٢٧؛ ثَوبُ زِفافٍ أحمَرْ.

Почніть із самого початку
                                    

انتظر، ولم يعرف أنه كان ينتظر .. بل ووقف طويلا عند حدود الماضي يثب بقامة طفل في السابعة، يحاول التطفل على الأفق .. يتمنى لو يلمح طيفها كألوان قوس قزح عند أطراف السماء .. ترهبن عند المرسى، عاكسًا وضع الساعة الرملية يعد بصبر كل حبة تتخلف عن إخوتها لتسقط للوجهة الأخرى ..

دون أن يدري، احتفظ دماغه بأثير صوتها يهذي لطفولته المغتصبة " سآتي مع أول خيوط تنسجها السماء في لوحة الشروق، عند المرسى سأحلق برفقة طيور النورس .. انتظرني هناك! "

وانتظر .. بل وأسرف عمره كله في الانتظار، ترتفع الشمس بكبد السماء لتصفع وجهه بحقيقة أن وقت اللقاء قد مضى ولم تأتي .. أبى أن يتبرم كالأطفال، وحضر الغروب متلهفًا لشروقٍ آخر .. ثم طوى العمر نفسه، وأحس وكأن المرسى قد ملّ جلوسه فوقه وأن السماء تضجرت من تحديقه الطويل بها .. وبأنها لن تأتي!

لينهض نافضًا عنه هواجس الطفولة، ولأول مرة أدار ظهره لمحط اللقاء .. دون أن يدري أنه حملها، وحمل مكان اللقاء في قلبه .. ومضى!

ثمة أشخاص، لا يموتون أبدًا لأنهم يعيشون في قلوبنا .. لأننا نحن من وهبناهم حقوق العيش، وليست الحياة، ونحن لن نميتهم ولو متنا ..!

لم يعرف حتى الآن أنها قصدت مرسى ذاكرته، وإشراقة قلبه .. لم يعرف أن خفقات قلبه هي طيور النورس التي تصدح حناجرها بلهيب الاشتياق فكأنها كانت تقول " سألقاك بداخلك أنت! "

لم يدري أنه حتى الآن ورغم مغادرته للمرسى خائب الرجاء، كان .. ينتظر ..

لم يعرف أن ثورته عليهم، على كل من أتى بذكرها كشخص ميت، بسبب أنهم يبترون أمله أكثر .. لا يريد الحديث عنها كشخص ميت، لا يريد منحها صفات الموتى ؛ فالموتى .. لا يعطون مواعيد لقاء للأحياء!

الموتى لا يأتون .. وهو مازال ينتظر ~

حملتكِ فيّ ومضيت، وتقدم العمر بيّ وتفتحت بتلات عمركِ بداخلي .. ضرب الشيب شعركِ، ثم كدتِ تلفظين أنفاسك على فراش الموت .. فغيرت محطة إقامتكِ، لأسكنكِ عند قلبي .. كي تولدي مع كل خفقة تولد منه!

وحصنتكِ بقلاع صمتي، ثم حجبت عنكِ الأعين .. فأنتِ حية، ولن أسمح لهم إلباسكِ كفن الموت .. أنتِ حية طالما أنكِ في قلبي، طالما أن الذاكرة تنبض بكِ .. أمي!

حمّلتهُ الحياة بضائع طغيانها فوق كتفيه، ثم دفعته في طريقٍ طويل ما عاد يعرف له نهاية، يسير معصوب الأعين غير مسموح له بالرجوع عنه خطوة، ليس من ضمن خياراته المتاحة رجوع، هو حتى لا يملك خيارات ..

العدو أمامنّا والبحر من خلفنا، فإما الموت بشرف .. أو الموت بعار ~

وإن كان الخيار هو الموت أو الموت، فليمت بشموخٍ إذن .. ولذلك لملم ما بقي في أطرافه من طاقة للصمود متحملا فوق عاتقه خرسانة من وجع، بضغط عمود من الهواء يصل طوله أطراف الأرض والسماء وأبى أن يركع،

بِيكَاسّو || A war of bloodWhere stories live. Discover now