الجمعة الثانية و العشرون لشهيدنا المقدس

18 1 0
                                    

الجمعة الثانية والعشرون 19 جمادي الاولى 1419

الخطبة الاولى

اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم
توكلت على الله رب العالمين
وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين.

بسم الله الرحمن الرحيم

إِلهِي أَتُراكَ بَعْدَ الاِيمانِ بِكَ تُعَذِّبُنِي أَمْ بَعْدَ حُبِّي إِيَّاكَ تُبْعِّدُنِي أَمْ مَعَ رَجائِي لِرَحْمَتِكَ وَصَفْحِكَ تَحْرِمُنِي أَمْ مَعَ اسْتِجارَتِي بِعَفْوِكَ تُسْلِمُنِي ؟ حاشا لِوَجْهِكَ الكَرِيم أَنْ تُخَيِّبَنِي ! لَيْتَ شِعْرِي أللْشَقاءِ وَلَدَتْنِي أُمِّي أَمْ لِلْعَناءِ رَبَّتْنِي ؟ فَلَيْتَها لَمْ تَلِدْنِي وَلَمْ تُرَبِّنِي وَلَيْتَنِي عَلِمْتُ أَمِنْ أَهْلِ السَّعادَةِ جَعَلْتَنِي وَبِقُرْبِكَ وَجِوارِكَ خَصَصْتَنِي، فَتَقَرَّ بِذلِكَ عَيْنِي وَتَطْمَئِنَّ لَهُ نَفْسِي. إِلهِي هَلْ تُسَوِّدُ وَجُوها خَرَّتْ ساجِدَةً لِعَظَمَتِكَ، أَوْ تُخْرِسُ أَلْسِنَةً نَطَقَتْ بِالثَّناءِ عَلى مَجْدِكَ وَجَلالَتِكَ، أَوْ تَطْبَعُ عَلى قُلُوبٍ انْطَوَتْ عَلى مَحَبَّتِكَ، أَوْ تُصِمُّ أَسْماعاً تَلَذَّذَتْ بِسَماعِ ذِكْرِكَ فِي إِرادَتِكَ، أَوْ تَغُلُّ أَكُفّاً رَفَعَتْها الآمالُ إِلَيْكَ رَجاءَ رَأْفَتِكَ، أَوْ تُعاقِبُ أَبْداناً عَمِلَتْ بِطاعَتِكَ حَتَّى نَحِلَتْ فِي مُجاهَدَتِكَ أَوْ تُعَذِّبُ أَرْجُلاً سَعَتْ فِي عِبادَتِكَ ؟ إِلهِي لا تَغْلِقْ عَلى مُوَحِّدِيكَ أَبْوابَ رَحْمَتِكَ، وَلا تَحْجُبْ مُشْتاقِيكَ عَنِ النَّظَرِ إِلى جَمِيلِ رُؤْيَتِكَ، إِلهِي نَفْسٌ أَعْزَزْتَها بِتَوْحِيدِكَ كَيْفَ تُذِلُّها بِمَهانَةِ هِجْرانِكَ، وَضَمِيرٌ انْعَقَدَ عَلى مَوَدَّتِكَ كَيْفَ تُحْرِقُهُ بِحَرارَةِ نِيرانِكَ ؟ إِلهِي أَجِرْنِي مِنْ أَلِيمِ غَضَبِكَ وَعَظِيمِ سَخَطِكَ، ياحَنَّانُ يامَنَّانُ يارَحِيمُ يارَحْمنُ ياجَبَّارُ ياقَهَّارُ ياغَفَّارُ ياسَتَّارُ نَجِّنِي بِرَحْمَتِكَ مِنْ عَذابِ النَّارِ وَفَضِيحَةَ العارِ إذا امْتازَ الأخْيارُ مِنَ الأَشْرارِ وَحالَتْ الأَحْوالِ وَهالَتِ الأَهْوالِ وَقَرُبَ المُحْسِنونَ وَبَعُدَ المُسِيئُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ماكَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ.
اللهم صل على محمد المصطفى، وعلي المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن المجتبى والحسين الشهيد بكربلاء، وصل على التسعة المعصومين من اولاد الحسين السجاد والباقر والصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكري والحجة المهدي ائمتي وسادتي وقادتي بهم اتولى ومن اعدائهم اتبرا الى يوم القيامة.
اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
طبعا ً قبل يومين سبقت ذكرى وفاة الزهراء (سلام الله عليها)، فمن المناسب ان يكون في اكثر من جمعة التعرض للصديقة العظيمة (سلام الله عليها). فنستمر الان في ذكر بعض ما يمكن التوصل إليه بعقلنا القاصر وفكرنا الفاتر من مزايا الزهراء ( سلام الله عليها). إلى حد ما انا جمعت لكم عدد من الروايات التي تنطق بمزاياها(سلام الله عليها):
عن اسماء بنت عميس، قالت: قال لي رسول الله (صلى الله عليه واله)، وقد كنت شهدت فاطمة (عليها السلام) وقد ولدت بعض اولادها فلم ار لها دما فقال: (ان فاطمة خلقت حورية في صورة انسية).
وروي عن ابي عبد الله الصادق (سلام الله عليه)، انه قال: (لفاطمة تسعة اسماء عند الله عز وجل، فاطمة والصديقة والمباركة والطاهرة والزكية والرضية والمرضية والمحدثة والزهراء. قال، وسميت فاطمة لانها فُطِمتْ من الشر ولولا علي (عليه السلام) لما كان لها كفؤ بالارض).
وعن ابي جعفر الباقر (عليه السلام)، قال: لما ولدت فاطمة (عليها السلام) اوحى الله تبارك وتعالى إلى مَلك فانطق به لسان محمد (صلى الله عليه واله) فسماها فاطمة ثم قال اني فطمتك بالعلم وفطمتك من الطمث. ثم قال ابو جعفر: والله لقد فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث في الميثاق.
اقول: يعني في العالم المذكور في الآية الكريمة وهي قوله تعالى: ((وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ)). ومن الملاحظ – لاحظوا ربما انتم توافقوني على هذا الشيء - ان اسماء اصحاب الكساء (سلام الله عليهم) لم تكن موجودة قبلهم، وبتعبير اخر قبل الاسلام – شني هي ؟ - بما فيها (محمد واحمد وعلي وحيدر وفاطمة والزهراء والحسن والحسين) ، ما كان واحد مسمى بهذه الاسماء طبعا. ومن العجيب انها كانت مذكورة في الكتب السماوية السابقة الا انه (سبحان الله كانما كرامة اهل البيت (سلام الله عليهم) )لم يسم بها احد، لان الغالب من ذكرها انها باللغات السريانية والعبرية وليست باللغة العربية مثل (ايليا) يعني علي و(شُبر او شَبَر) يعني الحسن و(شُبير او شَبير) يعني الحسين.
وفي رواية اخرى عن ابي هريرة قال: انما سميت فاطمة لان الله عز وجل فطم من احبها من النار. ترون طبعا ان هذه اسناد من الجماعة مع ذلك رووا في فضل اهل البيت اخبارا كثيرة.
وعن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله): يا فاطمة اتدرين لم سميت فاطمة ؟ قال علي: يا رسول الله لم سميت ؟. قال: لانها فطمت هي وشيعتها من النار.
وعن ابي جعفر (عليه السلام)، قال: لفاطمة (عليها السلام) وقفة على باب جهنم فان كان يوم القيامة كُتب بين عيني كل رجل مؤمن أو كافر. فيؤمر بمحب قد كثرت ذنوبه إلى النار، فتقرأ فاطمة بين عينيه محبها (لانه مكتوب عليه)، فتقول:
الهي وسيدي سميتني فاطمة وفطمت بي من تولاني وتولى ذريتي من النار ووعدك الحق وانت لاتخلف الميعاد. فيقول الله عز وجل صدقت يا فاطمة اني سميتك فاطمة وفطمت بك من احبك وتولاك واحب ذريتك ومن تولاهم من النار ووعدي الحق وانا لا اخلف الميعاد. وانما – لاحظوا - امرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه فاشفعك فيتبين لملائكتي وانبيائي ورسلي واهل الموقف – يعني الواقفين في عرصة يوم القيامة - موقعك مني ومكانك عندي، فمن قرأتِ بين عينيه مؤمنا أو محبا فخذي بيده وأدخليه الجنة.
وعن علي (عليه السلام): ان النبي (صلى الله عليه واله)، سُئل ما البتول ؟ (وهي من اسماء الزهراء ) فانا سمعناك يا رسول الله تقول ان مريم بتول وفاطمة بتول فقال : اي رسول الله (صلى الله عليه واله): البتول هي التي لم تر حمرة قط.
والبتول من الصفات التي تسند للانثى بدون علامة التأنيث، لا تقول بتولة طبعا، لوضوح اختصاصه بالمرأة وعدم الاشتباه بالشمول الى الرجل كالحائض والطامث والحامل والمقرب.
وروي في تسميتها الزهراء (عليها السلام)، عن ابي جعفر (عليه السلام): انه سُئل لم سميت الزهراء ؟ قال: لان الله تعالى خلقها من نور عظمته فلما اشرقت اضاءت السماوات والارض بنورها وغشيت ابصار الملائكة وخرت الملائكة لله ساجدين وقالوا الهنا وسيدنا ما هذا النور؟ فأوحى الله اليهم هذا نور من نوري اسكنته في سمائي وخلقته من عظمتي اخرجه من صلب نبي من انبيائي افضله على جميع الانبياء وأُخرج من ذلك النور ائمة يقومون بامري ويهدون إلى حقي واجعلهم خلفائى في ارضي بعد انقضاء وحيي (أي بعد وفاة النبي (صلى الله عليه واله)).
وروي مرفوعا إلى علي (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله) لفاطمة (عليها السلام): يا بُنيّه ان الله اشرف على الدنيا فاختارني على رجال العالمين، ثم اطّلع ثانية فاختار زوجك على رجال العالمين، ثم اطّلع ثالثة فاختارك على نساء العالمين، ثم اطّلع رابعة فاختار ابنيك على شباب العالمين.
اقول: وهو يقول في الرواية هذه : (اشرف على الدنيا فاختارني على رجال العالمين) ولم يقل على رجال الدنيا وانما على رجال العالمين وكذلك على نساء العالمين وكذلك على شباب العالمين، ولم يقل على رجال الدنيا أو نساء الدنيا أو شباب الدنيا - معناه ان المسألة اعم من ذلك واشمل بكثير، كما هو واضح مع شيء من التفكير- فيدل الحديث على ان النبي (صلى الله عليه واله) خير الخلق على الاطلاق. وعلي (عليه السلام) خير الخلق بعد الرسول. وفاطمة خير الخلق بعدهما بما فيها ولديها الحسن والحسين. والحسن والحسين خير الخلق بعدهم بما فيهم الائمة التسعة من اولاد الحسين (عليهم السلام اجمعين).
وعن ابن عباس قال: سألت النبي (صلى الله عليه واله) عن الكلمات التي تلقى ادم من ربه فتاب عليه، قال: سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت عليّ فتاب عليه. وفي بعض الروايات: ان ادم (عليه السلام) اُهبط من الجنة، فظل يبكي اربعين سنة حتى صارت من دمعه نهران. وحين رحمه الله تعالى وغفر له نزل عليه جبرائيل (عليه السلام) وعلمه بالاسماء التي يحلف بها لكي يغفر الله له عز وجل وهي اسماء اهل الكساء وقد ذكّره في ذلك الحين بانه رآهم انوارا حول العرش عندما نفخت فيه الروح في اول امره.
وروي عن جعفر بن محمد عليهما السلام، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله): ان الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها. وبهذا الاسناد قال: فقال له: يا بن رسول الله انك قلت: ان الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها. قال (يعني الامام الصادق عليه السلام): فماذا تنكرون من هذا ؟ فوالله ان الله ليغضب لغضب عبده المؤمن ويرضى لرضاه.
وروي عن عائشة ذكرت فاطمة عليها السلام، فقالت: ما رأيت احدا اصدق منها إلا اباها. وعن أم سلمة أم المؤمنين (رضي الله عنها)، قالت: كانت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه واله) اشبه وجها وشبهاً برسول الله (صلى الله عليه واله).
وروي عن الاصبغ بن نباتة، قال: سمعت امير المؤمنين (عليه السلام) يقول: والله لأتكلمن بكلام لا يتكلم به غيري إلا كذاب. ورثت نبي الرحمة، وزوجتي خير نساء إلامة، وانا خير الوصيين. ومن الواضح – هذا تعليقي طبعا ، ايضاح - انه كلام لايستطيع ان يقوله غيره إلا كذاب ومقصوده من الميراث (ورثت نبي الرحمة) هو ليس وارث مالي بالمعنى الحقيقي ، لا ، ومقصوده من الميراث، ميراث العلم. ومن المعلوم ان ميراث علم رسول الله (صلى الله عليه واله) لا يمكن لاحد ان يحمله أو يطيق مسؤوليته إلا شخص مثله ويكون كنفسه وهو امير المؤمنين (عليه السلام) . والزهراء خير نساء الامة يعني خير حتى من زوجات النبي وبناته الاخريات. وهو خير الوصيين يعني من جميع الاوصياء قبل الاسلام وبعد الاسلام يعني المعصومين من ذريته.
وينسب إليها رثاء ابيها بعد وفاته قائلة:
ماذا على من شم تربة احمد .... إلا يشم مدى الزمان غواليـا
صبـت عليَّ مصائب لو انها .... صبت على الايام صرن لياليـا
قد كنت ذات حمىً بظل محمد .... لا اتقي دهري وكان حمىً ليـا
فالان اخضع للئيـم واتـقي ......... غيري وادفـع ظالمي بردائيـا
فاذا بكت قمريـة في ليلهـا شجنا .... على غصن بكيت صباحيا
فلاجعلن الحزن بعدك مؤنسي .... ولاجعلـن الدمع فيك وشاحيـا
واما المصائب فقد وردت في كلامها بصيغة الجمع
صبـت علي مصائب لو انها صبت على الايام صرن ليليـا
زين اذا كانت تقصد وفاة ابيها فهي مصيبة واحدة وليست متعددة فما هي تلك المصائب ؟ الانسان يفكر ويعرف طبعا . ولو ارادت وفاة النبي ( صلى الله عليه واله ) فقط لكانت مصيبة واحدة. ولكنها اشارت إلى الانحراف والخلاف الذي حصل بعده (صلى الله عليه واله) كما تقول حسب المنسوب إليها في ابيات اخرى:
قد كان بعـدك انباء وهنبثة لو كنت شاهدهـا لم تكثر الخطب
انا فقدناك فقد الأرض وابلها واختل قولك لما غبـت وانقـلبوا
ابدت رجال لنا فحوى صدورهم لما قضيت وحالت دونك الترب
وروى جابر بن عبد الله الانصاري، قال: دخلت فاطمة (عليها السلام) على رسول الله (صلى الله عليه واله) وهو في سكرات الموت، فانكبت عليه تبكي ففتح عينه وافاق ثم قال (صلى الله عليه واله): يا بنية انت المظلومة بعدي وانت المستضعفة بعدي، فمن آذاك فقد آذاني ومن غاضك فقد غاضني ومن سرك فقد سرني ومن برّك فقد برّني ومن جفاك فقد جفاني ومن وصلك فقد وصلني ومن قطعك فقد قطعني ومن انصفك فقد انصفني ومن ظلمك فقد ظلمني، لانك مني وانا منك وانت بضعة مني وروحي التي بين جنبي. ثم قال (صلى الله عليه واله): إلى الله اشكو ظالميك من امتي.
وعن المسند عن عائشة، قالت: اقبلت فاطمة (عليها السلام) تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله (صلى الله عليه واله) فقال رسول الله (صلى الله عليه واله): مرحبا يا بنتي. ثم اجلسها عن يمينه أو عن شماله. ثم انه اسر اليها حديثا فبكت. فقالت: استخصك رسول الله (صلى الله عليه واله) بحديثه ثم تبكين. ثم انه اسر إليها حديثا فضحكت فقالت: ما رايتك اليوم فرحا اقرب من حزن. فسألتها عما قال فقالت: ما كنت لافشي سر رسول الله (صلى الله عليه واله)، حتى قبض رسول الله (صلى الله عليه واله). فسألتها فقالت: اسر الي فقال ان جبرائيل كان يعارضني بالقرآن في كل عام مرة، وانه عارضني به العام (يعني هذا العام) مرتين، ولا اراه إلا وقد دنى اجلي وانكِ اول اهل بيتي لحاقا بي ونعم السلف انا لك. فبكيت لذلك فقال: إلا ترضين ان تكوني سيدة نساء هذه الامة أو نساء المؤمنين. قالت فضحكت لذلك.
ومنه عن عائشة، قالت: لما مرض رسول الله (صلى الله عليه واله) دعا ابنته فاطمة فسارها فبكت، ثم سارها فضحكت. فسألتها عن ذلك فقالت: اما حيث بكيت فانه اخبرني انه ميت فبكيت، ثم اخبرني اني اول اهل بيته لحوقا به فضحكت.

خطب الجمعة للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس الله سره الشريف Where stories live. Discover now