الفصل الثلاثون

23K 452 17
                                    

راقبها بعينين شغوفتين تجلس بجوار والدها بخجل بينما الحاج
رضوان يجالسه منذ قليل ... يتناقش معه ويحاوره
ولا ينكر أنه أحب هذا الرجل وكل يوم يمر يحترمه أكثر
بسبب طريقته الرزينه والحكيمه في التعامل
لم يتدخل يوما بعلاقته الشائكة بوالده وكأنه استشعر حساسية اﻷمر
بالنسبه له
ضاق نضال بذكر والده في أفكاره .... فوالده لم يكف عن جذبه
لناحيته .. وما يثير استغرابه هو طريقة والده
تلك الطريقه المهادنه البعيدة عن الضغط ..
ليبلغ حذر نضال أوجه وهو ينتظر الضربه القادمه ولكن .. لا شئ ..!
" ما أخبار العمل يا بني ... ؟؟ ..."
انتبه نضال لصوت حماه ليبتسم ويجيبه بلباقه
" بخير يا عمي الحمد لله ... دعواتك لنا فنحن بحاجه لها .."
دعا له الحاج رضوان ليردف بعدها بحكمه
" عليك بالصبر والمثابرة في العمل يا نضال ... إذا أردت
أن تكوّن مستقبلك بيدك عليك بالتحمل وترتيب أولويات حياتك .."
ثم نظر لابنته الخجول بحنان ليتابع
" وجيهان ستساعدك بإذن الله .."
تشجع نضال ليقول برجاء
" بما أننا تكلمنا في هذا اﻷمر فلي رجاء عندك يا حاج ..."
" اطلب يا ولدي وليعينني الله على تنفيذه لك .."
قالها الحاج رضوان بهدوء ليجيبه نضال
" أريد أن نقيم العرس الشهر القادم ..."
شهقت نضال بصوت مسموع ليكتم والدها ابتسامته ويردف بجديه
" لماذا تريد التعجيل بالعرس ..؟؟..."
نظرة منه أفلتت ناحية جيهان الغارقه بخجلها .. فقط نظرة كانت
كفيلة باﻹجابه لتظهر ابتسامة الحاج رضوان براحه على صغيرته
رغم شعور الغيرة الخفيه الذي يتحكم فيه بحكمه ناحية بناته
فعندما تزوجت مياس تعامل بحكمه ليساند زوجته أن تعتاد على
سنة الحياه رغم حزنه الخفي وشعوره بالخواء بفراق بكره
حبيبته العاقله التي كانت تتشاور معه دوما وتحكي له كل شئ
أما جيهان فهي نسمة البيت ... الوجه الذي تحتاج رؤيته صباحا
لتشعر أن كل شئ بخير ويسري الاطمئنان داخلك ..!
أما الصغيرة الشقيه ..روح البيت وضجته وشقاوته .. يا الله ... كتم الحاج رضوان زفرته لينتبه لضيفه ويبعد مشاعره اﻷبويه بعيدا قليلا حتى يتعامل بعقل لصالح بناته
أجابه نضال بصوت أجش
" أريد أن أتحصّن بها من كل شئ ... فلن نتعارف من جديد لنطيل
الوقت وأعدك أن أحفظها في قلبي دوما ... "
اشتد احمرار جيهان لتجد والدها يسألها ببعض التسليه
" وأنت يا جيهان ... ما رأيك ... "
ارتبكت لتجيب بتلعثم وهي تشد أناملها
" أنا .... أنا ... لو نؤجل ... "
قاطعها نضال سريعا ليقول
" لماذا التأجيل ... الشقه وبدأت في تجهيزها بالفعل .. والعرس
سنتكلم حول مكانه سويا ... وأنا وأنت نعرف بعض جيدا ... خير
البر عاجله إذا ... "
ضحك الحاج رضوان ليرد بدعم لصهره المتلوع
" وهذا رأيي أيضا يا نضال ... دعونا نفرح ... "
هتف نضال بفرح لتنظر جيهان لوالدها بعينين متسعتين فيقابلها
بنظره حنونه ويده تمتد لها فتقترب ليحتضنها قائلا
" مبارك يا صغيرتي .. "
دخلت الحاجه زهره على أصواتهم لتسأل بحيرة
" ماذا يحدث ... ؟؟...."
أجابها الحاج رضوان بحنان
" لقد تحدثنا حول العرس ورأينا من اﻷفضل أن يكون الشهر القادم يا زهره ... "
عبست الحاجه زهره لتقول بغضب
" كيف حددت هذا الموعد يا حاج ... لن أستطيع أن أجهز وأحضر النواقص في جهازها ... "
نهض الحاج رضوان ليبتسم لها بحنان
فزوجته الحبيبه ستنشغل الآن بما ستحضره وتجهزه وبعدما
تذهب ابنتها لزوجها ستظل تبكي وكأنها واحدة أخرى من جهزتها
وهيّأتها ..
اقترب منها ليقول بحنان
" تعالي معي كي نتناقش حول هذا اﻷمر غاليتي .. "
تحركت معه بوجه حانق بعيدا عن الاثنين قليلا لتتشاور مع زوجها
بينما نضال تنفس بمشاعر جياشه لينتبه لتلك الجالسه بخجل
شديد متسعة العينين قليلا وكأنها أخذت على حين غرة
ابتسم برقه ليقول بصوت أجش
" ستكونين أجمل عروس رأتها عيناي ..."
نظرت له بخجل لتهمس بتردد ووجه أحمر
" ولكن .. الوقت ... أحتاج للوقت ..."
قاوم حاجه ملحه للاقتراب ... لاحتضانها وبثها ولو جزء ضئيل
من شوقه علها تشعر وتحن ... وتوافق ...
ولكن بدلا من ذلك ازدرد ريقه ليهمس بخشونه
" ألا تريدين أن تكوني معي ..؟؟..."
لتعقد حاجبيها سائلة إياه بحنق لذيذ
" كيف تقول ذلك يا نضال ... ؟؟ ... "
ابتسم براحه ليرد وعيناه تلتهمان تفاصيلها الحبيبه ... ذلك النمش
الناعم الذي يثير جنونه ليجعله يتلظّى بنار الشوق لقربها
ملامستها ...والتشرب من دفئها
" إذا لا تخافي من شئ ... سأفعل لك كل ما تريدينه ولكن وأنت معي
.. قريبه مني .. تتنفسين من حولي يا جيهان .."
أسبلت جيهان أهدابها تخفي خجلها الشديد منه ومن نظراته
يا الله ... كيف ستكون زوجته رسميا بعد وقت قصير .. ؟؟
ستموت قلقا وترقبا ... وخجلا ... !
ولكن تلك النظرة التي ترجوها في عينيه تجعلها تعود فترق له
تشعر بما يشعر وتود داخلها بأن تخفف من وحدته ..
وها هو يطلب منها فعليا بأن تفعل وهي من عليها القرار
إما أن تكون مدلـله تخاف من كل شئ وتخجل منه أو تكون امرأه
تتحمل وتقاوم ... وتشعر ...!
بعد لحظات وجدت نفسها تهمس بخجل وعيناها تحتضنان اﻷرض
" حسنا ... "
لم يصدق نضال أذنه وهو يسمعها منها
يا الله وأخيرا حلمه سيتحقق وتكون في منزله ... قريبه منه .. قريبة للغايه ....
ازدرد ريقه يحاول التحكم في فورة مشاعره
هياج نبضاته وتلك الرغبه الجامحه بأن يرفعها من مكانها ويزرعها
بين ضلوعه ..
همس بصوت أجش يحمل بين طياته نيران شوقه لها
" أعدك أن أحميك وأحافظ عليك من نفسي لو لزم اﻷمر .. ستكونين
أميرة قلبي وحبيبتي .. "
رفعت عينيها له بحياء لتهمس بشبه ابتسامه خجولة على شفتيها
" وأنا واثقه من هذا ... "
)الصبر يا نضال ... الصبر .. لقد صبرت طويلا فلا ضرر من أيام أخر ..)
همس بها لنفسه ليأخذ نفس قوي وينهض يقول بحماس
" هيا بنا إذن كي نبدأ في شراء احتياجاتنا ... "
فغرت جيهان شفتيها لتهمس بعجب
" الآن .. !! ..."
أومأ بابتسامه متسليه ببراءتها وجمالها ليرد عليها بتأكيد
" نعم الآن ... لن نضيع لحظه أخرى ... "
ثم أشار للباب ليقول
" نادي والدك حتى نستأذن منه ونأخذ والدتك معنا أو أي شخص تريدين .. "
لم تستطع المجادلة أكثر أمام نظرات التصميم في عينيه
فنهضت تنفذ ما قاله والخجل يلفها وفرحه ناعمه تملأ قلبها الرقيق.

سلسلة  قلوب  شائكة/ الجزء الثاني ( نيران الجوى )Where stories live. Discover now