الفصل الثلاثون

57.7K 1.8K 39
                                    

العالم مَلئ بالبشر .. رغم وحدة الجميع !
سرين عادل


وهي كانت وحيدة من نوعٍ خاص !
وحيدة دون أخوة .. دون صحبة .. دون بشر !
رأت النفق ودخلته بفضول .. ولا تعلم أنه كهف !
انبهرت بلون مياه كارسك وتمنت نزولها من زراقها المتوهج .. ولا تعلم أن جمال زُرقتها من مركز خطرها !
لمعت عينيها واقتربت بسعادة من كواه آيجن لزراقها الفيروزي المذهل.. ولا تعلم انه بركان وهذا الزراق لهباً حارق !
وكم يُخدع البصر إن كان العقل مُغيب!
وهي !..
هي انخدعت.. وإحترقت !
سارت خلف قلبها البرئ دون عقلها العاجز !
سارت وركضت .. فاصطدمت وسقطت.. لتُدهس !
شهقت بألم من صفعته القوية لتتذكر مثيلتها !
ضغطت يدها فوق ذلك الشئ الحاد المؤلم وعقلها في مكانٍ وزمانٍ آخرين رغم أن جسدها حاضر !
اهتز بدنه من سقوطها واغمض عينيه بقوة يشعر بالاختناق الشديد
، يشعر وكأن الغرفة تضيق عليه وتضغطه
نظر لجسدها الجالس ارضاً برجفة كما هي ودون حركة وكأنها تمثالاً !
تمثال من شمع سيذوب من حرارة غضبه !..
ابتلع ريقه لا يصدق انه ضربها وبتلك القوة.. وهي ..
هي لم تنطق !..
لم تعترض ولم تتألم !..
استند بكفيه فوق طاولة القهوة لينفي برأسه ، لن يتحمل.. لا يستطيع
!
- لازم تروحي للدكتور.. لازم!
همس بها ولا يعلم هل يحدثها ام يحدث نفسه
وكانت هي تقاوم بألم صامت ذلك الألم الناحر لرئتيها ويدها التي تمسكت بالزجاجة جانبها
اهتزت حدقتيها تراه امامها يصرخ بعدما صفعها بقوة لانها لم تصعد لبيته منذ اسبوع
- غصب عني بابا كان بيبقي صاحي وانا مش بخرج خالص
قالتها ببكاء واضعها كفها الصغير فوق وجنتها المصفوعة، وضرب المزهرية من فوق الطاولة جانبها ليهتف بها
- مليش فيه.. انتِ خطبتي انا ..يعني تسمعي كلامي
وتابع ممسكاً برسغها ليقربها منه وقد تمكنت قبضته القوية من فكها
- اياكِ ياميان تبعدي عني ..واياكِ تعدي يوم بدون ما تيجي وتخليني اشوفك.. يا اما هعرف الكل انك قتلتي دانا.. تخيلي انتِ اد ايه مش كويسة.. انتِ شنقتيها مع انها كانت عاوزة تلعب معاكِ .. وقعتي الكرسي بغبائك وشنقتيها.. اياكِ تستهوني بيا وتفكريني زيها
نفت ببكاء شديد وحسرة
- مش كان قصدي انا كنت هنادي الدادة
رجها يصرخ بوجهها
- مفيش حاجة اسمها مكانش قصدي ..في الاخر انتِ اللي قتلتيها ولو حد عرف هتتسجني

اومأت بذعر ناظرة له بصدمة وجرح عميق وكانت تلك المرة الاولي التي يتحول بها فاقدا اعصابه ليدفعها بقوة جعلتها تسقط فوق الاريكة وغاب في الداخل ليأتي بالمثلجات التي تفضلها
- خدي كلي .. كل يوم بنزل اجيبه مخصوص عشانك وانتِ مبتجيش
مسحت دموعها ناظرة ارضاً لاتريد شيئاً منه وجلس عند قدميها بضيق من حزنها، بكائها ورعشة جسدها ، وبعد وقت احتضنها بقوة يتوسل سماحه ويقبل وجهها وخصلاتها بأسفٍ متعهداً لها انه لن يأذيها مرة آخري
وكان عهداً اول لعهود لا حصر لها !!

قبضت اكثر علي قطعة الزجاج التي شقت جلدها الرقيق تحاول التوصل لوجه والدها الحبيب أو وجه روسيل ..
أو وجه موسي !!

وكان هو منحنياً أمامها بضياع لم يشعر به من قبل.. ينظر لعينيها الشاردة بينما لمست اصابعه وجنتها الحمراء بصدمة من فعلته
- ميان ..
لم تسمعه ولم ترمش فقط ظلت علي نفس انفعالاتها ودموعها بينما عقلها يبحث في ذاكرتها عن وجوه تريد الإختباء بها
ابتلع ريقه بصعوبة ملامساً رقبتها بأصابعه المرتعشة وكأنه يبحث عن ذلك العرق
- ميان .. فوقي انا موسي
كان يهمس ضاغطاً جانب عنقها لتمسح اصابعه فوق عينيها الثابتة
وكأن اسمه قد رن بفلاش مُضئ في عقلها المظلم..
أوليس معني موسي المُنقذ !
وهو سينقذها من سرطان ذاكرتها الاسود الذي يأكل روحها وحياتها !
ولاول مرة تذهب حدقتيها له وكأن ألمها النفسي والجسدي قد بلغ مبلغه لتتخلي الذكريات عنها، واهتزت نظراتها بانفعال غريب وكأنها رأته للتو

- موسي !..
همست بها بخفوت دون تكلفة ولقب كعادتها ..ولا يعلم هل همستها توسُلاً ام ذهول ام احتياج
- موسي !..
خفق قلبه برمشات أهدابها وخروج همستها تلك المرة جامعة بين جميع ما اعتقده

وقد خرجت مبحوحة بذهول.. متوسلة باحتياج ..
كانت وكأنها تسأله لتتأكد من هويته
وكانت اجابته مسحة رحيمة فوق خصلاتها لتتنهد مغمضة عينيها بتعبٍ وراحة من وجوده ..رغم انها لا تعلم كيف أتي ومن أين!

ظل ينظر لعينيها بصمتٍ حتي رفعت يدها السليمة وكأنها تراه بعيداً وتناجيه بلمستها ..
رفعتها لتضعها منتصف صدره برعشة لا تصدق حقيقة وجوده .. ووقتها شهقت ببكاء تاركة رئتيها ترتاح اخيراً كما جسدها المشنج .. تعلم انه سيحرُسها
!
ابتلع ريقه ممسكاً بها من كتفيها بعدما مالت للامام بإرهاق بادٍ
مسح فوق خصلاتها والهم تضاعف فوق اكتافه من شبح فقدانها الذي بدأ يلوح أمامه !
مسح وجهها وفمها وتحرك ليحملها ناهضاً ولكنه توقف بذعر من دماء يدها ليُصدم من قبضها فوق الزجاجة التي نحرت كفها بطريقة بشعة
- يارب..
توسل بها بنفسٍ تهدج وهو يحتضن كفها المتجمد ضاغطاً فوق الجرح قبل أن ينهض بها مسرعاً
دلف للمكتب وجلب عطره وبعض المحارم التي بللها بالماء ليمسح وجهها وعنقها حتي حضر الطبيب الذي ضمد جرحها علي قدر استطاعته دون قُطب
نظر لها بصمتٍ وتحرك جامعاً خصلاتها للخلف، ثم قام بتشغيل مكيف الغرفة وجلس شارداً بعد أن قام باتصال يطلب به الغاء جميع مواعيده .. طالباً عدم ازعاجه ولو مهما كان الامر
!
مرت ساعة واثنان وهو جالس في عتمة افكاره منتظراً استيقاظها ويبدو انه تهاون معها وصبر عليها والمفترض كان اجبراها وجرها للطبيب عنوة .. فلن ينتظر حتي تُقدم علي الإنتحار !
تحركت بعد وقتٍ بأنين ونهض هو من مقعده ليجلس علي طرف الاريكة جانبها ونظراته تلتهما بقلق حتي فتحت عينيها له
ابتلعت ريقها وعينيها الضائعة تنظر حولها بشرود حتي نهضت فجأة بألم تنظر بإهتزاز له وكأنها مذهولة من وجوده، وظلت عينيه مرتكزة عليها في محاولة لسبر اغوارها .. وحدث أخر شئ توقعه
حتي انه لم يتوقعه وقد اقتربت برأسها لتضعها في صدره
خفق قلبه بقوة تحت اذنها ورفع يده مستغرباً من قربها منه لأول مرة !
نظر للأسفل حيث رأسها وقرب يده ليضعها فوق رأسها ضاماً اياها اكثر لصدره .. ووقتها وصلته شهقة بكائها ورجفتها عندما احاطت بيديها خصره لتتمسك بقوة بظهر قميصه ورأسها تبحث عن مكان بعيد في صدره!

كيف عشقتHikayelerin yaşadığı yer. Şimdi keşfedin