الوصفة الخامس والعشرون: ذكريات حية.

Start from the beginning
                                    

لم أكن مستعدة لدخولها، لكن الصدمة والاستغراب لم يسمح لي بفرصة التمهل قبل الإقدام على مواجهة تيار الذكريات المؤلمة بهذه السرعة دون التمهيد لها قبلًا.

فتحت الباب لأشهق  بخوف، هل حقًا أقدمت على فتح باب الزمن هذا؟ هذا الباب الذي يربطني بتلك الأحداث الموحشة.

جثوت أمام الباب وقد فلتت مني تلك الشهقات الباكية بغصة، وأنا أتأمل كل بقعة من هذه الغرفة الصغيرة التي جمعتنا في السراء والضراء، أنا وزوجي الحبيب.

كانت الجدران خشبية كما باقي البناية القديمة، تحوي على تلك الدوامات المختلفة الأحجام باللون الأسود ودرجات البني وكأنها صحراء قاحلة فتكت بها العواصف الرملية.

على الجانب الأيمن كان هناك سريران صغيران كنت أفصلهما صباحًا، وأرتبهما على شكل أرائك بعد أن أسدل عليها بذلك الغطاء الذي حاكته لي أمي.

كانت ألوانه مزيجًا بين البنفسجي الفاتح والأخضر كأغلب ألوان الشراشف في منزلي، فقد كان البنفسجي لوني المفضل، والأخضر لون زوجي المفضل.

كانت سطح السريران مغطى بتلك البطانية التي تشكلت فيها تلك المربعات الهندسية، التي تنوعت ألوانها ما بين البرتقالي والبنفسجي الفاتح والأخضر.

وعلى الأطراف اتكأت تلك المخدات الثلاث على
الجدران، كانت كما ذكرت باللونين الأخضر البنفسجي، وقد نسجت بأشكال هندسية تبدو
كالمعين أو ربما المثلث.

وفي المقدمة وسادة مستطيلة بنفس تنسيق البطانية، ونافذة كبيرة طويلة في المنتصف بين السريرين لها جزئان، العلوي يتكون من ثلاث قطع من الزجاج المربع المفصول عن بعضه بذلك الديكور والإطار الخشبي.

والطبقة السفلية التي أخذت حيزًا أكبر، وكانت أبوابها تحتوي على ست قطع من الزجاج، التي نتجت عن تعامد ذلك العود الخشبي على تلك الأعواد الثلاث المرتبة أفقيًا.

تتدلى عليها تلك الستائر التي حشرت وغطت طرف النافذة الأيمن، كانت بيضاء كأنما نقعت بالحليب النقي، وتموه الطرف العلوي منها بدرجات اللون البرتقالي حتى البني والأخضر في مزيج هادئ متناغم.

واختتم بتلك الظلال التي بهت لونها حتى اختفى اللون كليًا، ورجعت نقاوة الأبيض المهيمن، وعلى مسافة عدة سنتيمترات في القماش، رجع غزو الألوان الهادئة تدريجيًا بخفية حتى اضمحل ثانية ورجع لطبيعته الصافية.

وفي المؤخرة عند الأطراف السفلية تدلى ذلك القماش الذي أخيط مع الستائر، كان معقوفًا على نفسه باللونين الرائجين، مزيج البنفسجي والأخضر وحتى رشقات خفيفة من الأصفر.

وفي الجانب الآخر من الغرفة مطبخ صغير، وقرب السرير الأيسر على الحائط تموضع باب الحمام الخشبي، والذي بدوره يحوي بابًا يؤدي للشرفة.

وعلى أرضية الغرفة سجادة مزخرفة بتلك الأشكال الهندسية المنظمة بترتيب من المضلع الثماني، وحتى المربعات والمثلثات وأشكال أخرى غير منتظمة تلونت بألوان الخريف الناعمة من الأبيض، البرتقالي والأصفر والبني، وحتى الأسود والبنفسجي والوردي وأيضًا السكري.

وقد كانت الغالبة فقد كانت تشكل أغلب مساحات تلك المروج الخريفية الخامل، ولكن تداخلت معها بعض الألوان الأخرى برشاتها الخفيفة، ولكن كان لها
طعمها الخاص الذي زاد السجادة بهاء ورونق.

جميع الأثاث والغرفة كانت نظيفة بشكل غريب
وحتى النافذة المفتوحة من الطرف الأيسر، كان
أمرًا يثير الريبة على منزل وجب أن يكون مهجورًا
ولكن وكأن الحياة لازالت تعج في كيانه.

تنظيم غريب لمنزل صغير تدوره أحداثه في حيز صغير كان ملؤه الحب، ولكن الأحداث السعيدة لا تدوم، ولا تختم دومًا بنهايات سعيدة مماثلة لبداياتها.

فهذه الغرفة قد شهدت حب زوجين متفاهمين، لكن
الحظ العاثر وغدر القلوب المظلمة، وحتى تدخل
شياطين الإنس والجن قلب زهو على المنزل إلى
دجى دامس، أريقت فيه دماء الأب والإبن.

الذي لم يكن قد ولد بعد حتى، نعم هنا قتلت هي زوجها، وهو لم يقصر ورد الجميل بطعنة مماثلة ليقعا
كلاهما فريسة للعيون الحاسدة، التي لا تريد الخير
لأحد إلا لنفسها.

من هنا خرجت جنازتان لميتي الجسد، وجنازة لامرأة شابة، ماتت روحها وتعفنت في جسدها الذابل خلال كل تلك السنين.

لكن قلبها العنيد الحي الذي يرفض كلمة اسمها النهاية سعى دومًا نحو الإبتسامات وإن كانت مدة صلاحيتها
قصيرة فحتى لفظ أنفاسك أمل فلا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس.

لكن قلبها العنيد الحي الذي يرفض كلمة اسمها النهاية سعى دومًا نحو الإبتسامات وإن كانت مدة صلاحيتها قصيرة فحتى لفظ أنفاسك أمل فلا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس

Oops! This image does not follow our content guidelines. To continue publishing, please remove it or upload a different image.

...

وصفات الإبداع Where stories live. Discover now