الجمعة التاسعة و الثلاثون لشهيدنا المقدس

14 1 0
                                    

الجمعة التاسعة والثلاثون 20 رمضان 1419
الخطبة الاولى
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
توكلت على الله رب العلمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
الان نحن في ذكرى استشهاد مولانا العظيم امير المؤمنين (سلام الله عليه)
فدعونا نعزي اصحاب الكساء (سلام الله عليهم ) بمقدار ما نطيق ونفهم باستشهاده (سلام الله عليه) هنا قصيدة فصيحة ليست ذات مضمون سياسي طبعا فيها فقرة ذات ردة وفقرة بدون ردة الان اقرأ الفقرة الاولى فردوها معي طبعا لطميه .
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
انت يا زوج البتول انت يا صهر الرسول
انت يا عز العقول يا كريم الاكرمين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
انك اللطف العظيم انك المن القديم
انك النور العميم انك الحبل المتين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
انك المجد الاثيل حامل الحمل الثقيل
صاحب السيف الثقيل يا عظيم الاعظمين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
انك المولى الوصي انك النور المضي
انك الروح الرضي يا امام العالمين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
يا امامي يا علي يا عظيم يا ولي
يا مجيد يا صفي يا امام العارفين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
انك الحرب الاليم والبلاء المستديم
لانحراف الفاسقين وظلال القاسطين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
انك الحق الصريح انك الصبح المريح
انك التجر الربيح يا مذل الماكرين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
انك النور العميم والصراط المستقيم
انت في اللطف قديم يا معز المؤمنين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
يا امام الصابرين يا مثال العابدين
يا معز الزاهدين يا شفيع المذنبين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
انك السيف الطويل لأباطيل الذليل
انك المحق الاصيل لفساد المارقين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
انك العلم الاصيل انك الحق الجزيل
انك الرد المزيل لدعاوى الناكثين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
انت عز الصالحين انت حرب الفاسقين
انت لطف الماجدين انت ذل العاندين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
انت لطف الله فينا يا امام المتقين
عظم الله بقتلك من اجور المؤمنين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
عظم الله بقتلك اجر مولانا الرسول
عظم الله بقتلك اجر زهرانا البتول
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
اي جرم للئيم هو في الذل مقيم
خسيء الكفر الذي فيك من المجترئين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
انها ضربة غدر من شرار العالمين
اوجبت فوزاً عظيماً لك في الافق المبين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
سببت مجداً كبيراً عند رب العالمين
صرت روحاُ سرمدياُ فوق عقل العاقلين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
صرت مجدا ابديا صرت نورا ازليا
صرت نبراسا قويا يا امير المؤمنين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
جزاكم الله الف خير.
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
لا اله الا الله الها واحدا ونحن له مسلمون. لا اله الا الله ولا نعبد الا اياه مخلصين له الدين ولو كره المشركون. لا اله الا الله ربنا ورب ابائنا الاولين. لا اله الا الله وحده وحده وحده انجز وعده ونصر عبده واعز جنده وهزم الاحزاب وحده فله الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير. اللهم اهدني من عندك وافض علي من فضلك وانشر علي من رحمتك وانزل علي من بركاتك سبحانك لا اله الا انت اغفر لي ذنوبي كلها جميعا فانه لا يغفر الذنوب كلها جميعا الا انت. اللهم اني اسألك من كل خير احاط به علمك واعوذ بك من كل شر احاط به علمك اللهم اني اسألك عافيتك في اموري كلها واعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الاخرة واعوذ بوجهك الكريم وعزتك التي لا ترام وقدرتك التي لا يمتنع منها شيء من شر الدنيا وشر الاخرة ومن شر الاوجاع كلها ومن شر كل دابة انت آخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. توكلت على الحي الذي لا يموت والحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا..
الان نؤدي الصلوات باسم مولانا امير المؤمنين سلام الله عليه :
اللهم صل على محمد وال محمد رحمك الله يا ابا الحسن كنت اول القوم اسلاما واخلصهم ايمانا واشدهم يقينا واخوفهم لله عز وجل واعظمهم عناء واحوطهم على رسول الله وآمنهم على اصحابه وافضلهم مناقب واكرمهم سوابق وارفعهم درجة واقربهم من رسول الله (صلى الله عليه واله) واشبههم به هدياً وخلقاً وسمتاً وفعلاً واشرفهم منزلة واكرمهم عليه فجزاك الله عن الاسلام وعن رسول الله (صلى الله عليه واله) وعن المسلمين خيرا قويت حين ضعف اصحابه وبرزت حين استكانوا ونهضت حين وهنوا ولزمت منهاج رسول الله (صلى الله عليه واله) اذ هم اصحابه وكنت خليفة وحقا لم تنازع ولم تضرع برغم المنافقين وغيض الكافرين وكره الحاسدين وصغر الفاسقين فقمت بالأمر حين فشلوا ونطقت حين تتعتعوا ومضيت بنور الله اذ وقفوا فاتبعوك فهدوا وكنت اخفضهم صوتاً واعلاهم قنوتاً واقلهم كلاماً واصوبهم نطقاً واكبرهم رأياً واشجعهم قلباً واشدهم يقيناً واحسنهم عملاً واعرفهم بالأمور كنت والله يعسوباً للدين اولا وآخرا الاول حين تفرق الناس والاخر حين فشلوا كنت للمؤمنين اباً رحيماً اذ صاروا عليك عيالاً فحملت اثقال ما عنها ضعفوا وحفظت ما اضاعوا ورأيت ما اهملوا وشمرت اذ اجتمعوا وعلوت اذ هلعوا وصبرت اذا فزعوا وادركت اوتار ما طلبوا ونالوا بك ما لم يحتسبوا كنت للكافرين عذاباً صباً ونهباً وللمؤمنين عمداً وحصناً فطرت والله بنعمائها وفزت بحبائها واحرزت سوابقها وذهبت بفضائلها لم تغلل حجتك ولم يزغ قلبك ولم تضعف بصيرتك ولم تجبن نفسك ولم تخن كنت كالجبل لا تحركه العواصف وكنت كما قال (عليه السلام): (امن الناس في صحبتك وذات يدك) وكنت كما قال (عليه السلام) ضعف في بدنك قوياً في امر الله متواضعاً في نفسك عظيماً عند الله كبيراً في الارض جليلاً عند المؤمنين لم يكن لاحد فيك مهمز ولا لقائل فيك مغمز ولا لاحد فيك مطمع ولا لاحد عندك هوادة الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ له بحقه والقوي العزيز عندك ضعيف ذليل حتى تأخذ منه الحق والقريب والبعيد عندك في ذلك سواء شأنك الحق والصدق والرفق وقولك حكم وحتم وامرك حلم وحزم ورأيك علم وعزم فيما فعلت وقد نهج بك السبيل وسهل بك العسير وأطفئت بك النيران واعتدل بك الدين وقوي بك الاسلام والمؤمنون وسبقت سبقاً بعيداً واتعبت من بعدك بعداً تعباً
شديداً فجللت عن البكاء وعظمت رزيتك في السماء وهدت مصيبتك الانام فانا لله وانا اليه راجعون رضنا عن الله قضاءه وسلمنا لله امره فو الله لن يصاب المسلمون بمثلك ابدا كنت للمؤمنين كهفاً وحصناً وقنة راسية وعلى الكافرين غلظة وغيظا فألحقك الله بنبيه ولا حرمنا اجرك ولا اظلنا بعدك يا امير المؤمنين..
هذه المناسبة وان كانت مناسبة الحديث عن مولانا امير المؤمنين عليه افضل الصلاة والسلام الا انها في نفس الوقت مناسبة الحديث عن ليلة القدر غير ان مناسبات ذكر امير المؤمنين (عليه افضل الصلاة والسلام) تتكرر في كثير من ايام السنة بخلاف الحديث عن ليلة القدر فأنها خاصة بمثل هذا الموسم من كل عام كما تعلمون.
فأريد الان ان اتحدث عن ليلة القدر وذلك في عدة نقاط. :
النقطة الاولى : ان ليلة القدر واقعة خلال شهر رمضان المبارك ونفهم ذلك بعد ضم آيتين او ثلاث آيات الى بعضها البعض:
اولا : ما دل على ان القرآن انزل في ليلة القدر وهو قوله تعالى :{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} وقوله تعالى :{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ}
ثانيا : ما دل على ان القرآن انزل في شهر رمضان وهو قوله تعالى :{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}. اذن فقد انزل القرآن في شهر رمضان وهو ايضا قد انزل في ليلة القدر فاذا كان احدهما غير الاخر لم يكن ذلك ممكنا لتعذر ان ينزل مرتين لأنه من تحصيل الحاصل فيتعين ان تكون ليلة القدر من ضمن ليالي شهر رمضان. ومعه فما دل من الروايات او من الاحتمال لدى المتشرعة من كون ليلة القدر محتملة في كل ايام السنة او في بعضها خارج الشهر المبارك اي خارج شهر رمضان المبارك كالنصف من شهر شعبان مثلا او غيرها يكون مرفوضا لأنه مخالف لكتاب الله اعني مخالف لظاهر القرآن الكريم وظاهر القرآن حجة وقد ورد عنهم (عليهم السلام) ما مضمونه : (ما خالف قول ربنا زخرف باطل اضرب به عرض الجدار)
النقطة الثانية : اننا نعرف بعد ضم الآيتين السابقتين ما هو المهم والمنصوص من صفات ليلة القدر وهما قوله تعالى :{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} وقوله تعالى :{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6)}
فبعد ان نعرف من سورة القدر ان القرآن الكريم انزل في ليلة القدر نعرف من الآية الاخرى انها هي الليلة المباركة حيث يقول :{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} وان كل تلك الاوصاف الاخرى والمزايا انما هي اوصاف ومزايا لليلة القدر نفسها ومجمل تلك الاوصاف المذكورة في كلا السياقين باختصار طبعا كما يلي :
اولا : انها ليلة القدر والقدر هنا اما بمعنى الشأن العظيم واما من القضاء والقدر كما قال تعالى :{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5)} ثانيا : انها ليلة مباركة والبركة في اللغة هي الزيادة والمراد بها هنا العطاء الالهي والرحمة كما قال تعالى : ((ولدينا مزيد)).
ثالثا : انها خير من الف شهر وقد فسر في بعض الروايات بان المراد من (الف شهر) ليس فيها ليلة القدر. وفسر الف شهر ايضا مدة ملك بني امية تقريبا وكلاهما امر معقول. وقد يمكن بشيء من التفكير ارجاع المعنيين الى معنى واحد كما فصلنا القول فيه في منة المنان الجزء الاول مطبوع.
رابعا : انها تنزل الملائكة والروح خلالها ونزولها يكون بأحد امرين او كلا الامرين وهما الرحمات الالهية والاوامر الالهية التي تطبق في تلك السنة حسب القضاء والقدر او ان نزولهم يكون بنفسه رحمة وتأييدا واحتراما للمؤمنين الداعيين المتعبدين في تلك الليلة والمستغفرين بالأسحار.
خامسا : انها من كل امر سلام. والسلام ضد الحرب يعني ان الصفة العامة عليها هو كونها رحمة وليس غضبا ولطفا وليست انتقاما وذلك شامل لكل الامور والاشياء حتى الذنوب فان ليلة القدر تكون سببا للعفو والغفران.
سادسا : ان هذه الرحمة وهذا السلام ونزول الملائكة والروح يستمر طول الليل حتى مطلع الفجر فان الفجر هو نهاية الليل الشرعي كما نعلم وبالفجر يبدأ النهار الشرعي نهار الصوم طبعا والآية لا تنص على اول الليل لأنه واضح عرفا يقول: ((حتى مطلع الفجر)) من اولها شوكت ما اكول والآية لا تنص على اول الليل لأنه واضح عرفا وهو غروب الشمس. غير ان مزايا ليلة القدر تنقطع عند الفجر لا عند طلوع الشمس.
سابعا : انها يفرق فيها كل امر حكيم. والفرق هنا (يفرق فيها)يعني شنو والفرق هنا اما من التفريق والتوزيع للأوامر بين البشر وبين الخلق اجمعين فيعطى كل واحد منهم ما يناسبه وما يطابق مقتضى الحكمة في حاله. او ان الفرق هنا من البت والحتم الموجود في القضاء والقدر الالهيين لان هذا الحكم يوجب الفرق وهو الدهشة والعجب والخوف فعبر عن السبب بلفظ المسبب.
ثامنا : ان كل هذا يحدث بأمر الله وحسن تدبيره كما قال تعال :{أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا } اي منا وبعلمنا حسب ظاهر الآية عرفا.
تاسعا : انها ليلة ارسال الرحمة الى العالمين كما قال تعالى :{ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ } اذا فهمنا أن قوله ((رحمة)) مفعول به لمرسلين وهذا الرحمة هنا نكرة لإفادة عموم الجنس ولا يحتمل ان يراد بها القلة طبعا. واما اذا كانت رحمة هنا منصوب على الحالية فيكون المعنى ان الارسال لشيء آخر وان سبب الارسال والغاية منه هو الرحمة ولا يحتمل ان يراد بالأرسال هنا ارسال الانبياء والرسل (سلام الله عليهم) لوضوح ان ارسالهم لا يكون خلال ليلة القدر فقط بل خلال الاشهر والسنين والقرون المتطاولة وانما المراد امور اخرى كأرسال الملائكة والروح او ارسال العطاء والثواب او ارسال الاوامر بالقضاء والقدر.
عاشرا : انها الليلة التي انزل فيها القرآن كما سنشير في النقطة التالية.
النقطة الثالثة : ان انزال القرآن في ليلة القدر لا يراد به انزاله تدريجيا على النبي (صلى الله عليه واله) لوضوح ان هذا الانزال التدريجي كان خلال ثلاثة وعشرون سنة من حياته (صلى الله عليه واله) وفي مختلف الاماكن والشهور كما لا يراد به البدء بنزول القرآن لأنه من الواضح لدى المتشرعة والمنصوص في عدد من الروايات كون بدء النزول هو بدء الرسالة في غار حراء وذلك في يوم السابع والعشرين من شهر رجب وليس في شهر رمضان ولا في ليلة القدر ولا يمكن القول ان ليلة السابع والعشرين من رجب هي ليلة القدر ليكون القرآن بادئا فيها وذلك بعد دلالة الآيات الاخرى بانحصار ليلة القدر في شهر رمضان المبارك ولا يحتمل كونها خارجة عنها فاذا التفتنا الى ان ظهور الآيات الكريمة كلها بالنزول لكل القرآن الكريم كأنه نزل دفعة واحدة كما قال تعالى :{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} يعني كله، هكذا ظاهره. وقال : ((انا انزلناه في ليلة القدر)) وقال : ((انا انزلناه في ليلة مباركة))
اذن يتعين ان يكون هذا النزول الجمعي او الدفعي للقرآن الكريم هو غير ذلك الذي نعرفه من النزول التدريجي اللفظي او الظاهري على رسول الله (صلى الله عليه واله) خلال السنين بل هو نزول روحي سابق عليه فيدل على ان القرآن نزل دفعة وجملة واحدة على قلب رسول الله (صلى الله عليه واله) قبل نزوله التدريجي يعني قبل البدء بنزوله اصلا كما قال تعالى :{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)} والظاهر عود الضمير الى القرآن كله كما في الآيات السابقة ومن هنا يمكن ان نستنتج بوضوح انه حين بدء الوحي بالقرآن الكريم & عالما بمعانيه كان النبي (صلى الله عليه واله) عالما بمعانيه وتفاصيله ومدركا لمراميه ووجوه الحكمة فيه لا نه موجود في قلبه ووعيه في ذلك الحين ومن هنا لا يمكن ان يكون رد الفعل تجاه الوحي ساعتئذ هو الخوف والانفعال والجهل بالحال كما هو ظاهر الرواية المشهورة المروية في صحيح البخاري والتي سبق ان ناقشناها في بعض الجمعات السابقة.
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)}
صدق الله العلي العظيم
الجمعة التاسعة والثلاثون 20 رمضان 1419
الخطبة الثانية
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
يا من غفر لآدم خطيئته ورفع ادريس مكانا عليا برحمته يا من نجى نوحا من الغرق. يا من اهلك عادا الاولى وثمود فما ابقى وقوم نوح من قبل انهم كانوا هم اظلم واطغى والمؤتفكة اهوى. يا من دمر على قوم لوط ودمدم على قوم شعيب. يا من اتخذ ابراهيم خليلا يا من اتخذ موسى كليما واتخذ محمد (صلى الله عليه واله وعليهم اجمعين) حبيبا. يا مؤتي لقمان الحكمة والواهب لسليمان ملكا لا ينبغي لاحد من بعده. يا من نصر ذا القرنين على الملوك و
الجبابرة. يا من اعطى الخضر الحياة ورد ليوشع ابن النون الشمس بعد غروبها. يا من ربط على قلب ام موسى واحصن فرج مريم بنت عمران. يا من حصن يحيى بن زكريا من الذنب وسكن عن موسى الغضب. يا من بشر زكريا بيحيى. يا من فدى اسماعيل من الذبح بذبح عظيم. يا من قبل قربان هابيل وجعل اللعنة على قابيل. يا هازم الاحزاب لمحمد (صلى الله عليه واله) صل على محمد وال محمد وعلى جميع المرسلين وملائكتك المقربين واهل طاعتك اجمعين واسألك بكل مسألة سألك بها احد ممن رضيت عنه فحتمت له على الاجابة. يا الله يا الله يا الله يا رحمن يا رحمن يا رحمن يا رحيم يا رحيم يا رحيم يا ذا الجلال والاكرام يا ذا الجلال والاكرام يا ذا الجلال والاكرام نسألك بكل اسم سميت به نفسك او انزلته في شيء من كتبك او استأثرت به في علم الغيب عندك ومعاقد العز من عرشك وبمنتهى الرحمة من كتابك وبما ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله ان الله عزيز حكيم. واسألك بأسمائك الحسنى التي نعتها في كتابك وقلت : ((ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها)) وقلت : ((ادعوني استجب لكم)) وقلت : ((واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداعي اذا دعاني)) وقلت : ((يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم)). وانا اسألك يا الهي وادعوك يا ربي وارجوك يا سيدي واطمع في اجابتي يا مولاي كما وعدتني وقد دعوتك كما امرتني فافعل بي ما انت اهله ولا تفعل بي ما انا اهله انك اهل التقوى واهل المغفرة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
((ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير * ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه عذاب الحريق * ذلك بما قدمت يداك وان الله ليس بظلام للعبيد * ومن الناس من يعبد الله على حرف فان اصابه خير اطمأن به وان اصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والاخرة ذلك هو الخسران المبين * يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد * يدعو لمن ضره اقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير * ان الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الانهار ان الله يفعل ما يريد))
نكمل ما بدأناه في الخطبة الاولى ..
النقطة الرابعة : ان ليلة القدر لدى المتشرعة مرددة في ليالي شهر رمضان المبارك بين ثلاث لياليي ليلة التاسع عشر والحادية والعشرين والثالثة والعشرين من شهر رمضان وليس في ظهور القرآن الكريم ما يعين هذه الجهة وانما يشار فيه فقط الى كونها في شهر رمضان دون تعيين اي ليلة من لياليه.
نعم الظن الراجح بالاطمئنان العرفي منعقد وموجود على عدم تعديه لهذه الليالي الثلاث. يعني انه بالتأكيد ليس ليلة اخرى خارجها بل هو منحصر في بعض هذه الثلاثة. ويمكن استفادة ذلك من السنة الشريفة كما سنذكر. كما لا يحتمل كما هو واضح تعدد ليلة القدر وان هذه الليالي الثلاث كلها ليلة قدر لليقين بان ليلة القدر ليلة واحدة في السنة لا تزيد اطلاقا وانما فضل هذه الليالي الثلاث اما بعنوانها الذاتي يعني بغض النظر عن كونها ليلة قدر او باعتبار كونها طرف الاحتمال لكونها ليلة القدر لا ان تكون كلها كذلك.
النقطة الخامسة : اننا يمكن في هذا الصدد ان نخطو خطوة اخرى ونقول بانحصار احتمال ليلة القدر بين ليلتين الحادية والعشرين والثالثة والعشرين بمعنى اننا نستطيع ان نؤكد على ضعف او سقوط احتمال ان تكون ليلة القدر هي في التاسع عشر من شهر رمضان المبارك فانه احتمال ضعيف وليس عليه حجة معتبرة فينحصر الاحتمال بالاطمئنان العرفي والمتشرعي بالليلتين الأخيرتين اعني الحادية والعشرين والثالثة والعشرين وهذا هو المقصود مما ورد من قولهم (عليهم السلام) : (ما ايسر ليلتين فيما تطلب) او يقول بحسب الرواية : (ما عليك ان تفعل خيرا في ليلتين فان مثل هذه الاخبار دالة بوضوح على تردد ليلة القدر بين ليلتين وليس بين ثلاث ليالي كما عليه سيرة المتشرعة في ايامنا هذه ومن مدة غير معروفة الامر الذي ينتج اسقاط الليلة التاسعة عشر عن الاعتبار من هذه الجهة وخاصة بعد الالتفات الى ان الليلتين اللتين يقصدهما الامام (عليه السلام) منحصر ايضا بالاطمئنان العرفي و المتشرعي في الحادية والعشرين والثالثة والعشرين ولا يحتمل الشمول لغيرهما بأية حال ولو كان الاحتمال متحققاً في ثلاث ليال او اكثر لذكره الامام (عليه السلام) في حين انه لم يذكر اكثر من ليلتين.
النقطة السادسة : في محاولة تعيين ليلة القدر من هاتين الليلتين نفسيهما اعني الحادية والعشرين والثالثة والعشرين من شهر رمضان المبارك وهذا كأنه يعتبر من الاسرار الالهية في نظر الائمة (عليهم السلام) ولم يصرحوا به لاحد وانما اقصى ما فعلوه انهم حصروا الاحتمال بين ليلتين ولم يعينوا واحدة منهما اطلاقا والمصلحة التي ندركها من ذلك امران على الاقل:
الامر الاول : زيادة العمل والعبادة والخضوع لله سبحانه فان الفرد اذا علم ليلة القدر بالتعيين عمل ذلك في ليلة واحدة واما اذا كانت مرددة في نظره بين ليلتين عمل ذلك برجاء المطلوبية في ليلتين فيكون عمله وتوجهاته لله سبحانه اكثر فيكون قد ربح اكثر مما خسر مع كونه قد احرز التوجه لله سبحانه خلال ليلة القدر الواقعية في علم الله سبحانه وهذا هو المراد من قوله (ما عليك ان تفعل خيرا في ليلتين) حتى تجتمع عبادة الليلتين وليس عبادة ليلة واحدة.
الامر الثاني : اعطاء فرصة لمن لا يستحق العطاء او قل لمن يستحق الحرمان والخسران ان يخسر هذا الجانب المهم في الاسلام كمن يستثقل العمل في ليلتين فيترك العمل فيهما او في احدهما او كمن يحمله الشك والتردد بين الليلتين على ضعف العمل وقلة الهمة في التوجه والخشوع لله عز وجل الامر الذي يسبب عدم الوصول الى نفس النتيجة المطلوبة التي تحصل بالتركيز في ليلة واحدة.
الامر الذي ينتج بوضوح ان اغلب البشر او قل ان اغلب المتشرعة غير مستحقين للحصول على الثواب الحاصل من التركيز في ليلة واحدة معلومة اذ لو كانوا مستحقين لذلك لما اخفاه الله تعالى برحمته الواسعة فإخفاؤه يدل على عدم الاستحقاق لا محالة وعلى اي حال فما دام التعيين بين هاتين الليلتين من الاسرار الالهية فانه سيكون من المتعذر بطبيعة الحال الوصول الى التعيين الا بتسديد خاص من الله سبحانه وتعالى لا يناله الا الاقلون عدداً المرتفعون عند الله شأنا فان كان الفرد لا يستطيع تعيين ليلة القدر فاعلم انه ليس من اولئك المرتفعين عند الله شأنا لا محالة والمهم اننا بالتأكيد لا نستطيع ان نقيم دليلا شرعيا معتبرا على التعيين وان كنا نستطيع ان نقول ان الاقوى في اذهان المتشرعة هو تعيين الليلة الثالثة والعشرين ولذا يشعرون بأهميتها ويسمونها القدر الكبير.
النقطة السابعة : كان بعض اهل المعرفة يميل بحسب تعبيري الى ان يكون معنى ليلة القدر معنى كليا قابلا للصدق على كثيرين بمعنى ان اية ليلة او اي وقت انتج نتيجة ليلة القدر الاصلية فهي ليلة قدر ايضا اما حقيقة واما مجازا والمقصود انتاجها النتيجة بخصوص فرد معين وليس في الكون كله لان ذلك منحصر بليلة واحدة في السنة لا محالة وليس كليا قابلا للصدق على كثيرين.
النقطة الثامنة : اننا نقول في كل الطاعات على الاطلاق وفي كل طاعات شهر رمضان خاصة وفي اعمال ليلة القدر على وجه الخصوص ايضا. ان ظاهر الفهم المتشرعي ان المطلوب هو العمل كالصلاة والصوم والدعاء وقراءة القرآن ونحو ذلك وهذا مطلوب اكيدا اما وجوبا او استحبابا الا ان هناك جانب اهم من كل ذلك وهو الاخلاص في النية لله سبحانه وتعالى فالعمل ان صدر من نية مخلصة كان هو المطلوب حقيقة امام الله سبحانه واما اذا صدر بنية فاسدة او مترددة او غير ذلك كان دون ذلك المستوى لا محالة وكان مجزيا الا انه لا ينال مرتبة القبول والثواب الجزيل ومن هنا ورد : (نية المؤمن خير من عمله ونية الكافر شر من عمله) فالعمل الاساسي حقيقة هم العمل النفسي وهو النية والاعمال الظاهرية كلها انما تخرج وتنفتح وتنتج من الارادة والنية بطبيعة الحال وهذا ينتج امورا كثيرة فوق حد الاحصاء منها استجابة الدعاء فأنها أي الاستجابة لا تكون الا مع اخلاص النية واما الدعاء بنية فاسدة او مترددة فليس بدعاء لكي يكون محلا للوعد بالإجابة وان حسبناه دعاءان حقيقة ووهما وكذلك سائر العبادات كالصلاة والصوم فأنها لا تقبل الا بالنية المخلصة واما بدونها فهي مجزية ولكنها لا تكون مقبولة.
بل ان سوء النية قد يصل الى درجة تسقط بها العبادات عن مرتبة الاجزاء ايضا فلا تكون مجزية فضلا عن كونها مقبولة وهذا من موارد الصدق فيما ورد ما سامعين : (رب صائم ليس له من صومه الا الجوع والعطش ورب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه) ومحل الشاهد ان اعمال ليلة القدر ايضا مندرجة في هذه القاعدة العامة فأنها لا تكون مقبولة ولا مؤثرة ولا منتجة الا اذا كانت بنية مخلصة امام الله سبحانه وتعالى فاذا عمل فيها الفرد عملا قليلا وكثيرا ولم يجد اي نتيجة كاللذة المعنوية او استجابة الدعاء فلا يلومن الا نفسه. واخلاص النية او سوء النية مما يعلمه الله سبحانه بطبيعة الحال وهذا اكيد. المهم هو الجانب الثاني الا انه ايضا مما يعلمه الفرد نفسه كما قال تعالى : {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} فان النفس مما يمكن الاطلاع عليها بالعلم الحضوري المباشر بالنسبة الى صاحبها فان يكن فيها اي مقدار من السوء عرفه صاحبه وامكنه تتداركه فان طريق التكامل والخير مفتوح على كل المستويات واما اذا لم يتداركه ولم يكن في صدد ازالته كان من الخاسرين الذين خسروا انفسهم وفي العذاب هم خالدون.
بسم الله الرحمن الرحيم
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)}
صدق الله العلي العظيم

خطب الجمعة للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس الله سره الشريف Where stories live. Discover now