الوصفة التاسعة: ملحمة الشتاء.

Start from the beginning
                                    

أين نسيم الصباح المشرق وهديل الحمام الأبيض وحتى غناء الزهر المطرب؟ هل أبكمت الزهور عن تهويدتها العذبة كل ليلة دافئة أم أن سخط الشتاء والثلوج قد خنقت جذوعها الرفيعة بلا رحمة؟

صرخت بيأس، وانفجرت ينابيع حزني رثاء حتى بح صوتي المتعب الذي رجعت سهام صداه لجوفي بصدمة، أنا وحدي فلا مؤنس أو صديق هنا، أنا فقط محبوسة في زنزانة باردة مفادها الشتاء.

لمحت تلك التلة من بعيد فعادت البسمة لوجهي المكتئب فهرولت نحوها بخفة، وهويت بجسدي للقاع محتضنة الهواء بحنين للماضي، وحماس للمستقبل الآتي، فلربما تكون هذه بوابة الزمن.

لأستيقظ بعدها من هذا الكابوس المرعب على فراشات الحقل الراقص مع مداعبات النسيم الشقي المنعش، وأعود للمروج الفيحاء، والسماء المسالمة الفيروزية، وحتى لأستمع لترنيمة حفيف الأشجار كل ضحى ومساء.

بعد ثانية واحدة كنت قد رحلت بالفعل، لكن ليس إلى عالم الأحلام بل عالم الأموات، عالمان شقيقان لكن أحدهما رحلته أبدية بتذكرة ذات وجهة واحدة بلا عودة، إلى دنيا برزخية، عنوانها غيب لا نعلمه بل
واقع سنعيشه عاجلًا أم آجلًا.

سال ذلك السائل القاني من جمجمتي، التي تفتت أجزائها، وتسربت دمائي الحمراء من بين فراغات شعري الأملس، وكونت بركة صغيرة قرب رأسي الذي انفصل عن جسدي.

جسدي الذي التوت أطرافه، وتشوه جلده الذي دهن بمستخلص الحنطة الصافي، وحتى فستاني الأبيض تلون بلوني المفضل الأحمر كورد الجوري، حلة عيد الربيع.

لكن مع كل هذه البشاعة لازالت تضاريس تلك البسمة تشق معالم وجهي السعيد بتحرر روحي من سجن الشتاء، من جمود البشر وبلادة الإحساس، من أقنعتهم التي تتوارى بها أنفسهم القذرة، وتتموه مع ظلام الدجى كالحرباء.

هربت من قلوبهم الجامدة كجليد الشتاء، وعقولهم المتحجرة كالحجارة الجرداء من أي حياة وأرواحهم العفنة التي خلعت لباس البراءة والحياء.

تدحرجت بلورة خضراء من معقل عيني اليمنى، وتلألأت كلمعان أوراق الشجر الخضراء حين اغتسالها بعبير الندى كل صباح حينما يزورها صديقها نور الشمس على حين غفلة منها فتبرق باستحياء.

انبثق منها ضوء شديد أعادت لكل ما حولي رونق الحياة، وتحولت الأراضي المقفرة إلى مشتل من الزهور والإخضرار الظريف.

لوح أمير الربيع بغصنه السحري ليعود الربيع بفستانه
الزهري، وتاجه المرصع بجواهر الحب والصداقة
والنقاء، وحتى كل ما يكمن في الإيجابية من تفاؤل
وحبور الرفاه لأتغنى بفرح بالفرج الذي حل أخيرًا.

تغزلت بذلك السنجاب الذي استيقظ مؤخرًا مثلي
من سبات الليل بعد حلول النهار أخيرًا ليبتسم بخجل، ويعود لعمله بجد ليملأ بطنه  المتعطش للبندق الذي شابه شعري الجميل.

تحسست طراوة العشب ومن ثم لامست الطين الرطب، ورفعت رأسي للسماء بهدوء، تلاشى طيفي، وحلق مع العصافير إلى جوف السماء قرب قرص الشمس الخافت.

عادت الأجواء لبرودتها، والسماء لغطرستها، وحتى الحياة جرت ذيولها بخيبة عائدة لسباتها في كهف الربيع بعيدًا عن سلطنة الشتاء، لمحت جسدي الصريع من بعيد فلوحت له بدموع لم أعلم ماهية شعورها، وبعدها مضيت إلى اللامعلوم.

عادت الأجواء لبرودتها، والسماء لغطرستها، وحتى الحياة جرت ذيولها بخيبة عائدة لسباتها في كهف الربيع بعيدًا عن سلطنة الشتاء، لمحت جسدي الصريع من بعيد فلوحت له بدموع لم أعلم ماهية شعورها، وبعدها مضيت إلى اللامعلوم

Oops! This image does not follow our content guidelines. To continue publishing, please remove it or upload a different image.

...

وصفات الإبداع Where stories live. Discover now