الفصل السابع

11.9K 266 11
                                    

الفصل السابع ...
اغلقت دارين هاتفها وهي تتنهد بألم ...
لقد جاءت هذه الصورة لتصفهها وتذكرها بحقيقتها المرة ...
فتلك الاحلام الوهمية التي بنتها لن تتحقق مهما حصل ...
أيهم الهاشمي ....
الرجل الوحيد الذي حرك بها مشاعر بدائية لم تفطن لها من قبل ...
والرجل الوحيد الذي ولج الى قلبها ...
بإبتسامة واحدة منه يشتت كيانها بأكمله ...
وبنظرة واحدة يتوقف قلبها عن نبضاته ...
هي لم تعرف هذا الشعور من قبله ...
والاكيد أنها لن تتعرف عليه سوى معه ...
سارت خارج الجامعة متجهة الى مقر عملها ...
ذلك العمل الذي أحبته يوما وظنت به ملاذها الامن وطريقها للشهرة ...
اليوم اصبح حبلا طويلا يقيد عنقها وقلبها بقسوة ....
وصلت الى مقر عملها والذي لم يكن سوى شركة عالمية مشهورة في مجال الغزل والنسيج ...
هي تعمل عارضة لديهم ولكن كونها ما زالت في بداية طريقها فلم تجد عملا لديهم سوى ان تكون عارضة للازياء الداخلية على امل ان تنال اعجابهم وتصبح احدى عارضاتهم الاساسيات ....
هذا العمل وفر لها الكثير فهي أصبحت قادرة على توفير مصاريفها واحتياجاتها كما سمح لها بإكمال دراستها في واحدة من ارقى جامعات البلاد ...
دلفت دارين الى مقر الشركة واتجهت بسرعة نحو مكتب مديرها نافضة تلك الافكار السيئة من عقلها ...
فمديرها طلبها شخصيا كما اخبرتها السكرتيرة لتذهب اليه على الفور ...
توقفت أمام باب مكتبه واخذت نفسا عميقا وهي تدعو ربها أن يسير كل شيء على ما يرام ...
طرقت على باب غرفته ليأتيها صوته سامحا لها بالدخول ففتحت الباب ودخلت اليه بخطوات بطيئة متمهلة نحوه ....
ابتسم لها المدير الثلاثيني مرحبا ثم اشار لها أن تجلس على الكرسي المقابل له لتفعل دارين ما طلبه ...
جلست دارين أمامه وهي تشعر بالإرتباك الشديد يسيطر عليها ... ارتباك بسبب ما سيقوله مديرها لها ....
وجدته يفتح درج مكتبه ويخرج منه مجموعة من المجلات ويقلب بها قبل ان يدير احداهن نحوها فتظهر صورتها على المجلة ليقول بنبرة يملؤها الاعجاب :
" منذ قدومك الى هنا والجميع يتحدث عنك يا دارين ... عن مدى اجتهادك في عملك ... وجديتك فيه .... "
ابتسمت دارين في نوع من الراحة ثم قالت بخجل طفيف :
" أشكرك كثيرا على هذا الاطراء الجميل ..."
" دارين ...يجب ان تعلمي بأننا نقدر المجتهدين والطموحين ... ونساعدهم في تحقيق طموحاتهم وأحلامهم .... طالما يقدمون ما يضيف لنا ويفيدنا ...."
شعرت دارين بأن هناك شيء مهم ينتظرها وبالفعل شعورها كان في محله حيث أكمل المدير بجدية :
" لذا نحن وجدنا انك تستحقين ان تكوني في صفوف عارضاتنا الاساسيات ... حيث ستبدئين في عرض الملابس الرئيسية لدينا ... "
" حقا ..؟!"
قالتها دارين بذهول حقيقي ليومأ المدير برأسه فتبتسم دارين بسعادة قبل أن تقول بإمتنان حقيقي :
" أشكرك كثيرا.... أشكرك للغاية ..."
أكمل المدير كلامه بحماس :
" كما أننا سنعطيكِ مكافئة عالية ... هذا بالاضافة الى زيادة كبيرة في مرتبكِ ... "
شعرت دارين بأن قلبها يكاد يتوقف من شدة السعادة ...
اما المدير فإبتسم لها وأكمل :
" اتمنى يا دارين ان تجتهدي في عملك اكثر حتى تنالي المزيد ..."
" اكيد ... سأجتهد اكثر و أكثر..."
قالتها بصدق قبل ان تسمع المدير يكمل :
" هناك شيء مهم اخر يجب ان تقومي به ..."
" ما هوو.....؟!"
سألته دارين ليجيبها المدير :
" يجب أن تختاري مدير اعمال لك ...يدير اعمالك فجميع العارضات يتخذن مدير أعمال خاص بهن يساعدهن في تنظيم امور عملهن ..."
" حسنا سأتخذ بالتأكيد ... ولكن أنا لا أعرف مدير اعمال مناسب لي ...."
" سوف اجد لك أحد مناسب واخبرك .."
شكرته دارين مرة اخرى ثم استأذنته وخرجت من مكتبه وهي تشعر بأن الحياة ابتسمت لها أخيرا ...
                          ........................
ولجت ميرا الى الكافيه الذي اتفقت على لقاء مازن به ..
بحثت بعينيها عنه لتجده جالسا في أحد اركان الكافية على احدى الطاولات يتناول كوبا من القهوة ....
ابتسمت ميرا بحب ثم ما لبثت ان سارت نحوه حتى وصلت إليه ...
رفع مازن بصره نحوها ليجدها أمامه فابتسم لها نصف إبتسامة قبل ان يشير لها ان تجلس أمامه ...
شعرت ميرا بشيء ما غير طبيعي به ...
ابتسامته لم تكن صافية كالعادة ...
وكأن هناك شحوب وضيق غريبين يسيطران عليه ....
" مازن ..هل انت بخير ...؟!"
وكأن سؤالها جاء في وقت فأجابها مازن بعدما وضع كوب القهوة على الطاولة أمامه :
" كلا ، لست بخير .."
شعرت ميرا بالقلق يجول في خاطرها فقالت بسرعة :
" ماذا حدث ..؟! لماذا تبدو مكتئبا هكذا ...؟!"
أجابها وهو يتنهد بصمت :
" هذا موضوع طويل يا ميرا يصعب شرحه الان ..."
صممت ميرا ولم تشأ أن تضغط عليه ... حل الصمت بينهما لفترة قصيرة حتى قطعه مازن وهو يسألها :
" ماذا أردتِ أن تقولي يا ميرا ...؟! تحدثي ...أنا أسمعك ...."
ضمت ميرا قبضتي يديها الى بعضيهما البعض ثم قالت بينما توتر جسدها بالكامل لا اراديا :
" في الحقيقة اردت إخبارك بموضوع مهم للغاية ..."
اومأ لها مازن برأسه طالبا منها إكمال حديثها ... ما ان بدأت ميرا في حديثها حتى قاطعها رنين هاتف مازن الذي حمله على الفور واجاب عليه :
" اهلا ميري ... انا بخير .... لا تقلقي علي .... كل شيء سيكون بخير ... ثقي بي ...."
كانت هذه الكلمات المختصرة الذي قالها مازن في مكالمته القصيرة لكن ميرا شعرت بأن وراء هذه الكلمات الكثير فسألته بصوت حذر :
" هل هذه صديقتك...؟!"
" بل حبيبتي ..."
قالها مازن مصححا لتتشكل الصدمة والذهول بوضوح على ملامحها ...
" ميرا ....هل انت بخير ...؟!"
ابتلعت ميرا ريقها وقد أفاقت من صدمتها أخيرا فقالت بنبرة جاهدت لتخرج طبيعية :
" من هي ...؟! أقصد يعني لم تخبرني عنها من قبل ..."
ابتسم مازن لها وقال :
" لأنه لم تأتِ فرصة مناسبة لأخبرك عنها ..."
سألته ميرا بصوت مبحوح :
" وهل أتت الفرصة المناسبة الان...؟!"
" ماذا تريدين أن تعرفي ...؟!"
سألها بحيرة لتجيبه بصوت خافت متألم :
" كل شيء ....اريد ان أعرف كل شيء ..."
ابتسم مازن مرة اخرى بتلك الابتسامة التي تقتلها ثم قال :
" اسمها ميري ... مسيحية امريكية ... عمرها تسعة وعشرون عام... تعرفت عليها بالصدفة في أحد المؤتمرات التي أحضرها ...تكونت بيننا صداقة جميلة سرعان ما تحولت الى حب ...أحببتها بشدة و ...."
قاطعته ميرا بنبرة حزينة :
" لما لم تتزوجها اذا ....؟!"
صمت لوهلة يستوعب سؤالها قبل ان يكمل بشرود :
" انتظرت أن يأتي الوقت المناسب لأعرض عليها الزواج ... وبالفعل عرضت عليها الزواج قبل ان أاتي الى هنا وهي وافقت ..لكن عندما أخبرت أهلي برغبتي للزواج بها رفضوا بشدة ... رفضوا فورا دون حتى أن يسمعوني ..."
" لماذا ...؟! لأنها مسيحية أليس كذلك ....؟!"
اومأ برأسه واكمل :
" وأجنبية ايضا ..."
تطلعت اليه ميرا بحيرة ولم تعرف ماذا تقول ...هل تواسيه أم تواسي نفسها ...؟!
" مازن انت ..."
قاطعها بإنفعال شديد:
" سأتزوجها يا ميرا ...سأتزوجها مهما حدث ..."
أدمعت عيناها بقوة وهي تستمع الى ما يقوله...إصراره على حبيبته ورغبته بها دونا عن اي شيء اخر ...
لما عليها أن تكون تعيسة حظ لهذه الدرجة ....؟!
الشخص الوحيد الذي أحبته طوال حياتها يعشق غيرها ...
يحارب لأجلها بينما هي تحارب نفسها لتنساه ...
أي حظ بشع تملكه هي ..؟!
" تزوجها يا مازن ... تزوجها طالما تحبها ..."
قالتها أخيرا قبل ان تحمل حقيبتها وتسير بعيدا عنه ... هناك سمحت لنفسها أن تبكي ...  طالما اصبحت وحيدة .... انهارت باكية وهي تلعن حظها العاثر الذي وضعها في موقف كهذا ....
                         ......................
دلف كاظم الى المنزل ليجد والدته واخته في المطبخ .... حيث يجهزان طعام الغداء ... اقترب من والدتها وطبع قبلة على جبينها قبل ان يسألها :
" كيف حالك يا ست الكل ....؟!"
اجابته والدته وابتسامة ترحيب تزين ثغرها :
" بخير يا حبيبي ..."
اقترب من اخته وقال بحنو بالغ :
" وكيف حال أميرتنا الصغيرة ...؟!"
ابتسمت له سلسبيل وقالت :
" بخير أخي العزيز...."
نقل كاظم بصره بين الاثنين للحظات قبل ان يسأل فجأة :
" أين الاء ...؟!"
اجابته والدته بضيق خفي :
" انها ما زالت في غرفتها ...."
رد كاظم بدهشة وإستنكار :
" ألم تنزل من الغرفة ابدا طوال اليوم ...؟!"
اجابت سلسبيل نيابة عن والدتها :
" كلا أخي ...نحن لم نر وجهها منذ مساء البارحة ..." 
اومأ كاظم برأسه متفهما ثم استأذن من والدته وخرج من المطبخ لتقترب سلسبيل من والدتها وتقول بصوت خافت :
" لقد تضايق كثيرا حينما علم أنها ما زالت في غرفتها ...."
لترد الأم موافقة على كلامها :
" معك حق ...."
" يبدو ان ست الحسن والدلال لا تريد رؤيتنا ...."
قالتها سلسبيل وهي تقشر الخيار لتقول الأم بدورها :
" فلتخسأ ...هل تظن بأنني سأدللها هكذا كثيرا ... انا فقط سأتحملها الايام القادمة لانها ما زالت عروس ... لكن بعدها لن اسكت ابدا...."
ابتسمت سلسبيل بخبث فيبدو ان والدتها لم تحب تصرفات عروس اخيها مثلها تماما ....
اما كاظم فاتجه الى غرفة نومه وولج اليها ليجدها مظلمة كما تركها صباحا ....
اتجه نحو الشبابيك وفتح البرادي ليسطع الضوء قويا في المكان ...
اتجه بعدها نحو الاء التي كانت تحاول ان تضم وجهها في الوسادة حتى لا يصل ضوء الشمس إليها ...
اقترب منها ووقف أمامها قبل ان يهز كتفها بيده وهو يهتف بها بصوت عالي قليلا :
" الاء استيقظي ....هيا يا عروس ... استيقظي حالا ...."
فتحت الاء عينيها لتصطدم بعيني كاظم اللتان تتطلعان إليها بنظرات متجهمة ...
اعتدلت بسرعة في جلستها وقالت :
" كاظم ...ماذا حدث...؟!"
اجابها وهو يشيح بوجهه بعيدا عنها :
" ما حدث ان وقت الغداء قد حان وانتِ ما زلت نائمة ...."
مسحت على وجهها بكفي يديها ثم قالت بصوت ناعس :
" لم انتبه الى الوقت .... أخذني النوم ..."
قال كاظم بنبرة قوية حازمة وهو ما زال مشيح بوجهه بعيدا عنها :
" يحب ان تنتبهي مرة اخرى .... يجب ان تنتبهي يا الاء ..."
" لماذا تحدثني وانت تنظر الى الجهة الاخرى هكذا ....؟!"
سألته  بنرفزة من تصرفه هذا ليرد دون ان يحرك وجهه نحوها :
" انظري الى وضعية ملابسك وستعرفين لماذا لا انظر إليكِ ...!"
اخفضت الاء بصرها نحو الاسفل وأخذت تتطلع الى ملابسها لتنصدم بقميص بيجامتها الذي فُتحت ازراره الاولى لتظهر من تحته صدرها بشكل مثير و واضح ....
اغلقت الاء بسرعة ازرار قميصها وهي تشعر بالإحراج الشديد قبل ان تهمس بخجل فطري :
" بإمكانك ان تنظر الي الان ...."
استدار كاظم نحوها وقال بجدية حانقة :
" اسمعيني يا الاء ...هناك امور يجب ان تقومي بها كونك اصبحت إمرأة متزوجة من رجل مثلي ..."
" وما هي هذه الأمور ...؟!"
اجابها وهو يعض على شفته السفلى :
" يجب ان تستيقظي مبكرا وتعاوني سلسبيل في امور البيت ...."
" ماذا تعني بأمور البيت ...؟! انا لا افهم عليك ...."
سألته بغباء حقيقي ليرد ببديهية :
" تنظيف المنزل والطبخ وغيرها ..."
اشارت الاء لنفسها قائلة بعدم تصديق :
" وهل تظن بأنني سوف أقوم بأعمال كهذه ...؟! هل تظن بأنني خادمة لديك يا كاظم ...؟!"
اجاب كاظم :
" وهل عملك في منزل زوجك يجعلك خادمة يا مدام ...."
" ولكن ...."
قاطعها كاظم بحسم :
" لا يوجد لكن يا الاء .... هناك امور واجب عليك القيام بها .... هل فهمت ...؟!"
" ولكن انا لا استطيع القيام بهذه الأمور ..."
قالتها بصدق ليهز كاظم رأسه بتعب قبل ان يقول :
" سوف تتعلمين ...مع مرور الوقت سوف تتعلمين ...."
تطلعت إليه الاء بعدم اقتناع ليقول هو منهيا هذا الموضوع :
" انهضي الان وغيري ملابسك حتى ننزل سويا ونتناول طعام الغداء ..."
                          .....................

عروس الثأر Onde histórias criam vida. Descubra agora