الفصل الاول

17.9K 333 37
                                    

يقف منتظرا فتح باب المصعد بوجه جليدي يرفع يده اليسرى ينظر الي ساعته التقليدية اكثر من مرةذات السوار المعدني فهذه الساعة اخذها من والده الحاج حافظ الذي ورثها
عن ابيه الجعفري منتظرا هبوط المصعد بضيق ..يرفع عينه أمامه يراجع صورته المنعكسة علي الباب المعدني الفضي ليرفع أنامله فوق لياقة قميصه السماوي يضبط وضعهما ...فينتبه لوصول المصعد وفتح ابوابه ليخطو أولى خطواته داخله ويدور يستعد للضغط على زر الطابق المختار كاد بابه ينغلق لينتبه لصوت طفولي صارخا أفزعه :
-هاي ....please,....
ليجد زوبعة تدخل مسرعة لترتطم به فيتراجع من قوة ارتطامها خطوتان ذاهلًا من اندفاع تلك الزوبعة بدون مقدمات فيسمعها تعتذر وسط لهاثها :
Sorry-
ليرفع حاجبه بضيق ويزفر بقوة تنتبه اليها ،ويقوم بضرب الأزرار بقوة لعله ينتهي من هذا الموقف ..فيسمع صوتها الرنان تأمره:
eleventh floor ,please-
(الدور الحادي عشر)
لينظر لها من ارتفاع بضيق يمرر نظره على تلك المراهقة الذي يبدو. على ملامحها صغر سنها فهو يكاد يجزم انها في عمر السادس عشر ليس اكثر وان كان اقل من ذلك
ليقول بصوت خشن باختصار بفم ملتوي:
-يا محاسن الصدف !!!!!
يرجع خطوتين يستند علي جدار المصعد يمد قدمه أمامه يتلاعب بهاتفه لحين وصول الطابق فينتبه لصوت كيسًا بلاستيكيا فيرفع عينيه ليجدها تحمل كيسا من حلوى القطنية البيضاء والوردية بما يسمى(مارشميلو)وتقضم منه باستمتاع ..اثناء ذلك ترك لنفسه الحرية لتفحصها بدقة فتراجع خطوتين ليسند ظهره فتقع عينه على قدميها الصغيرتين التى تنتعلا حذاء رياضيا ابيض ذات أربطة ممتزجة الألوان بين الأزرق والبرتقالي والأخضر من ماركة عالمية مشهورة فتقع عينه علي
سوار فضي اللون يزين كاحلها يتدلى منه بعض الماسات مرورا بساقيها المكشوفين التي تظهر شدة بياضها المختلط بالحمرة لسروالها الجينز القصير الذي يكاد يغطي ركبتها ...فوقه قميصا قطنيا باللون الزهري مكشوف الذراعين
الي شعرها ذات الخصلات المتموجة كامواج البحر الذهبية ..كبريق الذهب الأصفر ..التى لم تمل من نفضه للخلف بسبب تساقطه فوق وجهها فيمنعها من تناول تلك القطع القطنية البيضاء
..يقطع تأمله الدقيق صوت حشرجة مكتوم خرجت منها ليضيق عينيه باستفهام ..ليجدها تنحني للأمام ممسكة عنقها تسعل بشدة تحاول التقاط انفاسها فيتساءل بغباء :
-في حاجة؟...حاسة بحاجة؟
فتشيح بيدها لا تستطع الإجابة وتمسك بذراعه و يحتقن وجهها بالحمرة وتجحظ اعينها فيتدارك عقله سريعا انها تعاني من نوبة اختناق لانسداد القصبة الهوائية بسبب قطعه من قطع الحلوى ..فتجحظ أعينه رعبا عند هذه النقطة ..فما كان منه الا ان يديرها بسرعة ليواجه ظهرها صدره ويضرب عليه بكف يده بقوة ألمتها في محاولة منه انقاذها ..يزداد رعبا عند ملاحظته تحول لونها الأحمر للون الأرجواني فيحيطها بسرعة البرق بذراعيه من الخلف ليلتصق ظهرها بصدره ويمسك قبضتيه معا ليضغط فوق صدرها لعلها تبصق ما ابتلعته ...مرة ...اثنان ..ثلاثة وعند استعداده للرابعة وجد ما يندفع خروجا من فمها يسقط أرضا مع سعالها المستمر وانحنائها تستند بكفيها فوق ركبتيها ...وعندما شعرت بانتظام لنفسها نظرت له بعين دامعة نتيجة نوبة الاختناق :
-....شكرا......
ماكان منه الا ان رفع حاجبه بتعجب لقد ظن انها اجنبية الجنسية فيجيبها بثبات
-لا شكر على واجب...بس خلي بالك المرة الجاية محدش هيلحقك...
تهتز رأسها بتفهم وتحاول فتح سحاب حقيبه الظهر ذات الطابع الطفولي المليئة بالزهور مختلفة الألوان تخرج منها محارم ورقية تنظف فاهها ويديها ولكنه تجاهلها بالنظر لهاتفه مرة أخرى ليجد شئ يمتد أمامه يمنع متابعته لهاتفه وتقول ببراءة:
-اتفضل ...دي حاجة بسيطة عشان ساعدتني....
فيدقق النظر في لوح الشيكولاته الأنيق ويمد يده يقلبه بفضول يمينًا ويسارًا يقول بإنبهار مزيف:
-لوح من الشيكولاته.المستوردة...سويسرية ممتاز.....بس ..اسف مش هقدر اقبل هديتك..أنا مش بحبها.. زي .الاطفال ...
يحمر وجهها غضبا من تلميحه بطفولتها وصغر سنها لتجيبه بحدة:
-l amn't child
عموما....مادام مش عايز ..براحتك أكلها أنا.........
فتقوم بجذبه من كفه بعنف وتضعه بحقيبتها وتغلق سحابها بضيق طفولي وتستدير تواليه ظهرها ليراقب اهتزاز ساقيها كأنها تقف على جمر من النار
وعند لحظة فتح الباب وكاد ان يخرج وجدها اندفعت ترتطم به و تدهس قدمه بعنف عن قصدٍ ليقف فارغ الفاه من تصرفها واتساخ حذائه فتقابله نظرة عينيها الفيروزية بتحدي تقول بصمت
-"ها ...قد نلت منك "...
لم يدرك وقتها بانها نالت منه بالفعل ....
فيغلق الباب وتختفي خلفه وسط ذهوله وغضبه
.............
يعود إلى واقعه عند سماع طرقات الباب الخافتة فيعتدل في جلسته ويضبط عبائته الذي يلتحف بها فوق ملابسه الكلاسيكية التى تلائم مكانته الجديدة بالنجع لقد اصبح كبير عائلة الجعافرة بطريقة عرفية بعد مرض والده نتيجة تقدم السن وطول فترة مرضه
ليقول أمرًا من بالخارج:
-ادخل
تدخل بخطوات متمهلة باضطراب من هالته الذي يحيط.حاله بها التي عاهدتها به مؤخرا فهو على غير ذلك فيما مضى تتعثر في عبائتها الحريرية السوداء التي تغطي جسدها بالكامل لتقف منحنية الرأس بغطاء رأسها ووجهها الذي يخفي وجهها بإحكام ليصعب علي الغير حتى تحديد لون اعينها من خلفه فقد كانت حريصة كل الحرص على اخفاء جسدها ووجهها مثلما امرها الحاج حافظ منذ أعوام...منذ ان وطأت قدمها هذا البيت.. كانت على بعد منه ...يفصل بينهما عدة خطوات فهي لا تستطع النظر بعينيه مثلما كان ...لتنفض الأفكار من رأسها وتسمعه يقول آمرًا بخشونة يلعن تلك الواقفة أمامه ..كيف هي تتقن التمثيل بهذا القدر :
-انتي عارفة أنا طلبتك ليه ؟!..اكيد الحاج بلغك بالعرض السخي .......
تقف كأنها على جمرة من النار تحرك رجلها باستمرار لا تستطع وصف شعورها من عرض الحاج حافظ ..ارادت سد دين برقبتها له ..في بداية الأمر صدمها طلبه الذي كان اشبه بالرجاء ...فهو الوحيد الذي يعرف حقيقتها في هذا البيت وما تعانيه ...لقد كانت بين شعورين متناقضين من الفرحة والبؤس علي حالها التى آلت اليه منذ عدة سنين ..لينتهي بها الوضع خادمة حبيسة ببيت كبير الجعافرة ..مع انه لم يعاملها كخادمة مطلقا ودائما معارضًا لخدمتها بالبيت ...هل هي لعنة اصابتها منذ ان خطت قدماها هذه البلدة ام هو قدر مكتوب عليها ان تعيش مراره قبل ان تمتص حلاوته؟ ..لتقول بخجل :
-ايوه اتكلم معايا بخصوص ...بخصوص الجواز ....
تظهر ابتسامة سخرية واضحة فوق وجهه لم ترها ولكنها استطاعت سماع صوت حشرجة صدرت من حنجرته استهزاء ليقول بصرامة:
-انتي عارفة كويس الجواز ده هدفه ايه !؟..يمكن الحاج مابلغكيش بس احب أنا أوضح بعض الأمور اللي غايبة عنك ..أنا وافقت علي جوازي ومنك لسبب واحد وهو ارضاء للحاج مش اكتر بعد كده هخصص ليكي مبلغ كويس عمرك ماكنتي تحلمي بيه ...تبدأي به حياتك في اي مكان ...الا هنا ......
يؤلمهما قلبها من حديثه ..كيف يكون بمثل هذه الأخلاق ولكنها متأكدة انها ستكون سعيدة إذا لبت له طلبه بالبعد ...فتقول بخجل:
-موافقة ...
-مش مصدق !!!
ترفع عينيها تواجهه ثم تعود لخفضهما سريعًا :
-ايه اللي مش مصدقه ....انت عرضت عرضك وعجبني وكل واحد فينا له ..أهدافه من ورا الجوازه دي ..فين المشكلة؟...
ازداد قبضته فوق ذراع كرسيه ليقول في نفسه(وقحة وبلا اخلاق)ماكان منه ان يطلب الزواج بها الا لغرض إبعاد شباكها عن ابيه كبير الجعافرة .....
ليسمعها تقول :
-بس في طلب لازم تسمعه مني قبل الجواز
ليرجع إلى ظهره ويرفع أنامله فوق شفاه يتفحصها ..اول مرة يكتشف ضآلة جسدها وقصر قامتها ليقول بجدية واضحة:
-بتتشرطي كمان !!!....ابعدي فكرة ان اعمل فرح والكلام الفارغ ده ....انا......
تقطع استرساله بعبارته الصادمة:
-مش هتشوف وشي .....
يضيق عينيه لايعلم هل هو إقرارا منها ام طلبا ..فيؤكد سؤالها حديثها:
-مش عايزاك تكشف وشي ..على ما اعتقد كل واحد ليه هدفه ..وهدفك بعيد عن انك تعتبرني زوجه حقيقية ليك ..اعتقد وشي مش هيعطل اهدافك...
لتسمع صوت ضحكة ساخرة خرجت من فاه فيقول متسائلا:
-اكيد انتي مخبية حاجة ورا نقابك ده اصل اللي يلبس نقاب ياما جميل اوي يا ........ على كل حال موافق على طلبك ..زي من ما قولتي وشك مش هيعطل اهدافنا ....ليكمل
انتي من وقت مارجعت ولقيتك بالبيت هنا ما أعرفش ليكي نسب ولا أهل زي مايكون السما انشقت وحدفتك علينا.....

باليرينا الشرق( مكتملة)محولة للورقي الآن مع تعديل السرد وتحويلها للفصحى كلياWhere stories live. Discover now