السادس والعشرون

4.3K 190 6
                                    

السادس والعشرون
—————

تنظر للفراغ مع تطاير خصلاتها القصير حول وجهها صدرت منها إلتفاته مرعبة تراقب شجارهما ..يجب عليها الفرار ..الخلاص ......لن يتكرر حبسها مرة أخرى.... لن يتكرر تعذيبها مرة اخري ...لن يتكرر !!!...سمعت صوت نداء من الفراغ  خلفها... صوتٌ تحفظه عن ظهر قلب ..صوت اشتاقت له:
-ديدا!!!!........
...صدرت منها إلتفاته  سريعة لحاجز الشرفة لتجحظ عينيها بسعادة جلية لم تتخيل يوما انها ستراه مرة اخرى يتجسد بشخصه امامها بابتسامته الجذابة ..يدعوها للاقتراب همست باشتياق وعيون مبتلة :
-"بابي!!!!!!!"...........
......................
في نفس اللحظة
وقف يشد خصلات شعره بغضب من كلمات امه الجارحة واتهاماتها التي لم تكف عن إلقائها مع محاولاته استخدام أسلوب ضبط النفس فهو يعلم ان الامر ليس بهين عليها ولكن يكفيها ما سيكابده مع عائلته وعائلة الشاذلية ليتم صلح الدية بدون اراقة  أي دماء
فيقول بصوت حاد :
-بلاش الكلام الجارح ده ...انت ما تعرفيش ناصر كان مهبب ايه قبل ما يموت ..وبعدين  موضوع إجهاضها ده هبقى أفهمك بعدين عشان  ت.........
وقفت باقي الحروف  بحنجرته رافضة الخروج مصدومًا من هول المشهد  امامه ..عندما صدرت منه إلتفاته خلفها ...لتتسارع  ضربات قلبه بقسوة مؤلمة .يهمس باسمها بلوعة :
-شيراز!!!!!.
ليأمر قدماه بالجري سريعا متفاديا أمه  الذاهلة من وضعه ...خوفًا مما هو أتٍ......
...............
وقفت تضبط وضعية غطاء رأسها بتوتر تحاول الهروب من طلب  ابن خالتها الغريب ..منذ ان وقعت عينيها عليه لاحظت شحوبه وحزنه الجلى ليألمها هيئته التي اصبح عليها بعد ان كان زهرة الشباب ويضرب به الأمثال باي مكان ..يحط به ...لتجده يكرر طلبه برجاء وصوت مهزوز متألم :
- ارجوكِ يا امينة ..ارجوكِ تساعديني ..أنا عمري ما طلبت منك حاجة ....أنا لازم اتكلم معاها لازم تفهم انّ مش بايعها  عمري ما بعتها ..أنا بموت ..حاسس ان هموت .لو ما عرفتش أكلمها .....
أغمضت عينيها بقوة تكابح دموعها التي بدأت في الظهور تأثر بحالة ..لما مكتوب على  الأحبة   الذل والعذاب
لتجد اخيرا صوتها لتقول بصوت مهزوز من البكاء :
-صدقني يا مالك تليفونها مقفول ...أنا كمان مش عارفة أوصلها صدقني ....
امسكها من ذراعيها بجرئة غريبة عليه يترجاها :
-حاولي تاني ...يمكن تكون فتحت تليفونها  ..،انا قلبي مقبوض مش عارف ليه؟!...
رأها تحاول الاتصال بها مرة اخرى تحت نظره المتلهف ليجدها تخفضه من فوق أذنها بيأس تهز رأسها بالرفض ....
.......................
وقف بعد عن خلع سترته عنه سريعا بوجهه متعرق يلهث يكاد يستطع التنفس من قوة الضغط العصبي الذي يتعرض له في تلك اللحظة الكارثية ..رفع يده باستسلام امام وجهه مبتعدا قدرا كافيا يحاول أثنائها عن فعلتها المجنونة ..يهدأ من ثورتها وخوفها يقول بخشونة بسيطة اشبه بالرجاء :
-شيراز ..شيراز اعقلي وخلينا نتكلم بهدوء ...مافيش حد هيأذيكِ ..صدقيني ...
رفع يده اتجاهها في دعوة منه لها يكمل برجاء اكبر:
-خليكي زي ما انتِ وهاتي ايدك ..يلا ياشيراز ...اسمعي الكلام و انزلي !!!...
لقد  كان مندمجًا بالحديث مع ولدته لم يستوعب ما تُقبل عليه من فعل مجنون ..شاهدها تصعد فوق سور الشرفة لتستقر فوقه بقدميها العاريتين تنظر للفراغ بفستانها الوردي الطويل وشعرها القصير يتطاير حول وجهها يخفي ملامحها ..على وجهها ابتسامة غريبة ...
حاول السيطرة على ارتعاش أطرافه ليصرخ بأمه المستمرة بالعويل والضرب على صدرها برعب دون ان يحيد بنظره عنها :
-اهدددي يا حاجة ..خليني اركز في الكارثة دي ...
ليكمل حديثه مع تلك المجنونة التي ستلقى حتفها إذا غفل عنها لثانية ..يرجوها بالتعقل:
-شيراز !!..اللي عايزة تعمليه ده مش صح ..هاتي ايدك وانزلي بقولك ....
شعر بشعور غريب يعتريه من رؤيتها بهذا الشكل شاحبة اللون مهتزة الجسد تحاول ان تسيطر على ارتعاش جسدها عن طريق قبضها علي قماش فستانها المتطاير ..كأنها مفصولة عنه بألاف الاميال .شاردة  ..يعلو وجهها ابتسامة مخيفة ..جحظت عينيه عند رؤيته لتحرك قدمها من فوق الحاجز ليطلق صرخة اسد مجروح باسمها :
-شيييييرااااااز!!!!!
......
طرقات خفيفة فوق الباب جعلته ينتبه ويفيق لواقعه ..يسمع بعدها صوت الباب يفتح تليه خطواتها المترددة حتى استقرت خلفه بصمت ..كيف ستخفف عنه وطأته ..؟...بعد ان ساعدت بطريقة غير مباشرة في حدوث تلك الكارثة ..لقد اعماها غضبها وانفعالها عن فهم هدفه ورغبته ..ماكان عليها إشعال فتيل النار في ذلك التوقيت الحرج ..رفعت يدها تربت بحنان فوق كتفه ترجوه بألم:
-هتفضل واقف كده يا ابني ...روح اوضتك غير هدومك وكلك لقمة ....
اغمض عينه بضيق مما حوله ..خرجت من صدره تنهيده مثقلة :
-روحي انتي يا حاجة نامي وانا هفضل هنا ...
صدرت منها إلتفاته بسيطة على تلك القابعة بفراشها متدثرة بغطائها فتعود لولدها تقول :
-هي ما فاقتش من ساعتها ؟
هز رأسه بالنفي ليلتفت لها يواجهها وتلاحظ الإرهاق البادي على وجه ينظر للنائمة بفراشها بوجوم ..منتظر إفاقتها ..لم يصدق حتى هذه اللحظة انه نجح في الإمساك بها ومحاصرتها قبل سقوطها من الشرفة ليجذبها من خصرها ويسقط بها ارضا محاصرًا إياها بذراعيه من الخلف ليزداد تشنجها وصراخها الرافض لسيطرته ومنعه لها من الانتحار حتى اعتقد للحظة انه سيفشل في السيطرة عليها لشراسة مقاومتها لذراعه المكبلة لها فيزداد صراخها الهستيري الذي  شق الوجود ليصل لحراسه بالخارج ...
رفع أصبعين يضغط بهما من بين عينيه يحاول ترتيب أفكاره الهوجائية يقول بثبات:
-أنا هنام هنا ...ما اضمنش تفوق وتعمل في نفسها حاجة تاني ...وكمان أنا لازم اقفل الشباك ده ...
لامت آمنة نفسها على ما اقترفته في حقها وحق وليدها الوحيد ..ما كان يجيب عليها التهور كان عليها التروي في افعالها ..لتخبره معتذره لعله يصفح عنها  لجهلها عن حقيقة الوضع؛
-ما تزعلش مني يا ابني ...أنا الشيطان غلبني ..وانا كنت خايفة عليك منها ...أنا ماكنتش اعرف ان الموضوع هيوصل انها تحاول ترمي نفسها من الشباك ....
نظر لامه بتأثر فهو متأكد من نواياها الحقيقية الصادقة يقول مداعبًا لها يخرجها من حزنها :
-ابنك الغلبان ده جعان نوم ممكن تفضلي هنا معاها لحد ما ارجع هروح أغير هدومي .....
-روح يا ابني وأطمن هفضل هنا لحد ما ترجع ....
اقترب منها يقبل  جبينها بحبور وعلى وجهه ابتسامه جانبية مغتصبة  يقول :
-ربنا ما يحرمني منك يارب
.....................
بعد أسبوع
..........
وقف خلف باب حجرتها يراقبها خلسة ..يتأمل كل تفاصيلها بفضول غريب يدفعه لسبر أغوارها وحفظ كل تفاصيلها ... لايصدق حتى الان انه نجح في تنفيذ ما خطط له بنجاح ..كل يوم يمر عليها تضيف  من لمستها الندية  على حياته  ويزيد من قبضته عليه ...خوفا من المجهول والوقوع في المحظور .شقت ابتسامة وجهه عندما استمع لكلمات امه الودودة التي تحاول عن طريقها هدم الحاجز بينها وبين تلك الشقية الجالسة امامها موالية ظهرها لها  وهي تقوم بتمشيط خصلاتها علي شكل جديلة فوق فراشها :
-ها ياستي اديني عملتلك الضفيرة اللي انتي طلبتيها ..الدور بقى عليكي تسمعي الكلام ....
ازدادت ابتسامته الخلابة عندما رفعت كتفيها بالرفض الصامت كالأطفال ليصله صوتها المبحوح:
-مش عاوزة انزل ..أنا مستريحة هنا ...
-أنا عارفة انتِ مش عاوزة تخرجي من الاوضة ليه؟..عشان ما تشوفيش حازم  ..مش كدة؟...
عند ذكر اسمه رفعت كف يدها لا إراديا فوق وجنتها تلمسها ..بشرود ...اجفلته تلك الحركة البسيطة طعنته غدرًا ...لم يتخيل يوما ان يرفع يده على أنثى وبالأخص وهي في تلك الحالة المنكسرة ..فيسمع امه تلومها :
-انت قلبك اسود بقى يا شيراز  ..كام مرة قولتلك انك كنت منهارة وكنت هتموتي نفسك وما عرفش يسيطر عليكي ..وكان غصب عنه يضربك ...والله حازم ابني ما فيه زيه في الكون كله اومال ...مش ابن آمنة ومنصور ....
ارتدى وجهًا صلدًا مع طرقه على باب حجرتها بهدوء يردف:
-السلام عليكم ...
انتفضت عندما سماع صوته التي تمقته وتعتدل في جلستها في حركة لاإرادية مع سماع صوت والدته يرحب به ..ظل ينظر اليها يراقب انفعالتها عند وجوده ..ليتأكد مرة بعد مرة انها تمقت وجوده بجوارها ..شعر بكف والدته الدافئ وتستفسر بلهفة:
-ها يا حازم طمني ..عملت ايه مع الرجالة يا ابني...
امسك كف يدها الدافئ يودعه قبلة حانية :
-اطمني يا ام حازم خلصت كل حاجة معاهم اخيرا والموضوع اتقفل علي كدة ...
-الحمد لله طمنتني ..أنا كنت قلقانة لا العيلتين يمسكوا في بعض ونفتح على نفسنا باب دم مش هيتقفل ده صوتهم كان واصل لهنا ...(إلتفتت لشيراز تخبرها):
-شوفتي يا بنتي عشان تصدقيني اما قولتلك ان حازم ابني راجل وهيقدر يلم الموضوع ..
أرسل لها حازم نظرات لائمة لم يرغب بفتح مثل تلك الأحاديث امامها ...ولكنها لم تهتم بنظراته لتكمل بثقة:
-ايه يا بني ما هي عارفة كل حاجة ..أنا كنت لازم اعرفها اللي بيحصل عشان تعرف انت بتتعب عشانها قد ايه ؟!...(وجهت نظرها لتلك المضطربة تردف بسعادة):
-ده حازم ناوي يعملك احلى فرح هنا ...اومال وهنعزم فيه كبرات البلد هنا ...
ظل يراقب انفعالاتها مع والدته ويلاحظ قبضها فوق شرشفها بقوة تكبح به غضبها وضيقها تشيح بوجهها عنه غير راغبة برؤيته ..
شرد في تلك العلاقة التي لم تبن الا من عدة أسابيع قليلة ..ليكن  نتاجها تعلق والدته بها تعلقًا مضنيًا .لا مثيل له...
أفاق على خروج امه من الحجرة تبلغه علي عجالة :
-أنا راحة اتابع الغدا ،...وانت حاول تقنعها تنزل تأكل  معانا ....
نظر للفراغ الذي كانت تحتله والدته منذ قليل ..يحاول إيجاد كلمات مناسبة تناسب الموقف ..فهو على علم انها تتجنبه منذ ولوجها هذا المنزل ولكن لا يعرف سببا لنفورها الواضح والزائد له ..رغم قيامه بتوفير كل وسائل الراحة لها الا انها ترفض كل مساعدة يحاول تقديمها ...تنحنح يجلي صوته يقول عندما طال صمتهما ولاحظ إشاحة وجهها عنه باشمئزاز  واضح :
-عاملة ايه انهاردة ؟...أنا شايف انك احسن من الاول ..وجرحك كمان اخر مرة غيرتلك عليه بقى احسن .
رمته بنظرات كارهة غريبة ..لا يعلم سببها ..ولكنه تجاهلها يكمل وهو يتقدم عدة خطوات يجلس بجوارها فوق الفراش يواجهها بإصرار فيخرج صوته يشوبه بعض الحدة:
-شوفي يا شيراز ..أنا هقولك كلمتين عشان ما نتعبش مع بعض الفترة الجاية ..بما انك ما تعرفيش طباعي كويس فانا هوضحهالك ..أنا عمري ما سمحت ولا هسمح لأي مخلوق انه يتجاهلني وانا بكلمه ...فخلينا نتكلم زي اي اتنين متحضرين وعاقلين ....
ظلت تنظر لوجهه بوجوم تراقب كل تفصيلة به من بداية ذقنه النامية  لعينيه السوداء الماكرة ..كيف غفلت عن ذلك التشابه الفج بينهما؟!! ..انه نسخة منه حقا ....فتردف بحدة بصوتها المبحوح:
-انت عايز مني ايه بالضبط ..انت قولت خلينا واضحين مع بعض ..فبلاش أسطوانة بحميكي والكلام الفارغ ده ..لان انت لو كنت عايز تحميني كان في الف وسيلة تنفذها من غير ما تجبرني اتجوزك...
اجفل من صراحتها ومواجهتها له بأمور لم يجد هو نفسه إجابة لها ..يشعر كأنه في بحر تتلاطم به امواج افكاره لم يستطع تحديد هدفه مما يفعل حتى الان ...انها محقة فيما قالت كان يستطيع ببساطة حمايتها بدون التطرق لامر الزواج ..حاول الثبات امامها كما كان وسيكون دائما ..ليسأل بفضول :
-تفتكري هكون عايز منك ايه ؟!..لو كنت فعلا زي ما بتقولي ...
ظلت ترميه بنظرات ساخرة مع إلتواء فمها بابتسامة مصطنعة تجيبه بثقة:
-من السهل اوي اي واحدة تعرف تقرا الراجل اللي قدامها من عيونه ...فلو اللي أنا شايفاه بعيونك ده من اول مرة قابلتك فيها.. حقيقي ..
صمتت للحظات تنظر له بشجاعة لم تتحل بها من قبل ...تراقب ردود افعاله نتيجة اثر كلماتها عليه  ..لتكمل بفحيح كالافاعي :
-أنا موافقة يا حازم باشا على اللي انت عاوزه !!!..بس ليا شروط لازم تتنفذ في المقابل ....
راقبت ذهوله من كلماتها وتوتره الجلي ..لقد كان معنى كلماتها واضح وضوح الشمس ...اراد التأكد من مغزى كلماتها التي وصله بوضح يمسكه من ذراعيها يقربها لوجه ويردف من بين أسنانه بغضب :
-تقصدي ايه ؟؟..انطقي ....عايزة اسمعها منك ...
-موافقة انام معاك !!!...
صمت تراقب سواد وجهه الذي لا يبشر بالخير مع لهاثه وسرعة تنفسه ليسألها بضيق ؛
-هو ده اللي شوفتيه في عيوني ؟!...هو ده ..؟احب اقولك انك وقحة وعديمة الرباية ودوري ان اربيكي من اول وجديد ..يا بنت حفني...
ظل يضغط على ذراعيها بقوة ألمتها جعلتها تغلق عينيها ليكمل بصراخ :
-افتحي عينك و بصي لي...واسمعي الكلمتين دول ..لو كنتِ فاكرة ان حازم السلماني كان مستني حتة ورقة جواز عشان يطولك وياخذ اللي هو عايزه تبقي غلطانه ..كنت ممكن اخد منك اللي أنا عاوزه بسهولة جدا لما كنا مع بعض في أوضة  الخزين بالمطعم ..ولا لما كنتِ تحت أيد رجالتي لما اخدوكي ...كنت ممكن اعمل اللي أنا عايزه فيكِ ومن غير كمان ما تعرفي مين اللي عملها ...مش حتة ورقة اللي هتسمحلي ان أطولك .....
ظهرت الدموع بأعينها الزرقاء تلقائيا تردف بما جعله يبتعد عنها كالملدوغ :
-ناصر !!!..
ابتعد عنها واقفا ينظر لها بتساؤل عما نطقت :
-شايفة قدامي ناصر ...!! بنفس وقاحته وعيونه اللي تعري اللي قدامه ،.نفس شراسته لما يكون مصمم على حاجة ..نفس نعومته لحد ما يوصل للي هو عايزه ..سواء يحق له او لا ..
وانا من غبائي وافقت ان اقع في فخ السلمانية تاني ..و بإرادتي......
تحركت من فراشها ببطء مناسب لحالتها حتى وصلت له ..تضع يدها فوق بطنها ..لقد ازداد ألم إصابتها اثناء شجارهما :
-لو ما كنتش زيه وغرضك نفس غرضه ...كنت قولت لي انك تبقي ابن خاله ..كنت اديتني حرية الاختيار ..لكن إنتوا كلكم ضحكتوا عليا ..عارف ليه يا باشا ؟
انت مش عايز تساعدني ..انت عايز تكمل انتقامك انت وعمتك ..عمتك اللي كانت السبب في اللي أنا فيه ده ....
أجابها باختصار بكلمات اجفلتها رعبًا :
-كويس اوي انك فهمتي اللعبة ..عشان ما نلفش وندور على بعض وكل واحد يلعب على المكشوف ....
اقترب منها خطواته يشاهد جحوظ عينيها وصدمتها من تأكيده لشكوكها يضرب بأصبعي السبابة والوسطي اسفل ذقنها برتابة يهمس بسخرية :
-جهزي نفسك ..عشان هتنولي شرف النوم ....النوم في حضني انهاردة !!!..
انسحب من امامها يغلق باب حجرتها بهدوء و يسند رأسه بإرهاق بادي عليه ..يتمنى نيل بعض الراحة بعد تلك المواجهة القاتلة .........
اما عنها ظلت تنظر للفراغ الذي كان يحتله جسده الضخم منذ عدة ثواني تتنفس برعب واضعة كف يدها فوق فمها مما صدر منها ..لقد أوقعت نفسها بغبائها في قفص الأسد الذي لا يرحم .....
.............
نزل وعلى وجهه إمارات الضيق مما سمعه منها ليجد امه تقف وسط البيت تتحدث مع احدى الفتيات ..مرر نظره بينهما يقول :
-أنا خارج في شوية حاجات مطلوبة مني هعملها ..كلوا إنتوا ...أنا مش راجع على الغدا...
أردفت امه بأسى :
-طيب هتتأخر ؟
هز رأسه بضيق واضح بنعم  ..ليمرر عينه على تلك الفتاة الواقفة امامه بتوتر فيلفت انتباهه رباط يدها الابيض فيسأل بحذر:
-أنا شوفتك قبل كده؟....
ضبطت الفتاة وشاح رأسه بتوتر تضع طرقه بفمها تخفي جزء من وجهها مع هز رأسها بالإيجاب ..ليصله صوت امه الحزين :
-دي وداد ...اللي كانت بتخدم عند عمتك ...مبهدلها وعلى طول تضرب فيها وآخر حاجة حرقتها بمية مغلية علي أيدها ..وجاية تستسمحنا انها تشتغل هنا .....مش عايزة ترجع لعمتك...
نظر حازم نظرة متفحصة لتلك للفتاه الصغيرة هزيلة البنية مع هز رأسه بالموافقة قائلا :
-مافيش مشكلة ..المهم تعرف نظامنا وتمشي عليه ...واهم شي عندي الأمانة ..ومافيش كلمة تتسمع هنا تطلع بره ..عشان لسانك ما يقطعش
هزت وداد رأسها بتوتر وخوف من هيئته تقول :
-تحت امرك يا بيه .....
......................
واقفة خلف الباب المغلق جزئيا تراقب الخارج خلسة من فتحة ضيقة وعلى أذنها هاتفها الخاص في محاولة منها إرسال التقرير اليومي كما هو متفق بينهما تهمس بصوت منخفض:
-ما تقلقيش على بنتك ..كل حاجة ماشية زي ما خططت ..
:-ما اقلقش ازاي يا بنتي ...وجوزك مقلوب زي ما بلغتيني ..من ساعة اللي ما تتسمى غارت واتجوزت ...
هزت غادة رأسها بملل من ثرثرة والدتها وتحيبها منهية ذلك الحديث وهي تتحرك مبتعدة عن الباب المفتوح جزئيا :
- ..الحوار ده اتقفل والحمد لله خلصت منها للأبد ..أنا مش عارفة لو فكرة ان اتصل باللي اسمها ثريا دي عشان تخلص عليها ما كانتش جت في بالي كان هيبقى وضعي ايه مع مالك .
سمعت امها تقول :
-ياريتها كانت جابت اجلها ..بس هنقول ايه الحمد لله لحد كده .....
ظلت تجوب الحجرة بغنج وكبرياء تضع يدها فوق بطنها بثقة وتردف:
-سواء ماتت او لا....ضربها جه مصلحه ليا ..الهانم كانت حامل منه ..وده في حد ذاته كان هيضيع مالك من ايدي ...اهي غارت هي وحملها في ستين داهية ...
بس أنا في حاجة قلقاني غير كده ..مالك مش عايز يسيب البلد وفاتحني في موضوع ان اقدم استقالتي عشان الحمل ..وخايفة اعند معها ..
وصلها صوت امها المستنكر تردف بضيق:
-لا كله الا شغلك ،.ده حياتك ومستقبلك ..بس انتي اهدي معاه واكسبيه  وخليكِ معاه يومين لحد ما ينسى .....
اثناء ثرثرتها مع الجانب الآخر شعرت غادة بوجود احد ما خارج الحجرة  ..حركت قدميها ببطء اتجاه الباب  ،.وقامت بفتح بعنف لتجحظ عينيها من الصدمة ويتعرق جسدها بعرق وهمي  عندما تصادمت عينيها مع تلك الواقفة التي تطلق اعينها اسهم من نار مع تسارع تنفسها العالي ..لتصرخ غادة بحدة مزيفة :
-انتِ واقفة عندك بتعملي ايه ..؟!
يتبع،

باليرينا الشرق( مكتملة)محولة للورقي الآن مع تعديل السرد وتحويلها للفصحى كلياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن