أجابته سهر بخجل عن اسمها فسمعته يقول:
- اسمك حلو أوي يا سهر على فكرة أنا آدم عمران واحب انبه عليكِ أنك متجبيش سيرة عن اللي حصل دلوقتي هنا لأي مخلوق فاهمة.

اضطربت سهر لطلبه وسألته بحيرة:
- بس الأستاذ عصام لازم يعرف هو كان قايل إن الجناح ف.

قاطعها آدم وهو يهز رأسه بالنفي قائلًا:
- نفذي اللي قلت لك عليه ومتقلقيش من أي حاجة ودلوقتي لو كنتِ خلصتي شغلك ممكن تتفضلي علشان متتأخريش.

اعلمته أنها لم تنتهي من تنظيف المرحاض فأشار إليها آدم لتستأنف عملها بهدوء وما أن أنهت سهر عملها أعادت الأدوات إلى مكانها وغادرت مسرعة وما ان هبطت حتى اتجهت صوب مكتب عصام وأعلمته بصوتٍ مضطرب:
- أنا خلصت يا أستاذ عصام في حاجة تانية ولا اروح.

شكرها عصام وهو يبتسم وأخبرها بصوتٍ هادئ:
- روحي يا سهر ومش هوصيكي الجناح ده أنتِ متعرفيش عنه أي حاجة.

هزت سهر رأسها بالموافقة وغادرت الفندق بعد أن بدلت ثوبها لتجد محمود يقف أمام الفندق فسأله حين رآها بحيرة:
- سهر أنتِ لسه هنا ليه مش مفروض تكوني روحتي من ساعة.

أجابته سهر بتوتر:
- أصل الأستاذ عصام كلفني بشغل تاني فخلصته وأهو ليا نصيب اروح معاك يا ابيه.

أبتسم محمود وأردف:
- طيب يلا بينا احسن أنا واقع من الجوع وخالتك صفية عاملة لي النهاردة بامية مخصوص.

وخلفهما تمامًا وقفت داليا تتابع حديثهما فزفرت بقوة واتجهت صوبهما وأردفت:
- ازيك يا أستاذ محمود.

ثم التفتت نحو سهر وسألتها بدهشة:
- أنتِ لسه هنا يا سهر مش قولتي أنك مروحة من بدري.

منعها محمود من الإجابة وأردف بالنيابة عنها:
- أنا قلت لها تستني يا انسة داليا في حاجة.

تطلعت داليا إليه بعيون ولهه وأردفت بصوتٍ خفيض:
- لا يا أستاذ محمود بس لو ينفع اروح على طريقكم.

سارعت سهر وعقبت وهي تبتسم:
- مفيهاش حاجة ممكن نوصلها فطريقنا يا ابيه.

رمقها بها محمود بحدة فوضعت يدها على فمها وقالت باضطراب:
- أنا اسفة والله نسيت يا أستاذ محمود حقك عليا.

تجهم وجهه وزفر بقوة وأجابها بسخط:
- يلا بينا علشان الوقت اتأخر وعمي رشدي ميضيقش.

نفوس قاسية بقلم منى أحمدWhere stories live. Discover now