الفصل الثامن

5.8K 228 11
                                    

افاقت من شرودها على ألم متزايد بخصرها لتكتشف جرح نافذ به ..يبدو ان كان يوجد شئ بالشجرة سبب جرحها ...فتغمض عينيها تهمس لنفسها بسخرية :(هي جت على الجرح ده كمان ...عادي)....
...........
"ها يا سعد قولت ايه ؟..مش عايز تتكلم "قالها حازم للواقف امامه بضعف ..فيمسك سيجارته الخاصة يسحب منها الهواء مع ثبات عينه على الواقف امامه ..يجب عليه ان يتأكد ويعرف كل شئ ..قبل ان يصل غيره لأي معلومة تخصها ...
يقول سعد بارتباك :
-أقول ايه بس يا حازم بيه ؟..انت سألتني وقلت ما أعرفش حاجة ...
يجلس حازم بأريحية فوق كرسيه ليرفع ساقه فوق الطاولة المستديرة تليها الساق الأخرى بكبرياء اعتاد عليه ..فهو مشهور بصلابته وعمليته لا يضع المشاعر في الاعتبار ....
ليسأله حازم مرة اخري:
-انت عايز تفهمني ان الوالدة بتخدم سنين في بيت الجعافرة وماتعرفش اللي اسمها خديجة دي مين ؟؟...ده العجيب يااخي انها قالت انها تكون بنت اختها ..والعجيب ان أما سألت لقيت ان الوالدة مالهاش اخوات بنات .....
تعرق سعد من هذا المأزق فهو يعلم ان حازم ليس بهين ولا من السهل خداعه ..يصعب عليه مراوغته في امر تلك الغريبة التي لم تكل من مساعدته ومساعدة ابنه في حالته المرضية...
ينتبه حازم لشروده لينبهه بصرامة:
ها قولت ايه يا سعد ..أنا مش عايز غير انك تجاوب على حبة أسئلة بسيطة ..وفي المقابل هساعدك في علاج ابنك وهبعتك لافضل الدكاترة المتخصصين في حالته ....
هز راسه بخنوع وضعف ليقنع نفسه انها بعض المعلومات التى لن تضرها بشئ ...ملعون الفقر الذي يذل أنقى الرجال ...بدأ يقص عليه ما وصله من امه من ظهور فتاة من عدة سنوات ملقاة بين الزراعات مصابة إصابات متفرقة ..فاقدة للنطق ..وكيف بقت غائبة عن الوعي عدة اشهر كانت تقوم على خدمتها امه حتى تحسنت حالتها ........
هز حازم رأسه بتفكير ليقول بشرود :
-ماقالتش شكلها ايه ؟....او انت لمحتها؟..
-الحقيقة لمحتها مرة واحدة...سبحان من صورها وخلقها ..شكلها مش من هنا حتى في الاول مكنتش فاهمة لهجتنا .....
يسأله مرة أخرى :
-لو وريتك صورة ..تعرف هي دي ولا لأ؟
هز رأسه بالموافقة مع الخوف الذي بدأ يتوغل داخله بانه خائن للأمانة ..يري حازم يرفع امامه صورة كبيرة لفتاة شقراء بعيون فيروزية ليعقد حاجبه بتأمل لكل جزء في تلك الشقراء ..لينهره حازم بقوة شاعرا بالضيق :
-ايه ساعة عشان تشوف ؟..هي ولا لأ؟
-ياحازم بيه ...مش عارف ...دي شقرا وخديجة لون عينها تقريبا بني او اسود ..بس الملامح هي ..يخلق من الشبه أربعين ........
يشرد حازم بتفكير ليتذكر تفاصيل اصطدامه بها ورؤيته للون عيونها الفيروزي ....ولكن مايقوله سعد انها ؟؟؟؟؟
ليسأله بدقه :
-خديجة اللي بتتكلم عنها لابسه نقاب ولا لأ ؟.......
-ايوه يا بيه لابسه ...خافية وشها .....
يرجع حازم ظهره لكرسيه براحة وتعلو على وجهه ابتسامة ماكرة ..لقد وصل اليها اخيرا ......
.....................................
نزل الدرج الخشبي يظبط عباءته مشغول بهاتفه يحاول. الاتصال بغادة بعد انقطاع المكالمة بينهما فجأة ..ينادي على ام سعد لتعد له قهوته قبل انصرافه ..انتظر بعض الوقت ولكنه لاحظ هدوء غريب يعم المكان ..ظل ينادي بصوت اعلى عليها وعلى خديجة لم يجب احد ..ليجد صوت ابيه الوقور يصدح من حجرة الطعام قائلا :
-تعالى يامالك ...مافيش حد هنا ....
يتقدم اتجاه الحجرة يجد والده يجلس وحيدا امامه وجبة الإفطار وكوب من الشاي الساخن ليقول بتعجب:
-انت صاحي بدري انهاردة ..وكمان فطرت...
لاحظ حزن والده الظاهر على ملامحه يقول:
-ايوه ام سعد جهزت لي الفطور قبل ماتروح مع خديجة المستشفى ....
يعقد حاجبه بتتعجب ليسأل بدوره:
-مستشفى ليه؟....ماكانت زي القردة امبارح .....
وجهه حافظ نظرة لابنه لائمة يقول:
-ام سعد بلغتني الصبح ان جنبها متصاب وجرحها عمال ينزف من بليل ...
ينظر إلى عينيه يحاول التأكد من ظنه لقد رفضت خديجة إخباره ماحدث وسبب اصابتها فيكمل بتمهل:
-انت تعرف حاجة عن جرح جنبها ده؟.....
توتر من تلميح والده ليقول متهربا :
-أنا هروح اجيبهم من المستشفى ..وبعدها همر علي الأرض ...
ينصرف تحت أعين أبيه الحزينة على حاله الذي صار عليه ......
.................
دخل بوقار طاغي تلك المشفى الحكومي البسيط ...المزدحم دائما بالمرضى الجالسين على المقاعد والأرضية لقلة أماكن الانتظار وقلة الأطباء بها الذين يقدمون الرعاية الطبية المطلوبة للمثل هذه الفئة ..يبحث بعينه عن اي طبيب او ممرضة ليسألها ...ولكن عن اي شئ يسأل؟! ..لايعلم الا اسمها ..ظل يبحث هنا وهناك لعله يصل لأي معلومة ..يلعن هذا الظرف الذي وضع فيه ..لو كانت تملك هاتفًا متنقلًا لوصل اليها سريعا ...عند عزمه للحديث مع احدى الممرضات يجدها تسير متأفأة من الزحمة والضوضاء وكثرة إلحاح المرضى عليها ..ليقول بصرامة :
-لو سمحت في حد ا.....!!!
-نعم انت كمان......امتى ربنا يتوب علينا بقى ؟؟......
يقف مبهوتا من اسلوبها الفج ليقول بغضب:
-أنت اتجننتي ..ازاي تكلمي معايا بالشكل ده ؟...
ترتعب الممرضة ذات الوزن الذائد من هيئته وغضبه فيبدو عليه النعمة وذو سلطان فتقيمه بعينها تقول متعذرة:
-ماتأخذنيش يا بيه ..الواحد مش ملاحق يرد على ده ويشوف ده ...تحت امرك ياباشا .....
كاد ان يسألها عنها ولكنه انتبه لخروج ام سعد. من حجرة من الحجرات تبحث عن شئ ما لينهي حواره على عجالة مع تلك الممرضة ويخطو خطوات ثابتة اتجاة ام سعد فينادي عليها:
-ام سعد !!!...
-سي مالك ؟!!......قالتها ام سعد بتعجب شديد من وجوده ...
-فين خديجة ؟!
تنهدت بحسرة على حال تلك الضعيفة تجيبه:
-أقولك ايه بس يابني ...البنت دي محسودة ..دايما متصابة ..لازم نوديها لشيخ ..ايوه لازم .......
يزفر مالك من أسلوبها الذي يدل على العقلية الجاهلة ليقول بجدية أقوى:
-ام سعد ...احنا مش هنفضل نرغي..أنا ورايا مصالح تانية ...هي خلصت ولا لأ....
تشهق ام سعد وتضع كف يدها فوق فمها لتقول له لائمة :
-شوف يابني أدي الكلام اخدنا ونسيتني ..أنا كنت رايحة ادور على حد يجيب بنج زيادة ...البنج خلص وبدأت تحس بالخياطة....
يصدم مما تقوله ايعقل ان تكون اصابتها بالغة بهذا القدر ليردد بذهول :
-خياطة ؟؟؟......
لم يكمل كلمته فيسمع صوت صراخها من الداخل متألمة ترجو الطبيب ان يكف عما يقوم به ليجد نفسه مندفعا للداخل متجاوزًا ام سعد التى ولجت بعده ليجد الطبيب الجالس بجوار سريرها وبيده إبرة الخياطة ..أما عنها فيجدها متسطحة على بطنها ومغطاة بغطاء ابيض مايظهر منها جزء من خصرها الأبيض الذي يوضح درجة بشرتها بوضوح مع ظهور جرح عميق صغير الحجم بخصرها الأيسر الموجه للطبيب ليقول موبخا له بغضب:
-انت بتعمل ايه بالضبط؟...ازاي بتخيط من غير بنج ....؟
يقف الطبيب مبهوتا من الهجوم المفاجئ عليه ليقول بعملية :
-أستاذ مالك أهلا وسهلا ...الحقيقة الموضوع ان الآنسة خديجة بتدلع ..أنا أدتها بنج اكتر من الكمية المحددة ..بس هي شكلها عندها رهاب من الخياطة والأمور دي ....
يرد مالك بعدم اقتناع:
-ازاي يعني ماهي لو مش حاسة مش هتنهار وتصرخ بالشكل ده ..اكيد حاسة بألم .....
فيسمع صوت بكائها الذي زاد من توتره فيقترب منها بسرعة ويربت فوق ظهرها بحنان يقول لها مطمئنًا إياها :
-ما تخافيش ..الدكتور خلاص خلص ...تنظر له من خلف نقابها تقول متوسلة إياه :
- ارجوك يامالك ..ماتسبنيش ..ارجوك....
نظر اليها مبهوتا من نبرة صوتها ورجائها له بهذا الصوت ...شعر بانه سمعها من قبل تترجاه ربما كان حلمًا او تخيلًا لمثل هذا الموقف ..ولكن ليس بنفس الصوت فصوت خديجة يصدر به بحة غريبة ...فيقترب من مستوى نومتها يمسك كف يدها الصغير المستريح بجانب وجهها يبثها الأمان تتقابل عينيهما معًا وتشعر بأنفاسه الدافئة التي سكنت خوفها ليقول بهدوء:
-أنا جنبك الدكتور اساسا خلص ..انتي بس اللي وهمة نفسك ....بصي لي ومتخافيش ......
اثناء حديثه قام مالك بإعطاء إشارة للطبيب ليكمل مايقوم به من الخياطة بحركة من عينه فيومئ الطبيب متفهما طلبه ليكمل ماتبقي من تقطيب الجرح وتطهيره في هدوء منها وسكون غريب .....
اثناء ذلك شعرت بالضعف من قربه الغريب يهدي لها بعض الكلمات المهدئة لتسكن كقط أليف يصغى لصاحبه ....
فجأة وجدته يستقيم لتعود البرودة تتملك كف يدها وقلبها ليقول بجدية :
-شكرا يادكتور ....تعبناك معانا .....
يبتعد عنها ليجلس امام مكتب الطبيب ويتركها لام سعد تساعدها في ترتيب ملابسها وارتداء حذائها بمساعدة الأخيرة ....تخرج من خلف الحاجز بتعب وإرهاق فتقع عيناها على ذلك الشخص المتبلد للمشاعر المتجاهل لها ..يحدث الطبيب باهتمام فتسمع الطبيب يقول بمزاح :
-مافيش تعب ولا حاجة أنا متعود على عمايل الآنسة خديجة وفاهم انها عندها رهاب من الأدوات الطبية ....مش كده ياآنسة ولا ايه؟...
تخجل خديجة من تلميح ذلك الطبيب فهو من قام بمتابعة علاجها بعد الحادث مدة كبيرة ..وكانت تصرخ وتنهار بوجهه عندما رأت بحقيبته مشرط طبي لم يقصد استخدامه ولكن رؤيتها له اصابها بالرعب .....
يعقد مالك عاجبه بضيق ليستفهم عن مقصده:
- هو انت تعرف خديجة من قبل كدة يا دكتور  ........؟!....
-طبعًا ...هو أنا هنسى مريضتي ..اللي كانت مغلباني .....عموما دي أدوية خاصة ليها عشان الجرح وطبعا مش هوصيك الأدوية دي المناسبة لحالتها يعني ماينفعش بديل ...وانا هاجي بنفسي أغير على الجرح يوم ويوم .....
........
خرج من باب المستشفى القديم ليجدهما منتظران امام سيارته ..فيتجاوزها ويدور حول السيارة ويفتح بابه ثم يجلس خلف المقود ويخفض زجاج النوافذ فيفتح جزء بسيط منها فيقول بطريقة آمره :
-اركبوا.......
ماكان منها الا ان مدت ذراعها الأيمن من النافذة المفتوحة جزئيا لتقوم بفتح الباب من الداخل بطريقة رتيبة ثم تجلس ببطء مراعاة لألم خصرها حتى استقرت على مقعدها ......مرت عدة لحظات استشعرت بوجود شئ خاطئ ..فعندما جلست ام سعد هي الأخرى بالمقعد الخلفي ساد صمت قاتل بالمكان الا من صوت تسارع انفاسه حاولت رفع جانب عينيها لترى ماخطبه ...؟..لما هو على مثل هذا الثبات والصمت فتصطدم عينيها البنية بعيونه الذاهلة..لتقول متسائلة:
-في حاجة ؟!!...صدر مني حاجة؟!.....
تجده يكابد ان يخرج الكلمات من فمه ليقول بعد ان استعاد توازنه:
-انتي عرفتي منين ان الباب مش بيتفتح من بره ؟!!!...وأنه بيتفتح من جوه .....
شعرت كأن دلو من الماء البارد سقط عليها في التو واللحظة ..فركت يدها بطريقة عصبية جعلته ينظر إليهما ....فتقول بكذب :
-ام سعد ..قالتلي ان الباب مش بيفتح ....
تفرغ ام سعد فاهها فهي لاتعلم عن اي شئ تتحدث .......
يهز رأسه بعدم اقتناع يحاول طرد الأفكار الوهمية من رأسه ولكن مايدور برأسه شئ واحد ماسمعه من الصيدلي عند ذهابه لشراء الأدوية من صيدلية المشفى ...عندما ابلغه ان هذه الأدوية مناسبة لمرضى السكري ...لايستوعب ماسمعه هل تعاني من نفس المرض التي عانت منه حبيبته من قبل ؟...ياالله ....ما هذه الصدفة...؟!
..........
ظلت خلال الطريق نظرها معلقا على شئ ما ..كان يظن في بداية الأمر شرودها في اللا شئ ولكن عندما دقق النظر اليها رأى ثبات عينيها على كف يده الممسكة بالمقود ويلاحظ بعدها غلالة من الدموع تغطي عينيها حبيسة تأبى الخروج ..ليقطع شرودها سؤاله الذي جعلها تغفل من كلماته فتشيح بوجهها تنظر للنافذة :
-عجبتك ؟.....
-هي ايه اللي عجبتني؟.....
أجابت بشموخ ظاهر وحدة بسيطة ...فتلتوي ابتسامة على وجهه يقول:
-الساعة !!..شايفها عجباكي......
تجيبه وهي مستمرة في النظر للطريق بجوارها بشرود :
-فعلا قيمة ...شكلها غالي ...بس مش لايقة عليك للاسف ......
يتعجب من حوارها ويقول بضيق :
-هي فعلا غالية ..والغالي مايلبس الا الغالي .....قال مش لايقة قال ...هه!!!
قال جملته الأخيرة بسخرية ......
-مش كل اللي بيلبس غالي يبقى غالي وله ثمن ...تاجر المخدرات بيلبس غالي وهو مجرم ..اللص بيلبس غالي وهو سارق ........
تصمت للحظات ثم تخرج كلماتها الأخيرة ببطء شديد كأنها تأكد على معناها مع تثبيت نظرها عليه:
-المغتصب ممكن يكون لابس غالي بس في الآخر بيكون مغتصب .......
لاحظت تصلب ذراعيه بشدة على طارة القيادة مع اهتزاز حدقتيه اثناء نظره للطريق
شعر ببرودة اصابت جسده من كلماتها البسيطة .تكاد ان تجزم انها رأت تعرق جبينه واهتزاز أصابعه مع تحرك تفاحته التي تزين حنجرته ....
يقطع الصمت صوت ام سعد اللائم :
-قفلوا على السيرة دي ..ربنا يولع في كل واحد يعمل كدة في بنات الناس ...وربنا هيخلص من أهل بيته ربنا حليم ....
فتزيد من حديثها توتره تقول :
-هو في زي سي مالك ؟!...رجولة واخلاق وادب ونخوة مش زي رجالة اليومين دول ....
يقسم انه سمع صوت استهزاء يخرج من فمها المغطى بالنقاب لينظر لها مذهولًا من رد فعلها ..لايعلم لما دائما تتعامل معه بهذا الشكل وتلمح باشياء يجهلها ...او أشياء لايعلم عنها احد الا غيره .....
يصدح صوت هاتفه فيفتح المكالمة عند علمه بالمتصل فيقابله صوت صراخ أنثوي من الجهة الأخرى ليقول:
-غادة ..اهدي عشان نتفاهم ..
-..................
-مطار ايه ؟...انت هنا ؟.....
-دقايق وأكون عندك ماتتحركيش من مكانك .....
يغلق الهاتف بتوتر فيزفر بقوة يقول :
-أنا هوصلكم على اول الطريق يا ام سعد ...وخدوا اي مواصله للبيت ..لازم اكون في المطار حالًا عشان اجيب غادة .....
كادت ان تعترض ام سعد فالطريق طويل وخديجة لن تتحمل الحرارة في مثل وضعها ...كيف له ان يتركهم في مثل هذا الظرف لتقول :
-بس يا سي مالك ..خديج.....!!!
صدح صوتها الشبه باكي بصرامة :
-خلاص ام سعد ..السكة قريبة ..عشان ما نعطلش أستاذ مالك عن مشواره ......
.................
صارت مستندة بذراع ام سعد تشعر بالحرارة الشديدة وتعرق جسدها مع بداية زوال المخدر من جسدها ليزداد ألم خصرها لتقول ام سعدبفطرة:
-عارفة ياخديجة يابنتي مالك ده ما يستاهل ابدا الحيزيون اللي اسمها غادة دي ....أنا مش بقبلها لله في لله.
-مش مهم انتي تقبليها ..المهم انه هو بيحبها ....
تقوم ام سعد بضبط وشحاها في حركة رتيبة منها وتشيح بذراعها الحرة في الهواء :
-حب ايه يابنتي ...؟..هو اللي يحب يقعد كل ده كاتب كتابه ومايتمم الجوازة ...ولا عمري حتى شفته متلهف عليها زي اللي قبلها ...
صدمت خديجة من حديث ام سعد ..هل يعقل انه كان يحب احد آخر فتسأل بقلب منقبض :
-قبلها ؟؟..هو كان فيه قبلها ؟....
تمصمص أم سعد شفتاها لتقول :
-ايوه ..كان ..كان حاله غير الحال وكنت دايما اسمعه بيقول للحاج امتى هيروح يتقدملها رسمي ...بس مااعرفش ايه اللي حصل فجأة حاله اتقلب ...وقفل على نفسه ..يجي سنة وبعد كدة قرر يرجع شغله ولقيناه بين يوم وليلة بيكلم الحاج انه هيخطب والخطوبة قلبت كتب كتاب ...أهلها مش سهلين...وخصوصا امها....
تبتسم خديجة بمرار تقول :
-مش يمكن دي اللي تناسبه يا ام سعد ....اااااااااه...
تشبثت ام سعد بخديجة التى كادت ان تسقط لتقول بخوف:
-ايه يابنتي ؟..حاسة بحاجة ..؟..بس أما اروح للحاج هشتكي له من سي مالك ازاي يسيبنا كده في وسط الطريق ...
تربت علي يدها بإرهاق وألم ملحوظ:
-أنا كويسة ..بس الجرح شد اوي ..والمخدر راح من جنبي ..
تلفتت ام سعد لترى سيارة شخصية سوداء تقترب منهما ببطء لتقول لها :
-استني يمكن حد نعرفه يوصلنا ....
كادت ان تعترض لكن ألم خصرها لم يجعلها تجادل فهي تريد الاستلقاء فوق فراشها والنوم متخلصة من ألمها تقف سيارة سوداء فارهة وينخفض بعدها زجاج السيارة الأسود لتجد ام سعد تقول بترحيب :
-حازم بيه ...أهلا يابيه ...
يزيح النظارة السوداء من فوق اعينه ويلقي نظرة على الواقفة خلفها قائلا:
-خير ياأم سعد ..ايه اللي ممشيكي في الجو ده على الزراعي ....
-كنا في المستوصف عشان خديجة ومروحين.....
قالتها ام سعد بتوتر واضح فهي تعلم تنبيهات الحاج حافظ بخصوص كل مايتعلق بعائلة السلمانية ..
يلقى نظرة متفحصة لها يقيمها من رأسها لأخمص قدمها ثم يكمل حديثه لام سعد باهتمام:
-طيب اركبوا اوصلكم في طريقي...
رضخت للأمر حتى لا تثير شكوكه بالرفض بعد إلقاء أمره عليهما ..فهي تعلم مدى صلابته وشراسته فتساعدها في الركوب بجوار كرسي القيادة بحذر وتقوم هي بالركوب بالخلف .....
.......
جلست بجواره تشعر بالرعب الشديد تلعن تلك اللحظة" مالك "الذي وضعها في ذلك المأذق ...كان يلقي عليها نظراته الغريبة الذي كان يكابح في إخفائها لا تعلم لما يصيبها بالرعب من نظرته ..فتسمعه يسأل بصوته القوي :
-خير يا ام سعد ؟...بنت أختك مالها ...
تلبكت ام سعد في قولها فهي دائما تسمع عنه صلابته وحدة طباعه رغم صغر سنه ولكنه ورث الصفات القاسية من هذه البيئة والمجتمع :
-اصل ..خديجة كانت مجروحة وجرحها كان محتاج خياطة ..فوديتها المستوصف ....
صمت للحظات لم يعلق وبدأ يفكر بطريقة يحادثها بها ولكن ما يمنعه تلك العجوز الموجودة بينهما ..منذ اكتشافه لشخصيتها لم يمل من مراقبة تحركاتها بنفسه خوفًا من ان يصل اليها احد ..او تعلم عمته ثريا بوجودها فتعزم علي قتلها ..قبل ان يصل هو إليها ....يرفع عينيه ليشاهدها تستند رأسها فوق زجاج النافذة بتعب ..فهو منذ البداية يعلم بوجهتها وترك مالك لهما بالطريق ..ليتقدم منهما ويعرض مساعدته ....فيجعل الأمر صدفة...
........
وقف بجوار باب السيارة المفتوح باسط يده لها يعرض مساعدته في تحريكها ..تنظر لكف يده الأسمر المدود بتردد وترفع عينيها له لتجده يضيق عينيه ويتمعن في النظر في لون عينيها باستغراب من لون عينها البني فتتغير ملامحه سريعا ويعود لصلابته قائلا بهدوء:
-يلا ...خليني أساعدك ......
مدت يدها ليستريح كفها الأبيض الصغير داخل كف يده الأسمر ..لتنتفض عند شعورها بقبض أنامله على كفها بقوة تملكية ..ثم يسحبها ببطء يحاول إسنادها في الوقوف حتى نجحت في الاستقامة لتلاحظ مدى ضخامة جسده العضلي عليها فتستشعر دفء جسده برعب ..ليهمس لها بكلمات رعبتها لم تسمعها غيرها :
-milla sicaurzza....(ميلا سيكورزي)
(الف سلامة)........
ليتبع جملته المرعبة رفعه لكف يدها لفمه يهديه قبلة هادئة ...
تقف امامه بحدقتان مرتعبتان هل ماسمعته صحيح ؟!...لقد حدثها بالإيطالية منذ لحظات ..هل يعلم عنها شئ ..؟!..فتسمع صوت ام سعد من خلفه تشكره عندما طالت وقفته يتأملها عن قرب
ليتحرك مفسحا لها المجال لتساعدها ...
تسير مغيبة ..معلقة عينيها بعينيه برعب لترى ابتسامة شقت جانب فمه مع رفع اصبعي السبابة والوسطى يقربهما فوق جبينه كتحية عسكرية .......
.....................................
&&&&&&&&&
ارواحنا  كالزجاج
املس السطح ...ناعم الملمس ...نظيف الهيئة
يعكس صورتنا من خلفه بجمالها وروعتها ونقائها
مثلما يعكس ضوء الشمس ألوانًا كألوان قزح ....تخشى عليه من لمسه واتساخه ...كما تخشى ان يصيبك بجرح منه..
مع اول لمسة له تظهر اول بصمة تطبع عليه لتسئ من هيئته ..ليتحول نقائه وصفائه لشئ مدنس ملوث ...هكذا كانت روحها .....ثم اصبحت...!!!!
.........
تجلس خارج البيت متكورة ضامة ساقيها لجسدها تنظر للامام منفصلة عما حولها ...تجلد روحها يوما بعد يوم ..تريد الخلاص ...فيضيق عالمها بها..قدرتها على التحمل أصبحت وشيكة النفاد ..فكرت كثيرا خلال السنوات الماضية في التخلص من روحها المعذبة ..حتى تنعم بالراحة الأبدية ..ولكن مع كل محاولة كان يظهر لها بصيص بسيط من الأمل الوهمي يجعلها تعزف عن هذه الخطوة ..ربما لها نصيب في ان تكون حية حتى هذه اللحظة ليزداد قدر ألمها عن ذي قبل ..فهي تستحق ماتشعر به الان من آلام بروحها المغتالة برؤيته يزف لغيرها ..كيف لها ان تتحمل رؤيته ينهل من السعادة مع من اختار..كأنها سراب او حلم مر عليه يوما مرور الكرام .. ويبقى لها البؤس والحزن والضياع ؟!...
لم تحسب انها ستتأثر لزفافه ..ظنت انه قتلها واحتفل فوق جسدها من قبل ..ليخطو بعدها خطواته لمستقبله دون النظر خلفه دون ان يبالي.....شردت في ماضيها المؤلم كعادتها  ......
..........
(((((تجلس على احد المقاعد بالجامعة بجسد مرهق انهكه الحزن والغضب منه تشعر اليوم بتوعك شديد لقد نست تناول جرعة الانسولين صباحا قبل التوجه لكليتها ...دام خصامه لها أسبوعًا كاملًا لم تتخيل يوما انه سيستطع فعلها رفعت أناملها المرتعشة تزيح خصلاتها عن جبينها المتعرق تدعو الله ان يصل سائقه الخاص في موعده ولا يتأخر كعادته بسبب الزحام ...اتصلت به اكثر من مرة لتعجل من حضوره تشعر بان سيداهمها إغماء مفاجئ او ربما تصيبها غيبوبة سكر مفاجئة .
لتقول أمينة بتزمر بادي عليها:
-مش عايزة تقولي مش عايزاني اكلم مالك ليه؟..انتو  لسه متخانقين ؟
ترفع يدها تمسك عرقها البارد بتعب تحاول الحديث بصعوبة:
-ارجوكي ياأمينة مش قادرة أتكلم حاليا...أنا كلمت تيجي من كليتك عشان خفت لا يحصل حاجة وانا لوحدي....
تربت امينة على كتفها بتأثر بالغ تقول :
-خلاص بلاش دلوقت ....بس خليه يجي انت شكلك تعبان اوي لازم تروحي المستشفى ...
تندفع شيراز ناهرة صديقتها :
-لا ...أنا مش عاوزة مالك يعرف أني تعبانه ارجوكي ياامينة انا مأمناكي علي السر ده حتى مامتك ماتعرفش......
تصمت امينة للحظات :
-طيب مالك مسيره يعرف ...لازم يعرف ..انت ليه خايفة تعرفيه؟ ...الموضوع عادي كل الناس بيجيلها مرض السكر ..ده مش اخر الدنيا ...
-هيعرف بس مش دلوقت ..أنا خايفة ...يسيبني عشان كده.....
تجحظ عين أمينه ذاهلة من تفكيرها وضعفها لتقول موبخة إياها:
-انتي ياشيراز تفكري في كده...سيبتي ايه للجهلة ...ده انتي مش عارفين نحوط عليكي من كتر الشباب اللي عايزين يكلموكي ...وكمان أنا اللي مايقبلنيش بعيبي بالسلامة وأمه دعياله....
-اديكي قولتي عيب!!!!!...مالك كل حلمه ياخد واحدة مافيهاش غلطة ..كاملة ...وده أنا اكيد فهمته من غير مايتكلم ....وانا لازم اكون مستعدة لأي وقت مالك يسيبني فيه لما يعرف........
-انت اكيد مجنونة .....لم تكمل حديثها بسبب رؤيتها لمالك يتلفت يبحث عن هدفه لتقول بسعادة :
-مالك!!!...مالك هناك اهو...كادت ان تشير اليه وتنادي ولكن منعتها شيراز بقوة تقول برجاء وهي تقوم بجمع أشيائها وكتبها من فوق المقعد بتوتر:
-لا ...أنا همشي ...اكيد جاي يدور عليكي مش ...مش عليا ...
-استني بس ياشيراز ....
ولكنها لم تستجب لحديث صديقتها لتنصرف بسرعة قبل رؤيته لها في تلك الحالة ....
.....
كان يقف امام كليتها التى ارتادتها (كلية الاقتصاد والعلوم السياسية) يمرر عينه على الموجودين لعله يعثر عليها ...بعد اتصال عم حسن به ليبلغه بالتقرير اليومي لها وعن مواعيد حضورها ورجوعها فترة غيابه ..تفاجأ برجائه ان يذهب اليها ليقلها للمنزل بدلًا منه بسبب تعطل السيارة ...لم يطاوعه قلبه تركها هكذا ..يعلم انه غاضب منها بطريقة كبيرة ولكنه لن يستطع تحمل فكرة تركها وحيدة بهذا الشكل ...يسمع صوتا ينادي عليه فينتبه لوجود امينة تسير اليه على عجالة ..يقترب منها يتساءل عن هدفه:
-امينة؟...انتي هنا ؟!!!....ماشوفتيش شيراز ....
-شيراز لسه خارجة حالًا ..ياريت تلحقها .....
.........
وقفت امام باب الجامعة الخارجي لا تعلم ماذا تفعل ؟..اتستقل سيارة اجرة لوحدها للمنزل ؟!..لقد حذرها مالك اكثر من مرة من ركوب مع سائقي الأجرة وحيدة .....تشجعت بعد لحظات فيجب عليها ان تواجهه هذا المجتمع بدون مساعدة ..فترفع يدها ملوحة بأقرب سيارة امامها كما تراهم يفعلون .....تشعر بعدها بألم في ذراعها مع خفضه بقوة غاضبة ليقول بغضب:
-فكري كدة تركبي وانا اكسر رجلك ...
يبتعد عنها بغضب ويدور حول سيارته ويأمرهما بغضب:
-اركبوا!!!!.....
تدب بأرجلها أرضا لقد ملت من التعب والضيق تشعر بعصبية رهيبة تملكتها وضيق من تحكمه بها الذي يزيد من خنقها تقول صارخة:
-مش هركب  ها.....!!!
نظر لها بضيق يلقى عليها نظرات حارقة لقد بدأت المارة يلتفتون لهم فتصدح نبرته الآمرة :
-امينة !!...اركبي ورا ....
لبت امينة طلبه برعب من تقلبه ....
ثم يتوجه اليها ممسكا بذراعها بقوة يجرها خلفه بصمت مع محاولاتها الضعيفة الإفلات منه فيدفعها بقوة ألمتها بالمقعد المجاور له ...ليقود لوجهته.....
..........
ظلت جالسة تكبد ضيقها وغضبها المتزايد تقوم مسح دموعها التي تجري فوق وجنتها بصمت مع هز أرجلها بغضب ...ليقطع صوته الصمت المحلق بالمكان قائلا:
-هوصلك يا امينة الاول وبعدين هوصل الهانم .....
لتلقى عليه نظرة بسبب سخريته لتجده متجاهلا لها عن عمد .......
......
أوقف السيارة على جانب الطريق يحاول تنظيم حركة تنفسه لعله يهدئ غضبه منها ولا يصيبها بطشه الأعمى ليقول من بين أسنانه وهو ينظر  امامه:
- هتفضلي لحد امتي غير مسئولة ...و بتكسري أوامري ....
ظلت تبكي بصوت مسموع يألمها قلبها منه تقول مدافعة عن حالها :
-أنا ماعملتش حاجة غلط ...لو سمحت عايزة اروح البيت..حالًا ....
كلماتها أشعلت ناره ليواجهه بجسده يصرخ بوجهها :
-ماعملتيش غلط ؟!....أما ادخل عليكي تدريب البالية والاقى المدرب واقف ماسك جسمك .وحضنك وانا منبه عليكي ...محدش يلمسك ...ده مش غلط يا هانم .؟!...ولما اكون محذرك ماتركبيش تاكسي لوحدك وتكسري كلامي ..ده يبقي ايه ؟
تصرخ بتعب بوجهه :
-قولتلك انت فاهم غلط ...المدرب كان بيسندني كنت هقع ،...وكفاية دخلت كسرت له مناخيره ومنعتني من التدريب.....عايز ايه تاني ؟؟؟.....
-تعتذري....تعتذري ياشيراز ....
ظلت تنظر اليه بصدمة من تملكه لها لتقول بهمس مهزوز :
-اعتذر؟!....
-ايوه ياشيراز تعتذري وحالًا ....وتوعديني انك هتنفذي كلامي بالحرف ....
تساءلت بصدمة لم تكن تتوقع ان يريق كرامتها هكذا :
-ولو مااعتذرتش يامالك.....هتعمل ايه؟...هتسيبني ؟!...
ظل صامتا ينظر لها دون اجابه كأن سؤالها آفاقه من تهوره وغضبه لاحظ في عينيها نظرة انكسار أوجعته ..لم يرد كسرها بل أراد تقويمها على طريقته ..لقد احبها وعشقها يريد إخفائها عن اعين الغير ..تنهش الغيرة قلبه... تأكله عندما يرى نظرة أعجاب الغير بها ..تلك الجنية الصفراء الشقية ....
لتكمل بانكسار مع إشاحة يدها ام وجهها في الهواء:
-انت بتعمل فيا كده ليه؟!!...قولي ...هو ده الحب ؟ ..هو ده الحب يامالك ..انه يذل ويكسر ويضعف صاحبه ..لو ده الحب يبقى أنا كنت فاهمة غلط ...يبقى مش عاوزاه ..مش عاوزااااااه...
تصرخ بانهيار شديد ليحتقن لون بشرتها الاحمرار الشديد مع ظهور عرقها الشديد موجهها واهتزاز جسدها بشكل ملفت...
حاول السيطرة على انفعالها الغريب الذى لم يراه عليها من قبل ..فهي دائما رقيقة حانية سهلة الكسر ..لم يرد ان يضغط على أعصابها اكثر من ذلك فيقوم بمسكها من ذراعيها بقوة محاولا تهدئتها وتهدئة صراخها وانفعالها الغريب يضمها الي صدره بقوة مع محاولتها لمنعه ان يقترب منها ليقول لها بصرامة :
-اهدي ...اهدي ....بطلي عياط ...بلاش نتكلم دلوقت ...
ظلت على هذه الحالة وهو يحاول بثها الهدوء والطمأنينة فتهدأ بعدها مع استمرار تشنج بكائها الصامت يهمس لها بهدوء:
—أنا عمري مااقدر اكسرك او اذلك ابدا ...انتي عمري وحياتي ونفسي اللي بتنفسه ..أنا مصدقت لقيتك ..تفتكري اقدر ابعد عنك ....واسيبك ....؟!
بعد لحظات ظن انها هدأت من نوبتها شعر بسكونها الغريب مع سقوط رأسها للأسفل ..فيقوم بهزهها يقول:
-شيراز؟...حبيبتي ..انتي نمتي؟!....شيراز !!!......شيراز ؟!!!...
لم تستجب له شعر ان هناك ان هناك خطب ما..حاول معها مرات ومرات حتى انقبض قلبه ..لينادي عليها بصوت ملتاع:
-شيراز!!!!!!.....

باليرينا الشرق( مكتملة)محولة للورقي الآن مع تعديل السرد وتحويلها للفصحى كلياWhere stories live. Discover now