المقدمة

79.8K 697 23
                                    

المقدمة
كانت تسير مندفعة بخطوات سريعة خلال احد الحقول الزراعية المؤدية الى اسطبل الخيل الخاص بعائلتها ...
وجدت في طريقها احد الفلاحين يتقدم منها مسرعا وهو يقول بلهجة مستعجلة :
" اسرعي يا انسة فرح ... عزيزة وضعها سيء للغاية ..."
ازدادت خطواتها سرعة وهي تتجه نحو الاسطبل الذي باتت تشعر بأنه يبعد الكثير على غير العادة ...
كادت ان تتعثر بخطواتها عدة مرات وهي تركض نحوه ...
وصلت اخيرا الى الاسطبل لتدلف بسرعة الى الداخل ... كان المكان واسع للغاية مكون من ممر طويل يحيط به على طوله من الجانبين حظائر صغيرة متسلسلة جدرانها عبارة عن الواح خشبية متراصة مع باب خشبية مفتوحة في مقدمة الحظيرة الصغيرة تستخدم لتهوية الاحصنة حيث تخرج منها رؤوس الاحصنة الضخمة المختلفة الاصناف والالوان ...
اتجهت فرح نحو عزيزة التي كانت ممددة على اكوام من القش تتوسط الاسطبل تأن الما بشكل واضح بينما الطبيب البيطري الخاص بها منحني بجانبها يساعدها في ولادتها الصعبة ...
انحنت فرح نحوها واخذت تتأملها بملامح مشفقة قبل ان تسأل الطبيب بقلق من بين انفاسها اللاهثة :
" كيف حالها ...؟! هل وضعها سيء للغاية ...؟!"
اومأ الطبيب برأسه دون ان يرد بينما كانت يده تحاول ان تسحب المهر من الخلف ...
اخذ الطبيب يتصبب عرقا وهو يجاهد لفعل هذه العملية الصعبة وانقاذ الفرس من هذه الولادة المتعسرة بينما اخذت فرح تمسد رقبة الفرس وظهرها برقة محاولة ان تخفف من المها ووجعها الظاهر ...
ادمعت عينا فرح بسبب ما يحدث بينما كان الطبيب مستمر في عمله حتى استطاع ان يخرج المُهر اخيرا من جسد امه بعد عدة محاولات ...
تراجع الطبيب الى الخلف واضعا كف يده على صدره غير مصدق انه انتهى من هذه المهمة الصعبة بينما هطلت الدموع لا اراديا من عيني فرح من هول الموقف و لم تشعر بنفسها الا وهي تحتضن عزيزة بقوة تهنئها على هذا الانجاز العظيم...
....................
خرجت فرح من الاسطبل اخيرا بعدما انتهت من كل شيء وتأكدت من سلامة عزيزة وُمهرها الصغير الذي لم تختر له اسم يناسبه بعد تاركة للعمال هناك مسؤولية العناية بالصغير وتنظيف المكان ...
كانت تسير بجانب الطبيب الذي بدا عليه الاجهاد والتعب بشكل واضح ... شكرته فرح بقوة ثم استأذنها الطبيب عائدا الى المشفى التي يعمل بها بينما اتجهت فرح هي الاخرى عائدة الى منزلها ...
كانت تسير بخطى بطيئة نوعا ما فهي الاخرى تعبت كثيرا اليوم ...
وفي اثناء سيرها لمحت قطيع من الغنم يسير متجها الى المزرعة ... وكعادتها ركضت بلهفة نحو القطيع وحيت العم حسن صاحب هذه الاغنام وراعيها ثم اخذت تسير بجانبه وهي تلعب مع الغنم غير منتبهة الى الوقت الذي مر بسرعة ...
كانت هذه عادتها المزعجة كما تقول والدتها فهي تعشق اللعب مع الغنم منذ الطفولة ... كانت تسير بجانب العم حسن وهي تحمل معزة صغيرة معها حينما فوجئت بتوقف سيارة سوداء عالية على الجانب معترضة طريقها ...
فتح ابن عمها نافذة السيارة الزجاجية بأداة التحكم ليظهر هو وبجانبه اخته التي اخذت تطالعها بنظرات متهكمة لم تعطها فرح اهتماما وهي تسأل ابن عمها :
" خير يا كامل ...ماذا هناك ...؟!"
رد كامل وهو يتفحص منظرها الغير مهندم بملامح غير راضية :
" اركبي معنا فنحن متجهين الى منزلكم كما تعلمين ..."
قالت فرح غير موافقة :
" سوف أوصل الغنم اولا مع العم حسن واعود الى المنزل ..."
بدا كامل لها عصبيا وهو يرد بنفاذ صبر :
" أي غنم بالله عليكِ...؟ لماذا تعاندين كثيرا ...؟! اساسا لم يتبق كثيرا على موعد الغداء ... هيا اركبي معنا ... هل تريدين ان تصلي الى المنزل بعد الضيوف...؟!"
شعرت فرح بأن كامل معه كل الحق فهي بالفعل تأخرت كثيرا على المنزل واليوم بالذات لا يجب ان تتأخر فهو يوم الجمعة ...يوم التجمع العائلي المعتاد في منزل والدها ...
وهي يجب ان تصل قبل الجميع حتى لا تخنقها والدتها بسبب تأخيرها ...
" اتركها يا كامل تلعب مع الغنم ... لا تضغط عليها هكذا..."
كانت هذه كلمات ابنة عمها المتهكمة والتي جعلت فرح ترميها بنظرات غاضبة قبل ان تشيح بوجهها بعيدة قائلة بعناد فطري :
" اذهب انت يا كامل ... وانا سأعود لوحدي .."
" اصمتي يا سجى من فضلك ..."
قالها كامل موبخا سجى التي اشاحت بوجهها الى الجانب الاخر بإمتعاض بينما اكمل كامل بلهجة قوية :
" اركبي يا فرح ولا تعاندي ... لقد بدأ صبري ينفذ منك ...الساعة قاربت على الثانية ظهرا وانت تريدين العودة سيرا على الاقدام..."
شهقت فرح ما ان سمعت الوقت وادركت بأنها بالفعل تأخرت كثيرا فلم تشعر بنفسها الا وهي تفتح الباب الخلفي للسيارة وتصيح بكامل بسرعة :
" قد سيارتك بسرعة ارجوك ... والدتي سوف تقتلني لأنني تأخرت عليها ...."
وبالفعل قاد كامل سيارته بسرعة متجها الى منزل عمه ...
...................
" تبا تبا ... هل علينا ان نستضيف هذا الجمع الغفير اسبوعيا في منزلنا ...؟!"
" اصمتي الان كي لا تنتبه عليكي امي ..."
التفتت يمينا ويسارا تتأكد من عدم سماع امها او اي احد اخر لحديثها قبل ان تقول بصوت خافت :
" ماذا افعل ...؟! لقد هلكت حقا ... منذ الصباح وانا اعمل دون توقف ..."
ردت اختها بصوت خافت هي الاخرى :
" معك حق والله ....وانا تعبت ايضا ..."
" بماذا تتوشوشان ...؟!"
شهقت الفتاتان بفزع من اقتحام والدتهما لحديثهما فجأة لتقول احداهما :
" لقد افزعتني ..."
تحدثت الام قائلة بنبرتها الحازمة :
" كفا عن احاديثكما الجانبية التي لا تنتهي ... الوقت يمر بسرعة ...والجميع على وصول ..."
ثم اردفت بصوت آمر :
" ملك جهزي السلطة بسرعة وانت يا مريم اتبعيني لنجهز السفرة ..."
" كله ملك ملك ملك ...."
قالتها ملك وهي تتأفف بصوت خافت لتلتفت والدتها نحوها وتقول :
" كفي عن التذمر طوال الوقت وانتبهي على عملك ..."
ردت ملك بملل :
" ألا يوجد غير ملك تعمل بهذا المنزل ...؟! ماذا عن الانسة ليلى ...؟! لماذا لا تعمل معنا وتساعدنا هي الاخرى ..!"
" لأن ليلى عروس ... لا يجب ان نتعبها ابدا حتى يأتي موعد زفافها ..."
" وماذا عن الانسة فرح ...؟! هل ستتزوج هي الاخرى ونحن لا نعلم ...؟!"
" سمعت اسم فرح ...من يتحدث عني هنا ...؟!"
كان هذا صوت فرح الذي صدح في ارجاء المكان لتصيح بها والدتها متسائلة :
" فرح ، أين كنتِ ...؟! لقد تأخرت كثيرا ..."
ثم اردفت بملامح ممتعضة :
" ما هذا المظهر السيء الذي انتِ عليه ... ؟!"
واقتربت منها تشم رائحتها قبل ان تصرخ بعدم تصديق :
" رائحتك تشبه رائحة الاغنام ... ماذا افعل بك الان ...؟! كم مرة اخبرتك ألا تقتربي من الاغنام ...؟!"
مطت فرح شفتيها بإستياء وقالت :
" حسنا امي يكفي ... هذا ليس الوقت المناسب لهذا الكلام ... كامل وسجى وصلا وهما في صالة الجلوس مع والدي..."
" هذا ما كان ينقصنا ... لقد جاءت الانسة سجى وبدأت مرحلة الحموضة وثقل الدم ..."
كانت هذا كلمات ملك المقتضبة لتلتفت نحوها والدتها وترميها بنظرات محذرة قبل ان تزمجر بها بغضب :
" ملك اخرسي ...."
اغلقت ملك فمها بكف يدها بينما عادت الام ببصرها نحو فرح وقالت:
" وانت اذهبي وخذي حمام سريع ... رائحتك لا تطاق ..."
تحركت فرح بسرعة وهي تتنفس الصعداء كونها هربت من والدتها بينما اقتربت مريم من ملك هامسة لها :
" معك حق ...سجى لا تطاق ... انها تتصرف كالأميرات وتتحدث معنا بتعالي ..."
ردت ملك بقرف :
" ولا تنهض من مكانها ولا تساعدنا ... كل ما تفعله ان تضع قدما فوق الاخرى وتأمر هذا وذاك ..."
اردفت مريم :
" وتحشر نفسها في احاديث الرجال ..."
هنا تدخلت الام بينهما قائلة بصوت خافت لكن حاد :
" يكفي انتما الاثنان ...ألا تملان من انتقاد سجى وتصرفاتها ... انتبها الى اعمالكما افضل لكما ... هيا مريم لنذهب ونعد السفرة ..."
تحركت مريم تابعة والدتها بينما اخذت ملك تعد السلطة وهي تتمتم ببعض الكلمات التي تدل على مدى استيائها ...
..................
وقفت امام المرأة وهي تضع فستان زفافها فوق جسدها النحيل ... اخذت تتأمله بعينين لامعتين وابتسامة خافتة تكونت على شفتيها ... لقد اقترب موعد زفافها ... لم يتبقَ عليه سوى ايام قليلة وهي تستعد له بكل حماس ممكن ...
كانت شاردة وهي تفكر في زفافها ... كيف سيكون ...؟! هل سيكون مثلما تريد وتتمنى ...؟! لقد وعدها جابر بأنه سيكون زفاف الموسم وسوف يتحدث عنه الجميع طويلا وهي تثق به وتعرف جيدا انه يسعى لكل ما يسعدها ويدهشها ...
افاقت من شرودها وافكارها على صوت فرح وهي تقترب منها وتقول بتحذير :
" كفي عن اخراجه من الخزانة وتأمله ...يقولون كثرة تأمل فستان الزفاف فال سيء للعروس ..."
اعادته ليلى بسرعة الى الخزانة وقالت بخوف لا ارادي :
" ارجوك لا تقولي هذا ... لا ينقصني سوى ان يحدث شيء سيء قبل الزفاف ...يكفي ان جد جابر توفي بعد خطبتنا بأيام وبسبب هذا تأجل الزفاف لأكثر من عام ..."
ضحكت فرح بصوت عال من اختها التي تتحرق شوقا لإتمام الزفاف قبل ان تتوقف عن الضحك وتقول :
" يا الهي ...سوف تموتين شوقا لتتزوجي ..."
" اخرسي فرح..."
صرخت ليلى بها وهي تشيح بوجهها بعيدا عنها بخجل واضح لتقترب فرح منها وتربت على ذراعها قائلة :
" حسنا اسفة ...لم اقصد إخجالك بهذا الشكل ..."
حركت ليلى وجهها نحو وقالت بوداعة :
" سأسامحك فقط لأنني عروس ويجب ان اسامح الجميع ..."
رفعت فرح حاجبيها قائلة باستغراب :
" هل ستفعلي كل شيء في الكون فقط لأنك عروسي ...؟!"
تغضنت ملامح ليلى فجأة وهي تشم رائحة غريبة قبل ان تصرخ بها وهي تغلق فمها بإصبعها :
" ابتعدي عني حالا ...رائحتك كلها غنم ..."
" حسنا حسنا سأبتعد ... يا الهي لماذا يتعامل الجميع معي وكأنني شيء منبوذ لا يطاق ....؟!"
قالتها فرح بأسى مفتعل قبل ان تخرج ملابسها من خزانتها وتتجه نحو الحمام ...
......................
مر الوقت سريعا وجاء الجميع الى المنزل بدءا من الجد والابناء والاحفاد ...
كان هذا اليوم المقدس لعائلة زهران حيث يجتمع الجميع دون استثناء ...
يوم ثابت لا يتغير مهما حدث ...
تقدمت ليلى تتبعها فرح نحو صالة الجلوس حيث يوجد الجميع هناك ... القت التحية على الجميع ثم اقتربت من جدها لوالدتها وقبلت يده كما اعتادوا ان يفعلوا وفعلت فرح المثل ...
بعدها جلست ليلى وبجانبها فرح على احدى الكنبات الجانبية بينما استمرت الاحاديث المختلفة بين الجميع حتى جاءت السيدة نجلاء والدتهن تعلن ان الغداء جاهز ويجب ان ينهض الجميع ويتجه الى غرفة الطعام ...
تناول الكل طعامهم في جو حميمي خالص وبعدما انتهوا من الغداء عاد الرجال والسيدات الكبار الى صالة الجلوس بينما اخذن الفتيات الصغار يلملمن السفرة ويغسلن المواعين ويعدن الشاي ...
وقفت ليلى بجانب كلا من فرح و سلسبيل ابنة عمها اللتان توليتا مهمة غسل المواعين ... اخذن يتحدثن بشتى المواضيع حينما اقتربت ملك منهن وقالت لليلى :
" خذي يا ليلى صينية الشاي واذهبي بها الى صالة الجلوس ...."
وضعت ليلى يديها حول خصرها وقالت :
" يبدو انك نسيت بأنني عروس ولا يجب ان اعمل ... خذيه انتي ..."
ردت ملك بضيق :
" انا لن أخذه ... انت لم تفعلِ شيئا منذ الصباح ... قومي بتقديم الشاي على الاقل ..."
تدخلت فرح بينهما منهية الحوار :
" سأخذه انا يا ملك ...انت اذهبي مع البنات في الحديقة ... لقد تعبتِ كثيرا اليوم ..."
ثم حملت صينية الشاي واتجهت الى صالة الجلوس ..
بدأت فرح توزع الشاي على الجميع حينما وصلت الى كامل الذي منحها ابتسامة خفيفة قبل ان يأخذ كوب الشاي منها تجاهلتها فرح تماما وهي تستمر في توزيع الشاي على بقية الموجودين ...
عادت فرح الى المطبخ ووضعت الصينية في مكانها ثم خرجت من هناك واتجهت الى الحديقة لتجلس مع الفتيات هناك ... وجدت فرح بعض الفتيات يلعبن بالكرة والبعض الاخر يجلسن على الجانب و يتسامرن سويا ...
حملت فرح الكرة التي وقعت ارضا ثم قالت بصوت مرتفع قليلا موجهة حديثها لجميع الفتيات:
" ما رأيكن ان ننقسم الى فريقين ... ؟!"
تجمعن جميع الفتيات حولها بسرعة وقد اخذهن الحماس الشديد لللعب ...
قامت فرح بتقسيم الفريقين ثم بدأن الفتيات باللعب ...
" كوووول ..."
هتفت بها سبأ ابنة خالتهن بعدما سددت اولى ركلاتها على الفريق الاخر ليتقدمن بنات فريقها نحوها ويضمنها ويهتفن ببعض الهتافات الحماسية ...
بينما اقتربت فرح من سجى التي اصرت ان تأخذ دور حارس المرمى وقالت لها بضيق :
" بالله عليك ماذا تفعلين انتِ ...؟! لماذا لا تصدين الكرة بشكل طبيعي ...؟! سبأ تضرب الكرة يمينا فتتجهين انت بجسدك شمالا ..."
" هذه طريقة لعبي يا فرح .... حتى لو لم تعجبك ..."
قالتها سجى بعناد لتنقل ملك بصرها بين الاثنتين قبل ان تصيح بهما :
" لا داعي لهذه الجدالات ...لقد بدأت اللعبة ..."
عادت فرح الى ساحة اللعب وهي تتمتم ببعض الكلمات :
" اللعنة عليها ... انها لا تفهم شيء من كرة القدم وتصر على اللعب معنا كحارس مرمى ..."
اقتربت منها ملك وهمست لها :
" لا تهتمي يا فرح ...سوف أخذ حقك منها ...."
وقبل ان تفهم فرح ماذا تقصد كانت ملك تسدد الكرة في رأس سجى التي سقطت ارضا واخذت تصرخ بألم بينما ركضت ملك نحوها وهي تهتف بأسف مصطنع :
" يا الهي سامحيني ... لم انتبه وانا أرمي الكرة عاليا ..."
وقفت ليلى بجانب فرح التي بالكاد استطاعت تخبئة ضحكاتها بينما نهضت سجى من مكانها وهي تهتف بإنفعال :
" انا المخطئة لانني لعبت معكن ..."

عروس الثأر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن