الفصل التاسع

5.5K 204 2
                                    

الفصل التاسع
❤️❤️❤️

وقف امام غرفة الطوارئ  لايستطع التفكير ...شعر بالرعب من فكرة فقدانها للأبد ....هو من تسبب لها في تلك الحالة ....يسب ويلعن غبائه الذي جعله لم يلاحظ تغيرها وتعبها الواضح على جسدها ووجهها ...مع عصبيتها الجديدة عليها ...توقف بالنسبة له الزمن عند كلمات الطبيب يبلغه بتعرض المريضة لغيبوبة سكر من النوع الصعب ...بسبب ارتفاع نسبة السكر بشكل مبالغ فيه مع عدم تناولها لجرعة الانسولين المطلوبة لها ......
يقف ذاهلا من حديثة ..اكانت مصابة بمثل هذا المرض ولم تبلغه ؟...لما؟!...لما اخفت عنه مرضها؟!...تلك المجنونة.......
شعر بحركة خلفه ليجد أمينة وخالته يقولان بقلق:
-ايه اللي حصل يامالك ؟!!...شيراز مالها؟.....
يسأل امينة بلوم واضح :
-انتي كنتي عارفة ان صاحبتك عندها السكر ؟.....ومابلغتنيش؟!.....
فتسأله امينة بخوف بدورها :
-انت هتسيبها؟...
يتعجب من سؤالها ليقول مستفهما:
-أسيب مين؟
نظرت له بقلق فتبلغه ببطء:
-شيراز كانت خايفة انك تعرف بمرضها...خافت تتخلى عنها....وتسيبها ....عشان عندها السكر ....
ألم شديد ضرب صدره ..كيف لها ان تنظر له مثل هذه النظرة ..بماذا اخطأ ؟!...ليقول موبخا لها :
-انت وصاحبتك ..اغبى اتنين شوفتهم في حياتي .......)))))))
............
عادت من شرودها عندما لفتحتها البرودة في مثل ذلك الوقت لتنتبه لبداية بزوغ الشمس كخط ابيض يظهر بإستحياء وسط السواد الحالك ..يجب عليها الحصول على بعض الراحة فاليوم ملئ بالأحداث المتوالية من بداية قرار عقد قرانها على وجهه السرعة بسرية تامة لتخضع لطلب الحاج متضررة ..لخبر رجوع خالته وابنتها أمينة للانتقال مرة أخرى والاستقرار في تلك البلدة ..تفاجأت في بداية الأمر من هذا الخبر لتتحول مشاعرها من الصدمة للسعادة للخوف من فكرة مقابلة أمينة صديقة المراهقة ..خوفًا من انها لا تستطع التحكم في مشاعرها فتخونها  وتكشف سرها ....تتحرك من مكانها بصعوبة لقد تيبست قدمها نتيجة الجلوس لفترة طويلة  بهذا الشكل دون مراعاة لجرحها الذي لم يندمل .....خطت خطواتها البطيئة بهدف الوصول لباب البيت ولكن شئ اجبرها لترفع عيناها لشرفته لتجد الضوء منبعث منها لتسأل حالها "ترى ماالشئ الذي يؤرقه ليجافيه النوم مثلها؟...غادة عروس المستقبل !!!"
..............
منذ عودته من الفندق ومقابلته لتلك الثائرة الغاضبة ..وبعد النجاح في تهدئتها من ثورتها بدأ يحارب شعور غريب لا يستطع تحديده ..من تأنيب ضمير على فعله  في حقها بتركها في منتصف الطريق بهذه الحالة فهذا ليست من شيمه ...ليسرع و يوئد هذا الشعور  سريعا حتى لا يتملك منه اي تعاطف اتجاهها ...فسرعان ما يهاجمه شعور اخر بأنه يألفها ..يعرفها حق المعرفة ..فيرجع ذلك لمكرها ونجاحها في إمالته اتجاهها بتخطيط منها ..شعر بحاجته الملحة لتناول القهوة في مثل هذا الوقت لعله يتخلص من صداع رأسه....
......
وقف يتابع قهوته التى ستساعد في تهدئة هذا الصداع المتملك لرأسه ولا يريد ان يتحرر منه ..فيشعر بازدياد ضربات قلبه فجأة وقبضة ضربت قلبه فهذا  الشعور الغريب يهاجمه كل فترة ويتجاهله متعمدا .....يلتفت  خلفه فجأة لتفلت القهوة من يده كالذي يرغب في القبض على شبح يطارده ..فيراها تقف بباب المطبخ منحنية الرأس كأنها تشجع حالها على تنبيهه لوجودها ..ليزفر بغضب بسبب سقوط القهوة فوق الموقد اثناء إلتفاته فجأة بدون انتباه منه ..فيسمعها تطلب بحرص وصوت حزين واضح:
-أنا كنت جاية اشرب لان تلاجتي مافيهاش ماية
تسمعه يتنهد بملل ويشير بيده لها ان تدخل يقول بتهذيب غريب عليه:
-تعالي ياخديجة ..كويس انك صاحية عشان عايز أتكلم معاكي شوية ...
فيشير لها بالدخول والجلوس على الطاولة الصغيرة بالمطبخ
تدخل بأرجل مترددة تلعن حالها على التوجه للمطبخ في مثل ذلك الوقت لتصطدم بوجوده ..من لحظات وقفت تراجع حالها بان تعود لحجرتها قبل ان يراها ولكنه كان اسرع منها عندما لاحظ وقوفها ...فتلاحظ سكبه للقهوة فتعرض مساعدتها له قائلة:
-اقعد انت وانا هعملك قهوة بدل اللي وقعت....
-اكون شاكر ليكي ...لأني مش بعرف اضبطها ....
قالها مالك بود حقيقي غريب عليه
فتراه يتجه للجلوس بأريحية فوق كرسيه ...فتبدأ هي بإعدادها تحت أنظاره المراقبة لتفاصيلها المختبئة تحت ملابسها السوداء ...تنتفض عندما تكلم يسألها :
-اسمك الحقيقي خديجة ؟.....
ظلت صامتة تنظر امامها تشعر بالارتباك من سؤاله فتقول بصوت منخفض :
-أيوة ...اسمي خديجة ....
يسألها مرة أخرى :
-عندك كم سنة؟؟...
اه لو يعلم انها شاخت وكهلت على يده ...
لتنتبه لتحذيره قائلا:
-القهوة هتفور تاني.....
تسكبها بشرود بفنجانه المخصص وتتجه تضعها امامه ..وتهم للاستئذان فتسمع صوته الرجولي يقول :
-اقعدي....احنا لسه ما خلصناش كلامنا......
تجلس بالكرسي القريب منه مخفضة الرأس يشعر بتوترها دائما ولكن مايقلقه هو ضربات قلبه المؤلمة التى لاحظ ازديادها عند قربها هي عن غيرها ..أراد التأكد من التغيرات التى تحدث له اثناء قربها لعله يتوهم ...ها هي تجلس عن قرب ويعود شعوره السابق من ضربات متزايدة تلكم قلبه لكمات مؤلمة ..يحاول السيطرة على تلك الضربات المتمردة ..فيجلي صوته يقول:
-انت عارفة ان انهاردة  هكتب عليكي  ..فكنت عايز أنبهك لحاجات عشان مايحصلش مشاكل بينا.....
ظلت صامته على وضعها فتراه يرفع فنجان قهوته بيد مهتزة يرتشف منها رشفة محاولا عدم النظر لها ..ليكمل عندما التزمت الصمت :
-كل حاجة طلبتِها هتنفذ ..زي مثلا ان ما اشوفش وشك ..ومدة جوازنا هتنتهي وقت ما تطلبي في اي وقت ..اول ما تحسي انك بأمان .....لان الغرض من الجوازة دي شئ واحد بس هو حمايتك زي الحاج حافظ ما أمر ......
في حاجة تانية حابب ألفت نظرك ليها ان مافيش حد يعرف بالجوازة دي الا أربعة أنا وانتي والحاج وووغادة ...وطبعا مش هنبهك ان الجوازة هتكون على الورق فقط ..يعني مالوش لازمة كيد النسا اللي أنا عارفه......
من ينظر لها يراها كالتمثال كأنها لم تتأثر بحديثه لا يعلم بالضربات المتتالية التى تضرب صدرها لتدميه ..لتجيبه  بكبرياء :
-ماافتكرش ان واحدة زي طلبت من اللي هيكون جوزها ما يشوفش وشها ..هتكون نفسها تتمم الجوازة معاه.....
وصله نبرة السخرية والتحقير منها ..لما يشعر انها دائما تقصد تحديه ....
يتحرك من مجلسه فجأة يتجه الي برادة المياة ويسكب المياة الباردة بكوب زجاجي طويل ويتجه ببطئ من خلفها ويضعه امامها بعزم قائلا:
-ولا أنا عمري افكر في ان اتمم الجوازة منك .....
تجفل من قربه لقد كان منحنيًا للامام يمسك ظهر مقعدها بيد واليد الاخري ممسكة بالكوب المستريح فوق الطاولة ...تتواجه اعينهما معًا ويطيل النظر اليهما يشعر بارتباك شديد وخوف منهما ليقول باستغراب واضح :
-هو أنتِ لون عنيكي ..بني ؟؟....
انخفضت عينيها سريعا بارتباك ويستقيم هو مبتعدا يعود لمقعده فتجيبه باختصار تلعن حالها ..لقد نست ان تخبر فزاع بنفس درجة اللون السابقة ليحضر لها عدسات بنية بدلًا من السوداء :
-اه ...بني......
-تقريبا كنت شايفها سودا قبل كده ...
تحاول التبرير حتى لا يصيبه الشك اتجاهها :
-اه اصلها بتتغير ...في الشمس بتبقى سودا وبليل بني ...
بدا عليه غير مقتنعًا كيف تكون في ضوء النهار أغمق من الليل من المفترض العكس ..لم يطيل التفكير في الأمر وتجاهله ليقول :
-كنت قولتيلي قبل كده انك هربانة عشان قتلتي حد .....انت فعلا عملتي كده؟! ....
-ايوه ....فعلا عملت كده....
شعر بغموضها الشديد فيكمل:
-هو ..اذاكي  ..؟؟
-تمسك بكوبها وترفع حافة نقابها لتشرب بضع رشفات فتقع عينيها عليه وهو يضيق النظر لوجهها الذي انكشف من الأسفل بفضول فتعود بتغطية وجهها سريعا يبدو عليه ان فضوله سيزداد يوما عن يوم اتجاهها وهذه كارثة ...
لتجيبه بتحدي :
-ياريت كل اللي يأذينا نعرف ناخذ حقنا منهم بالقتل ......ماكانش حد اذى حد في الدنيا.....
-مش منطق ...هتبقى غابة..أما كل واحد يقتل التاني....
لتسأله سؤالًا لم يتوقعه ولم يعرف له إجابه ..لم يتوقع ان يسأل مثل هذا السؤال:
-لو حد حاول يعتدي على أهل بيتك ..ياترى ده هيكون موقفك؟؟؟.
ابتلع ريقه بتوتر ليقول باندفاع :
-اكيد هقتله...
تبتسم ابتسامة ظهرت على اعينها ..ابتسامة سخرية من رأيه ..لقد اكتشفت الكثير عنه وهي "خديجة .."فهو ينادي بالقيم والمبادئ ويخالفها بإرادته.....
تلاحظ رغبته لتغير مجرى الحديث ليقول لها بثقة:
-أنا ..كنت عايز أقولك ان مكنتش اقصد ان اعورك في الشجرة ..فياريت ده ما يسببش عداوة بينا .....ونبدأ صفحة جديدة....
-اعتذر !!!!
امرته بثقة متبادلة تتحداه بها كما كان يفعل معها:
-نعم؟!!
-بقولك اعتذر ....
قالتها بتحدي اكبر ارادت التعامل معه كمان كان يتعامل معاها من قبل .....كان يستغل حبها له في السابق يكسرها ويضعفها
ليقول بضيق:
-مش هعتذر طبعا ....وإذا كان عاجبك ....
صدرت ضحكة مغتصبة لينظر لها بكره لتخبره:
-مايهمش ..سواء اعتذرت او لا الموضوع خلص ...ولا اعتذارك هيشفي جرحى ولا هيرجعني ......سليمة ....!!
قالت كلمتها الأخيرة ببطء شديد كأنها تريد إرسال له رسالة محددة ...بشكل متواري ..كل مرة يحدث نفس الشئ معه لايعلم ما تخفيه ...يشعر دائما انها تعلم أسراره وتلمح لها من بعيد ...هل هذا بسبب ذنبه الذي يحمله فيتحسس من ابسط الكلمات ام بالفعل تعلم شئ عنه ؟!...
همت تتحرك من مكانها تحت نظرته الجاحظة وقبضة قلبه الموجعة يحاول معرفة أغوارها ..لا يعلم لما انتفض من مجلسه يمسكها من ذراعيها بقوة ألمتها لتصطدم صارخة بصدره ...
شعرت بالخوف من اقترابه وهجومه المباغت فتتداعى في عقلها بعض الذكرى السيئة بينهما ..لتشعر بالمضخة التي تتسارع ضرباتها داخل صدره مع تسارع تنفسه كالخارج من سباق للعدو ...هل بالفعل خشت من غضبه كسابق عهدها معه ام خافت ان تضعف مقربه ويضعف قلبها معه مرة أخرى؟ ..بعد ان استمرت سنوات تشحذ قلبها بالكره اتجاهه لتنال حقه المغتصب منها.
رفعت اعينها لعينيه الجاحظة كالمغيبة لتجده يبثق كلماته بوجهها :
-انتي ايه اللي مخبياه عني بالضبط؟...ليه حاسس دايما انك بتلمحي لحاجة مش فاهمها  ....انتي عايزه ايه بالضبط ؟
رفعت أناملها تلامس كف يده راغبة في تحرير ذراعها منه ..ليضرب جسده صاعقًا كهربائيًا من لمستها أراد اخفاء هذا التأثر فيقوم بدفعها بقوة يبعدها عن مواجهته بجفاء واضح فتتعثر من قوة دفعه خطوتان للخلف ..يخترق هذا المشهد  شهقة قوية صادرة من ام سعد التى كانت شاهدة على الموقف لتقول بقلق:
-اسم الله عليكي يابنتي .....حاسبي لتقعي ....فتكمل حديثها بلوم به :
-ليه كده يابني ؟...ده حتى جرحها لسه مالمش ........
لم يضف كلمة ظل ينقل نظرة بينها وبين ام سعد بضيق لينصرف من امامهما بخطوات واسعة متوجهًا لحجرته  يحتمي داخل جدرانها من الشعور الذي يهاجمه معها....
..............................................
تم عقد قرانها بسرية تامة ..لقد حرص الحاج حافظ على الذهاب بنفسه وعدم إرسال المأذون حتى لا يثير التساؤلات بخصوص وجوده ببيته .....بكلمة واحدة فقدت حريتها التى كانت تنشدها لتقيد بسلاسل من النار على يد عدوها ...كلا منهم يحاربه شعور مخالف عن الآخر ....من ضيق وكره لتلك القابعة كالحمل الوديع ...لحسرة وضياع تشعر هي بهما ....لراحة واطمئنان لسد الدين جاهلين عن الجالس المراقب لهما ....يحمد الله ان ابنه لم يهتم بقراءة بيانات قسيمة الزواج ..حتى صورتها القابعة بجوار صورته بالعقد استطاع الحاج إلهائه عن النظر لها عند إمضائه ليبث هذا شعورا بالراحة بقلبها ....
كثيرا كانت تكره اسمها الحقيقي المسجل بشهادة ميلادها ..تتذكر انها كانت تثور دائما على والدها الحبيب عندما كان يحب إغاظتها وينادي عليها به ...لقد اصر عند ولادتها تسميتها على اسم والدته (جدتها)رحمة الله عليها....ليقابل ذلك رفضا من والدتها رافضة هذا الاسم لتطلق عليها اسما اخر  ملائم لملامحها كما ظنت ...عرفت به بين أصدقائها ومعارفها على مدار ١٧عاما بين الناس جاهلين اسمها الحقيقي ..(شيراز)......
فاقت من دواماتها على ظله الذي اخفى ضوء الحجرة ترفع عينيها له بشرود تنتظر حديثه ليقول بنبرة متهكمة :
-مبروك يا...عروسة .......
ارتعبت وقلقت من نبرة صوته فشجعت نفسها حتى لاتظهر له ضعيفة تجيبه :
-الله .....يبارك فيك .......
فتشعر بيده التى امسكت ذراعها برفق يسحبها يساعدها للوقوف يقربها له ناظر لعينيها عن قرب ...ينخفض ليهديها قبلة طويلة فوق جبينها شعرت بصدقها للحظات فتتفاجأ بهمسه بجانب أذنها يتوعدها:
-ايامك السودا جاية على أيدي ...متستعجليش....
-هنشوف مين اللي أيامه هتكون سودا يا.....ياكابتن.........
قالتها بتحدي بالغ له وهذا يزيد من غضبه ويؤكد عدم صفاء نيتها اتجاه هذه الزيجة .......
كان يقف خلفهم الحاج حافظ مستغلا انشغالهما ...ليقوم بتوصية المأذون على شئ ما فيلتفت لهما يقول براحة :
-مبروك ياولاد ...مبروك يامالك .....
فيرجه حديثه لابنه ويكمل:
-أنا نفسي مفتوحة انهاردة محتاج اكل أكلة حلوة بمناسبة اليوم ده ،...ها يامالك هتودينا فين ؟...عايزين نفرج خديجة جمال محافظتنا هي ماشفتهاش ......
يضيق عين مالك باستغراب فيسأل حاله "كيف لم تشاهد المحافظة ؟...الم تكن من سكانها ..فهذا الحديث يؤكد انها ليست من سكان هذه المحافظة او الوجه القبلي عموما ...وهذا يظهر من سلوكها وطريقة حديثها "....ينفض الأفكار عنه فهو لايريدالتفكير فيما يخصها ....
.....................
جلس ثلاثتهم على مائدة بمطعم شهير بالأقصر  عائم على النيل يحيطه الزجاج من جميع الجوانب ليكشف روعة المنظر من خلفه ..اختاره الحاج حافظ خصيصا لها ..وضعت الأصناف امامهما كل منهما يتناول وجبته بنهم متناسيين تلك القابعة معهما لاتستطع تنظيف سمكتها من الشوك... ولا الأكل بحرية بسبب نقابها فاكتفت بتناول بعض ملاعق الأرز لتوهمهم بتناولها لطعام  ..تسمعهم يتبادلون الحديث بجدية فيما بينهم ...اول مرة تراه مع ابيه مندمجا بهذا الشكل ..دائما غاضبا ثائرا ...ليقول الحاج حافظ :
-هما قالولك هيجوا امتى على كدة؟
يجيبه مالك وهو مشغول بتتظيف سمكته:
-يومين كده ...اصل عرفت منها ان خلاص هيستقروا مدة هنا ..بسبب مضايقات طليق امينة ....
انتبهت على ذكر اسم امينة للحوار لتشعر بقلبها ينبض بسرعة من شدة السعادة لتقول هامسة :
-امينة ؟!.....
انتبه كلاهما لها في تعجب واضح ليقول حافظ بحبور :
-امينة دي تبقي بنت خالة مالك من سنك كدة ...لو شفتيها هتحبيها على طول ..أنا متأكد أنكم هتبقوا اصحاب ....
تهز رأسها بوجوم واضح تحدث حالها"احنا فعلا اصحاب"
لتتركهم في حديثهما مرة أخرى تشرد للامام وتفكر ماذا ستفعل ؟...من المؤكد انها ستجبر على كشف وجهها امامها وعندها ستعلم بشخصيتها كيف ستهرب من هذا المأذق ؟..لو علمت من المؤكد ستخبره وهذا ماترفضه ..لا تريده ان يعلم بشخصيتها ..حتى تستطع تنفيذ ما خططت له...
اثناء شرودها لم تنتبه ليدها التي بدأت في تقطيع السمك بشرود وتناوله من خلف نقابها بدون وعي ..لتجد من يهديها ابتسامة ماكرة يليها رفع أصابعي السبابة والوسطى يقربهما لجبينه ويبعدهما كالتحية العسكرية كما فعل من قبل لتنتفض رعبًا عندما اكتشفت شخصيته ..هو من أوقعت  الشاي فوق ملابسه ومن اقلهما للبيت من قبل ..عند هذه النقطة تذكرت همسه بأذنها بالكلمات الايطالية لتشعر فجأة بمرور الطعام بالقصبة الهوائية بشكل خاطئ فتسعل بشدة رهيبة لا تستطع التنفس بطريقة صحيحة تمسك حنجرتها بيدها
....
كان مندمجا بالحديث مع والده لينتفض على سعالها المفاجئ بشكل خطر ...يراها تنحني للامام ممسكة رقبتها لاتستطع التنفس ليتحرك مسرعا يقف خلفها يضرب ظهرها بكف يده لعله يخرج ما حشر بحنجرتها ذكره هذا الموقف بموقف سابق مع من سلبت لبه وعقله ...فتلفتت تتشبث بذراعه مستنجدة به ان يساعدها ....ليجد ضربات قلبه تتسارع خوفًا على تلك القابعة امامه فيسرع باحتضانها من الخلف ليضغط على صدرها بذراعيه عدة ضغطات متتالية بخوف ..انفصل لحظتها عن العالم من حوله كل تفكيره انقاذها كأنها هي ..هي من تعاني من نوبة الاختناق نفسها...لم يعلم متى توقفت عن السعال ؟...فاق على هزة قوية بكتفه صادرة من والدة مصاحبا لصوته القلق:
-مالك!!..مالك !..أنت كويس .....
يرفع عينه باستفسار عن مقصد والده ليجده واقفا بجواره ممسكا كتفه ...ليجيبه مالك بتساؤل:
-اه كويس في حاجة ؟!.....
فيشير حافظ بعينه لتلك القابعة بين ذراعيه ضاغطا عليها بقوة ليقول بقلق واضح:
-خديجة !.خديجة بقت كويسة ...بقالنا ساعة بنقولك خلاص بقت كويسة وانت مش سامعنا...
ليكتشف انه ضاغط عليها بقوة ..لينتفض مبتعدا ليراها تستند علي المقعد منحنية الظهر والرأس تحاول التقاط انفاسها ..شعرت بألم في عظام صدرها من قوة ضغطه لا تعلم لما استمر بالضغط عليها بهذه الطريقة المؤلمة رغم شعورها بالتحسن وطلبها منه الابتعاد اكثر من مرة ولكنه لم يتوقف .....فتشعر بكف دافئ يستريح فوق ظهرها مع صوته الحنون:
-فيكي حاجة يابنتي ؟...حاسة انك تعبانة ؟؟....
هزت رأسها بالنفى تقول بصوت منخفض :
-أنا كويسة ..هروح الحمام انضف هدومي...
لتتحرك من أمامهم بعد ان القت نظرة على ذلك المجهول الذي يطاردها ولكنها لم تجد بمكانه ..لتتنفس الصعداء بانصرافه ..فنظراته ترعبها .....
.........
جلس شاردا فيما حدث منذ قليل ليربت والده على كف يده لينتبه له ويقول بصوت متعقل:
-مش عايز تحكيلي ؟...هتفضل لحد امتى مخبي ؟!...مش يمكن لما تحكي وتفضفض تستريح ....
ابتلع مالك ريقه بصعوبة ويعتدل في جلسته يواجه والده بتردد يقول :
-مخبي ايه بس ..مافيش حاجة مخبيها ...انت بس بتهيألك ...
-انت لسه بتحب البنت اللي حكتلي عنها ؟!...
تعجب مالك من سؤاله المباشر لقد مر اكثر من اربع سنوات علي هذه القصة ..قد كتبت نهايتها قبل بدايتها ليجيبه :
-ما بقاش فيه بنت ياحاج ..القصة انتهت قبل ماتبتدي ..وكمان ده سؤال بردو لواحد لسه كاتب كتابه ......
نظر والده له بغير اقتناع فهو اكثر شخص قريب منه يشعر به وبمعاناته .. يدعو الله ان يريح قلبه وعقله وتكون زيجته اليوم خير زيجة .....
........................
وقفت بإرهاق بادي على ملامح وجهها يظهر عليه الاحمرار الشديد نتيجة نوبة الاختناق التى مرت بها منذ قليل ..تمد يدها برتابة تفتح صنبور المياة تنظف بقايا الطعام الذي سقط فوق ملابسها السوداء وتغسل وجهها لعلها تفيق من تأثرها البادي للحظات قربه منها ..فهذا المشهد ذكرها بذكرى قديمة او بالأصح "حادث المارشيملو "كما كان يطلق عليه ..ابتسمت بحزن تنظر لعينيها بانكسار عندما تذكرت كيف منعها من تناول مثل تلك الحلوى الا تحت إشرافه ومراقبته....
........................
وقف مستندًا بظهره للحائط متخفيا عن الأنظار بممر جانبي بجوار الحمام يضع يده اليمني بجيبه والأخرى ممسكة بسيجارته غالية الثمن ينظر للسحابة البيضاء الذي ينتجها اثناء زفيره بشرود وعلى وجهه ابتسامة خبيثة ماكرة ..منتظرا ..وسينتظر حتى ينال هدفه .....
.........
خرجت تهندم ملابسها ونقابها الذي تبلل ابتلالا جزئيا اثناء اغتسالها مشغولة بهما ..يخفى عليها مراقبة عينين كالفهد ينتظر فريسته ليفترسها ...صدرت منها شهقة عالية تليها صرخة مكتومة لتجد نفسها مسحوبة بقوة من يدين صلبتين من الخلف لتدخل حجرة خاصة ضيقة مظلمة ..حاربت بقوة للتخلص منه تلك اليدين وشعرت بالرعب من فكرة اختطافها او تعرضها للاعتداء على يد احدهم ...وحاولت الصراخ الا ان كف يده القوى المستريح فوق فمها منعها من ذلك .....
فيدفعها بقوة غاضبة ملاصقة بالحائط مع وضع يده فوق فمها ...فتسمعه يقول بفحيح كالأفاعي:
-سلامتك ...كدة تقلقيني عليكي .....
لم تتبين ملامحه بسبب الظلام الذي يحيط الحجرة حاولت الصراخ لعل احد ينقذها فيكمل بتحذير:
-اسمعيني..كويس ......أنا مش عايز اذيتك كل اللي طلبه نتكلم في حاجة مهمة تخصك ..أنا هشيل أيدي لو صدر منك اي صوت ماتلوميش الا نفسك ....فاهمة؟
هزت رأسها ايجابا برعب فتشعر بعدها بتحريرها من كفه مع استمرار قربه لها ...
شعر بسخونة جسده تلفحها ...وتسمع صوت إضاءة الضوء فتغمض عينيها عدة لحظات حتى تعتاد الرؤية فتجده يبتسم ابتسامته الماكرة الخبيثة يقيمها بعينيه المخيفة من رأسها لأخمص قدمها ..شعرت بالرعب عندما رفع يده اتجاه نقابها ينزعه بقوة غريبة تملكية يقول:
-دلوقتي مالوش لازمة تخفي وشك ..عني...
صمت مدة بعد إلقائه جملته مصدومًا تمسح عينيه تفاصيل وجهها بكل أجزائه كما اعتاد مع صورتها ...هي نفس الملامح ونفس العيون مع تغير لونهما بفعل العدسات ..ولكن لمح شيئا مختلف طرأ عليها وهي لمحة الحزن التي صبغت ملامحها بعكس صورتها المشرقة التي يحتفظ بها التي تشع حيوية وبراءة ...جميلة هي ...مهلكة....
لتقطع تأمله الذي طال بمحاولة دفعه عنها للتحرر منه بخوف تقول:
-انت عايز ايه بالضبط ؟!...بتهيألي الحاج حافظ وابنه مالك لو عرفوا باللي بتعمله مش هيحصل طيب....
ظنت بتهديدها ذلك انها سترجعه عما يفعل او تخيفه ..صدرت منه ضحكة قوية خشنة استفزتها بشدة ..ليضرب بأصابعه وجنتها برتابة يقول:
-شكلك ماسمعتيش عن حازم بن السلمانية ....معذورة ..بس هسامحك على جهلك بيا بكرة تعرفيني كويس ....يا
"شيراااز...."
برقت عينيها برعب من شدة الخوف لتضم قبضة يديها فوق صدرها تحاول الاحتماء بهما لتجيبه بثقة مهتزة ظهرت بنبرة صوتها:
-شيراز مين ؟!...انت اكيد ملخبط بيني وبين حد تاني .....
-شيراز حفني بنت السفير المشهور ..حفني الشاذلي ...المختفية في ظروف غامضة....مش كدة؟
صمتت لم تجد كلمات تسعفها لتنكر حالها لقد شلت تمامًا ليكمل بصوت هادئ :
-ماتخافيش أنا لو كنت عايز ابلغ عنك كنت عملتها من يوم ماشكيت فيكي ...
-انت عايز مني ايه؟
ابتسم من سذاجتها... من اول مواجهه اعترفت بشخصيتها له ليقول :
-اللي عايزه هتعرفيه في وقته ...كل اللي عايزك تعرفيه دلوقت انك هتشوفيني كتير واتعودي علي ده ..وبحذرك ان حد من الجعافرة يعرف اللي حصل ..مش هيكون كويس ليكي ..أنا مش مسئول عن اللي هيحصل ....
هزت رأسها بالموافقة برعب لتجده يدخل يده داخل سترته يخرج منها بطاقة سوداء مكتوب عليها بخطوط ذهبية ويقدمها لها بطريقة آمره:
-دي ارقام تليفوناتي ...حاولي باي طريقة تشترى تليفون عشان اعرف أوصلك ....
هزت رأسها بالرفض أيظن انها ستهاتفه حتى لو امتلك هاتفًا ...مجنون مختل ....
فتنتفض على صرخته بوجهها :
-امسكي !!...ده امر ...واياكي حد يعرف باللي حصل ..ويلا اخرجي قبل مايقلقوا من تأخيرك ....
راقبها وهي تضبط نقابها بخوف لدرجة وقوعه منها مرتان اثناء ارتدائه لتخرج هاربة كأن الشياطين تهاجمها ...
أما عنه فوقف واضعًا يديه بجيبيه وابتسامة تزين شفتيه بانتصار ..
.............
مر يومان على حادث المطعم ..تملكها الرعب من كل شئ حولها ..تشعر بان كل شئ يقف ضدها ..ترددت في اخبار الحاج حافظ ولكنها عادت تطمئن حالها بانه إذا كان يريد الابلاغ ماكان هددها وواجهها ....طمئنت حالها بانها في أمان الان لقد عقدت العزم على ترك تلك البلدة بإكمالها ولكن بعد تأمين مكان لجوئها بإيطاليا اولا ...فزاوجها  من مالك مجرد مرحلة لها أهدافها لن تقف عندها ..لقد قرر التخلي عنها في أصعب أوقاتها ضعفا واكمل حياته تاركا خلف ظهره قلبا محطما ...يجب ان تكمل حياتها بعيدة عنه ...لقد انهي مابينهما منذ البداية وعليها هي ان تقرر وتخط بيدها نهايتها ....
وصلت إلى نهاية الطريق الترابي الغير ممهد المؤدي للبيت لتطرقه عدة طرقات بسيطة بعد إلتفاتها يمينًا ويسارًا لتتأكد من عدم تتبع احد لها

ومراقبتها ..يفتح الباب المتهالك بعدها ليظهر من خلفها رجلًا في الثلاثين لتقول :
-أنا جيت في ميعادي .....
لتدخل داخل البيت المتهالك ويغلق الباب خلفها ........
يتبع،

باليرينا الشرق( مكتملة)محولة للورقي الآن مع تعديل السرد وتحويلها للفصحى كلياWhere stories live. Discover now