~ الفصل الأول ~

5.1K 117 34
                                    


:
•♡•
:


🥀 ‏إنما البِرُّ شيءٌ هَيِّن
‏وجهٌ بشوشٌ ولسان ليِّن💜🦋

"‏عمر بن الخطاب"

:
•♡•
:

تّوسعت عينيها بصدمة..و إرتعشت مقلتيها اللازوردية بخوفٍ مهيب..و رعبٍ أكيد ... توقف عالمها عن الدوران ..مع تسارع نبضات قلبها بشكل جنوني ..و كأنّها أيقنت معلومة .. عرفت حقيقة ما ..خمنت بعدها ماذا سيقول ..لكن هو لم يرحمها بل تابع ليؤكد لها ظنونها أكثر و أكثر..ليتجلى لها مرأى عينيه المرهقة الحزينة..المشتتة الضعيفة..الغريقة ببحر من الوجع المميت..كأنّها تروي لها قهر رجل صعب على ثغره البوح به..حدق بها عاجزًا من إخفاء موته للمرة المليون ..فاشلاً في مداراته أكثر، مطالبًا إياها بأن تعفيه من تكملة الحقيقة...لكنها كانت أقسى من أن ترحمه و تُقدم له تلك المنحة...فأول دمعة إنسابت من عينيها و مع تصلب جسدها و كأنّها تعرضت لشلل فجأة حاثة إياه على المواصلة..جعلته يتنهد بإختناق و كأنّ ثقل الكون بقلبه...أغلق ستار جفنيه و إرتفعت كفه المرتجفة ماسحًا بها ذرات العرق من جبينه لتسقط تلك الدمعة الحارة من عينيه محاولاً التماسك متابعًا بتحشرج:

يوم عيد ميلادها قررت زوجتي أن تأخذها هي و أخوها الأوسط للعب بالحديقة العامة ليتسلوا قليلاً ..لكن تلك المرة كانت مختلفة ..و مغايرة حتى أنّها كانت بداية لسلسلة من الآلام و القهر و العذاب لنا ، و الذي لم ينتهي لحد الساعة..كانت تلعب معها بكل حب كأي أم تلهو مع صغيريها...لثواني معدودة فقط ..لدقيقة فقط غفلت عن إبنتها..إختفت طفلتها نهائيًا..بحثت..ركضت ..لكن لم تجدها..لازالت ذكرى إتصالها يومها محفورًا كنقش قديم بذاكرتي ..كانت تبكي و تصرخ بهستيرية تخبرني أنّ إبنتنا إختفت فجأة..لم تجدها...بكت و بكت كثيرًا لدرجة أننا خفنا أن تموت من شدة حزنها و بكائها الجنوني يومها..ثم مرضت و دخلت بغيبوبة لعدة أشهر، لأنّ نفسيتها لم تحتمل قوة الصدمة ..تحولت بعدها حياتنا لجحيم مضلم ..بحثنا عن إبنتنا دون توقف..بالمياتم..بالمستشفيات..و الشوارع..بلغنا الشرطة و تواصلت التحقيقات دون جدوى..و كأنّ الأرض إبتلعتها فجأة..حتى أخويها كانا يسئلان عنها بإستمرار لكنهما كانا أصغر من أن يفهما الحقيقة ...لسنواتٍ لم نتوقف عن البحث..زوجتي بعد أن أفاقت من غيبوبتها أول سؤال كان عنها هي ..كانت بعدها تذبل شيئًا فشيئًا كزهرة فقدت رحيقها...كجوهرة تخلت عن بريقها..عينيها أصبحت خالية من الحياة..تحولت لجثة متحركة دون روح ..حملت نفسها المسؤولية كاملة ، حتى أنها كانت تخرج فجرًا و ليلاً للبحث عنها و تنادي عليها بهستيريا و تبكي، و كنت ألحق بها و أضمها علني أتشرب قليلاً من ألمها و أخفف عنها..مُت معها ألف مرة لكنني لم أرد الإستسلام لأجل طفلاي فقط و لأجلها ...عندما غابت إبنتنا عنا فقدت حينها جزءًا من روحي ..أخذت معها قلبي... خسرت نفسي بضياعها ..العالم كله لن يعوضني عن أميرتي و وريثة عرشي ...فهي كانت شريان حياتي و نبض قلبي و الأحب إلي من الجميع رغم صغرها ، لكنني قاومت متسلحًا بالأمل و الصبر علّها تعود لحضننا يومًا ما ...زوجتي حتى عندما كنت أجبرها على أن تذهب معي لتنزه لألهيها و لو قليلاً عن التفكير في إبنتنا، كنت أراها تحدق بوجوه الناس علّها ترمق إبنتنا بينهم..كم مرة سمعتها بصلاتها تبكي و تدعوا اللّه أن يعيد صغيرتها لها ..حتى بنومها أسمع هلوسة أحلامها كأنّها تراها تناديها و ترجوها للرجوع...السنة الماضية عندما ذهبنا للحج أتذكر كيف كانت تتمسك بستائر الكعبة باكية داعية اللّه أن يعيد صغيرتها لها ، و ترمقها حتى ولو من بعيد علَ عطش فؤادها يروى بمرأى إبنتها..

لِتَسكُنَ إِلَيْ(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن